المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشــــــركُ حقيقته، وأنواعه، ومظاهره.


رشيديوس
2010-12-03, 18:29
الشــــــركُ حقيقته، وأنواعه، ومظاهره.

كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.

المقدمـة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذا هو الدرس الخامس من: (دروس في التوحيد) وعنوان هذه الحلقة هو: (الشرك: حقيقته، وأنواعه، ومظاهره) ويتكون من عدة فصول:
الفصل الأول: حقيقة الشرك: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: تعريف الشرك.
الثاني: الشرك محدود وليس معدوداً.
الثالث: خ الشرك.
الفصل الثاني: وقت وقوع الشرك، وكيف وقع: ويتكون من مباحث:
الأول: وقت وقوع الشرك.
الثاني: وكيف وقوعه.
الثالث: تنوع الشرك الذي وقعت فيه الأمم.
الفصل الثالث: أنواع الشرك: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: الشرك في باب الربوبية.
الثاني: الشرك في باب الألوهية.
الثالث: الشرك في باب الأسماء والصفات.
الفصل الرابع: أقسام الشرك: ويتكون من "تمهيد" وعدة مباحث:
الأول: الشرك الأكبر.
الثاني: الشرك الأصغر.
الثالث: الفرق بين الشركين.
الرابع: وجود هذين القسمين في باب الربوبية وباب الألوهية.
الفصل الخامس: سد ذرائع الشرك: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: منزلة سد الذرائع في الشريعة.
الثاني: سد الشريعة لذرائع الشرك.
الفصل السادس: مظاهر الشرك: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مظاهر الشرك في باب الربوبية.
الثاني: مظاهر الشرك في باب الألوهية.
الثالث: مظاهر الشرك في باب الأسماء والصفات.
نسأل الله جل وعلا أن ينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الفصل الأول:

حقيقة الشرك:

من المهم فهم تعريف الشرك لتصور حقيقته، وفهم المسائل المترتبة عليه والمتفرعة منه.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (9/59): (ومعرفة حدود الأسماء واجبة لأنه بها تقوم مصلحة بني آدم في النطق الذي جعله الله رحمة لهم لاسيما حدود ما أنزل الله في كتبه من الأسماء كالخمر والربا، فهذه الحدود هي الفاصلة المميزة بين ما يدخل في المسمى ويتناوله ذلك الاسم وما دل عليه من الصفات، وبين ما ليس كذلك) أ.هـ
فلذلك كان من المهم أن يضبط العلماء تعريف الشرك ويبينوا حقيقته بتعريف جامع مانع، ومن هنا سلكنا هذا المسلك فنقول وبالله التوفيق:

المبحث الأول: تعريف الشرك:

الشرك لغة: هو النصيب، ومنه قوله تعالى: (ما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) وقوله: (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات).
والشرك شرعاً: "هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله تعالى"، ومن المعلوم أن خصائص الله ترجع إلى "الربوبية"، و"الألوهية"، و"الأسماء والصفات"، وعليه فإن الشرك يدخل في هذه الأبواب الثلاثة، وسيأتي زيادة توضيح لمثل هذه الأمور.
وقولنا: (غير الله) يشمل كل مخلوق، سواء كان هذا المخلوق من الملائكة أو من الإنس أو من الجن، فلا فرق بين شرك وشرك، ولا مخلوق ومخلوق.
وهناك من يعرف الشرك – وهو في مقام التأصيل والتفصيل - بأنه: (عبادة غير الله تعالى)، وهذا تعريف قاصر، لأن هذا محصور بـ "باب الألوهية" فقط، فأين الشرك في "باب الربوبية" و "باب الأسماء والصفات" ؟!
وأما قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي في رسالة (ثلاثة الأصول) حيث عرف التوحيد والشرك فقال: (وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غيره معه).
فيجاب بأن الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له عذره، فقد ألف رسالته معتنياً بتوحيد الألوهية عناية زائدة لأن وقته كان مليئاً بالخلل في هذا النوع.
قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في: "الكبائر" في تعريف الشرك: (الشرك: هو جعل شريك لله سبحانه وتعالى في ربوبيته وإلهيته، والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادة كالذبح لغير الله أو النذر أو الخوف أو الدعاء).
وهناك فوائد كثيرة تترتب على معرفة حقيقة الشرك، منها:
1- خوف الإنسان على نفسه من أن يقع في شيء من صور الشرك أو شيء من فروعه.
2- اكتساب معرفة تامة بحقيقة الشرك، وقدرة على التمييز بين صوره المختلفة، بحيث يعرف الطالب أن هذه المسألة من الشرك أو أنها ليست كذلك.

المبحث الثاني: الشرك الأكبر محدود وليس معدوداً:

اختلف العلماء في الشرك الأكبر: هل هو معدود أو محدود ؟! على قولين، ووجه الفرق بينهما أن المحدود: هو ما له حد أي: تعريف، وعليه فتدخل فيه صور كثيرة وجزئيات لا تحصى، وأما المعدود: فهو ما كانت صور الشرك فيه معدودة، وهي ما نص عليها الشارع فقط، فلا تزيد عليها.
والصحيح من القولين أن الشرك محدود، أي: له تعريف فتدخل تحته جزئيات لا تحصى، وصور لا تعد، وقد تقدم معنا تعريف الشرك وأنه تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، وعليه فتدخل في هذا التعريف صور كثيرة قد تتجدد مع مرور الأيام والليالي، وإن لم ينص عليها الشارع أنه من الشرك، وقد تقدم معنا أن القاعدة تقول: (الشيء إذا ثبت أنه عبادة فصرفه لغير الله شرك) وهذه القاعدة تدخل فيها صور كثيرة وإن لم ينص الشارع عليها بذاتها.
قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/376): (والشرك أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الله).
وهذا الخلاف إنما هو في الشرك الأكبر، أما الشرك الأصغر فسيأتي الكلام عليه.

المبحث الثالث: خطورة الشرك:

