عبدالمومن عبدالقدوس
2010-12-08, 16:49
المطلب الأول
تعريف الدّلالة وأقسامها
والحديث في هذا المطلب يمكن تقسيمه على النحو التالي :
1- تعريف الدّلالة لغةً .
2- تعريف الدّلالة اصطلاحاً .
3- أقسام الدّلالة .
4- أقسام الدّلالة الوضعيّة عند الحنفيّة .
5- تعريف الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة وأقسامها .
6- مذاهب الأصوليّين في لفظيّة دلالة التَّضَمُّن والالتزام .
ونُفَصِّل القول في كُلّ واحد منها فيما يلي ..
أوّلاً - تعريف الدّلالة لغةً :
والدّلالة : مَصْدَر " دَلّ يَدُلّ دلالةً " ؛ يقال " دَلّه على الطريق يَدُلّه دِلالةً ودَلالةً ودلولةً " والفتح أعلى : أيْ أَرْشَدَه .
وقِيل : " الدِّلالة " بالكسر : اسم لِعَمَل الدَّلاّل ، أو ما يُجْعَل لِلدّليل أو الدَّلاّل مِن الأجرة .
والمراد هُنَا : الدَّلالة بالفتح ، ومعناها : الإرشاد, وقِيل : ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه .
ويُسَمَّى الدليل " دلالةً " على طريق المَجاز ؛ لأنَّهم يُسَمّون الفاعل باسم المَصْدَر[1] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn1).
ثانياً - تعريف الدّلالة اصطلاحاً :
عَرَّف الأصوليّون الدّلالةَ بأنَّها : كَوْن الشيء يَلْزَم مِن فَهْمِه فَهْم شيء آخَر ، أو كَوْن الشيء بحيث يَلْزَم مِن العِلْم به العِلْم بِغَيْره [2] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn2) .
وهذا التعريف لا يخرج عن تعريف المناطقة ، وهو : فَهْم أمْر مِن أمْر أو كَوْن أمْر بحيث يُفْهَم منه أمْر آخَر ، فُهِم بالفعل أو لَمْ يُفْهَمْ .
ولا بُدّ لِلدّلالة عندهم مِن تَحَقُّق عنْصريْن : أحدهما : الدّالّ ، والثّاني : المدلول ..
نَحْو : الطَّرْق على الباب ؛ فإنَّه دالّ على وجود شَخْص ( مدلول ) ، وهذه الصِّفَة التي حَصَلَتْ لِلطَّرْق تُسَمَّى " دلالة "[3] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn3).
ثالثاً - أقسام الدّلالة :
قَسَّم المناطقة والأصوليّين الدّلالةَ إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : دلالة لفظيّة .
القِسْم الثاني : دلالة غَيْر لفظيّة .
وقَسَّموا كُلَّ قِسْم منهما إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : دلالة عقليّة .
القِسْم الثاني : دلالة طبيعيّة .
القِسْم الثالث : دلالة وضعيّة .
ومِمَّا تَقَدَّم تصبح أقسام الدّلالة سِتّةً :
القِسْم الأول : دلالة لفظيّة عقليّة .
مثاله : دلالة صَوْت المتكلِّم على حياته .
القِسْم الثاني : دلالة لفظيّة طبيعيّة .
مثاله : دلالة " أح " ـ بالضَّم والفتح ـ على وجع الصدر وهو السعال .
القِسْم الثالث : دلالة لفظيّة وضعيّة .
مثاله : دلالة الإنسان على الحيوان الناطق .
وهذه الدّلالة هي محلّ اهتمام الأصوليّين وعنايتهم لاستخراج الأحكام على ضوئها .
القِسْم الرابع : دلالة غَيْر لفظيّة عقليّة .
مثاله : دلالة تَغَيُّر العالَم على حدوثه .
القِسْم الخامس : دلالة غَيْر لفظيّة طبيعيّة .
مثاله : دلالة الدخان على النار ، ودلالة الحُمْرَة على الخجل .
القِسْم السادس : دلالة غَيْر لفظيّة وضعيّة .
مثاله : دلالة دلوك الشمس على وجوب الصلاة ، ودلالة الإشارة بالرأس إلى أسفل على مَعْنَى " نَعَمْ "[4] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn4).
رابعاً - أقسام الدلالة الوضعيّة عند الحنفيّة :
قَسَّم الحنفيّة الدّلالةَ الوضعيّةَ قِسْمَيْن: لفظيّة وغَيْر لفظيّة ، ويُسَمّونها " بيان الضرورة ".
وقَسَّموا غَيْر اللَّفظيّة إلى أربعة أقسام كُلّها دلالة سكوت مُلْحَق باللَّفظيّة :
القِسْم الأول : ما يَلْزَم منطوقاً .
نَحْو : قوله تعالى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِـّهِ الثُّلُث } [5] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn5)؛ فإنَّه دالّ بسكوته عن ذِكْر نصيب الأب أنّ له الباقي .
القِسْم الثاني : دلالة حال الساكت الذي وظيفته البيان .
كسكوته r عند أمْر يشاهده مِن قول أو فِعْل ؛ فإنَّه يَدُلّ على الجواز .
القِسْم الثالث : اعتباره لِدَفْع التقرير .
نَحْو : دلالة سكوت المَوْلَى عند رؤية عَبْدِه يبيع عن النهي على الإذن .
القِسْم الرابع : الثابت ضرورةَ الطُّول فيما تُعُورِف .
كـ" مائة ودرهم أو ودينار أو وقفيز " ؛ فالسكوت عن مُمَيِّز هذه عرفاً يَدُلّ على أنَّه مِن جِنْس ما عُطِف عليها ، بخلاف " مائة وعَبْد " أو " مائة وثَوْب " .
أمَّا الدّلالة اللَّفظيّة : فقَدْ قَسَّموها أربعة أقسام : عِبَارَة ، وإشارة ، ودلالة ، واقتضاء[6] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn6).
وسيأتي تفصيل القول ـ بإذن الله تعالى ـ في أقسام الدّلالة اللّفظيّة .
أمَّا الدّلالة الوضعيّة غَيْر اللَّفظيّة : فإنّ الأقسام فيها تُنَاظِر اختلاف غَيْر الحنفيّة في لفظيّة دلالة التَّضْمِين والالتزام ، غَيْرَ أنَّها عندهم مستنِدة إلى اللفظ ..
