تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القدس عربية منذ خمسة آلاف عام


فارس المسيلي
2010-12-09, 15:41
القدس عربية منذ خمسة آلاف عام
في ضوء النصوص الكتابية والاكتشافات الأثرية

الدكتور شوقي شعث
دبي ـ الإمارات العربية المتحدة

مقدمة

القدس مدينة مقدسة عند أصحاب الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية. وهي بهذا تنفرد وتتميز عن غيرها من المدن المقدسة في العالم. هذه القدسية كانت وما زالت سبباً في الصراع بين أصحاب الديانات التوحيدية. وعليه لا توجد مدينة في الدنيا لقيت اهتماماً كمدينة القدس؛ إذ حظيت بدراسات وأبحاث متنوعة بلغت حداً لا يمكن تصوره في آلاف الكتب والدراسات والخرائط. قامت القدس في البدء على الطرف الجنوبي الشرقي من جبل موريا، ويبدو أن سكانها الأوائل اختاروا هذا الموقع، لكونه موقعاً محصناً من ثلاث جهات ولكونه يضم عدداً من عيون المياه، وهو شرط حيوي لقيام أي مستوطنة بشرية([1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)).
حملت القدس عبر تطورها التاريخي، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، عدة أسماء منها: أورشليم (وتعني مدينة السلام)، ويبوس نسبة إلى سكانها اليبوسيين الأوائل، والمدينة، وإيليا كابيتولينا، وإيليا، وبيت المقدس، والقدس الشريف، ودار السلام، والقدس([2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2)). ففي مطلع الألف الثاني قبل الميلاد ورد اسمها في نصوص "اللعنات المصرية" (Execration Text)([3] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn3)) باسم روشاليموم (Rushalimum)([4] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn4)) وورد اسمها في مراسلات تل العمارنة، التي عثر عليها في مصر إبان التنقيبات الأثرية، والتي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد باسم: أورشاليم (Urusalim)([5] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn5)). ونجدها في كتابات الملك الآشوري سنحاريب في القرن السابع قبل الميلاد ترد باسم أورشاليمو (Ursalimmu). وتأخذ في كتابات المؤرخين العرب المتأخرين عدة أسماء منها: يروسالم يروشالايم، ويبوس، وصهيون موريا، وإيليا، وبيت المقدس، والقدس، والقدس الشريف، والبلاط وغيرها.
أسس العموريون (أول القادمين من العرب القدماء إلى بلاد الشام) ([6] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn6)) واليبوسيُّون الذين هم فرع من العموريين ـ الكنعانيين، وسادت ثقافتهم وديانتهم ولغتهم وأشكال حياتهم. وحينذاك لم يكن للإسرائيليين وجود إلا في الروايات التوراتية التي تتحدث في وقت متأخر، في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، عن تاريخ القدس حيث تزعم أن داوود الملك أخذ المدينة عنوة من اليبوسيين؛ والثابت أن المدينة استعصت على المهاجمين ولم يتمكنوا إلا من أخذ الحصن الذي كان يعرف بحصن صهيون فقط([7] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn7))، وظلت المدينة بسكانها ومؤسساتها يبوسية، ولم يصلنا أي علم بهجرهم المدنية؛ إلا أن الزمن ساعد على فقد المدينة تحصيناتها وربما وقع سلم بين الطرفين، وتدعي روايات التوراة أن المدينة أصبحت يهودية وعاصمة لمملكة يهوذا؛ إلا أن ذلك إن وقع، لم يدم أكثر من سبعين عاماً فقط.


