redhaDZ
2010-12-13, 01:06
بسم الله لرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمدا وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد
السلام عليكم ورحمة الله
فإننا في حياتنا نقرأ ونسمع كثيرا ويصادف ان نقع على اقوال و اشعار او قصصا عن السلف فيها سحرا من البيان يخطف الالباب ولذلك رايت ان انشئ موضوعا اسجل به بعضا مما مر بي سمعا او قراءة واتمنى ان يشاركنا الاخوة بما يرونه مناسبا مع الموضوع لنجعل منه مرجعا في إِدراكِ وتجميع أفضلَ المقولات في التراث العربي و الإسلامي مِن الماضي والحاضِر.
أبدأ على بركة الله بما تيسر على ان اضيف كلما وجدت من الوقت فسحة
أبو الأسود وزوجه
تخاصم أبو الأسود الدؤلي وطليقَتهُ في ابنٍ لهُما أرادَ أخذهُ منها، فتحاكما إلى زياد وهو وال بالبصرة. فقالت المرأة : أصلحَ الله الأمير، هذا ابني كان بطني وعاءَهُ، وحِجري فِناءَهُ وثَديي سِقاءَهُ، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل كذلك سبعة أعوام حتى كَمِلَتْ خِصالُه، واستوكَفَت أوصالُه، فحين أمِلتُ نَفعَهُ، ورجوتُ دَفعَهُ أرادَ أبوه أنْ يأخُذهُ مِنّي كرهًا. فقال أبو الأسود : أصلحك الله أيها الأمير، هذا ابني حملتُهُ قبلَ أن تَحمِله، ووضَعتُهُ قبل أنْ تَضَعَهُ، وأنا أقومُ عليه في أدبِه، وأنظرُ في أَوَدِه، أمنَحهُ حِلمي، وأُلهمهُ عِلمي، حتىّ تَحكَّمَ عَقلُهُ واستحكم فَتلُهُ. فقالت المرأة : لقد صدق، ولكنه حَمَلَهُ خِفّاً وحَمَلتُهُ ثِقلاً و وَضَعَهُ شَهوَةً و وَضَعتُهُ كُرهاً!
فقال زياد : والله وازَنتُ بين الحُجتين وقارَنتُ الدليل بالدليل فما وجدتُ لكَ عليها مِن سبيل وقضى به لها.
شِعرٌ أجوف بلا معنى
كتُبُ بعضُ الشعراءِ، أحياناً، شِعراً لا يُقدِّم ولا يؤخّر، ولا تَخرُجُ مِنه بِمَعلومَةٍ مُفيدة واحدة، وهذه الأبيات منها :
كأنّنا والماءُ مِن حَولِنا -- قَومٌ جُلوسٌ حَولهم ماءُ
الأرضُ أرضٌ والسَّماءُ سماءٌ -- والماءُ ماءٌ و الهَواءُ هواءُ
والماءُ قِيل بأنّهُ يَروي الظَما -- واللحمُ والخبزُ للسمينِ غِذاءُ
ويقال أنَّ الناسَ تَنطِقُ مِثلَنا -- أما الخِرافُ فَقَولُها مأماءُ
كُلُّ الرجالِ على العُمومِ مُذَكَّرٌ -- أما النِساءُ فُكُلّهن نِساءُ
الميمُ غَيرُ الجيمِ جاءَ مُصَحَفّا -- وإذا كُتِبَت الحاءُ فهي الحاءُ
مالي أرى الثُقَلاء تُكرهُ دائماً -- لا شَكَّ عِندي أَنّهم ثُقلاءُ
آدابُ المُضيف
مِن آدابِ المُضيف أن يَخدم أضيافه ويُظهِرُ لهم الغِنى وبَسط الوَجه، فقد قيل البشاشةُ في الوجهِ خَيرٌ مِن القِرى (الطعام) قالوا فكيف بِمَن يأتي بِها وهو ضاحك. وقد ضمن الشيخ شمس الدين البديوي هذا الكلام بأبيات فقال
إذا المرءُ وافى مَنزِلاً مِنك قاصدا -- قِراكَ وأرَمتَهُ لَدَيكَ المَسالِكُ
فَكُن باسِماً في وَجهِهِ مُتهَلِلاً -- وقُل مَرحباً أهلاً ويَومٌ مُبارك
وقَدّم لَه ما تستطيعُ مِن القِرى -- عَجولاً ولا تبخل بِما هو هالكُ
فقد قيل بَيتٌ سالِفٌ متقدم -- تداوله زيد وعمرو ومالك
بَشاشَةُ وَجهِ المرءِ خَيرٌ مِن القِرى -- فكيفَ بِمَن يأتي بِه وهو ضاحِكُ
ومن آداب المضيفِ أنْ يُحَدِّثَ أضيافَهُ بِما تَميلُ إليه نُفوسُهم ولا ينامُ قَبلَهُم ولا يشكو الزمانَ بِحُضورِهم ويَبِشُّ عِندَ قدومهم ويَتألّمُ عند وداعهم وأنْ لا يُحَدِّث بما يُرَوّعهم به. ويجب على المضيف أنْ يُراعي خواطر أضيافه كيفما أمكن ولا يغضب على أحدٍ بحضورهم ولا يُنغِصُ عَيشَهُم بِما يَكرَهونَهُ ولا يَعبِسُ بوجه ولا يُظهر نكدا ولا يَنهَرُ أحدا ولا يشتمه بحضرتهم بَل يُدخِلُ على قلوبِهم السرورَ بُكُلِّ ما أمكن. وعليه أنْ يَسهَرَ مع أضيافِه ويؤانِسُهُم بلذيذِ المحادثةِ وغَريب الحكايات وأنْ يَستَميلَ قُلوبَهم بالبذلِ لهم مِن غرائبِ الظُرَفِ إن كان مِن أهلِ ذلك وأنْ يُريَ أضيافه مكان الخلاء. ومِن السُّنّةِ أنْ يُشَيِّعَ المُضيفُ الضيفَ إلى بابِ الدارِ.
