تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إعترافات رجل مهم .......قصة بقلم بوفاتح سبقاق ج 2و الأخير


بوفاتح سبقاق
2008-06-29, 12:49
ابني الوحيد يعيش عالمه الخاص ولايعرف بأنه يعيش داخل هذا الوطن ، ولا يعرف عن هذه البلاد سوى الطريق المؤديإلىالمطار الدولي ، في منتصف ليلة صيفية أيقظني بكاؤه المفاجئ ، هرعت إليه فوجدته فيوضعية لا يحسد عليهافأعطيته بعض الحلويات وأخبرني بأنه رأى كابوسا مرعبا ،مواطنا يلعب معه في حديقة القصر ، انسابت دموع الأبوةمن عيني واحتضنت فلذةكبدي وقطعت العهد على نفسي بأن لا يقترب منه مواطن ما دمت حيا وفي اليوم الموالياستدعيت أشهر طبيب في المدينة العائمة ، قبل وصوله كانت كل معلوماته عندي حيثتأكدت بأنه من أصحاب السلوكاتالحضارية وغير مصاب بمرض المواطنة ولا ينتمي إلىفئة المتسلقين ، بعد دقائق خرج من جناح ابني وأخبرني بأنهيعاني الوحدة القاتلةوأصر على ضرورة توفير أطفال له لتطوير كيانه الاجتماعي ، فكرت في استيراد أطفال منالخارج بعيون زرقاء وخضراء أو إرسال ابني إلى عاصمة الضباب حيث الحضارة والتطوروفضلت الحل الثاني وهكذا أنقذت ابني من مستنقع المواطنة .
- سيدي أنا موظف بسيطولكن بساطتي لم تمنعني من قول الحقيقة ، أنا مواطن صالح أحب هذه الوطن حتى النخاع ،رأيتهم ينهبون ويسرقون فقلت لا لتركيع البلاد والعباد ، فهددوني ولما نشرت رسالةمفتوحة إلى أعلى الهرم ،أوقفوني عن العمل وأصبحت بين عشية وضحاها أعاني ضيقالحال وهم ما زالوا يعيشون رغد الحياة .
- كلامك لا يدل على بساطتك بل يحمل فيطياته لغزا كبيرا ، إما أن تكون صاحب أفكار خطيرة وبالتالي فأنت متحزب وتعمل علىتخريب الوطن من الداخل أو تكون رجلا أنهكته الأيام ففقد عقله وإلا ما علاقة الوطنبالنخاع الشوكي .
- كيف تقول لي هذا الكلام يا سيدي؟ وأنا الذي اكتشفت أعداءالوطن .
- ومن أدراك بأنهم أعداء الوطن ،إنهم مسيرون والمسؤولية صعبة وقد يخطئالمرء أحيانا ولكن هذا لا يعنيبأن ندفع برأسه إلى المقصلة ، يبدو أنك عدو نفسكولا تدري لقد تدخلت في أمور لا تهمك ومن تدخل في ما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه لقدضيعت قوت أولادك أما الوطن فله رب يحميه وهو ليس مشجبا نعلق عليه مآسينا وخيباتنا .
- لكن سيدي ، من يوقف أعداء الوطن وينصفني على الظالمين ويرجع لي كرامتيواعتباري .
- دع الأمر للأيام فلا غالب إلا الله ولا تنس بأن يوم الحساب سيكونجميع الناس سواسية ، وأنصحك بأن تنزع من قلبك وهم الوطن وعش أيامك بحلوها ومرهاوالشكوى لغير الله مذلة .
خرجت كعادتي مبكرا لكي أتفادى أكبر قدر من المواطنينولكن لا مفر من رؤيتهم فحركة المرور ثقيلة، لا أدري سرهذا الكم الهائل منهم ،اليوم يملأون الطرقات و الأرصفة و النوافذ وما زاد الطين بلة هو كثرة سيارات النقلالجماعي ، لابد من التفكير في إنشاء طرق خاصة بالنخبة والمجتمع المدني ، يبدو أنالأمر يتعلق بعيد وطني ، لقد وضعت هذه المناسبات خصيصا لهؤلاء المواطنين ليعبرواأكثر عن وطنيتهم ووفائهم لثوابت وقداسة هذا الوطن ، ولم يبق لنا في هذه البلاد سوىأعياد رأس السنة.
أراد أحد الأوباش مزاحمتي بسيارة ، أكل عليها الزمن وشربوغادر المكان ، تخلصت من الملعون وواصلت طريقي متسائلا عن جدوى بقاء السياراتالقديمة ، توتر الأعصاب وتلوث البيئة .
أجريت مكالمات هاتفية عديدة وأعينالمواطنين على حافة الطريق تلتهمني وتبعث بسهام من الحقد والكراهية ، ما ذنبيإذا كنتم لا تملكون هواتف نقالة وسيارات فاخرة ، من المؤسف دخول شركات أجنبيةلتستثمر في الهاتف المحمولفهذا من شأنه جعله في متناول كل من هب ودب ويقضي علىالبعد الحضاري لأجهزة الاتصال ، حتى النظاراتالتي أحملها لم تخف ملامحهم عنيفهم جميعا متشابهون ولديهم نفس الآراء والانطباعات ويحبون المسيرات العفويةويتسابقون للحديث مع أي صحفي معه فريق تصوير ، المهم هو المشاركة والظهور علىالشاشة وغاية مطمح لأي مواطن هو الظهور في نشرة الثامنة وهكذا يعيش نشوانا وسعيداأياما لأنه شوهد من طرف أفراد العائلة والأقارب والجيران وقد يتصل به بعض معارفه منالخارج ليخبروه بأنهم شاهدوه عبر القناة الفضائية .
وصلت إلى مقر عملي بكلتثاقل وملل فوجدت في بهو الانتظار عدد كبير من المواطنين ، دخلت مكتبي وأنا ألعن فيقرارةنفسي أيام الاستقبالات .
تصفحت الجرائد الموضوعة أمامي ، فكرت قليلاثم قررت العمل التاريخي الأول في حياتي ، ألا وهو حل الكلمات المتقاطعة باللغةالعربية .