أمَّا عند الحنفيّة : فقَدْ تَستند إلى اللفظ كَمَا في الأول والرابع ، وقَدْ لا تَستند إليه كَمَا في الثاني والثالث .
خامساً - تعريف الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة وأقسامها :
عَرَّف الأصوليّون الدّلالةَ اللّفظيّةَ بأنَّها : كَوْن اللفظ بحيث إذا أُرْسِل فُهِم
المَعْنَى لِلعِلْم بوضعه له [7] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn7) .
وقِيل : هي فَهْم المَعْنَى مِن اللفظ إذا أُطْلِق بالنسبة إلى العالِم بالوضع[8] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn8).
وقريب مِن هذه التعريفات تعريف المناطقة [9] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn9) .
أقسام الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة :
قَسَّم الأصوليّون والمناطقة الدّلالةَ اللَّفظيّةَ الوضعيّةَ إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : دلالة مطابقيّة .
وهي : دلالة اللفظ على تمام مُسَمّاه .
نَحْو : دلالة البيت على جميع مجموع الحائط والأساس والسقف .
القِسْم الثاني : دلالة تَضَمُّنِيّة .
وهي : دلالة اللفظ على جزء مَعْنَاه .
نَحْو : دلالة البيت على السقف وَحْدَه أو الحائط .
القِسْم الثالث : دلالة التزاميّة .
وهي : دلالة اللفظ على جزء معناه .
نَحْو : دلالة السقف على الحائط ، ودلالة الأسد على الشجاعة .
وسُمِّيَتِ " التزاميّةً " لأنّ المفهوم خارج عن اللفظ لازم له[10] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn10).
ووَجْه تقسيم الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة إلى هذه الأقسام الثلاثة : ما ذَكَره
الفخر الرازي [11] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn11)ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" اللفظ إمَّا أنْ تُعْتَبَر دلالته بالنسبة إلى تمام مُسَمّاه أو بالنسبة إلى ما يَكون داخلاً في المُسَمَّى مِن حيث هو كذلك ، أو بالنسبة إلى ما يَكون خارجاً عن المُسَمَّى مِن حيث هو كذلك : فالأول هو المطابقة ، والثاني التَّضَمُّن ، والثالث الالتزام " [12] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn12) ا.هـ .
سادساً - مذاهب الأصوليّين في لفظيّة دلالة التَّضَمُّن والالتزام :
لقَدِ اختلَف الأصوليّون غَيْر الحنفيّة في دلالة التَّضَمُّن والالتزام : هل هي لفظيّة أم عقليّة ؟
وقَدْ حَصَرْتُ لهم في ذلك ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : أنّ دلالتهما لفظيّة كدلالة المطابقة .
وهو اختيار ابن قدامة [13] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn13)والبيضاوي[14] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn14) والأصفهاني [15] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn15)والسالمي [16] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn16)رحمهم الله تعالى[17] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn17).
المذهب الثاني : أنّ دلالتهما عقليّة .
وهو اختيار الفخر الرازي ، وتَبِعه ابن السبكي [18] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn18) رحمهما الله [19] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn19).
المذهب الثالث : أنّ دلالة الالتزام عقليّة .
وهو اختيار ابن الحاجب [20] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn20)والآمدي [21] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn21) ، وظاهِر كلام الغزالي [22] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn22) رحمهم الله تعالى[23] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn23)
والراجح عندي : ما عليه أصحاب المذهب الثالث القائل بأنّ دلالة الالتزام عقليّة .
وأَعْجَبَنِي تعليل التفتازاني [24] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn24)ـ رحمه الله تعالى ـ لِجَعْل دلالة الالتزام
عقليّةً في قوله :" وتُسَمَّى المطابقة والتَّضَمُّن " لفظيّةً " لأنّهما ليستا بتوسط
الانتقال مِن مَعْنىً ، بلْ مِن نَفْس اللفظ ، بخِلاَف الالتزام ، فلِهذا حُكِم بأنّهما واحد بالذات ؛ إذ ليس ها هُنَا إلا فَهْم وانتقال واحد يُسَمَّى باعتبار الإضافة إلى مجموع الجزأيْن " مطابقةً " ، وإلى أحدهما " تَضَمُّناً " ، وليس في التَّضَمُّن انتقال مِن مَعْنَى الكُلّ تمّ منه إلى الجزء ، كَمَا في الالتزام يَنتقل مِن اللفظ إلى الملزوم ومنه إلى لازِمِه فيَتَحَقَّق فهمان " [25] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn25) ا.هـ .
المطلب الثاني
دلالة الألفاظ على الأحكام عند الحنفيّة
قَسَّم الحنفيّةُ اللفظَ باعتبار دلالته على الحُكْم إلى أربعة أقسام : عِبَارة النَّصّ ، وإشارته ، ودلالته ، واقتضائه .
ووَجْه الحصر فيها : أنّ الحُكْم المستفاد مِن اللفظ إمَّا أنْ يَكون ثابتاً بنَفْس اللفظ أولا..
والأول إنْ كان اللفظ مَسُوقاً له فهو العبارة ، وإلا فهو الإشارة .
والثاني إنْ كان الحُكْم مفهوماً منه لغةً فهي الدّلالة ، أو شرعاً فهو الاقتضاء[26] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn26).
وفيما يلي نُفَصِّل القول في كُلّ قِسْم منها ..
القِسْم الأول : عبارة النَّصّ .
عَرَّفَها الشاشي [27] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn27)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّها : ما سِيق الكلام لأجْله وأُرِيد به قَصْداً[28] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn28).
وعَرَّفَها السـرخسي[29] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn29)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما كان السياق لأجْلِه ويُعْلَم قَبْل التأمل أنّ ظاهِر النَّصّ متناوِل له [30] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn30) .
وعَرَّفَها البزدوي [31] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn31)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بظاهر ما سيق الكلام له[32] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn32)
وعَرَّفَها النسفي [33] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn33) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بظاهر ما سيق الكلام له وأريد به قصداً ويُعْلَم قَبْل التأمل أنّ ظاهر النَّصّ متناوِل له [34] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn34) .
