zoro199
2011-01-19, 09:32
الْحَمْدُ للهِ الْمُبْتَدِئِ بِالنِّعَمِ، الْوَاهِبِ لِمَنْ يَشَاءُ الْعِلْمَ وَالْحِكَمَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ذُو الْجَلاَلِ وَالْكَرَمِ، أَكْرَمَنَا بِالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ مُغْتَنَمٍ، وَبَدَّدَ بِهِمْ دَيَاجِيرَ الظُّلَمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ كَرِيمُ الْخِصَالِ وَالشِّيَمِ، خَيْرُ نَبِيٍّ أُرْسِلَ إِلَى خَيْرِ الأُمَمِ، صَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْمَكَارِمِ وَالْهِمَمِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا خَطَّ بَنَانٌ بِقَلَمٍ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ-، وَاعْمَلُوا لِيَوْمٍ يَطُولُ فِيهِ الْقِيَامُ، فَمَنِ اسْتَمْسَكَ بِالتَّقْوَى أَفْلَحَ فِي دُنْيَاهُ وَسَلِمَ، وَاسْتَبْشَرَ فِي أُخْرَاهُ وَغَنِمَ، وَمَنْ عَصَاهُ خَابَ فِي الدَّارَيْنِ وَنَدِمَ؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( [البقرة:281].
عِبَادَ اللهِ:
الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَقُدْوَةُ الأَتْقِيَاءِ، بِهِمْ تَسْتَضِيءُ الْبُلْدَانُ، وَيُدْعَى إِلَى الإِيمَانِ، وَيُدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ، أَعْظَمُ النَّاسِ خَشْيَةً لِلْمَلِكِ الْعَلاَّمِ، وَأَكْثَرُهُمْ بَرَكَةً فِي الإِسْلاَمِ، خُصُّوا بِاسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ، وَعُنُوا بِضَبْطِ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ، هُمْ فِي الأَرْضِ كَالنُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، وَالدَّوَاءِ لِلدَّاءِ، وَالضِّيَاءِ لِلظَّلْمَاءِ، هُمْ أَرْحَمُ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ r مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ؛ لأَنَّ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ يَحْفَظُونَ الأَبْنَاءَ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا وَأَوْصَابِ الْحَيَاةِ، وَالْعُلَمَاءُ يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ نَارِ السَّعِيرِ وَتَعَاسَةِ الْمَصِيرِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً، وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
مَا الْفَضْلُ إِلاَّ لأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُــمُ عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ وَالْجَاهِلُونَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْـــدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ وَلاَ تَطْلُبْ بِــــهِ بَدَلاً فَالَنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
بَيْنَ أَيْدِينَا أَخْبَارٌ عَطِرَةٌ، لإِمَامِ الْمُحَدِّثِينَ الْخِيَرَةِ، إِمَامِ زَمَانِهِ، وَمُحَدِّثِ أَوَانِهِ، قَلَّ أَنْ يَجُودَ الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ، قَالَ عَنْهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ: «مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَهُ»، وَقَالَ عَنْهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: «شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَإِمَامُ الْحُفَّاظِ، كَانَ رَأْساً فِي الذَّكَاءِ، رَأْساً فِي الْعِلْمِ، وَرَأْساً فِي الْوَرَعِ وَالْعِبَادَةِ، أَفْرَدْتُ مَنَاقِبَهُ فِي جُزْءٍ ضَخْمٍ فِيهَا الْعَجَبُ»، وَقَالَ عَنْهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «وَلَوْ فَتَحْتُ بَابَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْ عَصْرِهِ لَفَنِيَ الْقِرْطَاسُ، وَنَفِدَتِ الأَنْفَاسُ، فَذَلِكَ بَحرٌ لاَ سَاحِلَ لَهُ»، إِنَّهُ إِمَامُ الأَئِمَّةِ، وَعَلَمُ السُّنَّةِ، الإِمَامُ الْمِقْدَامُ، وَمُحَدِّثُ الأَنَامِ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، الْمَوْلُودُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ.
