تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لا يلجأ أهلُ السُّنَّة في إصلاَحِهم إلى الحلِّ السِّياسيِّ والحلِّ الدَّمويِّ؟


جرح أليم
2011-01-24, 09:43
لماذا لا يلجأ أهلُ السُّنَّة في إصلاَحِهم إلى الحلِّ السِّياسيِّ والحلِّ الدَّمويِّ؟
الشيخ عبد المالك رمضاني

جاءَ الدِّينُ الإسلاَميُّ شاملاً لجَميع حاجاتِ الخَلقِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين﴾[النحل:89]، ومِن هذهِ الحاجاتِ الجانبُ السِّياسيُّ الَّذي به انتِظامُ اجتِماع النَّاس، والجانبُ الجِهاديُّ الَّذي به ضَمانُ عزِّهم وصدُّ عُدوانِ المُعتدي علَيهم، وشرفُ القائم علَيهما بعِلم وعدلٍ أمرٌ مَعلومٌ، هَذه المقدِّمةُ قدَّمتُها لبَيانِ أنَّ السِّياسةَ الشَّرعيَّةَ مِن الدِّين، وأنَّ الجِهادَ المَشروعَ من الدِّين أيضًا، بل هو ذِروةُ سَنامِه كما أَخبرَ بذَلك الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم.

لكن لمَّا تخلَّى كَثيرٌ من المُسلمِين عن كَثيرٍ ممَّا جاءَ بهِ دينُهم أصابَهم من المصائب ما لاَ يخفَى على أحدٍ، فبَينما هي أمَّةٌ واحدةٌ عَزيزةُ الجانب مَنيعةُ الأَسوارِ إذْ تحوَّلَت وَحدتُها إلى فُرقةٍ وقوَّتُها إلى ضَعفٍ إلاَّ ما شاءَ الله، وقد قامَت دَعواتٌ إسلاميَّةٌ لإصلاَح الأوضاع؛ لكن اختلَفوا في ذلكَ بحسَب اختلاَفِهم في تَحقيقِ جُذور البليَّة، وأكثرُها يرَى أنَّ ما أَصابَ المُسلمِين اليومَ من نكَساتٍ عَظيمةٍ سببُه الرَّئيسُ هو الفَسادُ السِّياسيُّ، وقد وصَلَ إلى هَذا الاستِنتاج جَماعاتٌ مُختلفةُ المَناهج، وما سلَكوه في إصلاَح هذا الفساد السِّياسيِّ هو الَّذي بايَنَ بين مَناهجِهم زيادةً على تَبايُن أُصولِهم، وقد برزَ على السَّاحةِ منها بُروزًا ظاهرًا جماعتانِ: الأولى ترَى أنَّ الأمرَ يَحتاجُ إلى دخول المعتركِ السِّياسيِّ لـ «أَسْلمةِ» برامج الدَّولةِ كما يعبِّرون، بَينما ترَى الأُخرى أنَّه لاَ دواءَ لما ذُكر إلاَّ بالقتالِ.

فالأوَّلونَ ظنُّوا أنَّ الأَمرَ يَحتاجُ إلى السِّباقِ إلى السُّلطةِ!
والآخَرونَ مَا يرَونَه إلاَّ في قَطفِ الرُّؤوس المُتسلِّطةِ!
وليسَ الخلاَفُ هنا في الاعتِرافِ بفَسادِ الحالِ، ولاَ هو في ضَرورةِ السَّعي لإِصلاَحِه أو عدَم ذَلك؛ ولَكن الخلاَف في طَريقتِه، وأثرُ الاختلاَفِ في ذلكَ مَعلومٌ؛ لأنَّ الطَّريقةَ الإصلاَحيَّةَ إذَا جُهلَت أو أُغفلَت ظلَّ صاحبُها يُكابدُ التَّغييرَ من غَير بابِه، وكانَ كمَن يَقصدُ هدفًا من غَير طَريقِه، فمتَى يَصِل؟!

وكذلك بالنِّسبة للبَحث في أَصل الانحِراف؛ فإنَّ طَبيعةَ العلاج تَختلف باختلاَف التَّعرُّف على أصل الدَّاء، لذَا، أَحببتُ تَبيينَ أَصل بليَّة المُسلمينَ؛ لأنَّ الاهتِداءَ إلى تَعيينِه يَعني الاهتِداءَ إلى العلاَج؛ فإنَّ التَّوصُّل إلى علاَج كلِّ داءٍ يَنطلِقُ من جُذورِه.