- مِن كتاب المستطرف في كل فن مستظرف (بتصرف)
رجاحة النساء
يُروى أنَّ الحارثَ بن عوف قال يوماً لخارجةَ بنُ سنان : أتراني أَخطُبُ إلى أَحَدٍ فَيَردّني؟ قال : نعم، قال: ومَن ذاك؟ قال : أوسُ بن حارثة الطائي. فقال اركب بنا إليه. فركبا حتى أتيا أوساً، فلما رأى الحارثَ بن عوف قال : مرحباً بك ياحارث، ثم قال : ماجاء بك! قال : جئتك خاطبا، قال : لَستَ هناك، (أي لن أُجيبَ طلبَك) فانصرف ولَم يُكَلّمُه. فدخل أوس على امرأتِه مُغضباً - وكانت من بني عبس - فقالت : مَن الرجلْ الذي وقفَ عليك فَلم يُطِل ولَم تكلمه؟ قال : ذاك سيد العرب الحارث بن عوف، قالت : فمالك لاتستنزله؟ (أي ما لك لم تدعه لينزل عندك وتقدم له واجب الضيافة؟) قال : إنه استحمق، قالت : وكيف؟ قال : جاءني خاطبا، قالت : أفتريد أن تُزَوِّج بناتك؟ قال : نعم، فقالت : فإذا لم تُزَوِّج سيدَ العرب فمن؟ قال قد كان ذلك، قالت : فتدارك ماكان مِنكَ، قال : بماذا؟ قالت : تلحقه فتردّه قال :كيف وقد فرط مني مافرط إليه؟ فقالت : تقول له : إنك لقيتني مُقتضباً بأمر لم يتقدم مني فيه قول، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ماسمعت، فارجع ولك ماعندي كل ما أحببت! فركب أوس في أثرهما، قال خارجة بن سنان : فوالله إنا لنسير إذ حانت مني التفاتة فرأيته فقلت للحارث، وهو ما يكلمني غمّا، هذا أوس في أثرنا فقال ما أصنع به؟ فلما رآنا لا نقف قال يا حارث اربِع علي فوقفنا له وكلمه بذلك الكلام فرجع مسروراً. قال خارجة بن سنان فبلغني أن أوسا لما رجع ودخل على زوجته قال لها : ادعي لي فلانة - لأكبر بناته- فأتتهُ فقال :يابُنية، هذا الحارث بن عوف من سادة العرب، قد جاءني خاطباً، وقد أردتُ أن أزوجك منه، فماذا تقولين؟ قالت : لاتفعل، قال : ولم؟ قالت : لأن في خُلُقي رَداءة وفي لِساني حِدَّة، ولَستُ بابنةِ عمّه فّيّرعى رحمي، ولا هو بجارك فيستحي منك، ولاآمنُ أن يَرى مِنّي مايكره فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك مافيه، قال :قومي بارك الله فيك، ثم دعا بابنته الوسطى فقال لها ماقال لأختها فأجابته بمثل جوابها وعددت عيوبها فقال قال قومي بارك الله فيك، ثم دعا بالثالثة، وكانت أصغرهن سنا، فقال لها مثل ما قال لأختيها ولم يذكر لها مقالتهما فقالت: إني والله الجميلة وجهاً، الصناع يداً، الرفيعة خلقاً، الحسنة رأياً، الحسيبة أباً، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه بخير، فقال : بارك الله فيك. ثم خرج إليه فقال زوجتك يا حارث بابنتي هئيسة، قال قد قبلت نكاحها، وأمَرَ أُمَّها أنْ تُهيئها له وتُصلحُ شأنها ثم أَمر ببيتٍ فُضرب له وأنزله إياه. قال خارجة : فلما دخل عليها لَبِثَ هُنيهةً ثم خرج، فقلت له أفرغت من شأنك(أبنيت بأهلك)؟ فال لا والله، قلت له ولم؟ قال لما مددت يدي إليها قالت : مُه! أعند أبي وإخوتي؟ هذا والله لايكون. ثم أرتحلنا بها فسرنا ماشاءالله ثم انتحى بها ناحية، ولم يلبث أن عاد إليّ، فقلت : أفرغت من شأنك؟ قال لا والله فقد قالت:أكما يُفعل بالأمة الجلبة؟والسبية الأخيذة؟ لا والله حتى تُنحَرُ الجُزر (الجمال) وتذبح الغنم وتدعو العرب وتعمل ما يَعمَلُ مِثلُكَ لمثلي، قلت : والله إني لأرى همة وعقلاً، فقال صدقت و أرجو الله أنْ تكون المرأة النجيبة، فرحلنا حتى وردنا إلى بلادنا فأحضر الأبل والغنم، ونحر و أولم، ثم دخل عليها ولم يلبث أن خرج، فقلت : أفرغت من شأنك؟ قال لا والله فقد قلت لها : أحضرت من المال ما قد تريدين، فقالت : والله لقد ذُكِرتَ لي مِن الشرف مالا أراه فيك. فقلت لها : وكيف؟ قالت : أتستفرغُ لنكاح النساء والعربُ يَقتُلَ بعضها بعضا؟ وكان ذلك في أيام حرب عبس وذبيان قلت : فماذا تقولين؟ قالت : أخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم أرجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد. قال خارجة : والله إني لأرى همة وعقلاً، قال:فاخرج بنا، فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيهم بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحسبوا القتلى ثم تؤخذ الدية فحملنا عنهم الديّات، فكانت ثلاثة الآف بعير، فانصرفنا بأجمل ذكر. ثم دخل عليها فقالت أما الآن فنعم؛ فأقامت عنده في ألذ عيش وأطيبه وولدت له بنين وبنات وكان من أمرهما ما كان والله أعلم بالصواب.