أَحِبَّةَ الْعِلْمِ وِالْعُلَمَاءِ:
لَقَدْ وُلِدَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيْتِ عِلْمٍ وَدِينٍ، فَوَالِدُهُ كَانَ عَالِماً مُحَدِّثاً وَرِعاً، وَأُمُّهُ كَانَتْ كَرِيمَةً جَلِيلَةً، نَشَّأَتْهُ تَنْشِئَةً صَالِحَةً بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ، وَافَقَ ذَلِكَ نُبُوغٌ مُبَكِّرٌ، وَقَلْبٌ وَاعٍ، وَحَافِظَةٌ قَوِيَّةٌ، يَقُولُ الْبُخَارِيُّ عَنْ نَفْسِهِ: «أُلْهِمْتُ حِفْظَ الْحَدِيثِ وَأَنَا فِي الْكُتَّابِ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ»، وَلَقَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَفِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، تَشْهَدُ لَهُ رِحْلاَتُهُ الْكَثِيرَةُ، فَقَلَّ قُطْرٌ مِنْ أَقْطَارِ الإِسْلاَمِ الْمَشْهُورَةِ بِالْعِلْمِ إِلاَّ وَقَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ، يَقُولُ الْبُخَارِيُّ: «لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ: أَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ»، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الرِّحْلاَتِ الْمُتَتَابِعَةِ الْمُضْنِيَةِ كَانَ دَائِباً عَلَى جَمْعِ الأَحَادِيثِ وَالْعِلْمِ، فَقَدْ كَانَ يَسْتَيْقِظُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ نَوْمِهِ، وَيُوقِدُ السِّرَاجَ، وَيَكْتُبُ الْفَائِدَةَ تَمُرُّ بِخَاطِرِهِ، ثُمَّ يُطْفِئُ سِرَاجَهُ، ثُمَّ يَقُومُ مَرَّةً أُخْرَى وَأُخْرَى. وَهَكَذَا _ عِبَادَ اللهِ _ يَكُونُ الإِخْلاَصُ فِي الْعِلْمِ، وَالتَّفَانِي فِي سَبِيلِ الْمَعْرِفَةِ.
وَمَــنْ يَصْطَبِـرْ لِلْعِلْمِ يَظْفَـــرْ بِنَيْلِــــهِ وَمَن يَخْطُبِ الْحَسْنَاءَ يَصْبِرْ عَلَى البَذْلِ
وَمَنْ لَمْ يُذِلَّ النَّفْسَ فِي طَلَبِ الْعُلَى يَسِيراً يَعِـــشْ دَهْـراً طَـوِيــلاً أَخَــا ذُلِّ
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَلَمُ الأَجَلُّ، بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّقْوَى وَالْعَمَلِ، فَقَدْ كَانَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرِينَ آيَةً، وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتِمَ بِهِمُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي السَّحَرِ مَا بَيْنَ النِّصْفِ إِلَىَ الثُّلُثِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَخْتِمُ عِنْدَ السَّحَرِ فِي كُلِّ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَقُولُ الدَّارِمِيُّ: «إِذَا قَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقُرْآنَ شُغِلَ قَلْبُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعَرَفَ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ».