إنَّ النَّاظرَ في سيرةِ المُصلحِين ـ وعلى رَأسهم الأنبياء ـ يَعلمُ يَقينًا مُخالفةَ هاتَين الجَماعتَين لهؤلاَء، سواء بالنَّظر إلى جُذور البليَّة أو بالنَّظرِ إلى الطُّرقِ الإصلاَحيَّة؛ لأنَّ الأَنبياءَ ـ عليهم الصَّلاة والسَّلامُ ـ بُعثوا في أَقوامٍ اجتمَعَ فيهم الشَّرُّ كلُّه بما فيه الشَّرُّ السِّياسيُّ، فلم يَجئ في الكتاب والسُّنَّة دلاَلةٌ قطُّ على أنَّهم اتَّجهوا أوَّلَ ما اتَّجهوا إلى إصلاَح الأَوضاع السِّياسيَّةِ بمُمارستِها أو بمُمارسةِ الأعمالِ الدَّمويَّة.
ومَن نظَرَ في دَعوةِ الأَنبِياءِ بعَين التَّسليم والاقتِداءِ بانَ له هَذا بجلاَءٍ، وأَيقنَه بلاَ كَبيرِ عَناءٍ؛ فإنَّهم دُعُوا للمُشاركةِ في السُّلطةِ فأَبَوا إلاَّ أن يَقولُوا لقَومِهم ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾[الشعراء:109]، وقد بُعثَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم في وقتٍ عمَّ فيهِ الفَسادُ السِّياسيُّ المَعمورةَ وما كانَ يُركِّز على الإِصلاَح السِّياسيِّ على الرّغم من أنَّ السِّياسةَ من الدِّينِ كما مرَّ، ودُعيَ صلى الله عليه وسلم للمُشاركةِ في المُلكِ من قِبَل كُبراءِ قُريش فأبَى، انظُرْ له «تَفسيرَ ابن كَثير» عندَ أوَّل سورةِ فُصِّلَت، فقَد ذكرَ بعضَ الرِّواياتِ في هَذا المَعنى، وانظُرْ تَخريجَها وتَحسينَ الشَّيخ محمَّد ناصِر الدِّين الألباني لها في تَعليقِه على «فقه السِّيرة» (ص 106)، وفي بَعض طرُقِها أنَّهم قالُوا له صلى الله عليه وسلم: «وإن كنتَ تُريدُ به شرَفًا سوَّدْناكَ علَينا حتَّى لاَ نَقطعَ أَمرًا دُونكَ، وإن كنتَ تُريدُ مُلكًا ملَّكْناكَ علَينا...»، بل مَن قارَنَ دَعوتَه صلى الله عليه وسلم المُلوكَ والرُّؤساءَ بدَعوتِه الشُّعوبَ عرَفَ الفَرقَ:

