dragon_fort
2010-12-10, 19:39
]ويكيليكس ابين شجاعة الغربي و خوف العربي (منقول بتصرف[/color])
'ويكيليكس' هذا فضح الدنيا. لم يترك واحدا إلا عرّاه. أصبح المرء يخشى أن ينهض ذات صباح فيجد اسمه في فضيحة من الفضائح تتداوله الصحف والفضائيات. يدفعني هذا الى مراجعة ذاكرتي، أين ذهبت ومن التقيت وماذا قلت! انظروا الى هؤلاء الأمريكيين، تتعشى مع أحدهم فيبعث بك مذكرة.. لا تغسل يديك قبل الأكل.. تأكل كثيرا من الخبز.. تخاف من السمنة فتحتاط من الحلويات.. تفضل النبيذ الأبيض على الأحمر.. فاكهتك المفضلة هي السفرجل وغيره.
ومرة أخرى، لسبب ما، كان العرب هم البطل الرئيسي في هذا المسلسل المتواصل. هم والأمريكيون، لكن مع فرق أن الأمريكيين أصحاب شفافية وشجاعة: تورطوا في ألاعيب قذرة وانفضحوا، فلم يجدوا حرجا في الاعتراف والاعتذار. تذكروا أنتم هل اعترف حاكم من حكامكم بشيء (دعكم من الاعتذار).
لقد قلتها مرارا هنا، الإعلام العربي، والتلفزيونات بالخصوص، هي أدوات حكم قبل أي شيء آخر، مثلها مثل السجون ومخافر الشرطة وثكنات الجيش والمحاكم والإدارات، لذا لا غرابة أن تتطابق حركاتها وسكناتها مع تلك التي تبدر من الحكام. والدليل الأقوى الآخر (غير الأخير) رأيناه في ملسلسل 'ويكيليكس'. من جهة كانت الفضائح والأسرار المكشوف عنها أكبر من أن يتجاهلها هذا الإعلام، ومن جهة ثانية كان فيها من الحرج للأسياد وأصحاب الجلالات والفخامات والسمو ما يجعل من المستحيل أن تنقلها وتستغلها تلفزيوناتهم كاملة وبتجرد. من هنا اهتدت هذه التلفزيونات الى صيغة 'ويل للمصلين..' أو 'لا تقربوا الصلاة..'.
وعليه، كان لزاما عليك إذا أردت البحث عن نصيب السعودية ـ مثلا ـ في المسلسل، أن تتجه الى قناة 'العالم'. وإذا كنت مهتما بنصيب إيران فعليك بـ'العربية'. وإذا كنت مهتما بنصيب الجزائر فعليك بالتلفزيونات المغربية (عذرا التلفزيون الجزائري لم يسمع بعد بشيء اسمه 'ويكيليكس'). وإذا كنت مهتما بنصيب أمريكا فعليك بهم جميعا (مع مراعاة الواجب القومي المتمثل في الإبقاء على كل ما لا يهم الناس). وإذا لم تكن مهتما بأي من أبطال المسلسل فعليك بـ'تونس7'.. وهكذا.
1
كنت أحاول أن أتابع اهتمام قناة 'العربية' بالموضوع باعتبارها 'مصدرا آخر' أو مكملا، كون كل الحلقات في صيغتها العربية مبتورة من فصل أو باب. عليك أن تأخذ القطع منفصلة ثم تركبها واحدة واحدة مثل لعب اختبار ذكاء الأطفال.
في نشرة أخبار مساء الأحد أعدت زميلتنا غير الدائمة بهذه الزاوية ميساء آق بيق (يبدو أنه اسم تركي ويعني الشنب الأبيض ـ يجب أن نسأل مهند أو نور!)، تقريرا عن مسلسل 'ويكيليكس' وقادة العالم فأخذتنا في جولة مفيدة وسريعة حول اوروبا وأمريكا في حوالي دقيقة ونصف الدقيقة. كنا مثل نحلة لا تحط إلا لتطير، فعرفنا أن ساركوزي نزق وبرلسكوني ضعيف جسديا وبوتين عصبي وميركل تفتقد للخيال.. وغيرها من الأوصاف المنسوبة لهؤلاء الجبابرة.