وَلَقَدْ تُوِّجَ سِجِلُّ أَعْمَالِهِ الْمَتِينُ، بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالرِّبَاطِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَرَّةً وَهُوَ فِي ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ تَعِبَ فِي تَصْنِيفِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ، فَاسْتَرَاحَ مُسْتَلْقِياً، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: «سَمِعْتُكَ تَقُولُ يَوْماً: إِنِّي مَا أَتَيْتُ شَيْئاً بِغَيْرِ عِلْمٍ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَأَيُّ عِلْمٍ بِهَذَا الاسْتِلْقَاءِ، فَأَجَابَهُ: أَتْعَبْنَا أَنْفُسَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَهَذَا ثَغْرٌ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، خَشِيتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمْرِ الْعَدُوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَرِيحَ وَآخُذَ أُهْبَةً لِذَلِكَ، فَإِذَا عَاصَفَنَا الْعَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ». وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ، عَامِلاً بِعِلْمِهِ، وَقَّافاً عِنْدَ حُدُودِ اللهِ، نَاشِراً لِلْحَقِّ، مُجَاهِداً فِي سَبِيلِ اللهِ، لاَ يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
مَعْشَرَ الْفُضَلاَءِ:
وَمِمَّا امْتَازَ بِهِ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِكْرَامُهُ لِلْعِلْمِ، فَحِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَالِي بُخَارَى لِيَأْتِيَ عِنْدَهُ فَيُسْمِعَهُ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الإِمَامُ لِرَسُولِ السُّلْطَانِ: «قُلْ لَهُ: إِنِّي لاَ أُذِلُّ الْعِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ السَّلاَطِينِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضُرْنِي فِي مَسْجِدِي أَوْ دَارِي»، وَهَذِهِ سِمَةُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، الَّذِينَ لاَ يَخْشَوْنَ إِلاَّ اللهَ، وَلاَ يَبْذُلُونَ الْعِلْمَ طَمَعاً فِي الدُّنْيَا وَالْجَاهِ، يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ:
أَأَنْـثُرُ دُرّاً بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَـمْ أَأَنْظِـــمُ مَنْثُــوراً لِرَاعِيَــةِ الْغَنَــمْ
وَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْماً أَضَاعَهُ وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ
عِبَادَ اللهِ:
وَحِيْنَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ، وَذَاعَ صِيتُهُ، وَفَاقَ أَقْرَانَهُ، كَثُرَ حُسَّادُهُ، وَصَارُوا يَخْتَلِقُونَ عَلَيْهِ الأَقَاوِيلَ، وَيَنَالُونَ مِنْ دِينِهِ، وَيُلْبِسُونَهُ ثَوْبَ الْبِدْعَةِ وَهُوَ مِنْهَا بَرَاءٌ، حَتَّى أَثَّرُوا فِي الْعَامَّةِ، فَهَجَرُوا الإِمَامَ إِلاَّ نَفَراً قَلِيلاً مِنْهُمُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ، قَدِ ابْتُلِيَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فَصَبَرَ، وَهُجِرَ فَاحْتَسَبَ، وَنِيلَ مِنْ عِرْضِهِ فَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ، كَابِحاً جِمَاحَ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، فَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَدَعَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ]، يَقُولُ مُضَيِّفُهُ عَبْدُ الْقُدُّوسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: جَاءَ الْبُخَارِيُّ إِلَى قَرْيَةٍ مِنَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَنَزَلَ عِنْدَ أَحَدِ أَقْرِبَائِهِ، فَسَمِعْتُهُ لَيْلَةً بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ»، فَمَا تَمَّ الشَّهْرُ حَتَّى قَبَضَهُ إِلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، بَعْدَ حَيَاةٍ حَافِلَةٍ بِجَلاَئِلِ الأَعْمَالِ، وَطُولِ السَّفَرِ وَالتَّرْحَالِ، وَالصِّدْقِ مَعَ اللهِ فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ، تَغَمَّدَهُ اللهُ بِوَاسِعِ رَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ.
يَا دُرَّةَ الإِسْلاَمِ فَقْدُكَ ظُلْمَةٌ كَالْكَهْفِ تَاهَ بِقَلْبِهِ مَنْ قَدْ سَرَى
يَا دُرَّةً بَخِلَ الزَّمَـــانُ بِمِثْلِـهِ للهِ دَرُّكَ عَـالِمــــاً مُـتَبَــحِّـــــرَا
غَفَرَ الإِلَهُ لَــــهُ وَخَلَّدَ ذِكْـرَهُ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْجِنَانِ الْكَوْثَرَا
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفَضَلُ الصَّلاَةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَقُولَ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيَ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَاسْتَعِدُّوا لِيَوْمِ لُقْيَاهُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [الحشر:18].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ رَحَلَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَلاَ يَزَالُ ذِكْرُهُ قَائِماً بَيْنَ النَّاسِ، أَوْرَثَ الأُمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ عِلْماً جَلِيلاً، وَفَضْلاً جَزِيلاً، فَهَا هِيَ مُصَنَّفَاتُهُ تَرْبُو عَلَى عِشْرِينَ مُصَنَّفاً، كَانَ أَعْظَمَهَا نَفْعاً، وَأَكْثَرَهَا بَرَكَةً، جَامِعُهُ الْمَوْسُومُ بِـ (الْجَامِعُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَصَرُ الْمُسْنَدُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ)، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، أَصَحُّ كِتَابٍ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، عَدَدُ أَحَادِيثِهِ قُرَابَةُ ثَمَانِيَةِ آلافِ حَدِيثٍ، انْتَقَاهَا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ حَدِيثاً فِي صَحِيحِهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إِكْرَاماً وَتَبْجِيلاً لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ r، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ بَيْتٌ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْجَامِعِ وَالْمُفِيدِ.