النصوص الكتابية والروايات التاريخية
أمدتنا التنقيبات الأثرية بنص أثري ورد فيه ذكر لبعض أسماء حكام مدينة القدس الأوائل، وهو من نصوص اللغات المصرية من بداية الألف الثاني قبل الميلاد، حيث ورد فيه اسمان لأميرين هما: ياقر عمو وساز عنو، وقام عالم الآثار واللغات القديمة الأستاذ أولبرايت بتحقيق هوية الاسمين فقال إنهما اسمان عموريان([8] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn8)). ويعتبر ذلك متوافقاً مع الأحداث التاريخية التي كانت سائدة؛ فقد كان سكان سوريا فلسطين في تلك الفترة من العموريين (العرب القدماء)، أي من سكان الجزيرة العربية القدماء. لقد بقى اسم العموريين متداولاً فترة طويلة من الزمن، وكانت اللغة السائدة آنذاك هي اللغة العمورية (الكنعانية). ويقول فيليب حتي حول الموضوع: »ما أن حل الألف الثاني قبل الميلاد حتى غدت سوريا الطبيعية عمورية بلغتها وسكانها وممالكها« ([9] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn9)).
وهناك اسم »ملكي صادق« الذي تربطه الروايات التاريخية بالقدس وإبراهيم، ويعني هذا أن »ملكي صادق« كان يعاصر إبراهيم، وهو دون شك اسم عموري([10] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn10)). واسم »عبدي حيبا« ملك القدس في فترة العمارنة (نصوص تل العمارنة) الذي كان ظاهرياً مخلصاً لفرعون مصر ورجلاً له في القدس. وهذا ما جعله ينجح في قتاله مع جيرانه في الجنوب اعتماداً على الدعم المصري له، هذه النجاحات جعلت عبدي حيبا في واجهة الأحداث. فنجد([11] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn11))»سوار داتا« من كيلتي (حربة كيلا في جنوب القدس)، يكتب إلى فرعون مصر شاكياً »لابايا من شكيم«: »استولى على المدن. لقد مات الآن لابايا، ولكن هناك عبدي حيبا آخر وهو يأخذ مدننا« ([12] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn12)). وفي "الكتاب المقدس" ورد اسمان لملكين هما »أدوني بازق«، ويعني سيدي هو بازق؛ و»أدوني صادق«، ويعني سيدي هو صادق. وهما ولاشك اسمان عموريان. وعليه، فإن الشعوب التي سكنت القدس في بداية عهدها كانت من العموريين([13] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn13)). ونحن نعرف أن العموريين ظهروا على مسرح الأحداث التاريخية في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد في سوريا وبلاد ما بين النهرين، خاصة في نصوص سلالة أور الثالثة. وقد أطلق عليهم السومريون اسم »مارتو«؛ أما الأكاديون، فقد أطلقوا عليهم »عمورو«، وتعني بلاد الغرب أو الغربيون([14] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn14)).
وتتحدث عالمة الآثار الإنجليزية السيدة كينيون أن شعباً جاء إلى فلسطين ابتداء من عام 2300 ق م هو العموريون، وكان شعباً بدوياً سرعان ما دخل المدن واستوطن فيها([15] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn15)) تبعه شعب آخر من الأرومة نفسها هو الشعب الكنعاني نحو عام 1900 ق م وساعد على إنعاش وتطوير الحياة في المدن الفلسطينية وتحدث باللغة العمورية ـ الكنعانية. بعد ذلك بزمن طويل، أي في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، جاءت أقوام بدوية عرفت بالعبرانيين توطنت على هامش المدن الفلسطينية وفي الريف وعاشت عمّالاً في تلك المدن، ولم تكن لديهم صناعة أو حضارة فاستعاروا عناصر الحضارة من سكان المدن الفلسطينية، أي من العموريين والكنعانيين. ومع الزمن ومن خلال التسلل الطويل، توصلوا إلى إقامة تنظيم شبه عشائري تحكمه التقاليد ببعض مناطق فلسطين، لم يستمر ذلك طويلاً وتلاشى واندثر ثم جاء الفرس والهلينسيون (الاسكندر والسلوقيون) والرومان ثم البيزنطيون، وأخيراً العرب المسلمون.

