عُضو مُحترم
2010-12-22, 20:16
السلام عليكم
اقرا الكل حتى تعرف حقيقة الاخوان المسلمين
المقاومة الشعبية العربية والإسلامية للمشروع الصهيوني
الإخوان المسلمون في حرب 1948 نموذجاً
كان هناك تعاطف شامل وواسع لدى شعوب العالم العربي والإسلامي مع محنة إخوانهم في فلسطين. وطوال تاريخ القضية في القرن العشرين شكلت الشعوب أدوات ضغط على حكوماتها للسعي لتحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني. وأسهمت كثير من المؤسسات الشعبية في العديد من المظاهرات، وإصدار البيانات، وإقامة مؤتمرات التضامن والتوعية، وفي جمع التبرعات. لكن الإطار الشعبي كان عادة ما يَتْرك (أو يجبر على تَرْك) الفعل العسكري لجيوش الأنظمة العربية. وكانت عادة ما تحدث مبادرات فردية تشارك مُتطوعةً ضمن فصائل العمل الفلسطيني.
وقد اخترنا الحديث عن نموذج الإخوان المسلمين في مشروع المقاومة لأن الإخوان استطاعوا منذ مرحلة مبكرة في أوائل الأربعينيات الانتشار التنظيمي في عدد من الأقطار العربية، بحيث امتلكوا القاعدة الأساسية لمشاركة عربية ـ إسلامية متعددة الجنسيات، مما لم يتوفر لغيرهم من معظم الاتجاهات والأحزاب. ولأن قضية فلسطين كانت قضية جوهرية محورية في فكر واهتمامات الإخوان في تلك الفترة وحتى الآن. ولأنهم أسهموا بشكل مباشر، وعلى نحو جادّ وفعال، ليس في العمل الدعائي والتعبوي وجمع التبرعات فقط، وإنما في المقاومة المسلحة والعمل العسكري. وربما كان أكثر ما يلفت النظر، أن مركز قيادة العمل والتحرك الجهادي وروحه الدافعة أتت أساساً من مصر وليس من فلسطين. أي لم تكن مشاركتهم رمزية ضمن إطار فلسطيني، وإنما كانت مشاركة واسعة في إطار عربي إسلامي، كان الإخوان الفلسطينيون جزءاً منه، بل وتابعاً لقيادات من جماعتهم من جنسيات أخرى، في إطار روح وحدوية متماسكة. كما أن النموذج الإخواني ظل نموذجاً شعبياً لم يصل إلى سدّة الحكم، ولم يستفد مباشرة من أدوات السلطة لإنشاء أحزاب أو حركات محسوبة على نظام حكمه.
وتكمن أهمية التجربة الإخوانية في إثبات روح الأمة الواحدة، وإمكان توسيع دائرة الصراع ضد العدو الصهيوني، وتعبئة طاقات الجماهير العربية والإسلامية باتجاه التحرير. ولعل الحزب القومي السوري وحزب البعث قد سعيا للمشاركة في حرب 1948، ولكن مشاركتهما كانت محدودة قياساً إلى حجم مشاركة الإخوان وأثرهم، ولذلك أيضاً مِلْنا للتركيز على نموذجهم.[179]
نشأة حركة الإخوان المسلمين وطبيعتها:
أسس الشيخ حسن البنا حركة (الإخوان المسلمين) في مارس عام 1928 في مدينة الإسماعيلية في مصر.[180]
وقد أراد الشيخ حسن البنا من تأسيس هذه الحركة إحياء معاني الإسلام الصحيحة في النفوس، والالتزام بتعاليمه عقيدة وسلوكاً ومنهج حياة، وبناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة، وتخليص البلاد الإسلامية من الاستعمار بكافة أشكاله، وإقامة الخلافة الإسلامية الواحدة على بلاد المسلمين، وسيادة العالم.[181]
وقد اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين من خلال هذا الطرح فهماً متكاملاً وشاملاً للطرح الإسلامي، بحيث شمل جوانب الحياة المختلفة، حيث أبدى الإخوان اهتماماً بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجهادية، بالإضافة إلى الجوانب العبادية والعقدية، فهي حسب تعبير مؤسسها الشيخ البنا "دعوة سلفية .. وطريقة سنية .. وحقيقة صوفية .. وهيئة سياسية .. وجماعة رياضية .. ورابطة علمية ثقافية .. وشركة اقتصادية .. وفكرة اجتماعية"،[182] كما عبر عن هذا الفهم الشعار الذي يردده الإخوان دائماً في لقاءاتهم وأنشطتهم: الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.[183]
وكان من الطبيعي بناءً على هذا الفهم أن يهتم الإخوان المسلمون بقضايا المسلمين المختلفة فيذكر الشيخ حسن البنا "إن كل أرض يقال فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله هي جزء من وطننا، له حرمته وقداسته، والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره"، ولأن فلسطين كانت أسخن القضايا الإسلامية الحساسة في ذلك الوقت ـ وما تزال ـ فقد أولاها الإخوان المسلمون دائماً "المقام الأوفى في عنايتهم واهتمامهم".[184]
الإخوان المسلمون وقضية فلسطين:
وقد بدأ اهتمام حركة الإخوان بقضية فلسطين يبرز بشكل واضح أمام عامة الناس مع انفجار الثورة الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939). فلقد نشط الإخوان المسلمون في الدعاية الإعلامية لقضية فلسطين في مصر نشاطاً كبيراً فشكلوا لجنة لمساعدة فلسطين، ودعوا إلى مشروع "قرش فلسطين" لدعم أهل فلسطين وثورتهم، وطبعوا المنشورات التي تهاجم الإنجليز وسياستهم في فلسطين، وركزوا في مجلتهم (النذير) على خدمة قضية فلسطين وإبرازها إعلامياً، واستفادوا من منابر المساجد للدعوة للقضية، وأرسلوا الطلاب في الصيف إلى أنحاء القطر المصري للدعوة للفكر الإسلامي وإلى مساعدة فلسطين، كما دعوا إلى مقاطعة المحلات اليهودية في مصر، ووزعوا كتاب "النار والدمار في فلسطين" (الذي أصدرته اللجنة العربية العليا) بشكل واسع في مصر فكان له أثر إعلامي عظيم، كما دعوا إلى القنوت في الصلاة من أجل فلسطين، كما أرسلوا الرسائل والبرقيات إلى المسئولين في الدولة وأصحاب النفوذ للتدخل لمساعدة فلسطين، والعمل الجاد على حل قضيتها.[185]
وعندما انعقد المؤتمر العربي لنصرة قضية فلسطين في "بلودان" في 10 سبتمبر 1937 أبرق حسن البنا باسم الإخوان المسلمين في مصر إلى المؤتمر برقية يعلن فيها استعداد جماعة الإخوان المسلمين للدفاع عن فلسطين بدمائهم وأموالهم.[186]
ونظم "الإخوان" وجمعية الشبان المسلمين مظاهرة كبرى في مصر في يونيو 1938 لنصرة فلسطين، وقد اصطدمت بالشرطة مما أدى إلى اعتقال 34 من المتظاهرين،[187] كما نظموا مظاهرة كبرى بمناسبة وعد بلفور في نوفمبر 1938، شملت جميع أرجاء مصر، فكانت تنبيهاً قوياً للشعب المصري على أهمية قضية فلسطين.[188]
ويبدو أن الإخوان المسلمين المصريين قد شاركوا بشكل محدود في الثورة الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939)، فيذكر كامل الشريف أن عدداً من شباب الإخوان قد استطاعوا التسلل إلى فلسطين والاشتراك مع المجاهدين في جهادهم خاصة في مناطق الشمال.[189] (حيث جماعة القسام)، كما يبدو أن المفتي (الحاج أمين) قد شهد بصحة هذا الكلام،[190] وفي مقابلة للباحث مع الدكتور عصام الشربيني يذكر أن الدكتور إبراهيم أبو النجا (عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان سابقاً) أخبره أن الإخوان في مصر قد احتفلوا بذهاب بعض الإخوان إلى فلسطين للجهاد في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 ـ 1939)،[191] كما أن في حديث محمود عبد الحليم عن قضية أحمد رفعت ما يشير إلى اتصال الإخوان بمجاهدي فلسطين والتنسيق معهم،[192] وعلى هذا فنحن لا نستبعد مشاركة الإخوان بشكل فردي في الثورة الكبرى.
