المختار العروسي البو
2008-06-29, 17:53
يشرفني أن انشر هذه الكلمات بمنتداكم الكريم وهذا من اجل إفادة الطالب العربي والإسلامي بإذن الله تعالى.
وان تجد عيبا فسد الخللا ++++ فجل من لا عيب له وسما
وللإشارة هذه الكلمات عبارة عن جلسات منزلية ناقشناها مع إخوة لنا في الله. ونصها كالتالي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بســــــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " }
نتناول اليوم في هذه الكلمة قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة. لكن للوصول إلى فهم بعض ما جاء فيها من معاني ودلالات فإنه علينا الرجوع إلى بعض الآيات الأخرى حتى يتسنى لنا الإلمام بعض الشيء بها استئناسا منا فالقرآن ثابت وفهمنا متغير وذلك من قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}العلق. فقوله تعالى:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} باسم أي اتخاذ مصدر التشريع الكتاب والسنة ولفظ ربك متعلق بالتفكر والتدبر في خلق الله تعالى أي البحث العلمي المؤسس على أساس قيمي أخلاقي صالح من منطلق عقيدة التوحيد، وكذلك من قوله تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}الإسراء.
ففعل القراءة تأمل وفهم وإدراك وعمل. أن نتأمل حتى يتم الاعتقاد القلبي، ومنه الوصول إلى الفهم الذي يكون منه الإدراك العقلي، ثم على هذا التكوين و البناء يتشكل التصور، الذي بدوره يحقق الإرادة العملية، ولا يكون هذا إلاّ باكتساب أدوات ومشارط القراءة والتي هي حاصل التعلم، أي أن التأمل حاصل من مراجعة الترسبات المعرفية والعلمية. ثم إن هذا التأمل متغير بتغير الأدوات والمشارط، وعليه كان قول الله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}الإسراء.
وهذا الجزء من الآية في قوله تعالى:{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } له من بين ما فيه من الدلالات ما يوحي إلى التغير وفق الحادث من التعامل والتفاعل مع ما جدّ من العلم والمعرفة. وعليه فلن يكون الوصول إلى الحق إلاّ بالاستعانة به تعالى. فطبيعة الخلق البحث في حقيقة الخلق من تعامل مع القوانين الخلقية التي بعثها الله تعالى في خلقه و التي منها يكون التسخير ، وكل خلق الله مسخر لخدمة الإنسان. ومن هذا ننطلق إلى جزئية من قوله تعالى: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وهي أن الله تعالى ببعثته لمحمد صلى الله عليه وسلم وإنزاله القرآن خاتما بهما الأنبياء والرسل والكتب والرسالات، أنهى التعامل مع المعجزات باستثناء معجزتي القرآن والسنة، وجعل نواميسه الكونية هي الفاعل في حركة الكون، بمعنى أن عمل كل الخلق بدون استثناء لا يخرج عن عمل القوانين التي جعلها الله في الخلق. مع أنها { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}تشير إلى أن الإنسان هو دائم دائب في تحصيل العلم والمعرفة، أي في زيادة دائمة من تحصيله العلم والمعرفة إلى يوم القيامة.
