yacine414
2010-12-31, 15:45
عنوان هذه المذكرة سلطة المستخدم في تعديل بنود عقد العمل ( دراسة مقارنة )
مقدمــــة
يعتبر عقد العمل من العقود الملزمة لجانبين، وتخضع لمبدأ القـوة الملزمـة للعقـد، إذ يلتزم أطراف
العقد بتنفيذ بنوده حسب ما تم الاتفاق عليه على أساس العقد شريعة المتعاقدين، ومن تم لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين، رغم أن الواقع العملي يؤكد بأن عقد العمل كثيرا ما يكون من صنع إرادة المستخدم المنفردة، ولا يملك العامل سوى القبول بالشروط التي وضعها المستخدم بسبب ضغط الظروف الاقتصادية و الاجتماعية، ورغم ذلك لا يمكن لأي طرف أن يتنصل مما ألتزم به.
ولا شك أن تطبيق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على علاقة العمل تشكل ضمانة قوية لاستقرار العامل، وحماية له من تعسف المستخدم في تعديل البنود المتفق عليها في العقد، غير أنها تشكل في نفس الوقت عقبة في طريق تطور المشروع وانطلاقه لكونها تحول دون قيام المستخدم بأي تعديل في عقد العمل في الوقت الذي تقتضي فيه مصلحة العمل إجراء هذا التعديل، خاصة إذا تغيرت الظروف التي كانت سائدة وقت إبرام العقد والتي كانت محل اعتبار المتعاقدين، كون أن عقد العمل غير المحدد المدة – والذي هو موضوع دراستنا من العقود الزمنية التي يستوجب بقاؤها مدة زمنية طويلة، وخلال هذه المدة قد تطرأ تطورات فنية وعلمية، وقد تتعرض المؤسسة إلى صعوبات اقتصادية أو مالية، وقد تتعرض صحة العامل إلى التدهور، مما يستوجب تعديل عقد العمل لمواجهة هذه الظروف، وعلى هذا الأساس فإن إعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تحول دون قيام المستخدم بأي تعديل في عقد العمل ما لم يوافق عليه العامل، وما يترتب عن ذلك من تهديد لحياة المشروع وعدم مسايرته للتقدم، وعدم قدرته على منافسة غيره من المشروعات المماثلة، وبالمقابل فإن انفراد المستخدم بتعديل عناصر عقد العمل قد يترتب عليه المساس بحقوق العمال ومكاسبهم، لذلك نجد أنه من مصلحة العامل التمسك بالقوة الملزمة للعقد ورفض أي تعديل يرى فيه انتقاصا من حقوقه، ومن مصلحة المستخدم التمسك بسلطته التنظيمية وإجراء أي تعديل تفرضه مصلحة العمل.
وتتجلى أهمية هذا الموضوع الذي وقع عليه اختياري في النقاط التالية:
- وجود فراغ قانوني في تشريع العمل الجزائري والذي من شأنه أن يؤدي إلى عدم التوفيق بين مصلحة العامل من جهة ومصلحة المستخدم من جهة أخرى، حيث تناول المشرع الجزائري مسألة تعديل عقد العمل من خلال مادتين فقط 62 و63 من قانون علاقات العمل 90/11 والتي صيغت بصيغة عامة في الوقت الذي تحتاج فيه هذه المسألة إلى تفصيل ومعالجة كل حالة من حالات التعديل على حدى.
- اتجاه الجزائر إلى انتهاج النظام الاقتصادي الحر الذي يرجح المردودية الاقتصادية على الحماية الاجتماعية للعامل، وما يتطلبه من موازنة بين حقوق العامل واحترام مبدأ السلطة التنظيمية للمستخدم.
- كثرة النزاعات العمالية بسبب تعديل عقد العمل والتي عادة ما تنتهي بتسريح العامل إذا امتنع عن تنفيذ عقد العمل بالبنود والشروط الجديدة.
لذلك ارتأيت تسليط الضوء على مشكلة تعديل عقد العمل مستعينا بالآراء الفقهية والقوانين المقارنة وخاصة القانونين الفرنسي و المصري، لكون القانون الفرنسي قد عالج مسألة التعديل بالتفصيل، كما أن القانون المصري قد تطرق إلى العديد من النقاط المتعلقة بتعديل عقد العمل، وقد ساهمت محكمة النقض المصرية مساهمة فعالة من خلال إجتهادتها في إيجاد الحلول الجدية لبعض المسائل العالقة و المتعلقة بموضوع البحث.
وعليه فإن المنهج العلمي المتبع في هذا البحث هو المنهج المقارن، وقد أتبعت هذا المنهج للأسباب السابق ذكرها و المتمثلة أساسا في وجود فراغ قانوني في التشريع الجزائري حول مسألة التعديل.
وعلى هذا الأساس فإن الإشكالية التي تطرح في هذا الموضوع تتمثل في محاولة تكييف قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على نحو يسمح للمستخدم بتعديل عناصر عقد العمل في حدود وبضوابط معينة، خاصة وأن لهذا العقد ذاتيته الخاصة، ولن يأتي هذا التكييف إلا من خلال التوفيق بين مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وما يقتضيه من عدم إمكانية تعديله بالإدراة المنفردة لأي من طرفيه، ومبدأ السلطة التنظيمية للمستخدم، وما يقتضيه من الاعتراف لهذا الأخير من سلطة إجراء أي تعديل متى أستوجب ذلك حسن سير العمل على نحو يسمح بإعمال المبدأين معا دون أن يطغى أحدهما على حساب الآخر.
فكيف يمكن التوفيق بين قاعدة العقد شريعة المتعاقدين وقاعدة السلطة التنظيمية للمستخدم ؟وإذا كان القانون يعترف للمستخدم بسلطة تعديل عناصر عقد العمل فإلى أي مدى يمكنه ممارسة هذا الحق ؟ وماهي الضوابط و القيود الواجب احترامها من طرفه عند ممارسته لهذا الحق ؟.ومدى تأثير التعديل على حقوق الطرفين ؟
للإجابة على هذه التساؤلات قمت بمعالجة هذا الموضوع حسب الخطة التالية:
الفصل الأول:التعديل الجوهري وغير الجوهري لعقد العمل ومدى سلطة المستخدم في إجرائهما
المبحث الأول: معايير التمييز بين التعديل الجوهري و غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: المعيار الإتفاقي
الطلب الثاني: المعيار الموضوعي
- المطلب الثالث: المعيار الشخصي
المبحث الثاني: سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المبحث الثالث: سلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: مبرارت التعديل الجوهري لعقد العمل
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في التعديل الجوهري لعقد العمل
الفصل الثاني: حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل والآثار المترتبة على تعديله
المبحث الأول: حدود سلطة في تعديل عقد العمل
المطلب الأول: السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل
- المطلب الثاني: القيود العامة التي تحد من سلطة المستخدم في التعديل
المبحث الثاني: آثار تعديل عقد العمل على علاقة العمل وحقوق الطرفين
- المطلب الأول: آثار تعديل عقد العمل في حالة قبول العامل
- المطلب الثاني: آثار تعديل عقد العمل في حالة رفض العامل
الخاتمــــــة
الفصل الأول
التعديل الجوهري وغير الجوهري لعقد العمل ومدى سلطة المستخدم في إجرائها
قد يكون عقد العمل محدد لمدة معينة أو غير محدد المدة، فإن كان محدد المدة فهو لا يثير أي إشكال في تعديله بسبب قصر مدته، فالمستخدم يكون في غنى عن تعديله، فله أن ينتظر انتهاء مدته وإبرام عقد جديد بالشروط التي تتلائم مع متطلبات مشروعه.
اما العقد غير محدد المدة فهو الذي يطرح الإشكال عند تعديله بالإرادة المنفردة للمستخدم وخاصة و أن طبيعة هذا العقد تقتضي استمراره لفترة طويلة، وخلال هذه الفترة قد تتغير الظروف التي كانت سائدة أثناء إبرام العقد والتي تجعل المستخدم مضطرا إلى تعديل بنوده(1)
ويقصد بتعديل العقد إجراء تغيير جزئي على عنصر من عناصره أو بند من بنوده بالزيادة أو النقصان وإذا كان الأصل في العقود الملزمة لجانبين هو عدم إمكانية تعديلها إلا بموافقة الطرفين تطبيقا لنص المادة 106 من القانون المدني و المادة 63 من قانون علاقات العمل 90/11، إلا أن طبيعة عقد العمل تختلف عن بقية العقود الأخرى وتقتضى انفراد المستخدم بتعديل بعض بنوده متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، وقد يكون هذا التعديل جوهري أو غير جوهري، وذلك حسب طبيعة العنصر الذي يمسه، ولكن متى نكون أمام تعديل جوهري ومتى نكون أمام تعديل غير جوهري ؟ أوبمعنى آخر كيف نميز بين نوعى التعديل ؟ وماهي سلطة المستخدم في إجرائهما ؟.
و للإجابة على هذه التساؤلات قسمت دراستي لهذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأول معايير التمييز بين نوعى التعديل، وفي مبحث ثان تناولت سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري وخصصت المبحث الثالث لسلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري.
المبحث الأول: معايير التمييز بين التعديل الجوهري و غير الجوهري لعقد العمل
لقد أوجد الفقه عدة معايير للتمييز بين نوعي التعديل،وهذه المعايير ترجع إما إلى اتفاق صريح أو ضمني بين الطرفين إلى تحديد ما هو جوهري أو غير جوهري من العناصر وهذا ما يعرف بالمعيار الإتفاقي وإما تستمد هذه المعايير من موضوع التعديل و هذا ما يعرف بالمعيار الموضوعي، وإما ترجع إلى أثر التعديل
1- د / محمد عبد الغفار البسيوني: سلطة رب العمل في الإنفراد بتعديل عقد العمل – دار النهضة العربية القاهرة 1997 ص 13
على حياة العامل وهذا ما يسمى بالمعيار الشخصي (1)
المطلب الأول: المعيار الإتفاقي
يقصد بالمعيار الإتفاقي هو اتفاق بين المستخدم و العامل على تحديد ما هو جوهري و غير جوهري من عناصر عقد العمل، وقد يكون هذا الاتفاق صريح وبالتالي لا يطرح أي إشكال وقد يكون ضمنيا وهنا يتعين البحث عن النية المشتركة للطرفين وقت إبرام العقد.
الفرع الأول: الاتفاق الصريح
عند إبرام عقد العمل قد يتفق الطرفان صراحة على ماهو جوهري وما هو غير جوهري، عند ئد لن تكون هناك مشكلة في معرفة نوع التعديل، وقد يتفق الطرفان على طريقة أخرى لتحديد العناصر الجوهرية وغير جوهرية كطريقة التحديد الحصري وغير الحصري أي على سبيل المثال، وقد يرد هذا الاتفاق في صورة شرط يعطي الحق للمستخدم في تعديل عناصر معينة من العقد دون الرجوع إلى العامل (2)
أولا: التحديد الحصري لعناصر العقد الجوهرية و غير الجوهرية: يقصد بالتحديد الحصري هو قيام المتعاقدين بتصنيف عناصر العقد إلى عناصر جوهرية وعناصر غير جوهرية، فإذا تم تحديد ماهو جوهري فما عداه فهو غير جوهري، ويترتب على ذلك عدم إمكانية انفراد المستخدم بتعديل أي عنصر من هذه العناصر الجوهرية، كما بترتب على هذا التحديد تسهيل مهمة القاضي الذي يفصل في النزاع بتطبيق النصوص العقدية الصريحة على أساس << العقد شريعة المتعاقدين >> (3).
أما التحديد غير الحصري لعناصر العقد غير ا الجوهرية، يقصد به التحديد الذي يتم من خلال إيراد أمثلة لهذا النوع من العناصر، فنكون العناصر المحددة جوهرية، أما ما عداها فيمكن أن تكون جوهرية أو غير جوهرية بحسب الأحوال.وهذا ما يجعل قاضي الموضوع يبحث في كل حالة على حده مستعينا في ذلك بكافة الظروف و العوامل التي بإمكانها إيضاح طبيعتها (4).
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود: تحديد نطاق سلطة رب العمل في الإنفراد بتعديل عناصر عقد العمل غير محدد المدة دراسة مقارنة
دار النهضة العربية – القاهرة 1998 – ص 12
2- نفس المرجع ص -13 –
3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرحع السابق ص 113
4- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 14.
و الجدير بالذكر أن العبرة في تحديد جوهرية عناصر العقد من عدمها هو لحظة إبرام العقد وليس أثناء تنفيذه، فإذا تبين أن مكان العمل مثلا لم يكن معتبرا عنصرا جوهريا لحظة إبرام العقد فإنه يحتفظ بهذا الوصف حتى ولو أصبح جوهريا فيما بعد بالنسبة للعامل، فلو قبل العامل العمل في مكان بعيد ثم تغيرت ظروفه، بحيث تستوجب عليه العمل في مكان قريب من سكنه كزواجه أو مرض زوجته فإنه لايمكن ان يدعي بأن عنصر المكان أصبح جوهريا بالنسبة له، غير أنه يجوز للطرفين بإرادتها المشتركة أن يعدلا ما كان جوهريا ليصبح غير جوهري.
ثانيا: وجود شرط صريح عقدي أو اتفاقي يسمح بتعديل أي عنصر من عناصر العقد: قد يكون هناك شرط عقدي ينص على حق المستخدم في تعديل عقد العمل دون الرجوع إلى العامل، وقد يرد هذا الشرط في عقد العمل الفردي ذاته أو في لائحة النظام الداخلي للمؤسسة، ويسمى الشرط الذي يجيز للمستخدم تعديل عنصر العقد دون الرجوع إلى العامل بشرط المرونة و يلجأ أصحاب العمل إلى أعمال شرط المرونة في عقد العمل بسبب الظروف الاقتصادية (1).
وتتخذ المرونة صورتين هما المرونة المهنية و/أو المرونة الجغرافية، وبموجب شرط المرونة الجغرافية يمكن للمستخدم أن ينقل العامل من مكان عمله إلى مكان آخر بإرادته المنفردة وما على العامل إلا القبول وإذا رفض العامل ذلك فإن رفضه بشكل سببا حقيقيا وجديا للتسريح لأنه إخلال بالشروط العقدية المتفق عليها.
ويمكن أن يتعلق شرط المرونة بالعمل والاختصاص الأصلي للعامل، وهو ما يسمى بشرط المرونة المهنية إذ بمقتضي وجود هذا الشرط يمكن للمستخدم أن ينقل العامل إلى عمل آخر دون الحصول على موافقته، لكون أن نوع العمل المسند للعامل قد صار عنصرا غير جوهري بوجود شرط المرونة، و يلاحظ أن شرط المرونة، ليس شرطا مطلقا من كل قيد، فإن كان جائزا بالنسبة لعنصر أو أكثر من عناصر عقد العمل فإنه لا يجوز أن يشمل كافة عناصر العقد، وبالتالي لايمكن أن ينفرد المستخدم بإجراء كل تعديل يراه مناسبا له متذرعا بوجود شرط المرونة، لذلك يبطل شرط المرونة إذا كان شرطا عاما مطلقا من كل قيد (2).
1- Corinne pizzio – de Laporte ; droit du travail ; 2 éme édition ; vibert ; paris 1998 – p 108
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 117
الفرع الثاني: الاتفاق الضمني
في حالة عدم وجود إتفاق صريح بين العامل و المستخدم حول العناصر الجوهرية و غير الجوهرية في العقد فإنه يتعين البحث عن النية المشتركة للطرفين وقت إبرام العقد وهذا ما يعرف بالاتفاق الضمني، وعن البحث في نية الطرفين بتعين الإلمام بكافة الظروف التي تحيط بعملية التعاقد، ومن بين هذه الظروف.
أولا: عند ما يبرم العامل عقد عمل مع مؤسسة وهو يعلم أن طبيعة العمل بها تقتضي انتقاله من مكان لآخر، مما يفيد أن مكان ممارسة العمل ليس عنصرا جوهريا بالنسبة للعامل، وهو الحال كذلك بالنسبة للعمل في المقاولات و الخطوط الجوية لشركات الطيران ومنشآت الصيانة وغيرها من المنشآت التي تنفذ أعمالها في أماكن مختلفة (1).
ثانيا: كما أن التحاق العامل بالعمل في منشأة يعلم وقت التعاقد بأن لها فروعا كثيرة كالبنوك وشركات التأمين يفيد إلى اتجاه إدراة المتعاقدين إلى اعتبار مكان العمل عنصرا غير جوهري، وخاصة إذا كانت هذه الفروع ليست بعيدة عن المقر الرئيسي للمنشأة، ولا تستدعي وقتا طويلا للوصول للفرع الجديد (2).
أما إذا قبل العامل العمل في مؤسسة ليست لها فروع داخل المدينة وخارجها، وأن العامل عند تعاقده معها أخذ بعين الاعتبار قرب مكان العمل من مقر سكناه وكان ذلك دافعا للتقاعد، فهنا يصبح المكان عنصرا جوهريا في عقد العمل.
ثالثا: كما تعتبر الحالة الاجتماعية والعائلية من الظروف التي تؤخذ بعين الاعتبار وقت إبرام العقد ،فإذا اتجهت نية الطرفين إلى مراعاة ظروف العامل الاجتماعية و العائلية فإن وقت العمل يعد من العناصر الجوهرية في هذه الحالة (3).
المطلب الثاني: المعيار الموضوعي
يتم التمييز بين التعديل الجوهري وغير الجـوهري وفقا لهذا المعـيار على أسـاس موضـوع أو محل
1- andre Brun et Henri Gallant, droit du travail-« les rapport individuel de travail) 2 éme édition1978.p 760 .
2 - Camerlynck ; jean Laroque : répertoire de droit du travail ; contrat du travail
(Modification) 1995 p 6.
3 - د/ عبد العزيز المرسى حمود: المرجع السابق ص -20
التعديل في حد ذاته وما إذا كان سيترتب على هذا التعديل نقل العامل إلى مركز أقل من الناحية المادية أو الأدبية أو بالنظر إلى المبرر الذي يستند إليه التعديل.
الفرع الأول: نقل العامل
يكون التعديل جوهريا متى كان من شأنه تكليف العامل بعمل جديد أقل ميزة وملائمة من العمل السابق بحيث يكون العمل الجديد لا يتناسب مع مؤهلاته العلمية و خبرته أو يقلل من صلاحياته، سواء من الناحية الفنية أو من الناحية الإدراية (1).
كما يعتبر التعديل جوهريا إذا ترتب عنه تخفيض الأجر أو حرمان العامل من ملحقاته ،و في هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 28/01/1998 و أن الأجر لايمكن تعديله إلا إذا كان التعديل في مصلحة العامل (2).
ويرى بعض الفقهاء أن التغيير يكون جوهريا إذا كان العمل الذي كلف به العامل أقل ميزة من الناحية المالية و الأدبية عن العمل الأصلي، غير أن هذا الرأي لا يجب أن يؤخذ على إطلاقه، إذ في كثير من الأحيان يحدث تغيير جوهري في العمل دون أن يكون العمل الجديد أقل ميزة، وفي بعض الأحيان يكون العمل الجديد أقل ميزة دون أن يحدث تغير جوهري في العمل، لذا يري بعض الفقهاء أن معيار نوعية التعديل، ما إذا كان جوهريا أم لا يكون بمدى اختلاف العمل في المزايا (3).
الفرع الثاني: المبرر من التعديل
قد يستند المستخدم عند تعديله لعقد العمل إلى مبرر يقتضي ذلك، وقد لايستند إلى مبرر، وفي هذا الإطـار ظهر جانب من الفقـه و القضـاء في فرنسـا يميز بيـن التعديـل الجوهري و غير الجوهري
1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني :المرجع السابق ص 275
2- Cass.soc.28 janvier 1998 « le mode de rémunération d’un salaire constitue Un élément de contrat du travail qui ne peut être modifie sans son accord Peu importe que employeur prétende que le nouveau mode est plus avantageux)
3- د/ السيد عبد نايل: الوسيط في شرح نظامي العمل و التأمينات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية , مطابع الملك سعود – الرياض -1997 – ص 100.
عن طريق المبرر من التعديل، فالتعديل طبقا لهذا الرأي يعد غير جوهري إذا كان له ما يبرره و من الأمثلة التي أوردها هذا الاتجاه هو التعديل بسبب الحالة الصحية للعامل إذ أن نقله إلى وظيفة أخرى استنادا إلى قرار طبيب العمل لا يعد تعديلا جوهريا، كما أن تنزيل العامل من درجته الوظيفية بسبب الغيابات المتكررة أو بسبب سلوكه السيئ أو خطئه الجسيم في العمل أو إدارته السيئة لا يعد تعديلا جوهريا إذا تم نقل العامل إلى مدينة أخرى وتنزيل درجته الوظيفية بسبب ارتكابه لخطأ جسيم، كما لا يعتبر تعديلا جوهريا، التعديل الذي يخفض مدة عمل العامل ومنه تخفيض أجره بسبب الظروف الاقتصادية وانخفاض نشاط المشروع (1).
غير أن هذا الاتجاه قد تعرض للنقد لكون أن معيار وجود المبرر لاعتبار التعديل غير جوهري غير مقبول، لأن التعديل الجوهري الذي يستند إلى مبرر يعتبر تعديلا مشروعا و بإمكان المستخدم القيام به، أما التعديل الذي لا يستند إلى مبرر فهو تعديل تعسفي، وبذلك فالتعديل الجوهري الذي له مبرر لايمكن أن يتحول إلى تعديل غير جوهري بمجرد وجود ما يبرره، فالتعديل الجوهري قد يكون له مبرر ومن حق المستخدم إجراؤه، كتكليف العامل بعمل يختلف اختلافا تاما عن عمله بسبب حالة الضرورة، ومع ذلك يبقي هذا التعديل متحفظا بصفته الجوهرية.
وقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى عدم مسايرة ما ذهب إليه الفقه والقضاء الفرنسيين حيث أكدت بأن الحالة الصحية للعامل تعد مبررا لتعديل عمله إلى عمل يتفق مع حالته الصحية ويقتضي هذا التعديل أن تكون الوظيفة الجديدة أقل أداء وعبء من سابقتها، وبالتالي فإن هذه الوظيفة لابد وأن تختلف إختلافا جوهريا عن سابقتها، وإلا لماذا تم نقله مادام الأداء و المطلوب واحد (2).
كما أن نقل العامل بسبب عدم كفاءته لا بد وأن يكون تعديلا جوهريا لأنـه يستوجب نقـل العامل إلى مـركز أدنى يتفـق مع كفاءتـه و ليـس إلى مركزمساو لمركزه السابـق و إلا لمـاذا لم يبقـي في مكانه،ومع هذا فهـو تعديـل مبـرر مشـروع، و في هـذا الإطـار قضـت محكمـة النقـض المصريـة فـإن من سلطـة رب العمـل التنظيمية تقدير كفاية العامل ووضعه في المكـان الـذي يصلـح لـه لمـا يحقـق مصلحـة الإنتاج، إذا استبان عدم كفايته أعتبر ذلك مأخذا مشروعا
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق. ص 131
2- نفس المرجع: ص 135
لتعديل شروط عقد العمل أو إنهائه: (1)
كما أن تخفيض الأجر بسبب تخفيض النشاط هو في حقيقة الأمر تعديل جوهري وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية (2).
وبذلك فالتعديل الجوهري قد يكون مبررا فيعتبر شرعيا، وقد يكون غير مبرر فيعتبر تعسفيا
المطلب الثالث: المعيار الشخصي
يقصد به مدى تأثير التعديل على حياة العامل الشخصية، فإذا كان للمستخدم سلطة تعديل عقد العمل دون مراعاة ظروف العامل الشخصية بمقتضى سلطة الإدارة و التنظيم، فإن هناك جانب من الفقه يرى بضرورة أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار وقت التعديل، واتخاذها كمعيار للتعديل الجوهري وغير الجوهري، حتى و إن وجد اتفاق صريح يقضي بشرط المرونة وعدم ثبات العامل على وضع معين، إلا أن ذلك لا يمنع من الاعتداد بأثر هذا التعديل على حياة العامل وقت التعديل،فإذا نتج عنه أثر على حياة العامل الاجتماعية فإن هذا التعديل يعد جوهريا ويحق للعامل رفضه، أما إذا لم يترتب على التعديل أثر على حياة العامل عد تعديلا غير جوهري، وليس للعامل الحق في رفضه (3). ومسألة التأثير على حياة العامل من عدمه مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
وتطبيقا لذلك يعد تعديلا جوهريا لزمن العمل استنادا لمعيار الظروف الشخصية كل تعديل لا يتماشى مع ظروف العامل الشخصية، كتعديل ساعات عاملة متزوجة من الصباح إلى ما بعد الظهر أو إلى الليل، حيث أن هذا التعديل يتنافي مع واجبات العاملة تجاه زوجها و أبنائها.