والأَوْلَى عندي : تعريف الشاشي رحمه الله تعالى .
مثاله : قوله تعالى { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِـّنَ النِـّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَـثَ وَرُبَـع }[35] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn35)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ولَفْظه إباحة النكاح والقَصْر على زوجاتٍ أربع ، فَهُمَا مقصودان مِن اللفظ ، إلا أنّ المَعْنَى الثاني هو المقصود أصالةً ؛ لأنّ الآية إنَّمَا سيقتْ عندما تَحَرَّج الأوصياء مِن قبول الوصاية خشيةَ الوقوع في الظُّلْم والجَوْر في أموال اليتامى ، وقَدْ يَحُول هذا الخوف دُون الإكثار مِن الزوجات فإباحة الزوجات مقصود تَبَعاً ، والمقصود أصالةً قَصْر عَدَد الزوجات على أربع أو واحدة ، ولِذا كانت عبارة النَّصّ دالّةً على قَصْر عَدَد الزوجات على أربع [36] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn36) .
ومثاله أيضاً : قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَوا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوا }[37] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn37)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ولَفْظه حِلّ البيع وحرمة الربا وعدم المماثَلة بَيْنهما ، فَهُمَا مقصودان مِن اللفظ ، إلا أنّ الآية إنَّمَا سيقَتْ لأجْل نَفْي المماثَلة بَيْن البيع والربا ، ورَدّاً على المُشْرِكين الذين ادَّعَوْا مماثَلَتَهُمَا ..
وهذا المَعْنَى هو المقصود أصالةً مِن سياق النَّصّ ، والمَعْنَى الثاني ـ وهو حِلّ البيع وحرمة الربا ـ مقصود تَبَعاً ؛ لأنّه كان يُمْكِن الاكتفاء بنَفْي المماثَلة دون تَعَرُّض لِحِلّ الربا ، ولِذا كان هذا المَعْنَى مقصوداً مِن سياق النَّصّ تَبَعاً لِيَدُلّ على حرمة الربا ، ولِيُتَوَصَّل به إلى إفادة المَعْنَى المقصود أصالةً مِن النَّصّ وهو نَفْي المماثَلة ، وهذا هو الذي دَلَّتْ عليه عبارة النَّصّ[38] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn38).
القِسْم الثاني : دلالة الإشارة .
عَرَّفَها البزدوي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بما ثبت بنظمه لغةً لكنّه غَيْر مقصود ولا سيق له النَّصّ وليس بظاهر مِن كُلّ وجْه[39] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn39).
وعَرَّفَها الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما ثبت بنَظْم النَّصّ مِن غَيْر زيادة ، وهو غَيْر ظاهِر مِن كُلّ وَجْه ولا سيق الكلام لأجْله[40] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn40).
وعَرَّفَها السمرقندي [41] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn41) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما عُرِف بنَفْس الكلام بنَوْع تأمُّل مِن غَيْر أنْ يزاد عليه شيء أو ينقص عنه ، لكنْ لم يَكُنِ الكلام سيق له ولا هو المراد بالإنزال حتّى يُسَمَّى " نَصّاً " [42] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn42).
وعَرَفَّهَا أمير بادشاه [43] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn43) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على ما لم يُقْصَدْ به أصلاً ، لا أصالةً ولا تَبَعاً[44] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn44).
والأَوْلى عندي : تعريف البزدوي رحمه الله تعالى .
مثاله : قوله تعالى { وَحَمْلُهُ وَفِصَـلُهُ ثَلَـثُونَ شَهْرا }[45] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn45)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ظهور المِنّة لِلوالدة على الولد لأنّ سياقه يَدُلّ على ذلك ، كَمَا أفاد ـ أيضاً ـ حَصْر مُدّة الحَمْل والرضاع في ثلاثين شَهْراً ..
لكنّه دَلّ بالإشارة على أنّ أَدْنَى مُدّة الحَمْل سِتّة أَشْهُر ؛ لأنَّه قَدْ ثبت تحديد مُدّة الرضاع في آية أخرى بحَوْلَيْن كامليْن في قوله عَزّ وجَلّ { وَالْوَلِدَتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة }[46] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn46) وقوله تعالى { وَفِصَـلُهُ فِى عَامَيْن } [47] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn47).
وإذا كانت مُدّة الرضاعة بِلا حَمْل عاميْن ( أربعةً وعشرين شهراً ) وحَمْله
ورضاعه مجموعان ثلاثون شهراً فإنّ هذا الأخير فيه إشارة إلى أنّ أَقَلّ مُدّة الحَمْل ستّة أشهُر .
وقَدْ فَهِم ابن عباس [48] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn48) ـ رضي الله عنهما ـ ذلك ، وحَكَم بإشارة هذا النَّصّ أنّ أَقَلّ مُدَّة الحَمْل سِتّة أشهُر ، فَقَبِل الصحابة y منه ذلك واسْتَحْسَنوه [49] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn49) .
ومثاله أيضاً : قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف } [50] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn50) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته وجوب نفقة الزوجات المرضعات إذا كُنّ مطلَّقات على الوالد ( الزوج المطلّق ) ..
وأفاد بالإشارة :
1- أنّ الولد يُنْسَب إلى أبيه ؛ لأنّه أضافه إليه بِحَرْف اللام في قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَه ... } .
2- أنّ لِلأب ولاية تَمَلُّك مال ولده ؛ لأنَّه نُسِب إليه بلام المِلْك .
3- أنّ الأب لا يشاركه في النفقة على ولده غَيْرُه .
4- أنّ استئجار الأمّ على الإرضاع حالَ قيام النكاح بَيْن الزوجيْن لا يجوز[51] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn51).
القِسْم الثالث : دلالة اللفظ .
عَرَّفَها الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما عُلِم عِلَّةً لِلحُكْم المنصوص عليه لغةً ، لا اجتهاداً ولا استنباطاً[52] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn52).
وعَرَّفَها صَدْر الشريعة [53] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn53) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على الحُكْم في شيء يوجَد فيه مَعْنىً يَفْهَم كُلُّ مَن يَعرف اللُّغَةَ أنّ الحُكْم في المنطوق لأجْل ذلك المَعْنَى [54] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn54).