- من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف.
عجائب طب الإفرنج
من عجائب طب الإفرنج أن صاحب المُنَيْطِرَة (وهو منهم) كتب إلى عمّي يطلب منه إنفاذَ طبيبٍ يداوي مرضى من أصحابه. فأرسل إليه طبيبًا نصرانيًا يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد. فقلنا له: ما أسرعَ ما داويتَ المرضى! قال: أَحْضَروا عندي فارسا قد طلعتْ في رجله دُمّلة، وامرأةً قد لحقها نشاف (مرض عقلي) فعملت للفارس لُبيخة. ففتحتُ الدّمّلة وصَلُحَت. وحميتُ المرأةَ ورطبتُ مزاجَها.
فجاءهم طبيبٌ إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئًا (يقصد بذلك الطبيب العربي النصراني)، يداويهم؟ وقال للفارس: أيّما أحبُّ إليك: تعيشُ برجلٍ واحدة، أو تموتُ برجلين؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: أحضروا لي فارسًا قويًا وفأسًا قاطعًا. فحضر الفارسُ والفأسُ وأنا حاضر. فحطّ ساقه على قرمة خشب، وقال للفارس: أضرِب رجلَه بالفأس ضربةً واحدة تقطعُها. فضربه، وأنا أراه، ضربًة واحدة. فما انقطعت. فضربه ضربةً ثانية فسال مخُّ الساق ومات من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطانٌ قد عشقها. احلقوا شعرَها! فحلقوه. وعادت تأكل من مآكلهم الثومَ والخَرْدَل، فزاد بها النّشاف. فقال: الشيطانُ قد دخل في رأسها. فأخذ الموسى، وشق رأسها صليبًا وسلخ وسطَه حتى ظهر عظمُ الرأس، وحكّه بالمِلح فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليّ حاجة؟ قالوا: لا.
ويقول الطبيب العربي، فجئتُ وقد تعلمتُ من طبّهم ما لم أكن أعرفُه!
- من كتاب الاعتبار لمؤلفه أسامة بن منقذ المتوفى سنة 1188 ميلادية.
الحجاج في النار
حَلَف رجلٌ بالطّلاق أنَّ الحجّاج بن يوسف في النّار. فقيل له: "سَلْ عن يمينك وعمّا إذا كانت امرأتُك تجوزُ لك". فأتى أيوب السِّخْتِيَاني الزّاهد، فأخبره. فقال له: لستُ أُفتى في هذا بشيء، يغفرُ الله لمن يشاء. فأتى شيخَ المعتزلة عمرو بن عُبيد، فأخبره، فقال: تَمسَّك بامرأتِك، فإن الحجّاجَ إنْ لَم يَكُن مِن أهلِ النار فلَيس يَضُرُّكَ أنْ تَزْنِي!
شجاعةٌ ودهاء
كان لعبد الله بن الزبير أرض قريبة من أرض لمعاوية، فيها عبيد له من الزنوج يعمرونها، فدخلوا في أرض عبد الله، فكتب إلى معاوية: أما بعد، فإنه يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي، وإلا كان لي ولك شأن. فلما وقف معاوية على الكتاب، دفعه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه، قال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تـُنفذ إليه جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه، فقال: يا بني، عندي خير من ذلك، عليّ بدواة وقرطاس، وكتب: وقفت على كتابك يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساءني والله ما ساءك، والدنيا هينة عندي في جنب رضاك، وقد كتبت على نفسي رقماً بالأرض والعبيد، وأشهدت عليّ فيه، ولتُضف الأرض إلى أرضك، والعبيد إلى عبيدك والسلام. فلما وقف عبد الله على كتاب معاوية، كتب إليه: وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، فلا عدم الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام. فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله، رماه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه اصفر وجهه، فقال له معاوية: يا بني. إذا رُميت بهذا الداء، فداوه بهذا الدواء.