ويعد تعديلا جوهريا إذا تم نقل العامل من مدينة إلى أخـرى وكـان مـن شأن هذا النقل أن يسبب للعامـل متاعب خاصة لكون مكان العمـل الجديـد بعيـد ويكلفة أموال باهضـة ويتطـلب وقتـا أطـول أو أن منـاخ المنطقـة التي تم نقلـه إليهـا لا يتناسـب مـع حالتـه الصحيـة ومـن
1- عصمت الهواري : قضاء النقض في منازعات العمل والتأمينات الاجتماعية – المكتبة الأنجلو مصرية 1976 ص 201 – أنظر كذلك الطعن الاجتماعي رقم 333 لجلسة 12/05/1995 والذي اورده سعيد أحمد شعلة ـموسوعة قضاء النقض العمالي – منشأة المعارف – الإسكندرية 1987 – ص 51
Cass. .soc. 28 janvier 1998. Voir Corinne pizzio. De Laporte, op, cit , p 11. -2
3- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق –ص 35.
شأن هذا النقل أن يزيد حالته الصحية سوءا أو يقلل من مردوديته في العمل( 1).
ومن خلال التطرق إلى هذه المعايير الفقهية التي وردت على سبيل المثال، يتضح أن المعيار الحاسم الذي يمكن أن يعتمد عليه القضاء في مدى جوهرية التعديل من عدمه هو المعيار الإتفاقي وهو ما أخذ به القضاء الجزائري في القرار رقم 101448 الصادر في 14/11/1993 الذي جاء فيه حيث أن العقد شريعة المتقاعدين وأن مكان العمل يشكل عنصرا أساسيا في عقد العمل ولا يمكن تعديله بالإرادة المنفردة لأحد المتقاعدين خارج ما يخوله التشريع.
حيث أنه بالرجوع إلى القرار المنتقد لم يتبين أن نقل العامل إلى مكان آخر مندرج في النظام الداخلي للمستخدم أو في بنود عقد العمل (2).
لكن لا يجب أخد هذا المعيار على إطلاقه بل في كثير من الحالات يجب إعمال المعيار الشخصي لما يحققه من استمرار للعامل ومردوديته في العمل ولكون أن الكثير من التشريعات العربية قد أخذت به.
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق –ص 140
2- قرار ملحق رقم 1
المبحث الثاني: سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
يتمتع المستخدم بسلطة تقديرية واسعة، فله أن يتخذ من الوسائل ما يراه مناسبا لحسن إدارته والمحافظة على مشروعه، وتتضمن سلطته في الإنفراد بإجراء تعديل غير جوهري على عقد العمل نظرا لكون هذا التعديل يعد عملا من أعمال الإدراة.
وبناءا على ما سبق فإن المستخدم يملك سلطة أصيلة في الإنفراد بإجراء تعديل غير جوهري على عقد العمل، وأن العامل الذي لا يمتثل لهذا التعديل يعد مرتكبا لخطأ جسم يعطي الحق للمستخدم في فسخ العقد على مسوؤلية العامل (1).
لكن ماهو أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد ؟ وماهي الضوابط التي تحد من سلطته في إجراء هذا التعديل ؟ ذلك ماسنتاوله فيما يلي:
المطلب الأول: أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد.
يستمد المستخدم سلطته في تعديل عناصر عقد العمل تعديلا غير جوهري من سلطته في ادراة و تنظيم مشروعه، ومن موافقة العامل على التعديل، ومن مبدأ حسن النية ومن نصوص القانون.
الفرع الأول: السلطة التنظيمية للمستخدم
تستند سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل إلى سلطته التنظيمية التي تخول له إصدار الأوامر و القرارات التي تمكنه من المحافظة على مشروعه،وفي هذا الإطار نصت المادة 58/1 من القانون العمل المصري على مايلي< يجب على العامل أن يؤدي العمل بنفسه تبعا لإشراف وتوجيه صاحب العمل> (2)
فالعامل الذي أبرم عقد العمل ودخل في حالة تبعية للمستخدم ملزم بالخضوع لسلطته التنظيمية، وما يستتبع ذلك من قبوله لما يمارسه المستخدم من تعديل في شروط تنفيذ العمل، لذلك فإن التعديل غير الجوهري يعد من قبيل ممارسة المستخدم لسلطته الإدراية أكثر من اعتباره تعديلا للعقد، إلا أنه في الحقيقة ليس تعديلا له وإنما تنفيذا له (3)
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 56
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 38
3- نفس المرجع ص 39
وتعترف جميع القوانين المقارنة بسلطة المستخدم في تنظيم مؤسسته، وقد أقرت محكمة النقض المصرية ذلك في الاجتهاد الصادر بتاريخ 08/12/1960 و الذي جاء فيه يملك صاحب العمل سلطة تنظيم إدارته على الوجه الذي يراه كفيلا بتحقيق مصلحة منشأته ولاوجه للحد من سلطته في هذا الخصوص طالما كانت ممارسته مجردة عن أي قصد الإساءة إلى عماله (1).
أما القانون الفرنسي فإن سلطة المستخدم التنظيمية محدودة و مراقبة و محاطة بمجوعة من النظم القانونية الآمرة بموجب الاتفاقيات الجماعية و عن طريق مفتش العمل وبواسطة إلزامية استشارة لجنـة المؤسسة حول الإجراءات الهامة المتعلقة بتنظيم وسير المؤسسة ،حيث قلص القانون الصادر في 04 أوت 1984 المتعلق بحرية العمال داخل المؤسسة من سلطات المستخدم، فلم يعد مثلما كان سابقا يفرض عن طريق النظام الداخلي ما يراه مناسبا وفعالا لحسن سير المؤسسة من مذكرات مصلحية و لوائح داخلية لكون أن سلطته أصبحت محدودة (2).
في حين نجد أن المشرع الجزائري لم يوسع كثيرا في سلطة المستخدم التنظيمية مثلما فعل المشرع المصري، إذ أعطى الحق للمستخدم في تنظيم ساعات العمل خارج التوقيت العادي اليومي على أساس فرق متعاقبة أو عمل تناوبي إذا اقتضت الحاجة (3). وجعل اللجوء إلى الساعات الإضافية استثناء لا يمكن للمستخدم القيام به إلا لوجود ضرورة مطلقة في الخدمة ومن هذه الحالات:
- الوقاية من الحوادث الوشيكة للوقوع أو إصلاح الأضرار الناجمة عن الحوادث
- إنهاء الأشغال التي يمكن أن يتسبب توقفها بحكم طبيعتها في أضرار
كما قيد المشرع اللجوء إلى ساعات إضافية باستشارة ممثل العمال وإعلام مفتش العمل المختص إقليميا (4).
1- عصمت الهوا ري – المرجع السابق –ص 178
2- Corinne pizzio :op. cit. –p67
3- أنظر المادة 30 من قانون 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 يتعلق بعلاقات العمل
4- أنضر المادة 31 من قانون 90/11 المعدلة و المتعلقة بالأمر 96/21
الفرع الثاني: اتفاق الطرفين
قد يستمد المستخدم سلطته في تعديل عناصر معينة من اتفاق صريح بينه و بين العامل، وقد يرد هذا
الاتفاق في صورة شرط صريح في عقد العمل الفردي أو في عقد العمل الجماعي أو في النظام الداخلي
للمؤسسة (1).
وقد يرد هذا الاتفاق على مكان العمل أو زمنه أو اختصاص العامل، و الذي بموجبه يستطيع المستخدم إجراء تعديل على أي عنصر من العناصر المتفق عليها دون الرجوع إلى العامل، وقد يرد الاتفاق مقيد بشرط ما كالاحتفاظ ببعض المزايا التي كان يتقاضاها العامل في عمله السابق أو أن يكون التعديل بصفة مؤقتة لحين تعيين عامل آخر في مكان العمل المنقول إليه العامل، وفي هذه الحالة يتعين على المستخدم أن يتقيد بهذا القيد و الإ جاز للعامل رفض هذا التعديل (2).
وحتى و إن ورد شرط يجيز للمستخدم تعديل أحد عناصره، فإنه يتعين تفسير هذا الشرط تفسيرا ضيقا باعتباره استثناءا على مبدأ القوة الملزمة للعقد، وإذا جاء الاتفاق مطلقا على إمكانية إجراء أي تعديل في العقد فإن هذا الاتفاق يقع باطلا (3)
كما أن اتفاق الطرفين قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا، وذلك باتجاه نيتهما عند التعاقد على اعتبار مثلا مكان العمل ليس عنصرا جوهريا،وهذا في البنوك متعددة الفروع وفي الشركات و المقاولات التي تستدعى انتقال العمال إلى أماكن مختلفة، وبذلك تكون نية العامل والمستخدم قد اتجهت وقت التعاقد إلى إجراء تعديل في مكان العمل ويعد ذلك اتفاقا ضمنيا (4).
الفرع الثالث: مبدأ حسن النية
يعد مبدأ حسن النية من أهم المبادئ التي تحكم تنفيذ العقد، وقد كرس المشرع الجزائري هذا المبدأ في المادة 107 من القانون المدني بنصها: (يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبحسن نية) أما المشرع المصري فقد كرس هذا المبدأ المذكور من خلال نص المادة 147 من القانون المدني التي تنص (يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية) فجميع العقود قوامها التنفيذ بحسن
1-د/ عبد العزيز المرسى حمود المرجع السابق –ص 40
2- د/ عصام أنور سليم : قانون العمل ط2 منشأة المعارف – الإسكندرية 2002 ص 509
3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 156
4- نفس المرجع ص 156
النية، ولعل عقد العمل من أكثر العقود التي يفترض فيها توافر حسن النية لما يتضمنه العقد من تعاون وتضامن ووفاء و إخلاص بين العامل و المستخدم ،ويتجلى هذا التعاون في أن يمتنع العامل من كل ما من شأنه عرقلة تنفيذ العقد ومنع المتعاقد الآخر من الحصول على الفوائد المعتادة من العقد، لذلك فإن مبدأ حسن النية يعد أساسا لسلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد ،وهو التزام عقدي يترتب عن الإخلال به مصدرا للمسؤولية العقدية (1).
الفرع الرابع: الاستناد إلى نصوص القانون
تجد سلطة المستخدم في التعديل غير الجوهري لعقد العمل أساسا لها في قانون العمل، إلا أن المشرع الجزائري لم يفصل في تعديل عقد العمل وجاء بعبارات عامة، حيث نصت المادة 62 من قانون علاقات العمل 90/11 على مايلي:( يعدل عقد العمل إذا كان القانون أو التنظيم أو الاتفاقيات و الاتفاقيات الجماعية تملي قواعد أكثر نفعا للعمال من تلك التي نص عليها عقد العمل )أما المادة 63 من نفس القانون فقد اشترطت موافقة كل من العامل و المستخدم على تعديل شروط العقد وطبيعته على أساس القوة الملزمة للعقد التي تجد سندا لها في القانون المدني وفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وعند تعديل هذا العقد يجب مراعاة أحكام قانون العمل في بعض المسائل كالحد الأدنى للأجور و الحد الأقصى لساعات العمل وبعض القيود الواردة على عمل الأطفال و النساء وعدم تشغيلهم في العمل الليلي إلا برخصة من مفتش العمل المختص إقليميا، وهذا مانصت عليه المادة 28 وكذا المادة 29 من قانون علاقات العمل 90/11
في حين نصت المادة 54 من قانون العمل المصري على أن لرب العمل أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان لا يختلف عليه اختلافا جوهريا بشرط عدم المساس بحقوق العامل المادية (2).
ونظرا لما يثيره تغيير مكان العمل من خلافات لكونه يمس استقرار العامل، فإن بعض تشريعات العمل الحديثة كقانون العمل الليبي و التشيكي تلزم أطراف العقد بتحديد مكان العمل في العقد ذاته (3).
1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق ص 159
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود: المرجع السابق ص 44
3- د/ محمد إبراهيم أبو العينين: مبادئ القانون لرجال الأعمال في المملكة العربية السعودية ط1981 ص 385
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
الفرع الأول: عدم الإضرار بالعامل
إن سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل تعديلا غير جوهري مقيدة بعدم إلحاق أي ضرر مادي أو معنوي أو جسماني بالعامل، و الضرر المادي هو الانتقاص من اجر العامل إذ أن التغيير الذي يمس التعيين داخل المؤسسة باستبدال المنصب الذي يمارس فيه العامل نشاطه بمنصب مماثل دون التأثير على الآجر لا يشكل مساسا بعنصر جوهري في العقد ويعتبر داخلا ضمن السلطات الممنوحة لصاحب العمل في إطار تسيير مؤسسته بالكيفية التي يراها المثلى (1).
في حين أن المشرع الجزائري لم يورد أحكاما خاصة تتعلق بمدى مشروعية التخفيض في الأجر، غير أنه ومن خلال استقراء المادة 63 من قانون علاقات العمل90/11 والمادة 106 من القانون المدني يتضح أنه لا يجوز للمستخدم تخفيض الأجر بإرادته المنفردة، وعلى هذا الأساس فإنه في حالة قيام المستخدم بتعديل الأجر بإرادته المنفردة ورفض العامل هذا التعديل وقطع علاقة العمل، فإن هذا الإنهاء ينسب للمستخدم، غير أنه يمكن تعديل الأجر بمقتضى إتفاق الطرفين أو بمقتضي الأسباب التي يقدرها القانون و المتعلقة بتقليص عدد العمال لأسباب اقتصادية، أو المتعلقة بنقل العامل من منصبه إلى منصب جديد على أساس قرار طبي (2)
كما يجب ألا يترتب على هذا التعديل ضرر أدبي للعامل، باعتبار أن نقل العامل إلى منصب أقل من الناحية الأدبية عمل تعسفي إذا قصد به الإساءة إليه، ويعد تعديلا جوهريا للعقد ويسبب أضرار العامل إلا إذا كان بصفة مؤقتة ودعت إليه ضرورة ملحة(3)
غير أن قانون العمل الجزائري لم يتناول نقل العامل من مكان إلى آخر، غير أنه أورد عبارة عامة في نص المادة 62 من قانون علاقات العمل 90/11 يفهم منها أن التعديل الذي يملي قواعد أكثر نفعا من تلك التي نص عليها عقد العمل يكون مشروعا،أما التعديل الذي يسبب ضررا للعامل فهو مـرفوض،وقد كرسـت المحكمـة العليـا هذا مـن خلال قـرارها رقم 101448 الصـادر بتـاريخ 24/11/1993 واعتـبرت أن النقـل الذي لا يجد سنـدا له في العقـد أو النظـام الداخلـي
1- عبد السلام ذيب – قانون العمل الجزائري و التحولات الاقتصادية – دار القصبة الجزائر 2003 ص 61
2- Nasri hafnaoui :de la modification de certains élément du contrat du travail Revue el djeich : N°414 janvier 1998 p 22
3- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق ص 55.
لا يمكن اعتباره مشروعا ولو برر بالصالح العام (1)
بينما كان التشريع السابق ينص في المادة 49 من القانون 78/12 المؤرخ في 05/08/1978 و المادة
22 من المرسوم 82-302 المؤرخ في 11/09/1982 على أنه يجوز للمستخدم أن يعين العامل في أي منصب غير منصبه الأصلي يتفق ومؤهلاته و في أي مكان يجرى فيه نشاطه إذا دعى تنظيم هذا النشاط إلى ذلك أو لضرورة المصلحة ويتحتم على العامل أن يقبل بالمنصب الجديد على أن يتم ذلك التغيير في ظل احترام الإجراءات القانونية و التنظيمية، غير أنه يمنع أن يكون هذا التعيين بمثابة العقوبة المقنعة أو أن يؤثر على قدرة العامل الشرائية (2).
أما الضرر الجسماني فيتحقق متى كان التعديل يقتضي من العامل أن يبذل جهدا أكبر من الجهد الذي كان يبذله قبل التعديل، وقد قضت محكمة استئناف القاهرة بأن تكليف رئيس العمال بالعمل كعامل تعديل جوهري لكون أن الفرق شاسع بين الرئيس الذي يعمل في الإشراف و التوجيه و العامل الذي يبذل جهدا جسما نيا و عقليا طول اليوم (3).
كما جاء في القرار رقم 205032 المؤرخ في 11/07/2000 الصادر في المحكمة العليا أن قضاء مجلس تيزي وزو لم يتفحصوا بطريقة معمقة الشهادات الطبية الصادرة عن مختصين في طب العمل و التي مفادها أن المدعى غير قادر جسديا وفكريا على ممارسة عمل ليلي (4).مما يفيد أن تغير زمن العمل إلى الليل بالنسبة لهذا العامل سوف يلحق به ضرر جسديا .
وإذا لم يسبب التغير أي أضرار جسما نية أو مادية أو أدبية للعامل، ففي هذه الحالة يعتبر التعديل غير جوهري ولا يكمن للعامل الإعتراض عليه ،و لقاضي الموضوع أن يتأكد من مدى جوهرية التعديل مستعينا بكافة الطرق و العوامل المؤثرة في أداء العمل بالنسبة للعامل .
الفرع الثاني : ألا يترتب على التعديل غير الجوهري تعديل جوهري
هناك عناصر لايمكن أن تكون إلا جوهرية كالأجر و الدرجة الوظيفة،وكل تعديل يمس هاتين العنصرين فهو تعديل جوهري،حتى ولو وجد إتفاق مسبق يقضي بإمكانية التعديل .
1- انظر قرار المحكمة كالعليا رقم 10448 مرفق رقم 1
2- ذيب عبد السلام – المرجع السابق – ص 62
3- د/محمد حسين منصور – قانون العمل – مصر – 1997- ص 472
4- قرار أورده – ذيب عبد السلام – المرجع السابق ص- 175
و هناك عناصر أخرى يمكن أن تكون جوهرية او غير جوهرية بحسب وجود إتفاق من عدمه على إمكانية تعديلها، كمكان العمل وزمانه واختصاص العامل، فهذه العناصر غير جوهرية بطبيعتها مالم يتفق الطرفان على غير ذلك (1).
لكن مهما يكن لا يمكن أن يترتب على تغيير مكان العمل تعديل جوهري في نوعية العمل المسند إلى العامل أو الإنقاص من الحقوق و المزايا التي كان يحصل عليها في المكان الأصلي، أو يترتب على هذا النقل تنزيل العامل إلى مركز أقل من المركز الذي كان يشغله، وقد جاء في قرار المحكمة العليا رقم 170677 المؤرخ في 09/03/1999 لكن حيث يتبين من الحكم المطعون فيه ووثائق الدعوة أن المطعون ضده رسم بموجب قرار تثبيث رقم 805/90 في منصب سائق آلة حفر إبتداءا من تاريخ 21/02/1990 وتم تحويله إلى ورشة عمل أخرى كعامل يدوي بسيط إبتداءا من 29/05/1995 حيث رفض ذلك وحيث أنه تابث فقها وقضاءا أن التغيير في وظيفة العامل لا يتم إلا بناءا على الإرادة المشتركة للطرفين، و الدي يدخل في إطار هذا التحويل مقترنا بالتنزيل، ومن ثم فإن تطبيق قاضي الموضوع للمادة 63 من قانون 90/11 في محله (2)
ويفهم من هذا القرار أن رب العمل (المستخدم ) بتحويله للعامل فإن هذا تعديل غير جوهري ولكنه بإقتران التنزيل بهذا التحويل أصبح التعديل جوهريا و بالتالي يتطلب موافقة العامل .
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود – السائق-ص46
2- قرار أورده ذيب عبد السلام :المرجع السابق-ص65
المبحث الثالث: سلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل
إذا كان هناك اجماع فقهي على أن المستخدم يمكنه أن ينفرد بإجراء تعديل غير جوهري لعقد العمل، فإن الأمر يختلف إذا تعلق بإجراء تعديل جوهري للعقد، لكون أن التعديل الجوهري يترتب عليه مساس بحقوق العمال ومكاسبهم، ويعد خروجا عن مبدأ القوة الملزمة للعقد.
وإذا كان الأصل أن المستخدم لا يمكنه إجراء هذا التعديل إلا بموافقة العامل فإن مصلحة العمل قد تقتضي إجراء تعديل جوهري في العقد.
لقد اختلفت التشريعات الحديثة وكذلك الاجتهاد القضائي فمنها من أعطي للمستخدم الحق في إجراء تعديل جوهري على عقد العمل بصفة منفردة متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، كالاجتهاد القضائي الفرنسي حيث جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 18/05/1978 مايلي: (إن عقد العمل غير محدد المدة يمكن إنهاؤه في أي وقت بإرادة أحد الأطراف ويمكن تعديله بإرادة المستخدم المنفردة وحتى وأن مس هذا التعديل الشروط الأساسية للعقد ) (1). وهذا استنادا إلى نص المادة 4/122 من قانون العمل الفرنسي .
وهناك من التشريعات التى أعطت للمستخدم سلطة إجراء التعديل الجوهري في حالات محددة في القانون ،كحالة الضرورة و القوة القاهرة كما فعل المشرع المصري في المادة 54 من قانون العمل المصري وعلى أن يكون ذلك بصفة مؤقتة، كما أن المادة 696/2 من القانون المدني المصري تجيز هذا التعديل في حالة عدم كفاية العامل مهنيا مما يجعل هاتين الحالتين مبررا لإجراء التعديل الجوهري.
أما المشرع الجزائري فقد تعرض لإمكانية التعديل الجوهري في حالة مرور المؤسسة بظروف اقتصادية صعبة، و في هذا الإطار نص المرسوم التشريعي رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 على إمكانية إجراء عدة تعديلات جوهرية تمس الأجر و مكان العمل و ذلك استنادا إلى إجراءات اللجوء إلى تقليص عدد العمال.
و الشيء الملاحظ أن التشريعات التي أجازت للمستخدم إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل أحاطته بعدة ضوابط لا يمكن أن يخرج عنها و إلا كان التعديل غير مشروع، و على هذا الأساس سوف نتطرق في هذا المبحث إلى أهم مبررات التعديل الجوهري في مطلب أول و في المطلب الثاني نتطرق إلى الضوابط التي تحكم المستخدم عند إجرائه.
1- Camerlynck et Jean Laroque. Modification de contrat du travail .op.cit p2 N°5
المطلب الأول: مبرارات التعديل الجوهري لعقد العمل
تنقسم مبررات التعديل الجوهري لعقد العمل إلى ثلاث طوائف، فمنها ما يرجع إلى الظروف الاقتصادية للمؤسسة وهو ما يسمي بالتعديل الاقتصادي ومنها ما يرجع إلى حالة الضرورة و القوة القاهرة التي تتعرض لها المؤسسة، ومنها ما يرجع إلى ظروف العامل الشخصية.
الفرع الأول: التعديل الجوهري لأسباب اقتصادية (التعديل الاقتصادي )
يقصد بالتعديل الاقتصادي هو ذلك التعديل الذي يعود إلى أسباب ليست لها صلة بشخص العامل، وإنما ترجع إلى أسباب خاصة بظروف المؤسسة أو المشروع، فقد ترجع إلى أسباب اقتصادية خاصة بالمشروع في الظروف العادية كرغبة المستخدم في إعادة تنظيم العمل أو تغيير نظم العمل ووسائل الإنتاج وقد يرجع إلى أسباب اقتصادية خاصة بالمشروع في الظروف غير العادية كإصابة المشروع بأزمة مالية أو اقتصادية صعبة،وقد تصل هذه الظروف إلى إنهاء عقد العمل أو تعديله بدلا إنهائه (1)
أولا: التعديل الجوهري للعقد في الظروف العادية للمؤسسة:
تعتبر رغبة المستخدم في إعادة تنظيم مشروعه لما يحقق مصلحته أو تغيير نظم العمل ووسائل الإنتاج قصد تطوير المشروع وما يقتضيه من تعديل في عناصر العقد مبررا اقتصاديا للتعديل الجوهري لعقد العمل.
