رشيدة نور
2008-07-04, 22:31
كانت أمه قد نسته تماما وتخلت عنه ، حينما وجدته وحيدا في ركن مظلم يعاني سكرات الموت ، يئن في صمت ، تحترق آلامه وحيدة ، تنساب مع الهواء خفية و كأنها تخشى شيئا ، تذذوب وسط موجات الأثير و لا أحد يسمعها ، لا أحد يلتقطها و لا أحد يعيرها اهتماما .
وجدته و قد كان رضيعا ، هو لا ذنب له في الحياة سوى أنه موجود ، هو ما أراد أن يأتي لكنه مجبر ، قدر له أن يكون فكان ، و حينما كان كان وحيدا .
عالمه الضيق شبيه بنفق مظلم تمله حتى الخفافيش التي تعشق الظلام ، نهايته باتت مؤكدة .
هو يعلم ذلك لكنه لم يخش شيئا ، فلا الموت و لا الحياة يعنيان له الكثير ، لأنه - و بكل بساطة - لم يدرك معنى هذا الوجود ،
و كيف يدرك ؟
وحدته الشاحبة أكسبت وشاح الموت السواد القاتم ، و بعثرته من حوله فبات الجو كئيبا .
في ذاك الركن حيث وجدته لا يسمع سوى عويل الرياح و لا يرى سوى خيال القمر الشاحب . حزن أبدي يكتنف المكان ،
و ثورة عارمة من الأنين تكتسحه ، هكذا أحسست من الوهلة الأولى حينما وطأت قدماي تلك الزاوية المهجورة من زوايا الحوش القديم حيث كان يقطن جدي - رحمه الله - منذ سنين بعيدة هي أشبه بحبل طويل امتد مع امتداد الزمن .
حملته بلطف و كأني أخشى عليه من يدي المرتجفتين ، و بشيء من الحنان ضممته و تمسك بي و أبى التزحزح عني ، و كأنه كان ينتظر هذه اللحظة أعواما طويلة ... لحظة حنان هارب ماذاقه من قبل .
كان جميلا ودودا تحبه من أول نظرة ، عيناه الصغيرتان بحر حينما تنظر إليهما تحس بمرارة الألم القابع فيهما ، تحس بموجات التساؤل و هي تصارع الأفكار علها تصل إلى بر الأمان ، إلى إجابة مقنعة ترضي فضوله ، و تكبح فيه جماح الهدوء الثائر في آن واحد ..
و مع الهدوء و الثوران ألف فكرة تموج و تسبح ، و بين اللا و النعم ألف ربما تبحث عمن يتبناها و يقتل اليتم فيها .
عيناه دائريتان ، حينما تتغلغل نظراتك فيهما تنسى نفسك ، و تنسى أنك انسان ، تنسى بأنهم يقولون عنك أن لك عينان ...
و لا تذكر سوى أنك لا تملك مثل تينك العينين. عينان سيل البراءة يتدفق فيهما ليكون بحرا قطرة قطرة .
بحر لا يحس به سوى من كان انسانا حقا ، لا شبه انسان يحمل هذا اللقب بالوراثة أبا عن جد .
كلنا جئنا إلى هاته الحياة فوجدناه لصيقا بنا . و نحن صغارا لم نفهم كنهه و لم ندرك معناه الحقيقي ، و لما كبرنا و صرنا في نظر الصغار كبارا ظنننا أننا فهمناه و تعمقنا في فهمه ، فاصبحنا نتباهى به أمام الصغار ، و لا يخلو حديث لنا منه ، و صارت الانسانية صفقة مربحة لكل من أراد ركوب صهوة العالمية و الشهرة ، و في الحقيقة نحن عاجزون عن فهمه و فهم معناه الذي جيء من أجله ، و خلقنا من أجله ، فالانسانية شعور نبيل لا يحسه إلا من كان انسانا حقا .
و حملته و مشيت به مسافة غير بعيدة إلى البيت حيث كنت أقضي عطلة الصيف في مكان أعشقه لحد الموت ، و بين أحضان أحسها دما في عروقي . هي الطبيعة و لوحاتها الخلابة ، هي الأرض و السماء و الجنون الذي يكبلني حينما أكون في حضن الثرى أعيش لحظاتي حرة طليقة ، لا أعين البشر تراقبني و لا كلماتهم السم تعاتبني .