سِتّونَ عاماً ما بِكُم خجلُ؟
إن سار أهلي فالدهرُ يتّبع -- يشهدُ أحوالهم ويستمعُ
يأخذ عنهم فن البقاء فقد -- زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يقول لهم -- بأنهم مهزومون ما اقتنعوا
يسيرُ إن ساروا في مظاهرةٍ في الخلف فيه الفضول والجزعُ
يكتب في دفتر طريقتهم -- لعله بالدروس ينتفعُ
لو صادف الجمعُ الجيشَ يقصده -- فإنه نحو الجيش يندفعُ
فيرجع الجند خطوتين فقط -- ولكن القصد أنهم رجعوا
أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ -- والقوم عزلٌ والجيش مدّرع
ويصبح الغازُ فوقهم قطعاً -- أو السما فوقه هي القطعُ
وتُطلب الريح وهي نادرةٌ -- ليست بماءٍ لكنها جرعُ
ثم تراهم من تحتها انتشروا -- كزئبقٍ في الدخان يلتمعُ
لكي يضلوا الرصاص بينهمو -- تكاد منه السقوف تنخلعُ
حتى تجلّت عنهم وأوجههم -- زهر ووجه الزمان منتقعُ
كأن شمساً أعطت لهم عِدَةً -- أن يطلع الصبح حيثما طلعوا
تعرف أسمائهم بأعينهم -- تنكروا باللثام أو خلعوا
ودار مقلاع الطفل في يده -- دورة صوفي مسّه ولعُ
يعلمُ الدهر أن يدور على -- من ظن أن القوي يمتنعُ
وكل طفل في كفه حجرٌ -- ملخّص فيه السهل واليفعُ
جبالهم في الأيدي مفرقةٌ -- وأمرهم في الجبال مجتمعُ
يأتون من كل قريةٍ زُمراً -- إلى طريقٍ لله ترتفعُ
تضيق بالناس الطرق إن كثرواوهذه بالزحام تتسعُ
إذا رأوها أمامهم فرحوا -- ولم يبالوا بأنها وجعُ
يبدون للموت أنه عبثٌ -- حتى لقد كاد الموت ينخدعُ
يقول للقوم وهو معتذرٌ -- مابيدي ماآتي وماأدعُ
يضل مستغفراً كذي ورعٍ -- ولم يكن من صفاته الورعُ
لو كان للموت أمره لغدت -- على سوانا طيوره تقعُ
أعدائنا خوفهم لهم مددٌ -- لو لم يخافوا الأقوام لانقطعوا
فخوفهم دينهم وديدنهم -- عليه من قبل يولدوا طُبعوا
قُل للعدا بعد كل معركةٍ -- جنودكم بالسلاح ماصنعوا
لقد عرفنا الغزاة قبلكمو -- ونُشهد الله فيكم البدعُ
ستون عاماً ومابكم خجــلٌ -- الموت فينا وفيكم الفزعُ
أخزاكم الله في الغزاة فما -- رأى الورى مثلكم ولاسمعوا
حين الشعوب انتقت أعاديها -- لم نشهد القرعة التي اقترعوا
لستم بأكفائنا لنكرهكم -- وفي عَداء الوضيع مايضعُ
لم نلقى من قبلكم وإن كثروا -- قوماً غزاةً إذا غزوا هلعوا
ونحن من هاهنا قد اختلفت -- قِدْماً علينا الأقوام والشيعُ
سيروا بها وانظروا مساجدها -- أعمامها أو أخوالها البِيَعُ
قومي ترى الطير في منازلهم -- تسير بالشرعة التي شرعوا
لم تُنبت الأرض القوم بل نبتت -- منهم بما شيّدوا ومازرعوا
كأنهم من غيومها انهمروا -- كأنهم من كهوفها نبعوا
والدهر لو سار القوم يتبع -- يشهد أحوالهم ويستمعُ
يأخد عنهم فن البقاء فقد -- زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يقول لهم -- بأنهم مهزومون مااقتنعوا
في ذم النحويين
مـاذا لقيت مـن المستعربين ومن *** قـياس قـولـهم هـذا الـذي ابتدعوا
إن قلت قـافـية بـِكـرًا يكـون لـهـا *** معـنى يخالف مـا قالوا وما رضوا
قالوا لحنتَ وهـذا الحرف منخفض *** وذاك نصب وهذا الشيء يرتفـعُ
تكـلُّـف لا تـزال النـفس في تـعب *** مـنه ومــا فـيه إن حـصَّـلت مـنـتفـعُ
كــم بـين قــوم قـد احتالوا لمنطقهم *** وبيـن قــوم على إعـرابه طبعـوا
عمارة الكلبي
فصاحة العبيد
حُكي أن الحجاج اشترى غلامين احدهما أسود والثاني أبيض فقال لهما: كل واحد يمدح نفسه ويذم صديقه فأنشد الأسود:
ألم تر أن المسك لا شيء مثله ** وأن بيـاض اللفت حـمل بـدرهم
وأن سواد العين لا شك نورها ** وأن بياض العين لا شيء فاعلم
وقال الأبيض:
ألم تر أن البدر لا شيء مثله ** وأن سواد الفحم حمل بدرهم
وأن رجال الله بيض وجوههم ** ولا شك أن السود أهل جهنم
أســفـي عــلى مجد الـعـروبـة ولـى
أســفـي عــلى مجد الـعـروبـة ولـى ** كـــنا وكــنا والـحـصيــلـة ذلا
رانـت قــلوب الـقـــوم أنّـا يـفـقـهوا ** إن الدعاء سيغضب المـحتـلا
جـوبوا الشوارع واحرقوا أعلامهم ** إن الـنـفـوس بحـرقها تتســلى
صعدوا السماء ونحن نلعب بالثرى ** هـيـهات من يعلو كمن يتـدلى
بـالعلم كـم صرحآ إلى الجوزاء بنو ** وبنــفـطــنا أمــجـادهم تتـعلى
مـنا خُـلِـقـْتَ نـشـأتَ تـحـت رمـالنا ** يا نفط صوتي من عتابك ملا
قـــد صـيروك مَــدافــعا و قــنابــلآ ** أنــظر لــغزة هـل تشاهد ظلا
فــأجـابني أنـتم أضـعـتـم عـــزّكـــم ** وقــلوبـكم نـحو الـخَـنَا تتولى
هــــذي نــهــــايــة أمـــة نـــدابــــة ** بـين الــركـام هـوانـهـا يتجلى
مــــن عـــاش مـرتـديـا عباءة جـده ** يهوى عسى ويحب قول لعلا
قــد قـــالها الــفــاروق يـقتـل عـزنا ** يــومآ بـه عــن ديـننا نتخـلى
يتبع ان شاء الله.
