تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العباس بن فرناس (194-273هـ / 810 -887م)


كريم عمايرية
2008-07-27, 20:15
العباس بن فرناس (194-273هـ / 810 -887م)


أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرتي، طبيب فيزيائي وأديب وفنان اشتهر في القرن الثالثالهجري / التاسع الميلادي. ولد في برارة ، ثم انتقل إلى قرطبة ودرس فيها شتى العلومحتى لقب "بحكيم الأندلس"
نشأ ابن فرناس وترعرع في قرطبة، التي كانت آنذاك منارةللعلم والفن والأدب في بلاد المغرب والأندلس، فتعلم- كعادة أبناء وطنه عند بدايةطلب العلم- القرآن الكريم ومبادئ الدين الحنيف في كتاتيبها، التي كانت منتشرة فيذلك الوقت، ثم بدأ يرتاد حلقات العلم التي كانت تعقد في مسجد قرطبة فكان ينصت إلىما يجري فيها من أبحاث ومناظرات ومجادلات علمية، ويستمع إلى ما يلقيه العلماءالأندلسيون من العلم الذي أخذوه عن علماء المشرق الإسلامي. ثم قصد المجالس الأدبيةليستمع إلى شيوخها استماعا متبصرا فأفاد من شعراء الأندلس وأدبائها.
وكانبالإضافة إلى حرصه على تلقي العلم متوقد الذكاء شديد الحفظ دقيق النظر، فكان كثيرالتردد إلى أصحاب الفنون الرفيعة ينعم السمع إلى الأصوات التي يضعونها، ويراقبالآلات الموسيقية التي يوقعون عليها ألحانهم، وكثيرا ما كان يتردد على أماكن أهلالصناعات الدقيقة فيدقق النظر في أعمالهم وصناعاتهم وفنونهم العجيبة. فكان له السبقبين علماء زمانه بما انفرد به من معارف وعلوم.
ثم عرّج ابن فرناس على دراسةمصنفات الطب، فدرس خصائص الأمراض وأعراضها وتشخيصها، وطالع طرق الوقاية منها وكيفيةعلاج المصابين بها ومراحل هذا العلاج. كما درس خصائص الأحجار والأعشاب والنباتاتووقف على خواصها المفيدة في العلاج. وكان في سبيل ذلك يقصد الأطباء والصيادلةويناقشهم فيما ظهر له من من الملاحظات أثناء إطلاعه على هذه الصنعة الجليلة التيتحفظ البدن وتقي من الآفات والأمراض.
وقد اكتسب ابن فرناس ثقة ملوك ورجال دولتهلسعة علمه وكثرة اطلاعه وشهرته بين أطباء وعلماء عصره، لذلك اتخذه الأمراء الأمويونفي الأندلس طبيبا خاصا لهم ولأبناء الأسر الحاكمة ومشرفا على صحتهم وطعامهم.
ولم يكتف ابن فرناس بدراسة الطب والنبوغ فيه بل درس أيضا الفلسفة والمنطقوالنجوم والعلوم الروحانية، فجمع المصنفات التي تبحث في هذه العلوم، فقرأها قراءةدقيقة فاحصة، ثم اشتغل بدراسة علم النحو وقواعد الإعراب وآراء علماء النحو فيالتعليل، فبلغ في ذلك مبلغا عظيما حتى صار من أعلم الناس بالنحو في عصره في ربوعالأندلس، فصنفه العلماء في الطبقة الثالثة من نحاة الأندلس. كما كان ذا باع فياللغة والأدب وعلم العروض، وفوق ذلك كله كان شاعرا ذا موهبة شعرية فريدة، فخلف شعراكثيرا في أغراض مختلفة، وقد أهّله ذلك أن يكون شاعر البلاط الأموي في الأندلس كماكان طبيبهم.



يروى أنه لما دخل كتاب العروض (العلم الذي ابتكره الخليلابن أحمد وضبط به بحور وأوزان الشعر العربي) إلى الأندلس ووصل إلى الأمير عبدالرحمن بن الحكم، عرضه على علماء قرطبة وأدبائها ليوضحوه له، فعجزوا عن ذلك، وصارالكتاب مما يتلهى به في قصر الأمير، حتى إن بعض جواري القصر كن يقلن لبعضهن: صيرالله عقلك كعقل الذي ملأ كتابه من: مما ومما، فبلغ الخبر ابن فرناس، فتقدم إلىالأمير وطلب منه إخراج الكتاب إليه، ففعل. ولما قرأه ابن فرناس وتدبره علم أنه فيعلم العروض، ، ففك ابن فرناس غوامضه وشرحه لقومه فسهل عليهم دراسة هذا الفن الجميلوالاستفادة منه.



وهكذا كان ابن فرناس ضليعا في علوم وصناعات وآدابمتعددة. لقد كرس جهده لتحقيق المسائل العلمية التي درسها وصنع آلات وأدوات تساعدهعلى رصد النجوم والكواكب ومراقبة حركاتها حتى أنه جعل داره كهيئة السماء وصور فيهاالشمس و القمر والكواكب ومداراتها فكان ذلك من عجائب صنعته وبديع ابتكاراته. كماقام بتجارب وتحاليل كيميائية مختلفة استطاع من خلالها تطوير صناعات من مواد قليلةالثمن، سهلة، في متناول الناس في ديار الأندلس.
وأخيرا فقد درس ابن فرناس ثقلالأجسام ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا حلقت في الفضاء. وتوجدراسته هذه بمحاولة للطيران فكان أول من طار وحلق في الهواء كما تطير الطيور.



يروى أنه بعد أن تأكد من صحة ما لديه من المعلوماتحمله ذلك على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه، فكسا نفسه بالريش الذي اتخذه من سرقيالحرير (شقق الحرير الأبيض) لمتانته وقوته، وصنع له جناحين من الحرير أيضا يحملانجسمه إذا ما حركهما في الفضاء. وبعد أن أتم كل ما يحتاج إليه في محاولته تلك، وتأكدمن أنه إذا حرك هذين الجناحين، فإنهما سيحملانه ليطير في الجو، أعلن للملأ أنه يريدأن ي طير في الفضاء، وأن طيرانه سيكون من الرصافة أعلى مدينة قرطبة، فاجتمع الناسهناك لمشاهدة هذا الطائر الآدمي الذي سيحلق في فضاء قرطبة. وصعد ابن فرناس بآلتهالحريرية فوق مرتفع وحرك جناحيه وقفز في الجو، وطار في الفضاء مسافة بعيدة عنالمكان الذي انطلق منه والناس ينظرون بدهشة وإعجاب. وعندما همَّ بالهبوط إلى الأرضأصيب في ظهره، فقد فاته أن الطائر عندما يهبط إنما يهبط على مؤخرته. ولم يزل ابن فرناس يقدم إبداعاته واختراعاته حتى وافته المنية عام 273هـ / 887 م، عن عمر يناهز الثمانين عاما


كريم عمايرية