1-إعادة تنظيم المشروع: لقد استقر الفقه و القضاء على أن للمستخدم سلطة إعادة تنظيم مشروعه بما يحقق مصلحة العمل، فله أن ينقل العامل من عمل إلى آخر أو من إدارة إلى أخرى أو من فرع إلى آخر ولو كان العمل الجديد أقل ماديا أو أدنى معنويا من العمل الذي كان يؤديه، و في هذا الصدد نجد القضاء المصري مستقر على أن للمستخدم سلطة تنظيم منشأته واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو إلى ذلك، حتى وإن أدى به إلى تضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته، فإذا اقتضي هذا التنظيم إغلاق أحد فروع المنشأة أو أحد أقسامها وإنهاء عقود بعض عماله ،كان لهذا الإنهـاء مـا يبرره وانتـهى عنـه وصف التعسـف، وهـذا خاضـع لسلطـة المستخـدم التقديريـة ولا يجوز لقاضي الموضوع أن يحل محلـه فيهـا، و إنمـا
1-د/ محمود عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق ص 195.
تقتضي رقابته على التحقق من جدية المبررات التي دعت إلى ذلك، وهو غير ملزم بأن يلحق العامل المفصول بعمل آخر (1).
غير أن المشرع الجزائري لم يتطرق لتعديل عقد العمل في الظروف العادية للمؤسسة واقتصر على حالة تغيير الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة، حيث أورد ذلك في نص المادة 74 من قانون90/11 المتعلق بعلاقات العمل والتي تقضي" إذا حدث تغيير في الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة تبقي جميع علاقات العمل المعمول بها يوم التغيير قائمة بين المستخدم الجديد و العمال ولا يمكن أن يطرأ أي تعديل في علاقات العمل إلا ضمن الأشكال وحسب الشروط التي ينص عليها هذا القانون وعن طريق المفاوضات الجماعية".
وقد صدر في هذا الشأن حكم اجتماعي عن محكمة بشار قضى بإعادة إدماج المدعى في منصب عمله بالمؤسسة المدعى عليها في منصب مماثل وبنفس الإمتيازات (2). وذلك بعد حل الشركة القابضة إلى شركة تسيير المساهمات للغرب وتم تحويله إلى مكتب الدراسات التقنية وهو المستخدم الجديد الذي فرض على العامل إبرام عقد محدد المدة بعد أن كان العقد غير محدد المدة.
مما يتضح أن المشرع الجزائري قد ضيق من سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل سواءا بصفة جوهرية أو غير جوهرية، وبيدوا أنه متمسك بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى حد بعيد،وأن قضاء المحكمة العليا مستقر على أنه لا يجوز نقل العامل دون إرادته مؤسسة ذلك على نص المادة 106 من القانون المدني (3).
كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق لحالات عديدة تثير إشكاليات قانونية مثل نقل العامل أو تغيير نوعية نشاطه أو حل المؤسسة المستخدمة.
أما القانون المصري فقد أجاز للمستخدم نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو أقل ملائمة من المركز الذي كان يشغله متي اقتضته مصلحة مؤسسته (4).
1- عصمت الهوا ري : المرجع السابق – ص 281 وما يليها
2- انظر الحكم الاجتماعي لمحكة بشار رقم 371/ 2005 المؤرخ 12/10/2005 مرفق رقم 3
3- انظر قرار المحكمة العليا رقم 101449 الستار إليه سابقا – المرفق رقم 2
4- د/ محمود جمال الدين زكي: قانون العمل،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة القاهرة 1983 ص 492 .
2- تغيير نظام العمل و وسائل الإنتاج: بإمكان المستخدم أن يغير نظم العمل و وسائل الإنتاج إذا رأى أن ذلك يؤدي إلى تطوير و تحديث المشروع و زيادة الإنتاج، فله أن يتبع وسائل جديدة في الإنتاج بما يساير التطورات العلمية و الفنية المتعلقة بنشاط المؤسسة، و قد يتطلب ذلك توسيع نشاط المؤسسة أو فتح فروع أخرى لها في أماكن مختلفة، أو إلغاء بعض الوظائف التي لم تعد تتماشى مع الوضع الجديد، مثل إلغاء وظائف الحراس الليليين و استبدالهم بنظام الرقابة الآلية و نقلهم إلى وظائف أخرى تتلاءم مع كفاءتهم المهنية أو نقلهم إلى أماكن أخرى نتيجة إدماج المشروع في مشروع آخر، أو فتح فروع جديدة له أو تغيير في مواعيد العمل، فإذا لم يوافق العامل على هذا التعديل جاز للمستخدم إنهاء عقد عمله إنهاءا اقتصاديا(1).
و تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية قد استقرت في بادىء الأمر على أحقية المستخدم في إنهاء عقود العمال الذين كانوا يشغلون الوظائف الملغاة إنهاءا اقتصاديا دون أن تلزمه بإسناد وظائف أخرى إليهم تتلاءم مع كفاءتهم المهنية، إلا أن المحكمة قد تراجعت عن هذا الحكم و أصبحت تلزم المستخدم بإعادة تأهيل العامل في أي وظيفة من الوظائف الجديدة بعد إلغاء الوظيفة التي كان يشغلها، فإذا خالف المستخدم ذلك و أنهى عقد العمل عقب إلغاء وظيفته فإن هذا الإنهاء يعتبر غير مشروع لعدم وجود ما يبرره(2).
ثانيا: التعديل الجوهري للعقد في الظروف غير العادية للمؤسسة:
قد تمر المؤسسة بأزمات اقتصادية أو مالية صعبة تجعل المستخدم مضطرا إلى اتخاذ إجراءات ضرورية لحماية مشروعة من الزوال كتضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته ، وقد يكون له مطلق الحرية في اختيار الوسائل التي تحقق له ذلك، حتى ولو كانت أسباب هذه الضائقة تعود إلى إهماله وسوء إدارته، وقد تتضمن هذه الوسائل قيام المستخدم بتعديل عقد العمل لمواجهة كساد اقتصادي، كأن يقوم بإلغاء وظيفة رئيس العمال ويقترح عليه منصب آخر أقل ميزة ،أو يعرض على العامل أن يحتفظ بمنصبه مع تخفيض أجره، أو يخفض له مدة العمل ليصبح عاملا بالتوقيت الجزئي، وإذا لم يوافق العامل على هذا التعديل الذي فرضته الحالة المالية الصعبة التي تمر بها المؤسسة فإمكـان المستخـدم أن ينـهي عقـد
1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق ص 196
2- cass.soc.25 février 1992 ; voir Corinne pizzio-de la porte : op. cit. p 110
عمله ولا يكون متعسفا في هذا الإنهاء لوجود ما يبرره (1).
غير أن المشرع الجزائري لم ينص على حالة التعديل الجوهري لعقد العمل من طرف المستخدم في الوضع العادي للمؤسسة، غير أنه تعرض لإمكانية التعديل الجوهري في حالة مرور المؤسسة بظروف اقتصادية صعبة ،وفي هذا الإطار نص المرسوم التشريعي رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 على إمكانية تعديل أجور العمال أو نقلهم استنادا إلى إجراءات اللجوء إلى تقليص العمال ،حيث نصت المادة 07 منه على" تشمل المرحلة الأولى من الجانب الاجتماعي إجراء واحد أو عدة إجراءات أو كل الإجراءات الآتية:
- تكييف النظام التعويضي و لاسيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل.
- إعادة دراسة أشكال مرتبات العمال و مستوياتها بما فيها مرتبات الإطارات المسيرة أو تجميد الترقية.
- تنظيم عملية التكوين التحويلي للإجراءات الضرورية لإعادة توزيع العمال.
- إلغاء تدريجي للجوء إلى العمل بالساعات الإضافية...".
و من استقراء المادة 07 المذكورة آنفا يتضح بأن المشرع الجزائري تطرق إلى إمكانية تعديل الأجر و ذلك بتخفيضه من خلال الفقرة الأولى من المادة 07 المذكورة آنفا و الفقرة 2 من نفس المادة، حيث أن تكييف النظام التعويضي للعمال و لاسيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل ينطوي على تعديل جوهري في عنصر الأجر، كما أن إعادة دراسة أشكال مرتبات العمال بما فيها مرتبات الإطارات المسيرة أو تجميد الترقية و إدخال العمل بالتوقيت الجزئي ينطوي على تعديل في عنصر الأجر و كم العمل.
كما تطرق المشرع الجزائري من خلال المرسوم التشريعي 94/09 السابق ذكره إلى إمكانية تعديل مكان العمل ونوعه وهذا ما أشارت إليه المادة 7/4 من نفس المرسوم بصفة ضمنية
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية سنة 1937 بأن إنهاء عقد العمل استنادا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المؤسسة يعتبر إنهاء غير تعسفي، وذهبت نفس المحكمة في حكم لاحق سنة 1991 في نفس الإتجاه وأيدت الإجراء الذي اتخذه المستخدم بتخفيض أجور عماله وذلك بالعـدول عن العـرف الذي كـان بموجبه يحصل العمال على الشهر الثالث مكافأة، و التي
1- أحمية سليمان - التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري – علاقة العمل الفردية – د.م.ج .الجزائر 1998 ص 381
أصبحت حقا مكسبا لهم بمقتضي العرف الساري في المؤسسة، غير أن الظروف المالية الصعبة التي مر بها المشروع دفعت المستخدم إلى إلغاء هذه المكافأة، مما يعد تعديلا جوهريا في العقد، وترتب على رفض العمال لهذا التعديل إنهاء عقودهم إنهاء اقتصاديا بسبب الظروف المالية الصعبة للمؤسسة ورفضت المحكمة تعويضهم عن إنهاء عقودهم، وأسست هذا الرفض على أن إنهاء العقود كان له ما يبرره من رفض العمال لتعديل مشروع (1)
أما محكمة النقض المصرية فقد قضت بأن لصاحب العمل قانونا السلطة في تنظيم منشأته باعتباره هو المالك لها و المسؤول عن إدارتها ولا معقب على تقديره إذا رأى لأزمة اقتصادية ظهر أثرها عليه أو كارثة مالية توشك على أن تنزل به، تضيق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته،مما يجعل له الحرية تبعا لذلك في اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة بتوقي الخطر الذي يهدده و المحافظة على مصالحه المشروعة (2) وكان هذا الحكم بمناسبة ظروف اقتصادية تعرضت لها شركة للسنما وهددتها بكارثة مالية بسبب انتشار التلفزيون ،ولم تعد مداخيلها كافية لتغطية مصاريفها فقامت بتخفيض أجور بعض العمال وتسريح بعضهم واسناد أعمالهم للعمال المتبقين مما ترتب عنه زيادة حجم العمل المسند إليهم ،وتعد هذه الإجراءات من قبيل التعديل الجوهري لعقد العمل المبرر بالظروف المالية و الاقتصادية التي تمر بها الشركة (3).
الفرع الثاني: التعديل الجوهري في حالة الضرورة أو القوة القاهرة
قد تمر المؤسسة بظروف صعبة أو قاهرة، ويكون من شأن هذه الظروف أن توثر على وجودها سلبا إذا لم يسارع المستخدم باتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهتها، وتقتضي هذه الظروف من العامل أن يتعاون مع المستخدم إعمالا لمبدأ حسن النية ،وقد تصل إلى إجراء تعديل جوهري لعنصر أو أكثر من عناصر العقد الجوهرية دون حاجة إلى رضا العامل .
والمشرع الجزائري قد أشار إلى ذلك من خلال المادة 31 من قانون علاقات العمل المعدلة بالأمر 96/21 المـؤرخ في 09 جويليـة 1996 حيـث تنـاولت في فقرتهـا الثانيـة و الثالثـة إمكانية تعديـل حجم العمـل وذلك باللجـوء إلى ساعات الإضافية للوقاية من الحوادث الوشيكة
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق –ص 53
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق ص 201 وانظر كذلك الطعن الاجتماعي رقم 83 لسنة 1959 الذي أو رده سعيد أحمد شعلة : المرجع المرجع السابق ص 49 .
3- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 54
الوقوع أو لإصلاح الأضرار الناجمة عن الحوادث أو من أجل إنهاء الأشغال التي يمكن أن يتسبب توقفها بحكم طبيعتها في أضرار، وقد قيد المشرع هذا الحق بوجوب استشارة ممثل العمال وإلزامية إعلام مفتش العمل المختص إقليميا إذا تعدت الساعات الإضافية 20% من المدة القانونية للعمل أما إذا لم تتعداها فلا تحتاج إلى استشارة.
كما نصت المادة 37 من قانون علاقات العمل الجزائري على إمكانية تأجيل الراحة الأسبوعية للعامل في حالة الضرورة، غير أن المشرع الجزائري لم يدج في قانون العمل نصا صريحا خاصا بحالة الضرورة ومدى إمكانية تعديل عقد العمل استنادا لها، عكس المشرع المصري الذي جاء في المادة 54 من قانون العمل المصري بإمكانية التعديل الجوهري لعقد العمل لمواجهة ماقد يعترض السير المعتاد للمؤسسة من حوادث تفرضها الضرورة أو القوة القاهرة محاولة لمنعها أو لإصلاح أثارها بنصها ( لا يجوز لصاحب العمل أن يخرج عن القيود المشروطة في الاتفاق أو يكلف العامل بعمل غير متفق عليه إلا إذ دعت الضرورة إلى ذلك منعا لوقوع حادث أو لإصلاح ما نشأ عنه أو في حالة القوة القاهرة على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة (1)
أما القانون الفرنسي فلا يعترف للمستخدم بتعديل العقد تعديلا جوهريا إلا بسبب الخطأ الجسيم و القوة القاهرة ،وهذا ما نصت عليه المادة L 122-3-8 من قانون العمل الفرنسي (2)
وقد أعتبر القضاء الفرنسي أن كل تعديل في مكان ونوعية العمل المنصوص عليهما في العقد في غياب الخطأ الجسيم أو القوة القاهرة يعتبر إنهاءا تعسفيا (3)
الفرع الثالث: التعديل الجوهري لعقد العمل لأسباب خاصة بالعامل
يمكن أن تكون الظروف المتعلقة بالعامل سببا ومبررا لإجراء تعديل في عقد العمل إذا ما رأى المستخدم ذلك تحقيقا لمصلحة العمل،وقد ترجع هذه الأسباب إما إلى عدم كفاية العامل للعمل المسند إليه أو ارتكاب العامل خطأ تأديبيا ، وإما بسبب ظروفه الصحية .
1- همام محمد محمود زهران – قانون العمل_ عقد العمل الفردي – دار المطبوعات الجامعية_الإسكندرية 2003 ص 334
2- CAMERLYNCK ET JEAN LAROQUE/ MODIFICATION DU CONTRA DU TRAVAIL ,OP,CIT,P2
3- SOC 18 JUILL 1998 ,CAHIERS SOCIAUX , BERREAU DE PARIS 1988 N°2
أولا : تعديل العقد بسبب عدم كفاية العامل
ويسمى بالتعديل المهني، ويقصد به عدم قدرة العامل على القيام بأعباء الوظيفة المسندة إليه على الوجه المطلوب بسبب انخفاض مستوى أدائه لهذه الوظيفة ،وقد يظهر قصور العامل بعد انتهاء فترة التجربة أو بعد إعادة تنظيم العمل ،وإسناد وظيفة أخرى للعامل ،فإذا تبتت عدم كفاية العامل للعمل المسند إليه جاز للمستخدم أن يسند إليه عملا آخر يتلاءم مع كفايته على الأقل .
أما القانون الجزائري فلم ينص على إمكانية تعديل عقد العمل أو إنهائه بسبب عدم كفاءة العامل ويبدوا أن المشرع الجزائري قد إكتفي بالنص على فترة التجربة وأعطي المستخدم الحق في فسخ وإنهاء عقد العمل خلال هذه الفترة ،ولا يكون الإنهاء أو الفسخ إلا بسبب إخلال للعامل بالتزاماته أو عدم كفاءته ولعل المشرع الجزائري ترك ذلك للاتفاقيات الجماعية ،وبالرجوع إلى الاتفاقية الجماعية الوطنية لعمال إطارات متوسطة وإطارات سامية للشركة الجزائرية للتأمين SAA نجدها تنص في الفصل الثاني عشر بعنوان عدم الكفاءة المهنية في المادة 71 منه أنه في حالة عدم كفائة العامل المهنية الناتجة عن عجز أو عدم تكيف جسماني ،فكري،أو مهني لابد على رب العمل أن يوجه ملاحظة مكتوبة و في حالة استمرار عدم الكفاءة يجب على صاحب العمل بعد الإفصاح عن رأي مندوبي المستخدمين أن يقترح ويتخذ إي إجراء من شأنه أن يسمح للعامل المذكور باستكمال مستوى تأهيله حتى يتكيف مع مستوي التأهيل الخاص بمنصب العمل ،أما إذا تعذر ذلك يعاد تعيين العامل في منصب ذي مستوى أدنى يتلاءم مع مؤهلاته الحقيقة .
ومن خلال استقراء هذه المادة ،فإنه يجوز لرب العمل تعديل عقد العمل تعديلا جوهريا بسبب عدم كفاءة العامل (1)
أما محكمة النقض المصرية فقد استقر اجتهادها على الاعتراف للمستخدم باحقيته في تعديل عقد العمل، وذلك بوضع العامل في المكان الذي يتلاءم مع كفايته وقدرته، ومن أمثلة ذلك ما قضت محكمة النقض في الطعن رقم 333 الصادر بتاريخ 12/05/1965 حيث ورد فيه (من سلطة رب العمل التنظيمية تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له لما يحقق مصلحة الإنتاج ، بحيث إذا استبان عدم كفايته أعتبر ذلك مأخذا مشروعا لتعديل شروط عقد العمل أو إنهائه ،وعلى من يدعي عدم صحة هذا المأخذ و التعسف في إنهاء العقد عب أثابه (2)
1- أنظر المادة 71 من الاتفاقية الجماعية الوطنية لعمال إطارات متوسطة وسامية للشركة الجزائرية للتأمين المبرمة في 22 سبتمبر 1994 المودعة بكتابة ضبط محكمة باب الواد بتاريخ 4 أكتوبر 1994 2- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق ص 51
ثانيا: تعديل عقد العمل بسبب خطأ العامل
ويسمى بالتعديل التأديبي، و الخطأ التأديبي هو كل مخالفة للتعليمات و الأوامر و القواعد العامة المتعلقة بتنظيم العمل في المؤسسة، والتي يستقل المستخدم بتقديرها وتحديدها من الناحية الفنية و الاقتصادية، والتي من شأنها الإخلال بالسير الحسن للمؤسسة أو إحداث اضطراب بها (1)
كما عرف الخطأ التأديبي بأنه <مخالفة العامل لالتزام مهني شرعي >ولذلك يتعين لإثبات أي خطأ إثبات الالتزام المرتبط به وطابعه المهني وشرعيته (2).
ومن الطبيعي أن العامل عندما يرتكب خطأ تأديبيا يفتح المجال للمستخدم لممارسة سلطته التأدبية وتوقيع جزاءات متنوعة عليه، منها نقله من مهنة إلى أخرى أومن مكان آخر أو حرمانه من بعض الإمتيازات أومن الترقية مما يشكل تعديلا جوهريا لعقد العمل، وقد يصل الجزاء إلى حد التسريح إذا كان الخطأ جسيما، وقد نصت المادة 73 من قانون علاقات العمل 90/11 المعدلة بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 على سبع (07) حالات يترتب على ارتكاب العامل لها تسريحه بدون مهلة عطلة وبدون تعويض .
- غير أن المشرع الجزائري، لم ينص على إمكانية تعديل عقد العمل إذا ارتكب العامل أخطاء جسيمة بل جعل جزاء الخطأ الجسيم هو التسريح وهذا ما اخذ به المشرع الفرنسي، أما الأخطاء البسيطة التي لم يتم ذكرها في المادة 73 فإن المشرع ترك أمر تحديدها وتحديد عقوبتها للنظام الداخلي الخاص بكل مؤسسة والذي يعد إلزاميا لكل مستخدم يشغل أكثر من 20 عاملا (3).
ومن بين صور العقوبات التأدبية، التنبيه، الإنذار، التوبيخ، التوقيف المؤقت عن العمل الحرمان من الترقية، التنزيل من الدرجة، وتخلتف هذه العقوبات من مؤسسة إلى أخـرى نظـرا لعدم تحديدهـا مـن طـرف القـانون.
أما القانـون الفـرنسي فقـد أورد الجزاءات التأديبية على سبيـل المثـال لا على سبيـل الحصر حيث نص قانـون العمل الفرنسـي الصـادر 1982 على ((يشـكل كـل جـزاء يتخذه المستخدم
1-د/ أحمد شوقي محمد عبد الرحمان: الخطأ الجسيم للعامل وأثره على حقوقه الوارة في قانون العمل_ المطعبة العربية الحديثة – القاهرة 1979 ص 48 وما يليها.
2- ديب عبد السلام: المرج السابق ص 420.
3- انظر المادة 77 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل
ماعدا التنبيهات الشفوية، على إثر التصرفات السيئة للعامل و التي يعتبر مخطئا بسببها ويكون من طبيعة ذات تأثير مباشر أو غير مباشر على وجود العامل في المشروع أو على وظيفة أو مدة عمله أو أجره بحيث يشمل هذا التعريف النقل وتثبيت الأجر وتنزيل الدرجة ، مما يشير إلى أن القانون يسمح بدخول صور كثيرة لجزاءات تأديبية تشكل تعديلا جوهريا لعقد العمل (1)
وتأييدا لذلك أجازت محكمة النقض الفرنسية التعديل التأديبي الذي يشكل في نفس الوقت تعديلا جوهريا لعقد العمل ،وذلك بإقرارها بشرعية تنزيل عامل من درجته بسبب عصيانه ،وإنهاء عقده بسبب رفضه التوجه إلى عمله الجديد ، حيث قضت المحكمة بأن رفض العامل تنفيذ هذا التعديل يعد خطأ جسيما يترتب عليه إنهاء العقد مع حرمانه من التعويض عن هذا الإنهاء ،إذ يعتبر برفضه الخضوع للجزاء التأديبي مرتكبا لخطأ جسيم ومتسببا في إنهاء العقد )2( ,
أما المشرع المصري فقد أورد الجزاءات التأديبية على سبيل الحصر ،خلافا لما أورده المشرع الجزائري ، والذي حصر الأخطاء الجسمية المستوجبة للتسريح وترك الأخطاء الأخرى لسلطة المستخدم التقديرية ، وألزمه بوضعها ضمن النظام الداخلي على ألا تتعارض مع تشريع العمل، كما أن المشرع المصري حصر الأخطاء التأديبية عكس المشرع الفرنسي الذي أوردها على سبيل المثال ، وتتمثل الجزاءات التأديبية في قانون العمل المصري في الإنذار،الغرامة – الوقف عن العمل – الحرمان من العلاوة السنوية أو جزء منها – الإنذار الكتابي بالفصل –الفصل من الخدمة.
غير أن المشرع المصري لم ينص على إمكانية تنزيل درجة العامل بسبب خطئه الجسيم أو تخفيض أجره مما يحد من سلطة المستخدم في توقيع مثل هذه الجزاءات على العامل.
وقد أكدت ذلك محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها نع عدم أحقية رب العمل في توقيع عقوبة تأديبية على العامل بتخفيض أجره وتنزيل درجته الوظيفية، عندما اعتدى على رئيسه ،لكون أن هذه العقوبة غير منصوص عليها في القانون لأن العقوبات التأديبية وردت على سبيل الحصر ولم تكن ضمنها هذه العقوبة (3 ) .