و كل شيء في نظري ناصع البياض ، فلا السواد يعميني و لا الأنات تبكيني ...و أعيش حرة .
حينما حملته كان يرتجف ، عروقه ترتجف ، دمه الفوار فشل في أن يدفىء جسده .. و حرارة الشمس أيضا فشلت ،
و فقط صدري استطاع ذلك فأدركت أن صدري يحمل سرا لا تحمله الطبيعة ، سرا لم يعد بالنسبة لي غامضا ، فقد أدركت أن ذاك هو الحنان ، الحنان كفيل بأن يذيب برودة الصقيع و أن يقتل غلاظة البشر ، و أن ينشر تباريح الهوى في كل مكان و أن....
أن يسرق الزمن و يينتفض و يثور على كل ما يبعث السواد .
و أحس المسكين بالدفء و ظنه - لسذاجته - دفء أمه . و لكن أمه عنه تخلت و رفعت رايات الهروب و قالت للطبيعة لا ، لا أريده ،
و آثرت الرحيل و الابتعاد تاركة إياه يصارع نوائب الزمن . هي ليست بأم لأنها فقدت طعم الأمومة و تخلت عن طبيعتها و باعت عواطفها مقابل هروب ساذج .
و ما العجيب في ذلك و نحن في زمن فقدنا فيه كل شيء حتى الاحساس بالآه ، بالألم ، بالحب ، بالوجود ...
في زمن ليس بالبعيد كان من المستحيل أن تتنكر الطبيعة لما خلقت لأجله ، و اليوم صار التخلي عن أشياء نحبها موضة نمشي عليها .
حملته و وسط لفافة وضعته ، سقيته ماءا باعتباره الوجود ، و ما ان شربه حتى رنت أجراس الحياة في عروقه ، و استفاق من دوامة الغثيان التي كان يتخبط فيها و ولت سكرات الموت أدراجها و أعلنت استسلامها ، فقد كان دافع الحياة أقوى .
رفع عينين يلفهما الحزن و رمقنيبنظرة شجينة و حدق في عيني طويلا و كأنه يسألني هل أنت أمي ؟
و أجبته بنظرات مبتسمة " لست أمك " و لكني سأكون ، رغم أنه من الجنون أن أكون أمك ، و الجنون في ذلك ؟
أهو الجنون لأنه في نظر الناس كذلك ؟ أم أنه الجنون لأن الطبيعة لم تفرضه ؟
ليكن الجنون إذن ، فلا يهم ما دمت أملك قلبا يغدق الحب دون أن ينضب حنانه .
هكذا قلت له ، هو بالطبع لم يفهمني لكنه تنحنح قليلا ، و أطلق زفرات هي شبيهة بالعويل إلى حد ما ، هي ليست كذلك ، لكني أحسها سكينا يخرق صدري ، متاهات تتربع على عرشي ، و تنسيني ذاتي لأهيم وسط ضرب من الخيال لا حدود له و لا نهاية له ، خيال مستبد ، فضاء واسع هو ضرب من الجنون .
و تتالت الأيام لتجعل منا عاشقين هو و أنا ، فبات الحب أكبر منا ، و ألفته و ألفني و صار قطعة مني بل كلي الذي لا أستطيع الانفصال عنه .
ببراءته المعهودة كان يجري و يجري ، و يقفز هنا و هناك قلا يترك شبرا إلا و يضفي عليه لمسة من لمسات خطاه . هو كالطائر الحر يسبح في الفضاء الطلق ، هو كيأفوفة تزهو بأحلى الألوان ، هو كطاووس ينفخ ريشه يتباهى به .
هو كوردة نرجسية ناصع بياضها يلوح من بعيد ، يخطف الأنظار يزغللها ، يجعلها تعيش أجمل لحظات عمرها .
هكذا كان ، و هكذا أحببته و صرت كالعاشقة المجنونة ليس في عقلها سواه ، و لا تنطق شفتاها إلا باسمه ، و لا تنظر عيناها إلا لجماله ،
و لا يسبح خيالها إلا في فضائه البريء .