فقَد كانَ مع الشُّعوبِ يَتحرَّكُ لدَعوتِهم في النَّوادِي والأَسواقِ والبُيوتِ وغيرِها ويتحرَّق لذَلك، ويُنادِيهم قَبائلَ وفُرادَى لاَ يَفترُ حتَّى بلَغَ بهِ الحُزنُ علَيهم مَبلغَه، فقالَ له ربُّه عز وجل: ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾ [فاطر:8]، بل كادَ يُهلكُ نفسَه مِن أَجلِهم حتَّى قالَ له ربُّه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف:6].
وأمَّا معَ المُلوكِ والرُّؤساءِ ففي غالِب حالِه صلى الله عليه وسلم أنَّه لاَ يُكلِّف نفسَه الذَّهابَ إلَيهم، بل يَكتَفي بإِرسالِ بعض سُفرائِه إلَيهم بكَلمةٍ قَصيرةٍ ويَمضِي، وهيَ قولُه: «مِن مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله ورَسُولِه إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّوم: سَلاَمٌ على مَن اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بَعْدُ؛ فإِنِّي أَدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإِسْلاَم، أَسْلِمْ تَسْلَم يُؤْتِكَ اللهُ أَجرَكَ مَرَّتَيْن، فإِنْ تَوَلَّيتَ فإنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون﴾ [آل عمران:64]» رواه البخاري (7) ومسلم (1773).
فقارِنْ ـ أيُّها المتَّبِع!ـ بينَ هَذه الدَّعوةِ النَّبويَّةِ الحَكيمةِ وبينَ الخُطَب السِّياسيَّةِ الطَّويلةِ والَّتي أخذَت أَعمارَ أَصحابِها برُمَّتها حتَّى شابَت لِحاهم معَها تُدرِك أيّ الفَريقَين أَحقّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
بل أَسلَمَ في وَقتِه صلى الله عليه وسلم ملكٌ عَظيمٌ، ألاَ وهوَ النَّجاشي ملِكُ الحبَشةِ، فلم يُفكِّر صلى الله عليه وسلم في الهِجرةِ إلَيه لاستِيطانِ مَملكتِه أو جَعلِها نَواةَ دَولتِه، ولاَ قالَ: مِن مِثل هَذا القَصر تَنطلقُ الدَّعوةُ؛ لعِلمِه صلى الله عليه وسلم أنَّ الشُّعوبَ إن لم تَكُن مُقتنعةً بالإِسلاَم فإنَّه لاَ يَنفعُها كَثيرًا تَحصيلُ سُلطانِه، إذًا فعلى المتأسِّينَ بالأَنبِياءِ أن يُعنَوا بطَريقِهم في الإِصلاَح، وحينئذٍ فَلْيبشرُوا.
إنَّ أثرَ صلاح المُلوكِ في صلاَح الرَّعيَّة غيرُ مَجهولٍ؛ لكن لمَّا كانَ صلاحُ الملوكِ أو فسادُهم تابعًا لصلاَح الشُّعوب أو فَسادِها لاَ العَكس، كانَ هذا التَّباينُ في سيرةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بين إصلاَح الرَّاعي وإصلاَح الرَّعيَّة، وذاكَ الاهتِمامُ الشَّديد بدَعوةِ الشُّعوب أكثر من الاهتِمام بدَعوةِ مُلوكِهم.
ولاَ شكَّ أنَّ فَسادَ حالِ المُسلمِينَ في بلَدٍ ما سببُه فَسادُ الرَّاعِي والرَّعيَّةِ، وإذَا باتَ مَعلومًا أنَّ الرَّاعيَ قد يتسبَّبُ في إِفسادِ الرَّعيَّة بما يَبثُّه فيهم مِن أَنظمةٍ مُخالفةٍ لشَرع ربِّ العالمِينَ، فَلْيُعلَم أنَّ فَسادَ الرَّاعي متسبَّبٌ عن فَسادِ الرَّعيَّة أوَّلاً؛ لأنَّ اللهَ قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129]، فأَخبرَ أنَّ مِن قدَرِه سبحانَه تسليطَ الظَّالم على الظَّالم، ومِن هَذا المعنَى قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء:16]، فأَخبرَ سُبحانَه أنَّه يُسلِّط المَسئولِين المُترَفِين بفِسقِهم على أَهْل القَريةِ المُستحِقَّة للإِهلاَك، ولاَ ريبَ أنَّها ما استَحقَّت الإِهلاَكَ إلاَّ وهيَ ظالِمةٌ؛ كما قالَ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف:59].
وبهَذا التَّفسيرِ فَهِم بَعضُ السَّلفِ الآيةَ؛ فقَد روَى أبو نُعيم (6/30) والبيهقي في «شُعب الإيمان» (7389) وأبو عَمرو الدَّاني في «السُّنن الواردة في الفِتن» (299) بسندٍ صَحيحٍ عن كَعب الأَحْبار أنَّه قالَ: «إنَّ لكلِّ زَمانٍ مَلِكًا يَبعثُه اللهُ على قُلوبِ أَهلِه([1])، فإذَا أَرادَ اللهُ بقَومٍ صلاَحًا بعَثَ فيهم مُصلحًا، وإذَا أَرادَ بقَومٍ هَلكةً بعَثَ فيهم مُترَفًا، ثمَّ قرَأَ: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء:16]»، قالَ المُناوي في «فيض القدير» (1/265): «والتَّقديرُ: بقَومٍ أَهْل سُوءٍ سُوءًا؛ فإنَّه تَعالى إنَّما يُوَلِّي علَيهم مُترَفيهم لعَدَم استِقامتِهم».
وقد صرَّحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّ تسلُّطَ السُّلطانِ على النَّاس بظُلمِه مَبدؤُه تسلُّطُ ذُنوبِهم علَيهم أوَّلاً، فقالَ: «ولَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المُؤنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ» الحديث، أخرجَه ابنُ ماجَه (4019) وصحَّحه الألبانيُّ في تَعليقِه علَيه.
وهكذَا تَفعلُ الذُّنوبُ، ما حلَّت نُذرُها بساحةِ قومٍ إلاَّ ساءَ صَباحُ المُنذَرين، فانكشَفوا عن عدوٍّ أَبادَ خضراءَهم، واجتَنحَ أَرزاقَهم، واستَباحَ حُرماتِهم، وقيَّدَ حرِّيَّاتِهم، وفعلَ بهم من المُنكَرات على قَدْر مَا أَصابُوا من السَّيِّئاتِ، وفاتَهم من المَسرَّاتِ بحسَبِ ما فوَّتوا على أَنفسِهم من الطَّاعاتِ، والرَّبُّ حكَمٌ عَدلٌ، وبه المستعانُ.
ولمَّا كانَ هَذا هو الأَصل، فإنَّ اللهَ عز وجل جعَلَ إِصلاَحَ النَّفْس السَّبيلَ الوَحيدَ لإِصلاَح الرَّاعي والرَّعيَّة، فقالَ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]، فلذَلكَ كانَ سيِّدُ المُصلحِين صلى الله عليه وسلم لاَ يَزيدُ في افتِتاح خُطبِه على التَّعوُّذ من شرِّ النَّفس، فيَقولُ: «...وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» رواه أصحابُ السُّنن وصحَّحَه الألبانيُّ فيها، فلِماذَا يُعرِض كَثيرٌ من الدُّعاةِ عن طاعةِ الله في هَذا واتِّباع رَسولِه صلى الله عليه وسلم ؟!
إنَّ الَّذي دَعاني لهَذه الكَتابةِ هو الإِشفاقُ على الجُهودِ المَبذولةِ في الدَّعوةِ الإِسلاَميَّةِ من أن تَضيعَ بلاَ فائدةٍ تُذكَر، لاَ سيما وأنَّ هَذهِ الجُهودَ قد شمَلَت مِساحاتٍ وَاسعةً من مَجالاَت الدَّعوةِ وأَخذَت من أوقاتِ أَصحابِها مَا لو استَرشَدوا فيها بهَدْي الكِتاب والسُّنَّة ونظَروا في سيرةِ الأَنبِياءِ بعَين الاتِّباع لبلَغوا ـ بإِذْن الله ـ الغايةَ في أَقصَر زمنٍ، ولكنَّ الَّذي يَنحرِف عن ذَلكَ من الصِّنفَينِ المُشارِ إلَيهما يُخشَى علَيه ألاَّ يَكونَ له نَصيبٌ من عملِه هَذا سوَى نَظير مَا لمَن قالَ فيهِ ربُّنا عز وجل: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَة﴾ [الغاشية:3]...
هَذه هيَ حالُ المُغالِين في العمَل السِّياسيِّ والدَّمويِّ، أمَّا في العِلم فلاَ يَكادونَ يَعرِفونَ منه سوَى رَصدِ حرَكاتِ الأُمراءِ والرُّؤساءِ وحِفظِ أَخطائِهم كما يَحفَظونَ أَسماءَ أَبنائِهم!
