ابو إبراهيم
2008-07-27, 21:17
--------------------------------------- بســـــــــــــــــــم الله الرحمـــــــــــــن الرحيم -------------------------------------
المنهج السلفي وصناعة جيل التمكين
إن التمكين في الأرض للصالحين، والنصر للمؤمنين على أعدائهم المناوئين، والتوفيق الذي وعد الله _سبحانه وتعالى_ للذين تتوافر فيهم الصفات والخصائص المطلوبة من إيمان وتقوى وصبر ويقين، هو ما يطلبه كل مسلم ويتطلع إليه كل مؤمن، ويسعد بتحققه البشر أجمعون - نعم- إن ذلك هو المنحة الربانية، والهبة القدسية، التي وعد الله بها أولياءه، وعباده وأحبابه، ولن يخلف الله وعده، قال _تعالى_: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..." (النور: من الآية55).
لقد جعل الله ذلك الوعد مسطراً في كتابه العظيم، لكن على وفق سنة باقية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، متى ما تحققت شروطه وتيسرت أسبابه قال الله _عز وجل_: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (الأنبياء:105)، فلا شك أن ذلك الوعد أمنية نتمناها ونتطلع إليها وننشدها فرادى وجماعات خصوصاً في هذا الزمان، زمان الضعف والانكسار الذي تمر به أمتنا الإسلامية "قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف:129)، وقد قال لهم موسى قبل ذلك لله "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف:128).
فعلينا أيها الإخوة الأكارم:
أن نعلم علم يقين أن هذا الوعد الرباني الصادق، وهذه المنحة الإلهية المحققة، لا تكون إلا للذين يحملون منهجاً قويماً، وطريقاً واضحاً مستقيماً، لا يكون تمكين ولا يحصل توفيق إلا للذين يسيرون على منهج خير القرون، ونور العيون، إلا لمن يسيرون على السنة ويجتمعون على الحق، ويتعاونون على البر والتقوى، وعلى وفق الكتاب والسنة يقولون ويفعلون.
لماذا نلتزم منهج السلف؟
نعني بمنهج السلف،منهج الجماعة الأولى، وفي مقدمتهم الصحابة الكرام، فهم الصفوة الطيبة المباركة الذي هداهم الله فبهداهم نقتدي وعلى طريقتهم نقتفي، فالتزام هذا المنهج، والسير على هذا الصراط المستقيم، ضرورة حتمية لمن أراد التمكين وتتطلع إلى النصر الموعود، وأراد العز المفقود، ولنا فيهم أسوة حسنة وهم لنا خير مثال، وأعظم دليل، وأقوى برهان، من حيث واقعهم الديني والدنيوي، لما ساروا على هذا المنهج كيف مكن الله لهم ففتحوا البلاد ومصروا الأمصار، ونصروا الملة وأقاموا الدين، وأوصلوه إلى المشارق والمغارب من المعمورة، فعز سلطانهم، وقويت شوكتهم بين أمم الأرض متى تحصل لهم ذلك؟ يوم التزموا هذا المنهج الصحيح وعضوا بالنواجذ عليه، سادوا وعزوا ومكنوا، ونصروا.
أيها الإخوة الفضلاء:
(1) نلتزم طريقهم ونسلك مسلكهم؛ لأن منهجهم فيه رضا الله وكفى بذلك من غاية سامية، ومنحة غالية، ومرتبة عالية، يقول الله _سبحانه وتعالى_: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة:100)، ففي هذا المنهج السبيل إلى رضا الله، والطريق إلى الجنة، ومرافقة الأنبياء والشهداء والصالحين؛ لأن هذا المنهج خطه مستقيم سبيل واحد، سلكه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ومعه الصحابة فشهد الله لهم بالوصول إليه مكرمين معززين غير خزايا ولا نادمين، بسلام وآمان، وعافية واطمئنان، وأما الذين غيروا وبدلوا، وأحدثوا وابتدعوا فسيقول لهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "سحقاً سحقاً بعداً بعداً".