التنقيبات الأثرية بمدينة القدس([16] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn16))
في نهاية القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين الميلادي، حاول الصهاينة أو مؤيدوهم القيام ببعض أعمال كانت تهدف إلى تدمير الهوية التاريخية العربية للمدينة وحتى لفلسطين كلها، وكانت تلك الأعمال واضحة في أعمال التنقيب الأثري في القدس.
بدأت الاستكشافات والتقيبات الأثرية في فلسطين في وقت مبكر، وتركزت بشكل خاص في مدينة القدس من أجل تعرّف تاريخها وآثارها. فأول تنقيبات أثريبة قامت فيها كانت بين أعوام 1865 و1887 برعاية صندوق الاستكشاف البريطاني بإدارة وارين (Warren)([17] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn17))، ذلك الصندوق الذي كان قد تأسس لتوه عام 1865 م. لقد تمكن وارين عن طريق الأنفاق والقنوات أن يتعرف أسوار مدينة القدس القديمة، على حد قوله. استأنفت جمعية »صندوق الاستكشافات«، الذي ورد ذكره آنفاً، أعمال التنقيب الأثري في الفترة الواقعة بين 1894 و1897 بـإدارة بلس (F. S. Blis) وديكي (A. C. Dickie). وقد حاولا في تنقيباتهما تتبع الأسوار الجنوبية القديمة([18] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn18)).
وفي عامي 1909 و1911، قامت بعثة بريطانية بإدارة السيد ماكر (Marker). ومع أن الأهداف التي وضعتها البعثة كانت أهدافاً استعراضية أكثر منها علمية، فإنها تمكنت من تتبع الأنفاق والقنوات والفتحات في وادي قدرون المتصلة بنبع جيحون. وقد قام السيد ل. هـ. فانسان (L. H. Vincent) بنشر نتائج تلك البعثة. وبمعونة البارون إدموند روتشيلد اليهودي، قام السيد ر. فايل (R. Weill) بإجراء تنقيبات أثرية واسعة في الطرف الجنوبي من الهضبة. كما جرت تنقيبات أخرى في الفترة ما بين 1923 و1925 برعاية صندوق الاستكشافات أيضاً وبإدارة السيدين ر. أ. س. مكاليسستر R.A.S. Macalister)) ودونكان ( (J. C. Duncan، ثم بإدارة السيد كروفوت (J. W. Crowfoot) في الفترة ما بين 1927 و1929.
لقد نقب مكاليستر وزميله في قمة تلة الهضبة واكتشف أجزاء من دفاعات قوية في الطرف الشرقي كما قام كروفوت بالتنقيب في منطقة في السفح الغربي من الهضبة نفسها واكتشفت بوابة متصلة بدفاعات قوية([19] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn19)). إلى جانب تلك التنقيبات، كانت تنقيبات السيد جونز (C.N. Johns) في قلعة القدس بإشراف دائرة الآثار الفلسطينية في الفترة ما بين 1935 و1940.
وفي الفترة ما بين 1961 و1967 جرت تنقيبات أثرية بإدارة بعثة أثرية مشتركة مؤلفة من المدرسة البريطانية للآثار بالقدس وصندوق الاستكشافات البريطانية والأكاديمية البريطانية والمدرسة التوراتية الدومينكانية ومتحف أونتاريو الملكي الكندي بإدارة عالمة الآثار الإنجليزية كاثلين كينيون، كانت تلك التنقيبات الأثرية بالمدينة القديمة بالقرب من باب دمشق ومن السور الثالث (؟) وعلى جبل صهيون. وخلالها جرى فحص نتائج التنقيبات السابقة عن طريق تطبيق طرق ومناهج حديثة في التنقيب الأثري([20] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn20)). وفي هذه التنقيبات وغير بعيد عن موقف التنقيبات التي كان قد أجراها كروفوت (Crowfoot) عثرت كاثلين كينيون في عام 1963 على بيوت بيزنطية بنيت في المقالع الرومانية وخزانات المياه التي لها أدراج، وكانت تلك البيوت كبيرة ومبنية بشكل جيد([21] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn21)). هذا، وقد كان السيد ديمتري برامكة ـ عالم الآثار الفلسطيني ـ قد عثر على كنيسة صغيرة مرصوفة الأرضية بالفسيفساء في التنقيبات الأثرية التي أجراها عام 1937 باسم دائرة الآثار الفلسطينية بالقرب من السور الثالث. وقد بلغت أطوال هذه الكنيسة 1,6 × 3,5 م، وقد اعتبر المنقب الكنيسة تعود إلى العهد البيزنطي في القرن الخامس الميلادي([22] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn22)). كما أجرى جونز عام 1937 باسم دائرة الآثار الفلسطينية أيضاً عدة تنقيبات في عدة مواضع تعود إلى فترة سيطرة الإفرنج على القدس العربية منها تنقيبات في إحدى الكنائس بوادي قدرون وفي القلعة العربية التي أصبحت مقراً لحاكم القدس الإفرنجي. ومن الأماكن الأخرى التي تم تعرُّفها وتعود إلى الفترة نفسها كنيسة القديس أنسطاس وكنيسة صغيرة بجانب كنيسة القديس اسطفان([23] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn23)). وفي عامي 1956 و1962، قام الآباء البيض بالتنقيب الأثري في الأرض التي يملكونها بالحي الإسلامي بالمدينة القديمة بالقرب من كنيسة القديسة أنا (Anna) وعثروا على بعض اللقى التي تعود إلى العهد البيزنطي أيضاً([24] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn24)). هذا، إلى جانب الكثير من التنقيبات الأثرية التي قامت بها المؤسسات الدولية.