وأمَّا في الدَّعوةِ فلاَ يَكادونَ يَخرُجونَ عن مَضْغ أَعراض أُولئكَ وتَحفيظِها أَجيالَهم معَ إِهمالِ الجَماهيرِ الَّتي يَغلُبُ علَيها الجَهلُ بدِين الله عز وجل، ولقَد كادَ يمرُّ علَينا عُقودٌ من الزَّمنِ، وليسَ لنَشْئِنا فيها مِن حَديثٍ سوَى هَذا اللَّغوِ الزَّمِن، مع المُبالغةِ في تَعظيم «فِقه الوَاقع»، حتَّى إنَّه ليُلاَزمُه في الحضَر، ويُزامِلُه في السَّفر، فكَم مِن جُهودٍ أُهدرَت مِن هَذا القَبيل، وكَم من أموالٍ بُدِّدَت في هَذه السَّبيل!
والعمَلُ السِّياسيُّ غالبًا ما يَنتهِي بأَصحابِه إلى الدِّماءِ؛ لِما فيه مِن الدَّواهِي الغائلَة، والسُّموم القاتلَة، كما قيلَ: «كَم من دَم، سفَكَه فَم!» يَظلُّ دُعاتُه يُعالِجونَ قُربَ سَرابِه، فيُعاجِلونَ سُكرَ شَرابِه، وتَبقَى الشُّعوبُ مَحرومةً من التَّعليم والتَّربيةِ، على الرّغم من أنَّهم يرَونَها تتخبَّطُ في الشِّركِ والبِدَع؛ لأنَّ الدَّاءَ حسَبَ مُرشدِيهم ليسَ له مَصدرٌ سوَى السُّلطانِ!
وهَا هُم قد قَضوا أَعمارَهم مع الإِصلاَحاتِ السِّياسيَّةِ، فلم يَظفَروا من السُّلطةِ بقُلاَمةِ ظُفرٍ، ولاَ حازُوا مِن الإِصلاَح بطَائفِ نَصرٍ، يتخيَّلونَ التَّدرُّجَ وهم مُستَدرَجونَ، ويتَوهَّمونَ الوُصولَ وهم مُنقطِعونَ! يَكونُ أَحدُهم مُعلِّمًا كأنَّه نبيٌّ في أُمَّته، فتَستفزُّه الأَطماعُ السِّياسيَّةُ إلَيها فيَستجيبُ بدافِع مُزاحمةِ عِلمانيٍّ أو مُنافقٍ، فلاَ تَزالُ به التَّنازلاَتُ واحدةً واحدةً حتَّى يرِقَّ دِينُه وتَذهبُ عنه حلاَوةُ ما كانَ يَجدُ، فيَنزِل مِن وَظيفةِ النَّبيِّ إلى ما دُونَها، ومَن بعُدَ مَطمعُه، قرُبَ مَصرعُه، والأمرُ لله!
وكَثيرًا ما ترَى هَذا الصِّنفَ من الدُّعاةِ يتَملمَلُ من حالِ العامَّة الَّذينَ تحتَ دَعوتِهم، وهم لاَ يَنتبِهونَ إلى مَكمَن الدَّاءِ الَّذي نُدندنُ حَولَه ههنا؛ لأنَّ أَعظمَ ما يَخسرُه الدُّعاةُ المُهتمُّونَ بالسِّياسةِ أنَّهم يَذَرون الشُّعوبَ كما هيَ لاَ تُحسُّ إلاَّ بذُنوب الولاَةِ، فمتَى تُفكِّر في التَّوبةِ والإِصلاَح وهيَ لاَ تَسمعُ إلاَّ كلاَمًا فيمَن يَحكمُها؟! ومَتى عمِيَ المرءُ عن نَفسِه فسَقَ؛ لأنَّ اللهَ قالَ: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾ [الحشر:19].
ولِنفاسةِ هَذا البحثِ فقَد كانَ أَهلُ السُّنَّة يُوصُون به في كتُبِهم الجامعةِ للأُصولِ العقَديَّة، قالَ ابن أبي العزِّ الحنَفي في «شَرْح العَقيدة الطَّحاويَّة» (ص 381ـ الألبانيّ): «وأمَّا وليُّ الأَمر فقَد يَأمرُ بغَير طاعةِ الله، فلاَ يُطاعُ إلاَّ فيما هوَ طاعةٌ لله ورَسولِه، وأمَّا لُزومُ طاعتِهم وإن جَارُوا؛ فلأنَّه يَترتَّب على الخُروج مِن طاعتِهم من المَفاسدِ أَضعافُ ما يَحصلُ من جَورِهم، بل في الصَّبرِ على جَورِهم تَكفيرُ السِّيِّئات ومُضاعفةُ الأُجورِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى ما سلَّطَهم علَينا إلاَّ لفَسادِ أَعمالِنا، والجَزاءُ مِن جِنس العمَل، فعلَيْنا الاجتِهادُ في الاستِغْفار والتَّوبةِ وإِصلاَح العمَل، قالَ تَعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾ [الشورى:30]، وقالَ تَعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران:165]، وقالَ تَعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء:79]، وقالَ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129].
فإذَا أَرادَ الرَّعيَّةُ أن يَتخلَّصوا من ظُلم الأَمير الظَّالِم فَلْيَتركوا الظُّلمَ، وعن مَالك بن دِينارٍ أنَّه جاءَ في بَعض كتُب الله: «أنا اللهُ مالِكُ المُلك، قُلوبُ المُلوكِ بيَدي، فمَن أَطاعَني جعَلتُهم علَيه رَحمةً، ومَن عَصَاني جعَلتُهم علَيه نِقمةً، فلاَ تَشغَلوا أَنفسَكم بسَبِّ المُلوكِ، لَكن تَوبُوا أُعَطِّفهم علَيكُم».
وهَذا الخبرُ لاَ يَضرُّه أن يَكونَ من الإسرائيليَّاتِ؛ لأنَّه داخلٌ تحتَ قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ولاَ حَرَجَ» رواه البخاري (3461)، وليسَ فيهِ مَا تَدفعُه شَريعتُنا، فكيفَ وهو مُوافقٌ لِقَواعدِها وأُصولِها كما مرَّ؟! بل جاءَت بَعضُ أَخبارِ الأُمم السَّابقةِ تؤيِّده؛ فعن مَالِك بن دِينَارٍ قالَ: «قَرَأْتُ فِي الزَّبُورِ: إِنِّي أَنْتَقِمُ مِنَ المُنَافِقِ بِالمُنَافِقِ، ثُمَّ أَنْتَقِمُ مِنَ المُنَافِقِينَ جَمِيعًا؛ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ الله قَوْلُ الله: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129]» روَاه ابن أبي حاتم في «تفسيره» عندَ هَذه الآيةِ بسندٍ صَحيحٍ.
ولذَلك استَشهدَ به ابن تَيمية في «منهاج السُّنة» (4/546) مع قولِهم: كما تَكونوا يوَلَّى علَيكم، وقالَ: «بل فتنُ كلِّ زَمانٍ بحسَب رِجالِه»، وقالَ أيضًا في «مجموع الفتاوى» (35/20): «وَقَدْ ذَكَرْتُ في غَيْرِ هَذَا المَوْضُوعِ([2]) أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ (كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُمْ)، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾، وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله ومُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ، ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالاَتِ الله إلَيْهِمْ، بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولاَ بُخْلاً ولاَ خَشْيَةً لَهُمْ ولاَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله، ولاَ يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولاَ عَلَى العَامَّةِ، ولاَ لِلحَسَدِ ولاَ لِلكِبْرِ ولاَ لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولاَ لِلْعَامَّةِ، ولاَ يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ».
ولابن القيِّم كلاَمٌ بَليغٌ في هَذا لم أَرَ أَبلغَ مِنه عندَ أَهل العِلم، قالَ رحمه الله في «مفتاح دار السَّعادة» (1/253):
«وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ([3])، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها، ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً وبَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء، فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ، بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ، ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس، وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ، كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ.
خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ
ولاَزَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم».