1- Javillier (J.C) : droit du travail, manuel de droit du travail ,2eme édition .librairie générale de droit et de jurisprudence, 1988,p195
2- عبد العزيز المرسي حمود :المرجع السابق .ص 68.
3-نفس المرجع – ص- 68.
ثالثا : تعديل عقد العمل بسبب الحالة الصحية للعامل
ويسمى التعديل الصحي ،فقد يصاب العامل بمرض أو حادث يجعله غير قادر على أداء العمل المسند إليه بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة ، الأمر الذي يبرر للمستخدم إنهاء عقد العمل أو تعديله ،وتختلف سلطة المستخدم في التعديل بحسب نوعية العجز الذي أصابه ،فإذا أصيب العامل بعجز كلي مستديم وأصبح غير قادر على أداء عمله جاز للمستخدم إنهاء عقد عمله.
وقد نصت المادة 66 من قانون علاقات العمل 90/11 على ما يلي "تنتهي علاقة العمل في الحالات التالية : البطلان أو الإلغاء القانوني – انقضاء أجل العقد ذي المدة المحدودة -الاستقالة – العجز الكامل عن العمل كما ورد تحديده في التشريع ....."
ويثبت العجز الكامل عن العمل بموجب رأي طبيب العمل ويخول للمستخدم إنهاء عقد العامل العاجز عجزا كاملا عن العمل.
أما إذا أصيب بعجز جزئي فبإمكان المستخدم أن يغير له منصب العمل ويكون ملزما برأي طبيب العمل(*) الذي يبت في تبديل العامل في منصب آخر (1) فإذا رفض المستخدم الآخذ برأي طبيب العمل فإنه يخضع لعقوبات جزائية محددة بالمادة38 من قانون 88/07/ المؤرخ في 26/01/1988 (2).
أما إذا رفض العامل نقله إلى منصب آخر بسبب حالته الصحية فإنه يعد مرتكبا لخطأ جسيم يستوجب التسريح (3)
وإذا تم نقل العامل إلى منصب أدنى بسبب حالته الصحية فإنه سيؤدي حتما إلى تخفيض أجره مما يشكل تعديلا جوهريا لعنصر الأجر.
(*) أنظر قرار المحكمة العليا رقم 84360 المرفق رقم 5
1-أنظر المادة 36 من المرسوم التنفيذي 93/120 والتي تنص على "عملا بالمادة 175 من القانون رقم 88-07 المؤرخ في 26 جانفي 1988 والمذكور أعلاه يجب أن تأخذ الهيئة المستخدمة آراء طبيب العمل بعين الاعتبار، لا سيما فيما يتعلق بما يأتي: القرارات الطبية – تطبيق التشريع المتعلق بالمناصب المخصصة للمعوقين - التبديل في المناصب بسبب إصابة العامل – تحسين ظروف العمل...."
2-تنص المادة 38من قانون 88/07 على معاقبة كل مخالف لأحكام المواد 28 , 27, 26,25,24,23,17,14,13,11,07,06,05,03
3- NASRI HAFNAOUI : op. , cit. ; p26
أما المشرع المصري فيفرق بين العجز المستديم الكلي والذي تنقضي به علاقة العمل ،والعجز الجزئي الذي يؤدي كذلك إلى انقضاء علاقة العمل متى ثبت عدم وجود أي عمل آخر، ويثبت عدم وجود العمل الآخر طبقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي (1)
أما في القانون الفرنسي فإن طبيب العمل هو الذي يختص بتقدير الحالة الصحية للعامل ،فإذا قدر عدم قدرته على ممارسة عمله الأصلي فإن المستخدم يصبح ملزما بإعادة تأهليه في منصب آخر بعد استشارة طبيب العمل،الذي يقترح نقل العامل إلى منصب آخر أقل مشقة ،مما يؤدي إلى تخفيض أجره،ويعد ذلك تعديلا جوهريا لعقد العمل (2)
أما إذا لم تكن هناك مناصب شاغرة تلائم حالة العامل الصحية ،فإن المستخدم غير ملزم بإحداث منصب جديد لهذا العامل ،أما في حالة وجود أكثر من منصب شاغر فإن المستخدم هو الذي يحدد نوعية العمل الجديد وشروطه،دون أن يتعسف في ذلك ،وإذا رفض العامل المنصب الجديد جاز للمستخدم انهاء عقده على مسؤولية العامل (3)
أما في التشريع الجزائري فلم ترد حالة المرض من بين حالات انتهاء العقد ،بل وردت ضمن الحالات التي تعلق فيها علاقة العمل إلى غاية شفاء العامل وبدون تحديد ،وبعد شفاء العامل يلتزم المستخدم بإعادة إدراج العامل في منصب عمله أو في منصب ذي أجر مماثل، وهذا ما نصت عليه المادة 65 من قانون علاقات العمل الجزائري
ويتضح من استقراء هذه المادة أن المستخدم يمكنه تعديل نوع العمل دون إمكانية تعديل الأجر، غير أنه يمنع من إنهاء عقد العامل المريض طوال مدة مرضه .
المطلب الثاني : ضوابط سلطة المستخدم في التعديل الجوهري لعقد العمل
إذا كان بإمكان المستخدم الإنفراد بتعديل عقد العمل بصفة غير جوهرية من باب ممارسته للسلطة التنظيمية، فإن الأمر يختلف إذا تعلق بإجراء تعديل جوهري في العقد ،لأن هذا التعديل يترتـب عليــه
1- تنص المادة 71 من قانون العمل المصري على (تنقضي علاقة العمل لأحد الأسباب الآتية: عجز العامل عجزا كليا عن أداء عمله الأصلي أو عجزه عجزا جزئيا مستديما متى تبث عدم وجود أي عمل آخر ،على أن يتبث وجود العمل الآخر طبقا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي
2- Corinne pizzio –de la porte ;op. ;cit. ,p120 , voir l’article L 122 - 45 du code du travail français
3-د/ محمد عبد الغفار البسيوني - المرجع السابق- ص 231
المساس بحقوق العمال ومكاسبهم، وإذا كان الأصل أنه لا يجوز تعديل عقد العمل تعديلا جوهريا، إلا إذا اقتضت مصلحة العمل ووجدت مبررات كافية لذلك فإنه من الضروري أن تمارس هذه السلطة في حدود وضوابط معينة تضمن تحقيق تلك المصلحة ولا تنحرف عنها، وتنقسم هذه الضوابط إلى قسمين ضوابط موضوعية وضوابط شكلية
الفرع الأول: الضوابط الموضوعية لتعديل عقد العمل
أولا: أن يكون التعديل المستند لحالة الضرورة أو القوة القاهرة مؤقتا: إذا كانت حالة الضرورة أو القوة القاهرة مبررا لتعديل عقد العمل تعديلا جوهريا، فإن هذا التعديل يجب أن يكون مؤقتا فلا يدوم إلا بالقدر اللازم لمواجهتها ويزول بزوالها، لكون أن حالة الضرورة أمر عارض وان التعديل الذي يقوم به المستخدم إنما أجيز لمواجهة هذه الحالة، مما يقتضي أن ينتهي التعديل بانتهائها، وهذا ما أشارت إليه المادة 54 من قانون العمل المصري والتي سبق الإشارة لها والتي جاءت بعبارة... على أن يكون ذلك بصورة مؤقتة وهي العبارة التي سهى المشرع الجزائري عن ذكرها في المادة 31 من قانون العمل عند أوجب اللجوء إلى الساعات الإضافية، غير أنه أوجب أن يكتسي هذا اللجوء طابعا استثنائيا.
ثانيا: أن تكون مبررات التعديل حقيقية لا صورية: تعتبر الظروف الصعبة التى يمر بها المشروع مبررات لتعديل عقد العمل، كالظروف المالية الصعبة و الأزمات الاقتصادية أو رغبة المستخدم في تغيير نظم الإنتاج،أو إعادة المشروع ،واستحداث وسائل جديدة في العمل أو حالة الضرورة ومهما كان مبرر التعديل الجوهري إلا أنه يجب أن يكون حقيقيا لا وهميا ،ويقع على المستخدم عبء إثبات توافر المبرر من التعديل (1) وكل تعديل يستند إلى أسباب أخرى لا تتعلق بمصلحة الإنتاج يقع باطلا ،ويكون تعسفيا كالتعديل الذي يستند إلى كبر سن العامل أو ضخامة أجرته ،أو أن المبرر قليل الأهمية لا يتناسب مع الأضرار التي تصيب العامل نتيجة التعديل.
ثالثا: أن يكون الهدف من التعديل تحقيق مصلحة العمل: تكون الغاية من كل تعديل جوهري لعقد العمل تحقيق العمل ،فإذا انتفت هذه المصلحة يصبح التعديل تعسفيا, كان يكون القصد هو الإضرار بالعامل أو الإساءة إليه , وقد بيـن القضـاء الجـزائري هـذا المبـدأ في قـرار المحكمـة العليـا رقـم 61 804 المؤرخ في 13/04/1992 والـذي جـاء فيـه " حيـث أنــه بالرجـوع
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود - المرجع السابق – ص 82
إلى المادة 49 من القانون المذكور،يتبين أنه إذا كان المشرع قد خول للمؤسسة تعيين العامل الذي يجب عليه القبول ،في أي منصب يتماشى وتأهيله حيثما كان موقع نشاط المؤسسة المستخدمة ،فإنه لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يكون التحويل عقوبة مقنعة (1)
وفي هذا الإطار نصت المادة 696/2 من القانون المدني المصري على أن ( نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو ملائمة من المركز الذي كان يشغله لغير ما ذنب جناه لا يعد عملا تعسفيا بطريق غير مباشر إذا اقتضته مصلحة العمل، لكن لا يعد كذلك إذا كان الغرض منه إساءة العامل )
وقد أقرت هذا المبدأ محكمة النقض المصرية في حكم لها، حيث جاء فيه (... بل أن مصلحة المشروع تبرر تعديل العقد ولو بنقل العامل إلى عمل آخر أقل ميزة أو ملائمة من المركز الذي كان يشغله متى اقتضت مصلحة العمل ذلك (2)
الفرع الثاني: الضوابط الشكلية لتعديل عقد العمل
أولا: ضرورة إخطار العامل بقرار التعديل: من الضوابط الشكلية الواجب مراعاتها عند قيام المستخدم بأجراء تعديل عقد العمل إخطار العامل مقدما بقرار التعديل، وأن يمهله فترة زمنية كافية للتفكير واتخاذ قراره بقبول التعديل أو برفضه، وهذا ما نصت عليه المادة 1-2 -321 Lمن قانون العمل الفرنسي، حيث ألزمت هذه المادة المستخدم هذه المادة المستخدم الذي يريد تعديل عقد العمل بضرورة إخطار بموجب رسالة موصي عليها مع علم الوصول ويمنح له أجر شهر للرد فإذا سكت ولم يرد خلال هذه المدة اعتبر سكوته قبولا ضمنيا (3)
أما عن شكل الأخطار فقد نص المشرع الفرنسي من خلال المادة 2-1-321 L أن يكون بموجب رسالة موصى عليها مع علم الوصول، في حين لم يتطرق لا القانون الجزائري ولا القانون المصري لمسألة إخطار العامل بالتعديل و لا للشكل ، مما يتعين الرجوع إلى عقود العمل الفردية و النظام الداخلي للمؤسسة أو الاتفاقيات الجماعية ومدى نصهـا على هـذا الشرط،وفي حالـة خلـو هـذه العقـود
1- قرار أورده ذيب عبد السلام – المرجع السابق – ص 63
2- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق – ص 53
3- Corinne pizzio – de la porte ; op.cit : p 112
من حل لهذه المسألة يتعين الاستعانة بالآراء الفقهية التي تناولت هذه الإشكالية، فقد ذهب رأي فقهي إلى أن شكل الأخطار بالتعديل يخضع للقواعد العامة لكونه تصرف بإرادة منفردة، فيمكن أن يكون كتابيا أو شفويا، أما عن مدة الأخطار فهي المدة اللازمة للعامل لكي يفكر ويتخذ قراره، لذا لا يجب أن تحدد بطريقة جامدة بل بطريقة مرنة ، فالمدة اللازمة للتفكير بالنسبة للتعديل الذي يستند إلى حالة الضرورة أو الأحوال الاقتصادية تكون أقل من المدة اللازمة لقيام المستخدم بتطوير نظم العمل ووسائل الإنتاج (1)
ثانيا : حماية العمال النقابيين :إذا كان العامل في منظمة نقابية فإن معظم التشريعات تفرض قيودا على سلطة المستخدم في تعديل عقد هذا العامل حتى يتمكن من القيام بممارسة عمله النقابي بحرية تامة .
ومن بين التشريعات التي قدمت حماية فعالة للعمال النقابيين التشريع الجزائري حيث نصت المادة 53 من قانون 90/14 المؤرخ في 02/06/1990 المنظم لكيفية ممارسة الحق النقابي ، على أنه (لا يجوز للمستخدم أن يسلط عقوبة العزل أو التحويل أو أية عقوبة تأديبية على أي عضو في الهيئة التنفيذية القيادية للهيكل النقابي )
وبتعليل بسيط لهذا النص نستنتج أنه يمنع تحويل أو نقل المندوب النقابي من منصب عمله الذي يشغله إلى منصب آخر ولو في نفس الورشة أو في نفس المصلحة إذا كان هذا النقل بسبب نشاطه النقابي وتأكيدا لحماية العمال النقابين، فإن أية مخالفة لنص المادة 53 المذكور أنفا يعاقب عليها بمقتضى المادة 59 من نفس القانون بغرامة مالية تتراوح مابين 10.000 دج إلى 50.000 دج وحالة العود يعاقب بغرامة مالية تتراوح مابين 50.000 دج إلى 100.000 دج وبالحبس من 30يوما إلى 06 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين (2)
كما نص القانون الجزائري على عدم إمكانية تسريح أو تحويل أي مندوب أو ممثل للعمال وهذا بسبب النشاطات التي يقوم بها بحكم مهمته التمثيلية وهذا ما نصت عليه المادة 113 من قانون 90/11 غير أن هذا القانون لم ينص على عقوبة جزائية صريحة تعاقب على الإخلال بالنصوص الواردة في المادة 113 المذكورة أنفا
كما نص القانون الفرنسي على هذه الحماية ، وقيد نقل العامـل النقـابي بضرورة موافقة الجهة
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 182 وما يليها
2- NASRI HAFNAUOI : op. Cit. ; p26
الإدارية المختصة، وهي مفتشية العمل حتى تتأكد من أن النقل لم يكن بسبب عمله النقابي أو انتمائه إلى منضمة نقابية معينة، كما عامل القانون الفرنسي ممثل العمال معاملة خاصة إذا منع إعمال شرط المرونة المهنية أو الجغرافية بشأنه وأن هذا الشرط ليس له أي أثر إجباري دون موافقة العامل (1)
فإذا قام المستخدم بإجراء تعديل جوهري أو غير جوهري على عقد عمل العامل النقابي ورفض العامل هذا التعديل وأراد المستخدم إنهاء عقده، وجب عليه الحصول على تصريح من الجهة الإدراية، فإذا رفضت إنهاء عقده وجب العدول على فكرة التعديل و إلا أعتبر تعسفيا .
1- Corinne pizzio – de la porte ; op. ; Cit. ; p 109
الفصل الثاني
حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل والآثار المترتبة على التعديل
بعد أن بينا في الفصل الأول أهم المبررات التى يستند إليها المستخدم في إجراء التعديل بنوعيه، فبتوفر هذه المبررات له أن يعدل في بنود العقد بما يتماشى ومصلحة المشروع، فله السلطة التقديرية في اختيار موضوع التعديل، لكن هل يتمتع المستخدم بسلطة مطلقة في التعديل أم أن سلطته مقيدة ؟ وما هي الآثار المترتبة على هذا التعديل ؟
من أجل الإجابة على هذه التساؤلات ينبغي تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين ، نتناول في مبحث أول حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل ، وفي مبحث ثان نتناول الآثار المترتبة على هذا التعديل .
المبحث الأول: حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل
إذا كان المستخدم يملك سلطة تقديرية في إدارة وتنظيم مؤسسته،واتخاذ ما يراه مناسبا ،إلا أن سلطته في إجراء التعديل تحدها بعض القيود العامة ، فتصبح مقيدة إذا تعلق الأمر بمخالفة النظام العام أو التعسف في استعمال الحق أو تعريض صحة وحياة العامل للخطر ،وعلى ذلك فإن سلطة المستخدم في التعديل إما أن تكون سلطة تقديرية أو سلطة مقيدة وهذا ما سنتناوله في مطلبين .
المطلب الأول: السلطة التقديرية في تعديل عقد العمل
تنقسم السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل إلى قسمين ،سلطة تقديرية في اختيار موضوع التعديل ، وسلطة تقديرية في إصدار أوامر أو تعليمات لتنفيذ العمل سواء أخذت هذه التعليمات صور قرارات عامة او قرارات فردية (1)
الفرع الأول: السلطة التقديرية للمستخدم في اختيار موضوع التعديل
يتمتع المستخدم بسلطة تقديرية في إدراة مشروعه، فله اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة لحسن سير مؤسسته على الوجه الذي يراه كفيلا بتحقيق مصلحته ولا وجه للحد من سلطته طالما كانت ممارسته لها مبرأة عن قصد الإساءة للعامل (2).
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص24.
2- سعيد أحمد شعلة: المرجع السابق – ص50 كما نصت على هذا المبدأ المادة 49 الملغاة من القانون 78/12 المؤرخ في 5/08/1978 المتعلق بالقانون الأساسي العام للعامل.
فالأزمات الاقتصادية و المالية التى تمر بها المؤسسة قد تدفع المستخدم إلى تعديل عقد العمل لمواجهة هذه الظروف الصعبة، فيلتجأ إلى تضييق دائرة نشاطه،مما يجعل له الحرية تبعا لذلك فى اتخاذ مايراه كفيلا بتوقي الخطر الذي يهدده ،و المحافظة على مصالحه المشروعة ،كأن يقوم بتخفيض أجور العمال أو إنقاص ساعات العمل أو إنهاء عقود بعض العمال وإسناد أعمالهم إلى العمال الذين أبقى عليهم، مما يؤدي إلى زيادة حجم العمل بالنسبة لهم ، ولا معقب على تقديره لتمتعه بسلطة تقديرية لا تحدها رقابة القضاء ، ولا يجوز لقاضي الموضوع أن يحل محل المستخدم، وإنما تقتصر رقابته على التحقق من جدية المبررات التى دعت إلى ذلك (1)
ويعود تمتع المستخدم بالحرية المطلقة في تقدير موضوع التعديل إلى كون التنظيم الداخلي للمشروع مسألة اقتصادية بحتة، ليس للقضاء أن يعقب على تقدير المستخدم لها طالما أن الهدف من اختيار موضوع التعديل هو تحقيق مصلحة العمل وحماية المؤسسة من الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها (2)
أما المشرع الجزائري فلم يعط هذه السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل، ويبدو أنه متمسك بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى حد بعيد، إلا أنه نص على إمكانية التعديل الاقتصادي استنادا إلى المرسوم رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 السابق ذكره وتحليله، كما نص على إمكانية تعديل منصب العمل لأسباب صحية أي بعد تدهور صحة العامل، وهذا بموجب القانون رقم 88/07 السابق ذكره (3)
أما التشريع الفرنسي فقد أعطى الحق للمستخدم في تعديل عناصر عقد العمل بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية، فإذا دعت الضرورة الاقتصادية إلى إنهاء عقود بعض العمال إنهاءا اقتصاديا،أو نقل العمال إلى مناصب أخرى تتلاءم مع كفاءتهم بعد إلغاء وظائفهم فلا إلزام على المستخدم بأن يعيد إدماج هؤلاء العمال في وظائف أخرى ،وإنما يرجع ذلك إلى سلطته التقديرية ، إلا أن محكمة النقض الفرنسية قلصت نوعا ما من سلطة المستخدم في اختيار موضوع التعديل بموجب حكمها الصادر بتاريخ 25/02/1992 حيث جاء في هذا الحكم أنه في حالة إعادة تنظيم المؤسسـة وما يستتبع ذلك مـن
1- سعيد أحمد شعلة – المرحع السابق – ص 49 ، أنظر كذلك عصمت الهوا ري – المرجع السابق – ص 281
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 25 وما يليها
3- NASRI HAFNAOUI : op. ; Cit. ; p 25
قيام المستخدم بإلغاء وظيفة العامل، فإنه ملزم بإعادة تأهيل العامل في أي من الوظائف الجديدة التى تتلائم مع كفاءته المهنية ،فإذا خالف المستخدم هذا المبدأ وقام بإنهاء عقد العمل عقب إلغاء وظيفته فإن هذا الإنهاء يعتبر غير مشروع لعدم وجود ما يبرره (1)
الفرع الثاني : السلطة التقديرية للمستخدم في إصدار أوامر تنفيذ العمل
تمتد سلطة المستخدم التقديرية في تعديل عقد العمل إلى إصدار قرارات تنظيمية أو قرارات فردية .
أولا إصدار قرارات تنظيمية: وهي قرارات تتصف بالعمومية ، لكونها تخاطب مجموعة من العمال وليس عاملا محدد بذاته، وتتعلق هذه القرارات بإعادة ترتيب الوظائف أو تغيير طرق العمل قصد زيادة الإنتاج أو فتح فروع جديدة للمؤسسة،وتكون ذات طابع فني أو اقتصادي (2)
ثانيا :إصدار قرارات فردية : وهي لا تتعلق بمجموعة من العمال وإنما تتعلق بعامل معين ،ويتطلب إصدار هذه القرارات تعديل في شروط وظروف تنفيذ العمل، ويكون للمستخدم الحرية المطلقة في اختيار القرارات أو الأوامر التي يتخذها بما يحقق مصلحة العمل، ويتم هذا التعديل عن طريق المنشورات أو التعليمات الداخلية ،مثل القرارات المتعلقة بساعات العمل وتنظيم وقت العمل اليومي،حيث لا يمكن لأحد أن يعترض على ذلك ،وقد تم تكريس هذا المبدأ بموجب حكم محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 05/05/1974 حيث جاء فيه مايلي ( لرب العمل بمقتضي سلطته في الإدارة و الإشراف وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض أن ينظم وقت العمل اليومي طبقا لحاجة العمل وظروف الإنتاج ويلتزم العامل بأداء عمله وفقا للتنظيم الذي وضعه رب العمل متى كان هذا التنظيم لا يتعارض مع القانون) (3)فإذا كان العمل قد جرى في المنشأة على تشغيل العمال ساعات أقل من المدة المحددة في القانون ورأى صاحب المنشأة لصالح العمل أن يعدل في التنظيم الذي أتبعه من قبل وإن يزيد ساعات العمل اليومي إلى الحد الأقصى المقرر في القانون ولم يمنعه من ذلك نص في عقد العمل ،فلا يجوز إلزامه بالعودة إلى النظام السابق (4) .
1- JEAN pelissier et Alain supiot ; op. ; Cit. p 514
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 29
3- أنظر القرار المرفق رقم 3
4- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق – ص 53
ويكون إصدار أوامر تنفيذ العمل شفوية أو كتابية، وتمتد إلى كل ما يتصل بتنفيذ العمل بحيث يحدد المستخدم لكل عامل العمل الخاص به ،وكيفية أدائه ومكان ممارسته وتستمد هذه التعديلات شرعيتها من الاتفاق الصريح وقت إبرام العقد أو من الاتفاقيات أو اللوائح الداخلية ،وعليه فإن العامل الذي يوافق على نقله إلى أي فرع من فروع المؤسسة، ثم يقوم المستخدم بذلك فإن القرار الذي يصدره المستخدم لا يعتبر تعديلا لعقد العمل وإنما يعد من القرارات المتعلقة بتنفيذ عقد العمل (1)
وفي حالة رفض العامل تنفيذ أوامر العمل فإن المستخدم فإمكانه ممارسة سلطته التأديبية وتوقيع الجزاءات التأديبية عليه لارتكابه خطأ جسيما استنادا إلى المادة 73/3 من قانون العمل 90/11
مقدمــــة
يعتبر عقد العمل من العقود الملزمة لجانبين، وتخضع لمبدأ القـوة الملزمـة للعقـد، إذ يلتزم أطراف
العقد بتنفيذ بنوده حسب ما تم الاتفاق عليه على أساس العقد شريعة المتعاقدين، ومن تم لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين، رغم أن الواقع العملي يؤكد بأن عقد العمل كثيرا ما يكون من صنع إرادة المستخدم المنفردة، ولا يملك العامل سوى القبول بالشروط التي وضعها المستخدم بسبب ضغط الظروف الاقتصادية و الاجتماعية، ورغم ذلك لا يمكن لأي طرف أن يتنصل مما ألتزم به.
