المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخيـــــــــــــول


أبـو إســـــراء
2010-12-30, 23:07
الخيـــــــــــــول

أمل دنقل



الفتوحات- في الأرض- مكتوبة بدماء الخيول
وحدود الممالك
رسمتها السنابك
والركابان: ميزان عدل يميل مع السيف..
حيث يميل
***
أركضي أو قفي الآن.. أيتها الخيل:
ليست المغيرات صبحا
ولا العاديات –كما قيل- ضبحا
ولا خضرة في طريقك تمحي
ولا طفل أضحى
إذا ما مررت به.. ينتحي
وها هي كوكبة الحرس الملكي..
تجاهد أن تبعث الروح في جسد الذكريات
بدق الطبول
اركضي كالسلاحف
نحو زوايا المتاحف..
صيري تمثيل من حجر في الميادين
صيري أراجيح من خشب للصغار- الرياحين
صير ي فوارس حلوى بموسمك النبوي
وللصبية الفقراء: حصانا من الطين
صيري رسوما.. ووهما
تجف الخطوط به
مثلما جف- في رئتيك- الصهيل
كانت الخيل- في البدء- كالناس
برية تتراكض عبر السهول
كانت الخيل كالناس في البدء…
تمتلك الشمس والعشب
والملكوت الظليل
ظهرها.. لم يوطأ لكي يركب القادة الفاتحون،
ولم يلن الجسد الحر تحت سياط المروض
والفم لم يمتثل للجام،
ولم يكن الزاد.. بالكاد،
لم تكن الساق مشكولة،
والحوافر لم يك يثقلها السنبك المعدني الثقيل.
كانت الخيل برية
تتنفس حرية
مثلما يتنفسها الناس
في ذلك الزمن الذهبي النبيل

اركضي.. أو قفي
زمن يتقاطع
واخترت أن تذهبي في الطريق الذي يتراجع
تنحدر الشمس
ينحدر الأمس
تنحدر الطرق الجبلية للهوة اللانهائية:
الشهب المتفحمة
الذكريات التي أشهرت شوكها كالقنافذ
والذكريات التي سلخ الخوف بشرتها.
كل نهر يحاول أن يلمس القاع.
كل الينابيع إن لمست جدولا من جداولها
تختفي
وهي ..لا تكتفي
فاركضي أو قفي
كل درب يقودك من مستحيل إلى مستحيل
الخيول بساط على الريح..
سار- على متنه-الناس للناس عبر المكان
والخيول جدارا به انقسم
الناس صنفين:
صاروا مشاة.. وركبان
والخيول التي انحدرت نحو هوية نسيانها
حملت معها جيل فرسانها
تركت خلفها: دمعة الندم الأبدي
وأشباح خيل
وأشباه فرسان
ومشاة يسيرون- حتى النهاية- تحت ظلال الهوان
اركضي للقرار
واركضي أو قفي في طريق الفرار
تتساوى محصلة الركض و الرفض في الأرض،
ماذا تبقى لك الآن؟
ماذا؟
سوى عرق يتصبب من تعب
يستحيل دنانير ن ذهب
في جيوب هواة سلالاتك العربية
في حلبات المراهنة الدائرية
في نزهة المركبات السياحية المشتهاة
وفي المتعة المشتراة
ديوان أمل دنقل
ط 2/ 1982. ص:387 392





***
ولد في عام 1940 بقرية "القلعة", مركز "قفط" على مسافة قريبة من مدينة "قنا" في صعيد مصر.
كان والده عالماً من علماء الأزهر, حصل على "إجازة العالمية" عام 1940, فأطلق اسم "أمل" على مولوده الأول تيمناً بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام. وكان يكتب الشعر العمودي, ويملك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي, التي كانت المصدر الأول لثقافة الشاعر.
فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة, فأصبح, وهو في هذا السن, مسؤولاً عن أمه وشقيقيه.
أنهى دراسته الثانوية بمدينة قنا, والتحق بكلية الآداب في القاهرة لكنه انقطع عن متابعة الدراسة منذ العام الأول ليعمل موظفاً بمحكمة "قنا" وجمارك السويس والإسكندرية ثم موظفاً بمنظمة التضامن الأفرو آسيوي, لكنه كان دائم "الفرار" من الوظيفة لينصرف إلى "الشعر".
عرف بالتزامه القومي وقصيدته السياسية الرافضة ولكن أهمية شعر دنقل تكمن في خروجها على الميثولوجيا اليونانية والغربية السائدة في شعر الخمسينات, وفي استيحاء رموز التراث العربي تأكيداً لهويته القومية وسعياً إلى تثوير القصيدة وتحديثها.
عرف القارىء العربي شعره من خلال ديوانه الأول "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"
(1969) الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارىء ووجدانه.
صدرت له ست مجموعات شعرية هي:
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" - بيروت 1969,
تعليق على ما حدث" - بيروت 1971,
مقتل القمر" - بيروت 1974,
العهد الآتي" - بيروت 1975,
أقوال جديدة عن حرب البسوس" - القاهرة 1983,
أوراق الغرفة 8" - القاهرة 1983.
لازمه مرض السرطان لأكثر من ثلاث سنوات صارع خلالها الموت دون أن يكفّ عن حديث الشعر, ليجعل هذا الصراع "بين متكافئين: الموت والشعر" كما كتب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي.
توفي إثر مرض في أيار / مايو عام 1983 في القاهرة.