وبهَذا نَأتي على استِخلاَص الجَوابِ الحَاسِم لأَسئلةٍ تتردَّدُ في الأَوساطِ الدَّعَويَّة، كقَولِهم: مَا حُكمُ دُخولِ البَرلَمانات السِّياسيَّة الَّتي لاَ تَحكمُ بما أَنزَلَ اللهُ؟ وقَولِهم: مَا حُكمُ التَّركيز على الإِصلاَح السِّياسيِّ ولو من غَيرِ الدُّخولِ المَذكورِ كما هوَ شَأنُ المُبتلينَ بالتَّشرُّف للمَسئوليَّات ولو بزَعم صَفاءِ النِّيَّة والغَيرةِ على جَناب الدِّينِ؟ وقَولِهم: مَا حُكمُ استِرجاع الحُقوقِ بالضَّغطِ على الدُّوَل عن طَريقِ المُظاهَرات؟ وقَولِهم: هَل عزُّ المُسلمِين مَرهونٌ بالتَّفوُّقِ الحَضاريِّ أو الاقتِصاديِّ؟...
أو قولهم: ما حُكم الانضمام إلى العصاباتِ المسلَّحة لإسقاطِ الدُّوَل ورَفع الضَّيم عن الشُّعوب؟
إنَّ مَن تشبَّعَ بقاعِدةِ بَحثِنا هَذا علِمَ يَقينًا سُقوطَ هَذهِ الأَسئلةِ كلِّها، وأنَّ الجدَلَ فيها قَليلُ الفائدَة، بل عَديمُ العائدَة، وأنَّه لاَ يَسألُ عنها إلاَّ مَن جَهِل طَبيعةَ دَعوةِ الرُّسُل علَيهم الصَّلاةُ والسَّلاَم.