كنت حينما أفتح عيني أرى صورته أمامي فأهرع إليه أتفقده ، أضمه ، أطعمه كما لو كان فلذة كبدي . الكل من حولي مندهش ، فهذا أخي يوبخني لأني أهملت أوامره بعدما انشغلت برعاية ذاك الإبن على حد تعبير أمي ، و هذا ابن أخي الصغير يهددني بضربه إن لم أكف عن الاهتمام به و تحويل كل تلك الرعاية إليه ، و هذه زوجة أخي تلومني لأني أدخلته إلى بيتها . و الكل غاضب ، لا أدري لما ؟
ألأن الإنسانية عندي أكبر من أي شيء ؟ ألأن الحب في قلبي كبير جدا ؟ ألأني على خطأ و الكل على صواب ؟ ألأني مجنونة ؟
ربما في نظرهم هكذا بت أنا ، لماذا ؟ لا أدري .
في الحقيقة لا يهمني رأيهم مادمت أعلم جيدا أن الانسانية فوق كل اعتبار و أنها أجمل شيء في الوجود .
و توالى الزمن لتنتهي عطلة الصيف و أجبر على الرحيل ، لأعود من حيث أتيت ، لأنفصل من جديد عن عالم عشقته ، لأعود إلى عالم القلم و الدراسة .
ساعتها كنت مضطرة لأن أترك كل شيء ورائي حتى ذاك الذي أحببته ، و حانت ساعة الفراق ، لأخلفه وحيدا كما كان في أول حياته .
و في يوم ما ، يوم أعلن القدر فيه حكمه - و لا راد لحكم القدر - شيء لابد منه ، كان لابد منه ، و حدث فعلا لأنه من نسج القدر .
مات ذاك الذي أحسسته قطعة مني ، و ماتت معه الساعات و الدقائق . مات لأنه افتقد الانسانية .
هذه قصة جرو مسكين تركته أمه يصارع أنات الموت ، فتكفلت به ، و لما عدت للدراسة رايته في الحلم و قد أصبح لونه وديا و هو يمسك بطرف فستاني كأنه يترجاني لأبقى معه ، و بعد أيام سمعت أنه مات .
مات لأنه افتقد الرعاية .
وجدته و قد كان رضيعا ، هو لا ذنب له في الحياة سوى أنه موجود ، هو ما أراد أن يأتي لكنه مجبر ، قدر له أن يكون فكان ، و حينما كان كان وحيدا .
عالمه الضيق شبيه بنفق مظلم تمله حتى الخفافيش التي تعشق الظلام ، نهايته باتت مؤكدة .
هو يعلم ذلك لكنه لم يخش شيئا ، فلا الموت و لا الحياة يعنيان له الكثير ، لأنه - و بكل بساطة - لم يدرك معنى هذا الوجود ،
و كيف يدرك ؟
وحدته الشاحبة أكسبت وشاح الموت السواد القاتم ، و بعثرته من حوله فبات الجو كئيبا .
في ذاك الركن حيث وجدته لا يسمع سوى عويل الرياح و لا يرى سوى خيال القمر الشاحب . حزن أبدي يكتنف المكان ،
و ثورة عارمة من الأنين تكتسحه ، هكذا أحسست من الوهلة الأولى حينما وطأت قدماي تلك الزاوية المهجورة من زوايا الحوش القديم حيث كان يقطن جدي - رحمه الله - منذ سنين بعيدة هي أشبه بحبل طويل امتد مع امتداد الزمن .
حملته بلطف و كأني أخشى عليه من يدي المرتجفتين ، و بشيء من الحنان ضممته و تمسك بي و أبى التزحزح عني ، و كأنه كان ينتظر هذه اللحظة أعواما طويلة ... لحظة حنان هارب ماذاقه من قبل .
كان جميلا ودودا تحبه من أول نظرة ، عيناه الصغيرتان بحر حينما تنظر إليهما تحس بمرارة الألم القابع فيهما ، تحس بموجات التساؤل و هي تصارع الأفكار علها تصل إلى بر الأمان ، إلى إجابة مقنعة ترضي فضوله ، و تكبح فيه جماح الهدوء الثائر في آن واحد ..