انتهت الجولة وعدنا الى نقطة الانطلاق فاكتشف المشاهد العربي المسكين، مثل طفل سرعان ما ينتهي وقته في المرجوحة، أنه حُرم من 'طلة' على حكومته وحكومات الجيران والأشقاء. لا خبر ولا كلمة عن الملوك والرؤساء العرب، رغم أنهم أبطال رئيسيون في المسلسل.
وكي يتحقق العدل فضلت 'العربية' أن تشملهم جميعا بكرمها، ولا حرف عن أي حاكم عربي حفاظا على تماسك الصف العربي، وتشجيعا للعمل العربي المشترك من أجل دعم القضايا ذات الاهتمام المشترك!
ثم جاءت السُنّة الحميدة، بعد نهاية الجولة السياحية، المتمثلة في 'معنا الآن من العاصمة كذا الخبير الهمام فلان بن فلان'. أحد الضيفين كان سفير لبنان السابق في واشنطن، ولكم أنتم أن تتخيلوا نقاشا يجتمع فيه حذر دبلوماسي من سفير متقاعد وحذر قناة تلفزية تصر على أن يشمل كرمها بالذات الذين يريد المشاهد وينتظر أن يعرف عن فصولهم أقل الممكن.
لنقل أكلة بدون بهارات، وفوق ذلك نسي الشيف أن يضع كمية الملح المطلوبة.
حطولنا شوية ملح المرة الجاية رجاءً!
2
سيناريو مشابه تكرر في 'ميدي1 تي في' المغربية سهرة الأحد أيضا. قدّم مذيع مسكين للخبر قائلا: 'في هذه النشرة أيضا، ويكيليكس يكشف عن فساد وهيمنة القوى الأمنية وانتشار الفقر والاضطرابات الاجتماعية بالجزائر'. واوو.. كنت سأقوم فعدت واستويت في جلوسي. بذلت جهدا كي أبقى مع القناة حتى لا يفوتني هذا الخبر في زحمة الأخبار الأخرى في القنوات الأخرى.
ثم جاء التقرير وإذا به لا شيء، سطحي صورة ونصا، كأن صاحبته أعدته مرغمة أو 'من فوق القلب'، كما يقول الجزائريون. كانت 80 في المئة من الصور من الأرشيف لمؤسسي 'ويكيليكس' يقدمون وثائق في مؤتمرات صحافية سابقة. وكان النص تكرارا لتفاصيل عن واقع اجتماعي مر في الجزائر يعرفه الجزائريون قبل وأكثر من غيرهم وتنشره الصحف يوميا بالتفصيل الممل.
باختصار لا جديد أبدا، ليس من 'ويكيليكس' بل من 'ميدي1 تي في' التي عجزت عن التقاط ما يخدم موقفها من الجزائر ويؤلم الحكام الجزائريين، لأن 'ويكيليكس' نشرت وثائق عن الجزائر تستحق فعلا التوقف عندها.. لكن في 'ميدي1 تي في' هذاك واش خبزت!
أيقنت بعد انتهاء الخبر أن الجماعة في 'ميدي1 تي في' ما زالوا في 'العيون' مكانك تراوح!
هل ضروري الاشارة الى أن ما ورد في مسلسل 'ويكيليكس' عن المغرب لم يُذكر منه حرف في 'ميدي1 تي في'، رغم أن صحف الرباط نشرت الكثير منه؟ طبعا لا لوم ولا عتب، نفهم ونلتمس الأعذار، فكل الناس بيوتها من زجاج. إنما جميل أن يتحرر المرء من 'العيون'، وأن يكون مثل عمر: إذا ضرب أوجع وإذا مشى أسرع وإذا نطق أسمع.