(2) منهج الصحابة نلتزمه؛ لأن الله _عز وجل_ يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة:119) قال عبدالله بن عمر كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير قال مع أصحاب محمد " ولا نكون معهم إلا إذا سرنا على طريقتهم وكنا خير خلف لخير سلف.
قال ابن القيم: " ولا ريب أنهم أصحاب محمد _صلى الله عليه وسلم_ ولا ريب أنهم أئمة الصادقين، وكل صادق بعدهم فيهم يأتم من صدقه، بل حقيقة صدقه اتباعه لهم وكونه معهم "إعلام الموقعين".
وقال _تعالى_: "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" (سـبأ:6).
قال ابن القيم: "أي العلم الذي بعث به نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_ وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم كان اتباعهم واجباً".
قال _تعالى_: "فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة:137).
فهذا أمر من الله _سبحانه وتعالى_ إلينا بحتمية التزام منهجهم والسير على طريقتهم، واتباع سبيلهم، والأخذ بهديهم فان فعلنا ذلك اهتدينا وسددنا وإن خالفنا ذلك فقد وقعنا في الخلاف والشقاق.
(3) منهج الصحابة نتبعه؛ لأنه منهج يقوم على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، مع استنباط فقهها ومقاصدها، وعمومها وخصوصها لتتلاءم مع الزمان والمكان، بعيداً عن التقليد الأعمى للآراء والاستنباطات التي لا دليل عليها، و بمنأى عن العقليات المصادمة للدليل والبرهان، والتي لا توافق روح الشريعة ومقاصدها العظمى،وبمعزل عن التمييع والتضييع للأصول و للأحكام.
(4) منهج الصحابة هو الحق والجادة، والبيضاء النقية التي ترك الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أصحابه عليها، وقد قال كما صح عنه _صلى الله عليه وسلم_: "تركتكم على البيضاء النقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" صححه الألباني في الصحيحة.
(5) هذا المنهج الذي يجمع على الحق، ولا يفرق وما أحوجنا إلى الاجتماع والتوحد في هذا الزمان، فمنه الطريق إلى توحيد كلمة الأمة، وعن طريقه، نستطيع أن نحل النزاعات وأن نقضي على الاختلاف، لماذا؟ لأنه فيه صراحة ووضوح يحدد المرجعية التي يجب أن يتحاكم إليها المسلمون جميعاً في كل شيء من أمورهم، وهذا هو الطريق الواقي والسور المنيع الذي يحجز الأمة عن الانحراف عن الاستقامة والهداية، والسقوط في حبائل أهل الأهواء والاختلافات والشتات.
(6) منهج الصحابة منهج التمكين؛ لأن ثوابته لا يختلف فيها اثنان ومعالمه يهتدي بها الجاهل والحيران، ليس فيه فلسفة ولا تعقيد منهج منا سب لفطرة كل إنسان،على مر العصور والأزمان، وفي مختلف الأماكن والبلدان، لذلك يقول ابن عقيل _رحمه الله_: "أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن مثلهم، وإن رأيت أن طريق المتكلمين أوفى من طريق أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت".
(7) جاء في أحاديث الطائفة المنصورة وهي كثيرة متكاثرة، جاء من أوصافها أنها ملتزمة بما كان عليه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وصحابته الكرام، فعند ما سئل الرسول _صلى الله عليه وسلم_ عن ووصف هذه الطائفة أجاب بجواب سديد بليغ وهو من جوامع كلمه _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"
هم النجوم نسائلها إذا التبست
عليك عند السرى يا صاحبي السبل
اتبع طريقتهم اعرف حقيقتهم
اقرأ وثيقتهم بالحب يا رجل
(8) نسير على طريق السلف؛ لأن السلف أهدى الناس سبيلاً، وأصدقهم قيلاً وأرجحهم تعديلاً، هم أعلام يهتدى بهم في بيداء الضلالة، وهم أقمار يستضاء بهم في بيداء الجهالة، هم الموازين الصادقة للمذاهب، والمعين العذب لكل شارب وهم الرعيل المختار المقتدي به كل طالب.