ولا شك أن تطبيق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على علاقة العمل تشكل ضمانة قوية لاستقرار العامل، وحماية له من تعسف المستخدم في تعديل البنود المتفق عليها في العقد، غير أنها تشكل في نفس الوقت عقبة في طريق تطور المشروع وانطلاقه لكونها تحول دون قيام المستخدم بأي تعديل في عقد العمل في الوقت الذي تقتضي فيه مصلحة العمل إجراء هذا التعديل، خاصة إذا تغيرت الظروف التي كانت سائدة وقت إبرام العقد والتي كانت محل اعتبار المتعاقدين، كون أن عقد العمل غير المحدد المدة – والذي هو موضوع دراستنا من العقود الزمنية التي يستوجب بقاؤها مدة زمنية طويلة، وخلال هذه المدة قد تطرأ تطورات فنية وعلمية، وقد تتعرض المؤسسة إلى صعوبات اقتصادية أو مالية، وقد تتعرض صحة العامل إلى التدهور، مما يستوجب تعديل عقد العمل لمواجهة هذه الظروف، وعلى هذا الأساس فإن إعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تحول دون قيام المستخدم بأي تعديل في عقد العمل ما لم يوافق عليه العامل، وما يترتب عن ذلك من تهديد لحياة المشروع وعدم مسايرته للتقدم، وعدم قدرته على منافسة غيره من المشروعات المماثلة، وبالمقابل فإن انفراد المستخدم بتعديل عناصر عقد العمل قد يترتب عليه المساس بحقوق العمال ومكاسبهم، لذلك نجد أنه من مصلحة العامل التمسك بالقوة الملزمة للعقد ورفض أي تعديل يرى فيه انتقاصا من حقوقه، ومن مصلحة المستخدم التمسك بسلطته التنظيمية وإجراء أي تعديل تفرضه مصلحة العمل.
وتتجلى أهمية هذا الموضوع الذي وقع عليه اختياري في النقاط التالية:
- وجود فراغ قانوني في تشريع العمل الجزائري والذي من شأنه أن يؤدي إلى عدم التوفيق بين مصلحة العامل من جهة ومصلحة المستخدم من جهة أخرى، حيث تناول المشرع الجزائري مسألة تعديل عقد العمل من خلال مادتين فقط 62 و63 من قانون علاقات العمل 90/11 والتي صيغت بصيغة عامة في الوقت الذي تحتاج فيه هذه المسألة إلى تفصيل ومعالجة كل حالة من حالات التعديل على حدى.
- اتجاه الجزائر إلى انتهاج النظام الاقتصادي الحر الذي يرجح المردودية الاقتصادية على الحماية الاجتماعية للعامل، وما يتطلبه من موازنة بين حقوق العامل واحترام مبدأ السلطة التنظيمية للمستخدم.
- كثرة النزاعات العمالية بسبب تعديل عقد العمل والتي عادة ما تنتهي بتسريح العامل إذا امتنع عن تنفيذ عقد العمل بالبنود والشروط الجديدة.
لذلك ارتأيت تسليط الضوء على مشكلة تعديل عقد العمل مستعينا بالآراء الفقهية والقوانين المقارنة وخاصة القانونين الفرنسي و المصري، لكون القانون الفرنسي قد عالج مسألة التعديل بالتفصيل، كما أن القانون المصري قد تطرق إلى العديد من النقاط المتعلقة بتعديل عقد العمل، وقد ساهمت محكمة النقض المصرية مساهمة فعالة من خلال إجتهادتها في إيجاد الحلول الجدية لبعض المسائل العالقة و المتعلقة بموضوع البحث.
وعليه فإن المنهج العلمي المتبع في هذا البحث هو المنهج المقارن، وقد أتبعت هذا المنهج للأسباب السابق ذكرها و المتمثلة أساسا في وجود فراغ قانوني في التشريع الجزائري حول مسألة التعديل.
وعلى هذا الأساس فإن الإشكالية التي تطرح في هذا الموضوع تتمثل في محاولة تكييف قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على نحو يسمح للمستخدم بتعديل عناصر عقد العمل في حدود وبضوابط معينة، خاصة وأن لهذا العقد ذاتيته الخاصة، ولن يأتي هذا التكييف إلا من خلال التوفيق بين مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وما يقتضيه من عدم إمكانية تعديله بالإدراة المنفردة لأي من طرفيه، ومبدأ السلطة التنظيمية للمستخدم، وما يقتضيه من الاعتراف لهذا الأخير من سلطة إجراء أي تعديل متى أستوجب ذلك حسن سير العمل على نحو يسمح بإعمال المبدأين معا دون أن يطغى أحدهما على حساب الآخر.
فكيف يمكن التوفيق بين قاعدة العقد شريعة المتعاقدين وقاعدة السلطة التنظيمية للمستخدم ؟وإذا كان القانون يعترف للمستخدم بسلطة تعديل عناصر عقد العمل فإلى أي مدى يمكنه ممارسة هذا الحق ؟ وماهي الضوابط و القيود الواجب احترامها من طرفه عند ممارسته لهذا الحق ؟.ومدى تأثير التعديل على حقوق الطرفين ؟
للإجابة على هذه التساؤلات قمت بمعالجة هذا الموضوع حسب الخطة التالية:
الفصل الأول:التعديل الجوهري وغير الجوهري لعقد العمل ومدى سلطة المستخدم في إجرائهما
المبحث الأول: معايير التمييز بين التعديل الجوهري و غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: المعيار الإتفاقي
الطلب الثاني: المعيار الموضوعي
- المطلب الثالث: المعيار الشخصي
المبحث الثاني: سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المبحث الثالث: سلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: مبرارت التعديل الجوهري لعقد العمل
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في التعديل الجوهري لعقد العمل
الفصل الثاني: حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل والآثار المترتبة على تعديله
المبحث الأول: حدود سلطة في تعديل عقد العمل
المطلب الأول: السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل
- المطلب الثاني: القيود العامة التي تحد من سلطة المستخدم في التعديل
المبحث الثاني: آثار تعديل عقد العمل على علاقة العمل وحقوق الطرفين
- المطلب الأول: آثار تعديل عقد العمل في حالة قبول العامل
- المطلب الثاني: آثار تعديل عقد العمل في حالة رفض العامل
الخاتمــــــة
الفصل الأول
التعديل الجوهري وغير الجوهري لعقد العمل ومدى سلطة المستخدم في إجرائها
قد يكون عقد العمل محدد لمدة معينة أو غير محدد المدة، فإن كان محدد المدة فهو لا يثير أي إشكال في تعديله بسبب قصر مدته، فالمستخدم يكون في غنى عن تعديله، فله أن ينتظر انتهاء مدته وإبرام عقد جديد بالشروط التي تتلائم مع متطلبات مشروعه.
اما العقد غير محدد المدة فهو الذي يطرح الإشكال عند تعديله بالإرادة المنفردة للمستخدم وخاصة و أن طبيعة هذا العقد تقتضي استمراره لفترة طويلة، وخلال هذه الفترة قد تتغير الظروف التي كانت سائدة أثناء إبرام العقد والتي تجعل المستخدم مضطرا إلى تعديل بنوده(1)
ويقصد بتعديل العقد إجراء تغيير جزئي على عنصر من عناصره أو بند من بنوده بالزيادة أو النقصان وإذا كان الأصل في العقود الملزمة لجانبين هو عدم إمكانية تعديلها إلا بموافقة الطرفين تطبيقا لنص المادة 106 من القانون المدني و المادة 63 من قانون علاقات العمل 90/11، إلا أن طبيعة عقد العمل تختلف عن بقية العقود الأخرى وتقتضى انفراد المستخدم بتعديل بعض بنوده متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، وقد يكون هذا التعديل جوهري أو غير جوهري، وذلك حسب طبيعة العنصر الذي يمسه، ولكن متى نكون أمام تعديل جوهري ومتى نكون أمام تعديل غير جوهري ؟ أوبمعنى آخر كيف نميز بين نوعى التعديل ؟ وماهي سلطة المستخدم في إجرائهما ؟.
و للإجابة على هذه التساؤلات قسمت دراستي لهذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأول معايير التمييز بين نوعى التعديل، وفي مبحث ثان تناولت سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري وخصصت المبحث الثالث لسلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري.
المبحث الأول: معايير التمييز بين التعديل الجوهري و غير الجوهري لعقد العمل
لقد أوجد الفقه عدة معايير للتمييز بين نوعي التعديل،وهذه المعايير ترجع إما إلى اتفاق صريح أو ضمني بين الطرفين إلى تحديد ما هو جوهري أو غير جوهري من العناصر وهذا ما يعرف بالمعيار الإتفاقي وإما تستمد هذه المعايير من موضوع التعديل و هذا ما يعرف بالمعيار الموضوعي، وإما ترجع إلى أثر التعديل
1- د / محمد عبد الغفار البسيوني: سلطة رب العمل في الإنفراد بتعديل عقد العمل – دار النهضة العربية القاهرة 1997 ص 13
على حياة العامل وهذا ما يسمى بالمعيار الشخصي (1)
المطلب الأول: المعيار الإتفاقي
يقصد بالمعيار الإتفاقي هو اتفاق بين المستخدم و العامل على تحديد ما هو جوهري و غير جوهري من عناصر عقد العمل، وقد يكون هذا الاتفاق صريح وبالتالي لا يطرح أي إشكال وقد يكون ضمنيا وهنا يتعين البحث عن النية المشتركة للطرفين وقت إبرام العقد.
الفرع الأول: الاتفاق الصريح
عند إبرام عقد العمل قد يتفق الطرفان صراحة على ماهو جوهري وما هو غير جوهري، عند ئد لن تكون هناك مشكلة في معرفة نوع التعديل، وقد يتفق الطرفان على طريقة أخرى لتحديد العناصر الجوهرية وغير جوهرية كطريقة التحديد الحصري وغير الحصري أي على سبيل المثال، وقد يرد هذا الاتفاق في صورة شرط يعطي الحق للمستخدم في تعديل عناصر معينة من العقد دون الرجوع إلى العامل (2)
أولا: التحديد الحصري لعناصر العقد الجوهرية و غير الجوهرية: يقصد بالتحديد الحصري هو قيام المتعاقدين بتصنيف عناصر العقد إلى عناصر جوهرية وعناصر غير جوهرية، فإذا تم تحديد ماهو جوهري فما عداه فهو غير جوهري، ويترتب على ذلك عدم إمكانية انفراد المستخدم بتعديل أي عنصر من هذه العناصر الجوهرية، كما بترتب على هذا التحديد تسهيل مهمة القاضي الذي يفصل في النزاع بتطبيق النصوص العقدية الصريحة على أساس << العقد شريعة المتعاقدين >> (3).
أما التحديد غير الحصري لعناصر العقد غير ا الجوهرية، يقصد به التحديد الذي يتم من خلال إيراد أمثلة لهذا النوع من العناصر، فنكون العناصر المحددة جوهرية، أما ما عداها فيمكن أن تكون جوهرية أو غير جوهرية بحسب الأحوال.وهذا ما يجعل قاضي الموضوع يبحث في كل حالة على حده مستعينا في ذلك بكافة الظروف و العوامل التي بإمكانها إيضاح طبيعتها (4).
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود: تحديد نطاق سلطة رب العمل في الإنفراد بتعديل عناصر عقد العمل غير محدد المدة دراسة مقارنة
دار النهضة العربية – القاهرة 1998 – ص 12
2- نفس المرجع ص -13 –
3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرحع السابق ص 113
4- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 14.
و الجدير بالذكر أن العبرة في تحديد جوهرية عناصر العقد من عدمها هو لحظة إبرام العقد وليس أثناء تنفيذه، فإذا تبين أن مكان العمل مثلا لم يكن معتبرا عنصرا جوهريا لحظة إبرام العقد فإنه يحتفظ بهذا الوصف حتى ولو أصبح جوهريا فيما بعد بالنسبة للعامل، فلو قبل العامل العمل في مكان بعيد ثم تغيرت ظروفه، بحيث تستوجب عليه العمل في مكان قريب من سكنه كزواجه أو مرض زوجته فإنه لايمكن ان يدعي بأن عنصر المكان أصبح جوهريا بالنسبة له، غير أنه يجوز للطرفين بإرادتها المشتركة أن يعدلا ما كان جوهريا ليصبح غير جوهري.
ثانيا: وجود شرط صريح عقدي أو اتفاقي يسمح بتعديل أي عنصر من عناصر العقد: قد يكون هناك شرط عقدي ينص على حق المستخدم في تعديل عقد العمل دون الرجوع إلى العامل، وقد يرد هذا الشرط في عقد العمل الفردي ذاته أو في لائحة النظام الداخلي للمؤسسة، ويسمى الشرط الذي يجيز للمستخدم تعديل عنصر العقد دون الرجوع إلى العامل بشرط المرونة و يلجأ أصحاب العمل إلى أعمال شرط المرونة في عقد العمل بسبب الظروف الاقتصادية (1).
وتتخذ المرونة صورتين هما المرونة المهنية و/أو المرونة الجغرافية، وبموجب شرط المرونة الجغرافية يمكن للمستخدم أن ينقل العامل من مكان عمله إلى مكان آخر بإرادته المنفردة وما على العامل إلا القبول وإذا رفض العامل ذلك فإن رفضه بشكل سببا حقيقيا وجديا للتسريح لأنه إخلال بالشروط العقدية المتفق عليها.
ويمكن أن يتعلق شرط المرونة بالعمل والاختصاص الأصلي للعامل، وهو ما يسمى بشرط المرونة المهنية إذ بمقتضي وجود هذا الشرط يمكن للمستخدم أن ينقل العامل إلى عمل آخر دون الحصول على موافقته، لكون أن نوع العمل المسند للعامل قد صار عنصرا غير جوهري بوجود شرط المرونة، و يلاحظ أن شرط المرونة، ليس شرطا مطلقا من كل قيد، فإن كان جائزا بالنسبة لعنصر أو أكثر من عناصر عقد العمل فإنه لا يجوز أن يشمل كافة عناصر العقد، وبالتالي لايمكن أن ينفرد المستخدم بإجراء كل تعديل يراه مناسبا له متذرعا بوجود شرط المرونة، لذلك يبطل شرط المرونة إذا كان شرطا عاما مطلقا من كل قيد (2).
1- Corinne pizzio – de Laporte ; droit du travail ; 2 éme édition ; vibert ; paris 1998 – p 108
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 117
الفرع الثاني: الاتفاق الضمني
في حالة عدم وجود إتفاق صريح بين العامل و المستخدم حول العناصر الجوهرية و غير الجوهرية في العقد فإنه يتعين البحث عن النية المشتركة للطرفين وقت إبرام العقد وهذا ما يعرف بالاتفاق الضمني، وعن البحث في نية الطرفين بتعين الإلمام بكافة الظروف التي تحيط بعملية التعاقد، ومن بين هذه الظروف.
أولا: عند ما يبرم العامل عقد عمل مع مؤسسة وهو يعلم أن طبيعة العمل بها تقتضي انتقاله من مكان لآخر، مما يفيد أن مكان ممارسة العمل ليس عنصرا جوهريا بالنسبة للعامل، وهو الحال كذلك بالنسبة للعمل في المقاولات و الخطوط الجوية لشركات الطيران ومنشآت الصيانة وغيرها من المنشآت التي تنفذ أعمالها في أماكن مختلفة (1).
ثانيا: كما أن التحاق العامل بالعمل في منشأة يعلم وقت التعاقد بأن لها فروعا كثيرة كالبنوك وشركات التأمين يفيد إلى اتجاه إدراة المتعاقدين إلى اعتبار مكان العمل عنصرا غير جوهري، وخاصة إذا كانت هذه الفروع ليست بعيدة عن المقر الرئيسي للمنشأة، ولا تستدعي وقتا طويلا للوصول للفرع الجديد (2).
أما إذا قبل العامل العمل في مؤسسة ليست لها فروع داخل المدينة وخارجها، وأن العامل عند تعاقده معها أخذ بعين الاعتبار قرب مكان العمل من مقر سكناه وكان ذلك دافعا للتقاعد، فهنا يصبح المكان عنصرا جوهريا في عقد العمل.
ثالثا: كما تعتبر الحالة الاجتماعية والعائلية من الظروف التي تؤخذ بعين الاعتبار وقت إبرام العقد ،فإذا اتجهت نية الطرفين إلى مراعاة ظروف العامل الاجتماعية و العائلية فإن وقت العمل يعد من العناصر الجوهرية في هذه الحالة (3).
المطلب الثاني: المعيار الموضوعي
يتم التمييز بين التعديل الجوهري وغير الجـوهري وفقا لهذا المعـيار على أسـاس موضـوع أو محل
1- andre Brun et Henri Gallant, droit du travail-« les rapport individuel de travail) 2 éme édition1978.p 760 .
2 - Camerlynck ; jean Laroque : répertoire de droit du travail ; contrat du travail
(Modification) 1995 p 6.
3 - د/ عبد العزيز المرسى حمود: المرجع السابق ص -20
التعديل في حد ذاته وما إذا كان سيترتب على هذا التعديل نقل العامل إلى مركز أقل من الناحية المادية أو الأدبية أو بالنظر إلى المبرر الذي يستند إليه التعديل.
الفرع الأول: نقل العامل
يكون التعديل جوهريا متى كان من شأنه تكليف العامل بعمل جديد أقل ميزة وملائمة من العمل السابق بحيث يكون العمل الجديد لا يتناسب مع مؤهلاته العلمية و خبرته أو يقلل من صلاحياته، سواء من الناحية الفنية أو من الناحية الإدراية (1).
كما يعتبر التعديل جوهريا إذا ترتب عنه تخفيض الأجر أو حرمان العامل من ملحقاته ،و في هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 28/01/1998 و أن الأجر لايمكن تعديله إلا إذا كان التعديل في مصلحة العامل (2).
ويرى بعض الفقهاء أن التغيير يكون جوهريا إذا كان العمل الذي كلف به العامل أقل ميزة من الناحية المالية و الأدبية عن العمل الأصلي، غير أن هذا الرأي لا يجب أن يؤخذ على إطلاقه، إذ في كثير من الأحيان يحدث تغيير جوهري في العمل دون أن يكون العمل الجديد أقل ميزة، وفي بعض الأحيان يكون العمل الجديد أقل ميزة دون أن يحدث تغير جوهري في العمل، لذا يري بعض الفقهاء أن معيار نوعية التعديل، ما إذا كان جوهريا أم لا يكون بمدى اختلاف العمل في المزايا (3).
الفرع الثاني: المبرر من التعديل
قد يستند المستخدم عند تعديله لعقد العمل إلى مبرر يقتضي ذلك، وقد لايستند إلى مبرر، وفي هذا الإطـار ظهر جانب من الفقـه و القضـاء في فرنسـا يميز بيـن التعديـل الجوهري و غير الجوهري
1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني :المرجع السابق ص 275
2- Cass.soc.28 janvier 1998 « le mode de rémunération d’un salaire constitue Un élément de contrat du travail qui ne peut être modifie sans son accord Peu importe que employeur prétende que le nouveau mode est plus avantageux)
3- د/ السيد عبد نايل: الوسيط في شرح نظامي العمل و التأمينات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية , مطابع الملك سعود – الرياض -1997 – ص 100.
عن طريق المبرر من التعديل، فالتعديل طبقا لهذا الرأي يعد غير جوهري إذا كان له ما يبرره و من الأمثلة التي أوردها هذا الاتجاه هو التعديل بسبب الحالة الصحية للعامل إذ أن نقله إلى وظيفة أخرى استنادا إلى قرار طبيب العمل لا يعد تعديلا جوهريا، كما أن تنزيل العامل من درجته الوظيفية بسبب الغيابات المتكررة أو بسبب سلوكه السيئ أو خطئه الجسيم في العمل أو إدارته السيئة لا يعد تعديلا جوهريا إذا تم نقل العامل إلى مدينة أخرى وتنزيل درجته الوظيفية بسبب ارتكابه لخطأ جسيم، كما لا يعتبر تعديلا جوهريا، التعديل الذي يخفض مدة عمل العامل ومنه تخفيض أجره بسبب الظروف الاقتصادية وانخفاض نشاط المشروع (1).
غير أن هذا الاتجاه قد تعرض للنقد لكون أن معيار وجود المبرر لاعتبار التعديل غير جوهري غير مقبول، لأن التعديل الجوهري الذي يستند إلى مبرر يعتبر تعديلا مشروعا و بإمكان المستخدم القيام به، أما التعديل الذي لا يستند إلى مبرر فهو تعديل تعسفي، وبذلك فالتعديل الجوهري الذي له مبرر لايمكن أن يتحول إلى تعديل غير جوهري بمجرد وجود ما يبرره، فالتعديل الجوهري قد يكون له مبرر ومن حق المستخدم إجراؤه، كتكليف العامل بعمل يختلف اختلافا تاما عن عمله بسبب حالة الضرورة، ومع ذلك يبقي هذا التعديل متحفظا بصفته الجوهرية.
وقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى عدم مسايرة ما ذهب إليه الفقه والقضاء الفرنسيين حيث أكدت بأن الحالة الصحية للعامل تعد مبررا لتعديل عمله إلى عمل يتفق مع حالته الصحية ويقتضي هذا التعديل أن تكون الوظيفة الجديدة أقل أداء وعبء من سابقتها، وبالتالي فإن هذه الوظيفة لابد وأن تختلف إختلافا جوهريا عن سابقتها، وإلا لماذا تم نقله مادام الأداء و المطلوب واحد (2).
كما أن نقل العامل بسبب عدم كفاءته لا بد وأن يكون تعديلا جوهريا لأنـه يستوجب نقـل العامل إلى مـركز أدنى يتفـق مع كفاءتـه و ليـس إلى مركزمساو لمركزه السابـق و إلا لمـاذا لم يبقـي في مكانه،ومع هذا فهـو تعديـل مبـرر مشـروع، و في هـذا الإطـار قضـت محكمـة النقـض المصريـة فـإن من سلطـة رب العمـل التنظيمية تقدير كفاية العامل ووضعه في المكـان الـذي يصلـح لـه لمـا يحقـق مصلحـة الإنتاج، إذا استبان عدم كفايته أعتبر ذلك مأخذا مشروعا
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق. ص 131
2- نفس المرجع: ص 135
لتعديل شروط عقد العمل أو إنهائه: (1)
كما أن تخفيض الأجر بسبب تخفيض النشاط هو في حقيقة الأمر تعديل جوهري وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية (2).
وبذلك فالتعديل الجوهري قد يكون مبررا فيعتبر شرعيا، وقد يكون غير مبرر فيعتبر تعسفيا
المطلب الثالث: المعيار الشخصي
يقصد به مدى تأثير التعديل على حياة العامل الشخصية، فإذا كان للمستخدم سلطة تعديل عقد العمل دون مراعاة ظروف العامل الشخصية بمقتضى سلطة الإدارة و التنظيم، فإن هناك جانب من الفقه يرى بضرورة أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار وقت التعديل، واتخاذها كمعيار للتعديل الجوهري وغير الجوهري، حتى و إن وجد اتفاق صريح يقضي بشرط المرونة وعدم ثبات العامل على وضع معين، إلا أن ذلك لا يمنع من الاعتداد بأثر هذا التعديل على حياة العامل وقت التعديل،فإذا نتج عنه أثر على حياة العامل الاجتماعية فإن هذا التعديل يعد جوهريا ويحق للعامل رفضه، أما إذا لم يترتب على التعديل أثر على حياة العامل عد تعديلا غير جوهري، وليس للعامل الحق في رفضه (3). ومسألة التأثير على حياة العامل من عدمه مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
وتطبيقا لذلك يعد تعديلا جوهريا لزمن العمل استنادا لمعيار الظروف الشخصية كل تعديل لا يتماشى مع ظروف العامل الشخصية، كتعديل ساعات عاملة متزوجة من الصباح إلى ما بعد الظهر أو إلى الليل، حيث أن هذا التعديل يتنافي مع واجبات العاملة تجاه زوجها و أبنائها.