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمدا وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد
السلام عليكم ورحمة الله
فإننا في حياتنا نقرأ ونسمع كثيرا ويصادف ان نقع على اقوال و اشعار او قصصا عن السلف فيها سحرا من البيان يخطف الالباب ولذلك رايت ان انشئ موضوعا اسجل به بعضا مما مر بي سمعا او قراءة واتمنى ان يشاركنا الاخوة بما يرونه مناسبا مع الموضوع لنجعل منه مرجعا في إِدراكِ وتجميع أفضلَ المقولات في التراث العربي و الإسلامي مِن الماضي والحاضِر.
أبدأ على بركة الله بما تيسر على ان اضيف كلما وجدت من الوقت فسحة
أبو الأسود وزوجه
تخاصم أبو الأسود الدؤلي وطليقَتهُ في ابنٍ لهُما أرادَ أخذهُ منها، فتحاكما إلى زياد وهو وال بالبصرة. فقالت المرأة : أصلحَ الله الأمير، هذا ابني كان بطني وعاءَهُ، وحِجري فِناءَهُ وثَديي سِقاءَهُ، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل كذلك سبعة أعوام حتى كَمِلَتْ خِصالُه، واستوكَفَت أوصالُه، فحين أمِلتُ نَفعَهُ، ورجوتُ دَفعَهُ أرادَ أبوه أنْ يأخُذهُ مِنّي كرهًا. فقال أبو الأسود : أصلحك الله أيها الأمير، هذا ابني حملتُهُ قبلَ أن تَحمِله، ووضَعتُهُ قبل أنْ تَضَعَهُ، وأنا أقومُ عليه في أدبِه، وأنظرُ في أَوَدِه، أمنَحهُ حِلمي، وأُلهمهُ عِلمي، حتىّ تَحكَّمَ عَقلُهُ واستحكم فَتلُهُ. فقالت المرأة : لقد صدق، ولكنه حَمَلَهُ خِفّاً وحَمَلتُهُ ثِقلاً و وَضَعَهُ شَهوَةً و وَضَعتُهُ كُرهاً!
فقال زياد : والله وازَنتُ بين الحُجتين وقارَنتُ الدليل بالدليل فما وجدتُ لكَ عليها مِن سبيل وقضى به لها.
شِعرٌ أجوف بلا معنى
كتُبُ بعضُ الشعراءِ، أحياناً، شِعراً لا يُقدِّم ولا يؤخّر، ولا تَخرُجُ مِنه بِمَعلومَةٍ مُفيدة واحدة، وهذه الأبيات منها :
كأنّنا والماءُ مِن حَولِنا -- قَومٌ جُلوسٌ حَولهم ماءُ
الأرضُ أرضٌ والسَّماءُ سماءٌ -- والماءُ ماءٌ و الهَواءُ هواءُ
والماءُ قِيل بأنّهُ يَروي الظَما -- واللحمُ والخبزُ للسمينِ غِذاءُ
ويقال أنَّ الناسَ تَنطِقُ مِثلَنا -- أما الخِرافُ فَقَولُها مأماءُ
كُلُّ الرجالِ على العُمومِ مُذَكَّرٌ -- أما النِساءُ فُكُلّهن نِساءُ
الميمُ غَيرُ الجيمِ جاءَ مُصَحَفّا -- وإذا كُتِبَت الحاءُ فهي الحاءُ
مالي أرى الثُقَلاء تُكرهُ دائماً -- لا شَكَّ عِندي أَنّهم ثُقلاءُ
آدابُ المُضيف
مِن آدابِ المُضيف أن يَخدم أضيافه ويُظهِرُ لهم الغِنى وبَسط الوَجه، فقد قيل البشاشةُ في الوجهِ خَيرٌ مِن القِرى (الطعام) قالوا فكيف بِمَن يأتي بِها وهو ضاحك. وقد ضمن الشيخ شمس الدين البديوي هذا الكلام بأبيات فقال
إذا المرءُ وافى مَنزِلاً مِنك قاصدا -- قِراكَ وأرَمتَهُ لَدَيكَ المَسالِكُ
فَكُن باسِماً في وَجهِهِ مُتهَلِلاً -- وقُل مَرحباً أهلاً ويَومٌ مُبارك
وقَدّم لَه ما تستطيعُ مِن القِرى -- عَجولاً ولا تبخل بِما هو هالكُ
فقد قيل بَيتٌ سالِفٌ متقدم -- تداوله زيد وعمرو ومالك
بَشاشَةُ وَجهِ المرءِ خَيرٌ مِن القِرى -- فكيفَ بِمَن يأتي بِه وهو ضاحِكُ
ومن آداب المضيفِ أنْ يُحَدِّثَ أضيافَهُ بِما تَميلُ إليه نُفوسُهم ولا ينامُ قَبلَهُم ولا يشكو الزمانَ بِحُضورِهم ويَبِشُّ عِندَ قدومهم ويَتألّمُ عند وداعهم وأنْ لا يُحَدِّث بما يُرَوّعهم به. ويجب على المضيف أنْ يُراعي خواطر أضيافه كيفما أمكن ولا يغضب على أحدٍ بحضورهم ولا يُنغِصُ عَيشَهُم بِما يَكرَهونَهُ ولا يَعبِسُ بوجه ولا يُظهر نكدا ولا يَنهَرُ أحدا ولا يشتمه بحضرتهم بَل يُدخِلُ على قلوبِهم السرورَ بُكُلِّ ما أمكن. وعليه أنْ يَسهَرَ مع أضيافِه ويؤانِسُهُم بلذيذِ المحادثةِ وغَريب الحكايات وأنْ يَستَميلَ قُلوبَهم بالبذلِ لهم مِن غرائبِ الظُرَفِ إن كان مِن أهلِ ذلك وأنْ يُريَ أضيافه مكان الخلاء. ومِن السُّنّةِ أنْ يُشَيِّعَ المُضيفُ الضيفَ إلى بابِ الدارِ.