نتشبه بهم ونسير على طريقتهم "لأنهم أطهر من ماء الغمام، وأزكى من المسك والخزام، هجروا العلوم المنطقية والقضايا السفسطية، والعقائد القرمطية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب التدمرية والحموية والعقيدة الواسطية: "وقد دل الإجماع على أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد، وغيرها من كل فضيلة القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة، وأنهم أول للبيان من كل مشكل، هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله علم" (الفتاوى لابن تيمية 4/157-158).
(9) منهجهم أعلم وأسلم وأحكم يقول الشوكاني _رحمه الله_ عن أهل الكلام: "فهم متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم فكان غاية ما ظفروا به من الأعلميه أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز وقالوا هنيئاً للعامة فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط، ويتمنى أنه في عدادهم ويمشي على طريقهم" التحف في مذهب السلف.
(10) منهجهم فيه اليقين والثبات بخلاف غيره من المنهج والطرق فإن فيه الاضطراب والتنقل يقول ابن تيمية: "إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول، وجزماً بالقول في موضع و بنقيضه وتكفير قائله في موضع أخر وهذا دليل على عدم اليقين" (المجموع 4/54).
من ناحية تاريخية:
من يستقرئ تأريخ الأمة الإسلامية يجد أن التفرق والانحراف ما وقع في الأمة إلا بسبب ترك المنهج القويم، والانزلاق إلى مناهج بدعية، والانجراف وراء أفكار هدامة، والاطمئنان إلى آراء الرجال وزبالة أفهامهم من غير رجوع إلى منهج أولئك البررة الأخيار المتقدمين، الذين عايشوا الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وعاصروا التزيل، وعرفوا التأويل، وسأضرب مثالاً واحداً على هذا:
أني عندما يستقل الناس بفهم الكتاب والسنة، خصوصاً في مسائل الاعتقاد وأصول الدين عن منهج الصحابة وفهم السلف، أنه يحصل الدمار، والفساد والإفساد والضلال وسوء المنقلب، هؤلاء الخوارج وما أدراك ما الخوارج عندما استقلوا بفهمهم عن الصحابة الكرام، وسلكوا مسلكاً خاصاً بهم في فهم الدين ضلوا وأضلوا، أتعرفون إلى أين وصلوا؟ وما هو مستوى الضلال الذي بلغ بهم؟ عندما خرجوا بأفكارهم عن السنة، وانحرفوا بتصوراتهم عن جماعة الصحابة، وصل بهم الأمر، وآل بهم الضلال إلى تكفير خيار الصحابة كعلي بن أبي طالب _رضي الله عنه_.
نترك ابن عباس يحدثنا عن شيء من حالهم ومآلهم عندما ذهب إليهم ليحاورهم، ويناقشهم، يقول _رضي الله عنه_:" دخلت عليهم وهم قائلون، فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر، قد أثر السجود في جباههم، كأن أيديهم ثفن الإبل، عليهم قمص مرخصة، فقالوا: ما جاء بك يا بن عباس؟ وما هذه الحلة التي عليك؟ قال: قلت: ما تعيبون من ذلك؟ فلقد رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعليه أحسن ما يكون من الثياب اليمنية قال: ثم قرأت هذه الآية "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" (الأعراف: من الآية32).