إن بيان خطورة الشرك وسوء آثاره على الأفراد والمجتمعات يعتبر فرعاً من بيان حقيقة الشرك، ولذلك أوردناه هنا في فصل: "حقيقة الشرك".
وخطورة الشرك لا تخفى على موحد، فالشرك خطره عظيم ونعرف ذلك من عدة أوجه:
1- فهو أعظم الظلم لأنه تعلق بحق الله تعالى، قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك أعظم الظلم.
2- لأن الله أخبر أنه لا يغفر لمن مات عليه ولم يتب منه، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وعليه فالمشرك خالد مخلد في نار جهنم قال تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
4- أن الشرك يحبط جميع الأعمال الصالحة، قال تعالى: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون). وقال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
5- أن المشرك حلال الدم والمال، قال تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها).
6- إن الشرك أكبر الكبائر قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) الحديث.
قال العلامة ابن القيم في "الجواب الكافي": (فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيداً لهم لما تركوا القيام بعبوديته وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملاً أو يقبل فيه شفاعة أو يستجيب له فى الآخرة دعوة، أو يقبل له عشرة فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه نداً وذلك غاية الجهل به كما أنه غاية الظلم منه وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه) أ.هـ
7- أن الشرك تنقص نزه الرب سبحانه نفسه عنه فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه نفسه عنه، وهذا غاية المحادة لله تعالى، وغاية المعاندة والمشاقة لله.
8- أن الشرك يفسد العقول، فالمشركون من أفسد الناس عقولاً، وقد قال الله فيهم: (وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).
والدلائل على فساد عقل المشرك كثيرة، ويكفينا هنا أن نذكر هنا قصةً لطالب مسلم يدرس في "كلية" من جامعات "الهند" على بروفيسور من عباقرة الأساتذة، دخل عليهم الأستاذ ليلقي المحاضرة، وبعد الانتهاء من المحاضرة يقترب الطالب من المدرس ليلقي عليه بعض الإشكالات التي واجهته، فيفاجأ بريحة عفنة تصدر من الأستاذ !! فقال له الطالب: " ما هذا يا أستاذ؟!" فقال له: هذه ريحة بول الآلهة - أي البقرة - !! فالدكتور لا يخرج إلى الكلية إلا وقد تلطخ ببول البقرة تبركاً، ووقايةً من الأعين !! ولا يجد في ذلك أدنى خجل، ولا وجد أدنى غضاضة من أن يصرح لهذا الطالب بالحقيقة، وهذا الشيء لا يتردد في استنكاره عندنا الشخص الأمي الذي يعيش في أرياف المسلمين.
فهذه البقرة خلقها الله لابن آدم، وخلق له ما فيها من اللحم واللبن والجلود وغير ذلك، ثم يسخر نفسه عبداً لهذه النعمة !! وكم تموت من الأبقار في الهند يومياً دون أن يستفاد منها مع أن الهند من بلاد المجاعات.
بل فساد المعتقد جرّ الإنسان إلى أن يعبد الفأر، ويجعله نداً لله في العبادة !! وهناك ثلاثة آلاف وثن يعبد في "الهند"من دون الله، ما بين بقرة وفأر وغيرهما، حتى الفروج تُعبد من دون الله !! في عصر قفزت فيه التكنولوجيا إلى أرقى المستويات، نسأل الله السلامة والعافية.
9- والشرك له أثر كبير على القلوب فهو يفسدها ويوهنها، فالفارس الشجاع الذي لا يبارى في المعارك، تجده يخاف من أحقر الأشياء، بل يخاف من أشياء وهمية لا حقيقة لها، ولذلك فإننا نجد أن الأمراض النفسية والعقلية كثيرة في المجتمعات الغربية، وغالبها يؤدي إلى الانتحار.
10- الشرك كما يفسد العقول كذلك يفسد الأخلاق، ولذلك أفسد الأخلاق هي أخلاق المشركين، وفيهم من الفواحش بقدر تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.
والذي يتأمل في أحوال الغرب يجد غرائب وعجائب كثيرة، منها ما يتحدث به الغرب مؤخراً من الحرية الجنسية من الشذوذ الجنسي بشتى صوره ومختلف أنواعه، لأنهم يرون أن إرخاء العنان لهذه الشهوات من علامات التحضر والترقي، وكل هذا يدل على فساد عقليات المشركين وأخلاقهم.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (10/135-136): (ولهذا لما كان يوسف محباً لله مخلصاً له الدين لم يبتل بذلك، بل قال تعالى عن يوسف: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلذلك ابتليت بالعشق، وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صارفان يصرفانه عن العشق أحدهما: إنابته إلى الله ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فلا تبقى مع محبة الله محبة مخلوق تزاحمه.
والثاني خوفه من الله فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه) أ.هـ
فظهر لنا من هذه الأوجه أن الشرك أعظم الظلم وأنه أكبر الكبائر، وأنه يبيح الدم والمال وأنه يفسد العقول والأخلاق، وأن له تأثيراً عظيماً ومباشراً على مصير الإنسان في الآخرة.

الفصل الثاني:

وقت وقوع الشرك في الأمم، وكيفية وقوعه:

هذا الفصل سنعرض فيه بداية وقوع الشرك في الأمم وكيف كان وقوعه، لأن هذا يساعد على فهم حقيقة الشرك القديم والجديد، ومعرفة مدى العلاقة بينهما، فإنها وإن تغيرت الصور على مدى الأزمان لكن الحقيقة واحدة.
قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم": (ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله وأنواعه، حتى يتبين له تأويل القرآن، ويعرف ما كرهه الله ورسوله، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه، وما ذكره الأزرقي في أخبار مكة، وغيره من العلماء) أ.هـ

المبحث الأول: وقت وقوع الشرك:

كان الناس أمة واحدة على التوحيد والفطرة من عهد آدم إلى قبيل عهد نوح عليهما الصلاة والسـلام، حتى طرأ على بعض الناس ما يفسد فطرتهم فدخل الشرك عليهم، وأول ما دخل الشرك كان قبل أن يرسل الله نوحاً إلى قومه، حيث عبد الناس أناساً صالحين، فبعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام وهو أول رسول أرسل إلى قوم مشركين.
ثم أرسل الله رسله تترى كلما ظهر الشرك في الناس بعث الله إلى الناس من ينذرهم من هذا الشرك ويحذرهم منه ويدعوهم إلى التوحيد، وكل شرك ظهر في الناس كان مدخله هو مدخل الشرك الذي حصل في قوم نوح وهو اتخاذ الصالحين واسطة بينهم وبين الله.
إلى أن جاء الشرك في جزيرة العرب، فقد كان الناس في جزيرة العرب على ملة إبراهيم حتى جاء رجل يقال له عمرو بن لحي الخزاعي، فأخرج الأصنام التي عبدها قوم نوح من رمال الشام بوحي من الشيطان فنقلها إلى جزيرة العرب، ودعا الناس إلى عبادتها فاستجابوا له لما له بينهم من جاه وسلطان.

المبحث الثاني: كيف كان وقوع بدايته وأوله:

روى البخاري في "صحيحه" برقم: (4920) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت).
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (1/167): (وقد استفاض عن ابن عباس وغيره في "صحيح البخاري "وفي كتب التفسير وقصص الأنبياء في قوله: (وقالوا لا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) أن هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم، قال ابن عباس: ثم صارت هؤلاء الأوثان في قبائل العرب) أ.هـ
ثم جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبقي الناس على ملته قروناً كثيرة، حتى جاء من غيّر ملته فأحيى عبادة الأصنام مرة أخرى، وكان أول من أحيى عبادة الأصنام بين العرب هو عمرو بن لحي الخزاعي، فقد كان الناس على ملة إبراهيم حتى جاء هذا الرجل فأخرجها في بعض أسفاره من الرمال بوحي من الشيطان فنقلها إلى جزيرة العرب، ودعا الناس إلى عبادتها فاستجابوا له لما له بينهم من جاه وسلطان.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري":
(وقد أخرج الفاكهي من طريق ابن الكلبي قال: "كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فقال: أجب أبا ثمامة، وادخل بلا ملامة ثم ائت سِيْفَ جدَّة، تجد بها أصناماً معدة، ثم أوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب، قال فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس، ثم إن الطوفان طرحها هناك فسفى عليها الرمل فاستثارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب) أ.هـ

المبحث الثالث: تنوع الشرك الذي وقعت فيع الأمم:

ويبنغي أن يعرف أن أكثر شرك الأمم حصل من جهتين:
الجهة الأولى من جهة اتخاذ الصالحين وسائط فيما بين الناس وبين ربهم:
وهو الذي وقع فيه قوم نوح ومن كان على طريقتهم، وإنما عبدوا هذه الأوثان لأنهم اعتقدوا أن هؤلاء الصالحين لهم مكانة عظيمة عند الله، فهم يتوسطون لهم في جلب المنافع ودفع الضرر.
وزاد تعلق المشركين بهذه الأوثان لما رأوا أن هذه الأوثان تخاطبهم وتدلهم على أماكن ضوالهم، ففتنوا بها فتنة عظيمة قل من ينجو منها، وإنما تتخاطب معهم الشياطين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما "مجموع الفتاوى" (11/287-288): (ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الحي مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته، وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين).
وقال رحمه الله (11/292-293): (والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته، فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها - كما يفعل أهل دعوة الكواكب - فإنه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان، والشيطان - وإن أعان الانسان على بعض مقاصده - فانه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إلى شر الا أن يتوب الله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب).
وقال رحمه الله كما في "تلخيص الاستغاثة": (وكذلك عباد الكواكب والأصنام قد تخاطبهم الشياطين وتحصل لهم بعض مطالبهم.
ودعاء الغائبين والأموات من هذا الباب، فقد يحصل أحياناً أن شيطاناً يتمثل للداعي وقد يحصل بعض مطالبه).