ويذكر الإخوان المسلمون عادة أن أهم أسباب إنشاء النظام الخاص داخل جماعة الإخوان هو مشاركة أعضائه في الجهاد لتحرير فلسطين من الانتداب البريطاني، وإفشال المخطط اليهودي في بناء الوطن القومي على أرضها، وقد كان أعضاء هذا النظام ـ الذي أُنشئ في مطلع الأربعينيات ـ يُختارون من خلاصة الإخوان، وينظمون في عضويته في سرية تامة، ويتم تربيتهم على معاني الجهاد، ويخضعون لتدريبات بدنية شاقة والتدريب على السلاح.[193]
نشأة حركة الإخوان في فلسطين:
كانت أولى الإشارات عندما بدأ الإخوان نشر دعوتهم في فلسطين في أغسطس 1935 عندما زارها عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم، ولقيا ترحيباً هناك من الحاج أمين، حيث قاما بنشر دعوتهم.[194] وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) زادت زيارات الإخوان لفلسطين، وأخذ عدد من أبناء فلسطين ينضمون للإخوان، غير أن تشكيل فروع للإخوان لم يتم ـ على ما يظهر ـ إلا بعد انتهاء الحرب، حيث خفّت ظروف القهر والتشديد البريطاني، ونشطت الحركة السياسية الفلسطينية. ويبدو أن أول فروع الإخوان إنشاءً كان فرع غزة برئاسة الحاج ظافر الشوا، ثم تأسس فرع يافا برئاسة ظافر الدجاني، أما فرع القدس فقد أنشئ سنة 1945، ثم جرى حفل افتتاح مميز له في 5 مايو 1946 وحضره الزعيم الفلسطيني جمال الحسيني، وأنشئ فرع حيفا برئاسة الشيخ عبد الرحمن مراد، وتتابع إنشاء الفروع في قلقيلية، واللد، ونابلس، وطولكرم، والمجدل، وسلواد، والخليل، حتى زادت الفروع عن عشرين فرعاً.[195]
وقد نشطت جماعة الإخوان في فلسطين في مجالات الدعوة والتربية والتوعية الإسلامية، والتعريف بالخطر الصهيوني، والمؤامرة على فلسطين، والتعبئة للجهاد.
وقد عقد الإخوان الفلسطينيون مؤتمراً عاماً في حيفا في 18 أكتوبر 1946 حضره ممثلون عن لبنان والأردن. وقد حملت القرارات أبعاداً تنظيمية داخلية وسياسية محلية وخارجية تؤكد الوعي والتفاعل السياسي مع الأحداث. وقد جاءت في القرارات:
1.
اعتبار حكومة فلسطين مسؤولة عن الوضع السياسي المضطرب.
2.
تأييد الجامعة العربية.
3.
تأييد مطالب مصر بالجلاء ووحدة النيل.
4.
عرض قضية فلسطين على مجلس الأمن.
5.
تأييد المشاريع التي ترمي إلى إنقاذ الأراضي.
6.
عدم الاعتراف باليهود الطارئين على البلاد.
7.
تعميم شعب "الإخوان المسلمين" في فلسطين.[196]
وبعد عام من انعقاد المؤتمر السابق عقد الإخوان المسلمون مؤتمراً آخر كبيراً في حيفا في 27 أكتوبر 1947 ومن بين القرارات التي اتخذها المؤتمر:
1.
يعلن الإخوان المسلمون تصميمهم على الدفاع عن بلادهم بجميع الوسائل. واستعدادهم للتعاون مع جميع الهيئات الوطنية في هذا السبيل.
2.
يعلن المؤتمرون باسم هيئة الإخوان المسلمين في سائر الأقطار الممثلة، استنكارهم لكل محاولة تعلل العرب والمسلمين بتحقيق الأهداف الوطنية عن طريق مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة، بعد أن أسفرت المحاولات الكثيرة عن حقيقة هذه المنظمات الدولية، وأنها ليست إلا ثوباً خالصاً لمطامع الدول الكبرى المستعمرة.
3.
يعلن المؤتمرون أن هيئة الإخوان المسلمين ستحمل نصيبها كاملاً من تكاليف النضال.
4.
يعلن مندوبو الإخوان المسلمين في شرق الأردن أنهم على استعداد كامل لحمل نصيبهم في تحرير فلسطين.
5.
يجدد المؤتمر البيعة على أن يكونوا الجند البررة الصادقين لدعوة الإخوان المسلمين حتى يتم الله نوره، ويجمع شمل المسلمين والعرب على كلمة الخير في ظل العزة والكرامة.
6.
تأليف مجالس المناطق حسب النظام الذي وضعه المكتب الإداري للإخوان المسلمين.
7.
يبتهل المؤتمرون إلى الله تعالى أن ينجي مصر من وباء الكوليرا، وأن يحقق [النصر] لجميع الشعوب الإسلامية والعربية الشقيقة.
8.
الاتصال بالهيئة العربية العليا للبحث في بعض الشئون الوطنية العامة.[197]
ونلاحظ في هذه القرارات مدى جديتها وقوتها ومتابعتها للأحداث السياسية والواقعية، حيث كان للقرارات السياسية نصيب الأسد فيها، كما نلاحظ المضمون الجهادي الذي تمخضت عنه هذه القرارات، والتي كانت متفوقة في مضمونها وطبيعتها عن الاتجاهات السياسية السائدة في تلك الفترة.
وقد نشط الإخوان الفلسطينيون في تعبئة الجماهير للجهاد ضد الإنجليز واليهود، واعترفت الرواية الإسرائيلية الرسمية لحرب فلسطين 1947 ـ 1948 بذلك، حتى إن المؤسسات القومية اليهودية احتجت واشتكت عليهم للسلطات البريطانية.[198] ولكن لا ينبغي المبالغة في قدرة الإخوان الفلسطينيين وإمكاناتهم. إذ كانوا جديدين إلى حد ما على الساحة، ولم يبلغ انتشارهم حجماً سياسياً كبيراً يؤهلهم للتأثير في القرار السياسي الفلسطيني المحليّ. وكانوا بشكل عام أنصاراً للحاج أمين الحسيني الذي كان صديقاً شخصياً للشيخ حسن البنا. كما أن إمكاناتهم كانت محدودة جداً مقارنة بما لدى اليهود أو بما تحتاجه فلسطين في عملية الدفاع عنها. غير أن هذا لم يمنع أن يمثلوا في تلك الفترة حالة جهادية مضحية واعية، ذات روح وطنية قوية منفتحة.
دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين 1947 ـ 1948:
شارك الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الجهاد عندما اندلعت حرب 1947 ـ 1948، إلا أن حداثة تنظيمهم وعدم نموه واستقراره بشكل مناسب وقوي جعلت مشاركتهم محصورة ضمن قدراتهم المحدودة وإمكاناتهم المتواضعة.