ولأَضربنَّ له مثلَ مُزارِعَيْن أتَيَا أَرضًا لاَ يَنبتُ فيها إلاَّ خَبيثُ الزَّرع، فعمَدَ أَحدُهما إلى ثمَرِه: كلَّما أَينعَ قطَعَه، وعمَدَ الآخرُ إلى الأَرض فاستَصلحَ جُذورَها وتَعاهَدها بالسُّقيَا، فأيُّهم أَحقُّ بالإِصلاَح الزِّراعيِّ؟!

وتأمَّلْ جَوابَه في قَولِه عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون﴾ [إبراهيم:24-26].

وبعدُ، فآمُلُ أن يَفهمَ الشَّبابُ الدَّاعي إلى الله خاصَّةً سببَ إِحجَام أَهل العِلم الرَّاسخِين عن مُشاركتِهم فيمَا هم فيهِ من تَهييجٍ سِياسيٍّ وهوَسٍ سُلطانيٍّ، أو توجُّهٍ دمويٍّ، وأن يَكفُّوا أَلسنتَهم عَنهم؛ فإنَّهم عن عِلمٍ كَفُّوا، وإلى شَرع الله ورَدُوا وعَنه صدَرُوا، وليسَ كما يَظنُّونَ: جُبنٌ وهلَع! وخوفٌ وطمَع! وحينَ يَتعلَّمُ المرءُ تَنقشعُ غُيومُه، وتَحسنُ ظُنونُه، وتَصْدقُ أَحكامُه.
ومَن أَرادَ اللهُ بهِ خَيرًا استَعملَه في طاعةِ الوَقتِ وجنَّبَه مَا لاَ يَعنِيه، وطاعةُ الوَقتِ اليَومَ تَتمثَّل في الجِهادِ العِلميِّ خاصَّةً؛ لأنَّ اليدَ أَقصرُ عن غَيرِه بسبَبِ ضَعفِ المُسلمِينَ، فخَيرُ مَا يُقدِّمُه المَرءُ اليَومَ لنَفسِه ولأمَّتِه هوَ تَعلُّمُ دِين الله وتَعليمُه غَيرَه، فمَن كانَ من أَهل العِلم وطَلبتِه فَلْيُعلِّم مَن بحَوزتِه في حُدودِ ما يُحسِن، ومَن كانَ دونَ ذلكَ فَلْيَجتهِدْ في رِعايةِ أَهلِه بإِيصالِ العِلم إلَيهم، ولْيُجاهِد بمالِه، وذَلك ببِناءِ المَدارس الشَّرعيَّة وطَبع الكتُب الَّتي يَنصحُه بها أَهلُ العِلم، ونَسخ الأَشرطةِ المسموعة وتَوزيعِها على عُموم المُسلمِين، بل وعلى غَيرِهم، وكلٌّ بحسَبِه، ولاَ يَستصغرنَّ هَذا أَحدٌ؛ فإنَّ اللهَ سمَّاه جِهادًا، وأمَرَ فيه بالجِهادِ الكَبيرِ، فقالَ في القُرآنِ الَّذي هوَ أَصلُ كلِّ جِهادٍ عِلميٍّ: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان:52]، وهو أَكبرُ الجِهادَين كما نصَّ علَيه ابنُ القيِّم في «مفتاح دار السَّعادة» (1/70)، واللهُ وليُّ التَّوفيقِ.

([1]) أي حسَبَ قُلوبِ أَهلِه.
([2]) هَكذا، ولعلَّها: المَوضِع.
([3]) من الشَّوب، وهو الخَلطُ، ويُطلقُ على الخَديعةِ كما في «القاموس».


موقع راية الاصلاح

جواهر الجزائرية
2011-02-06, 09:01
السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)المائدة /32.
(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء/29 ـ 30.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) البقرة/61.
(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/93.

(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/88.


وعن أيوب بن نوح، عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (خمسة لا تطفأ نيرانهم ولا تموت أبدانهم: رجل أشرك، ورجل عق والديه، ورجل سعى بأخيه إلى السلطان فقتله، ورجل قتل نفساً بغير نفس، ورجل أذنب ذنباً وحمل ذنبه على الله عز وجل ).

وعن بعض أصحاب الإمام قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن قول الله عز وجل: (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) (المائدة: 32 ).قال: (له في النار مقعد إن قتل الناس جميعاً لم يرد إلا ذلك المقعد ).أقول: مع وضوح أن عذابه أشد كما يأتي وهذا لإفادة أن قتل إنسان واحد ليس أمراً هيّناً .

عن حمران قال: قلت لأبي جعفر في معنى قول الله عز وجل: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) المائدة...قال: قلت: كيف كأنما قتل الناس جميعاً، فربما قتل واحداً؟ فقال (عليه السلام): (يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعاً لكان إنما يدخل ذلك المكان)، قلت: قتل آخر؟ قال (عليه السلام): (يضاعف عليه).وعن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع (إلى أن قالفقال: أي يوم أعظم حرمة؟فقالوا: هذا اليوم .فقال: أي شهر أعظم حرمة؟فقالوا: هذا الشهر .قال: فأي بلد أعظم حرمة؟فقالوا: هذا البلد .
قال: (فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟ ).قالوا: نعم .قال: اللهم اشهد. ألا من عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفاراً).وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لا يغرنكم رحب الذراعين بالدم، فإنه له عند الله قاتلاً لا يموت ).قالوا: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما قاتل لا يموت؟فقال: النار).وعن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء فيوقف القاتل والمقتول بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد، ثم الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيتشخب في دمه وجهه فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً).

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (ما عجت الأرض إلى ربها كعجتها من دم حرام يسفك عليها).وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا).وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (يأتي المقتول بقاتله يشخب دمه في وجهه، فيقول الله: أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً فيأمر به إلى النار). وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (أول ما ينظر الله بين الناس يوم القيامة الدماء).وعن ابن عباس قال: سمعت (صلّى الله عليه وآله) النبي يقول: (يأتي المقتول يوم القيامة معلقاً رأسه بإحدى يديه، ملبتباً قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دماً حتى يرفعا إلى العرش، فيقول المقتول لله تبارك وتعالى: ربّ هذا قتلني فيقول الله عز وجل للقاتل: تعست، فيذهب به إلى النار). وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال في حديث: (ولا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن). وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (أبغض الناس إلى الله: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم إمرئ بغير حق ليهريق دمه).وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (لزوال الدنيا أيسر على الله من قتل المؤمن). وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (أول ما يقضي يوم القيامة الدماء).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: (سفك الدماء بغير حقها يدعو إلى حلول النقمة وزوال النعمة). أن كل الأحاديث هي من ككتاب وسائل الشيعة :ج19 ص3ـ5.بأي شرع تسفك هذه الدماء؟ وبأي عقل تزهق هذه الأرواح؟ وبأية فطرة إنسانية يعتدى على الأنفس؟ إنها لكبيرة من الكبائر، وجريمة بشعة من الجرائم، لا يُقدِم عليها إلا من خُدِّرَ عقله، ومُسخَت إنسانيته، وأصبح وحشا من الوحوش الضارية، أو آلة من الآلات، تحرك من خارجها وتدفع، وتُسخر للقتل وتقذف، وتُملأ بالحقد والعدوان وتُرمى .