فقالوا: ما جاء بك؟ قال جئتكم من عند أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وليس فيكم منهم أحد ومن عند بن عم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله، جئت لأبلغكم عنهم، وأبلغهم عنكم فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإن الله يقول: "بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" (الزخرف: من الآية58) فقال بعضهم: بلى فلنكلمه، قال: فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة، قال: قلت: ماذا نقمتم عليه؟ قالوا ثلاثاً. فقلت: ما هن؟ قالوا: حكم الرجال في أمر الله والله يقول: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" (الأنعام: من الآية57) قال: هذه واحدة، وماذا أيضاً قالوا: فإنه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم، ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسبيهم قال: قلت: وماذا أيضاً قالوا: محا نفسه من إمرة المؤمنين، فإن لم يكن أميراً للمؤمنين فهو أمير للكافرين. قال: أريتم لو أتيتكم من كتاب الله وسنة رسوله ما ينقض قولكم أترجعون، قالوا: ومالنا لا نرجع؟ قال: قلت: أما قولكم: "حكم الرجال في أمر الله " فإن الله قال في كتابه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ" (المائدة: من الآية95)، وقال في المرأة وزوجها: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا" (النساء: من الآية35)، فصير الله ذلك إلى حكم الرجال، فناشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين، وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب ثمنه ربع دينار وفي بضع امرأة؟ قالوا: بلى هذا أفضل قال: أخرجتم من هذه؟ قالوا: نعم قال: وأما قولكم: " قاتل ولم يسب أو يغنم أتسبون أمكم عائشة؟ فإن قلتم: نسبها فنستحل ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم فأنتم ترددون بين ضلالتين، أخرجتم من هذه؟ قالوا: بلى وأما قولكم: محا نفسه من إمرة المؤمنين " فأنا أتيكم بمن ترضون إن نبي الله يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: اكتب يا علي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو: ما نعلم أنك رسول الله، ولو نعلم أنك رسول الله ما قتلناك فقال الرسول _صلى الله عليه وسلم_: اللهم إنك تعلم أني رسولك يا علي اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو" .
لله در ابن عباس لقد كان بحراً زاخراً على نور وبصيرة من أمره، كشف الشبهة ودحضها، وأتى بالأدلة البينة الواضحة من الكتاب والسنة بفهم صحيح مستقيم بين "هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي..." (يوسف: من الآية108).
وقد أثمرت جهوده _رضي الله عنه_ ورجع منهم ألفان عن غيهم وانحرافهم وباطلهم، فما أحوجنا إلى العلماء الربانيين من أمثال ترجمان القرآن ابن عباس _رضي الله عنهما_ كي يقارعوا أهل الباطل ويناقشوا أهل الضلال ويوضحوا الطريق.
فالشاهد أيها الإخوة من سردي لهذه القصة التي حوت محاورة ابن عباس للخوارج هو أن أي فرقة أو طائفة تستقل بمنهجها وفهما عن طريق ومنهج الصحابة فإنها قد وقعت في عين الضلال، ووقعت في وادي الهلاك والبدعة.
-------------- تابع --------
المنهج السلفي وصناعة جيل التمكين
إن التمكين في الأرض للصالحين، والنصر للمؤمنين على أعدائهم المناوئين، والتوفيق الذي وعد الله _سبحانه وتعالى_ للذين تتوافر فيهم الصفات والخصائص المطلوبة من إيمان وتقوى وصبر ويقين، هو ما يطلبه كل مسلم ويتطلع إليه كل مؤمن، ويسعد بتحققه البشر أجمعون - نعم- إن ذلك هو المنحة الربانية، والهبة القدسية، التي وعد الله بها أولياءه، وعباده وأحبابه، ولن يخلف الله وعده، قال _تعالى_: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..." (النور: من الآية55).
لقد جعل الله ذلك الوعد مسطراً في كتابه العظيم، لكن على وفق سنة باقية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، متى ما تحققت شروطه وتيسرت أسبابه قال الله _عز وجل_: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (الأنبياء:105)، فلا شك أن ذلك الوعد أمنية نتمناها ونتطلع إليها وننشدها فرادى وجماعات خصوصاً في هذا الزمان، زمان الضعف والانكسار الذي تمر به أمتنا الإسلامية "قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف:129)، وقد قال لهم موسى قبل ذلك لله "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف:128).
فعلينا أيها الإخوة الأكارم:
أن نعلم علم يقين أن هذا الوعد الرباني الصادق، وهذه المنحة الإلهية المحققة، لا تكون إلا للذين يحملون منهجاً قويماً، وطريقاً واضحاً مستقيماً، لا يكون تمكين ولا يحصل توفيق إلا للذين يسيرون على منهج خير القرون، ونور العيون، إلا لمن يسيرون على السنة ويجتمعون على الحق، ويتعاونون على البر والتقوى، وعلى وفق الكتاب والسنة يقولون ويفعلون.