والجهة الثانية: عبادة الكواكب وهو الذي وقع فيه قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام:

وشبهة عباد الكواكب نشأتمن تعلقهم بالملائكة، واعتقاد أن واسطة فيما بينهم وبين الله، وأن الله وكل إليهم تصريف هذا العالم، ثم اعتقدوا أن الأفلاك والكواكب أقرب الأجسام المرئية إلى الله تعالى، وتصوروا أنها أحياء ناطقة مدبرة للعالم، وأنها بالنسبة للملائكة كالجسد للروح، فهي الهياكل والملائكة هي الأرواح، وأن لها صفات مخصوصة استحقت أن تكون آلهة تعبد.
فجرهم هذا إلى التقرب إلى هذه الهياكل المزعومة - وهي الكواكب – وهو في الحقيقة تقرب إلى هذه الأرواح - وهي الملائكة – لتقربهم إلى الله تعالى، وهؤلاء يسمون أصحاب الهياكل.
ولما كانت هذه الكواكب يختفي أكثرها في النهار وفي بعض الليل - لما يعرض من الغيوم والضباب ونحو ذلك - رأوا أن ينصبوا لهذه الكواكب أصناماً وتماثيل على هيئة الكواكب السبعة (الشمس والقمر والزهرة والمشتري وعطارد والمريخ وزحل) حينما تصدر أفعالها عنها كما يزعمون كل تمثال يقابل هيكلاً، واعتقدوا أن التقرب إلى هذه الأصنام هو (الوسيلة) إلى الهيكل (الكواكب) التي هي وسيلة إلى معاينات الملائكة التي هي وسيلة إلى الله تعالى، وهؤلاء يسمون أصحاب الأشخاص.
قال شيخ الإسلام في "الرد على المنطقيين":
(والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين: أولهما: تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها وهذا أول الأسباب التي بها ابتدع الآدميون الشرك وهو شرك قوم نوح...
والسبب الثاني: عبادة الكواكب فكانوا يصنعون للأصنام طلاسم للكواكب ويتحرون الوقت المناسب لصنعة ذلك الطلسم، ويصنعونه من مادة تناسب ما يرونه من طبيعة ذلك الكوكب، ويتكلمون عليها بالشرك والكفر، فتأتى الشياطين فتكلمهم وتقضي بعض حوائجهم ويسمونها روحانية الكواكب وهي الشيطان أو الشيطانة التي تضلهم) أ.هـ
وقال كما في "مجموع الفتاوى" (17/460): (وإنما المقصود أن أصل الشرك في العالم كان من عبادة البشر الصالحين وعبادة تماثيلهم وهم المقصودون، ومن الشرك ما كان أصله عبادة الكواكب إما الشمس وإما القمر وإما غيرهما، وصورت الأصنام طلاسم لتلك الكواكب، وشرك قوم إبراهيم - والله أعلم - كان من هذا أو كان بعضه من هذا).
ونحن لا نقول إن صور الشرك محصورة بهاتين الصورتين لأن صور الشرك كثيرة ومتنوعة وأسبابها مختلفة، ولكن هاتان الصورتان هما أغلب الصور وأشهرها كما يشير إلى ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله: (والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين).

المبحث الرابع: أصل الشرك عبادة الشيطان:

وكل شرك حصل على ظهر الأرض فإنما هو في الحقيقة عبادة للشيطان وإن تنوعت هذه المعبودات هذا على الصحيح وهو قول شيخ الإسلام رحمه الله، فقد قال تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) وقال عن إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كلن للرحمن عصياً).
قال شيخ الإسلام في "إقامة الدليل": (والذين يعبدون الشيطان أكثرهم لا يعرفون أنهم يعبدون الشيطان, بل قد يظنون أنهم يعبدون الملائكة أو الصالحين، كالذين يستغيثون بهم ويسجدون لهم فهم في الحقيقة إنما عبدوا الشيطان , وإن ظنوا أنهم يتوسلون ويستشفعون بعباد الله الصالحين, قال تعالى: (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) أ.هـ بتصرف.
وقال كما في "مجموع الفتاوى" (14/283): (وكل من عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان وإن كان يظن أنه يعبد الملائكة والأنبياء).
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد من عبادة الشيطان في الآية هو طاعته في اتباع أوامره بالشرك، فهي ليست عبادة مباشرة له.
قال الألوسي في "تفسيره": (والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم، عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها، ولوقوعها في مقابلة عبادته عز وجل، وجوز أن يراد بها عبادة غير الله تعالى من الآلهة الباطل وإضافتها إلى الشيطان لأنه الآمر بها والمزين لها فالتجوز في النسبة).
والصحيح هو الأول، لأن المشركين تعلقوا بمن يخاطبهم وبمن يرشدهم إلى ضوالهم، وهذا كله من الشيطان، فهم يعبدونه في الحقيقة وإن كانت عبادتهم في الأصل للملائكة أو الصالحين، وهذا غير العبادة الصريحة للشيطان من الكهنة والعرافين والسحرة وغيرهم، طمعاً في خدمة الشياطين لهم.

المبحث الخامس: الأصل في الآدميين:

والأصل في الآدميين التوحيد والشرك طارئ عليهم، فقد قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(20/106):(ولم يكن الشرك أصلاً في الآدميين، بل كان آدم ومن كان على دينه من بنيه على التوحيد لله لاتباعهم النبوة قال تعالى: (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام فبتركهم اتباع شريعة الأنبياء وقعوا في الشرك لا بوقوعهم في الشرك خرجوا عن شريعة الإسلام فإن آدم أمرهم بما أمره الله به حيث قال له: (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون").

الفصل الثالث:

أنواع الشرك:

والشرك أنواع كثيرة تقدمت الإشارة إلى هذه الأنواع إجمالاً وقد وعدنا بالتفصيل فيها، فالشرك - إذا نظرنا إلى المواضع التي يكون فيها - أنواع كثيرة وهي: الأول: الشرك في باب الربوبية، الثاني: الشرك في باب الألوهية، الثالث: الشرك في باب الأسماء والصفات.

المبحث الأول: الشرك في باب الربوبية:

وحقيقة هذا النوع من الشرك ترجع إلى جعل شريك لله تعالى في أفعاله كالخلق والرزق والضر والنفع والقبض والبسط والإحياء والإماتة والنصر على العدو وتفريج الكرب وشفاء المريض وهبة الولد وغير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها غير الله، وكلها ترجع إلى ثلاثة أمور: الخلق والملك والتدبير.

المبحث الثاني: الشرك في باب الألوهية:

وحقيقة هذا النوع من الشرك هي جعل شريك لله في حقـه وهي العبادة، والتي لا يستحقها إلا هو سبحانه وتعالى.
ولكي نفهم هذا النوع من الشرك ينبغي أيضاً أن نعرف حقيقة العبادة فلا يفهم أحد الشرك في "باب الألوهية" إلا بضبط العبادة، فالعبادة مفهومها واسع فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، وقد تقدم هذا في "الحلقة الثالثة".

المبحث الثالث: الشرك في باب الأسماء والصفات:

وحقيقة هذا النوع من الشرك هي جعل شريك لله في أسمائه وصفاته التي لا تنبغي إلا له تعالى، كأن يوصف المخلوق بالواحد القهار أو بالكمال المطلق، أو بعلم الغيب، أو بالعلو على العرش، أو بأنه رب السموات والأرض أو بغير ذلك مما لا ينبغي إلا لله تعالى.

الفصل الرابع:

أقسـام الشـــرك:

تمهــــيد:

الشرك الذي حذر الله منه قد عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فالشرك من أعظم الذنوب لما فيه من اتخاذ الند - وهو الشريك – مع الله عز وجل، وهذا التنديد إذا نظرنا إلى ما يخرج من الإسلام وما لا يخرج منه وجدناه نوعين:
أحدهما: تنديد أعظم وهو الشرك الأكبر،
والثاني: تنديد أصغر هو الشرك الأصغر.
قال ابن القيم في "الصلاة وحكم تاركها": (كذلك الشرك شركان: شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر، وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر).
قلت: وسنجعل لكل واحد منهما مبحثاً خاصاً به.