ومع ذلك فقد شكلت شُعب الإخوان في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب، عملت في أماكن استقرارها في الشمال والوسط تحت القيادات العربية المحلية هناك (التي تتبع جيش الإنقاذ أو جيش الجهاد المقدس). وقد قامت بغارات ناجحة على مستعمرات اليهود وطرق مواصلاتهم، على الرغم من الضعف الشديد الذي كانت تعانيه سواء في التسليح أو التدريب، ولذلك لا نجد ذكراً رسمياً لدور الإخوان في هذه المناطق بشكل عام. أما في المناطق الجنوبية وخصوصاً غزة وبئر السبع فقد انضم العديد من إخوان فلسطين إلى قوات الإخوان (المصرية) الحرة بقيادة كامل الشريف، وشاركوا بقوة وفاعلية في معارك فلسطين هناك. ويذكر كامل الشريف أن قوات الإخوان المصرية الحرة كان معدل عددها 200 مجاهد في مناطق جنوب فلسطين، وأنها كان يشاركها الجهاد حوالي 800 مجاهد آخر من أبناء فلسطين، تحت قيادتها، حيث إن كثيراً منهم تأثروا بفكر الإخوان المسلمين وأصبحوا منهم.[199]
وكانت أنشط شعب الإخوان مشاركة في الجهاد شعبة الإخوان المسلمين في يافا، وقد كان هناك (تنظيم عسكري سري خاص) ضمن أعضاء الإخوان في يافا، شارك فيه عدد محدود من الإخوان ممن يصلحون لهذا العمل، ولم يكن باقي الإخوان أعضاء فيه أو يعلمون شيئاً عنه، وقد ظهر نشاطه الجهادي مع بداية الحرب.[200]
وعندما تشكلت لجنة قومية في يافا مع بدء الحرب شارك ضمن قيادتها ممثل عن الإخوان المسلمين وهو رئيس الفرع هناك (ظافر راغب الدجاني)، وقد ألفت هذه اللجنة لجاناً عديدة لتعنى بمختلف الشؤون في المدينة، وقد أُسندت مهمة إدارة اللجنة الاقتصادية لظافر الدجاني، الذي كان يشغل أيضاً رئاسة الغرفة التجارية في المدينة.[201]
وعندما جاء كامل الشريف إلى منطقة يافا مع سرية من شباب الجامعات، تولى هو قيادة مجاهدي الإخوان حيث تجمع تحت قيادته حوالي 100 مجاهد،[202] وتولى كامل الشريف قيادة منطقة في يافا اسمها (كرم التوت) وتقع بين يافا وتل أبيب، حيث تقع معارك يومية بين المجاهدين واليهود. كما شارك الإخوان المجاهدون في الهجوم على مستعمرة بتاح تكفا، ثم ما لبث كامل الشريف أن انتقل إلى منطقة النقب.[203]
ويذكر عارف العارف أنه كان للإخوان المسلمين في يافا قوات متحركة يبلغ عددها 30 مجاهداً بقيادة حسن عبد الفتاح والحاج أحمد دولة، وكان عندهم 30 بندقية ورشاش و2 ستن، وقد كانوا يهبون لنجدة المواقع كلما دعت الحاجة.[204]
ويقول يوسف عميرة إن الإخوان تولوا في أثناء الحرب الدفاع عن مناطق البصة وتل الريش والعجمي والنـزهة في يافا، فضلاً عن المحافظة على الأمن داخل المدينة، كما يؤكد على الدور المشرف الذي قام به الإخوان في يافا، حيث كان الالتزام بالإسلام من سماتهم، وكان الدفاع والقتال عن إيمان بالله.[205]
وفي منطقة القدس شارك إخوان فلسطين في القتال مع إخوانهم القادمين من البلاد العربية أو مع قوات الجهاد المقدس.
دور الإخوان المسلمين المصريين:
تذكر بيان نويهض أن اهتمام الإخوان المسلمين بتحرير فلسطين كان اهتماماً صادقاً ومرتكزاً على الإيمان الديني العميق.[206] ولأن الإخوان في مصر قد أصبحوا في تلك الفترة من أنشط وأقوى الاتجاهات فيها فقد كان لهم الدور الأكثر قوة من بين إخوان الدول العربية المشاركين في حرب فلسطين.
فقبل إعلان الحرب، قام الإخوان في مصر بمهمة تهيئة الشعب لفكرة الجهاد، وانطلقوا في أرجاء القطر المصري داعين للجهاد في سبيل الله لإنقاذ الأرض المباركة،[207] كما قاموا بالعديد من المظاهرات القوية والتي كان لها أثرها في زيادة وعي الجماهير بقضية فلسطين،[208] وقاموا بحملة لجمع التبرعات لفلسطين،[209] كما أخذوا يجوبون صحراء مصر الغربية لتوفير السلاح من بقايا الحرب العالمية الثانية للجهاد في فلسطين.[210]
وفي 9 أكتوبر 1947 أبرق الشيخ حسن البنا إلى مجلس الجامعة العربية يقول إنه على استعداد لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان إلى فلسطين، وتقدم فوراً إلى حكومة النقراشي طالباً السماح لفوج من هؤلاء المجاهدين باجتياز الحدود ولكنها رفضت.[211] وفي 15 ديسمبر 1947م قام الإخوان بمظاهرة كبرى، وممن خطب في هذه المظاهرة رياض الصالح، والأمير فيصل بن عبد العزيز، وجميل مردم بك، وإسماعيل الأزهري، وقد خطب أيضاً حسن البنا الذي أكد "أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في فلسطين ... وهم على أتم استعداد لتلبية ندائكم".[212]
بدأ الإخوان المسلمون المصريون بالتوجه فعلاً للجهاد في فلسطين منذ أكتوبر 1947م، أي قبل بدء الحرب في فلسطين بأكثر من شهر، وقد سافرت أول كتيبة من الإخوان بإمارة محمد فرغلي وقيادة محمود لبيب،[213] لكن التضييق الشديد من الحكومة المصرية على سفر الإخوان قد جعل مشاركتهم محدودة، وقد اضطر الإخوان للتحايل فاستأذنوا بعمل رحلة علمية إلى سيناء، فأذنت لهم الحكومة بعد إلحاح شديد ومن هناك انطلقوا إلى فلسطين. وأخذ الإخوان يتسللون سراً حيث تجمعوا في معسكر النصيرات، وأخذوا يقومون بالعمليات الجهادية. وبهذا بدأت العمليات الجهادية العسكرية في صحراء النقب وانضم للإخوان الكثير من المجاهدين من عرب فلسطين، حتى صاروا أضعاف عدد الإخوان أنفسهم فيما بعد. وبدأت حرب عصابات تُبشر بنجاح رائع، إلا أن الحكومة المصرية طلبت من المركز العام للإخوان سحب قواته من النقب، فرفض فقطعت عنهم الحكومة الإمدادات والتموين، وراقبت الحدود، إلاّ أنهم وجدوا من عرب فلسطين كل مساعدة وعون.[214]
ومن طريف ما يرويه عباس السيسي أنه زار مع أحد الضباط معسكر مجاهدي الإخوان المسلمين في البريج، وكان الحارس على بوابة المعسكر فتى لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره ومعه بندقية، فسلما عليه وسأله الضابط عن اسمه:
فقال الفتى: قيس
فقال الضابط: وأين ليلاك يا قيس؟
فقال الفتى بكل ثقة: إن ليلاي في الجنة.
فذهلا من هذا الرد الذي خشعت له قلوبهما، وكان في هذا الكفاية للتعرف على المعنويات العالية الموجودة داخل المعسكر قبل دخولهما!![215]
ولما اشتد الضغط على الحكومة المصرية سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الجهاد تحت راية الجامعة العربية، حيث تدربوا في معسكر (هاكستب)، وكان يشرف على حركة التطوع محمود لبيب وكيل الإخوان للشئون العسكرية، وتألفت ثلاث كتائب من المتطوعين يقدر عددها بـ600 مقاتل، نصفهم تقريباً من الإخوان المسلمين، وقد طبعوا هذه الكتائب بطابعهم الخاص، وكان أبرز قادة هذه الكتائب أحمد عبد العزيز وعبد الجواد طبالة.[216]
ولم يكْفِ معسكر هاكستب لاستيعاب المتطوعين، إذ إن المتطوعين كانوا عشرات الأضعاف بالنسبة للمشاركين، فأرسل الإخوان 100 من أفرادهم ليتدربوا في معسكر (قطنا) في سوريا، وهم كل ما استطاع المركز العام للإخوان أن يقنع الحكومة المصرية بقبوله.[217]
وقد سافرت هذه الكتيبة عن طريق ميناء بورسعيد في 10 مارس 1948، وقبل مغادرتها خرجت بورسعيد عن بكرة أبيها لتحيَّتهم وتوديعهم، وخطب البنا في الجميع ومما قاله "هذه كتيبة الإخوان المسلمين المجاهدة بكل عددها وأسلحتها تتقدم للجهاد في سبيل الله ومقاتلة اليهود أعداء الإسلام والوطن. ستذهب إلى سوريا حتى تنضم إلى باقي المجاهدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وفي هذا فليتنافس المتنافسون".[218]
وقد استقبلت هذه الكتيبة في سوريا استقبالاً شعبياً كبيراً، وكان في مقدمة المستقبلين المراقب العام للإخوان في سوريا مصطفى السباعي، وعمر بهاء الدين الأميري، والشيخ محمد الحامد وغيرهم، وفي ظهر يوم الثلاثاء 23 مارس سافر حسن البنا إلى دمشق على متن طائرة لتفقد أحوال المتطوعين هناك.[219]
قام الإخوان المسلمون بدور مشرف في حرب فلسطين اعترف لهم به كل من كتب عن هذه الحرب،[220] وكان لهم دور مشهود في جنوب فلسطين في مناطق غزة ورفح وبئر السبع، حيث كانوا يهاجمون المستعمرات ويقطعون مواصلات اليهود. ومن أبرز المعارك التي شاركوا فيها هناك معركة التبة 86 التي يذكر العسكريون أنها هي التي حفظت قطاع غزة عربياً، ومعركة كفار ديروم، واحتلال مستعمرة ياد مردخاي وغيرها، كما أسهموا بدور هام في تخفيف الحصار عن القوات المصرية المحاصَرَة في الفالوجا. كما كان للإخوان المصريين مشاركتهم الفعالة في معارك القدس وبيت لحم والخليل وخصوصاً صور باهر. وكان من أبرز المعارك التي شاركوا فيها في تلك المناطق معركة رامات راحيل، واسترجاع مار الياس، وتدمير برج مستعمرة تل بيوت قرب بيت لحم، والدفاع عن "تبة اليمن" التي سميت تبة الإخوان المسلمين نظراً للبطولة التي أبدوها ... وغيرها.[221]
وقد استشهد من إخوان مصر في معارك فلسطين حوالي مائة، وجرح نحو ذلك وأسر بعضهم.[222] وكانت وطأة الإخوان شديدة على اليهود، وقد سئل موشي ديان بعد الحرب بقليل عن السبب الذي من أجله تجنب اليهود محاربة المتطوعين في بيت لحم والخليل والقدس فأجاب "إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا .. إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة .. ولذا فنحن نحاول قدر الإمكان أن نتجنب الاشتباك بهم"،[223] وكتبت مجلة حائطية في الجامعة العبرية تعليقاً تحت صورة للشيخ حسن البنا ذكرت فيه "إن صاحب الصورة كان من أشد أعداء إسرائيل، لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948، من مصر ومن بعض البلدان العربية لمحاربتنا، وكان دخولهم الحرب مزعجاً لإسرائيل لدرجة مخيفة ..."،[224] ولذلك كان انتقام اليهود من الإخوان رهيباً إذا وقعوا أسرى في أيديهم، فقد كانوا يقتلونهم، ويشوهون أجسامهم.[255]
لقد كان من أشد المناظر التاريخية إيلاما أن مئات الإخوان المصريين الذين تمكنوا من المشاركة في المعارك وقاموا بأدوار بطولية، كان مصيرهم الاعتقال والسجون حتى قبل عودتهم إلى مصر، حيث تم حل جماعة الإخوان في مصر في ديسمبر قبل أن تنتهي المعارك، وقامت المخابرات المصرية باغتيال حسن البنا نفسه في 11 فبراير 1949 قبل قليل من توقيعها اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني لإنهاء الحرب.