صَحِيـــحُ الْبُخَارِيِّ لَوْ أَنْصَفُــوهُ لَمَا خُطَّ إِلاَّ بِمَــاءِ الذَّهَــــبْ
هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهُدَى وَالْعَمَى هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الْفَتَى وَالْعَطَبْ
أَسَانِيدُ مِثْلُ نُجُـومِ السَّمَـاءِ أَمَـامَ مُتُــونٍ لَهَا كَـالشُّهُــبْ
عِبَادَ اللهِ:
وَهَكَذَا عِشْنَا هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْغَالِيَةَ، مَعَ نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ، وَمَفَاخِرَ جَلِيلَةٍ، لِهَذَا الْعَالِمِ الْهُمَامِ، وَالإِمَامِ الْمِقْدَامِ، فَلْنَتَأَمَّلِ الْعَظَمَةَ فِي أَرْوَعِ أَحْوَالِهَا، وَالتَّقْوَى فِي أَحْسَنِ أَثْوَابِهَا، وَالْبُطُولَةَ فِي أَجْمَلِ أَشْكَالِهَا، نَعِظُ بِهَا أَنْفُسَنَا، وَنُذَكِّرُ بِهَا أَوْلاَدَنَا وَإِخْوَانَنَا، عَلَّ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيدَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَجْدَهَا وَعِزَّهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ t: «مَنْ كَانَ مُسْتَنّاً فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تُؤْمَنُ عَلَى حَيٍّ».
اللَّهُمَّ ارْحَمْ عُلَمَاءَنَا السَّابِقِينَ، وَوَفِّقِ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ لِسُلُوكِ هَدْيِ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ، وَتَوَلَّنَا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ r وَعِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ, وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ. اللَّهُمَّ احْفَظْهُمَا بِحِفْظِكَ, وَاكْلأْهُمَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ, يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ, وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ-، وَاعْمَلُوا لِيَوْمٍ يَطُولُ فِيهِ الْقِيَامُ، فَمَنِ اسْتَمْسَكَ بِالتَّقْوَى أَفْلَحَ فِي دُنْيَاهُ وَسَلِمَ، وَاسْتَبْشَرَ فِي أُخْرَاهُ وَغَنِمَ، وَمَنْ عَصَاهُ خَابَ فِي الدَّارَيْنِ وَنَدِمَ؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( [البقرة:281].