و مع الهدوء و الثوران ألف فكرة تموج و تسبح ، و بين اللا و النعم ألف ربما تبحث عمن يتبناها و يقتل اليتم فيها .
عيناه دائريتان ، حينما تتغلغل نظراتك فيهما تنسى نفسك ، و تنسى أنك انسان ، تنسى بأنهم يقولون عنك أن لك عينان ...
و لا تذكر سوى أنك لا تملك مثل تينك العينين. عينان سيل البراءة يتدفق فيهما ليكون بحرا قطرة قطرة .
بحر لا يحس به سوى من كان انسانا حقا ، لا شبه انسان يحمل هذا اللقب بالوراثة أبا عن جد .
كلنا جئنا إلى هاته الحياة فوجدناه لصيقا بنا . و نحن صغارا لم نفهم كنهه و لم ندرك معناه الحقيقي ، و لما كبرنا و صرنا في نظر الصغار كبارا ظنننا أننا فهمناه و تعمقنا في فهمه ، فاصبحنا نتباهى به أمام الصغار ، و لا يخلو حديث لنا منه ، و صارت الانسانية صفقة مربحة لكل من أراد ركوب صهوة العالمية و الشهرة ، و في الحقيقة نحن عاجزون عن فهمه و فهم معناه الذي جيء من أجله ، و خلقنا من أجله ، فالانسانية شعور نبيل لا يحسه إلا من كان انسانا حقا .
و حملته و مشيت به مسافة غير بعيدة إلى البيت حيث كنت أقضي عطلة الصيف في مكان أعشقه لحد الموت ، و بين أحضان أحسها دما في عروقي . هي الطبيعة و لوحاتها الخلابة ، هي الأرض و السماء و الجنون الذي يكبلني حينما أكون في حضن الثرى أعيش لحظاتي حرة طليقة ، لا أعين البشر تراقبني و لا كلماتهم السم تعاتبني .
و كل شيء في نظري ناصع البياض ، فلا السواد يعميني و لا الأنات تبكيني ...و أعيش حرة .
حينما حملته كان يرتجف ، عروقه ترتجف ، دمه الفوار فشل في أن يدفىء جسده .. و حرارة الشمس أيضا فشلت ،
و فقط صدري استطاع ذلك فأدركت أن صدري يحمل سرا لا تحمله الطبيعة ، سرا لم يعد بالنسبة لي غامضا ، فقد أدركت أن ذاك هو الحنان ، الحنان كفيل بأن يذيب برودة الصقيع و أن يقتل غلاظة البشر ، و أن ينشر تباريح الهوى في كل مكان و أن....
أن يسرق الزمن و يينتفض و يثور على كل ما يبعث السواد .
و أحس المسكين بالدفء و ظنه - لسذاجته - دفء أمه . و لكن أمه عنه تخلت و رفعت رايات الهروب و قالت للطبيعة لا ، لا أريده ،
و آثرت الرحيل و الابتعاد تاركة إياه يصارع نوائب الزمن . هي ليست بأم لأنها فقدت طعم الأمومة و تخلت عن طبيعتها و باعت عواطفها مقابل هروب ساذج .
و ما العجيب في ذلك و نحن في زمن فقدنا فيه كل شيء حتى الاحساس بالآه ، بالألم ، بالحب ، بالوجود ...
في زمن ليس بالبعيد كان من المستحيل أن تتنكر الطبيعة لما خلقت لأجله ، و اليوم صار التخلي عن أشياء نحبها موضة نمشي عليها .
حملته و وسط لفافة وضعته ، سقيته ماءا باعتباره الوجود ، و ما ان شربه حتى رنت أجراس الحياة في عروقه ، و استفاق من دوامة الغثيان التي كان يتخبط فيها و ولت سكرات الموت أدراجها و أعلنت استسلامها ، فقد كان دافع الحياة أقوى .