3
حالة من الاستغراب وحتى التشفي من مثل 'قلنا لكم' سادت عندما نشرت 'الغارديان' البريطانية يوم الاثنين أن دولة قطر تستعمل قناة 'الجزيرة' سلاحا في مفاوضاتها. غرقت مواقع النت في بحر من التعليقات تمحورت أغلبها حول 'ورقة التوت' وكأن أصحابها كانوا في انتظار من يؤكد شكوكهم.
ويبدو أن أغلب الذين تعاطوا مع هذا الموضوع في الجهة العربية، لجأوا هم أيضا الى 'ويل للمصلين' في الاقتباس والسرد، وإلا كيف تنقل 'الجزيرة' ذاتها في المساء 'الذين هم عن صلاتهم ساهون'، أي اقتباسات مكملة لما تداوله الآخرون في النهار، وبالخصوص تلك المحادثة المنسوبة الى وزير خارجية قطر والرئيس المصري بشأن القناة ومفاوضات الفلسطينيين. قلت لكم إننا أمام لعب اختبار ذكاء الأطفال.
الأهم من كل هذا أن خيبة أمل فئات من الناس وتشفي فئات أخرى، في غير محلهما. هل كنا نحتاج الى 'ويكيليكس' ليقول لنا إن 'الجزيرة' سلاح في يد الحكومة القطرية؟ ألم نمضِ السنوات الماضية نسمع ونقرأ عن احتجاجات الحكومات العربية لدى قطر بسبب هذه القناة؟ ألم نكتشف ونسمع ونقرأ أن القناة توقفت عن ذم السعودية بعد مصالحة بين قادة البلدين؟ ألم نلاحظ أن برامج مشهورة مثل 'الاتجاه المعاكس' أصبحت معوّمة وعامة، ما أن يهمّ ضيف بنطق اسم أو سرد واقعة حتى يضع فيصل القاسم يده في فمه (الضيف) مستعجلا الكلام: ما بدّي أسماء.. ما بدّي أسامي، خلينا في العموم؟
بصراحة، ومن دون تملق، أمير قطر معه حق! الرجل يقود دولة لا وجود لها في خريطة منطقة موبوءة وملتهبة بسبب وبدون سبب. من حقه أن يحمي نفسه وبلده. وحدث أن اختار سلاحا اسمه 'الجزيرة'. قادة آخرون يملكون تلفزيونات تسبب البله، ورغم ذلك لا يتورعون عن استعمالها كلٌ على طريقته، واحد ضد شعبه، الآخر ضد جيرانه والثالث لصالح أصهاره وأولاده.. إلخ. إذن، لماذا يلام من يملك سلاحا اسمه 'الجزيرة'؟ (أنا لو كان لي مثل هذا السلاح لابتززت به الأموات والأحياء من هؤلاء الحكام العرب الكسيحين وجبت أجلهم واحدا واحدا).
والأسوا من كل شيء هؤلاء الحكام الذين تهتز عروشهم ببرنامج في قناة تلفزيونية (بدل أن ينشئوا مثلها يطالبون بإغلاقها). لماذا يشتكي من 'الجزيرة' القادة العرب وأمريكا دون بقية العالم؟ ببساطة لأن الذي في بطنه تبن يخاف من النار.
كنت سأستغرب لو جاء في 'ويكيليكس' أن دولة قطر لم تستعمل 'الجزيرة' بأي شكل، ولم تستفد منها في علاقاتها الدولية.
يا جماعة، كل ما في الأمر أن تريبات 'ويكيليكس' أكدت شكوكا وتكهنات موجودة وكثيرا ما وظفها خصوم 'الجزيرة'. أما الذين خاب ظنهم في 'قناتهم' فليبحثوا عن أنفسهم في خانة من التصنيفات الآتية: سطحيون، حالمون، طيبون أكثر من اللازم، سذج.