وعَرَّفَها النسفي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما ثبت بِمَعْنَى النَّصّ لغةً لا اجتهاداً[55] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn55).
وعَرَّفَها ابن الهمام [56] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn56)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على ثبوت حُكْم منطوق لِمسكوت لِفَهْم مناطه بمُجَرَّد اللغة[57] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn57).
وهذا التعريف هو الأَوْلى عندي بالقبول .
ودلالة اللفظ تُسَمَّى عند الحنفيّة " فَحْوَى الخِطَاب " و" لَحْن الخِطَاب " و" مفهوم الموافَقة " ؛ لأنّ مدلول اللـفظ في حُكْم المسـكوت عنه مُوافِق لِمدلوله في حُكْم المنطوق إثباتاً ونَفْياً[58] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn58).
مثاله : قوله تعالى { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ }[59] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn59)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفادت عبارته تحريم التأفيف في حقّ الوالديْن ، والتأفيف له صورة معلومة ومَعْنىً لأجْله ثبتَت الحرمة وهي الأذى ..
وهذا المَعْنَى المعلوم لغةً يَجعل الحرمةَ ثابتةً في كُلّ ما يحقِّق الأذى قولاً كان أم فعلاً : كالضرب ونَحْوه ، بلْ هو في الضرب أَوْلَى ، ولِذا فإنّ هذا النَّصّ دَلّ على حرمة ضَرْب الوالديْن ، كَمَا أفاد بعبارته حرمة التأفيف في حَقِّهِمَا[60] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn60).
ومثاله أيضاً : ما رُوِي أنّ أعرابيّاً جاء إلى النَّبِيّ r فقال :" هَلَكْتُ وَأَهْلَكْت " فقال النَّبِيّ r{ مَاذَا فَعَلْت }فقال:" وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَان " فقال r{ أَعْتِقْ رَقَبَة }[61] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn61).
وَجْه الدّلالة : أنّ عِبَارة النَّصّ أفادت وجوب الكفّارة على الزوج ..
وأفاد النَّصّ دلالةً على وجوبها على الزوجة ؛ لأنّ المَعْنَى الذي يُفْهَم مُوجِباً لِلكَفّارة هو الجناية على الصوم ، وهي مشتركة بَيْنهما .
كَمَا أفاد ـ أيضاً ـ وجوب الكفّارة في الأكل والشُّرْب بدلالة النَّصّ ؛ لأنّ المَعْنَى الذي يُفْهَم في الوقاع مُوجِباً لِلكفّارة هو كَوْنُه جنايةً على الصَّوْم ؛ فإنَّه الإمساك عن المُفْطِرَات الثّلاث ، بَلْ هو أَوْلَى ؛ لأنّ الصَّبْر عَنْهُمَا أَشَدّ والداعية إليهما أَكْثَر ، فبالحَرِيّ أنْ يَثْبُت الزَّجْر فيهما[62] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn62).
هذا رأي الحنفية والثوري وجماعة وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد رضي الله عنهما والظاهرية ونسب أيضا إلى الجمهور أن الكفارة في الجماع فقط وهو الراجح عندي[63] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn63).
القِسْم الرابع : مُقْتَضَى النَّصّ .
عَرَّفه الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : زيادة على النَّصّ لا يَتَحَقَّق مَعْنَى النَّصّ إلا به [64] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn64) .
وعَرَّفه ابن عَبْد الشَّكُور [65] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn65) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : دلالة المنطوق
على ما يتوقَّف صِحَّتُه عليه عقلاً أو شرعاً [66] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn66) .
وعَرَّفه السرخسي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : زيادة على المنصوص عليه يُشْتَرَط تقديمه لِيَصِير المنظوم مفيداً أو مُوجِباً لِلحُكْم [67] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn67) .
وعَرَّفه البخاري [68] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn68) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : ما ثبت زيادةً على النَّصّ
لِتصحيحه شرعاً[69] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn69).
والأَوْلى عندي : تعريف ابن عَبْد الشَّكُور رحمه الله تعالى .
أقسام مُقْتَضَى النَّصّ :
قَسَّم الأصوليّون ـ ومعهم عامّة الحنفيّة ـ المُقْتَضَى إلى أقسام ثلاثة [70] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn70) :
الأول : ما أُضْمِر ضرورةَ صِدْق المُتَكَلِّم .
مثاله : قوله r { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوَا عَلَيْه }[71] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn71)..
وَجْه الدّلالة : أنّ عبارة النَّصّ أفادت أو دَلَّتْ على رَفْع الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهُوا عليه عن أُمَّة مُحَمَّد r ، وكَيْف تُرْفَع هذه الأمور بَعْد وقوعها ؟ وهو أمْر مُسْتَبْعَد ولا يُصَدَّق ؛ لأنّ الخطأ والنسيان يقعان بكثرة .
ولِذَا كان لا بُدّ لِصِدْق الكلام مِن تقدير مَعْنىً يقتضيه صِدْقُه ، وهو : رَفْع حُكْم الخطأ أو إثمه [72] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn72) .
الثاني : ما أُضْمِر لِصِحَّة الكلام عقلاً .
مثاله : قوله تعالى { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا }[73] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn73)..
وَجْه الدّلالة : أنّ عبارة النَّصّ أفادت سؤال القرية ، والقرية جماد لا يُسأل ، ولا يقوله عاقِل ..
ولِذَا كان لا بُدّ مِن إضمار مَعْنىً يُصْبِح النَّصّ به مقبولاً ، وهو : ( واسأل
أهْلَ القرية ) ، وهذا نَوْع مِن بلاغة القرآن الكريم[74] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn74).
الثالث : ما أُضْمِر لِصِحَّة الكلام شرعاً .
مثاله : قوله :" أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بألْف " ..
هذا اللفظ يَدُلّ بعبارته على طلب مِن الغَيْر بإعتاق عَبْدِه ، فإذا أَعْتَقَه وَقَع العتق على الآخَر ( الطالب ) وعليه الألْف ؛ لأنّ الأمر بالإعتاق عنه يَقْتَضِي تمليك العَيْن منه بالبيع لِيَتَحَقَّق الإعتاق عنه ، وهذا المُقْتَضَى يثبت مُتَقَدِّماً ويَكون بمنزلة الشَّرْط[75] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn75) .
