المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعترافات رجل مهم ........... قصة بقلم بوفاتح سبقاق ج 1


بوفاتح سبقاق
2008-06-29, 12:46
عدت إلى إقامتي ذلك المساء والألحان تتماوج في مخيلتيوالعطور ما زالت تغرق أنفي في بحيرة الرغبة ، أحب مشاهدة مدينتي ليلا حيث تبدوكلوحة فنية ، تتوزع الأشجار والمباني بانتظام على حافتي الطريق في حين تضفي الإنارةعلى بعض الحدائق نكهة سياحية خالصة وما زاد في سعادتي أكثر ، خلو الأرصفة منالمواطنين ،معنوياتي تتدهور كما رأيتهم يطالبون بحقوق المواطنة ،أين المدينةالفاضلة وسط هذه الفوضى العارمة ؟ رؤيتهم تصيبني بالقرف والإحباط ، حتى القناةالوطنية لا أحبذها لأنها تتكلم يوميا عن المواطنين ، وإذا حدث وأن رأيت أحدهميتباكى عبر قناة أجنبية فإنني أسارع إلى تغيير المحطة أو الانشغال بأشياء أهم ،كتقديم قطع اللحم المفرومة لكلابي المستوردة من الخارج .

- سيدي ليس لديناسكن ، فأنت تعلم بأننا نقيم في خيمة منذ ثلاثة أشهر ، بإمكانك أن تتصور قسوةالمعيشة في هذا البرد القارص ومعاناة الأطفال الصغار .
- وأين سكن آباؤكم ؟تتزوجون في الفراغ وتنجبون على الأرصفة وتطالبون بالسكن ، إن الطبيعة لا ترحمأمثالكم
ولا يمكنني أن أتصور معاناتكم فأنا أعيش في قصر لا أعرف عدد غرفه ، أمابخصوص أطفالكم ، أتمنى أن تكون لديهم
المناعة الكافية لمقاومة الأمراض ، خاصةتلك المتنقلة عن طريق المياه وعلى كل حال فنحن بصدد إعداد أرضية
عمل في هذاالشأن والتي ستعرض لاحقا على الجهة المخول لها صلاحيات تطبيق ومتابعة مراحل وطرقتنفيذ البرنامج
المعد سلفا وجميع الأطراف ستقدم تقاريرها إلى اللجنة الوطنيةالتي ستنشأ وهذا بعد أن تحدد لجنة خاصة مقاييس إنشائها .
أي معنى للمواطنة فيهذه البلاد التي أصبح فيها الأوباش يتطاولون على النخبة ، السلوكات الحضارية مهددةبهؤلاء
الرعاع القادمين من عصور الانحطاط ، لو أعد المواطن رسالة دكتوراه لكانموضوعها الشكاوي ، كلما فتحت
الصحيفة إلا وأفاجأ بهذا الكم الهائل منها ،ابتداءمن رئيس البلدية وصولا إلى رئيس الجمهورية ، مع أنه لم يسبق لي وضع قدماي في السوق، إلا أنني لاحظت عدم قبول المواطنين لأي سعر يقترح عليهم من طرف التجار وكأنهميرغبون في الحصول على السلع مجانا ، لقد تعودوا على تحقيق المكاسب بدون جهد .
- سيدي ، مرت سنوات وأنا في دوامة البطالة ، أنا رب عائلة من سبع أفراد وكلهم بحاجةإلى ملبس ومأكل
ومستلزمات الحياة ، أريد منصب عمل ولو بواب أو عون تنظيف.
- ليكن في علمك بأن البطالة ظاهرة عالمية ولا تقتصر على بلادنا فقط ، حتى الولاياتالمتحدة الأمريكية تعاني منها وعلى مستوانا لا توجد مناصب مالية ، إذا وظفتك بواباهل أدفع أجرتك من جيبي؟ فلابد من وجود الاعتماد المالي ،
وبصراحة حتى وإن وجدتفرص عمل فأنت لست جديرا بها ، فما هي الفائدة التي سوف أجنيها من توظيفك؟ المناصبلأصحاب المراكز العالية ، الذين أجدهم ويجدونني في وقت الحاجة أما أنت فبطالتكحتمية تاريخية لا مفر منها وإرادة إلهية ولا مرد لقضاء الله .