'ويكيليكس' هذا فضح الدنيا. لم يترك واحدا إلا عرّاه. أصبح المرء يخشى أن ينهض ذات صباح فيجد اسمه في فضيحة من الفضائح تتداوله الصحف والفضائيات. يدفعني هذا الى مراجعة ذاكرتي، أين ذهبت ومن التقيت وماذا قلت! انظروا الى هؤلاء الأمريكيين، تتعشى مع أحدهم فيبعث بك مذكرة.. لا تغسل يديك قبل الأكل.. تأكل كثيرا من الخبز.. تخاف من السمنة فتحتاط من الحلويات.. تفضل النبيذ الأبيض على الأحمر.. فاكهتك المفضلة هي السفرجل وغيره.
ومرة أخرى، لسبب ما، كان العرب هم البطل الرئيسي في هذا المسلسل المتواصل. هم والأمريكيون، لكن مع فرق أن الأمريكيين أصحاب شفافية وشجاعة: تورطوا في ألاعيب قذرة وانفضحوا، فلم يجدوا حرجا في الاعتراف والاعتذار. تذكروا أنتم هل اعترف حاكم من حكامكم بشيء (دعكم من الاعتذار).
لقد قلتها مرارا هنا، الإعلام العربي، والتلفزيونات بالخصوص، هي أدوات حكم قبل أي شيء آخر، مثلها مثل السجون ومخافر الشرطة وثكنات الجيش والمحاكم والإدارات، لذا لا غرابة أن تتطابق حركاتها وسكناتها مع تلك التي تبدر من الحكام. والدليل الأقوى الآخر (غير الأخير) رأيناه في ملسلسل 'ويكيليكس'. من جهة كانت الفضائح والأسرار المكشوف عنها أكبر من أن يتجاهلها هذا الإعلام، ومن جهة ثانية كان فيها من الحرج للأسياد وأصحاب الجلالات والفخامات والسمو ما يجعل من المستحيل أن تنقلها وتستغلها تلفزيوناتهم كاملة وبتجرد. من هنا اهتدت هذه التلفزيونات الى صيغة 'ويل للمصلين..' أو 'لا تقربوا الصلاة..'.
وعليه، كان لزاما عليك إذا أردت البحث عن نصيب السعودية ـ مثلا ـ في المسلسل، أن تتجه الى قناة 'العالم'. وإذا كنت مهتما بنصيب إيران فعليك بـ'العربية'. وإذا كنت مهتما بنصيب الجزائر فعليك بالتلفزيونات المغربية (عذرا التلفزيون الجزائري لم يسمع بعد بشيء اسمه 'ويكيليكس'). وإذا كنت مهتما بنصيب أمريكا فعليك بهم جميعا (مع مراعاة الواجب القومي المتمثل في الإبقاء على كل ما لا يهم الناس). وإذا لم تكن مهتما بأي من أبطال المسلسل فعليك بـ'تونس7'.. وهكذا.
1
كنت أحاول أن أتابع اهتمام قناة 'العربية' بالموضوع باعتبارها 'مصدرا آخر' أو مكملا، كون كل الحلقات في صيغتها العربية مبتورة من فصل أو باب. عليك أن تأخذ القطع منفصلة ثم تركبها واحدة واحدة مثل لعب اختبار ذكاء الأطفال.
في نشرة أخبار مساء الأحد أعدت زميلتنا غير الدائمة بهذه الزاوية ميساء آق بيق (يبدو أنه اسم تركي ويعني الشنب الأبيض ـ يجب أن نسأل مهند أو نور!)، تقريرا عن مسلسل 'ويكيليكس' وقادة العالم فأخذتنا في جولة مفيدة وسريعة حول اوروبا وأمريكا في حوالي دقيقة ونصف الدقيقة. كنا مثل نحلة لا تحط إلا لتطير، فعرفنا أن ساركوزي نزق وبرلسكوني ضعيف جسديا وبوتين عصبي وميركل تفتقد للخيال.. وغيرها من الأوصاف المنسوبة لهؤلاء الجبابرة.