يتبع....
تعريف الدّلالة وأقسامها
والحديث في هذا المطلب يمكن تقسيمه على النحو التالي :
1- تعريف الدّلالة لغةً .
2- تعريف الدّلالة اصطلاحاً .
3- أقسام الدّلالة .
4- أقسام الدّلالة الوضعيّة عند الحنفيّة .
5- تعريف الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة وأقسامها .
6- مذاهب الأصوليّين في لفظيّة دلالة التَّضَمُّن والالتزام .
ونُفَصِّل القول في كُلّ واحد منها فيما يلي ..
أوّلاً - تعريف الدّلالة لغةً :
والدّلالة : مَصْدَر " دَلّ يَدُلّ دلالةً " ؛ يقال " دَلّه على الطريق يَدُلّه دِلالةً ودَلالةً ودلولةً " والفتح أعلى : أيْ أَرْشَدَه .
وقِيل : " الدِّلالة " بالكسر : اسم لِعَمَل الدَّلاّل ، أو ما يُجْعَل لِلدّليل أو الدَّلاّل مِن الأجرة .
والمراد هُنَا : الدَّلالة بالفتح ، ومعناها : الإرشاد, وقِيل : ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه .
ويُسَمَّى الدليل " دلالةً " على طريق المَجاز ؛ لأنَّهم يُسَمّون الفاعل باسم المَصْدَر[1] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn1).
ثانياً - تعريف الدّلالة اصطلاحاً :
عَرَّف الأصوليّون الدّلالةَ بأنَّها : كَوْن الشيء يَلْزَم مِن فَهْمِه فَهْم شيء آخَر ، أو كَوْن الشيء بحيث يَلْزَم مِن العِلْم به العِلْم بِغَيْره [2] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn2) .
وهذا التعريف لا يخرج عن تعريف المناطقة ، وهو : فَهْم أمْر مِن أمْر أو كَوْن أمْر بحيث يُفْهَم منه أمْر آخَر ، فُهِم بالفعل أو لَمْ يُفْهَمْ .
ولا بُدّ لِلدّلالة عندهم مِن تَحَقُّق عنْصريْن : أحدهما : الدّالّ ، والثّاني : المدلول ..
نَحْو : الطَّرْق على الباب ؛ فإنَّه دالّ على وجود شَخْص ( مدلول ) ، وهذه الصِّفَة التي حَصَلَتْ لِلطَّرْق تُسَمَّى " دلالة "[3] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn3).
ثالثاً - أقسام الدّلالة :
قَسَّم المناطقة والأصوليّين الدّلالةَ إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : دلالة لفظيّة .
القِسْم الثاني : دلالة غَيْر لفظيّة .
وقَسَّموا كُلَّ قِسْم منهما إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : دلالة عقليّة .
القِسْم الثاني : دلالة طبيعيّة .
القِسْم الثالث : دلالة وضعيّة .
ومِمَّا تَقَدَّم تصبح أقسام الدّلالة سِتّةً :
القِسْم الأول : دلالة لفظيّة عقليّة .
مثاله : دلالة صَوْت المتكلِّم على حياته .
القِسْم الثاني : دلالة لفظيّة طبيعيّة .
مثاله : دلالة " أح " ـ بالضَّم والفتح ـ على وجع الصدر وهو السعال .
القِسْم الثالث : دلالة لفظيّة وضعيّة .
مثاله : دلالة الإنسان على الحيوان الناطق .
وهذه الدّلالة هي محلّ اهتمام الأصوليّين وعنايتهم لاستخراج الأحكام على ضوئها .
القِسْم الرابع : دلالة غَيْر لفظيّة عقليّة .
مثاله : دلالة تَغَيُّر العالَم على حدوثه .
القِسْم الخامس : دلالة غَيْر لفظيّة طبيعيّة .
مثاله : دلالة الدخان على النار ، ودلالة الحُمْرَة على الخجل .
القِسْم السادس : دلالة غَيْر لفظيّة وضعيّة .
مثاله : دلالة دلوك الشمس على وجوب الصلاة ، ودلالة الإشارة بالرأس إلى أسفل على مَعْنَى " نَعَمْ "[4] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn4).
رابعاً - أقسام الدلالة الوضعيّة عند الحنفيّة :
قَسَّم الحنفيّة الدّلالةَ الوضعيّةَ قِسْمَيْن: لفظيّة وغَيْر لفظيّة ، ويُسَمّونها " بيان الضرورة ".
وقَسَّموا غَيْر اللَّفظيّة إلى أربعة أقسام كُلّها دلالة سكوت مُلْحَق باللَّفظيّة :
القِسْم الأول : ما يَلْزَم منطوقاً .
نَحْو : قوله تعالى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِـّهِ الثُّلُث } [5] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn5)؛ فإنَّه دالّ بسكوته عن ذِكْر نصيب الأب أنّ له الباقي .
القِسْم الثاني : دلالة حال الساكت الذي وظيفته البيان .
كسكوته r عند أمْر يشاهده مِن قول أو فِعْل ؛ فإنَّه يَدُلّ على الجواز .
القِسْم الثالث : اعتباره لِدَفْع التقرير .
نَحْو : دلالة سكوت المَوْلَى عند رؤية عَبْدِه يبيع عن النهي على الإذن .
القِسْم الرابع : الثابت ضرورةَ الطُّول فيما تُعُورِف .
كـ" مائة ودرهم أو ودينار أو وقفيز " ؛ فالسكوت عن مُمَيِّز هذه عرفاً يَدُلّ على أنَّه مِن جِنْس ما عُطِف عليها ، بخلاف " مائة وعَبْد " أو " مائة وثَوْب " .
أمَّا الدّلالة اللَّفظيّة : فقَدْ قَسَّموها أربعة أقسام : عِبَارَة ، وإشارة ، ودلالة ، واقتضاء[6] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn6).
وسيأتي تفصيل القول ـ بإذن الله تعالى ـ في أقسام الدّلالة اللّفظيّة .
أمَّا الدّلالة الوضعيّة غَيْر اللَّفظيّة : فإنّ الأقسام فيها تُنَاظِر اختلاف غَيْر الحنفيّة في لفظيّة دلالة التَّضْمِين والالتزام ، غَيْرَ أنَّها عندهم مستنِدة إلى اللفظ ..