التنقيبات الأثرية الإسرائيلية بالقدس
بعد العدوان الإسرائيلي على القدس واغتصابها عام 1967، قامت السلطات الأثرية الإسرائيلية بإجراء تنقيبات أثرية في عام 1968 عند الجدار الجنوبي من المسجد الأقصى، مخالفة بذلك المواثيق والأعراف الدولية التي تنص على الامتناع عن قيام أيّ تنقيبات أثرية في المناطق المحتلة عسكرياً؛ كما قامت بعد ذلك بتوسيع تنقيباتها الأثرية لتشمل الجانب الغربي من السور بالقرب من القوس المعروف بقوس روبنسون. وقد تبين، نتيجة التنقيبات في الموسم الأول على طول الجدار الجنوبي، أنها آثار عربية إسلامية باكرة (من الأمويين حتى السلاجقة)، وقبله كان العصر البيزنطي، وقبله العصر الروماني. وعلى الرغم من أن المنقبين الإسرائيليين كانوا يحلمون بالعثور على آثار يهودية، فإن المكتشفات خيبت آمالهم؛ وكان أهمها المنشآت المعمارية الإسلامية الأموية في الزاوية الجنوبية الغربية من الحرم الشريف. فقد عثر هناك على ثلاثة أبنية ربما كانت قصوراً، لأنها تشبه القصور الأموية التي تنتشر في سوريا وفلسطين والأردن، وهي ذات أبراج مستديرة توضع في الزوايا. لقد تبين أن هذه القصور أعيد استخدامها مرة أخرى بعد ترميمها وتأهيلها للاستخدام الجديد للسكن بعد إعادة توضيبها في القرن التاسع، أي في العصر العباسي؛ إلا أنها تخربت في القرن الحادي عشر وأخذ الناس يستعملون حجارتها في بناء مساكنهم([25] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn25)).
وفي الفترة ما بين 1975 و1978 قامت السلطات الإسرائيلية بإجراء تنقيبات أثرية بالقلعة على طول السور الغربي، اكتشفت فيها قناة صرف على بعد 16 متراً من السور، وتبين أنها تنحدر نحو الغرب من نقطة تحت السور وقد بنيت جوانبها بالحجارة الغشيمة وغطيت برقائق حجرية ويبلغ طول القسم المكتشف من هذه القناة حوالي خمسة عشر متراً. وفي عام 1982 اكتشفت قسم جديد من تلك القناة إلى الشرق من سور المدينة. أما الجزء الذي يصل بين الجزءين المذكورين سابقاً، فهو ضيق يبلغ عمقه وعرضه حوالي 40 سم2.
وبإشراف الجامعة العبرية بالقدس ودعم من الجمعية المسماة جمعية مدينة داوود، جرت تنقيبات أثرية عام 1981 في محاولة لتعرُّف التوضعات السكنية في المدينة من العصر الحجري النحاسي (الكالكوليتي) إلى عام 70 م. ومن خلال تلك التنقيبات، عثر على تحصينات المدينة التي تعود إلى العصر البرونزي الوسيط، أي إلى الفترة اليبوسية([26] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn26)).
هذا، إلى جانب تنقيبات أثرية قامت بها سلطات الاحتلال في عامي 82 و83 في المدينة القديمة وفي جبل سكوبس وفي جبل صهيون وفي المناطق المجاورة لمدينة القدس في خربة عين التوت والعيساوية. وفي عامي 81 و82 جرى مسح أثري عثر فيه على حد زعمهم على ثمانية وثمانين موقعاً أثرياً تشمل مستوطنات ومعاصر زيت ومزارع مسورة وأبراج مراقبة ومدافن ومحاجر وأفران كلس وتوضعات زراعية وحمامات. هذا، إلى جانب أدوات ولقى تعود إلى عهود ما قبل التاريخ من الدور الموستيري والدور الحجري القديم الأعلى وبقايا أبنية وأدوات من عصر ما قبل الفخار النيوليتي. وإلى الجنوب من تل الفول التي تقع على الحدود الشرقية من المنطقة الممسوحة، وإلى الجنوب من خربة الصومعة، عثر على كسر فخارية وأدوات من العصر الكالكوليتي ـ الحجري النحاسي. لقد سبق أن تعرف الأب نصر الله هذا الموقع عام 1936، حيث جمع حوالي ثلاثة آلاف أداة صوانية من الثقافة الغسولية، وبالقرب منها عثر على بيوت شبه دائرية قال عنها السيد نصر الله إنها تعود إلى العصرين الميغاليتي (Megalithic) والكالكوليتي (Chalculithic)؛ كما عثر على بقايا من العصور البرونزية والحديدية والفترة الهلنيسية والبيزنطية([27] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn27)).