ويعد تعديلا جوهريا إذا تم نقل العامل من مدينة إلى أخـرى وكـان مـن شأن هذا النقل أن يسبب للعامـل متاعب خاصة لكون مكان العمـل الجديـد بعيـد ويكلفة أموال باهضـة ويتطـلب وقتـا أطـول أو أن منـاخ المنطقـة التي تم نقلـه إليهـا لا يتناسـب مـع حالتـه الصحيـة ومـن
1- عصمت الهواري : قضاء النقض في منازعات العمل والتأمينات الاجتماعية – المكتبة الأنجلو مصرية 1976 ص 201 – أنظر كذلك الطعن الاجتماعي رقم 333 لجلسة 12/05/1995 والذي اورده سعيد أحمد شعلة ـموسوعة قضاء النقض العمالي – منشأة المعارف – الإسكندرية 1987 – ص 51
Cass. .soc. 28 janvier 1998. Voir Corinne pizzio. De Laporte, op, cit , p 11. -2
3- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق –ص 35.
شأن هذا النقل أن يزيد حالته الصحية سوءا أو يقلل من مردوديته في العمل( 1).
ومن خلال التطرق إلى هذه المعايير الفقهية التي وردت على سبيل المثال، يتضح أن المعيار الحاسم الذي يمكن أن يعتمد عليه القضاء في مدى جوهرية التعديل من عدمه هو المعيار الإتفاقي وهو ما أخذ به القضاء الجزائري في القرار رقم 101448 الصادر في 14/11/1993 الذي جاء فيه حيث أن العقد شريعة المتقاعدين وأن مكان العمل يشكل عنصرا أساسيا في عقد العمل ولا يمكن تعديله بالإرادة المنفردة لأحد المتقاعدين خارج ما يخوله التشريع.
حيث أنه بالرجوع إلى القرار المنتقد لم يتبين أن نقل العامل إلى مكان آخر مندرج في النظام الداخلي للمستخدم أو في بنود عقد العمل (2).
لكن لا يجب أخد هذا المعيار على إطلاقه بل في كثير من الحالات يجب إعمال المعيار الشخصي لما يحققه من استمرار للعامل ومردوديته في العمل ولكون أن الكثير من التشريعات العربية قد أخذت به.
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق –ص 140
2- قرار ملحق رقم 1
المبحث الثاني: سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
يتمتع المستخدم بسلطة تقديرية واسعة، فله أن يتخذ من الوسائل ما يراه مناسبا لحسن إدارته والمحافظة على مشروعه، وتتضمن سلطته في الإنفراد بإجراء تعديل غير جوهري على عقد العمل نظرا لكون هذا التعديل يعد عملا من أعمال الإدراة.
وبناءا على ما سبق فإن المستخدم يملك سلطة أصيلة في الإنفراد بإجراء تعديل غير جوهري على عقد العمل، وأن العامل الذي لا يمتثل لهذا التعديل يعد مرتكبا لخطأ جسم يعطي الحق للمستخدم في فسخ العقد على مسوؤلية العامل (1).
لكن ماهو أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد ؟ وماهي الضوابط التي تحد من سلطته في إجراء هذا التعديل ؟ ذلك ماسنتاوله فيما يلي:
المطلب الأول: أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد.
يستمد المستخدم سلطته في تعديل عناصر عقد العمل تعديلا غير جوهري من سلطته في ادراة و تنظيم مشروعه، ومن موافقة العامل على التعديل، ومن مبدأ حسن النية ومن نصوص القانون.
الفرع الأول: السلطة التنظيمية للمستخدم
تستند سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل إلى سلطته التنظيمية التي تخول له إصدار الأوامر و القرارات التي تمكنه من المحافظة على مشروعه،وفي هذا الإطار نصت المادة 58/1 من القانون العمل المصري على مايلي< يجب على العامل أن يؤدي العمل بنفسه تبعا لإشراف وتوجيه صاحب العمل> (2)
فالعامل الذي أبرم عقد العمل ودخل في حالة تبعية للمستخدم ملزم بالخضوع لسلطته التنظيمية، وما يستتبع ذلك من قبوله لما يمارسه المستخدم من تعديل في شروط تنفيذ العمل، لذلك فإن التعديل غير الجوهري يعد من قبيل ممارسة المستخدم لسلطته الإدراية أكثر من اعتباره تعديلا للعقد، إلا أنه في الحقيقة ليس تعديلا له وإنما تنفيذا له (3)
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 56
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 38
3- نفس المرجع ص 39
وتعترف جميع القوانين المقارنة بسلطة المستخدم في تنظيم مؤسسته، وقد أقرت محكمة النقض المصرية ذلك في الاجتهاد الصادر بتاريخ 08/12/1960 و الذي جاء فيه يملك صاحب العمل سلطة تنظيم إدارته على الوجه الذي يراه كفيلا بتحقيق مصلحة منشأته ولاوجه للحد من سلطته في هذا الخصوص طالما كانت ممارسته مجردة عن أي قصد الإساءة إلى عماله (1).
أما القانون الفرنسي فإن سلطة المستخدم التنظيمية محدودة و مراقبة و محاطة بمجوعة من النظم القانونية الآمرة بموجب الاتفاقيات الجماعية و عن طريق مفتش العمل وبواسطة إلزامية استشارة لجنـة المؤسسة حول الإجراءات الهامة المتعلقة بتنظيم وسير المؤسسة ،حيث قلص القانون الصادر في 04 أوت 1984 المتعلق بحرية العمال داخل المؤسسة من سلطات المستخدم، فلم يعد مثلما كان سابقا يفرض عن طريق النظام الداخلي ما يراه مناسبا وفعالا لحسن سير المؤسسة من مذكرات مصلحية و لوائح داخلية لكون أن سلطته أصبحت محدودة (2).
في حين نجد أن المشرع الجزائري لم يوسع كثيرا في سلطة المستخدم التنظيمية مثلما فعل المشرع المصري، إذ أعطى الحق للمستخدم في تنظيم ساعات العمل خارج التوقيت العادي اليومي على أساس فرق متعاقبة أو عمل تناوبي إذا اقتضت الحاجة (3). وجعل اللجوء إلى الساعات الإضافية استثناء لا يمكن للمستخدم القيام به إلا لوجود ضرورة مطلقة في الخدمة ومن هذه الحالات:
- الوقاية من الحوادث الوشيكة للوقوع أو إصلاح الأضرار الناجمة عن الحوادث
- إنهاء الأشغال التي يمكن أن يتسبب توقفها بحكم طبيعتها في أضرار
كما قيد المشرع اللجوء إلى ساعات إضافية باستشارة ممثل العمال وإعلام مفتش العمل المختص إقليميا (4).
1- عصمت الهوا ري – المرجع السابق –ص 178
2- Corinne pizzio :op. cit. –p67
3- أنظر المادة 30 من قانون 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 يتعلق بعلاقات العمل
4- أنضر المادة 31 من قانون 90/11 المعدلة و المتعلقة بالأمر 96/21
الفرع الثاني: اتفاق الطرفين
قد يستمد المستخدم سلطته في تعديل عناصر معينة من اتفاق صريح بينه و بين العامل، وقد يرد هذا
الاتفاق في صورة شرط صريح في عقد العمل الفردي أو في عقد العمل الجماعي أو في النظام الداخلي
للمؤسسة (1).
وقد يرد هذا الاتفاق على مكان العمل أو زمنه أو اختصاص العامل، و الذي بموجبه يستطيع المستخدم إجراء تعديل على أي عنصر من العناصر المتفق عليها دون الرجوع إلى العامل، وقد يرد الاتفاق مقيد بشرط ما كالاحتفاظ ببعض المزايا التي كان يتقاضاها العامل في عمله السابق أو أن يكون التعديل بصفة مؤقتة لحين تعيين عامل آخر في مكان العمل المنقول إليه العامل، وفي هذه الحالة يتعين على المستخدم أن يتقيد بهذا القيد و الإ جاز للعامل رفض هذا التعديل (2).
وحتى و إن ورد شرط يجيز للمستخدم تعديل أحد عناصره، فإنه يتعين تفسير هذا الشرط تفسيرا ضيقا باعتباره استثناءا على مبدأ القوة الملزمة للعقد، وإذا جاء الاتفاق مطلقا على إمكانية إجراء أي تعديل في العقد فإن هذا الاتفاق يقع باطلا (3)
كما أن اتفاق الطرفين قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا، وذلك باتجاه نيتهما عند التعاقد على اعتبار مثلا مكان العمل ليس عنصرا جوهريا،وهذا في البنوك متعددة الفروع وفي الشركات و المقاولات التي تستدعى انتقال العمال إلى أماكن مختلفة، وبذلك تكون نية العامل والمستخدم قد اتجهت وقت التعاقد إلى إجراء تعديل في مكان العمل ويعد ذلك اتفاقا ضمنيا (4).
الفرع الثالث: مبدأ حسن النية
يعد مبدأ حسن النية من أهم المبادئ التي تحكم تنفيذ العقد، وقد كرس المشرع الجزائري هذا المبدأ في المادة 107 من القانون المدني بنصها: (يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبحسن نية) أما المشرع المصري فقد كرس هذا المبدأ المذكور من خلال نص المادة 147 من القانون المدني التي تنص (يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية) فجميع العقود قوامها التنفيذ بحسن
1-د/ عبد العزيز المرسى حمود المرجع السابق –ص 40
2- د/ عصام أنور سليم : قانون العمل ط2 منشأة المعارف – الإسكندرية 2002 ص 509
3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 156
4- نفس المرجع ص 156
النية، ولعل عقد العمل من أكثر العقود التي يفترض فيها توافر حسن النية لما يتضمنه العقد من تعاون وتضامن ووفاء و إخلاص بين العامل و المستخدم ،ويتجلى هذا التعاون في أن يمتنع العامل من كل ما من شأنه عرقلة تنفيذ العقد ومنع المتعاقد الآخر من الحصول على الفوائد المعتادة من العقد، لذلك فإن مبدأ حسن النية يعد أساسا لسلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد ،وهو التزام عقدي يترتب عن الإخلال به مصدرا للمسؤولية العقدية (1).
الفرع الرابع: الاستناد إلى نصوص القانون
تجد سلطة المستخدم في التعديل غير الجوهري لعقد العمل أساسا لها في قانون العمل، إلا أن المشرع الجزائري لم يفصل في تعديل عقد العمل وجاء بعبارات عامة، حيث نصت المادة 62 من قانون علاقات العمل 90/11 على مايلي:( يعدل عقد العمل إذا كان القانون أو التنظيم أو الاتفاقيات و الاتفاقيات الجماعية تملي قواعد أكثر نفعا للعمال من تلك التي نص عليها عقد العمل )أما المادة 63 من نفس القانون فقد اشترطت موافقة كل من العامل و المستخدم على تعديل شروط العقد وطبيعته على أساس القوة الملزمة للعقد التي تجد سندا لها في القانون المدني وفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وعند تعديل هذا العقد يجب مراعاة أحكام قانون العمل في بعض المسائل كالحد الأدنى للأجور و الحد الأقصى لساعات العمل وبعض القيود الواردة على عمل الأطفال و النساء وعدم تشغيلهم في العمل الليلي إلا برخصة من مفتش العمل المختص إقليميا، وهذا مانصت عليه المادة 28 وكذا المادة 29 من قانون علاقات العمل 90/11
في حين نصت المادة 54 من قانون العمل المصري على أن لرب العمل أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان لا يختلف عليه اختلافا جوهريا بشرط عدم المساس بحقوق العامل المادية (2).
ونظرا لما يثيره تغيير مكان العمل من خلافات لكونه يمس استقرار العامل، فإن بعض تشريعات العمل الحديثة كقانون العمل الليبي و التشيكي تلزم أطراف العقد بتحديد مكان العمل في العقد ذاته (3).
1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق ص 159
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود: المرجع السابق ص 44
3- د/ محمد إبراهيم أبو العينين: مبادئ القانون لرجال الأعمال في المملكة العربية السعودية ط1981 ص 385
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
الفرع الأول: عدم الإضرار بالعامل
إن سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل تعديلا غير جوهري مقيدة بعدم إلحاق أي ضرر مادي أو معنوي أو جسماني بالعامل، و الضرر المادي هو الانتقاص من اجر العامل إذ أن التغيير الذي يمس التعيين داخل المؤسسة باستبدال المنصب الذي يمارس فيه العامل نشاطه بمنصب مماثل دون التأثير على الآجر لا يشكل مساسا بعنصر جوهري في العقد ويعتبر داخلا ضمن السلطات الممنوحة لصاحب العمل في إطار تسيير مؤسسته بالكيفية التي يراها المثلى (1).
في حين أن المشرع الجزائري لم يورد أحكاما خاصة تتعلق بمدى مشروعية التخفيض في الأجر، غير أنه ومن خلال استقراء المادة 63 من قانون علاقات العمل90/11 والمادة 106 من القانون المدني يتضح أنه لا يجوز للمستخدم تخفيض الأجر بإرادته المنفردة، وعلى هذا الأساس فإنه في حالة قيام المستخدم بتعديل الأجر بإرادته المنفردة ورفض العامل هذا التعديل وقطع علاقة العمل، فإن هذا الإنهاء ينسب للمستخدم، غير أنه يمكن تعديل الأجر بمقتضى إتفاق الطرفين أو بمقتضي الأسباب التي يقدرها القانون و المتعلقة بتقليص عدد العمال لأسباب اقتصادية، أو المتعلقة بنقل العامل من منصبه إلى منصب جديد على أساس قرار طبي (2)
كما يجب ألا يترتب على هذا التعديل ضرر أدبي للعامل، باعتبار أن نقل العامل إلى منصب أقل من الناحية الأدبية عمل تعسفي إذا قصد به الإساءة إليه، ويعد تعديلا جوهريا للعقد ويسبب أضرار العامل إلا إذا كان بصفة مؤقتة ودعت إليه ضرورة ملحة(3)
غير أن قانون العمل الجزائري لم يتناول نقل العامل من مكان إلى آخر، غير أنه أورد عبارة عامة في نص المادة 62 من قانون علاقات العمل 90/11 يفهم منها أن التعديل الذي يملي قواعد أكثر نفعا من تلك التي نص عليها عقد العمل يكون مشروعا،أما التعديل الذي يسبب ضررا للعامل فهو مـرفوض،وقد كرسـت المحكمـة العليـا هذا مـن خلال قـرارها رقم 101448 الصـادر بتـاريخ 24/11/1993 واعتـبرت أن النقـل الذي لا يجد سنـدا له في العقـد أو النظـام الداخلـي
1- عبد السلام ذيب – قانون العمل الجزائري و التحولات الاقتصادية – دار القصبة الجزائر 2003 ص 61
2- Nasri hafnaoui :de la modification de certains élément du contrat du travail Revue el djeich : N°414 janvier 1998 p 22
3- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق ص 55.
لا يمكن اعتباره مشروعا ولو برر بالصالح العام (1)
بينما كان التشريع السابق ينص في المادة 49 من القانون 78/12 المؤرخ في 05/08/1978 و المادة
22 من المرسوم 82-302 المؤرخ في 11/09/1982 على أنه يجوز للمستخدم أن يعين العامل في أي منصب غير منصبه الأصلي يتفق ومؤهلاته و في أي مكان يجرى فيه نشاطه إذا دعى تنظيم هذا النشاط إلى ذلك أو لضرورة المصلحة ويتحتم على العامل أن يقبل بالمنصب الجديد على أن يتم ذلك التغيير في ظل احترام الإجراءات القانونية و التنظيمية، غير أنه يمنع أن يكون هذا التعيين بمثابة العقوبة المقنعة أو أن يؤثر على قدرة العامل الشرائية (2).
أما الضرر الجسماني فيتحقق متى كان التعديل يقتضي من العامل أن يبذل جهدا أكبر من الجهد الذي كان يبذله قبل التعديل، وقد قضت محكمة استئناف القاهرة بأن تكليف رئيس العمال بالعمل كعامل تعديل جوهري لكون أن الفرق شاسع بين الرئيس الذي يعمل في الإشراف و التوجيه و العامل الذي يبذل جهدا جسما نيا و عقليا طول اليوم (3).
كما جاء في القرار رقم 205032 المؤرخ في 11/07/2000 الصادر في المحكمة العليا أن قضاء مجلس تيزي وزو لم يتفحصوا بطريقة معمقة الشهادات الطبية الصادرة عن مختصين في طب العمل و التي مفادها أن المدعى غير قادر جسديا وفكريا على ممارسة عمل ليلي (4).مما يفيد أن تغير زمن العمل إلى الليل بالنسبة لهذا العامل سوف يلحق به ضرر جسديا .
وإذا لم يسبب التغير أي أضرار جسما نية أو مادية أو أدبية للعامل، ففي هذه الحالة يعتبر التعديل غير جوهري ولا يكمن للعامل الإعتراض عليه ،و لقاضي الموضوع أن يتأكد من مدى جوهرية التعديل مستعينا بكافة الطرق و العوامل المؤثرة في أداء العمل بالنسبة للعامل .
الفرع الثاني : ألا يترتب على التعديل غير الجوهري تعديل جوهري
هناك عناصر لايمكن أن تكون إلا جوهرية كالأجر و الدرجة الوظيفة،وكل تعديل يمس هاتين العنصرين فهو تعديل جوهري،حتى ولو وجد إتفاق مسبق يقضي بإمكانية التعديل .
1- انظر قرار المحكمة كالعليا رقم 10448 مرفق رقم 1
2- ذيب عبد السلام – المرجع السابق – ص 62
3- د/محمد حسين منصور – قانون العمل – مصر – 1997- ص 472
4- قرار أورده – ذيب عبد السلام – المرجع السابق ص- 175
و هناك عناصر أخرى يمكن أن تكون جوهرية او غير جوهرية بحسب وجود إتفاق من عدمه على إمكانية تعديلها، كمكان العمل وزمانه واختصاص العامل، فهذه العناصر غير جوهرية بطبيعتها مالم يتفق الطرفان على غير ذلك (1).
لكن مهما يكن لا يمكن أن يترتب على تغيير مكان العمل تعديل جوهري في نوعية العمل المسند إلى العامل أو الإنقاص من الحقوق و المزايا التي كان يحصل عليها في المكان الأصلي، أو يترتب على هذا النقل تنزيل العامل إلى مركز أقل من المركز الذي كان يشغله، وقد جاء في قرار المحكمة العليا رقم 170677 المؤرخ في 09/03/1999 لكن حيث يتبين من الحكم المطعون فيه ووثائق الدعوة أن المطعون ضده رسم بموجب قرار تثبيث رقم 805/90 في منصب سائق آلة حفر إبتداءا من تاريخ 21/02/1990 وتم تحويله إلى ورشة عمل أخرى كعامل يدوي بسيط إبتداءا من 29/05/1995 حيث رفض ذلك وحيث أنه تابث فقها وقضاءا أن التغيير في وظيفة العامل لا يتم إلا بناءا على الإرادة المشتركة للطرفين، و الدي يدخل في إطار هذا التحويل مقترنا بالتنزيل، ومن ثم فإن تطبيق قاضي الموضوع للمادة 63 من قانون 90/11 في محله (2)
ويفهم من هذا القرار أن رب العمل (المستخدم ) بتحويله للعامل فإن هذا تعديل غير جوهري ولكنه بإقتران التنزيل بهذا التحويل أصبح التعديل جوهريا و بالتالي يتطلب موافقة العامل .
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود – السائق-ص46
2- قرار أورده ذيب عبد السلام :المرجع السابق-ص65
المبحث الثالث: سلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل
إذا كان هناك اجماع فقهي على أن المستخدم يمكنه أن ينفرد بإجراء تعديل غير جوهري لعقد العمل، فإن الأمر يختلف إذا تعلق بإجراء تعديل جوهري للعقد، لكون أن التعديل الجوهري يترتب عليه مساس بحقوق العمال ومكاسبهم، ويعد خروجا عن مبدأ القوة الملزمة للعقد.
وإذا كان الأصل أن المستخدم لا يمكنه إجراء هذا التعديل إلا بموافقة العامل فإن مصلحة العمل قد تقتضي إجراء تعديل جوهري في العقد.
لقد اختلفت التشريعات الحديثة وكذلك الاجتهاد القضائي فمنها من أعطي للمستخدم الحق في إجراء تعديل جوهري على عقد العمل بصفة منفردة متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، كالاجتهاد القضائي الفرنسي حيث جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 18/05/1978 مايلي: (إن عقد العمل غير محدد المدة يمكن إنهاؤه في أي وقت بإرادة أحد الأطراف ويمكن تعديله بإرادة المستخدم المنفردة وحتى وأن مس هذا التعديل الشروط الأساسية للعقد ) (1). وهذا استنادا إلى نص المادة 4/122 من قانون العمل الفرنسي .
وهناك من التشريعات التى أعطت للمستخدم سلطة إجراء التعديل الجوهري في حالات محددة في القانون ،كحالة الضرورة و القوة القاهرة كما فعل المشرع المصري في المادة 54 من قانون العمل المصري وعلى أن يكون ذلك بصفة مؤقتة، كما أن المادة 696/2 من القانون المدني المصري تجيز هذا التعديل في حالة عدم كفاية العامل مهنيا مما يجعل هاتين الحالتين مبررا لإجراء التعديل الجوهري.
أما المشرع الجزائري فقد تعرض لإمكانية التعديل الجوهري في حالة مرور المؤسسة بظروف اقتصادية صعبة، و في هذا الإطار نص المرسوم التشريعي رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 على إمكانية إجراء عدة تعديلات جوهرية تمس الأجر و مكان العمل و ذلك استنادا إلى إجراءات اللجوء إلى تقليص عدد العمال.
و الشيء الملاحظ أن التشريعات التي أجازت للمستخدم إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل أحاطته بعدة ضوابط لا يمكن أن يخرج عنها و إلا كان التعديل غير مشروع، و على هذا الأساس سوف نتطرق في هذا المبحث إلى أهم مبررات التعديل الجوهري في مطلب أول و في المطلب الثاني نتطرق إلى الضوابط التي تحكم المستخدم عند إجرائه.
1- Camerlynck et Jean Laroque. Modification de contrat du travail .op.cit p2 N°5
المطلب الأول: مبرارات التعديل الجوهري لعقد العمل
تنقسم مبررات التعديل الجوهري لعقد العمل إلى ثلاث طوائف، فمنها ما يرجع إلى الظروف الاقتصادية للمؤسسة وهو ما يسمي بالتعديل الاقتصادي ومنها ما يرجع إلى حالة الضرورة و القوة القاهرة التي تتعرض لها المؤسسة، ومنها ما يرجع إلى ظروف العامل الشخصية.
الفرع الأول: التعديل الجوهري لأسباب اقتصادية (التعديل الاقتصادي )
يقصد بالتعديل الاقتصادي هو ذلك التعديل الذي يعود إلى أسباب ليست لها صلة بشخص العامل، وإنما ترجع إلى أسباب خاصة بظروف المؤسسة أو المشروع، فقد ترجع إلى أسباب اقتصادية خاصة بالمشروع في الظروف العادية كرغبة المستخدم في إعادة تنظيم العمل أو تغيير نظم العمل ووسائل الإنتاج وقد يرجع إلى أسباب اقتصادية خاصة بالمشروع في الظروف غير العادية كإصابة المشروع بأزمة مالية أو اقتصادية صعبة،وقد تصل هذه الظروف إلى إنهاء عقد العمل أو تعديله بدلا إنهائه (1)
أولا: التعديل الجوهري للعقد في الظروف العادية للمؤسسة:
تعتبر رغبة المستخدم في إعادة تنظيم مشروعه لما يحقق مصلحته أو تغيير نظم العمل ووسائل الإنتاج قصد تطوير المشروع وما يقتضيه من تعديل في عناصر العقد مبررا اقتصاديا للتعديل الجوهري لعقد العمل.