ثم إن التحصيل المستمر في العلم والمعرفة متعلق بفهم القوانين ومدى التعامل والتفاعل معها ونستنبط ذلك من لفظ "جعل " في القرآن الكريم واللفظ جعل في القرآن الكريم متعلق ومرتبط بحقيقة عظيمة وهي مجموع القوانين العلمية كانت أو المعرفية وللتدليل قوله تعالى من سورة الفرقان: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)} و نجد تعلق وارتباك اللفظ جعل بالقوانين العلمية والمعرفية في غيرها من الآيات الكريمات كذلك.كقوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) }وهنا اللفظ جعل متعلق بالنعمة، ثم قوله:{ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}متعلق بشروط الملك وفق قوانين قيام الملك
فانتهاء المعجزات حاصل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذلك فما يتحكم في حركة الخلق كل الخلق هو مجموع القوانين التي جعلها الله في خلقه. وهذا إعجاز رباني بما نتعامل معه الذي قد نصل إلى فهمه "مما جعله في خلقه من قوانين". إذن فكل ما كان وما هو كائن وما سيكون من الله تعالى. فلن يخرج عن إرادته وإليه المصير. ونزيد قولا هنا لزيادة التوضيح من قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}المائدة فمن الجزء من الآية في قوله تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}في سياقها مع ما قبلها وما بعدها نجد بأن لها دلالات مبينة لحق إذا تأملها الإنسان التأمل الصحيح السليم المستقيم لوجد فيها الحق الموصل إلى فهم حقيقة خلقه وما عليه من وظيفة يؤدها من قوله تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}الذاريات. من هذه الآية نخلص إلى أن الوظيفة الخلقية هي العبادة الحق للحق بالحق . وعليه فقوله سبحانه وتعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}متضمن معنى الأمر بإتيان الأمر والنهي بما يوافق خطاب "الشارع الحكيم" وأما ما كان من حال حادثة ولم يوجد لها أو فيها نص فقد جعل لها قواعد عامة " مقاصد الشريعة" لا يخرج القول والفعل والتقرير عنها، وهذا إن عنى شيئا فإنما يعني ما جاء من لفظ أكملت ، ففي هذا يكمن كمال الدين أي لا زيادة ولا نقصان فيه، وأما قوله تعالى: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فقبل التمام المعرفة بالشيء حتى نتطلع إلى مدى تمامه ومنه فما النعمة من حيث الكم والكيف، قال تعالى: { وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}إبراهيم. وقال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) }النحل وهنا القول أنه من حيث الكم فلا مجال للعد وما لا نعلمه لا نستطيع أن نعده وأما ما نعلمه فإن حاولنا عده فلا نستطيع كذلك ، وذلك راجع للطبيعة الجزيئية في التركيب والترتيب، وأما الكيف فكذلك لا نستطيع عده، وذلك راجع إلى طبيعة التكوين، لكن لنا أن نتمم النعم أي أنه لا تتم نعمة إلاّ بنعمة أخرى، وقيام العقل بترتيب التركيب فيه تمام النعمة و العمل العقلي يمثل نعمة من نعم الله، بمعنى لو نأخذ أي جهاز تمت صناعته كالكومبيوتر أو الهاتف النقال أو غيرهما نلاحظ تزاوج عدد من العناصر حتى تم تسخيره وفق قوانين معلومة هي التي تتحكم في الأشياء لخدمة البدن، فالنعم لا تتم إلاّ بالعلم وليست لنا القدرة على عدّها مهما كان تحصيلنا العلمي، وكأن هذا الجزء من الآية يأمر بالبحث العلمي الخاضع للتجريب. قال تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}العنكبوت . وقال تعالى:{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) الروم . فقوله تعالى:{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} دلالة على العلم التجريبـي وذلك لطبيعة العقل البشري الذي يميل إلى المعرفة بالشيء أي الموجود، والموجود بطبيعته له التأثير على الإنسان من وجه معرفته بقوانين التركيب، ذلك التركيب الدقيق المفصل المتناهي الدقة والتفصيل ليَحدُث منه العلم بالـمُوجِد، قال تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}محمد.
ومن هذا فالعلم بالموجود دلالة يقينية على الـمُوجد، وهذا ما يرجعنا إلى قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}لنقول فيه بأن هنالك تشابك متجانس بين الدين والعلم المادي ليتم بذلك التالي، الدين يوافق الفطرة والعلم يوافق البدن، ومنه فإن العلم خادم للدين إن أخذ باستقامة وسداد. وقوله تعالى: { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الإسلام دين والدين عند الله كامل ، فكمال الإسلام من كمال الدين مع الأخذ بذلك التجانس المتشابك بين الدين والعلم، ليكون الإسلام هو ذلك الكل المتكامل من دين وعلم.أي أنه لا دين من غير علم ولا علم من غير دين.كما في " لا يصح الإيمان بغير عمل ، ولا يصح العمل بغير إيمان". ومن هذا فإن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا الحق الواجب علينا إتباعه، مع الجزم بانتهاء المعجزات وإنما ما جعله الله من نواميس كونية محركة للكون بكل ما فيه من مخلوقات، ليكون لنا من هذا إتباع استقامة وسداد لحصول تسخير الخلق كل الخلق للإنسان، أي استخلاف الإنسان في الأرض وجنة إن شاء الله تعالى وعدا منه للمسلمين الصادقين الذين لم يغيروا أمر توحيده وعملوا بالأمر والنهي الصادر منه المنزل على عبده خير البرية جمعاء محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هذا كله نخلص إلى أن العلم المادي خادم للعلم الشرعي مثبّتا له، .../... يتبع
وان تجد عيبا فسد الخللا ++++ فجل من لا عيب له وسما
وللإشارة هذه الكلمات عبارة عن جلسات منزلية ناقشناها مع إخوة لنا في الله. ونصها كالتالي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بســــــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " }
نتناول اليوم في هذه الكلمة قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة. لكن للوصول إلى فهم بعض ما جاء فيها من معاني ودلالات فإنه علينا الرجوع إلى بعض الآيات الأخرى حتى يتسنى لنا الإلمام بعض الشيء بها استئناسا منا فالقرآن ثابت وفهمنا متغير وذلك من قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}العلق. فقوله تعالى:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} باسم أي اتخاذ مصدر التشريع الكتاب والسنة ولفظ ربك متعلق بالتفكر والتدبر في خلق الله تعالى أي البحث العلمي المؤسس على أساس قيمي أخلاقي صالح من منطلق عقيدة التوحيد، وكذلك من قوله تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}الإسراء.