ويندرج تحت هذا الأمر النفق الذي حفرته السلطات الإسرائيلية تحت الحرم القدسي الشريف؛ فهو يخدم التنقيبات الأثرية وأهدافها وبعدها السياحة. وكذلك مشروع النفق المزمع إقامته بدءاً من ساحة البراق. أما الأهداف التي من أجلها قامت تلك التنقيبات، فهي عديدة ومتشعبة وتختلف باختلاف الأشخاص والمؤسسات والأهداف التي دفعتها للقيام بتلك التنقيبات الأثرية.
إن بقاء مدينة القدس الشريف حية على الدوام في أذهان أصحاب الديانات السماوية الثلاث هو الذي دفع البعض للقيام بإجراء دراسات ومسوح وتنقيبات أثرية هدفها تعرُّف تاريخ المدينة عبر العصور وأهميتها الروحية والاستراتيجية. لقد سعى المسلمون والمسيحيون واليهود على الدوام لزيارة بيت المقدس والتبرك بزيارة المقدسات هناك ومشاهدتها. وبسبب ذلك، جرى التنافس بين أصحاب الديانات الثلاث على امتلاك القدس الشريف، ذلك التنافس الذي بلغ حد الحرب، في حروب مشهورة في التاريخ. كيف لا ومن يملك القدس يملك أقدس بقعة في العالم؛ كما اتخذ التنافس مظاهر أخرى، منها التنقيبات الأثرية التي قام بها الصهاينة ولا يزالون يقومون بها في محاولة منهم لدعم نظرية الحق التاريخي المزعوم الذي ينادي به ساستهم في محاولة تثبيت شرعية الكيان!! إلا أنهم فشلوا حتى الآن في العثور على شواهد تؤيد ذلك. وقد تسببت هذه النظرية القصرية الصهيونية للتراث الحضاري في القدس خاصة، وفي فلسطين عامة، في تخريب كثير منه وفي اعتماد تفسيرات تاريخية خاصة.
واعتماداً على ما سبق عرضه من معلومات تاريخية وكتابية استقيت من المصادر التاريخية والتنقيبات الأثرية، نخلص إلى ما يلي:
1) إن القدس عربية النشأة والثقافة والسكان، أسسها وقام على تطويرها وتطوير مؤسساتها الثقافية والدينية العموريون والكنعانيون واليبوسيون، وهم من العرب القدماء الذين نزحوا من الجزيرة العربية أو من سورية. وهي لا تختلف في تطورها عن المدن السورية أو الفلسطينية الأخرى.
2) لم يسبق للعبريين أن أقاموا عاصمة خالصة بالقدس، حيث لم يثبت تاريخياً أنهم احتلوا القدس. تتحدث الروايات التاريخية عن احتلالهم لقلعة صهيون بالقدس فقط. وأكبر دليل على ذلك هو بقاء سكانها اليبوسيون فيها بكثافة في الأعمال التجارية أو في الجيش أو في المؤسسات الدينية. ويعني هذا أن المدينة ظلت عربية في مجتمعها وثقافتها ولغتها.
3) لم يتوصل المنقبون الأثريون إبان الحكم العثماني أو الانتداب البريطاني أو الاحتلال الإسرائيلي إلى العثور على بقايا عبرية خالصة. إلا أن كثيراً من تلك فسرت خطأ، وقد أظهر علماء الآثار المنهجيون بطلان تلك التفسيرات وخطأها.
4) إن أكثر المخلفات الحضارية الظاهرة في القدس الآن هي مخلفات حضارية عربية إسلامية ومسيحية مثل قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، إلى جانب ما في المدينة القديمة من خانات ومدارس وأسواق وجوامع وتكايا ومستشفيات وغيرها. وهذا يفسر سبب الهجمة الصهيونية على تغيير البيئة التاريخية للمدينة وطمس معالمها.
5) ثبت بالدليل التاريخي المؤكد أن العرب المسلمين حموا المقدسات الخاصة بدينهم وبالأديان الأخرى من العبث. وعليه، فمن حقهم استمرار هذه المهمة التاريخية، أي من حقهم الاستمرار في القيام بدورهم التاريخي في حماية المقدسات الدينية في مدينة القدس ودعوة العالم لتأييد ذلك الحق.
6) وحتى تظل القدس عربية إسلامية ومسيحية في بيئتها التاريخية، فإنه من الضروري تنشيط البحوث التاريخية والدراسات المعمارية التي كانت تقوم بها المؤسسات العربية والدولية، وتصحيح الأخطاء الفادحة التي وقعت.