انتهت الجولة وعدنا الى نقطة الانطلاق فاكتشف المشاهد العربي المسكين، مثل طفل سرعان ما ينتهي وقته في المرجوحة، أنه حُرم من 'طلة' على حكومته وحكومات الجيران والأشقاء. لا خبر ولا كلمة عن الملوك والرؤساء العرب، رغم أنهم أبطال رئيسيون في المسلسل.
وكي يتحقق العدل فضلت 'العربية' أن تشملهم جميعا بكرمها، ولا حرف عن أي حاكم عربي حفاظا على تماسك الصف العربي، وتشجيعا للعمل العربي المشترك من أجل دعم القضايا ذات الاهتمام المشترك!
ثم جاءت السُنّة الحميدة، بعد نهاية الجولة السياحية، المتمثلة في 'معنا الآن من العاصمة كذا الخبير الهمام فلان بن فلان'. أحد الضيفين كان سفير لبنان السابق في واشنطن، ولكم أنتم أن تتخيلوا نقاشا يجتمع فيه حذر دبلوماسي من سفير متقاعد وحذر قناة تلفزية تصر على أن يشمل كرمها بالذات الذين يريد المشاهد وينتظر أن يعرف عن فصولهم أقل الممكن.
لنقل أكلة بدون بهارات، وفوق ذلك نسي الشيف أن يضع كمية الملح المطلوبة.
حطولنا شوية ملح المرة الجاية رجاءً!
2
سيناريو مشابه تكرر في 'ميدي1 تي في' المغربية سهرة الأحد أيضا. قدّم مذيع مسكين للخبر قائلا: 'في هذه النشرة أيضا، ويكيليكس يكشف عن فساد وهيمنة القوى الأمنية وانتشار الفقر والاضطرابات الاجتماعية بالجزائر'. واوو.. كنت سأقوم فعدت واستويت في جلوسي. بذلت جهدا كي أبقى مع القناة حتى لا يفوتني هذا الخبر في زحمة الأخبار الأخرى في القنوات الأخرى.
ثم جاء التقرير وإذا به لا شيء، سطحي صورة ونصا، كأن صاحبته أعدته مرغمة أو 'من فوق القلب'، كما يقول الجزائريون. كانت 80 في المئة من الصور من الأرشيف لمؤسسي 'ويكيليكس' يقدمون وثائق في مؤتمرات صحافية سابقة. وكان النص تكرارا لتفاصيل عن واقع اجتماعي مر في الجزائر يعرفه الجزائريون قبل وأكثر من غيرهم وتنشره الصحف يوميا بالتفصيل الممل.
باختصار لا جديد أبدا، ليس من 'ويكيليكس' بل من 'ميدي1 تي في' التي عجزت عن التقاط ما يخدم موقفها من الجزائر ويؤلم الحكام الجزائريين، لأن 'ويكيليكس' نشرت وثائق عن الجزائر تستحق فعلا التوقف عندها.. لكن في 'ميدي1 تي في' هذاك واش خبزت!
أيقنت بعد انتهاء الخبر أن الجماعة في 'ميدي1 تي في' ما زالوا في 'العيون' مكانك تراوح!
هل ضروري الاشارة الى أن ما ورد في مسلسل 'ويكيليكس' عن المغرب لم يُذكر منه حرف في 'ميدي1 تي في'، رغم أن صحف الرباط نشرت الكثير منه؟ طبعا لا لوم ولا عتب، نفهم ونلتمس الأعذار، فكل الناس بيوتها من زجاج. إنما جميل أن يتحرر المرء من 'العيون'، وأن يكون مثل عمر: إذا ضرب أوجع وإذا مشى أسرع وإذا نطق أسمع.