دور الإخوان المسلمين السوريين:
قام الإخوان السوريون بدور مشهود خصوصاً في معارك منطقة القدس وقد تدربت كتيبة الإخوان السوريين في (قطنا) ثم سافرت إلى منطقة القدس وقد شارك من الإخوان السوريين حوالي 100 أخ، بقيادة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي، وقد اشتركوا ببسالة في معارك القدس مثل معركة باب الخليل التي أصيب فيها 35 منهم بجراح، وكان النصر معقوداً فيها للمجاهدين، ومعركة القسطل حيث شارك فيها فوجٌ، منهم عبدَ القادر الحسيني، ومعركة الحي القديم في القدس، ومعركة القطمون، ونسف الكنيس اليهودي الذي اتخذه اليهود مقراً حربياً وغيرها.[226]
وكان الدفاع عن مناطق القدس التالية: الشيخ جراح، المصرارة، سعيد وسعيد، من مسئولية الأخ عدنان الدبس، وكان الأخوان زهير الشاويش وكامل حتاحت مسئولين عن الدفاع عن القطمون. كما تألف من الإخوان السوريين فريق لحفظ الأمن والانضباط في المدينة بقيادة الشيخ ضيف الله مراد، ثم انضم إليه بعد انتهاء معارك القطمون الأخ زهير الشاويش، الذي طارد اللصوص والفجار وأغلق الخمارات وأندية القمار، وشعر السكان في المدينة بالأمن والطمأنينة إثر ذلك، وجاء وفد منهم يشكرون الإخوان على جهودهم. أما الإشراف على الاتصال بين المراكز وأمور السلاح والذخيرة فكان يشرف عليه الأخ لطفي السيروان،[227] وقد استشهد العديد من الإخوان السوريين في أثناء المعارك كما جُرح الكثيرون. وذكر السباعي أسماء عشرة منهم في نهاية حديثه عن دور الإخوان السوريين في حرب فلسطين.[228]
دور الإخوان المسلمين الأردنيين:
تفاعل سكان شرق الأردن مع حرب فلسطين، وشكل الإخوان المسلمون هناك لجنة لجمع التبرعات والمساعدات، كما فتحوا باب التطوع للمشاركة في الجهاد، وكان تجاوب الناس رائعاً، فيذكر محمد عبد الرحمن خليفة أنه عندما فتح باب التطوع في شعبة السلط سجل أكثر من ثلاثة آلاف شخص أنفسهم.[229]
وتكونت من إخوان منطقة عمان وما حولها سرية متطوعين تضم نحو 120 مجاهداً من الإخوان المسلمين، وسميت باسم سرية أبي عبيدة وقد تولى قيادتها الإخوانية الحاج عبد اللطيف أبو قورة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في تلك الفترة، أما قيادتها العسكرية فقد تولاها الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة، وقد دخلت فلسطين في 14 إبريل 1948 وتمركزت في عين كارم وصور باهر.[230]
وقد خاضت هذه السرية عدة معارك واستشهد عدد من أفرادها مثل سالم المسلم وبشير سلطان.[231]
وفي إربد تولى مسئول شعبة الإخوان هناك السيد أحمد محمد الخطيب قيادة الإخوان فيها في حرب فلسطين، وبلغ مجموع من شارك معه في الجهاد من إخوان إربد وأهلها المتطوعين حوالي مائة مجاهد، بحيث كان يشترك في المعركة الواحدة من 20 ـ 25 مجاهداً.[232]
وكان إخوان إربد يقومون بمهاجمة المستعمرات القريبة من الحدود، ويرجعون إلى إربد ثانية بعد القيام بعملياتهم، وقد استشهد من إخوان إربد شهيدٌ واحد، كما أصيب أحمد الخطيب بجراح خطيرة حيث تماثل للشفاء بعد فترة طويلة.[233]
دور الإخوان المسلمين العراقيين:
بعد أسبوع واحد من قرار التقسيم أسهم الإخوان المسلمون في العراق بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف بشكل فعال في تأليف (جمعية إنقاذ فلسطين) في بغداد، ولقد لبى نداء التطوع 15 ألفاً معظمهم ممن تدرب في الجندية أو الشرطة. وكان للإخوان المسلمين في تلك الفترة دور أساسي في تعبئة الجماهير للجهاد، وكانوا على رأس المظاهرات التي خرجت للتنديد بقرار تقسيم فلسطين، والتي اشترك فيها 200 ألف عراقي في بغداد.[234]
وتألف من المتطوعين للجهاد فوجا الحسين والقادسية وسرية المغاوير وغيرها، وكلما تدرب فريق منهم كانت الجمعية ترسله إلى اللجنة العسكرية في دمشق، وفي السابع من يناير 1948 وصلت أول سرية مغاوير إلى دمشق، وبعد أسبوع وصل فوجان آخران مع السلاح والعتاد. وبينما كانت الجمعية تستعد لإرسال فوج جديد تلقت إنذاراً من اللجنة العسكرية، بأن تكف عن إرسال المتطوعين حتى إشعار آخر!! كما أشار صالح جبر (بعد أن وقع معاهدة بورتسموث) بعدم إرسال أكثر من 500 متطوع، كما أن طه الهاشمي قال لرئيس الجمعية "إذا أرسلتم مدداً آخر من المتطوعين أعدتهم إلى بغداد على نفقة الجمعية!!" فاكتفت الجمعية بعد ذلك بإرسال التبرعات،[235] وقد كان الإخوان من أبرز وأنشط عناصر هذه الجمعية،[236] وقد وصلت كتيبتا الحسين والقادسية من متطوعي العراق (كل واحدة تتكون من 360 مقاتلاً) إلى فلسطين في مارس 1948.[237]
كما اشترك ضمن الأفواج التي ذهبت للجهاد الكثير من إخوان العراق الذين قاتلوا ضمن قوات جيش الإنقاذ، ورأوا الكثير من تخاذل وضعف وسوء إدارة قيادته وعلى رأسه فوزي القاوقجي، إلا أنهم بذلوا ما استطاعوا في المعارك التي شاركوا فيها خصوصاً في شمال فلسطين.[238]
اقرا الكل حتى تعرف حقيقة الاخوان المسلمين
المقاومة الشعبية العربية والإسلامية للمشروع الصهيوني
الإخوان المسلمون في حرب 1948 نموذجاً
كان هناك تعاطف شامل وواسع لدى شعوب العالم العربي والإسلامي مع محنة إخوانهم في فلسطين. وطوال تاريخ القضية في القرن العشرين شكلت الشعوب أدوات ضغط على حكوماتها للسعي لتحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني. وأسهمت كثير من المؤسسات الشعبية في العديد من المظاهرات، وإصدار البيانات، وإقامة مؤتمرات التضامن والتوعية، وفي جمع التبرعات. لكن الإطار الشعبي كان عادة ما يَتْرك (أو يجبر على تَرْك) الفعل العسكري لجيوش الأنظمة العربية. وكانت عادة ما تحدث مبادرات فردية تشارك مُتطوعةً ضمن فصائل العمل الفلسطيني.