المبحث الأول: الشرك الأكبر:

والشرك الأكبر: وهو أن يجعل العبد شريكاً لله في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته، فحقيقته اتخاذ الند مع الله تعالى وهو يخرج من الملة، ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه، وله صور كثيرة منها: صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كدعاء غير الله أو التقرب إليه بالذبائح والنذور، أو أن يرجو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا اللّه من قضاء الحاجات وتفريج الكربات، ومن ذلك اعتقاد أن غير الله يضر أو ينفع بنفسه، أو أنه له شيء من القدرة على الخلق وإيجاد الشيء من العدم أو الرزق أو القدرة على التصرف في هذا الكون، أو أن يوصف أحد غير الله بأنه يعلم الغيب المطلق أو يوصف بالعلو المطلق، أو غير ذلك.
قال أبو البقاء الكفوي في "الكليات":
(والشرك أنواع: شرك الاستقلال: وهو إثبات إلهين مستقلين كشرك المجوس.
وشرك التبعيض: وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى.
وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية
وشرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعا للغير، كشرك متأخري الجاهلية.
وشرك الأسباب: وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك.
وشرك الأغراض (أي: المقاصد): وهو العمل لغير الله.
فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع، وحكم السادس (وهو شرك الرياء) المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التفصيل).

المبحث الثاني: الشرك الأصغر:

1- تعريف الشرك الأصغر:

اختلف العلماء في تعريف الشرك الأصغر على أقوال:
أحدها: أن الشرك الأصغر هو كل ما نهى عنه الشارع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وسماه الشرع شركاً، وهذا تعريف جماعة من أهل العلم منهم علماء "اللجنة الدائمة".
والثاني: أن الشرك الأصغر هو كل وسيلة إلى الشرك الأكبر، وهذا قول آخرين كابن سعدي في "القول السديد"، والشيخ عبد الرزاق عفيفي كما في "فتاواه"، حيث سئل الشيخ عبد الرزاق رحمه الله عن وسائل الشرك هل تعتبر شركاً أصغر أم تعتبر محرمة فقط ؟ فقال الشيخ رحمه الله:
(كل وسيلة تؤدى إلى الشرك فهي من الشرك الأصغر بالإضافة إلى تحريمها، فمن ذلك عبادة الله تعالى عند قبر الرجل الصالح إذا كان معتقداً أن هذا المكان فيه بركة تؤثر في قبول الدعاء والعبادة فهذا الشرك أصغر) أ.هـ
وهذا القول يشكل عليه أنه تدخل فيه أشياء لم ينص الشارع على أنه من الشرك الأصغر وليس فيها معنى التنديد لله كرفع القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك.
والثالث: إن ضبط الشرك الأصغر أمر صعب، ولذلك فإن العلماء يضبطونه بالأمثلة ولا يضبطونه بالتعاريف وإلى هذا ذهب بعض المعاصرين، واستندوا إلى قول ابن القيم في "إغاثة اللهفان": (الشرك الأصغر: كيسير الرياء والتصنع للمخلوق والحلف به وخوفه ورجائه).
وأهل هذا القول يرون أن الشرك الأصغر معدود، والصحيح أن الشرك الأصغر: هو ما كان فيه نوع تشريك مما لا يخرج من الإسلام.
وهو أنواع كثيرة، ويجمع هذه الأنواع كلها أن الشرك الأصغر ليس فيه توجه تام إلى المخلوق، ولا تسوية تامة بين الخالق والمخلوق من جميع الوجوه، وإنما هو نوع عناية ومراعاة للمخلوق يوقع العبد في الوعيد الشديد، وهذا الذي مـيزه عن الشرك الأكبر.
والغالب في موضع هذا الشرك هو الألفاظ والأفعال، ولهذا يسميه ابن القيم "شرك العمل" لأنه لم يحصل من العبد توجه تام بقلبه إلى غير الله.
قال ابن القيم رحمه الله في "الصلاة وحكم تاركها":
(كذلك الشرك شركان: شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر، وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر وهو شرك العمل كالرياء).
ويعرف بأمور:
1- بتسمية الشرع له شركاً كالرياء والحلف بغير الله ونحوهما.
2- ويعرف كذلك بأن فيه نوع تشريك في اللفظ كقولهم: "أنا بالله وبك" وقولهم: "أنا عند الله وعندك" وقولهم: "لولا الله وفلان" ونحو هؤلاء العبارات التي فيها تسوية في اللفظ، وهذه العبارات ليست على سبيل المشاركة وإنما بمجرد التسوية في اللفظ، إذ لو اعتقد التسوية في القلب لانتقل الشرك حينها إلى الشرك الأكبر.
3- أن يجعل العبد شيئاً من الأشياء سبباً وليس هو سبباً لا شرعياً ولا حسياً.

2- أقسام الشرك الأصغر:

وهو قسمان:

القسم الأول وهو الشرك الظاهر، وهو ألفاظ وأفعال:

فمن الألفاظ: الحلف بغير الله قال صلى الله عليه وسلم: (من حلـف بغير اللّه فقد كفر وأشرك)، والصواب أن يحلف بالله وحده.
ومنها قول الانسان: "ما شاء اللّه وشئت"، فقد قال رجل: (ما شاء الله وشئت) فقال صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً ؟! قل: ما شاء الله وحده) وهذا إرشاد إلى الأفضل، ولو قال: ما شاء الله ثم فلان جاز له ذلك.
ومنها قول الانسان: "لولا الله وفلان" والصواب أن يقال: لولا الله ثم فلان.
ومنها قول الانسان: أنا ما لي إلا اللّه وأنت، والصواب أن يقول: أنا ما لي إلا الله وأنت.
وإنما فرقنا بين (الواو) و(ثم) لأن ثم للترتيب مع التراخي، تجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة اللّه كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)، وأما الواو فهي لمطلق الجمع، والاشتراك فهي لا تقتضي ترتيباَ ولا تعقيباً.
وأما الأفعال: فمنها لُبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، ومنها تعليق التمائم خوفاَ من العين وغيرها، إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه، فهذا شرك أصغر، لأن الله لم يجعل هذه أسباباً، أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر، لأنه تعلق بغير الله.

القسم الثاني من الشرك الأصغر الشرك الخفي:

وهو شرك الإرادات والنيات كالرياء والسمعة كأن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله، يريد به ثناء الناس عليه - كأن يحسن صلاته أو يتصدق لأجل أن يمدح ويُثنى عليه، أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس فيثنوا عليه ويمدحوه، والرياء إذا خالط العمل أبطله - قال الله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).
وقد روى أحمد في "مسنده" عن محمود بن لبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ("إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ "قال الرياء، إن الله تبارك وتعالى يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء").
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه اللّه ونوى شيئاً من غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته - والإخلاص أن يخلص للّه في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته. وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر اللّه بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام. كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). وهي ملة إبراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من السفهاء) أ.هـ
والرياء له أحوال، قال ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" : (واعلم أن العمل لغير الله أقسام:
1- فتارة يكون رياء محضاً بحيث لا يراد به سوى المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس).
وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
2- وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضا وحبوطه، وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).
ومن يروي عنه هذا المعنى أن العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلاً طائفة من السلف منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء والحسن وسعيد بن المسيب وغيرهم، ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين.
وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره، فإن كان خاطراً ودفعة فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟! في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية) أ.هـ باختصار.

العلة من عدم قبول العمل الذي اختلط به رياء:

قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (17/145): (والمقصود هنا أن الشيء إذا انقسم ووقعت فيه الشركة نقص ما يحصل لكل و احد، فإذا كان جميعه لواحد كان أكمل، فلهذا كان حب المؤمنين الموحدين المخلصين لله أكمل).