- مِن كتاب المستطرف في كل فن مستظرف (بتصرف)
رجاحة النساء
يُروى أنَّ الحارثَ بن عوف قال يوماً لخارجةَ بنُ سنان : أتراني أَخطُبُ إلى أَحَدٍ فَيَردّني؟ قال : نعم، قال: ومَن ذاك؟ قال : أوسُ بن حارثة الطائي. فقال اركب بنا إليه. فركبا حتى أتيا أوساً، فلما رأى الحارثَ بن عوف قال : مرحباً بك ياحارث، ثم قال : ماجاء بك! قال : جئتك خاطبا، قال : لَستَ هناك، (أي لن أُجيبَ طلبَك) فانصرف ولَم يُكَلّمُه. فدخل أوس على امرأتِه مُغضباً - وكانت من بني عبس - فقالت : مَن الرجلْ الذي وقفَ عليك فَلم يُطِل ولَم تكلمه؟ قال : ذاك سيد العرب الحارث بن عوف، قالت : فمالك لاتستنزله؟ (أي ما لك لم تدعه لينزل عندك وتقدم له واجب الضيافة؟) قال : إنه استحمق، قالت : وكيف؟ قال : جاءني خاطبا، قالت : أفتريد أن تُزَوِّج بناتك؟ قال : نعم، فقالت : فإذا لم تُزَوِّج سيدَ العرب فمن؟ قال قد كان ذلك، قالت : فتدارك ماكان مِنكَ، قال : بماذا؟ قالت : تلحقه فتردّه قال :كيف وقد فرط مني مافرط إليه؟ فقالت : تقول له : إنك لقيتني مُقتضباً بأمر لم يتقدم مني فيه قول، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ماسمعت، فارجع ولك ماعندي كل ما أحببت! فركب أوس في أثرهما، قال خارجة بن سنان : فوالله إنا لنسير إذ حانت مني التفاتة فرأيته فقلت للحارث، وهو ما يكلمني غمّا، هذا أوس في أثرنا فقال ما أصنع به؟ فلما رآنا لا نقف قال يا حارث اربِع علي فوقفنا له وكلمه بذلك الكلام فرجع مسروراً. قال خارجة بن سنان فبلغني أن أوسا لما رجع ودخل على زوجته قال لها : ادعي لي فلانة - لأكبر بناته- فأتتهُ فقال :يابُنية، هذا الحارث بن عوف من سادة العرب، قد جاءني خاطباً، وقد أردتُ أن أزوجك منه، فماذا تقولين؟ قالت : لاتفعل، قال : ولم؟ قالت : لأن في خُلُقي رَداءة وفي لِساني حِدَّة، ولَستُ بابنةِ عمّه فّيّرعى رحمي، ولا هو بجارك فيستحي منك، ولاآمنُ أن يَرى مِنّي مايكره فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك مافيه، قال :قومي بارك الله فيك، ثم دعا بابنته الوسطى فقال لها ماقال لأختها فأجابته بمثل جوابها وعددت عيوبها فقال قال قومي بارك الله فيك، ثم دعا بالثالثة، وكانت أصغرهن سنا، فقال لها مثل ما قال لأختيها ولم يذكر لها مقالتهما فقالت: إني والله الجميلة وجهاً، الصناع يداً، الرفيعة خلقاً، الحسنة رأياً، الحسيبة أباً، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه بخير، فقال : بارك الله فيك. ثم خرج إليه فقال زوجتك يا حارث بابنتي هئيسة، قال قد قبلت نكاحها، وأمَرَ أُمَّها أنْ تُهيئها له وتُصلحُ شأنها ثم أَمر ببيتٍ فُضرب له وأنزله إياه. قال خارجة : فلما دخل عليها لَبِثَ هُنيهةً ثم خرج، فقلت له أفرغت من شأنك(أبنيت بأهلك)؟ فال لا والله، قلت له ولم؟ قال لما مددت يدي إليها قالت : مُه! أعند أبي وإخوتي؟ هذا والله لايكون. ثم أرتحلنا بها فسرنا ماشاءالله ثم انتحى بها ناحية، ولم يلبث أن عاد إليّ، فقلت : أفرغت من شأنك؟ قال لا والله فقد قالت:أكما يُفعل بالأمة الجلبة؟والسبية الأخيذة؟ لا والله حتى تُنحَرُ الجُزر (الجمال) وتذبح الغنم وتدعو العرب وتعمل ما يَعمَلُ مِثلُكَ لمثلي، قلت : والله إني لأرى همة وعقلاً، فقال صدقت و أرجو الله أنْ تكون المرأة النجيبة، فرحلنا حتى وردنا إلى بلادنا فأحضر الأبل والغنم، ونحر و أولم، ثم دخل عليها ولم يلبث أن خرج، فقلت : أفرغت من شأنك؟ قال لا والله فقد قلت لها : أحضرت من المال ما قد تريدين، فقالت : والله لقد ذُكِرتَ لي مِن الشرف مالا أراه فيك. فقلت لها : وكيف؟ قالت : أتستفرغُ لنكاح النساء والعربُ يَقتُلَ بعضها بعضا؟ وكان ذلك في أيام حرب عبس وذبيان قلت : فماذا تقولين؟ قالت : أخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم أرجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد. قال خارجة : والله إني لأرى همة وعقلاً، قال:فاخرج بنا، فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيهم بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحسبوا القتلى ثم تؤخذ الدية فحملنا عنهم الديّات، فكانت ثلاثة الآف بعير، فانصرفنا بأجمل ذكر. ثم دخل عليها فقالت أما الآن فنعم؛ فأقامت عنده في ألذ عيش وأطيبه وولدت له بنين وبنات وكان من أمرهما ما كان والله أعلم بالصواب.