3
حالة من الاستغراب وحتى التشفي من مثل 'قلنا لكم' سادت عندما نشرت 'الغارديان' البريطانية يوم الاثنين أن دولة قطر تستعمل قناة 'الجزيرة' سلاحا في مفاوضاتها. غرقت مواقع النت في بحر من التعليقات تمحورت أغلبها حول 'ورقة التوت' وكأن أصحابها كانوا في انتظار من يؤكد شكوكهم.
ويبدو أن أغلب الذين تعاطوا مع هذا الموضوع في الجهة العربية، لجأوا هم أيضا الى 'ويل للمصلين' في الاقتباس والسرد، وإلا كيف تنقل 'الجزيرة' ذاتها في المساء 'الذين هم عن صلاتهم ساهون'، أي اقتباسات مكملة لما تداوله الآخرون في النهار، وبالخصوص تلك المحادثة المنسوبة الى وزير خارجية قطر والرئيس المصري بشأن القناة ومفاوضات الفلسطينيين. قلت لكم إننا أمام لعب اختبار ذكاء الأطفال.
الأهم من كل هذا أن خيبة أمل فئات من الناس وتشفي فئات أخرى، في غير محلهما. هل كنا نحتاج الى 'ويكيليكس' ليقول لنا إن 'الجزيرة' سلاح في يد الحكومة القطرية؟ ألم نمضِ السنوات الماضية نسمع ونقرأ عن احتجاجات الحكومات العربية لدى قطر بسبب هذه القناة؟ ألم نكتشف ونسمع ونقرأ أن القناة توقفت عن ذم السعودية بعد مصالحة بين قادة البلدين؟ ألم نلاحظ أن برامج مشهورة مثل 'الاتجاه المعاكس' أصبحت معوّمة وعامة، ما أن يهمّ ضيف بنطق اسم أو سرد واقعة حتى يضع فيصل القاسم يده في فمه (الضيف) مستعجلا الكلام: ما بدّي أسماء.. ما بدّي أسامي، خلينا في العموم؟
بصراحة، ومن دون تملق، أمير قطر معه حق! الرجل يقود دولة لا وجود لها في خريطة منطقة موبوءة وملتهبة بسبب وبدون سبب. من حقه أن يحمي نفسه وبلده. وحدث أن اختار سلاحا اسمه 'الجزيرة'. قادة آخرون يملكون تلفزيونات تسبب البله، ورغم ذلك لا يتورعون عن استعمالها كلٌ على طريقته، واحد ضد شعبه، الآخر ضد جيرانه والثالث لصالح أصهاره وأولاده.. إلخ. إذن، لماذا يلام من يملك سلاحا اسمه 'الجزيرة'؟ (أنا لو كان لي مثل هذا السلاح لابتززت به الأموات والأحياء من هؤلاء الحكام العرب الكسيحين وجبت أجلهم واحدا واحدا).
والأسوا من كل شيء هؤلاء الحكام الذين تهتز عروشهم ببرنامج في قناة تلفزيونية (بدل أن ينشئوا مثلها يطالبون بإغلاقها). لماذا يشتكي من 'الجزيرة' القادة العرب وأمريكا دون بقية العالم؟ ببساطة لأن الذي في بطنه تبن يخاف من النار.
كنت سأستغرب لو جاء في 'ويكيليكس' أن دولة قطر لم تستعمل 'الجزيرة' بأي شكل، ولم تستفد منها في علاقاتها الدولية.
يا جماعة، كل ما في الأمر أن تريبات 'ويكيليكس' أكدت شكوكا وتكهنات موجودة وكثيرا ما وظفها خصوم 'الجزيرة'. أما الذين خاب ظنهم في 'قناتهم' فليبحثوا عن أنفسهم في خانة من التصنيفات الآتية: سطحيون، حالمون، طيبون أكثر من اللازم، سذج.