3- حكم صاحب الشرك الأصغر في الآخرة:

إعلم أن العلماء متفقون على أن الشرك الأصغر لا يخرج العبد من الإسلام والإيمان لكنه ينقص التوحيد، وقد نقل أبو البقاء الكفوي في "الكليات" اتفاق العلماء على ذلك كما تقدم، وهذا هو سبب تسميته بالشرك الأصغر، وإنما اختلفوا هل يكون الواقع فيه تحت المشيئة كسائر العصاة، أم أنه يكون داخلاً في الوعيد كصاحب الشرك الأكبر فلا يرجع إلى المشيئة ؟!
فيه قولان: أحدهما أنه تحت المشيئة: وهو أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية، وللعلامة ابن القيم كلام يشعر بميله إلى هذا حيث قال في "إغاثة اللهفان": (فأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلظة ونجاسة مخففة، فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل فإن الله لا يغفر أن يشرك به والمخففة: الشرك الأصغر) أ.هـ ففرق بين الشرك الذي لا يغفره الله - وهو الشرك الأكبر - وبين الشرك الأصغر.
وممن يميل إلى مثل هذا القول الشيخ ابن عثيمين كما "فتاوى نور على الدرب" الخاصة به، حيث ذكر أن قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) تحتمل الأمرين، ثم قال: (ونرجو أن الشرك الأصغر يدخل تحت المشيئة).
والثاني أنه تحت الوعيد: أي: أن صاحب الشرك الأصغر يلحق بالمشركين من حيث إنه يعذب على ذنبه ولا يرجع إلى مشيئة الله، وفي الوقت نفسه هو يلحق بعصاة الموحدين فلا يخلد في النار.
وهذا هو القول الآخر لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال رحمه الله في "الرد على البكري": (وقد يقال: الشرك لا يغفر منه شيء لا أكبر و لا أصغر على مقتضى عموم القرآن، وإن كان صاحب الشرك الأصغر يموت مسلماً لكن شركه لا يغفر له، بل يعاقب عليه وإن دخل بعد ذلك الجنة) أ.هـوقد اختار هذا القول صاحب "حاشية كتاب التوحيد" (ص50-51).
وقد استندنا في نقل القولين عن شيخ الإسلام إلى كلام الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، حيث قال في "القول المفيد على كتاب التوحيد": (وشيخ الإسلام ابن تيمية - المحقق في هذه المسائل - اختلف كلامه في هذه المسألة، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر).

المبحث الثالث: الفرق بين الشركين:

ينبغي أن يعلم أن هناك فروقاً بين الشرك الأكبر والأصغر من المهم معرفتها وضبط الفرق بينهما، وهذه الفروق ترجع إلى أمرين:
الأول: الضابط الذي يفرق بينهما،
والثاني: الأحكام المترتبة على كل واحد منهما.

الأول: الضابط الذي يفرق بينهما:

قال الراغب في "المفردات": (أحدهما: الشرك العظيم، وهو: إثبات شريك لله تعالى. يقال: أشرك فلان بالله، وذلك أعظم كفر... والثاني: الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور، وهو الرياء.
قال: ولفظ الشرك من الألفاظ المشتركة، وقوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) محمول على الشركين، وقوله: (اقتلوا المشركين)، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار) أ.هـ

الثاني: الأحكام المترتبة على كل واحد منهما:

هناك أحكام تترتب على الشرك، وهذه الأحكام تختلف باختلاف نوع الشرك، وسنذكر هنا بعض هذه الأحكام لتحصل القدرة على التمييز بينهما عند الطالب، فمن ذلك:
1- الشرك الأكبر يخرج من الملة، والشرك الأصغر لا يخرج من الملة.
2- الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار، والشرك الأصغر لا يخلد صاحبه فيها.
3- الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال إذا مات المرء عليه دون توبة، والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال، وإنما يحبط العمل الذي خالطه فقط.
4- الشرك الأكبر يبيح الدم والمال، والشرك الأصغر لا يبيحهما.
والتفريق بين الشركين هو قول أهل السنة خلافاً للخوارج ومن جرى مجراهم من أهل البدع.

المبحث الرابع: وجود هذين القسمين في باب الربوبية وباب الألوهية:

1- الشرك في الربوبية:

الشرك الأكبر والشرك الأصغر يوجد كل منهما في باب الربوبية، وسنذكر تحت كل نوع عدة أمثلة على ذلك:
الشرك الأكبر: فمن ذلك اعتقاد أن غير الله يدبر الكون كله أو بعضه، أو ينزل المطر أو ينبت الزرع أو يرسل الرياح أو يأتي بالعافية أو يشفي من المرض أو أنه يحي الموتى أو ينقذ الغرقى في المحيطات أو نحو ذلك مما فيه مشاركة الله في أفعاله المتفرد بها.
الشرك الأصغر: والقاعدة العامة في هذا الباب هي أن: "من اتخذ شيئاً سبباً ولم يجعله الشارع سبباً فاتخاذه من الشرك الأصغر" كاتخاذ التمائم والحروز والخيوط والحلقات ونحوها على أنها سبب فقط لرفع البلاء بعد وقوعه أو دفعه قبل وقوعه، فهذا من الشرك الأصغر إن كان يرى أن الله هو الذي ينفع ويضر.
وقد نص على هذه القاعدة جماعة كبيرة من العلماء، ووجه جعلهم هذا العمل من الشرك الأصغر أن مسبب الأسباب هو الله وحده، ومن جعل الشيء سبباً فقد شرع للناس، ولا شك أن هذا تعدي على مقام الربوبية، وهو في الوقت نفسه ليس من الشرك الأكبر لأنه لم يدعي أن يشارك الله في الربوبية، فمن هنا كان هذا من الشرك الأصغر فقط.

2- الشرك في الألوهية:

الشرك الأكبر والشرك الأصغر يوجد كل منهما أيضاً في باب الألوهية، وسنذكر تحت كل نوع عدة أمثلة على ذلك:
1- الشرك الأكبر:
من ذلك دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة به فيما شيء لا يقدر عليه إلا الله أو الذبح أو النذر له، أو التوكل عليه أو رجاؤه من دون الله - فيما لا يقدر عليه إلا الله - أو طلب البركة منه، أو طلب الشفاعة أو غير ذلك مما لا ينبغي إلا لله ومن الله.
قال ابن القيم في "مدارج السالكين"(1/346): (ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم).
وفي "الدرر السنية" (1/199): (ولكن من أعظم أنواعه (أي: الشرك الأكبر) وأكثره وقوعاً في هذه الأزمان، طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم كما ذكره المفسرون).

2- الشرك الأصغر:
كالرياء والسمعة والحلف بغير الله وقول الرجل: "أنا ليس لي إلا الله وأنت" وقوله: "توكلت على الله وعليك" وهذا باتفاق العلماء، أو "توكلت على الله ثم عليك" على الصحيح من الأقوال، ونحو ذلك مما يحمل توجهاً إلى غير الله وتعلقاً به وتعظيماً له.

الفصل الخامس:

سد ذرائع الشرك:

الذرائع: جمع ذريعة، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (والذريعة: ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء).
ومن محاسن الشريعة أنها منعت من المحرمات ثم سدت كل طريق يؤدي إلى هذا الحرام الممنوع، وسنتكلم عن منزلة سد الذرائع في الإسلام، ثم عن تفاوت كل ذريعة لتفاوت الأمور التي تنتهي إليها، فنقول وبالله التوفيق:

المبحث الأول: منزلة سد الذرائع في الشريعة:

قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما مقصود لنفسه، والثاني وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة.
فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين) أ.هـ

المبحث الثاني: سد الشريعة لذرائع الشرك:

وإذا كان باب سد الذرائع يعظم بعظمة الشيء الذي ينتهي إليه، فلا شك أن أعظم الذرائع هي الذرائع الموصلة إلى الشرك والمؤدية إليه.
وهناك أشياء كثيرة توصل إلى الشرك وتؤدي إليه، فمنع الشارع منها حماية لجناب التوحيد، وسداً للأبواب المناقضة له، من هذه الأشياء:
1- رفع القبور عن الأرض فوق المستوى المأذون فيه: فقد نهى الشارع عن ابتداء رفع القبور عن مقدار شبر كما وردت بذلك الأحاديث، وإذا رفعت فوق شبر فقد أمر الشارع بتسويتها مع بقية القبور، كل ذلك حفاظاً على جناب التوحيد وسداً للذرائع المناقضة له.
وسيأتي زيادة تفصيل في هذه المسألة إن شاء الله.
2- ومنها اتخاذ القبور مساجد أو دفن الموتى في المساجد: فقد حذر الشارع من هذا وهذا، ورتب الوعيد الشديد على فعله حتى إنه لعن فاعله، والعلة من ذلك هو الحذر من الوصول إلى عبادة هذه القبور.
3- ومنها تسريج القبور والبناء عليها والكتابة فوقها: فكل ذلك من أسباب الفتنة بها وتعلق القلوب بالموتى.
4- ومن ذلك إطراء النبي صلى الله عليه وسلم: وإطراؤه: هو المبالغة في مدحه والثناء عليه، ويدخل في ذلك من باب أولى الغلو في الصالحين.