رفع عينين يلفهما الحزن و رمقنيبنظرة شجينة و حدق في عيني طويلا و كأنه يسألني هل أنت أمي ؟
و أجبته بنظرات مبتسمة " لست أمك " و لكني سأكون ، رغم أنه من الجنون أن أكون أمك ، و الجنون في ذلك ؟
أهو الجنون لأنه في نظر الناس كذلك ؟ أم أنه الجنون لأن الطبيعة لم تفرضه ؟
ليكن الجنون إذن ، فلا يهم ما دمت أملك قلبا يغدق الحب دون أن ينضب حنانه .
هكذا قلت له ، هو بالطبع لم يفهمني لكنه تنحنح قليلا ، و أطلق زفرات هي شبيهة بالعويل إلى حد ما ، هي ليست كذلك ، لكني أحسها سكينا يخرق صدري ، متاهات تتربع على عرشي ، و تنسيني ذاتي لأهيم وسط ضرب من الخيال لا حدود له و لا نهاية له ، خيال مستبد ، فضاء واسع هو ضرب من الجنون .
و تتالت الأيام لتجعل منا عاشقين هو و أنا ، فبات الحب أكبر منا ، و ألفته و ألفني و صار قطعة مني بل كلي الذي لا أستطيع الانفصال عنه .
ببراءته المعهودة كان يجري و يجري ، و يقفز هنا و هناك قلا يترك شبرا إلا و يضفي عليه لمسة من لمسات خطاه . هو كالطائر الحر يسبح في الفضاء الطلق ، هو كيأفوفة تزهو بأحلى الألوان ، هو كطاووس ينفخ ريشه يتباهى به .
هو كوردة نرجسية ناصع بياضها يلوح من بعيد ، يخطف الأنظار يزغللها ، يجعلها تعيش أجمل لحظات عمرها .
هكذا كان ، و هكذا أحببته و صرت كالعاشقة المجنونة ليس في عقلها سواه ، و لا تنطق شفتاها إلا باسمه ، و لا تنظر عيناها إلا لجماله ،
و لا يسبح خيالها إلا في فضائه البريء .
كنت حينما أفتح عيني أرى صورته أمامي فأهرع إليه أتفقده ، أضمه ، أطعمه كما لو كان فلذة كبدي . الكل من حولي مندهش ، فهذا أخي يوبخني لأني أهملت أوامره بعدما انشغلت برعاية ذاك الإبن على حد تعبير أمي ، و هذا ابن أخي الصغير يهددني بضربه إن لم أكف عن الاهتمام به و تحويل كل تلك الرعاية إليه ، و هذه زوجة أخي تلومني لأني أدخلته إلى بيتها . و الكل غاضب ، لا أدري لما ؟
ألأن الإنسانية عندي أكبر من أي شيء ؟ ألأن الحب في قلبي كبير جدا ؟ ألأني على خطأ و الكل على صواب ؟ ألأني مجنونة ؟
ربما في نظرهم هكذا بت أنا ، لماذا ؟ لا أدري .
في الحقيقة لا يهمني رأيهم مادمت أعلم جيدا أن الانسانية فوق كل اعتبار و أنها أجمل شيء في الوجود .
و توالى الزمن لتنتهي عطلة الصيف و أجبر على الرحيل ، لأعود من حيث أتيت ، لأنفصل من جديد عن عالم عشقته ، لأعود إلى عالم القلم و الدراسة .
ساعتها كنت مضطرة لأن أترك كل شيء ورائي حتى ذاك الذي أحببته ، و حانت ساعة الفراق ، لأخلفه وحيدا كما كان في أول حياته .
و في يوم ما ، يوم أعلن القدر فيه حكمه - و لا راد لحكم القدر - شيء لابد منه ، كان لابد منه ، و حدث فعلا لأنه من نسج القدر .
مات ذاك الذي أحسسته قطعة مني ، و ماتت معه الساعات و الدقائق . مات لأنه افتقد الانسانية .
هذه قصة جرو مسكين تركته أمه يصارع أنات الموت ، فتكفلت به ، و لما عدت للدراسة رايته في الحلم و قد أصبح لونه وديا و هو يمسك بطرف فستاني كأنه يترجاني لأبقى معه ، و بعد أيام سمعت أنه مات .
مات لأنه افتقد الرعاية .