وقد اخترنا الحديث عن نموذج الإخوان المسلمين في مشروع المقاومة لأن الإخوان استطاعوا منذ مرحلة مبكرة في أوائل الأربعينيات الانتشار التنظيمي في عدد من الأقطار العربية، بحيث امتلكوا القاعدة الأساسية لمشاركة عربية ـ إسلامية متعددة الجنسيات، مما لم يتوفر لغيرهم من معظم الاتجاهات والأحزاب. ولأن قضية فلسطين كانت قضية جوهرية محورية في فكر واهتمامات الإخوان في تلك الفترة وحتى الآن. ولأنهم أسهموا بشكل مباشر، وعلى نحو جادّ وفعال، ليس في العمل الدعائي والتعبوي وجمع التبرعات فقط، وإنما في المقاومة المسلحة والعمل العسكري. وربما كان أكثر ما يلفت النظر، أن مركز قيادة العمل والتحرك الجهادي وروحه الدافعة أتت أساساً من مصر وليس من فلسطين. أي لم تكن مشاركتهم رمزية ضمن إطار فلسطيني، وإنما كانت مشاركة واسعة في إطار عربي إسلامي، كان الإخوان الفلسطينيون جزءاً منه، بل وتابعاً لقيادات من جماعتهم من جنسيات أخرى، في إطار روح وحدوية متماسكة. كما أن النموذج الإخواني ظل نموذجاً شعبياً لم يصل إلى سدّة الحكم، ولم يستفد مباشرة من أدوات السلطة لإنشاء أحزاب أو حركات محسوبة على نظام حكمه.
وتكمن أهمية التجربة الإخوانية في إثبات روح الأمة الواحدة، وإمكان توسيع دائرة الصراع ضد العدو الصهيوني، وتعبئة طاقات الجماهير العربية والإسلامية باتجاه التحرير. ولعل الحزب القومي السوري وحزب البعث قد سعيا للمشاركة في حرب 1948، ولكن مشاركتهما كانت محدودة قياساً إلى حجم مشاركة الإخوان وأثرهم، ولذلك أيضاً مِلْنا للتركيز على نموذجهم.[179]
نشأة حركة الإخوان المسلمين وطبيعتها:
أسس الشيخ حسن البنا حركة (الإخوان المسلمين) في مارس عام 1928 في مدينة الإسماعيلية في مصر.[180]
وقد أراد الشيخ حسن البنا من تأسيس هذه الحركة إحياء معاني الإسلام الصحيحة في النفوس، والالتزام بتعاليمه عقيدة وسلوكاً ومنهج حياة، وبناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة، وتخليص البلاد الإسلامية من الاستعمار بكافة أشكاله، وإقامة الخلافة الإسلامية الواحدة على بلاد المسلمين، وسيادة العالم.[181]
وقد اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين من خلال هذا الطرح فهماً متكاملاً وشاملاً للطرح الإسلامي، بحيث شمل جوانب الحياة المختلفة، حيث أبدى الإخوان اهتماماً بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجهادية، بالإضافة إلى الجوانب العبادية والعقدية، فهي حسب تعبير مؤسسها الشيخ البنا "دعوة سلفية .. وطريقة سنية .. وحقيقة صوفية .. وهيئة سياسية .. وجماعة رياضية .. ورابطة علمية ثقافية .. وشركة اقتصادية .. وفكرة اجتماعية"،[182] كما عبر عن هذا الفهم الشعار الذي يردده الإخوان دائماً في لقاءاتهم وأنشطتهم: الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.[183]
وكان من الطبيعي بناءً على هذا الفهم أن يهتم الإخوان المسلمون بقضايا المسلمين المختلفة فيذكر الشيخ حسن البنا "إن كل أرض يقال فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله هي جزء من وطننا، له حرمته وقداسته، والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره"، ولأن فلسطين كانت أسخن القضايا الإسلامية الحساسة في ذلك الوقت ـ وما تزال ـ فقد أولاها الإخوان المسلمون دائماً "المقام الأوفى في عنايتهم واهتمامهم".[184]
الإخوان المسلمون وقضية فلسطين:
وقد بدأ اهتمام حركة الإخوان بقضية فلسطين يبرز بشكل واضح أمام عامة الناس مع انفجار الثورة الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939). فلقد نشط الإخوان المسلمون في الدعاية الإعلامية لقضية فلسطين في مصر نشاطاً كبيراً فشكلوا لجنة لمساعدة فلسطين، ودعوا إلى مشروع "قرش فلسطين" لدعم أهل فلسطين وثورتهم، وطبعوا المنشورات التي تهاجم الإنجليز وسياستهم في فلسطين، وركزوا في مجلتهم (النذير) على خدمة قضية فلسطين وإبرازها إعلامياً، واستفادوا من منابر المساجد للدعوة للقضية، وأرسلوا الطلاب في الصيف إلى أنحاء القطر المصري للدعوة للفكر الإسلامي وإلى مساعدة فلسطين، كما دعوا إلى مقاطعة المحلات اليهودية في مصر، ووزعوا كتاب "النار والدمار في فلسطين" (الذي أصدرته اللجنة العربية العليا) بشكل واسع في مصر فكان له أثر إعلامي عظيم، كما دعوا إلى القنوت في الصلاة من أجل فلسطين، كما أرسلوا الرسائل والبرقيات إلى المسئولين في الدولة وأصحاب النفوذ للتدخل لمساعدة فلسطين، والعمل الجاد على حل قضيتها.[185]
وعندما انعقد المؤتمر العربي لنصرة قضية فلسطين في "بلودان" في 10 سبتمبر 1937 أبرق حسن البنا باسم الإخوان المسلمين في مصر إلى المؤتمر برقية يعلن فيها استعداد جماعة الإخوان المسلمين للدفاع عن فلسطين بدمائهم وأموالهم.[186]
ونظم "الإخوان" وجمعية الشبان المسلمين مظاهرة كبرى في مصر في يونيو 1938 لنصرة فلسطين، وقد اصطدمت بالشرطة مما أدى إلى اعتقال 34 من المتظاهرين،[187] كما نظموا مظاهرة كبرى بمناسبة وعد بلفور في نوفمبر 1938، شملت جميع أرجاء مصر، فكانت تنبيهاً قوياً للشعب المصري على أهمية قضية فلسطين.[188]
ويبدو أن الإخوان المسلمين المصريين قد شاركوا بشكل محدود في الثورة الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939)، فيذكر كامل الشريف أن عدداً من شباب الإخوان قد استطاعوا التسلل إلى فلسطين والاشتراك مع المجاهدين في جهادهم خاصة في مناطق الشمال.[189] (حيث جماعة القسام)، كما يبدو أن المفتي (الحاج أمين) قد شهد بصحة هذا الكلام،[190] وفي مقابلة للباحث مع الدكتور عصام الشربيني يذكر أن الدكتور إبراهيم أبو النجا (عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان سابقاً) أخبره أن الإخوان في مصر قد احتفلوا بذهاب بعض الإخوان إلى فلسطين للجهاد في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 ـ 1939)،[191] كما أن في حديث محمود عبد الحليم عن قضية أحمد رفعت ما يشير إلى اتصال الإخوان بمجاهدي فلسطين والتنسيق معهم،[192] وعلى هذا فنحن لا نستبعد مشاركة الإخوان بشكل فردي في الثورة الكبرى.