1-إعادة تنظيم المشروع: لقد استقر الفقه و القضاء على أن للمستخدم سلطة إعادة تنظيم مشروعه بما يحقق مصلحة العمل، فله أن ينقل العامل من عمل إلى آخر أو من إدارة إلى أخرى أو من فرع إلى آخر ولو كان العمل الجديد أقل ماديا أو أدنى معنويا من العمل الذي كان يؤديه، و في هذا الصدد نجد القضاء المصري مستقر على أن للمستخدم سلطة تنظيم منشأته واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو إلى ذلك، حتى وإن أدى به إلى تضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته، فإذا اقتضي هذا التنظيم إغلاق أحد فروع المنشأة أو أحد أقسامها وإنهاء عقود بعض عماله ،كان لهذا الإنهـاء مـا يبرره وانتـهى عنـه وصف التعسـف، وهـذا خاضـع لسلطـة المستخـدم التقديريـة ولا يجوز لقاضي الموضوع أن يحل محلـه فيهـا، و إنمـا
1-د/ محمود عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق ص 195.
تقتضي رقابته على التحقق من جدية المبررات التي دعت إلى ذلك، وهو غير ملزم بأن يلحق العامل المفصول بعمل آخر (1).
غير أن المشرع الجزائري لم يتطرق لتعديل عقد العمل في الظروف العادية للمؤسسة واقتصر على حالة تغيير الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة، حيث أورد ذلك في نص المادة 74 من قانون90/11 المتعلق بعلاقات العمل والتي تقضي" إذا حدث تغيير في الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة تبقي جميع علاقات العمل المعمول بها يوم التغيير قائمة بين المستخدم الجديد و العمال ولا يمكن أن يطرأ أي تعديل في علاقات العمل إلا ضمن الأشكال وحسب الشروط التي ينص عليها هذا القانون وعن طريق المفاوضات الجماعية".
وقد صدر في هذا الشأن حكم اجتماعي عن محكمة بشار قضى بإعادة إدماج المدعى في منصب عمله بالمؤسسة المدعى عليها في منصب مماثل وبنفس الإمتيازات (2). وذلك بعد حل الشركة القابضة إلى شركة تسيير المساهمات للغرب وتم تحويله إلى مكتب الدراسات التقنية وهو المستخدم الجديد الذي فرض على العامل إبرام عقد محدد المدة بعد أن كان العقد غير محدد المدة.
مما يتضح أن المشرع الجزائري قد ضيق من سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل سواءا بصفة جوهرية أو غير جوهرية، وبيدوا أنه متمسك بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى حد بعيد،وأن قضاء المحكمة العليا مستقر على أنه لا يجوز نقل العامل دون إرادته مؤسسة ذلك على نص المادة 106 من القانون المدني (3).
كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق لحالات عديدة تثير إشكاليات قانونية مثل نقل العامل أو تغيير نوعية نشاطه أو حل المؤسسة المستخدمة.
أما القانون المصري فقد أجاز للمستخدم نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو أقل ملائمة من المركز الذي كان يشغله متي اقتضته مصلحة مؤسسته (4).
1- عصمت الهوا ري : المرجع السابق – ص 281 وما يليها
2- انظر الحكم الاجتماعي لمحكة بشار رقم 371/ 2005 المؤرخ 12/10/2005 مرفق رقم 3
3- انظر قرار المحكمة العليا رقم 101449 الستار إليه سابقا – المرفق رقم 2
4- د/ محمود جمال الدين زكي: قانون العمل،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة القاهرة 1983 ص 492 .
2- تغيير نظام العمل و وسائل الإنتاج: بإمكان المستخدم أن يغير نظم العمل و وسائل الإنتاج إذا رأى أن ذلك يؤدي إلى تطوير و تحديث المشروع و زيادة الإنتاج، فله أن يتبع وسائل جديدة في الإنتاج بما يساير التطورات العلمية و الفنية المتعلقة بنشاط المؤسسة، و قد يتطلب ذلك توسيع نشاط المؤسسة أو فتح فروع أخرى لها في أماكن مختلفة، أو إلغاء بعض الوظائف التي لم تعد تتماشى مع الوضع الجديد، مثل إلغاء وظائف الحراس الليليين و استبدالهم بنظام الرقابة الآلية و نقلهم إلى وظائف أخرى تتلاءم مع كفاءتهم المهنية أو نقلهم إلى أماكن أخرى نتيجة إدماج المشروع في مشروع آخر، أو فتح فروع جديدة له أو تغيير في مواعيد العمل، فإذا لم يوافق العامل على هذا التعديل جاز للمستخدم إنهاء عقد عمله إنهاءا اقتصاديا(1).
و تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية قد استقرت في بادىء الأمر على أحقية المستخدم في إنهاء عقود العمال الذين كانوا يشغلون الوظائف الملغاة إنهاءا اقتصاديا دون أن تلزمه بإسناد وظائف أخرى إليهم تتلاءم مع كفاءتهم المهنية، إلا أن المحكمة قد تراجعت عن هذا الحكم و أصبحت تلزم المستخدم بإعادة تأهيل العامل في أي وظيفة من الوظائف الجديدة بعد إلغاء الوظيفة التي كان يشغلها، فإذا خالف المستخدم ذلك و أنهى عقد العمل عقب إلغاء وظيفته فإن هذا الإنهاء يعتبر غير مشروع لعدم وجود ما يبرره(2).
ثانيا: التعديل الجوهري للعقد في الظروف غير العادية للمؤسسة:
قد تمر المؤسسة بأزمات اقتصادية أو مالية صعبة تجعل المستخدم مضطرا إلى اتخاذ إجراءات ضرورية لحماية مشروعة من الزوال كتضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته ، وقد يكون له مطلق الحرية في اختيار الوسائل التي تحقق له ذلك، حتى ولو كانت أسباب هذه الضائقة تعود إلى إهماله وسوء إدارته، وقد تتضمن هذه الوسائل قيام المستخدم بتعديل عقد العمل لمواجهة كساد اقتصادي، كأن يقوم بإلغاء وظيفة رئيس العمال ويقترح عليه منصب آخر أقل ميزة ،أو يعرض على العامل أن يحتفظ بمنصبه مع تخفيض أجره، أو يخفض له مدة العمل ليصبح عاملا بالتوقيت الجزئي، وإذا لم يوافق العامل على هذا التعديل الذي فرضته الحالة المالية الصعبة التي تمر بها المؤسسة فإمكـان المستخـدم أن ينـهي عقـد
1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق ص 196
2- cass.soc.25 février 1992 ; voir Corinne pizzio-de la porte : op. cit. p 110
عمله ولا يكون متعسفا في هذا الإنهاء لوجود ما يبرره (1).
غير أن المشرع الجزائري لم ينص على حالة التعديل الجوهري لعقد العمل من طرف المستخدم في الوضع العادي للمؤسسة، غير أنه تعرض لإمكانية التعديل الجوهري في حالة مرور المؤسسة بظروف اقتصادية صعبة ،وفي هذا الإطار نص المرسوم التشريعي رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 على إمكانية تعديل أجور العمال أو نقلهم استنادا إلى إجراءات اللجوء إلى تقليص العمال ،حيث نصت المادة 07 منه على" تشمل المرحلة الأولى من الجانب الاجتماعي إجراء واحد أو عدة إجراءات أو كل الإجراءات الآتية:
- تكييف النظام التعويضي و لاسيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل.
- إعادة دراسة أشكال مرتبات العمال و مستوياتها بما فيها مرتبات الإطارات المسيرة أو تجميد الترقية.
- تنظيم عملية التكوين التحويلي للإجراءات الضرورية لإعادة توزيع العمال.
- إلغاء تدريجي للجوء إلى العمل بالساعات الإضافية...".
و من استقراء المادة 07 المذكورة آنفا يتضح بأن المشرع الجزائري تطرق إلى إمكانية تعديل الأجر و ذلك بتخفيضه من خلال الفقرة الأولى من المادة 07 المذكورة آنفا و الفقرة 2 من نفس المادة، حيث أن تكييف النظام التعويضي للعمال و لاسيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل ينطوي على تعديل جوهري في عنصر الأجر، كما أن إعادة دراسة أشكال مرتبات العمال بما فيها مرتبات الإطارات المسيرة أو تجميد الترقية و إدخال العمل بالتوقيت الجزئي ينطوي على تعديل في عنصر الأجر و كم العمل.
كما تطرق المشرع الجزائري من خلال المرسوم التشريعي 94/09 السابق ذكره إلى إمكانية تعديل مكان العمل ونوعه وهذا ما أشارت إليه المادة 7/4 من نفس المرسوم بصفة ضمنية
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية سنة 1937 بأن إنهاء عقد العمل استنادا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المؤسسة يعتبر إنهاء غير تعسفي، وذهبت نفس المحكمة في حكم لاحق سنة 1991 في نفس الإتجاه وأيدت الإجراء الذي اتخذه المستخدم بتخفيض أجور عماله وذلك بالعـدول عن العـرف الذي كـان بموجبه يحصل العمال على الشهر الثالث مكافأة، و التي
1- أحمية سليمان - التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري – علاقة العمل الفردية – د.م.ج .الجزائر 1998 ص 381
أصبحت حقا مكسبا لهم بمقتضي العرف الساري في المؤسسة، غير أن الظروف المالية الصعبة التي مر بها المشروع دفعت المستخدم إلى إلغاء هذه المكافأة، مما يعد تعديلا جوهريا في العقد، وترتب على رفض العمال لهذا التعديل إنهاء عقودهم إنهاء اقتصاديا بسبب الظروف المالية الصعبة للمؤسسة ورفضت المحكمة تعويضهم عن إنهاء عقودهم، وأسست هذا الرفض على أن إنهاء العقود كان له ما يبرره من رفض العمال لتعديل مشروع (1)
أما محكمة النقض المصرية فقد قضت بأن لصاحب العمل قانونا السلطة في تنظيم منشأته باعتباره هو المالك لها و المسؤول عن إدارتها ولا معقب على تقديره إذا رأى لأزمة اقتصادية ظهر أثرها عليه أو كارثة مالية توشك على أن تنزل به، تضيق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته،مما يجعل له الحرية تبعا لذلك في اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة بتوقي الخطر الذي يهدده و المحافظة على مصالحه المشروعة (2) وكان هذا الحكم بمناسبة ظروف اقتصادية تعرضت لها شركة للسنما وهددتها بكارثة مالية بسبب انتشار التلفزيون ،ولم تعد مداخيلها كافية لتغطية مصاريفها فقامت بتخفيض أجور بعض العمال وتسريح بعضهم واسناد أعمالهم للعمال المتبقين مما ترتب عنه زيادة حجم العمل المسند إليهم ،وتعد هذه الإجراءات من قبيل التعديل الجوهري لعقد العمل المبرر بالظروف المالية و الاقتصادية التي تمر بها الشركة (3).
الفرع الثاني: التعديل الجوهري في حالة الضرورة أو القوة القاهرة
قد تمر المؤسسة بظروف صعبة أو قاهرة، ويكون من شأن هذه الظروف أن توثر على وجودها سلبا إذا لم يسارع المستخدم باتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهتها، وتقتضي هذه الظروف من العامل أن يتعاون مع المستخدم إعمالا لمبدأ حسن النية ،وقد تصل إلى إجراء تعديل جوهري لعنصر أو أكثر من عناصر العقد الجوهرية دون حاجة إلى رضا العامل .
والمشرع الجزائري قد أشار إلى ذلك من خلال المادة 31 من قانون علاقات العمل المعدلة بالأمر 96/21 المـؤرخ في 09 جويليـة 1996 حيـث تنـاولت في فقرتهـا الثانيـة و الثالثـة إمكانية تعديـل حجم العمـل وذلك باللجـوء إلى ساعات الإضافية للوقاية من الحوادث الوشيكة
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق –ص 53
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق ص 201 وانظر كذلك الطعن الاجتماعي رقم 83 لسنة 1959 الذي أو رده سعيد أحمد شعلة : المرجع المرجع السابق ص 49 .
3- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 54
الوقوع أو لإصلاح الأضرار الناجمة عن الحوادث أو من أجل إنهاء الأشغال التي يمكن أن يتسبب توقفها بحكم طبيعتها في أضرار، وقد قيد المشرع هذا الحق بوجوب استشارة ممثل العمال وإلزامية إعلام مفتش العمل المختص إقليميا إذا تعدت الساعات الإضافية 20% من المدة القانونية للعمل أما إذا لم تتعداها فلا تحتاج إلى استشارة.
كما نصت المادة 37 من قانون علاقات العمل الجزائري على إمكانية تأجيل الراحة الأسبوعية للعامل في حالة الضرورة، غير أن المشرع الجزائري لم يدج في قانون العمل نصا صريحا خاصا بحالة الضرورة ومدى إمكانية تعديل عقد العمل استنادا لها، عكس المشرع المصري الذي جاء في المادة 54 من قانون العمل المصري بإمكانية التعديل الجوهري لعقد العمل لمواجهة ماقد يعترض السير المعتاد للمؤسسة من حوادث تفرضها الضرورة أو القوة القاهرة محاولة لمنعها أو لإصلاح أثارها بنصها ( لا يجوز لصاحب العمل أن يخرج عن القيود المشروطة في الاتفاق أو يكلف العامل بعمل غير متفق عليه إلا إذ دعت الضرورة إلى ذلك منعا لوقوع حادث أو لإصلاح ما نشأ عنه أو في حالة القوة القاهرة على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة (1)
أما القانون الفرنسي فلا يعترف للمستخدم بتعديل العقد تعديلا جوهريا إلا بسبب الخطأ الجسيم و القوة القاهرة ،وهذا ما نصت عليه المادة L 122-3-8 من قانون العمل الفرنسي (2)
وقد أعتبر القضاء الفرنسي أن كل تعديل في مكان ونوعية العمل المنصوص عليهما في العقد في غياب الخطأ الجسيم أو القوة القاهرة يعتبر إنهاءا تعسفيا (3)
الفرع الثالث: التعديل الجوهري لعقد العمل لأسباب خاصة بالعامل
يمكن أن تكون الظروف المتعلقة بالعامل سببا ومبررا لإجراء تعديل في عقد العمل إذا ما رأى المستخدم ذلك تحقيقا لمصلحة العمل،وقد ترجع هذه الأسباب إما إلى عدم كفاية العامل للعمل المسند إليه أو ارتكاب العامل خطأ تأديبيا ، وإما بسبب ظروفه الصحية .
1- همام محمد محمود زهران – قانون العمل_ عقد العمل الفردي – دار المطبوعات الجامعية_الإسكندرية 2003 ص 334
2- CAMERLYNCK ET JEAN LAROQUE/ MODIFICATION DU CONTRA DU TRAVAIL ,OP,CIT,P2
3- SOC 18 JUILL 1998 ,CAHIERS SOCIAUX , BERREAU DE PARIS 1988 N°2
أولا : تعديل العقد بسبب عدم كفاية العامل
ويسمى بالتعديل المهني، ويقصد به عدم قدرة العامل على القيام بأعباء الوظيفة المسندة إليه على الوجه المطلوب بسبب انخفاض مستوى أدائه لهذه الوظيفة ،وقد يظهر قصور العامل بعد انتهاء فترة التجربة أو بعد إعادة تنظيم العمل ،وإسناد وظيفة أخرى للعامل ،فإذا تبتت عدم كفاية العامل للعمل المسند إليه جاز للمستخدم أن يسند إليه عملا آخر يتلاءم مع كفايته على الأقل .
أما القانون الجزائري فلم ينص على إمكانية تعديل عقد العمل أو إنهائه بسبب عدم كفاءة العامل ويبدوا أن المشرع الجزائري قد إكتفي بالنص على فترة التجربة وأعطي المستخدم الحق في فسخ وإنهاء عقد العمل خلال هذه الفترة ،ولا يكون الإنهاء أو الفسخ إلا بسبب إخلال للعامل بالتزاماته أو عدم كفاءته ولعل المشرع الجزائري ترك ذلك للاتفاقيات الجماعية ،وبالرجوع إلى الاتفاقية الجماعية الوطنية لعمال إطارات متوسطة وإطارات سامية للشركة الجزائرية للتأمين SAA نجدها تنص في الفصل الثاني عشر بعنوان عدم الكفاءة المهنية في المادة 71 منه أنه في حالة عدم كفائة العامل المهنية الناتجة عن عجز أو عدم تكيف جسماني ،فكري،أو مهني لابد على رب العمل أن يوجه ملاحظة مكتوبة و في حالة استمرار عدم الكفاءة يجب على صاحب العمل بعد الإفصاح عن رأي مندوبي المستخدمين أن يقترح ويتخذ إي إجراء من شأنه أن يسمح للعامل المذكور باستكمال مستوى تأهيله حتى يتكيف مع مستوي التأهيل الخاص بمنصب العمل ،أما إذا تعذر ذلك يعاد تعيين العامل في منصب ذي مستوى أدنى يتلاءم مع مؤهلاته الحقيقة .
ومن خلال استقراء هذه المادة ،فإنه يجوز لرب العمل تعديل عقد العمل تعديلا جوهريا بسبب عدم كفاءة العامل (1)
أما محكمة النقض المصرية فقد استقر اجتهادها على الاعتراف للمستخدم باحقيته في تعديل عقد العمل، وذلك بوضع العامل في المكان الذي يتلاءم مع كفايته وقدرته، ومن أمثلة ذلك ما قضت محكمة النقض في الطعن رقم 333 الصادر بتاريخ 12/05/1965 حيث ورد فيه (من سلطة رب العمل التنظيمية تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له لما يحقق مصلحة الإنتاج ، بحيث إذا استبان عدم كفايته أعتبر ذلك مأخذا مشروعا لتعديل شروط عقد العمل أو إنهائه ،وعلى من يدعي عدم صحة هذا المأخذ و التعسف في إنهاء العقد عب أثابه (2)
1- أنظر المادة 71 من الاتفاقية الجماعية الوطنية لعمال إطارات متوسطة وسامية للشركة الجزائرية للتأمين المبرمة في 22 سبتمبر 1994 المودعة بكتابة ضبط محكمة باب الواد بتاريخ 4 أكتوبر 1994 2- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق ص 51
ثانيا: تعديل عقد العمل بسبب خطأ العامل
ويسمى بالتعديل التأديبي، و الخطأ التأديبي هو كل مخالفة للتعليمات و الأوامر و القواعد العامة المتعلقة بتنظيم العمل في المؤسسة، والتي يستقل المستخدم بتقديرها وتحديدها من الناحية الفنية و الاقتصادية، والتي من شأنها الإخلال بالسير الحسن للمؤسسة أو إحداث اضطراب بها (1)
كما عرف الخطأ التأديبي بأنه <مخالفة العامل لالتزام مهني شرعي >ولذلك يتعين لإثبات أي خطأ إثبات الالتزام المرتبط به وطابعه المهني وشرعيته (2).
ومن الطبيعي أن العامل عندما يرتكب خطأ تأديبيا يفتح المجال للمستخدم لممارسة سلطته التأدبية وتوقيع جزاءات متنوعة عليه، منها نقله من مهنة إلى أخرى أومن مكان آخر أو حرمانه من بعض الإمتيازات أومن الترقية مما يشكل تعديلا جوهريا لعقد العمل، وقد يصل الجزاء إلى حد التسريح إذا كان الخطأ جسيما، وقد نصت المادة 73 من قانون علاقات العمل 90/11 المعدلة بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 على سبع (07) حالات يترتب على ارتكاب العامل لها تسريحه بدون مهلة عطلة وبدون تعويض .
- غير أن المشرع الجزائري، لم ينص على إمكانية تعديل عقد العمل إذا ارتكب العامل أخطاء جسيمة بل جعل جزاء الخطأ الجسيم هو التسريح وهذا ما اخذ به المشرع الفرنسي، أما الأخطاء البسيطة التي لم يتم ذكرها في المادة 73 فإن المشرع ترك أمر تحديدها وتحديد عقوبتها للنظام الداخلي الخاص بكل مؤسسة والذي يعد إلزاميا لكل مستخدم يشغل أكثر من 20 عاملا (3).
ومن بين صور العقوبات التأدبية، التنبيه، الإنذار، التوبيخ، التوقيف المؤقت عن العمل الحرمان من الترقية، التنزيل من الدرجة، وتخلتف هذه العقوبات من مؤسسة إلى أخـرى نظـرا لعدم تحديدهـا مـن طـرف القـانون.
أما القانـون الفـرنسي فقـد أورد الجزاءات التأديبية على سبيـل المثـال لا على سبيـل الحصر حيث نص قانـون العمل الفرنسـي الصـادر 1982 على ((يشـكل كـل جـزاء يتخذه المستخدم
1-د/ أحمد شوقي محمد عبد الرحمان: الخطأ الجسيم للعامل وأثره على حقوقه الوارة في قانون العمل_ المطعبة العربية الحديثة – القاهرة 1979 ص 48 وما يليها.
2- ديب عبد السلام: المرج السابق ص 420.
3- انظر المادة 77 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل
ماعدا التنبيهات الشفوية، على إثر التصرفات السيئة للعامل و التي يعتبر مخطئا بسببها ويكون من طبيعة ذات تأثير مباشر أو غير مباشر على وجود العامل في المشروع أو على وظيفة أو مدة عمله أو أجره بحيث يشمل هذا التعريف النقل وتثبيت الأجر وتنزيل الدرجة ، مما يشير إلى أن القانون يسمح بدخول صور كثيرة لجزاءات تأديبية تشكل تعديلا جوهريا لعقد العمل (1)
وتأييدا لذلك أجازت محكمة النقض الفرنسية التعديل التأديبي الذي يشكل في نفس الوقت تعديلا جوهريا لعقد العمل ،وذلك بإقرارها بشرعية تنزيل عامل من درجته بسبب عصيانه ،وإنهاء عقده بسبب رفضه التوجه إلى عمله الجديد ، حيث قضت المحكمة بأن رفض العامل تنفيذ هذا التعديل يعد خطأ جسيما يترتب عليه إنهاء العقد مع حرمانه من التعويض عن هذا الإنهاء ،إذ يعتبر برفضه الخضوع للجزاء التأديبي مرتكبا لخطأ جسيم ومتسببا في إنهاء العقد )2( ,
أما المشرع المصري فقد أورد الجزاءات التأديبية على سبيل الحصر ،خلافا لما أورده المشرع الجزائري ، والذي حصر الأخطاء الجسمية المستوجبة للتسريح وترك الأخطاء الأخرى لسلطة المستخدم التقديرية ، وألزمه بوضعها ضمن النظام الداخلي على ألا تتعارض مع تشريع العمل، كما أن المشرع المصري حصر الأخطاء التأديبية عكس المشرع الفرنسي الذي أوردها على سبيل المثال ، وتتمثل الجزاءات التأديبية في قانون العمل المصري في الإنذار،الغرامة – الوقف عن العمل – الحرمان من العلاوة السنوية أو جزء منها – الإنذار الكتابي بالفصل –الفصل من الخدمة.
غير أن المشرع المصري لم ينص على إمكانية تنزيل درجة العامل بسبب خطئه الجسيم أو تخفيض أجره مما يحد من سلطة المستخدم في توقيع مثل هذه الجزاءات على العامل.
وقد أكدت ذلك محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها نع عدم أحقية رب العمل في توقيع عقوبة تأديبية على العامل بتخفيض أجره وتنزيل درجته الوظيفية، عندما اعتدى على رئيسه ،لكون أن هذه العقوبة غير منصوص عليها في القانون لأن العقوبات التأديبية وردت على سبيل الحصر ولم تكن ضمنها هذه العقوبة (3 ) .