لماذا نلتزم منهج السلف؟
نعني بمنهج السلف،منهج الجماعة الأولى، وفي مقدمتهم الصحابة الكرام، فهم الصفوة الطيبة المباركة الذي هداهم الله فبهداهم نقتدي وعلى طريقتهم نقتفي، فالتزام هذا المنهج، والسير على هذا الصراط المستقيم، ضرورة حتمية لمن أراد التمكين وتتطلع إلى النصر الموعود، وأراد العز المفقود، ولنا فيهم أسوة حسنة وهم لنا خير مثال، وأعظم دليل، وأقوى برهان، من حيث واقعهم الديني والدنيوي، لما ساروا على هذا المنهج كيف مكن الله لهم ففتحوا البلاد ومصروا الأمصار، ونصروا الملة وأقاموا الدين، وأوصلوه إلى المشارق والمغارب من المعمورة، فعز سلطانهم، وقويت شوكتهم بين أمم الأرض متى تحصل لهم ذلك؟ يوم التزموا هذا المنهج الصحيح وعضوا بالنواجذ عليه، سادوا وعزوا ومكنوا، ونصروا.
أيها الإخوة الفضلاء:
(1) نلتزم طريقهم ونسلك مسلكهم؛ لأن منهجهم فيه رضا الله وكفى بذلك من غاية سامية، ومنحة غالية، ومرتبة عالية، يقول الله _سبحانه وتعالى_: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة:100)، ففي هذا المنهج السبيل إلى رضا الله، والطريق إلى الجنة، ومرافقة الأنبياء والشهداء والصالحين؛ لأن هذا المنهج خطه مستقيم سبيل واحد، سلكه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ومعه الصحابة فشهد الله لهم بالوصول إليه مكرمين معززين غير خزايا ولا نادمين، بسلام وآمان، وعافية واطمئنان، وأما الذين غيروا وبدلوا، وأحدثوا وابتدعوا فسيقول لهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "سحقاً سحقاً بعداً بعداً".
(2) منهج الصحابة نلتزمه؛ لأن الله _عز وجل_ يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة:119) قال عبدالله بن عمر كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير قال مع أصحاب محمد " ولا نكون معهم إلا إذا سرنا على طريقتهم وكنا خير خلف لخير سلف.
قال ابن القيم: " ولا ريب أنهم أصحاب محمد _صلى الله عليه وسلم_ ولا ريب أنهم أئمة الصادقين، وكل صادق بعدهم فيهم يأتم من صدقه، بل حقيقة صدقه اتباعه لهم وكونه معهم "إعلام الموقعين".
وقال _تعالى_: "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" (سـبأ:6).
قال ابن القيم: "أي العلم الذي بعث به نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_ وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم كان اتباعهم واجباً".
قال _تعالى_: "فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة:137).
فهذا أمر من الله _سبحانه وتعالى_ إلينا بحتمية التزام منهجهم والسير على طريقتهم، واتباع سبيلهم، والأخذ بهديهم فان فعلنا ذلك اهتدينا وسددنا وإن خالفنا ذلك فقد وقعنا في الخلاف والشقاق.
(3) منهج الصحابة نتبعه؛ لأنه منهج يقوم على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، مع استنباط فقهها ومقاصدها، وعمومها وخصوصها لتتلاءم مع الزمان والمكان، بعيداً عن التقليد الأعمى للآراء والاستنباطات التي لا دليل عليها، و بمنأى عن العقليات المصادمة للدليل والبرهان، والتي لا توافق روح الشريعة ومقاصدها العظمى،وبمعزل عن التمييع والتضييع للأصول و للأحكام.
(4) منهج الصحابة هو الحق والجادة، والبيضاء النقية التي ترك الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أصحابه عليها، وقد قال كما صح عنه _صلى الله عليه وسلم_: "تركتكم على البيضاء النقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" صححه الألباني في الصحيحة.
(5) هذا المنهج الذي يجمع على الحق، ولا يفرق وما أحوجنا إلى الاجتماع والتوحد في هذا الزمان، فمنه الطريق إلى توحيد كلمة الأمة، وعن طريقه، نستطيع أن نحل النزاعات وأن نقضي على الاختلاف، لماذا؟ لأنه فيه صراحة ووضوح يحدد المرجعية التي يجب أن يتحاكم إليها المسلمون جميعاً في كل شيء من أمورهم، وهذا هو الطريق الواقي والسور المنيع الذي يحجز الأمة عن الانحراف عن الاستقامة والهداية، والسقوط في حبائل أهل الأهواء والاختلافات والشتات.