عِبَادَ اللهِ:
الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَقُدْوَةُ الأَتْقِيَاءِ، بِهِمْ تَسْتَضِيءُ الْبُلْدَانُ، وَيُدْعَى إِلَى الإِيمَانِ، وَيُدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ، أَعْظَمُ النَّاسِ خَشْيَةً لِلْمَلِكِ الْعَلاَّمِ، وَأَكْثَرُهُمْ بَرَكَةً فِي الإِسْلاَمِ، خُصُّوا بِاسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ، وَعُنُوا بِضَبْطِ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ، هُمْ فِي الأَرْضِ كَالنُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، وَالدَّوَاءِ لِلدَّاءِ، وَالضِّيَاءِ لِلظَّلْمَاءِ، هُمْ أَرْحَمُ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ r مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ؛ لأَنَّ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ يَحْفَظُونَ الأَبْنَاءَ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا وَأَوْصَابِ الْحَيَاةِ، وَالْعُلَمَاءُ يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ نَارِ السَّعِيرِ وَتَعَاسَةِ الْمَصِيرِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً، وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
مَا الْفَضْلُ إِلاَّ لأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُــمُ عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ وَالْجَاهِلُونَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْـــدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ وَلاَ تَطْلُبْ بِــــهِ بَدَلاً فَالَنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
بَيْنَ أَيْدِينَا أَخْبَارٌ عَطِرَةٌ، لإِمَامِ الْمُحَدِّثِينَ الْخِيَرَةِ، إِمَامِ زَمَانِهِ، وَمُحَدِّثِ أَوَانِهِ، قَلَّ أَنْ يَجُودَ الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ، قَالَ عَنْهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ: «مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَهُ»، وَقَالَ عَنْهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: «شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَإِمَامُ الْحُفَّاظِ، كَانَ رَأْساً فِي الذَّكَاءِ، رَأْساً فِي الْعِلْمِ، وَرَأْساً فِي الْوَرَعِ وَالْعِبَادَةِ، أَفْرَدْتُ مَنَاقِبَهُ فِي جُزْءٍ ضَخْمٍ فِيهَا الْعَجَبُ»، وَقَالَ عَنْهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «وَلَوْ فَتَحْتُ بَابَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْ عَصْرِهِ لَفَنِيَ الْقِرْطَاسُ، وَنَفِدَتِ الأَنْفَاسُ، فَذَلِكَ بَحرٌ لاَ سَاحِلَ لَهُ»، إِنَّهُ إِمَامُ الأَئِمَّةِ، وَعَلَمُ السُّنَّةِ، الإِمَامُ الْمِقْدَامُ، وَمُحَدِّثُ الأَنَامِ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، الْمَوْلُودُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ.
أَحِبَّةَ الْعِلْمِ وِالْعُلَمَاءِ:
لَقَدْ وُلِدَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيْتِ عِلْمٍ وَدِينٍ، فَوَالِدُهُ كَانَ عَالِماً مُحَدِّثاً وَرِعاً، وَأُمُّهُ كَانَتْ كَرِيمَةً جَلِيلَةً، نَشَّأَتْهُ تَنْشِئَةً صَالِحَةً بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ، وَافَقَ ذَلِكَ نُبُوغٌ مُبَكِّرٌ، وَقَلْبٌ وَاعٍ، وَحَافِظَةٌ قَوِيَّةٌ، يَقُولُ الْبُخَارِيُّ عَنْ نَفْسِهِ: «أُلْهِمْتُ حِفْظَ الْحَدِيثِ وَأَنَا فِي الْكُتَّابِ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ»، وَلَقَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَفِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، تَشْهَدُ لَهُ رِحْلاَتُهُ الْكَثِيرَةُ، فَقَلَّ قُطْرٌ مِنْ أَقْطَارِ الإِسْلاَمِ الْمَشْهُورَةِ بِالْعِلْمِ إِلاَّ وَقَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ، يَقُولُ الْبُخَارِيُّ: «لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ: أَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ»، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الرِّحْلاَتِ الْمُتَتَابِعَةِ الْمُضْنِيَةِ كَانَ دَائِباً عَلَى جَمْعِ الأَحَادِيثِ وَالْعِلْمِ، فَقَدْ كَانَ يَسْتَيْقِظُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ نَوْمِهِ، وَيُوقِدُ السِّرَاجَ، وَيَكْتُبُ الْفَائِدَةَ تَمُرُّ بِخَاطِرِهِ، ثُمَّ يُطْفِئُ سِرَاجَهُ، ثُمَّ يَقُومُ مَرَّةً أُخْرَى وَأُخْرَى. وَهَكَذَا _ عِبَادَ اللهِ _ يَكُونُ الإِخْلاَصُ فِي الْعِلْمِ، وَالتَّفَانِي فِي سَبِيلِ الْمَعْرِفَةِ.