المصادر والمراجع

أولاً: المراجع العربية والمعربة

أبو طالب، محمود، آثار الأردن وفلسطين في العصور القديمة. أضواء جديدة، عمان، 1978.
العابدي، محمود، الآثار الإسلامية في فلسطين والأردن، 1973.
العسلي، كامل (محرر)، القدس في التاريخ، عمان، 1973.
طومسون، توماس، التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي، تعريب صالح علي سوداح، بيروت، 1995.
حتي، فيليب، تاريخ سوريا وفلسطين ولبنان، ج 1: العموريون، مؤسسة فرانكلين ودار الطليعة، بيروت.
شعث شوقي، أضواء على الأبحاث الأثرية بفلسطين، الندوة العالمية الأولى للآثار الفلسطينية، المجلد 2، جامعة حلب، 1983.
الموسوعة الفلسطينية، القسم الأول مادة »آثار« ومادة »علماء الآثار« (شوقي شعث). القسم الثاني،قسم التاريخ، »القدس« (كامل العسلي).
هاليدار، ألفرد، العموريُّون من هم؟ وما هي مواطنهم؟، تعريب د. شوقي شعث، دمشق، 1993.

ثانياً: المصادر والمراجع الأجنبية

Kenyon, K. M., Archaeology in the Holyland, 1979.
- - , Digging up Jerusalem.
- - , Jerusalem Excavation, 3000 Years of History, London, 1967.
Yadin, Y. (ed) Jerusalem revealed.
Encyclopedia of Excavation, Vols. 1-4.
Moorey, Roger, Excavations in Palestine, 1981.
Warren, Memoirs of the Survey of Western Palestine (1867-1884).
- - , Underground Jerusalem.
Bliss, F. S. and Dickie, A. C., Excavations of Jerusalem (1894-1897).
Mazar. B., The Excavation in the Old Jerusalem Near the Temple Mount,
Jerusalem, 1971.
Ben Dou, M., The Area of the Temple Mount in the Islamic Period. The Omayyed Structures Near Al Haram Al-Sharif, 1971, I-I.
Encyclopedia of Excavation the Holyland, Oxford, 1975.
Excavations and Surveys, Vol. 1, 1982.


[/URL]([1]) القدس، المؤتمر الثالث لبلاد الشام (فلسطين)، ص. 225، 1983؛ الموسوعة الفلسطينية، القسم الأول، مادة »القدس«، ص. 508 ب.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) شوقي شعث، القدس الشريف، المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط، 1983، ص. 15.

([3]) وهي نصوص مصرية قديمة حيث كان ملوكهم يكتبون أسماء المدن أو الحكام التابعين أو المعادين لهم على تماثيل أو أوان، معتقدين أنهم إذا حطموا هذه التماثيل أو الأواني، حاق الشّرّ بالأشخاص أو الأشياء التي كتبت أسماؤهم عليها. فقد عثر عليها عام 1925 بمصر.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) شوقي شعث، المصدر السابق، ص. 15.