ففعل القراءة تأمل وفهم وإدراك وعمل. أن نتأمل حتى يتم الاعتقاد القلبي، ومنه الوصول إلى الفهم الذي يكون منه الإدراك العقلي، ثم على هذا التكوين و البناء يتشكل التصور، الذي بدوره يحقق الإرادة العملية، ولا يكون هذا إلاّ باكتساب أدوات ومشارط القراءة والتي هي حاصل التعلم، أي أن التأمل حاصل من مراجعة الترسبات المعرفية والعلمية. ثم إن هذا التأمل متغير بتغير الأدوات والمشارط، وعليه كان قول الله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}الإسراء.
وهذا الجزء من الآية في قوله تعالى:{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } له من بين ما فيه من الدلالات ما يوحي إلى التغير وفق الحادث من التعامل والتفاعل مع ما جدّ من العلم والمعرفة. وعليه فلن يكون الوصول إلى الحق إلاّ بالاستعانة به تعالى. فطبيعة الخلق البحث في حقيقة الخلق من تعامل مع القوانين الخلقية التي بعثها الله تعالى في خلقه و التي منها يكون التسخير ، وكل خلق الله مسخر لخدمة الإنسان. ومن هذا ننطلق إلى جزئية من قوله تعالى: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وهي أن الله تعالى ببعثته لمحمد صلى الله عليه وسلم وإنزاله القرآن خاتما بهما الأنبياء والرسل والكتب والرسالات، أنهى التعامل مع المعجزات باستثناء معجزتي القرآن والسنة، وجعل نواميسه الكونية هي الفاعل في حركة الكون، بمعنى أن عمل كل الخلق بدون استثناء لا يخرج عن عمل القوانين التي جعلها الله في الخلق. مع أنها { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}تشير إلى أن الإنسان هو دائم دائب في تحصيل العلم والمعرفة، أي في زيادة دائمة من تحصيله العلم والمعرفة إلى يوم القيامة.
ثم إن التحصيل المستمر في العلم والمعرفة متعلق بفهم القوانين ومدى التعامل والتفاعل معها ونستنبط ذلك من لفظ "جعل " في القرآن الكريم واللفظ جعل في القرآن الكريم متعلق ومرتبط بحقيقة عظيمة وهي مجموع القوانين العلمية كانت أو المعرفية وللتدليل قوله تعالى من سورة الفرقان: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)} و نجد تعلق وارتباك اللفظ جعل بالقوانين العلمية والمعرفية في غيرها من الآيات الكريمات كذلك.كقوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) }وهنا اللفظ جعل متعلق بالنعمة، ثم قوله:{ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}متعلق بشروط الملك وفق قوانين قيام الملك
فانتهاء المعجزات حاصل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذلك فما يتحكم في حركة الخلق كل الخلق هو مجموع القوانين التي جعلها الله في خلقه. وهذا إعجاز رباني بما نتعامل معه الذي قد نصل إلى فهمه "مما جعله في خلقه من قوانين". إذن فكل ما كان وما هو كائن وما سيكون من الله تعالى. فلن يخرج عن إرادته وإليه المصير. ونزيد قولا هنا لزيادة التوضيح من قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}المائدة فمن الجزء من الآية في قوله تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}في سياقها مع ما قبلها وما بعدها نجد بأن لها دلالات مبينة لحق إذا تأملها الإنسان التأمل الصحيح السليم المستقيم لوجد فيها الحق الموصل إلى فهم حقيقة خلقه وما عليه من وظيفة يؤدها من قوله تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}الذاريات. من هذه الآية نخلص إلى أن الوظيفة الخلقية هي العبادة الحق للحق بالحق . وعليه فقوله سبحانه وتعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}متضمن معنى الأمر بإتيان