الفصل السادس:

مظاهر الشرك:

مقدمة في أهمية معرفة مظاهر الشرك:

وإننا سنستعرض بعض الصور الموجودة اليوم في واقع الناس وفي ذلك عدة فوائد، منها:
1- معرفة مدى المشابهة بين الشرك القديم والحديث، فقد قال الصنعاني في "تطهير الاعتقاد": (والنذر بالمال على الميت ونحوه والنحر على القبر والتوسل به وطلب الحاجات منه، هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماًً، وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً، والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية، فإن من شرب الخمر وسماها ماء، ما شرب إلا خمراً وعقابه عقاب شارب الخمر، ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية).
2- ومنها بيان أن من ينكر وجود شرك القبور في مجتمعاتنا في هذا العصر فهو جاهل بواقع الأمة وإن زعم أنه من فقهاء الواقع.
3- ومنها أنه ينبغي الجد والاجتهاد في محاربة الشرك وتصفية مظاهره من مجتمعاتنا.
4- ومنها استشعار طلاب العلم المسئولية العظيمة الملقاة على عاتقهم تجاه دين الله.
5- تشخيص المرض وتحديد الداء الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لعل الأمة تسعى في علاجه.
إلى غير ذلك من المصالح، فنقول وبالله التوفيق:


المبحث الأول: مظاهر الشرك في باب الربوبية:

وهي كثيرة سنعرض هنا بعض الصور فقط مع كلام مختصر، على أننا سنفصل فيها في باب آخر إن شاء الله، فنقول وبالله التوفيق:
منها تعلق التمائم: وإنما هي من مظاهر الشرك في باب الربوبية لأن من يعلقها يعتقد أن في تعليقها جلباً للنفع، ودفعاً للضرر سواء قد وقع هذا الضرر أو يتوقع حصوله، سواء اعتقد أن هذا النفع والدفع يحصل بذاتها وهذا من الشرك الأكبر، أو أنها سبب فقط ليس غير، مع اعتقاد أن الضار والنافع هو الله، وهذا من الشرك الأصغر، لأنه جعل ما ليس بسبب سبباً كما هي القاعدة المعروفة في باب اتخاذ الأسباب في "التوحيد" وقد تقدمت الإشارة إليها.
ومنها التطير بالأشياء: وهو التشاؤم ببعض الأشياء المرئية أو الأشياء المسموعة.
ومنها الاستسقاء بالأنواء: ومعناه طلب السقيا بالأنواء، والأنواء: جمع نوء، وهو منازل القمر.
وهذه بعض صور ومظاهر الشرك في الربوبية، وهناك أشياء كثيرة سيأتي الكلام عليها في موضعها.

الثاني: مظاهر الشرك في باب الألوهية:



مقدمــة:

أما الشرك في باب الألوهية فصوره كثيرة، وما زالت صوره تتجدد كل يوم ولاسيما في العصور المتأخرة التي ضعف فيه نور النبوة، وابتعد الناس عن العلم وعن الدعاة الصادقين.
وينبغي أن يعلم أن كثيراً من هذا التعظيم - الذي هو شرك في الألوهية – قد سبقه في بعض الأحيان شرك في الربوبية، فبعضهم يعتقد في أصحاب القبور أنهم يضرون وينفعون، ولهم شيء من التصرف بهذا الكون، وأنهم يحيون الموتى وينقذون الغرقى ويسمعون الداعي ويخلقون الشيء من العدم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

1- انتشار الأضرحة في البلاد الإسلامية:

إن أضرحة القبور منتشرة في بلاد المسلمين بصورة مذهلة وشيء مخيف، فمجتمعاتنا تعج وتضج بها.
1- فالأضرحة التي تنتشر في مدن مصـر فقط نحو ستة الآف ضريح مفرقة في عدة مناطق، وعليه فمن الصعب أن يمر يوم في السنة دون أن يكون هناك احتفال بمولد ولي في مصر، حضر في مولد البدوي فقط عام 1996م قرابة ثلاثة ملايين إنسان من السنة والشيعة، وهو أكثر من عدد الحجاج الذين ذهبوا لأداء فريضة الحج لذلك العام.
2- وفي الشام قدر مائة وأربعة وتسعين ضريحاً في دمشق وحدها فقط، المشهور منها قدر أربعة وأربعون، منها قبر الوثن الكبير: (محي الدين ابن عربي) الذي يزوره الناس من كل القارات.
3- وفي العراق في بغداد وحدها في أوائل القرن الرابع عشر كان يوجد أكثر من مائة وخمسين جامعاً قل أن يخلو جامع من ضريح.
وفي الموصل وحدها يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة.
4- وفي اليمن كثير من الأضرحة والقبور، ففي عدن أضرحة منها قبر العيدروس يزوره كل سنة الآلاف من الناس من كل مكان من اليمن وخارجها، ومن عجيب ما يذكر أنه اتصل مرة رجل من أهل مكة برجل من أهل عدن وكلاهما من أهل الزيارات، فسأله الذي في مكة عن زيارة العيدروس، فأخبره من في عدن عن الجموع التي حضرت في الزيارة، فقال له صاحب مكة: (يا ليتني كنت معكم) !!!
ومثلها تعز وإب وضواحي صنعاء وصعدة وتهامة وشبوة وغيرها من المناطق.
ومنها حضرموت - ولاسيما تريم – فإن ما يحصل عند بعض قبورها من الطقوس وأصول الزيارة ما يجعل السامع والمشاهد يحكم بأنهم يحجون الأضرحة حجاً، ويعتقدونها منسكاً.
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان": (وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه: (مناسك حج المشاهد) مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الاسلام ودخول في دين عباد الأصنام).
5- وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية يوجد أربعمائة وواحد وثمانون ضريحاً، لا يكاد يخلو جامع فيها من ضريح، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب لأبي أيوب الأنصاري في الآستانة (وهي القسطنطينية).
6- وفي الهند يوجد أكثر من مائة وخمسين ضريحاً مشهوراً يقصدها الآلاف من الناس.
وهذا غير الأضرحة الموجودة في أوزبكستان، وهي أضرحة ومزارات منسوبة إلى الصحابة والمشايخ ورجال العلم، وفي إفريقيا ومنها السودان وأريتيريا والسنغال وغيرها.

2- فساد العقائد والأخلاق:

وفي كثير من البلاد الإسلامية يأتي الناس من كل فج عميق إلى هذه الأضرحة بعد ترقب كبير لأيام الزيارة والتي تسمى بالموالد، فمنهم من يأتي من بلاد بعيدة ومنهم من يأتي من بلاد قريبة، يأتون حاملين معهم أحسن ما يملكون من الأغنام والأبقار والسكر والشاي والبن والشمع والزيت وغير ذلك من أنواع النذور، ومنهم من يأتي بجزء من مهر ابنته للولي، كل هذه القرابين يقدمونها لأصحاب هذه القبور، فيذبحون الأنعام ويطبخون الطعام ويصبون أصناف الألبان على الأضرحة، ويمكثون الأيام والليالي عندها.
وعند كثير من هذه الأضرحة وقريب منها حـرم كبير يلجأ إليه الخائفون، ويهرب إليه المجرمون ليأمنوا فيها من الخوف والمطاردة، يخلع الناس فيه نعالهم فلا يدخلون بها، كالقبر المنسوب إلى النبي هود كذباً فعنده تحصل من الشركيات ما يبكي له قلب الموحد، ومن العجائب أن الزوار يجدون لوحة كتب عليها: (الدخول للمسلمين فقط) مضاهاة بالحرم.
ولها سدنة يقومون بتطويف الزائرين على ضواحي الضريح، وفي بعض البلاد كبنجلاديش هناك سدنة لا يلبسون إلا القليل من الثياب التي تستر عوراتهم فقط، ويطلقون شعورهم ولحاهم وشواربهم دون غسل أو حلق لما لابد له من حلق، ولا تنظيف، ثم تختلط النساء ويعاشرهم هؤلاء الرجال معاشرة الأزواج طلباً للبركة.
ثم يقومون بالطواف بها، وبأخذ أتربتها والتبرك بها وتعفير الوجوه به، ويقومون بقطع ما يقدرون عليه من خرقها، ثم التمسح بجدران الضريح والسياج المحيط به ثم يمسحون أيديهم بأجسادهم.
وتلقى هناك المحاضرات، والندوات تلبيساً وتضليلاً، وهذا أسوأ بكثير مما لو كانت بدون ذلك، لأنهم يستدلون على هذا الباطل، ويلبسونه بما يشبه ثوب الحق.
ومن الفساد العقدي ما يفعله بعض الناس في بعض قرى مصر من تسييب بعض العجول للولي الفلاني، فلا يزال سائباً يرعى في حقول البلد يأكل ما يشتهيه، ولا يقدر أحد على أن يتعرض له، أو يطرده من المراعي خوفاً من الولي الذي هو في حمايته حتى يأتي مولده فيأخذه السدنة سميناً معلوفاً ويذبحونه لأنفسهم.
وأما الفساد الأخلاقي من الزنا واللواط فشيء لا نقدر على وصفه من التفاصيل، والتي سببها الاختلاط بين الرجال والنساء، وحصول الرقص بين الجنسين والغناء من الطرفين، نسأل الله السلامة والعافية.
على أن أحسنهم حالاً هو من يجامع زوجته بين هذه الأضرحة بدعوى نيل البركة.
وكثير من هذه الزيارات تحميها بعض الحكومات لأنها تدر عليها الكثير من الأرباح المالية الهائلة، حيث تقوم بتنظيم سير الناس وحركة السيارات.