ويذكر الإخوان المسلمون عادة أن أهم أسباب إنشاء النظام الخاص داخل جماعة الإخوان هو مشاركة أعضائه في الجهاد لتحرير فلسطين من الانتداب البريطاني، وإفشال المخطط اليهودي في بناء الوطن القومي على أرضها، وقد كان أعضاء هذا النظام ـ الذي أُنشئ في مطلع الأربعينيات ـ يُختارون من خلاصة الإخوان، وينظمون في عضويته في سرية تامة، ويتم تربيتهم على معاني الجهاد، ويخضعون لتدريبات بدنية شاقة والتدريب على السلاح.[193]
نشأة حركة الإخوان في فلسطين:
كانت أولى الإشارات عندما بدأ الإخوان نشر دعوتهم في فلسطين في أغسطس 1935 عندما زارها عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم، ولقيا ترحيباً هناك من الحاج أمين، حيث قاما بنشر دعوتهم.[194] وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) زادت زيارات الإخوان لفلسطين، وأخذ عدد من أبناء فلسطين ينضمون للإخوان، غير أن تشكيل فروع للإخوان لم يتم ـ على ما يظهر ـ إلا بعد انتهاء الحرب، حيث خفّت ظروف القهر والتشديد البريطاني، ونشطت الحركة السياسية الفلسطينية. ويبدو أن أول فروع الإخوان إنشاءً كان فرع غزة برئاسة الحاج ظافر الشوا، ثم تأسس فرع يافا برئاسة ظافر الدجاني، أما فرع القدس فقد أنشئ سنة 1945، ثم جرى حفل افتتاح مميز له في 5 مايو 1946 وحضره الزعيم الفلسطيني جمال الحسيني، وأنشئ فرع حيفا برئاسة الشيخ عبد الرحمن مراد، وتتابع إنشاء الفروع في قلقيلية، واللد، ونابلس، وطولكرم، والمجدل، وسلواد، والخليل، حتى زادت الفروع عن عشرين فرعاً.[195]
وقد نشطت جماعة الإخوان في فلسطين في مجالات الدعوة والتربية والتوعية الإسلامية، والتعريف بالخطر الصهيوني، والمؤامرة على فلسطين، والتعبئة للجهاد.
وقد عقد الإخوان الفلسطينيون مؤتمراً عاماً في حيفا في 18 أكتوبر 1946 حضره ممثلون عن لبنان والأردن. وقد حملت القرارات أبعاداً تنظيمية داخلية وسياسية محلية وخارجية تؤكد الوعي والتفاعل السياسي مع الأحداث. وقد جاءت في القرارات:
1.
اعتبار حكومة فلسطين مسؤولة عن الوضع السياسي المضطرب.
2.
تأييد الجامعة العربية.
3.
تأييد مطالب مصر بالجلاء ووحدة النيل.
4.
عرض قضية فلسطين على مجلس الأمن.
5.
تأييد المشاريع التي ترمي إلى إنقاذ الأراضي.
6.
عدم الاعتراف باليهود الطارئين على البلاد.
7.
تعميم شعب "الإخوان المسلمين" في فلسطين.[196]
وبعد عام من انعقاد المؤتمر السابق عقد الإخوان المسلمون مؤتمراً آخر كبيراً في حيفا في 27 أكتوبر 1947 ومن بين القرارات التي اتخذها المؤتمر:
1.
يعلن الإخوان المسلمون تصميمهم على الدفاع عن بلادهم بجميع الوسائل. واستعدادهم للتعاون مع جميع الهيئات الوطنية في هذا السبيل.
2.
يعلن المؤتمرون باسم هيئة الإخوان المسلمين في سائر الأقطار الممثلة، استنكارهم لكل محاولة تعلل العرب والمسلمين بتحقيق الأهداف الوطنية عن طريق مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة، بعد أن أسفرت المحاولات الكثيرة عن حقيقة هذه المنظمات الدولية، وأنها ليست إلا ثوباً خالصاً لمطامع الدول الكبرى المستعمرة.
3.
يعلن المؤتمرون أن هيئة الإخوان المسلمين ستحمل نصيبها كاملاً من تكاليف النضال.
4.
يعلن مندوبو الإخوان المسلمين في شرق الأردن أنهم على استعداد كامل لحمل نصيبهم في تحرير فلسطين.
5.
يجدد المؤتمر البيعة على أن يكونوا الجند البررة الصادقين لدعوة الإخوان المسلمين حتى يتم الله نوره، ويجمع شمل المسلمين والعرب على كلمة الخير في ظل العزة والكرامة.
6.
تأليف مجالس المناطق حسب النظام الذي وضعه المكتب الإداري للإخوان المسلمين.
7.
يبتهل المؤتمرون إلى الله تعالى أن ينجي مصر من وباء الكوليرا، وأن يحقق [النصر] لجميع الشعوب الإسلامية والعربية الشقيقة.
8.
الاتصال بالهيئة العربية العليا للبحث في بعض الشئون الوطنية العامة.[197]
ونلاحظ في هذه القرارات مدى جديتها وقوتها ومتابعتها للأحداث السياسية والواقعية، حيث كان للقرارات السياسية نصيب الأسد فيها، كما نلاحظ المضمون الجهادي الذي تمخضت عنه هذه القرارات، والتي كانت متفوقة في مضمونها وطبيعتها عن الاتجاهات السياسية السائدة في تلك الفترة.
وقد نشط الإخوان الفلسطينيون في تعبئة الجماهير للجهاد ضد الإنجليز واليهود، واعترفت الرواية الإسرائيلية الرسمية لحرب فلسطين 1947 ـ 1948 بذلك، حتى إن المؤسسات القومية اليهودية احتجت واشتكت عليهم للسلطات البريطانية.[198] ولكن لا ينبغي المبالغة في قدرة الإخوان الفلسطينيين وإمكاناتهم. إذ كانوا جديدين إلى حد ما على الساحة، ولم يبلغ انتشارهم حجماً سياسياً كبيراً يؤهلهم للتأثير في القرار السياسي الفلسطيني المحليّ. وكانوا بشكل عام أنصاراً للحاج أمين الحسيني الذي كان صديقاً شخصياً للشيخ حسن البنا. كما أن إمكاناتهم كانت محدودة جداً مقارنة بما لدى اليهود أو بما تحتاجه فلسطين في عملية الدفاع عنها. غير أن هذا لم يمنع أن يمثلوا في تلك الفترة حالة جهادية مضحية واعية، ذات روح وطنية قوية منفتحة.
دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين 1947 ـ 1948:
شارك الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الجهاد عندما اندلعت حرب 1947 ـ 1948، إلا أن حداثة تنظيمهم وعدم نموه واستقراره بشكل مناسب وقوي جعلت مشاركتهم محصورة ضمن قدراتهم المحدودة وإمكاناتهم المتواضعة.