لا يندفع لترويع الناس، وفزعهم إلا من فقد ضميره، وأضحى الشيطان قرينه وسميره، فانقلب شيطانا مريدا في صورة إنسان، فخلا قلبه من خشية الرحمان، إن لم يفقد طعم الإيمان .
يدفعه إلى هذا تكفير الناس، ووسمهم بالارتداد، كأنه شق عن قلوبهم، واطلع على خفايا ضمائرهم، وعلى غيب الله وأسراره .
إنه لمن أكبر المنكر وأسوئها، وأبشع السيئات وأقبحها، وأردأ الأفعال وأشنعها، إراقة دم مسلم بغير حق، وهدم بنيان بناه الله وخلقه وسواه، وكرمه .
إن قطرة دم للإنسان بريء أفضل عند الله من الكعبة، فكيف تجرَّأ هؤلاء السفاكون على سفكها؟ وهؤلاء المجرمون على إراقتها؟ وقد حرمها الله، وفضل الإنسان على كثير ممّا خلق، وصوّر، وبرأ، وأبدع تفضيلا .
وهل يدفع الفقر، والبطالة، والجهالة إلى مثل هذه الأفعال السُّوأى، المدمرة؟ إن الفقر قد يدفع إلى السرقة، وإلى جريمة قتل لفرد ممن يمنعه، أو حارس تفطن إليه، ولا شك أن الأمة ومسئوليها يتحملون المسؤولية في هذا الفقر والبطالة، التي يعانيها الشباب، ولكن هذه الصناعة للإجرام، بقناطر مقنطرة من المواد المتفجرة، التي تأتي على عدد كثير من الناس، تزهق أرواحهم، وعلى الأبنية تدمرها، وتُطيّر النوافذ وزجاجها، مما يجاورها من المنازل، ومن نجا من القتل من الناس تجدهم: هذا رجلا فقد رجليه، أو ذراعيه، وهذه امرأة طار معصمها، وفقدت بصرها، وهذا طفلا عميت عيناه، وأصبح معوّقا طوال حياته، تبكيه أمه وذووه، ويتحسرون على ما أصابه من بلاء، ليس له علاج، فلا سبيل لهم إلا الشكوى إلى الله، واللجوء إلى رحمته، لكشف الضر، وذهاب الحزن الأليم، كل ذلك لا يبرره فقر ولا جهل ولا أي عذر بأي حال من الأحوال .
لا ندري ما هو مقصد هؤلاء من أفعالهم، هل يُنال الحكم والسلطة بقتل الأبرياء، وهل تُبنى الدول بسفك الدماء؟ إن الدعوة إلى الله ليس سبيلها التدمير، ولا التفجير، ولا الانتحار والتخريب، ولا شن الحروب على المواطنين الآمنين، وترويعهم، ونشر البلبلة، والهلع في أوساطهم .
الدعوة تكون بالحكمة، والرحمة التي تفتح القلوب، وتقنع النفوس، وتغرس الفضيلة، وتمحو الرذيلة، وبالموعظة الحسنة التي تربِّي الذات، وترقق من مشاعرها، وتهذب من غرائزها، وتدفع بها إلى الخير، وفعل البر، والبعد عن الشر، وبناء المجتمع النظيف، والسلوك العفيف، مما يرفع من شأنه بين الأمم، وينهض به بين الشعوب .
تكون الدعوة بالحوار الهادئ، والجدال بالتي هي أحسن، وألطف، وأرق، وأقوم، وأرحم، لا بالتي هي أخشن، وأوحش، وأقسى، وأغلظ، وأفضّ، وأسفك للدم، وأشد فتكًا، وأَوْضر .
ولنا في دعوة الرسول محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، القدوة المثلى، فقد ألف بين القلوب وما ناكرها، ونشر الرحمة وما نافرها، وجدد الإنسان من داخله وما أكرهه، ونفذ إليه من قلبه لا من جسمه، وما قاتل إلا من قاتله لا الأبرياء؟
أما من أعرض عن الصلح وهو خير، وأبى التسامح وهو سمح، ومضى في غيّه ولم يَرْعَوِ، ولم يستجب لنداء السلم، وارتضى سبيل الحرابة، ورفض الجنوح إلى الاتفاق، واختار طريق الشقاق، فأمره عند الله، وعند الناس لا غبار عليه، ينكر طريقه هذا الذي اختاره، الشرع في نهجه، والعقل في منهجه، والفطرة الإنسانية في جِبِلَّتها، ومشاعر الإنس، وربما الجن، في صفائها وطهارتها .
نحن نعلم أن كثيرا من الشباب زينت لهم شياطين الإنس هذا الطريق، وأغوتهم وأغرتهم، ووعدتهم الوعود الكاذبة، وعود الشهادة والجنة، وما أبعد الجنة عن قاتل إخوانه البشر من المسلمين والأديان الأخر الأبرياء، وتدمير وطنه بإشاعة الهرج والمرج، وتعطيل التنمية، بما أصاب الناس من فقدان الأمن، والخوف، ونقص في الأموال والأنفس، وهجرهم لمزارعهم وديارهم، وإهمال الأرض، والعناية بالشجر المثمر، وتربية الأنعام، وهو ما يزيد الناس عطالة وفقرا، ويجعل الوطن تحت رحمة الآخرين، في غذاء الأمة، وإطعامها، ويذهب بأمواله، وخيراته وخبراته بددا، وبأبنائه ونخبته قددًا، إنها لمحنة لا تعادلها محنة، تأتي على الأخضر واليابس، وعلى الكبير والصغير، وعلى الفلاح والموظف، في تعطيل الأعمال، وإيجاد الثغرات للنهب والسلب، وقطع الطريق، استغلالا للفوضى وانعدام الأمن . أن الإرهابيين يريدون بالوطن الخراب والدمار..لماذا لا يتقون الله
كفاكم لماذا كل هذا الدمار! ما لكم ضمائر أين جنة تريدونها؟ أن مقعدكم لهذا الإعمال هي ـ : " أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى" ...،
وأن هذه الأعمال لها ويلات، توهن كيان المجتمع، وتضر بأمنها، وتجرح شبابها أيما جرح، وتوغز صدور الناس، الذين فقدوا أبناءهم، وآباءهم، وأمهاتهم، وزوجاتهم، فخيم عليهم الحزن، وما كان لهم أن يبتسموا، ولا أن يفرحوا إلا برحمة من الله وفضل .
علَّمنا الإسلام أن لا نيأس، ولعل شبابنا الذين هم منّا، ونحن منهم، من لحمنا ودمنا، وديننا، وثقافتنا، أن يفكروا في الأمر، وأن يعملوا عقولهم، وفطرتهم، ودينهم، وأن يزنوا أعمالهم بهذا كله، وأن لا ينخدعوا بخادعويزين لهم دون أن يُعملوا موازين العقل والشرع .
ومن طبيعة الإنسان الخطأ، وإنما المشكلة في الإصرار على الخطأ والغيّ، والبعد عن الرشد، مع وضوح البينات، وصريح البرهان، وقيام الحجة .
إننا على ثقة من أن الشباب الحي، الواعي، اليقظ، لا يرضى أن يقاد كما تُقاد النعاج، وأن يستقيل من عقله، ودينه، وفطرته، وأن يُوّجه توجيها أعمى وهو بصير، ويُقْذَفُ به في الفتن، ويُدفع به إلى قتل إخوانه، من خارج أو من داخل وهو ذو عقل، ويعرف الحق الواضح، ولعلها غشاوة على الأعين لا تلبث أن تزول، وختم على القلوب ما كان له أن يدوم، لمن حَيِيَتْ منهم البصائر، ووعيت منهم الضمائر .
ألا فَلْيحذر الشباب المسلم وغير المسلم، أن يكون مطية يركبها العدو، ووسيلة يستعملها لتخريب الوطن، وقتل إخوانه، وهو لا يعلم ما وراء ذلك !
إن طريق التفجير، والانتحار، والتدمير، لنيل المطالب طريق مسدود، وأفقه محدود، لا يُقبل عليه إلا يائس أو محبط، ينأى عنه الفطن، ويقع فيه الغافل المغرر به، فينقاد، ويكثر في الأرض الفساد، ويلقى حتفه بظلفه، في نهاية أمره، فيصبح من ضحايا من غرر به، وأوقعه في شباكه، وربما كان ذلك عن حسن نية، وطيب خاطر، دون وعي ولا دراية .
أقول هذا؛ لا خوفا ولا طمعا، وقد بلغت سني وأنا مريض أنتظر رحمة ربي أواخر عمري ، نسأل الله حسن الخاتمة، وإنما أعبر عن رأيي الذي اعتقده، وأؤمن بصحته، دفاعا عن الأمة والوطن والعالم وأمنه، وشبابها، من أن يغتال، أو يُجعل آلة للاغتيال، للقضاء على مستقبل هذا الوطن، وتعطيل تقدمه، في طريق الحضارة، والخير، والأمن .وبعد ما عرفنا أن الإرهاب والقتل هو ليس من عقيدة الإسلام وأن الذين يعملون هذه الأعمال قد انسلخوا عن دينهم أياً كان . ونسأل الله أن يتغمد أرواح الشهداء برحمته ويسكنهم فسيح جناته ،ويلهم ذويهم الصبر والسلوان ؛ وأرجو من الأخوة الكرام أن يقرأ سورة المباركة الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآله ولروح أبي ويداً بيد للعمل سوياً وإبلاغ السلطات عن أي شك ، لأنه من الواجب الديني والإنساني والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.