3- تعلق القلوب بهذه الأوثان وأسبابه:

1- خضوع القلوب عند هذه الأوثان له صور كثيرة: فمنهم من يقوم بالإلحاح على المقبور بالدعاء ولو أدى إلى البكاء والصريخ والعويل، ومنهم من يسجد لها من دون الله، ومنهم من يطيل العكوف عندها ولو أياماً كثيرة، ومنهم من يرمي العرائض - وهي شكاوي مكتوبة – على هؤلاء المقبورين، ومنهم من بلغ التعلق ببعضهم ما دفعه أن يقول: (دعوت الله ست سنوات ليهب الولد، فلم أرزق، فدعوت شيخي فلاناً فرزقت بتوأمين) !! ومنهم من يحلف بأسماء أوليائهم تعظيماً ولا يحلف به إلا صادقاً، في الوقت الذي يحلف بالله ولو كاذباً، ولذلك لو يحلف المرء بالله سبحانه وتعالى لا يصدق عند هؤلاء القبوريين حتى يحلف بالولي الفلاني كما ذكر الصنعاني نحوه في "تطهير الاعتقاد".
ومنهم من يعتقد أن مدينته محروسة بأولياء من جنس (حرس الحدود)، فقد قال بعضهم: (إن أرض الشام يحرسها من الآفات أربعة من الأولياء الذين يتصرفون في قبورهم) !!
وقد قرأت لصحفي في جريدة مشهورة عندنا في عدن يقول: (إن عدن محروسة بالعيدروس) !! والله عز وجل يقول: (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون).
ويزيد الطين بلة أن بعض فقهاء الشريعة متأثرون بمثل هذه الوثنية، فقد ذكروا أن هناك من مشايخ بعض الجامعات الموجودة في بلاد المسلمين لما رأوا أن المشيخة نزعت من فقهاء الشافعية ذهبوا إلى قبر الشافعي فعكفوا عنده حتى رجعت إليهم المشيخة.
ومن ذلك أن هؤلاء الأولياء ملاذ الكثير من الناس عند نزول الضرر، حتى قال قائلهم:
يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر
لوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الضرر
وهناك من الأضرحة ما هي مدفونة في المساجد أو قريبة منها، فيمر بها العوام بعد كل فريضة.
2- وقد ذكر ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/215) أسباب تعلق هؤلاء بهذه الأضرحة فقال:
(فإن قيل: فما الذي أوقع عباد القبور في الافتتان بها مع العلم بأن ساكنيها أموات لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشوراً ؟
قيل: أوقعهم في ذلك أمور، منها: الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله بل جميع الرسل من تحقيق التوحيد وقطع أسباب الشرك.
ومنها: أحاديث مكذوبة مختلقة وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية على رسول الله تناقض دينه وما جاء به: كحديث: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) وحديث: (لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه) وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام وضعها المشركون وراجت على أشباههم من الجهال الضلال والله بعث رسوله يقتل من حسن ظنه بالأحجار وجنب أمته الفتنة بالقبور بكل طريق كما تقدم.
ومنها: حكايات حكيت لهم عن تلك القبور: أن فلانا استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلصه منها وفلانا دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت له، وعند السدنة والمقابرية من ذلك شيء كثير يطول ذكره وهم من أكذب خلق الله تعالى على الأحياء والأموات) أ.هـ باختصار.

4- أكثر هذه الأضرحة مكذوبة، ولا حقيقة لها:

وأكثر هذه القبور والأضرحة لا حقيقة لها بل هي مكذوبة: منها قبر علي بن أبي طالب: الموجود في النجف فقد ذكر شيخ الإسلام أن علياً قبر بقصر الإمارة بالكوفة، حيث قال كما في "مجموع الفتاوى" (27/493): (ومنها قبر علي رضي الله عنه الذى بباطن النجف، فإن المعروف عند أهل العلم أن علياً دفن بقصر الإمارة بالكوفة، كما دفن معاوية بقصر الإمارة من الشام، ودفن عمرو بقصر الإمارة، خوفاً عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم، ولكن قيل أن الذى بالنجف قبر المغيرة).
ومنها قبر الحسين: فقد ذكر شيخ الإسلام أن قبره بالقاهرة مكذوب عليه، حيث قال كما في "مجموع الفتاوى" (27/451): (كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم) بل ذكر رحمه الله كما في (27/485،493) أن جماعة من العلماء كذبوه، وأن بعضهم ذكر أنه قبر نصراني.
ومنها قبر السيدة زينب في القاهرة: فالسيدة زينب ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع، والقبر المنسوب إليها في الشام وهو أقدم من القبر المنسوب إليها في القاهرة ومع هذا فكلاهما كذب لأنها لم تطأ أرض مصر كما ذكر المؤرخون.
ومنها قبر عبد الرحمن بن عوف المنسوب إليه في البصرة، فقد مات في المدينة ودفن بالبقيع.
ومنها قبة في نصيبين وهي في الشام (جنوب تركيا حالياً) وهذه القبة على قبر منسوب لسلمان الفارسي، مع أنه قد مات في المدائن.
وقبر أبي بن كعب في دمشق: قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (27/460): (وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال إنه قبر أبى بن كعب وقد اتفق أهل العلم على أن أبيا لم يقدم دمشق وإنما مات بالمدينة فكان بعض الناس يقول إنه قبر نصراني وهذا غير مستبعد).
ومنها قبر أبي الدرداء: المدفون في مدينة الإسكندرية، فإن أهلها يجزمون أن المقبور عندهم هو أبو الدرداء، وأهل العلم يقطعون أنه ليس هو أبا الدرداء.
وهناك الكثير من القبور المنسوبة إلى كثير من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والدين وهي كذب لا صحة لها تأريخياً.
تراجع: "مجموع فتاوى" شيخ الإسلام (المجلد رقم 27 مجلد الزيارة)، وغيرها.

5- الأشياء التي يعتمدون عليها في إثبات هذه الأضرحة إلى أصحابها:

هناك أمور يعتمد عليها هؤلاء القبوريون في إثبات هذه القبور لفلان وفلان وإثبات الولاية لأصحابها، منها:
1- الرؤى المنامية: أي: أنهم رأوا في المنام أن هذا قبر فلان بن فلان.
2- ودعوى أنهم وجدوا ريحاً طيبة تخرج من هذه القبور: أي: مما يدل على أن هذا القبر هو لولي من الأولياء.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (27/61-62): (وغالب ما يستند إليه الواحد من هؤلاء أن يدعى أنه رأى مناماً، أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل على صلاح ساكنه إما رائحة طيبة وإما توهم خرق عادة ونحو ذلك، وإما حكاية عن بعض الناس أنه كان يعظم ذلك القبر).