أمَّا عند الحنفيّة : فقَدْ تَستند إلى اللفظ كَمَا في الأول والرابع ، وقَدْ لا تَستند إليه كَمَا في الثاني والثالث .
خامساً - تعريف الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة وأقسامها :
عَرَّف الأصوليّون الدّلالةَ اللّفظيّةَ بأنَّها : كَوْن اللفظ بحيث إذا أُرْسِل فُهِم
المَعْنَى لِلعِلْم بوضعه له [7] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn7) .
وقِيل : هي فَهْم المَعْنَى مِن اللفظ إذا أُطْلِق بالنسبة إلى العالِم بالوضع[8] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn8).
وقريب مِن هذه التعريفات تعريف المناطقة [9] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn9) .
أقسام الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة :
قَسَّم الأصوليّون والمناطقة الدّلالةَ اللَّفظيّةَ الوضعيّةَ إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : دلالة مطابقيّة .
وهي : دلالة اللفظ على تمام مُسَمّاه .
نَحْو : دلالة البيت على جميع مجموع الحائط والأساس والسقف .
القِسْم الثاني : دلالة تَضَمُّنِيّة .
وهي : دلالة اللفظ على جزء مَعْنَاه .
نَحْو : دلالة البيت على السقف وَحْدَه أو الحائط .
القِسْم الثالث : دلالة التزاميّة .
وهي : دلالة اللفظ على جزء معناه .
نَحْو : دلالة السقف على الحائط ، ودلالة الأسد على الشجاعة .
وسُمِّيَتِ " التزاميّةً " لأنّ المفهوم خارج عن اللفظ لازم له[10] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn10).
ووَجْه تقسيم الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة إلى هذه الأقسام الثلاثة : ما ذَكَره
الفخر الرازي [11] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn11)ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" اللفظ إمَّا أنْ تُعْتَبَر دلالته بالنسبة إلى تمام مُسَمّاه أو بالنسبة إلى ما يَكون داخلاً في المُسَمَّى مِن حيث هو كذلك ، أو بالنسبة إلى ما يَكون خارجاً عن المُسَمَّى مِن حيث هو كذلك : فالأول هو المطابقة ، والثاني التَّضَمُّن ، والثالث الالتزام " [12] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn12) ا.هـ .
سادساً - مذاهب الأصوليّين في لفظيّة دلالة التَّضَمُّن والالتزام :
لقَدِ اختلَف الأصوليّون غَيْر الحنفيّة في دلالة التَّضَمُّن والالتزام : هل هي لفظيّة أم عقليّة ؟
وقَدْ حَصَرْتُ لهم في ذلك ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : أنّ دلالتهما لفظيّة كدلالة المطابقة .
وهو اختيار ابن قدامة [13] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn13)والبيضاوي[14] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn14) والأصفهاني [15] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn15)والسالمي [16] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn16)رحمهم الله تعالى[17] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn17).
المذهب الثاني : أنّ دلالتهما عقليّة .
وهو اختيار الفخر الرازي ، وتَبِعه ابن السبكي [18] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn18) رحمهما الله [19] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn19).
المذهب الثالث : أنّ دلالة الالتزام عقليّة .
وهو اختيار ابن الحاجب [20] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn20)والآمدي [21] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn21) ، وظاهِر كلام الغزالي [22] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn22) رحمهم الله تعالى[23] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn23)
والراجح عندي : ما عليه أصحاب المذهب الثالث القائل بأنّ دلالة الالتزام عقليّة .
وأَعْجَبَنِي تعليل التفتازاني [24] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn24)ـ رحمه الله تعالى ـ لِجَعْل دلالة الالتزام
عقليّةً في قوله :" وتُسَمَّى المطابقة والتَّضَمُّن " لفظيّةً " لأنّهما ليستا بتوسط
الانتقال مِن مَعْنىً ، بلْ مِن نَفْس اللفظ ، بخِلاَف الالتزام ، فلِهذا حُكِم بأنّهما واحد بالذات ؛ إذ ليس ها هُنَا إلا فَهْم وانتقال واحد يُسَمَّى باعتبار الإضافة إلى مجموع الجزأيْن " مطابقةً " ، وإلى أحدهما " تَضَمُّناً " ، وليس في التَّضَمُّن انتقال مِن مَعْنَى الكُلّ تمّ منه إلى الجزء ، كَمَا في الالتزام يَنتقل مِن اللفظ إلى الملزوم ومنه إلى لازِمِه فيَتَحَقَّق فهمان " [25] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn25) ا.هـ .
المطلب الثاني
دلالة الألفاظ على الأحكام عند الحنفيّة
قَسَّم الحنفيّةُ اللفظَ باعتبار دلالته على الحُكْم إلى أربعة أقسام : عِبَارة النَّصّ ، وإشارته ، ودلالته ، واقتضائه .
ووَجْه الحصر فيها : أنّ الحُكْم المستفاد مِن اللفظ إمَّا أنْ يَكون ثابتاً بنَفْس اللفظ أولا..
والأول إنْ كان اللفظ مَسُوقاً له فهو العبارة ، وإلا فهو الإشارة .
والثاني إنْ كان الحُكْم مفهوماً منه لغةً فهي الدّلالة ، أو شرعاً فهو الاقتضاء[26] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn26).
وفيما يلي نُفَصِّل القول في كُلّ قِسْم منها ..
القِسْم الأول : عبارة النَّصّ .
عَرَّفَها الشاشي [27] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn27)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّها : ما سِيق الكلام لأجْله وأُرِيد به قَصْداً[28] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn28).
وعَرَّفَها السـرخسي[29] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn29)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما كان السياق لأجْلِه ويُعْلَم قَبْل التأمل أنّ ظاهِر النَّصّ متناوِل له [30] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn30) .
وعَرَّفَها البزدوي [31] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn31)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بظاهر ما سيق الكلام له[32] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn32)
وعَرَّفَها النسفي [33] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn33) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بظاهر ما سيق الكلام له وأريد به قصداً ويُعْلَم قَبْل التأمل أنّ ظاهر النَّصّ متناوِل له [34] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn34) .
والأَوْلَى عندي : تعريف الشاشي رحمه الله تعالى .