ومع ذلك فقد شكلت شُعب الإخوان في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب، عملت في أماكن استقرارها في الشمال والوسط تحت القيادات العربية المحلية هناك (التي تتبع جيش الإنقاذ أو جيش الجهاد المقدس). وقد قامت بغارات ناجحة على مستعمرات اليهود وطرق مواصلاتهم، على الرغم من الضعف الشديد الذي كانت تعانيه سواء في التسليح أو التدريب، ولذلك لا نجد ذكراً رسمياً لدور الإخوان في هذه المناطق بشكل عام. أما في المناطق الجنوبية وخصوصاً غزة وبئر السبع فقد انضم العديد من إخوان فلسطين إلى قوات الإخوان (المصرية) الحرة بقيادة كامل الشريف، وشاركوا بقوة وفاعلية في معارك فلسطين هناك. ويذكر كامل الشريف أن قوات الإخوان المصرية الحرة كان معدل عددها 200 مجاهد في مناطق جنوب فلسطين، وأنها كان يشاركها الجهاد حوالي 800 مجاهد آخر من أبناء فلسطين، تحت قيادتها، حيث إن كثيراً منهم تأثروا بفكر الإخوان المسلمين وأصبحوا منهم.[199]
وكانت أنشط شعب الإخوان مشاركة في الجهاد شعبة الإخوان المسلمين في يافا، وقد كان هناك (تنظيم عسكري سري خاص) ضمن أعضاء الإخوان في يافا، شارك فيه عدد محدود من الإخوان ممن يصلحون لهذا العمل، ولم يكن باقي الإخوان أعضاء فيه أو يعلمون شيئاً عنه، وقد ظهر نشاطه الجهادي مع بداية الحرب.[200]
وعندما تشكلت لجنة قومية في يافا مع بدء الحرب شارك ضمن قيادتها ممثل عن الإخوان المسلمين وهو رئيس الفرع هناك (ظافر راغب الدجاني)، وقد ألفت هذه اللجنة لجاناً عديدة لتعنى بمختلف الشؤون في المدينة، وقد أُسندت مهمة إدارة اللجنة الاقتصادية لظافر الدجاني، الذي كان يشغل أيضاً رئاسة الغرفة التجارية في المدينة.[201]
وعندما جاء كامل الشريف إلى منطقة يافا مع سرية من شباب الجامعات، تولى هو قيادة مجاهدي الإخوان حيث تجمع تحت قيادته حوالي 100 مجاهد،[202] وتولى كامل الشريف قيادة منطقة في يافا اسمها (كرم التوت) وتقع بين يافا وتل أبيب، حيث تقع معارك يومية بين المجاهدين واليهود. كما شارك الإخوان المجاهدون في الهجوم على مستعمرة بتاح تكفا، ثم ما لبث كامل الشريف أن انتقل إلى منطقة النقب.[203]
ويذكر عارف العارف أنه كان للإخوان المسلمين في يافا قوات متحركة يبلغ عددها 30 مجاهداً بقيادة حسن عبد الفتاح والحاج أحمد دولة، وكان عندهم 30 بندقية ورشاش و2 ستن، وقد كانوا يهبون لنجدة المواقع كلما دعت الحاجة.[204]
ويقول يوسف عميرة إن الإخوان تولوا في أثناء الحرب الدفاع عن مناطق البصة وتل الريش والعجمي والنـزهة في يافا، فضلاً عن المحافظة على الأمن داخل المدينة، كما يؤكد على الدور المشرف الذي قام به الإخوان في يافا، حيث كان الالتزام بالإسلام من سماتهم، وكان الدفاع والقتال عن إيمان بالله.[205]
وفي منطقة القدس شارك إخوان فلسطين في القتال مع إخوانهم القادمين من البلاد العربية أو مع قوات الجهاد المقدس.
دور الإخوان المسلمين المصريين:
تذكر بيان نويهض أن اهتمام الإخوان المسلمين بتحرير فلسطين كان اهتماماً صادقاً ومرتكزاً على الإيمان الديني العميق.[206] ولأن الإخوان في مصر قد أصبحوا في تلك الفترة من أنشط وأقوى الاتجاهات فيها فقد كان لهم الدور الأكثر قوة من بين إخوان الدول العربية المشاركين في حرب فلسطين.
فقبل إعلان الحرب، قام الإخوان في مصر بمهمة تهيئة الشعب لفكرة الجهاد، وانطلقوا في أرجاء القطر المصري داعين للجهاد في سبيل الله لإنقاذ الأرض المباركة،[207] كما قاموا بالعديد من المظاهرات القوية والتي كان لها أثرها في زيادة وعي الجماهير بقضية فلسطين،[208] وقاموا بحملة لجمع التبرعات لفلسطين،[209] كما أخذوا يجوبون صحراء مصر الغربية لتوفير السلاح من بقايا الحرب العالمية الثانية للجهاد في فلسطين.[210]
وفي 9 أكتوبر 1947 أبرق الشيخ حسن البنا إلى مجلس الجامعة العربية يقول إنه على استعداد لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان إلى فلسطين، وتقدم فوراً إلى حكومة النقراشي طالباً السماح لفوج من هؤلاء المجاهدين باجتياز الحدود ولكنها رفضت.[211] وفي 15 ديسمبر 1947م قام الإخوان بمظاهرة كبرى، وممن خطب في هذه المظاهرة رياض الصالح، والأمير فيصل بن عبد العزيز، وجميل مردم بك، وإسماعيل الأزهري، وقد خطب أيضاً حسن البنا الذي أكد "أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في فلسطين ... وهم على أتم استعداد لتلبية ندائكم".[212]
بدأ الإخوان المسلمون المصريون بالتوجه فعلاً للجهاد في فلسطين منذ أكتوبر 1947م، أي قبل بدء الحرب في فلسطين بأكثر من شهر، وقد سافرت أول كتيبة من الإخوان بإمارة محمد فرغلي وقيادة محمود لبيب،[213] لكن التضييق الشديد من الحكومة المصرية على سفر الإخوان قد جعل مشاركتهم محدودة، وقد اضطر الإخوان للتحايل فاستأذنوا بعمل رحلة علمية إلى سيناء، فأذنت لهم الحكومة بعد إلحاح شديد ومن هناك انطلقوا إلى فلسطين. وأخذ الإخوان يتسللون سراً حيث تجمعوا في معسكر النصيرات، وأخذوا يقومون بالعمليات الجهادية. وبهذا بدأت العمليات الجهادية العسكرية في صحراء النقب وانضم للإخوان الكثير من المجاهدين من عرب فلسطين، حتى صاروا أضعاف عدد الإخوان أنفسهم فيما بعد. وبدأت حرب عصابات تُبشر بنجاح رائع، إلا أن الحكومة المصرية طلبت من المركز العام للإخوان سحب قواته من النقب، فرفض فقطعت عنهم الحكومة الإمدادات والتموين، وراقبت الحدود، إلاّ أنهم وجدوا من عرب فلسطين كل مساعدة وعون.[214]
ومن طريف ما يرويه عباس السيسي أنه زار مع أحد الضباط معسكر مجاهدي الإخوان المسلمين في البريج، وكان الحارس على بوابة المعسكر فتى لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره ومعه بندقية، فسلما عليه وسأله الضابط عن اسمه:
فقال الفتى: قيس
فقال الضابط: وأين ليلاك يا قيس؟
فقال الفتى بكل ثقة: إن ليلاي في الجنة.
فذهلا من هذا الرد الذي خشعت له قلوبهما، وكان في هذا الكفاية للتعرف على المعنويات العالية الموجودة داخل المعسكر قبل دخولهما!![215]
ولما اشتد الضغط على الحكومة المصرية سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الجهاد تحت راية الجامعة العربية، حيث تدربوا في معسكر (هاكستب)، وكان يشرف على حركة التطوع محمود لبيب وكيل الإخوان للشئون العسكرية، وتألفت ثلاث كتائب من المتطوعين يقدر عددها بـ600 مقاتل، نصفهم تقريباً من الإخوان المسلمين، وقد طبعوا هذه الكتائب بطابعهم الخاص، وكان أبرز قادة هذه الكتائب أحمد عبد العزيز وعبد الجواد طبالة.[216]
ولم يكْفِ معسكر هاكستب لاستيعاب المتطوعين، إذ إن المتطوعين كانوا عشرات الأضعاف بالنسبة للمشاركين، فأرسل الإخوان 100 من أفرادهم ليتدربوا في معسكر (قطنا) في سوريا، وهم كل ما استطاع المركز العام للإخوان أن يقنع الحكومة المصرية بقبوله.[217]
وقد سافرت هذه الكتيبة عن طريق ميناء بورسعيد في 10 مارس 1948، وقبل مغادرتها خرجت بورسعيد عن بكرة أبيها لتحيَّتهم وتوديعهم، وخطب البنا في الجميع ومما قاله "هذه كتيبة الإخوان المسلمين المجاهدة بكل عددها وأسلحتها تتقدم للجهاد في سبيل الله ومقاتلة اليهود أعداء الإسلام والوطن. ستذهب إلى سوريا حتى تنضم إلى باقي المجاهدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وفي هذا فليتنافس المتنافسون".[218]
وقد استقبلت هذه الكتيبة في سوريا استقبالاً شعبياً كبيراً، وكان في مقدمة المستقبلين المراقب العام للإخوان في سوريا مصطفى السباعي، وعمر بهاء الدين الأميري، والشيخ محمد الحامد وغيرهم، وفي ظهر يوم الثلاثاء 23 مارس سافر حسن البنا إلى دمشق على متن طائرة لتفقد أحوال المتطوعين هناك.[219]
قام الإخوان المسلمون بدور مشرف في حرب فلسطين اعترف لهم به كل من كتب عن هذه الحرب،[220] وكان لهم دور مشهود في جنوب فلسطين في مناطق غزة ورفح وبئر السبع، حيث كانوا يهاجمون المستعمرات ويقطعون مواصلات اليهود. ومن أبرز المعارك التي شاركوا فيها هناك معركة التبة 86 التي يذكر العسكريون أنها هي التي حفظت قطاع غزة عربياً، ومعركة كفار ديروم، واحتلال مستعمرة ياد مردخاي وغيرها، كما أسهموا بدور هام في تخفيف الحصار عن القوات المصرية المحاصَرَة في الفالوجا. كما كان للإخوان المصريين مشاركتهم الفعالة في معارك القدس وبيت لحم والخليل وخصوصاً صور باهر. وكان من أبرز المعارك التي شاركوا فيها في تلك المناطق معركة رامات راحيل، واسترجاع مار الياس، وتدمير برج مستعمرة تل بيوت قرب بيت لحم، والدفاع عن "تبة اليمن" التي سميت تبة الإخوان المسلمين نظراً للبطولة التي أبدوها ... وغيرها.[221]
وقد استشهد من إخوان مصر في معارك فلسطين حوالي مائة، وجرح نحو ذلك وأسر بعضهم.[222] وكانت وطأة الإخوان شديدة على اليهود، وقد سئل موشي ديان بعد الحرب بقليل عن السبب الذي من أجله تجنب اليهود محاربة المتطوعين في بيت لحم والخليل والقدس فأجاب "إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا .. إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة .. ولذا فنحن نحاول قدر الإمكان أن نتجنب الاشتباك بهم"،[223] وكتبت مجلة حائطية في الجامعة العبرية تعليقاً تحت صورة للشيخ حسن البنا ذكرت فيه "إن صاحب الصورة كان من أشد أعداء إسرائيل، لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948، من مصر ومن بعض البلدان العربية لمحاربتنا، وكان دخولهم الحرب مزعجاً لإسرائيل لدرجة مخيفة ..."،[224] ولذلك كان انتقام اليهود من الإخوان رهيباً إذا وقعوا أسرى في أيديهم، فقد كانوا يقتلونهم، ويشوهون أجسامهم.[255]
لقد كان من أشد المناظر التاريخية إيلاما أن مئات الإخوان المصريين الذين تمكنوا من المشاركة في المعارك وقاموا بأدوار بطولية، كان مصيرهم الاعتقال والسجون حتى قبل عودتهم إلى مصر، حيث تم حل جماعة الإخوان في مصر في ديسمبر قبل أن تنتهي المعارك، وقامت المخابرات المصرية باغتيال حسن البنا نفسه في 11 فبراير 1949 قبل قليل من توقيعها اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني لإنهاء الحرب.