6- بعض عجائب اعتقادات القبوريين:

1- منها أن الولي الواحد قد نجد له عدداً من الأضرحة في عدة بقاع من بلاد المسلمين وغيرها، وقد قال القبوريون مبررين سبب تعدد هذه الأضرحة: إن الأرض لأجسام الأولياء كالماء للسمك، فيظهرون بأماكن متعددة في الشام ومصر والعراق وتزار كل هذه الأمكنة وإن تعددت الأضرحة لرجل واحد.
2- ومنها ارتياد الناس في بنجلاديش لمزارات فيها سلاحف وتماسيح يعتقد بعض الجهال فيها النفع والضر، فيقدمون لها أنواع الأطعمة لها أملاً في الحصول على وظيفة أو غير ذلك، وتحرص بعض النساء على مس هذه الحيوانات أملاً في حدوث الحمل والذرية، وسبب هذا الاعتقاد أنهم يرون أن هذه تحولت من أولياء صالحين إلى سلاحف وتماسيح.
3- وهناك مزارات تحتوي على أشجار يعتقد فيها، وتعلق على أغصانها الخيوط والخرق.
4- وهناك ضريح في السودان في (ود مدني) للشيوعي الصيني يانغ تشي تشنج.
5- قبر جلال الدين الرومي بالقاهرة كتب على قبره: (صالح للأديان الثلاثة) !! أي: يصلح لزيارة المنتسبين للمسلمين اليهود والنصارى، وغيره إنما خاص بديانة واحدة.
6- ومن العجائب التي يتعجب منها المسلم هو أن في هذه الأضرحة أنواعاً من التخصصات، فهناك من الأولياء ما هو متخصص بأمراض العظام، ومنها ما هو متخصص في العقم، وآخر في تزويج العانسات، وآخر في إعانة طلاب المدارس الذين يمرون بالامتحانات، إلى غير ذلك.

7- أسباب انتشار هذه المزارات:

وانتشار هذه المزارات لها أسباب، منها:
1- الكسب المادي الكبير الذي يعود على سدنة هذه الأضرحة.
2- الترويج لها ممن فسدت عقائدهم، وتعلقت بها قلوبهم.
3- ترويج أعداء الإسلام لمثل هذه المزارات، ونشرها في مجتمعات المسلمين، لغرض إبقاء المسلمين مأسورين لمثل هذا الضعف العقدي.

المبحث الثالث: مظاهر الشرك في باب الأسماء والصفات:

إذا وصف العبد غير الله بشيء لا ينبغي إلا لله فقد وقع في شرك "الأسماء والصفات" وهذا هو ضابط الشرك في باب الأسماء والصفات" ويرجع عند التفصيل إلى أمرين:
الأول: أن يسميه باسم لا ينبغي إلا لله تعالى كالله والرحمن والخالق ونحوها:
وقد دخل شاعر على أحد الطغاة فقال له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
الثاني: أن يصفه بوصف لا ينبغي إلا لله تعالى: وصور ذلك كثيرة، منها:
1- وصف المخلوق بعلم الغيب:
والله جل وعلا قد نفى علم الغيب عن جميع خلقه وجردهم منه، فنفاه عن الأنبياء والرسل والملائكة وجميع بني آدم وجميع الجن جملة وتفصيلاً.
أما جملة فكما قال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) وقوله: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) وقوله: (له غيب السموات والأرض).
وأما تفصيلاً فقد قال الله تعالى عن الملائكة: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني أعلم ما لا تعلمون0وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين0 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم0قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).
وهذه السياق القرآني العظيم فيه شاهد لما قلناه في ثلاثة مواضع كما هو واضح، قوله: (إني أعلم ما لا تعلمون) وقوله: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وقوله: (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض).
وكثيراً ما نجد هذا الخلل العقدي عند طائفتين من أهل الضلال والبدع وهما:
1- الروافض: حتى قال الكليني في "الكافي" (1/260): (باب: أن الأئمة يعلمون ما كان ويكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء). ويقول في "الكافي" (1/258): (باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون،وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم).
والكليني من أئمتهم وكتابه هذا هو عند الرافضة كـ"صحيح البخاري" عند أهل الحديث.
2- الصوفية: فقد امتلأت كتبهم المسماة بكتب التراجم بمثل هذه الدعاوى باسم المكاشفات والفراسة ورفع الحُجُب وغير ذلك.
وسأعرض للأخ القارئ نماذج من دعاوى هؤلاء القبورية، ليرى ماذا يقولون في كبرائهم.
قال "شارح العينية" (ص172-173) في ترجمة واحد من هؤلاء:
(كان من أكابر المشايخ، ممن أذن له في التصريف المطلق بإذن الله تعالى – حتى بعد موته وانتقاله – كما شهد له المشايخ الأجلاء، وله اطلاع على الأسرار الإلهية والبرزخ، وممن يحي ويميت بإذن الله، ويعرف الشقي من السعيد، ويقول للشيء كن فيكون بإذن الله، صرح بذلك المشايخ العارفون والأولياء الأكابر المحققون) أ.هـ
وقال "شارح العينية" (ص215): في ترجمة رجل له ضريح مشهور في عدن وهو من أكبر الأضرحة في اليمن: (وكان له من الكرامات الخارقة من إحياء الموتى والإطلاع على الخواطر وإظهار المعدوم وإنقاذ الغرقى).
1- أقول: إحياء الموتى الذي تفرد به ربنا سبحانه وتعالى به فلا يشاركه فيه أحد كما دلت على ذلك الآيات الكثيرة كقوله تعالى: (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت) وقال: (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير) وقال: (لا إله إلا هو يحيي ويميت) وقال: (هو يحيي ويميت وإليه ترجعون) وقال: (وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) وقال: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى) وغير ذلك من الآيات.
فهو الذي يُحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا شريك له في صفاته وأفعاله، وبعد هذه النصوص يزعم القبوريون أن هناك من ينازع الله في هذه الخصلة.
2- وأما الإطلاع على الخواطر فمعناه أنه يطلع على السرائر الخافية في النفوس، وهذا لا يكون إلا لله كما قال سبحانه وتعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وقال سبحانه وتعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) وقال سبحانه وتعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) وقال سبحانه وتعالى: (إنه يعلم الجهر وما يخفى).
3- وأما إظهار المعدوم فالمراد به خلق الشيء من العدم، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر) وقد حصر الله سبحانه وتعالى الخلق على نفسه فهو الذي يخلق وغيره لا يخلق، وعرفنا هذا الحصر بتقديم الجار والمجرور وحقه التأخير، فعلمنا أنه يفيد الحصر لأن القاعدة تقول: "إذا قدم ما حقه التأخير أفاد الحصر" وقال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) وقال تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) وقال تعالى: (والذين يدعون من دونه لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون) وقال تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له).
4- وأما إنقاذ الغرقى فلا يظن الشخص أن المراد من ذلك أنه يرى الغريق في البحر فيخلع ثيابه ويسبح إليه فينقذه من الغرق فهذا يقدر عليه كثير من الناس، والسياق يدل على أن هذه الصفات من خصائص هذا الولي التي تفرد بها عن سائر الناس، فالمراد من هذا الكلام أنه يكون في بيته أو في مسجده وفي الوقت نفسه يعلم ببعض الغرقى في المحيطات والبحار فينقذهم، وهذا يتضمن أموراً منها علمه بالغيب حيث علم بحالهم وهم بعيدون منه وغائبون عنه، ومنها القدرة على إنقاذهم، ومنها إزالة ما بهم من ضرر وكرب، وهذه أوصاف لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى.
ثم قال "شارح العينية": (وعلى قبره بعدن قبة عظيمة مقصودة بالزيارة والأنذار من الجهات حياً وميتاً).
قلت: والكتاب المشار قد امتلأ من هذه الكرامات المزعومة !! وهو أحد الكتب التي لها رواج بين عوام وخواص القبوريين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
( منقول لتعميم الفائدة )

فريدرامي
2010-12-03, 20:24
جزاك الله خيرا

http://www.djelfa.info/vb/picture.php?albumid=4766&pictureid=44495

عُبيد الله
2010-12-03, 20:28
اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك.
جزاك الله خيرا