وَمَــنْ يَصْطَبِـرْ لِلْعِلْمِ يَظْفَـــرْ بِنَيْلِــــهِ وَمَن يَخْطُبِ الْحَسْنَاءَ يَصْبِرْ عَلَى البَذْلِ
وَمَنْ لَمْ يُذِلَّ النَّفْسَ فِي طَلَبِ الْعُلَى يَسِيراً يَعِـــشْ دَهْـراً طَـوِيــلاً أَخَــا ذُلِّ
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَلَمُ الأَجَلُّ، بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّقْوَى وَالْعَمَلِ، فَقَدْ كَانَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرِينَ آيَةً، وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتِمَ بِهِمُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي السَّحَرِ مَا بَيْنَ النِّصْفِ إِلَىَ الثُّلُثِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَخْتِمُ عِنْدَ السَّحَرِ فِي كُلِّ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَقُولُ الدَّارِمِيُّ: «إِذَا قَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقُرْآنَ شُغِلَ قَلْبُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعَرَفَ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ».
وَلَقَدْ تُوِّجَ سِجِلُّ أَعْمَالِهِ الْمَتِينُ، بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالرِّبَاطِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَرَّةً وَهُوَ فِي ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ تَعِبَ فِي تَصْنِيفِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ، فَاسْتَرَاحَ مُسْتَلْقِياً، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: «سَمِعْتُكَ تَقُولُ يَوْماً: إِنِّي مَا أَتَيْتُ شَيْئاً بِغَيْرِ عِلْمٍ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَأَيُّ عِلْمٍ بِهَذَا الاسْتِلْقَاءِ، فَأَجَابَهُ: أَتْعَبْنَا أَنْفُسَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَهَذَا ثَغْرٌ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، خَشِيتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمْرِ الْعَدُوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَرِيحَ وَآخُذَ أُهْبَةً لِذَلِكَ، فَإِذَا عَاصَفَنَا الْعَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ». وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ، عَامِلاً بِعِلْمِهِ، وَقَّافاً عِنْدَ حُدُودِ اللهِ، نَاشِراً لِلْحَقِّ، مُجَاهِداً فِي سَبِيلِ اللهِ، لاَ يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
مَعْشَرَ الْفُضَلاَءِ:
وَمِمَّا امْتَازَ بِهِ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِكْرَامُهُ لِلْعِلْمِ، فَحِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَالِي بُخَارَى لِيَأْتِيَ عِنْدَهُ فَيُسْمِعَهُ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الإِمَامُ لِرَسُولِ السُّلْطَانِ: «قُلْ لَهُ: إِنِّي لاَ أُذِلُّ الْعِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ السَّلاَطِينِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضُرْنِي فِي مَسْجِدِي أَوْ دَارِي»، وَهَذِهِ سِمَةُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، الَّذِينَ لاَ يَخْشَوْنَ إِلاَّ اللهَ، وَلاَ يَبْذُلُونَ الْعِلْمَ طَمَعاً فِي الدُّنْيَا وَالْجَاهِ، يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ:
أَأَنْـثُرُ دُرّاً بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَـمْ أَأَنْظِـــمُ مَنْثُــوراً لِرَاعِيَــةِ الْغَنَــمْ
وَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْماً أَضَاعَهُ وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ
عِبَادَ اللهِ:
وَحِيْنَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ، وَذَاعَ صِيتُهُ، وَفَاقَ أَقْرَانَهُ، كَثُرَ حُسَّادُهُ، وَصَارُوا يَخْتَلِقُونَ عَلَيْهِ الأَقَاوِيلَ، وَيَنَالُونَ مِنْ دِينِهِ، وَيُلْبِسُونَهُ ثَوْبَ الْبِدْعَةِ وَهُوَ مِنْهَا بَرَاءٌ، حَتَّى أَثَّرُوا فِي الْعَامَّةِ، فَهَجَرُوا الإِمَامَ إِلاَّ نَفَراً قَلِيلاً مِنْهُمُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ، قَدِ ابْتُلِيَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فَصَبَرَ، وَهُجِرَ فَاحْتَسَبَ، وَنِيلَ مِنْ عِرْضِهِ فَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ، كَابِحاً جِمَاحَ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، فَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَدَعَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ]، يَقُولُ مُضَيِّفُهُ عَبْدُ الْقُدُّوسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: جَاءَ الْبُخَارِيُّ إِلَى قَرْيَةٍ مِنَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَنَزَلَ عِنْدَ أَحَدِ أَقْرِبَائِهِ، فَسَمِعْتُهُ لَيْلَةً بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ»، فَمَا تَمَّ الشَّهْرُ حَتَّى قَبَضَهُ إِلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، بَعْدَ حَيَاةٍ حَافِلَةٍ بِجَلاَئِلِ الأَعْمَالِ، وَطُولِ السَّفَرِ وَالتَّرْحَالِ، وَالصِّدْقِ مَعَ اللهِ فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ، تَغَمَّدَهُ اللهُ بِوَاسِعِ رَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ.