(6) منهج الصحابة منهج التمكين؛ لأن ثوابته لا يختلف فيها اثنان ومعالمه يهتدي بها الجاهل والحيران، ليس فيه فلسفة ولا تعقيد منهج منا سب لفطرة كل إنسان،على مر العصور والأزمان، وفي مختلف الأماكن والبلدان، لذلك يقول ابن عقيل _رحمه الله_: "أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن مثلهم، وإن رأيت أن طريق المتكلمين أوفى من طريق أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت".
(7) جاء في أحاديث الطائفة المنصورة وهي كثيرة متكاثرة، جاء من أوصافها أنها ملتزمة بما كان عليه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وصحابته الكرام، فعند ما سئل الرسول _صلى الله عليه وسلم_ عن ووصف هذه الطائفة أجاب بجواب سديد بليغ وهو من جوامع كلمه _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"
هم النجوم نسائلها إذا التبست
عليك عند السرى يا صاحبي السبل
اتبع طريقتهم اعرف حقيقتهم
اقرأ وثيقتهم بالحب يا رجل
(8) نسير على طريق السلف؛ لأن السلف أهدى الناس سبيلاً، وأصدقهم قيلاً وأرجحهم تعديلاً، هم أعلام يهتدى بهم في بيداء الضلالة، وهم أقمار يستضاء بهم في بيداء الجهالة، هم الموازين الصادقة للمذاهب، والمعين العذب لكل شارب وهم الرعيل المختار المقتدي به كل طالب.
نتشبه بهم ونسير على طريقتهم "لأنهم أطهر من ماء الغمام، وأزكى من المسك والخزام، هجروا العلوم المنطقية والقضايا السفسطية، والعقائد القرمطية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب التدمرية والحموية والعقيدة الواسطية: "وقد دل الإجماع على أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد، وغيرها من كل فضيلة القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة، وأنهم أول للبيان من كل مشكل، هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله علم" (الفتاوى لابن تيمية 4/157-158).
(9) منهجهم أعلم وأسلم وأحكم يقول الشوكاني _رحمه الله_ عن أهل الكلام: "فهم متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم فكان غاية ما ظفروا به من الأعلميه أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز وقالوا هنيئاً للعامة فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط، ويتمنى أنه في عدادهم ويمشي على طريقهم" التحف في مذهب السلف.
(10) منهجهم فيه اليقين والثبات بخلاف غيره من المنهج والطرق فإن فيه الاضطراب والتنقل يقول ابن تيمية: "إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول، وجزماً بالقول في موضع و بنقيضه وتكفير قائله في موضع أخر وهذا دليل على عدم اليقين" (المجموع 4/54).
من ناحية تاريخية:
من يستقرئ تأريخ الأمة الإسلامية يجد أن التفرق والانحراف ما وقع في الأمة إلا بسبب ترك المنهج القويم، والانزلاق إلى مناهج بدعية، والانجراف وراء أفكار هدامة، والاطمئنان إلى آراء الرجال وزبالة أفهامهم من غير رجوع إلى منهج أولئك البررة الأخيار المتقدمين، الذين عايشوا الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وعاصروا التزيل، وعرفوا التأويل، وسأضرب مثالاً واحداً على هذا:
أني عندما يستقل الناس بفهم الكتاب والسنة، خصوصاً في مسائل الاعتقاد وأصول الدين عن منهج الصحابة وفهم السلف، أنه يحصل الدمار، والفساد والإفساد والضلال وسوء المنقلب، هؤلاء الخوارج وما أدراك ما الخوارج عندما استقلوا بفهمهم عن الصحابة الكرام، وسلكوا مسلكاً خاصاً بهم في فهم الدين ضلوا وأضلوا، أتعرفون إلى أين وصلوا؟ وما هو مستوى الضلال الذي بلغ بهم؟ عندما خرجوا بأفكارهم عن السنة، وانحرفوا بتصوراتهم عن جماعة الصحابة، وصل بهم الأمر، وآل بهم الضلال إلى تكفير خيار الصحابة كعلي بن أبي طالب _رضي الله عنه_.