أتذكر أول عهديبالمسؤولية حيث استقبلت مواطنا يشكو سوء أحواله والمصائب التي هبطت على رأسه ،أسلوبه في الخطابة يضمن له بامتياز رئاسة جمعية شكاوي المواطنين ، وبما أنني لم أكنأعرف مكره وخداعه فقد استمعت إليه مليا وما أن خرج حتى أصبت بحالة اكتئاب قويةوبقيت في منزلي ثلاثة أيام كاملة ، أتابع القنوات الفضائية ، وفقدت شهيتي للأكلوزاد وزني كثيرا واقتصرت على بعض الخرفان المشوية، أهديت لي كمواساة من طرف بعضالأصدقاء وعندما شفيت و اجتزت مرحلة النقاهة بصعوبة ، نصحني طبيبي الخاص بعدم رؤيةالمواطنين وتفادي سماع أو قراءة أخبارهم وبالطبع قطع كل العلاقات مع القناة الوطنية .
- سيدي أنا أرملة ولدي ثلاث أطفال ، توفي زوجي في ريعان شبابه دفاعا عن هذاالوطن الغالي ساعدوني لأقاوم صعوبة المعيشة بعمل أسد به رمق اليتامى .
- اقتصادالسوق لا يبنى بإعانات ومناصب العمل غير موجودة
– الهاتف يرن - أهلا سيدي حبيبالكل ، طبعا لم أنساك وحتى وإن انشغلت عنك فآخر سهرة ما زالت ألحانها تدور في
رأسي ، في أي وقت يريد أن يبدأ اليوم أو غدا وإن أراد فهو في عطلة مدفوعة الأجر،لا شكر على واجب – يضع
السماعة - الأزمة شاملة وزوجك رحمه الله عليه وندعو لهبالخلود وفسيح الجنان أما أنت فيجب أن تواصلي رسالتك ،
زوجك ترك لك أمانة وماتفي سبيل الوطن .
- لكن سيدي لقد ترك لي حملا ثقيلا وأعطى زهرة عمره لهذا الوطن .
- حديقة الوطن مليئة بالأزهار وزوجك ليس آخر زهرة تقطفها أيادي الغدر فهوشهيد الواجب وسيجازيه الله بكل تأكيد ،أما الوطن فلنا جميعا وكلنا في خدمته ولكن كلواحد من موقعه الخاص ، فلتعلمي سيدتي الفاضلة بأن الوطن ليس
حسابا بنكيا نسحبمنه متى نشاء ، بل هو شيء أنبل بكثير ،هو رمز مقدس يسكن أرواحنا الطاهرة ولا يقدربثمن .
- سيدي هل هذا الكلام الجميل الذي تقوله يكفي أطفالي شر العراء والجوع ؟
- ليس بغريب أن يصدر منك هذا الكلام ، فأنت مثل الآخرين تحملين حقدا علىالإدارة ومؤسساتها ومن سوء حظك فأنت بعيدة كل البعد عن الجمال والفتنة ولا تحملينمن الأنوثة إلا الاسم ، لو كنت جميلة وجذابة لحولت الوطن إلى عقد من الماس وزينت بهصدرك .
زوجتي المقيمة معي في مستوطنتي الخاصة تدرك مدى حساسيتي من المواطنينفهي دوما صامتة وإذا صادف وأن تكلمت فإن حديثها يقتصر على مواضيع خيالية أو خارجية، حتى الخدم والحراس أعطيتهم تعليمات شاملة وصارمة لتفادي التعامل مع الناس وضرورةالتقيد بالحد الأدنى من الاتصالات اللازمة .