مثاله : قوله تعالى { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِـّنَ النِـّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَـثَ وَرُبَـع }[35] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn35)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ولَفْظه إباحة النكاح والقَصْر على زوجاتٍ أربع ، فَهُمَا مقصودان مِن اللفظ ، إلا أنّ المَعْنَى الثاني هو المقصود أصالةً ؛ لأنّ الآية إنَّمَا سيقتْ عندما تَحَرَّج الأوصياء مِن قبول الوصاية خشيةَ الوقوع في الظُّلْم والجَوْر في أموال اليتامى ، وقَدْ يَحُول هذا الخوف دُون الإكثار مِن الزوجات فإباحة الزوجات مقصود تَبَعاً ، والمقصود أصالةً قَصْر عَدَد الزوجات على أربع أو واحدة ، ولِذا كانت عبارة النَّصّ دالّةً على قَصْر عَدَد الزوجات على أربع [36] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn36) .
ومثاله أيضاً : قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَوا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوا }[37] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn37)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ولَفْظه حِلّ البيع وحرمة الربا وعدم المماثَلة بَيْنهما ، فَهُمَا مقصودان مِن اللفظ ، إلا أنّ الآية إنَّمَا سيقَتْ لأجْل نَفْي المماثَلة بَيْن البيع والربا ، ورَدّاً على المُشْرِكين الذين ادَّعَوْا مماثَلَتَهُمَا ..
وهذا المَعْنَى هو المقصود أصالةً مِن سياق النَّصّ ، والمَعْنَى الثاني ـ وهو حِلّ البيع وحرمة الربا ـ مقصود تَبَعاً ؛ لأنّه كان يُمْكِن الاكتفاء بنَفْي المماثَلة دون تَعَرُّض لِحِلّ الربا ، ولِذا كان هذا المَعْنَى مقصوداً مِن سياق النَّصّ تَبَعاً لِيَدُلّ على حرمة الربا ، ولِيُتَوَصَّل به إلى إفادة المَعْنَى المقصود أصالةً مِن النَّصّ وهو نَفْي المماثَلة ، وهذا هو الذي دَلَّتْ عليه عبارة النَّصّ[38] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn38).
القِسْم الثاني : دلالة الإشارة .
عَرَّفَها البزدوي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بما ثبت بنظمه لغةً لكنّه غَيْر مقصود ولا سيق له النَّصّ وليس بظاهر مِن كُلّ وجْه[39] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn39).
وعَرَّفَها الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما ثبت بنَظْم النَّصّ مِن غَيْر زيادة ، وهو غَيْر ظاهِر مِن كُلّ وَجْه ولا سيق الكلام لأجْله[40] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn40).
وعَرَّفَها السمرقندي [41] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn41) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما عُرِف بنَفْس الكلام بنَوْع تأمُّل مِن غَيْر أنْ يزاد عليه شيء أو ينقص عنه ، لكنْ لم يَكُنِ الكلام سيق له ولا هو المراد بالإنزال حتّى يُسَمَّى " نَصّاً " [42] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn42).
وعَرَفَّهَا أمير بادشاه [43] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn43) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على ما لم يُقْصَدْ به أصلاً ، لا أصالةً ولا تَبَعاً[44] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn44).
والأَوْلى عندي : تعريف البزدوي رحمه الله تعالى .
مثاله : قوله تعالى { وَحَمْلُهُ وَفِصَـلُهُ ثَلَـثُونَ شَهْرا }[45] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn45)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ظهور المِنّة لِلوالدة على الولد لأنّ سياقه يَدُلّ على ذلك ، كَمَا أفاد ـ أيضاً ـ حَصْر مُدّة الحَمْل والرضاع في ثلاثين شَهْراً ..
لكنّه دَلّ بالإشارة على أنّ أَدْنَى مُدّة الحَمْل سِتّة أَشْهُر ؛ لأنَّه قَدْ ثبت تحديد مُدّة الرضاع في آية أخرى بحَوْلَيْن كامليْن في قوله عَزّ وجَلّ { وَالْوَلِدَتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة }[46] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn46) وقوله تعالى { وَفِصَـلُهُ فِى عَامَيْن } [47] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn47).
وإذا كانت مُدّة الرضاعة بِلا حَمْل عاميْن ( أربعةً وعشرين شهراً ) وحَمْله
ورضاعه مجموعان ثلاثون شهراً فإنّ هذا الأخير فيه إشارة إلى أنّ أَقَلّ مُدّة الحَمْل ستّة أشهُر .
وقَدْ فَهِم ابن عباس [48] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn48) ـ رضي الله عنهما ـ ذلك ، وحَكَم بإشارة هذا النَّصّ أنّ أَقَلّ مُدَّة الحَمْل سِتّة أشهُر ، فَقَبِل الصحابة y منه ذلك واسْتَحْسَنوه [49] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn49) .
ومثاله أيضاً : قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف } [50] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn50) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته وجوب نفقة الزوجات المرضعات إذا كُنّ مطلَّقات على الوالد ( الزوج المطلّق ) ..
وأفاد بالإشارة :
1- أنّ الولد يُنْسَب إلى أبيه ؛ لأنّه أضافه إليه بِحَرْف اللام في قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَه ... } .
2- أنّ لِلأب ولاية تَمَلُّك مال ولده ؛ لأنَّه نُسِب إليه بلام المِلْك .
3- أنّ الأب لا يشاركه في النفقة على ولده غَيْرُه .
4- أنّ استئجار الأمّ على الإرضاع حالَ قيام النكاح بَيْن الزوجيْن لا يجوز[51] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn51).
القِسْم الثالث : دلالة اللفظ .
عَرَّفَها الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما عُلِم عِلَّةً لِلحُكْم المنصوص عليه لغةً ، لا اجتهاداً ولا استنباطاً[52] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn52).
وعَرَّفَها صَدْر الشريعة [53] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn53) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على الحُكْم في شيء يوجَد فيه مَعْنىً يَفْهَم كُلُّ مَن يَعرف اللُّغَةَ أنّ الحُكْم في المنطوق لأجْل ذلك المَعْنَى [54] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn54).
وعَرَّفَها النسفي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما ثبت بِمَعْنَى النَّصّ لغةً لا اجتهاداً[55] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn55).