1- Javillier (J.C) : droit du travail, manuel de droit du travail ,2eme édition .librairie générale de droit et de jurisprudence, 1988,p195
2- عبد العزيز المرسي حمود :المرجع السابق .ص 68.
3-نفس المرجع – ص- 68.
ثالثا : تعديل عقد العمل بسبب الحالة الصحية للعامل
ويسمى التعديل الصحي ،فقد يصاب العامل بمرض أو حادث يجعله غير قادر على أداء العمل المسند إليه بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة ، الأمر الذي يبرر للمستخدم إنهاء عقد العمل أو تعديله ،وتختلف سلطة المستخدم في التعديل بحسب نوعية العجز الذي أصابه ،فإذا أصيب العامل بعجز كلي مستديم وأصبح غير قادر على أداء عمله جاز للمستخدم إنهاء عقد عمله.
وقد نصت المادة 66 من قانون علاقات العمل 90/11 على ما يلي "تنتهي علاقة العمل في الحالات التالية : البطلان أو الإلغاء القانوني – انقضاء أجل العقد ذي المدة المحدودة -الاستقالة – العجز الكامل عن العمل كما ورد تحديده في التشريع ....."
ويثبت العجز الكامل عن العمل بموجب رأي طبيب العمل ويخول للمستخدم إنهاء عقد العامل العاجز عجزا كاملا عن العمل.
أما إذا أصيب بعجز جزئي فبإمكان المستخدم أن يغير له منصب العمل ويكون ملزما برأي طبيب العمل(*) الذي يبت في تبديل العامل في منصب آخر (1) فإذا رفض المستخدم الآخذ برأي طبيب العمل فإنه يخضع لعقوبات جزائية محددة بالمادة38 من قانون 88/07/ المؤرخ في 26/01/1988 (2).
أما إذا رفض العامل نقله إلى منصب آخر بسبب حالته الصحية فإنه يعد مرتكبا لخطأ جسيم يستوجب التسريح (3)
وإذا تم نقل العامل إلى منصب أدنى بسبب حالته الصحية فإنه سيؤدي حتما إلى تخفيض أجره مما يشكل تعديلا جوهريا لعنصر الأجر.
(*) أنظر قرار المحكمة العليا رقم 84360 المرفق رقم 5
1-أنظر المادة 36 من المرسوم التنفيذي 93/120 والتي تنص على "عملا بالمادة 175 من القانون رقم 88-07 المؤرخ في 26 جانفي 1988 والمذكور أعلاه يجب أن تأخذ الهيئة المستخدمة آراء طبيب العمل بعين الاعتبار، لا سيما فيما يتعلق بما يأتي: القرارات الطبية – تطبيق التشريع المتعلق بالمناصب المخصصة للمعوقين - التبديل في المناصب بسبب إصابة العامل – تحسين ظروف العمل...."
2-تنص المادة 38من قانون 88/07 على معاقبة كل مخالف لأحكام المواد 28 , 27, 26,25,24,23,17,14,13,11,07,06,05,03
3- NASRI HAFNAOUI : op. , cit. ; p26
أما المشرع المصري فيفرق بين العجز المستديم الكلي والذي تنقضي به علاقة العمل ،والعجز الجزئي الذي يؤدي كذلك إلى انقضاء علاقة العمل متى ثبت عدم وجود أي عمل آخر، ويثبت عدم وجود العمل الآخر طبقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي (1)
أما في القانون الفرنسي فإن طبيب العمل هو الذي يختص بتقدير الحالة الصحية للعامل ،فإذا قدر عدم قدرته على ممارسة عمله الأصلي فإن المستخدم يصبح ملزما بإعادة تأهليه في منصب آخر بعد استشارة طبيب العمل،الذي يقترح نقل العامل إلى منصب آخر أقل مشقة ،مما يؤدي إلى تخفيض أجره،ويعد ذلك تعديلا جوهريا لعقد العمل (2)
أما إذا لم تكن هناك مناصب شاغرة تلائم حالة العامل الصحية ،فإن المستخدم غير ملزم بإحداث منصب جديد لهذا العامل ،أما في حالة وجود أكثر من منصب شاغر فإن المستخدم هو الذي يحدد نوعية العمل الجديد وشروطه،دون أن يتعسف في ذلك ،وإذا رفض العامل المنصب الجديد جاز للمستخدم انهاء عقده على مسؤولية العامل (3)
أما في التشريع الجزائري فلم ترد حالة المرض من بين حالات انتهاء العقد ،بل وردت ضمن الحالات التي تعلق فيها علاقة العمل إلى غاية شفاء العامل وبدون تحديد ،وبعد شفاء العامل يلتزم المستخدم بإعادة إدراج العامل في منصب عمله أو في منصب ذي أجر مماثل، وهذا ما نصت عليه المادة 65 من قانون علاقات العمل الجزائري
ويتضح من استقراء هذه المادة أن المستخدم يمكنه تعديل نوع العمل دون إمكانية تعديل الأجر، غير أنه يمنع من إنهاء عقد العامل المريض طوال مدة مرضه .
المطلب الثاني : ضوابط سلطة المستخدم في التعديل الجوهري لعقد العمل
إذا كان بإمكان المستخدم الإنفراد بتعديل عقد العمل بصفة غير جوهرية من باب ممارسته للسلطة التنظيمية، فإن الأمر يختلف إذا تعلق بإجراء تعديل جوهري في العقد ،لأن هذا التعديل يترتـب عليــه
1- تنص المادة 71 من قانون العمل المصري على (تنقضي علاقة العمل لأحد الأسباب الآتية: عجز العامل عجزا كليا عن أداء عمله الأصلي أو عجزه عجزا جزئيا مستديما متى تبث عدم وجود أي عمل آخر ،على أن يتبث وجود العمل الآخر طبقا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي
2- Corinne pizzio –de la porte ;op. ;cit. ,p120 , voir l’article L 122 - 45 du code du travail français
3-د/ محمد عبد الغفار البسيوني - المرجع السابق- ص 231
المساس بحقوق العمال ومكاسبهم، وإذا كان الأصل أنه لا يجوز تعديل عقد العمل تعديلا جوهريا، إلا إذا اقتضت مصلحة العمل ووجدت مبررات كافية لذلك فإنه من الضروري أن تمارس هذه السلطة في حدود وضوابط معينة تضمن تحقيق تلك المصلحة ولا تنحرف عنها، وتنقسم هذه الضوابط إلى قسمين ضوابط موضوعية وضوابط شكلية
الفرع الأول: الضوابط الموضوعية لتعديل عقد العمل
أولا: أن يكون التعديل المستند لحالة الضرورة أو القوة القاهرة مؤقتا: إذا كانت حالة الضرورة أو القوة القاهرة مبررا لتعديل عقد العمل تعديلا جوهريا، فإن هذا التعديل يجب أن يكون مؤقتا فلا يدوم إلا بالقدر اللازم لمواجهتها ويزول بزوالها، لكون أن حالة الضرورة أمر عارض وان التعديل الذي يقوم به المستخدم إنما أجيز لمواجهة هذه الحالة، مما يقتضي أن ينتهي التعديل بانتهائها، وهذا ما أشارت إليه المادة 54 من قانون العمل المصري والتي سبق الإشارة لها والتي جاءت بعبارة... على أن يكون ذلك بصورة مؤقتة وهي العبارة التي سهى المشرع الجزائري عن ذكرها في المادة 31 من قانون العمل عند أوجب اللجوء إلى الساعات الإضافية، غير أنه أوجب أن يكتسي هذا اللجوء طابعا استثنائيا.
ثانيا: أن تكون مبررات التعديل حقيقية لا صورية: تعتبر الظروف الصعبة التى يمر بها المشروع مبررات لتعديل عقد العمل، كالظروف المالية الصعبة و الأزمات الاقتصادية أو رغبة المستخدم في تغيير نظم الإنتاج،أو إعادة المشروع ،واستحداث وسائل جديدة في العمل أو حالة الضرورة ومهما كان مبرر التعديل الجوهري إلا أنه يجب أن يكون حقيقيا لا وهميا ،ويقع على المستخدم عبء إثبات توافر المبرر من التعديل (1) وكل تعديل يستند إلى أسباب أخرى لا تتعلق بمصلحة الإنتاج يقع باطلا ،ويكون تعسفيا كالتعديل الذي يستند إلى كبر سن العامل أو ضخامة أجرته ،أو أن المبرر قليل الأهمية لا يتناسب مع الأضرار التي تصيب العامل نتيجة التعديل.
ثالثا: أن يكون الهدف من التعديل تحقيق مصلحة العمل: تكون الغاية من كل تعديل جوهري لعقد العمل تحقيق العمل ،فإذا انتفت هذه المصلحة يصبح التعديل تعسفيا, كان يكون القصد هو الإضرار بالعامل أو الإساءة إليه , وقد بيـن القضـاء الجـزائري هـذا المبـدأ في قـرار المحكمـة العليـا رقـم 61 804 المؤرخ في 13/04/1992 والـذي جـاء فيـه " حيـث أنــه بالرجـوع
1- د/ عبد العزيز المرسى حمود - المرجع السابق – ص 82
إلى المادة 49 من القانون المذكور،يتبين أنه إذا كان المشرع قد خول للمؤسسة تعيين العامل الذي يجب عليه القبول ،في أي منصب يتماشى وتأهيله حيثما كان موقع نشاط المؤسسة المستخدمة ،فإنه لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يكون التحويل عقوبة مقنعة (1)
وفي هذا الإطار نصت المادة 696/2 من القانون المدني المصري على أن ( نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو ملائمة من المركز الذي كان يشغله لغير ما ذنب جناه لا يعد عملا تعسفيا بطريق غير مباشر إذا اقتضته مصلحة العمل، لكن لا يعد كذلك إذا كان الغرض منه إساءة العامل )
وقد أقرت هذا المبدأ محكمة النقض المصرية في حكم لها، حيث جاء فيه (... بل أن مصلحة المشروع تبرر تعديل العقد ولو بنقل العامل إلى عمل آخر أقل ميزة أو ملائمة من المركز الذي كان يشغله متى اقتضت مصلحة العمل ذلك (2)
الفرع الثاني: الضوابط الشكلية لتعديل عقد العمل
أولا: ضرورة إخطار العامل بقرار التعديل: من الضوابط الشكلية الواجب مراعاتها عند قيام المستخدم بأجراء تعديل عقد العمل إخطار العامل مقدما بقرار التعديل، وأن يمهله فترة زمنية كافية للتفكير واتخاذ قراره بقبول التعديل أو برفضه، وهذا ما نصت عليه المادة 1-2 -321 Lمن قانون العمل الفرنسي، حيث ألزمت هذه المادة المستخدم هذه المادة المستخدم الذي يريد تعديل عقد العمل بضرورة إخطار بموجب رسالة موصي عليها مع علم الوصول ويمنح له أجر شهر للرد فإذا سكت ولم يرد خلال هذه المدة اعتبر سكوته قبولا ضمنيا (3)
أما عن شكل الأخطار فقد نص المشرع الفرنسي من خلال المادة 2-1-321 L أن يكون بموجب رسالة موصى عليها مع علم الوصول، في حين لم يتطرق لا القانون الجزائري ولا القانون المصري لمسألة إخطار العامل بالتعديل و لا للشكل ، مما يتعين الرجوع إلى عقود العمل الفردية و النظام الداخلي للمؤسسة أو الاتفاقيات الجماعية ومدى نصهـا على هـذا الشرط،وفي حالـة خلـو هـذه العقـود
1- قرار أورده ذيب عبد السلام – المرجع السابق – ص 63
2- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق – ص 53
3- Corinne pizzio – de la porte ; op.cit : p 112
من حل لهذه المسألة يتعين الاستعانة بالآراء الفقهية التي تناولت هذه الإشكالية، فقد ذهب رأي فقهي إلى أن شكل الأخطار بالتعديل يخضع للقواعد العامة لكونه تصرف بإرادة منفردة، فيمكن أن يكون كتابيا أو شفويا، أما عن مدة الأخطار فهي المدة اللازمة للعامل لكي يفكر ويتخذ قراره، لذا لا يجب أن تحدد بطريقة جامدة بل بطريقة مرنة ، فالمدة اللازمة للتفكير بالنسبة للتعديل الذي يستند إلى حالة الضرورة أو الأحوال الاقتصادية تكون أقل من المدة اللازمة لقيام المستخدم بتطوير نظم العمل ووسائل الإنتاج (1)
ثانيا : حماية العمال النقابيين :إذا كان العامل في منظمة نقابية فإن معظم التشريعات تفرض قيودا على سلطة المستخدم في تعديل عقد هذا العامل حتى يتمكن من القيام بممارسة عمله النقابي بحرية تامة .
ومن بين التشريعات التي قدمت حماية فعالة للعمال النقابيين التشريع الجزائري حيث نصت المادة 53 من قانون 90/14 المؤرخ في 02/06/1990 المنظم لكيفية ممارسة الحق النقابي ، على أنه (لا يجوز للمستخدم أن يسلط عقوبة العزل أو التحويل أو أية عقوبة تأديبية على أي عضو في الهيئة التنفيذية القيادية للهيكل النقابي )
وبتعليل بسيط لهذا النص نستنتج أنه يمنع تحويل أو نقل المندوب النقابي من منصب عمله الذي يشغله إلى منصب آخر ولو في نفس الورشة أو في نفس المصلحة إذا كان هذا النقل بسبب نشاطه النقابي وتأكيدا لحماية العمال النقابين، فإن أية مخالفة لنص المادة 53 المذكور أنفا يعاقب عليها بمقتضى المادة 59 من نفس القانون بغرامة مالية تتراوح مابين 10.000 دج إلى 50.000 دج وحالة العود يعاقب بغرامة مالية تتراوح مابين 50.000 دج إلى 100.000 دج وبالحبس من 30يوما إلى 06 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين (2)
كما نص القانون الجزائري على عدم إمكانية تسريح أو تحويل أي مندوب أو ممثل للعمال وهذا بسبب النشاطات التي يقوم بها بحكم مهمته التمثيلية وهذا ما نصت عليه المادة 113 من قانون 90/11 غير أن هذا القانون لم ينص على عقوبة جزائية صريحة تعاقب على الإخلال بالنصوص الواردة في المادة 113 المذكورة أنفا
كما نص القانون الفرنسي على هذه الحماية ، وقيد نقل العامـل النقـابي بضرورة موافقة الجهة
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 182 وما يليها
2- NASRI HAFNAUOI : op. Cit. ; p26
الإدارية المختصة، وهي مفتشية العمل حتى تتأكد من أن النقل لم يكن بسبب عمله النقابي أو انتمائه إلى منضمة نقابية معينة، كما عامل القانون الفرنسي ممثل العمال معاملة خاصة إذا منع إعمال شرط المرونة المهنية أو الجغرافية بشأنه وأن هذا الشرط ليس له أي أثر إجباري دون موافقة العامل (1)
فإذا قام المستخدم بإجراء تعديل جوهري أو غير جوهري على عقد عمل العامل النقابي ورفض العامل هذا التعديل وأراد المستخدم إنهاء عقده، وجب عليه الحصول على تصريح من الجهة الإدراية، فإذا رفضت إنهاء عقده وجب العدول على فكرة التعديل و إلا أعتبر تعسفيا .
1- Corinne pizzio – de la porte ; op. ; Cit. ; p 109
الفصل الثاني
حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل والآثار المترتبة على التعديل
بعد أن بينا في الفصل الأول أهم المبررات التى يستند إليها المستخدم في إجراء التعديل بنوعيه، فبتوفر هذه المبررات له أن يعدل في بنود العقد بما يتماشى ومصلحة المشروع، فله السلطة التقديرية في اختيار موضوع التعديل، لكن هل يتمتع المستخدم بسلطة مطلقة في التعديل أم أن سلطته مقيدة ؟ وما هي الآثار المترتبة على هذا التعديل ؟
من أجل الإجابة على هذه التساؤلات ينبغي تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين ، نتناول في مبحث أول حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل ، وفي مبحث ثان نتناول الآثار المترتبة على هذا التعديل .
المبحث الأول: حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل
إذا كان المستخدم يملك سلطة تقديرية في إدارة وتنظيم مؤسسته،واتخاذ ما يراه مناسبا ،إلا أن سلطته في إجراء التعديل تحدها بعض القيود العامة ، فتصبح مقيدة إذا تعلق الأمر بمخالفة النظام العام أو التعسف في استعمال الحق أو تعريض صحة وحياة العامل للخطر ،وعلى ذلك فإن سلطة المستخدم في التعديل إما أن تكون سلطة تقديرية أو سلطة مقيدة وهذا ما سنتناوله في مطلبين .
المطلب الأول: السلطة التقديرية في تعديل عقد العمل
تنقسم السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل إلى قسمين ،سلطة تقديرية في اختيار موضوع التعديل ، وسلطة تقديرية في إصدار أوامر أو تعليمات لتنفيذ العمل سواء أخذت هذه التعليمات صور قرارات عامة او قرارات فردية (1)
الفرع الأول: السلطة التقديرية للمستخدم في اختيار موضوع التعديل
يتمتع المستخدم بسلطة تقديرية في إدراة مشروعه، فله اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة لحسن سير مؤسسته على الوجه الذي يراه كفيلا بتحقيق مصلحته ولا وجه للحد من سلطته طالما كانت ممارسته لها مبرأة عن قصد الإساءة للعامل (2).
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص24.
2- سعيد أحمد شعلة: المرجع السابق – ص50 كما نصت على هذا المبدأ المادة 49 الملغاة من القانون 78/12 المؤرخ في 5/08/1978 المتعلق بالقانون الأساسي العام للعامل.
فالأزمات الاقتصادية و المالية التى تمر بها المؤسسة قد تدفع المستخدم إلى تعديل عقد العمل لمواجهة هذه الظروف الصعبة، فيلتجأ إلى تضييق دائرة نشاطه،مما يجعل له الحرية تبعا لذلك فى اتخاذ مايراه كفيلا بتوقي الخطر الذي يهدده ،و المحافظة على مصالحه المشروعة ،كأن يقوم بتخفيض أجور العمال أو إنقاص ساعات العمل أو إنهاء عقود بعض العمال وإسناد أعمالهم إلى العمال الذين أبقى عليهم، مما يؤدي إلى زيادة حجم العمل بالنسبة لهم ، ولا معقب على تقديره لتمتعه بسلطة تقديرية لا تحدها رقابة القضاء ، ولا يجوز لقاضي الموضوع أن يحل محل المستخدم، وإنما تقتصر رقابته على التحقق من جدية المبررات التى دعت إلى ذلك (1)
ويعود تمتع المستخدم بالحرية المطلقة في تقدير موضوع التعديل إلى كون التنظيم الداخلي للمشروع مسألة اقتصادية بحتة، ليس للقضاء أن يعقب على تقدير المستخدم لها طالما أن الهدف من اختيار موضوع التعديل هو تحقيق مصلحة العمل وحماية المؤسسة من الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها (2)
أما المشرع الجزائري فلم يعط هذه السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل، ويبدو أنه متمسك بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى حد بعيد، إلا أنه نص على إمكانية التعديل الاقتصادي استنادا إلى المرسوم رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 السابق ذكره وتحليله، كما نص على إمكانية تعديل منصب العمل لأسباب صحية أي بعد تدهور صحة العامل، وهذا بموجب القانون رقم 88/07 السابق ذكره (3)
أما التشريع الفرنسي فقد أعطى الحق للمستخدم في تعديل عناصر عقد العمل بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية، فإذا دعت الضرورة الاقتصادية إلى إنهاء عقود بعض العمال إنهاءا اقتصاديا،أو نقل العمال إلى مناصب أخرى تتلاءم مع كفاءتهم بعد إلغاء وظائفهم فلا إلزام على المستخدم بأن يعيد إدماج هؤلاء العمال في وظائف أخرى ،وإنما يرجع ذلك إلى سلطته التقديرية ، إلا أن محكمة النقض الفرنسية قلصت نوعا ما من سلطة المستخدم في اختيار موضوع التعديل بموجب حكمها الصادر بتاريخ 25/02/1992 حيث جاء في هذا الحكم أنه في حالة إعادة تنظيم المؤسسـة وما يستتبع ذلك مـن
1- سعيد أحمد شعلة – المرحع السابق – ص 49 ، أنظر كذلك عصمت الهوا ري – المرجع السابق – ص 281
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 25 وما يليها
3- NASRI HAFNAOUI : op. ; Cit. ; p 25
قيام المستخدم بإلغاء وظيفة العامل، فإنه ملزم بإعادة تأهيل العامل في أي من الوظائف الجديدة التى تتلائم مع كفاءته المهنية ،فإذا خالف المستخدم هذا المبدأ وقام بإنهاء عقد العمل عقب إلغاء وظيفته فإن هذا الإنهاء يعتبر غير مشروع لعدم وجود ما يبرره (1)
الفرع الثاني : السلطة التقديرية للمستخدم في إصدار أوامر تنفيذ العمل
تمتد سلطة المستخدم التقديرية في تعديل عقد العمل إلى إصدار قرارات تنظيمية أو قرارات فردية .
أولا إصدار قرارات تنظيمية: وهي قرارات تتصف بالعمومية ، لكونها تخاطب مجموعة من العمال وليس عاملا محدد بذاته، وتتعلق هذه القرارات بإعادة ترتيب الوظائف أو تغيير طرق العمل قصد زيادة الإنتاج أو فتح فروع جديدة للمؤسسة،وتكون ذات طابع فني أو اقتصادي (2)
ثانيا :إصدار قرارات فردية : وهي لا تتعلق بمجموعة من العمال وإنما تتعلق بعامل معين ،ويتطلب إصدار هذه القرارات تعديل في شروط وظروف تنفيذ العمل، ويكون للمستخدم الحرية المطلقة في اختيار القرارات أو الأوامر التي يتخذها بما يحقق مصلحة العمل، ويتم هذا التعديل عن طريق المنشورات أو التعليمات الداخلية ،مثل القرارات المتعلقة بساعات العمل وتنظيم وقت العمل اليومي،حيث لا يمكن لأحد أن يعترض على ذلك ،وقد تم تكريس هذا المبدأ بموجب حكم محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 05/05/1974 حيث جاء فيه مايلي ( لرب العمل بمقتضي سلطته في الإدارة و الإشراف وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض أن ينظم وقت العمل اليومي طبقا لحاجة العمل وظروف الإنتاج ويلتزم العامل بأداء عمله وفقا للتنظيم الذي وضعه رب العمل متى كان هذا التنظيم لا يتعارض مع القانون) (3)فإذا كان العمل قد جرى في المنشأة على تشغيل العمال ساعات أقل من المدة المحددة في القانون ورأى صاحب المنشأة لصالح العمل أن يعدل في التنظيم الذي أتبعه من قبل وإن يزيد ساعات العمل اليومي إلى الحد الأقصى المقرر في القانون ولم يمنعه من ذلك نص في عقد العمل ،فلا يجوز إلزامه بالعودة إلى النظام السابق (4) .
1- JEAN pelissier et Alain supiot ; op. ; Cit. p 514
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 29
3- أنظر القرار المرفق رقم 3
4- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق – ص 53
ويكون إصدار أوامر تنفيذ العمل شفوية أو كتابية، وتمتد إلى كل ما يتصل بتنفيذ العمل بحيث يحدد المستخدم لكل عامل العمل الخاص به ،وكيفية أدائه ومكان ممارسته وتستمد هذه التعديلات شرعيتها من الاتفاق الصريح وقت إبرام العقد أو من الاتفاقيات أو اللوائح الداخلية ،وعليه فإن العامل الذي يوافق على نقله إلى أي فرع من فروع المؤسسة، ثم يقوم المستخدم بذلك فإن القرار الذي يصدره المستخدم لا يعتبر تعديلا لعقد العمل وإنما يعد من القرارات المتعلقة بتنفيذ عقد العمل (1)
وفي حالة رفض العامل تنفيذ أوامر العمل فإن المستخدم فإمكانه ممارسة سلطته التأديبية وتوقيع الجزاءات التأديبية عليه لارتكابه خطأ جسيما استنادا إلى المادة 73/3 من قانون العمل 90/11