([5]) المصدر نفسه، ص. 17؛ إسحاق الحسيني، ص. 43؛ الأب مرمرجي، بلدانية فلسطين (1948)؛مادة »بيت القدس«، الموسوعة الفلسطينية، قسم 1، ص. 510 ب و ص. 1511.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref5)([6]) حول أصول العموريين ومواطنهم، انظر كتاب ألفرد هاليدارالذي عربه الدكتور شوقي شعث ونشرته دار الأبجدية بدمشق، 1993.

([7]) كامل العسلي (محرر)، القدس في التاريخ، ص. 19.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref7)([8]) المصدر نفسه، ص. 29.

([9]) فيليب حتي، تاريخ سوريا وفلسطين ولبنان، ج 1، مؤسسة فرانكلين، بيروت.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref9)([10]) كامل العسلي، المصدر السابق، ص. 29.

([11]) المصدر نفسه، ص. 29.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref11)([12]) المصدر نفسه. حيبا هو اسم لرب حوري، وهذا يدل على التأثير الحوري في المنطقة.

([13]) المصدر نفسه، ص. 30.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref13)([14]) المصدر نفسه؛ هاليدار، العموريون، ص. 3.

([15]) المصدر نفسه.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref15)([16]) للاطلاع على ما نشر حول التنقيبات الأثرية بالقدس، انظر ما نشر في كتاب الأمريكية E.K. Vogel المعنون Bibliography of Holyland Sites، خاصة الصفحات ما بين 44 و49، 1974.

([17]) نشر وارين نتائج أعماله البحثية التي بدأت في شباط 1867 واستمرت حتى عام 1880 في كتاب بعنوان Recovery of Jerusalem، ثم نشر كتاباً آخر بعنوان Underground Jerusalem، ولكن أهم كتاب نشر حول أعمال وارين كان الكتاب الذي نشر عام 1884 من قبل صندوق الاستكشاف بعنوان Memoirs of the Survey of Western Palestine.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref17)([18]) هناك بحث جيد حول صندوق الاستكشاف البريطاني ونشاطه بفلسطين قدمته الدكتورة خيرية قاسمية إلى المؤتمر الثالث لتاريخ بلاد الشام الذي عقد في رحاب الجامعة الأردنية ونشر بالمجلد الثاني "جغرافية فلسطين وحضارتها" من أعمال المؤتمر المذكور من ص. 393 إلى ص. 447.

([19]) انظر نتائج تلك التنقيبات في كتاب Excavation of Jerusalem (1894-1897).

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref19)([20]) Encyclopedia of Excavations in the Holyland, Vol. II, Oxford, pp. 591- 593
Yadin Y. (ed.)

([21]) Kathleen Kenyon, Digging up Jerusalem, 1967.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref21)([22]) Encyclopedia of Excavation, Oxford.

([23]) Ibid., p. 619.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref23)([24]) Ibid., p. 626.

([25])Encyclopedia Excavation, p. 612.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref25)([26]) B. Mazar, The Excavations in the Old City of Jerusalem Near the Temple Mount, Jerusalem, 1971, p. 1; and M. Bendou, The Area of the Temple Mount in
the Islamic Period, pp. 97-102;
العابدي محمود، الآثار الإسلامية في فلسطين والأردن، عمان، 1973، ص ص. 123 ـ 124.

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref27"]([27])Excavations and Surveys, Vol. I, pp. 49-66.

فارس المسيلي
2010-12-10, 20:31
http://www.arabsys.net/pic/thanx/10.gif

فريدرامي
2010-12-10, 21:51
بارك الله فيك وجزاك كل خير

fatimazahra2011
2010-12-16, 06:14
http://www.al-mhj.com/up/uploads/images/al-mhj-2fe0977445.gif

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatc67888cab2.gif


http://store2.up-00.com/May10/Cpq97973.gif

http://dc06.arabsh.com/i/00838/kvvw3txepjzm.gif

بنت جزائر العزة
2010-12-16, 22:37
بااااااااارك الله فيك أخي الكريم
جزاك الله ألف خير