دور الإخوان المسلمين السوريين:
قام الإخوان السوريون بدور مشهود خصوصاً في معارك منطقة القدس وقد تدربت كتيبة الإخوان السوريين في (قطنا) ثم سافرت إلى منطقة القدس وقد شارك من الإخوان السوريين حوالي 100 أخ، بقيادة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي، وقد اشتركوا ببسالة في معارك القدس مثل معركة باب الخليل التي أصيب فيها 35 منهم بجراح، وكان النصر معقوداً فيها للمجاهدين، ومعركة القسطل حيث شارك فيها فوجٌ، منهم عبدَ القادر الحسيني، ومعركة الحي القديم في القدس، ومعركة القطمون، ونسف الكنيس اليهودي الذي اتخذه اليهود مقراً حربياً وغيرها.[226]
وكان الدفاع عن مناطق القدس التالية: الشيخ جراح، المصرارة، سعيد وسعيد، من مسئولية الأخ عدنان الدبس، وكان الأخوان زهير الشاويش وكامل حتاحت مسئولين عن الدفاع عن القطمون. كما تألف من الإخوان السوريين فريق لحفظ الأمن والانضباط في المدينة بقيادة الشيخ ضيف الله مراد، ثم انضم إليه بعد انتهاء معارك القطمون الأخ زهير الشاويش، الذي طارد اللصوص والفجار وأغلق الخمارات وأندية القمار، وشعر السكان في المدينة بالأمن والطمأنينة إثر ذلك، وجاء وفد منهم يشكرون الإخوان على جهودهم. أما الإشراف على الاتصال بين المراكز وأمور السلاح والذخيرة فكان يشرف عليه الأخ لطفي السيروان،[227] وقد استشهد العديد من الإخوان السوريين في أثناء المعارك كما جُرح الكثيرون. وذكر السباعي أسماء عشرة منهم في نهاية حديثه عن دور الإخوان السوريين في حرب فلسطين.[228]
دور الإخوان المسلمين الأردنيين:
تفاعل سكان شرق الأردن مع حرب فلسطين، وشكل الإخوان المسلمون هناك لجنة لجمع التبرعات والمساعدات، كما فتحوا باب التطوع للمشاركة في الجهاد، وكان تجاوب الناس رائعاً، فيذكر محمد عبد الرحمن خليفة أنه عندما فتح باب التطوع في شعبة السلط سجل أكثر من ثلاثة آلاف شخص أنفسهم.[229]
وتكونت من إخوان منطقة عمان وما حولها سرية متطوعين تضم نحو 120 مجاهداً من الإخوان المسلمين، وسميت باسم سرية أبي عبيدة وقد تولى قيادتها الإخوانية الحاج عبد اللطيف أبو قورة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في تلك الفترة، أما قيادتها العسكرية فقد تولاها الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة، وقد دخلت فلسطين في 14 إبريل 1948 وتمركزت في عين كارم وصور باهر.[230]
وقد خاضت هذه السرية عدة معارك واستشهد عدد من أفرادها مثل سالم المسلم وبشير سلطان.[231]
وفي إربد تولى مسئول شعبة الإخوان هناك السيد أحمد محمد الخطيب قيادة الإخوان فيها في حرب فلسطين، وبلغ مجموع من شارك معه في الجهاد من إخوان إربد وأهلها المتطوعين حوالي مائة مجاهد، بحيث كان يشترك في المعركة الواحدة من 20 ـ 25 مجاهداً.[232]
وكان إخوان إربد يقومون بمهاجمة المستعمرات القريبة من الحدود، ويرجعون إلى إربد ثانية بعد القيام بعملياتهم، وقد استشهد من إخوان إربد شهيدٌ واحد، كما أصيب أحمد الخطيب بجراح خطيرة حيث تماثل للشفاء بعد فترة طويلة.[233]
دور الإخوان المسلمين العراقيين:
بعد أسبوع واحد من قرار التقسيم أسهم الإخوان المسلمون في العراق بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف بشكل فعال في تأليف (جمعية إنقاذ فلسطين) في بغداد، ولقد لبى نداء التطوع 15 ألفاً معظمهم ممن تدرب في الجندية أو الشرطة. وكان للإخوان المسلمين في تلك الفترة دور أساسي في تعبئة الجماهير للجهاد، وكانوا على رأس المظاهرات التي خرجت للتنديد بقرار تقسيم فلسطين، والتي اشترك فيها 200 ألف عراقي في بغداد.[234]
وتألف من المتطوعين للجهاد فوجا الحسين والقادسية وسرية المغاوير وغيرها، وكلما تدرب فريق منهم كانت الجمعية ترسله إلى اللجنة العسكرية في دمشق، وفي السابع من يناير 1948 وصلت أول سرية مغاوير إلى دمشق، وبعد أسبوع وصل فوجان آخران مع السلاح والعتاد. وبينما كانت الجمعية تستعد لإرسال فوج جديد تلقت إنذاراً من اللجنة العسكرية، بأن تكف عن إرسال المتطوعين حتى إشعار آخر!! كما أشار صالح جبر (بعد أن وقع معاهدة بورتسموث) بعدم إرسال أكثر من 500 متطوع، كما أن طه الهاشمي قال لرئيس الجمعية "إذا أرسلتم مدداً آخر من المتطوعين أعدتهم إلى بغداد على نفقة الجمعية!!" فاكتفت الجمعية بعد ذلك بإرسال التبرعات،[235] وقد كان الإخوان من أبرز وأنشط عناصر هذه الجمعية،[236] وقد وصلت كتيبتا الحسين والقادسية من متطوعي العراق (كل واحدة تتكون من 360 مقاتلاً) إلى فلسطين في مارس 1948.[237]
كما اشترك ضمن الأفواج التي ذهبت للجهاد الكثير من إخوان العراق الذين قاتلوا ضمن قوات جيش الإنقاذ، ورأوا الكثير من تخاذل وضعف وسوء إدارة قيادته وعلى رأسه فوزي القاوقجي، إلا أنهم بذلوا ما استطاعوا في المعارك التي شاركوا فيها خصوصاً في شمال فلسطين.[238]