- من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف.
عجائب طب الإفرنج
من عجائب طب الإفرنج أن صاحب المُنَيْطِرَة (وهو منهم) كتب إلى عمّي يطلب منه إنفاذَ طبيبٍ يداوي مرضى من أصحابه. فأرسل إليه طبيبًا نصرانيًا يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد. فقلنا له: ما أسرعَ ما داويتَ المرضى! قال: أَحْضَروا عندي فارسا قد طلعتْ في رجله دُمّلة، وامرأةً قد لحقها نشاف (مرض عقلي) فعملت للفارس لُبيخة. ففتحتُ الدّمّلة وصَلُحَت. وحميتُ المرأةَ ورطبتُ مزاجَها.
فجاءهم طبيبٌ إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئًا (يقصد بذلك الطبيب العربي النصراني)، يداويهم؟ وقال للفارس: أيّما أحبُّ إليك: تعيشُ برجلٍ واحدة، أو تموتُ برجلين؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: أحضروا لي فارسًا قويًا وفأسًا قاطعًا. فحضر الفارسُ والفأسُ وأنا حاضر. فحطّ ساقه على قرمة خشب، وقال للفارس: أضرِب رجلَه بالفأس ضربةً واحدة تقطعُها. فضربه، وأنا أراه، ضربًة واحدة. فما انقطعت. فضربه ضربةً ثانية فسال مخُّ الساق ومات من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطانٌ قد عشقها. احلقوا شعرَها! فحلقوه. وعادت تأكل من مآكلهم الثومَ والخَرْدَل، فزاد بها النّشاف. فقال: الشيطانُ قد دخل في رأسها. فأخذ الموسى، وشق رأسها صليبًا وسلخ وسطَه حتى ظهر عظمُ الرأس، وحكّه بالمِلح فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليّ حاجة؟ قالوا: لا.
ويقول الطبيب العربي، فجئتُ وقد تعلمتُ من طبّهم ما لم أكن أعرفُه!
- من كتاب الاعتبار لمؤلفه أسامة بن منقذ المتوفى سنة 1188 ميلادية.
الحجاج في النار
حَلَف رجلٌ بالطّلاق أنَّ الحجّاج بن يوسف في النّار. فقيل له: "سَلْ عن يمينك وعمّا إذا كانت امرأتُك تجوزُ لك". فأتى أيوب السِّخْتِيَاني الزّاهد، فأخبره. فقال له: لستُ أُفتى في هذا بشيء، يغفرُ الله لمن يشاء. فأتى شيخَ المعتزلة عمرو بن عُبيد، فأخبره، فقال: تَمسَّك بامرأتِك، فإن الحجّاجَ إنْ لَم يَكُن مِن أهلِ النار فلَيس يَضُرُّكَ أنْ تَزْنِي!
شجاعةٌ ودهاء
كان لعبد الله بن الزبير أرض قريبة من أرض لمعاوية، فيها عبيد له من الزنوج يعمرونها، فدخلوا في أرض عبد الله، فكتب إلى معاوية: أما بعد، فإنه يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي، وإلا كان لي ولك شأن. فلما وقف معاوية على الكتاب، دفعه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه، قال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تـُنفذ إليه جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه، فقال: يا بني، عندي خير من ذلك، عليّ بدواة وقرطاس، وكتب: وقفت على كتابك يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساءني والله ما ساءك، والدنيا هينة عندي في جنب رضاك، وقد كتبت على نفسي رقماً بالأرض والعبيد، وأشهدت عليّ فيه، ولتُضف الأرض إلى أرضك، والعبيد إلى عبيدك والسلام. فلما وقف عبد الله على كتاب معاوية، كتب إليه: وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، فلا عدم الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام. فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله، رماه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه اصفر وجهه، فقال له معاوية: يا بني. إذا رُميت بهذا الداء، فداوه بهذا الدواء.