وعَرَّفَها ابن الهمام [56] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn56)ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على ثبوت حُكْم منطوق لِمسكوت لِفَهْم مناطه بمُجَرَّد اللغة[57] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn57).
وهذا التعريف هو الأَوْلى عندي بالقبول .
ودلالة اللفظ تُسَمَّى عند الحنفيّة " فَحْوَى الخِطَاب " و" لَحْن الخِطَاب " و" مفهوم الموافَقة " ؛ لأنّ مدلول اللـفظ في حُكْم المسـكوت عنه مُوافِق لِمدلوله في حُكْم المنطوق إثباتاً ونَفْياً[58] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn58).
مثاله : قوله تعالى { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ }[59] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn59)..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفادت عبارته تحريم التأفيف في حقّ الوالديْن ، والتأفيف له صورة معلومة ومَعْنىً لأجْله ثبتَت الحرمة وهي الأذى ..
وهذا المَعْنَى المعلوم لغةً يَجعل الحرمةَ ثابتةً في كُلّ ما يحقِّق الأذى قولاً كان أم فعلاً : كالضرب ونَحْوه ، بلْ هو في الضرب أَوْلَى ، ولِذا فإنّ هذا النَّصّ دَلّ على حرمة ضَرْب الوالديْن ، كَمَا أفاد بعبارته حرمة التأفيف في حَقِّهِمَا[60] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn60).
ومثاله أيضاً : ما رُوِي أنّ أعرابيّاً جاء إلى النَّبِيّ r فقال :" هَلَكْتُ وَأَهْلَكْت " فقال النَّبِيّ r{ مَاذَا فَعَلْت }فقال:" وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَان " فقال r{ أَعْتِقْ رَقَبَة }[61] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn61).
وَجْه الدّلالة : أنّ عِبَارة النَّصّ أفادت وجوب الكفّارة على الزوج ..
وأفاد النَّصّ دلالةً على وجوبها على الزوجة ؛ لأنّ المَعْنَى الذي يُفْهَم مُوجِباً لِلكَفّارة هو الجناية على الصوم ، وهي مشتركة بَيْنهما .
كَمَا أفاد ـ أيضاً ـ وجوب الكفّارة في الأكل والشُّرْب بدلالة النَّصّ ؛ لأنّ المَعْنَى الذي يُفْهَم في الوقاع مُوجِباً لِلكفّارة هو كَوْنُه جنايةً على الصَّوْم ؛ فإنَّه الإمساك عن المُفْطِرَات الثّلاث ، بَلْ هو أَوْلَى ؛ لأنّ الصَّبْر عَنْهُمَا أَشَدّ والداعية إليهما أَكْثَر ، فبالحَرِيّ أنْ يَثْبُت الزَّجْر فيهما[62] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn62).
هذا رأي الحنفية والثوري وجماعة وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد رضي الله عنهما والظاهرية ونسب أيضا إلى الجمهور أن الكفارة في الجماع فقط وهو الراجح عندي[63] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn63).
القِسْم الرابع : مُقْتَضَى النَّصّ .
عَرَّفه الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : زيادة على النَّصّ لا يَتَحَقَّق مَعْنَى النَّصّ إلا به [64] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn64) .
وعَرَّفه ابن عَبْد الشَّكُور [65] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn65) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : دلالة المنطوق
على ما يتوقَّف صِحَّتُه عليه عقلاً أو شرعاً [66] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn66) .
وعَرَّفه السرخسي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : زيادة على المنصوص عليه يُشْتَرَط تقديمه لِيَصِير المنظوم مفيداً أو مُوجِباً لِلحُكْم [67] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn67) .
وعَرَّفه البخاري [68] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn68) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : ما ثبت زيادةً على النَّصّ
لِتصحيحه شرعاً[69] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn69).
والأَوْلى عندي : تعريف ابن عَبْد الشَّكُور رحمه الله تعالى .
أقسام مُقْتَضَى النَّصّ :
قَسَّم الأصوليّون ـ ومعهم عامّة الحنفيّة ـ المُقْتَضَى إلى أقسام ثلاثة [70] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn70) :
الأول : ما أُضْمِر ضرورةَ صِدْق المُتَكَلِّم .
مثاله : قوله r { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوَا عَلَيْه }[71] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn71)..
وَجْه الدّلالة : أنّ عبارة النَّصّ أفادت أو دَلَّتْ على رَفْع الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهُوا عليه عن أُمَّة مُحَمَّد r ، وكَيْف تُرْفَع هذه الأمور بَعْد وقوعها ؟ وهو أمْر مُسْتَبْعَد ولا يُصَدَّق ؛ لأنّ الخطأ والنسيان يقعان بكثرة .
ولِذَا كان لا بُدّ لِصِدْق الكلام مِن تقدير مَعْنىً يقتضيه صِدْقُه ، وهو : رَفْع حُكْم الخطأ أو إثمه [72] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn72) .
الثاني : ما أُضْمِر لِصِحَّة الكلام عقلاً .
مثاله : قوله تعالى { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا }[73] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn73)..
وَجْه الدّلالة : أنّ عبارة النَّصّ أفادت سؤال القرية ، والقرية جماد لا يُسأل ، ولا يقوله عاقِل ..
ولِذَا كان لا بُدّ مِن إضمار مَعْنىً يُصْبِح النَّصّ به مقبولاً ، وهو : ( واسأل
أهْلَ القرية ) ، وهذا نَوْع مِن بلاغة القرآن الكريم[74] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn74).
الثالث : ما أُضْمِر لِصِحَّة الكلام شرعاً .
مثاله : قوله :" أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بألْف " ..
هذا اللفظ يَدُلّ بعبارته على طلب مِن الغَيْر بإعتاق عَبْدِه ، فإذا أَعْتَقَه وَقَع العتق على الآخَر ( الطالب ) وعليه الألْف ؛ لأنّ الأمر بالإعتاق عنه يَقْتَضِي تمليك العَيْن منه بالبيع لِيَتَحَقَّق الإعتاق عنه ، وهذا المُقْتَضَى يثبت مُتَقَدِّماً ويَكون بمنزلة الشَّرْط[75] (http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=155#_ftn75) .
يتبع....