الأمر والنهي بما يوافق خطاب "الشارع الحكيم" وأما ما كان من حال حادثة ولم يوجد لها أو فيها نص فقد جعل لها قواعد عامة " مقاصد الشريعة" لا يخرج القول والفعل والتقرير عنها، وهذا إن عنى شيئا فإنما يعني ما جاء من لفظ أكملت ، ففي هذا يكمن كمال الدين أي لا زيادة ولا نقصان فيه، وأما قوله تعالى: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فقبل التمام المعرفة بالشيء حتى نتطلع إلى مدى تمامه ومنه فما النعمة من حيث الكم والكيف، قال تعالى: { وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}إبراهيم. وقال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) }النحل وهنا القول أنه من حيث الكم فلا مجال للعد وما لا نعلمه لا نستطيع أن نعده وأما ما نعلمه فإن حاولنا عده فلا نستطيع كذلك ، وذلك راجع للطبيعة الجزيئية في التركيب والترتيب، وأما الكيف فكذلك لا نستطيع عده، وذلك راجع إلى طبيعة التكوين، لكن لنا أن نتمم النعم أي أنه لا تتم نعمة إلاّ بنعمة أخرى، وقيام العقل بترتيب التركيب فيه تمام النعمة و العمل العقلي يمثل نعمة من نعم الله، بمعنى لو نأخذ أي جهاز تمت صناعته كالكومبيوتر أو الهاتف النقال أو غيرهما نلاحظ تزاوج عدد من العناصر حتى تم تسخيره وفق قوانين معلومة هي التي تتحكم في الأشياء لخدمة البدن، فالنعم لا تتم إلاّ بالعلم وليست لنا القدرة على عدّها مهما كان تحصيلنا العلمي، وكأن هذا الجزء من الآية يأمر بالبحث العلمي الخاضع للتجريب. قال تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}العنكبوت . وقال تعالى:{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) الروم . فقوله تعالى:{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} دلالة على العلم التجريبـي وذلك لطبيعة العقل البشري الذي يميل إلى المعرفة بالشيء أي الموجود، والموجود بطبيعته له التأثير على الإنسان من وجه معرفته بقوانين التركيب، ذلك التركيب الدقيق المفصل المتناهي الدقة والتفصيل ليَحدُث منه العلم بالـمُوجِد، قال تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}محمد.
ومن هذا فالعلم بالموجود دلالة يقينية على الـمُوجد، وهذا ما يرجعنا إلى قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}لنقول فيه بأن هنالك تشابك متجانس بين الدين والعلم المادي ليتم بذلك التالي، الدين يوافق الفطرة والعلم يوافق البدن، ومنه فإن العلم خادم للدين إن أخذ باستقامة وسداد. وقوله تعالى: { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الإسلام دين والدين عند الله كامل ، فكمال الإسلام من كمال الدين مع الأخذ بذلك التجانس المتشابك بين الدين والعلم، ليكون الإسلام هو ذلك الكل المتكامل من دين وعلم.أي أنه لا دين من غير علم ولا علم من غير دين.كما في " لا يصح الإيمان بغير عمل ، ولا يصح العمل بغير إيمان". ومن هذا فإن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا الحق الواجب علينا إتباعه، مع الجزم بانتهاء المعجزات وإنما ما جعله الله من نواميس كونية محركة للكون بكل ما فيه من مخلوقات، ليكون لنا من هذا إتباع استقامة وسداد لحصول تسخير الخلق كل الخلق للإنسان، أي استخلاف الإنسان في الأرض وجنة إن شاء الله تعالى وعدا منه للمسلمين الصادقين الذين لم يغيروا أمر توحيده وعملوا بالأمر والنهي الصادر منه المنزل على عبده خير البرية جمعاء محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هذا كله نخلص إلى أن العلم المادي خادم للعلم الشرعي مثبّتا له، .../... يتبع