يَا دُرَّةَ الإِسْلاَمِ فَقْدُكَ ظُلْمَةٌ كَالْكَهْفِ تَاهَ بِقَلْبِهِ مَنْ قَدْ سَرَى
يَا دُرَّةً بَخِلَ الزَّمَـــانُ بِمِثْلِـهِ للهِ دَرُّكَ عَـالِمــــاً مُـتَبَــحِّـــــرَا
غَفَرَ الإِلَهُ لَــــهُ وَخَلَّدَ ذِكْـرَهُ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْجِنَانِ الْكَوْثَرَا
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفَضَلُ الصَّلاَةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَقُولَ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيَ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَاسْتَعِدُّوا لِيَوْمِ لُقْيَاهُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [الحشر:18].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ رَحَلَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَلاَ يَزَالُ ذِكْرُهُ قَائِماً بَيْنَ النَّاسِ، أَوْرَثَ الأُمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ عِلْماً جَلِيلاً، وَفَضْلاً جَزِيلاً، فَهَا هِيَ مُصَنَّفَاتُهُ تَرْبُو عَلَى عِشْرِينَ مُصَنَّفاً، كَانَ أَعْظَمَهَا نَفْعاً، وَأَكْثَرَهَا بَرَكَةً، جَامِعُهُ الْمَوْسُومُ بِـ (الْجَامِعُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَصَرُ الْمُسْنَدُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ)، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، أَصَحُّ كِتَابٍ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، عَدَدُ أَحَادِيثِهِ قُرَابَةُ ثَمَانِيَةِ آلافِ حَدِيثٍ، انْتَقَاهَا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ حَدِيثاً فِي صَحِيحِهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إِكْرَاماً وَتَبْجِيلاً لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ r، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ بَيْتٌ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْجَامِعِ وَالْمُفِيدِ.
صَحِيـــحُ الْبُخَارِيِّ لَوْ أَنْصَفُــوهُ لَمَا خُطَّ إِلاَّ بِمَــاءِ الذَّهَــــبْ
هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهُدَى وَالْعَمَى هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الْفَتَى وَالْعَطَبْ
أَسَانِيدُ مِثْلُ نُجُـومِ السَّمَـاءِ أَمَـامَ مُتُــونٍ لَهَا كَـالشُّهُــبْ
عِبَادَ اللهِ:
وَهَكَذَا عِشْنَا هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْغَالِيَةَ، مَعَ نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ، وَمَفَاخِرَ جَلِيلَةٍ، لِهَذَا الْعَالِمِ الْهُمَامِ، وَالإِمَامِ الْمِقْدَامِ، فَلْنَتَأَمَّلِ الْعَظَمَةَ فِي أَرْوَعِ أَحْوَالِهَا، وَالتَّقْوَى فِي أَحْسَنِ أَثْوَابِهَا، وَالْبُطُولَةَ فِي أَجْمَلِ أَشْكَالِهَا، نَعِظُ بِهَا أَنْفُسَنَا، وَنُذَكِّرُ بِهَا أَوْلاَدَنَا وَإِخْوَانَنَا، عَلَّ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيدَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَجْدَهَا وَعِزَّهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ t: «مَنْ كَانَ مُسْتَنّاً فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تُؤْمَنُ عَلَى حَيٍّ».
اللَّهُمَّ ارْحَمْ عُلَمَاءَنَا السَّابِقِينَ، وَوَفِّقِ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ لِسُلُوكِ هَدْيِ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ، وَتَوَلَّنَا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ r وَعِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ, وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ. اللَّهُمَّ احْفَظْهُمَا بِحِفْظِكَ, وَاكْلأْهُمَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ, يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ, وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.