نترك ابن عباس يحدثنا عن شيء من حالهم ومآلهم عندما ذهب إليهم ليحاورهم، ويناقشهم، يقول _رضي الله عنه_:" دخلت عليهم وهم قائلون، فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر، قد أثر السجود في جباههم، كأن أيديهم ثفن الإبل، عليهم قمص مرخصة، فقالوا: ما جاء بك يا بن عباس؟ وما هذه الحلة التي عليك؟ قال: قلت: ما تعيبون من ذلك؟ فلقد رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعليه أحسن ما يكون من الثياب اليمنية قال: ثم قرأت هذه الآية "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" (الأعراف: من الآية32).
فقالوا: ما جاء بك؟ قال جئتكم من عند أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وليس فيكم منهم أحد ومن عند بن عم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله، جئت لأبلغكم عنهم، وأبلغهم عنكم فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإن الله يقول: "بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" (الزخرف: من الآية58) فقال بعضهم: بلى فلنكلمه، قال: فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة، قال: قلت: ماذا نقمتم عليه؟ قالوا ثلاثاً. فقلت: ما هن؟ قالوا: حكم الرجال في أمر الله والله يقول: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" (الأنعام: من الآية57) قال: هذه واحدة، وماذا أيضاً قالوا: فإنه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم، ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسبيهم قال: قلت: وماذا أيضاً قالوا: محا نفسه من إمرة المؤمنين، فإن لم يكن أميراً للمؤمنين فهو أمير للكافرين. قال: أريتم لو أتيتكم من كتاب الله وسنة رسوله ما ينقض قولكم أترجعون، قالوا: ومالنا لا نرجع؟ قال: قلت: أما قولكم: "حكم الرجال في أمر الله " فإن الله قال في كتابه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ" (المائدة: من الآية95)، وقال في المرأة وزوجها: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا" (النساء: من الآية35)، فصير الله ذلك إلى حكم الرجال، فناشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين، وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب ثمنه ربع دينار وفي بضع امرأة؟ قالوا: بلى هذا أفضل قال: أخرجتم من هذه؟ قالوا: نعم قال: وأما قولكم: " قاتل ولم يسب أو يغنم أتسبون أمكم عائشة؟ فإن قلتم: نسبها فنستحل ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم فأنتم ترددون بين ضلالتين، أخرجتم من هذه؟ قالوا: بلى وأما قولكم: محا نفسه من إمرة المؤمنين " فأنا أتيكم بمن ترضون إن نبي الله يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: اكتب يا علي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو: ما نعلم أنك رسول الله، ولو نعلم أنك رسول الله ما قتلناك فقال الرسول _صلى الله عليه وسلم_: اللهم إنك تعلم أني رسولك يا علي اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو" .
لله در ابن عباس لقد كان بحراً زاخراً على نور وبصيرة من أمره، كشف الشبهة ودحضها، وأتى بالأدلة البينة الواضحة من الكتاب والسنة بفهم صحيح مستقيم بين "هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي..." (يوسف: من الآية108).
وقد أثمرت جهوده _رضي الله عنه_ ورجع منهم ألفان عن غيهم وانحرافهم وباطلهم، فما أحوجنا إلى العلماء الربانيين من أمثال ترجمان القرآن ابن عباس _رضي الله عنهما_ كي يقارعوا أهل الباطل ويناقشوا أهل الضلال ويوضحوا الطريق.
فالشاهد أيها الإخوة من سردي لهذه القصة التي حوت محاورة ابن عباس للخوارج هو أن أي فرقة أو طائفة تستقل بمنهجها وفهما عن طريق ومنهج الصحابة فإنها قد وقعت في عين الضلال، ووقعت في وادي الهلاك والبدعة.
-------------- تابع --------