جزاك الله خيرا يا اخي

*أم سلمى*
2011-02-06, 13:16
بارك الله فيكما وجعلهم في ميزان حسناتكم

جويرية بنت أبي العاص الفاروق
2011-03-03, 09:52
شكرا على موضوعك
مذا نقول للامه ..........
طبعا اشياء كثيره

العنبلي الأصيل
2011-04-14, 21:55
بارك الله فيك أخي . وجزاك عنا خيرا.

الحق المر
2011-06-14, 12:25
سؤال.....كيف ذبحنا الارهاب الاعمى باسم اهل السنة وبتحريض من اطراف معينة تدعي السلفية؟؟؟ ومن هم اهل السنة اولا......
كيف تسمي صلح الحذيبية؟؟؟هل حل سياسي ام عسكري؟؟ الرد منك...فأنا لا اعرف الاجابة.
قناة مثل المجد والناس يخوضان اليوم في مجال السياسة وبشريط اخباري سياسي..اذا هما ليسا من اهل السنة على حسب قولك انت والعهدة عليك؟؟؟

السلطان محمد الفاتح
2011-06-14, 12:35
كيف نشأت الدولة السعودية اذا؟

الحق المر
2011-06-14, 12:59
شكرا ايها السلطان على قوة البرهان،سؤال في محله،فكيف السبيل الى حله؟؟؟