سِتّونَ عاماً ما بِكُم خجلُ؟
إن سار أهلي فالدهرُ يتّبع -- يشهدُ أحوالهم ويستمعُ
يأخذ عنهم فن البقاء فقد -- زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يقول لهم -- بأنهم مهزومون ما اقتنعوا
يسيرُ إن ساروا في مظاهرةٍ في الخلف فيه الفضول والجزعُ
يكتب في دفتر طريقتهم -- لعله بالدروس ينتفعُ
لو صادف الجمعُ الجيشَ يقصده -- فإنه نحو الجيش يندفعُ
فيرجع الجند خطوتين فقط -- ولكن القصد أنهم رجعوا
أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ -- والقوم عزلٌ والجيش مدّرع
ويصبح الغازُ فوقهم قطعاً -- أو السما فوقه هي القطعُ
وتُطلب الريح وهي نادرةٌ -- ليست بماءٍ لكنها جرعُ
ثم تراهم من تحتها انتشروا -- كزئبقٍ في الدخان يلتمعُ
لكي يضلوا الرصاص بينهمو -- تكاد منه السقوف تنخلعُ
حتى تجلّت عنهم وأوجههم -- زهر ووجه الزمان منتقعُ
كأن شمساً أعطت لهم عِدَةً -- أن يطلع الصبح حيثما طلعوا
تعرف أسمائهم بأعينهم -- تنكروا باللثام أو خلعوا
ودار مقلاع الطفل في يده -- دورة صوفي مسّه ولعُ
يعلمُ الدهر أن يدور على -- من ظن أن القوي يمتنعُ
وكل طفل في كفه حجرٌ -- ملخّص فيه السهل واليفعُ
جبالهم في الأيدي مفرقةٌ -- وأمرهم في الجبال مجتمعُ
يأتون من كل قريةٍ زُمراً -- إلى طريقٍ لله ترتفعُ
تضيق بالناس الطرق إن كثرواوهذه بالزحام تتسعُ
إذا رأوها أمامهم فرحوا -- ولم يبالوا بأنها وجعُ
يبدون للموت أنه عبثٌ -- حتى لقد كاد الموت ينخدعُ
يقول للقوم وهو معتذرٌ -- مابيدي ماآتي وماأدعُ
يضل مستغفراً كذي ورعٍ -- ولم يكن من صفاته الورعُ
لو كان للموت أمره لغدت -- على سوانا طيوره تقعُ
أعدائنا خوفهم لهم مددٌ -- لو لم يخافوا الأقوام لانقطعوا
فخوفهم دينهم وديدنهم -- عليه من قبل يولدوا طُبعوا
قُل للعدا بعد كل معركةٍ -- جنودكم بالسلاح ماصنعوا
لقد عرفنا الغزاة قبلكمو -- ونُشهد الله فيكم البدعُ
ستون عاماً ومابكم خجــلٌ -- الموت فينا وفيكم الفزعُ
أخزاكم الله في الغزاة فما -- رأى الورى مثلكم ولاسمعوا
حين الشعوب انتقت أعاديها -- لم نشهد القرعة التي اقترعوا
لستم بأكفائنا لنكرهكم -- وفي عَداء الوضيع مايضعُ
لم نلقى من قبلكم وإن كثروا -- قوماً غزاةً إذا غزوا هلعوا
ونحن من هاهنا قد اختلفت -- قِدْماً علينا الأقوام والشيعُ
سيروا بها وانظروا مساجدها -- أعمامها أو أخوالها البِيَعُ
قومي ترى الطير في منازلهم -- تسير بالشرعة التي شرعوا
لم تُنبت الأرض القوم بل نبتت -- منهم بما شيّدوا ومازرعوا
كأنهم من غيومها انهمروا -- كأنهم من كهوفها نبعوا
والدهر لو سار القوم يتبع -- يشهد أحوالهم ويستمعُ
يأخد عنهم فن البقاء فقد -- زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يقول لهم -- بأنهم مهزومون مااقتنعوا
في ذم النحويين
مـاذا لقيت مـن المستعربين ومن *** قـياس قـولـهم هـذا الـذي ابتدعوا
إن قلت قـافـية بـِكـرًا يكـون لـهـا *** معـنى يخالف مـا قالوا وما رضوا
قالوا لحنتَ وهـذا الحرف منخفض *** وذاك نصب وهذا الشيء يرتفـعُ
تكـلُّـف لا تـزال النـفس في تـعب *** مـنه ومــا فـيه إن حـصَّـلت مـنـتفـعُ
كــم بـين قــوم قـد احتالوا لمنطقهم *** وبيـن قــوم على إعـرابه طبعـوا
عمارة الكلبي
فصاحة العبيد
حُكي أن الحجاج اشترى غلامين احدهما أسود والثاني أبيض فقال لهما: كل واحد يمدح نفسه ويذم صديقه فأنشد الأسود:
ألم تر أن المسك لا شيء مثله ** وأن بيـاض اللفت حـمل بـدرهم
وأن سواد العين لا شك نورها ** وأن بياض العين لا شيء فاعلم
وقال الأبيض:
ألم تر أن البدر لا شيء مثله ** وأن سواد الفحم حمل بدرهم
وأن رجال الله بيض وجوههم ** ولا شك أن السود أهل جهنم
أســفـي عــلى مجد الـعـروبـة ولـى
أســفـي عــلى مجد الـعـروبـة ولـى ** كـــنا وكــنا والـحـصيــلـة ذلا
رانـت قــلوب الـقـــوم أنّـا يـفـقـهوا ** إن الدعاء سيغضب المـحتـلا
جـوبوا الشوارع واحرقوا أعلامهم ** إن الـنـفـوس بحـرقها تتســلى
صعدوا السماء ونحن نلعب بالثرى ** هـيـهات من يعلو كمن يتـدلى
بـالعلم كـم صرحآ إلى الجوزاء بنو ** وبنــفـطــنا أمــجـادهم تتـعلى
مـنا خُـلِـقـْتَ نـشـأتَ تـحـت رمـالنا ** يا نفط صوتي من عتابك ملا
قـــد صـيروك مَــدافــعا و قــنابــلآ ** أنــظر لــغزة هـل تشاهد ظلا
فــأجـابني أنـتم أضـعـتـم عـــزّكـــم ** وقــلوبـكم نـحو الـخَـنَا تتولى
هــــذي نــهــــايــة أمـــة نـــدابــــة ** بـين الــركـام هـوانـهـا يتجلى
مــــن عـــاش مـرتـديـا عباءة جـده ** يهوى عسى ويحب قول لعلا
قــد قـــالها الــفــاروق يـقتـل عـزنا ** يــومآ بـه عــن ديـننا نتخـلى
يتبع ان شاء الله.