تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز..


عُبيد الله
2010-12-03, 10:20
أيها الناس،
إنكم لم تُخلَقوا عبثًا ولن تُتركوا سدى وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحُرم الجنةَ التي عرضها السماوات والأرض، ألا وأعلموا أنما الأمان غدًا لمَن حذر الله وخافه، وباع نافدًا بباقٍ، وقليلاً بكثير وخوفًا بأمان ألا ترون أنكم في أسلابِ الهالكين، وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين؟
وفي كل يومٍ تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله، فتعيبونه في صدعٍ من الأرض، ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحبة، وخلع الأسباب فسكن التراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، فقير إلى ما قدَّم غني عما ترك، فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقعه، وأيم الله إني لأقولكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي
وما منكم من أحد تبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرتُ عليه، وما منكم أحدٌ يسعه ما عندنا إلا وودت أنه سداي ولحمتي، حتى يكون عيشنا وعيشه سواء

وأيم الله أن لو أردت غير هذا من الغضارة والعيش، لكان اللسان مني به ذلولاً عالمًا بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، يدل فيها على طاعته، وينهى عن معصيته،
ثم رفع طرف ردائه
فبكى حتى شهق

وأبكى الناس حوله، ثم نزل فكانت إياها لم يخطب بعدها حتى مات
رحمه الله.

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:09
خطبة محرم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وجعلنا مسلمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر أن نعبده مخلصين له الدين حنفاء ونقيم الصلاة ونوتي الزكاة. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وكل من سار سيرهم ونهج نهجهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:
لقد حل علينا عام هجري جديد، نسأل الله تعالى أن يرزقنا فيه الهدى والتقى والعفاف والرضا والغنى، وأن يكون عام خير ورشد علينا وعلى جميع أفراد الأمة.
والعام الهجري الجديد كما هو معلوم يبدأ بالشهر المحرم؛ وهو أحد الأشهر الحرم التي جاء ذكرها وتعظيمها في القرآن الكريم على سبيل الإجمال في قوله تعالى:((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)). وقد فصّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإجمال ، وبيَّن أن الأشهر الحرم هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، قال صلى الله عليه وسلم : (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضَر الذي بين جمادى وشعبان).وقد نقل ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) عن قتادة قوله: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا ، من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء .

أيها الإخوة:
إن شهر الله المحرم لا يكون تعظيمه فقط بالاحتراز من الوقوع في المعاصي والمخالفات، وإنما يكون كذلك بعمل شيء من الطاعات فيه زيادة على الفرائض والواجبات ، وقد تعين الصوم فيه كقربة يتقرب به العبد إلى ربه عز وجل . ولهذا عدّ الصوم في هذا الشهر من أفضل الصيام بعد رمضان كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ". صحيح مسلم.
ولا يخف عليكم يا عباد الله ما في عبادة الصيام من فضل،فقد جاء في الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إَِلا بَاعَدَ اللَّهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. صحيح مسلم.
كما لا ننس يا عباد الله أن يوم عاشوراء هو أحد الأيام المشهودة من هذا الشهر،وقد سن لنا عليه الصلاة والسلام صيامه وأخبرنا بأنه يكفر السنة الماضية،قال صلى الله عليه وسلم : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم.
لقد كان يوم عاشوراء يوما عظيما ،لأنه اليوم الذي أهلك الله فيه فرعون وجنوده ونجى فيه سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه السلام وقومه. ونظرا لمكانة هذا اليوم عند الله فقد أوحى لنبيه بأن يعظمه فهو صلى الله عليه وسلم وأمته الأحق بموسى في التذكير بهذا اليوم بدلا من اليهود الذين خانوا العهود وبدلوا المواثيق، ولهذا صامه صلى الله عليه وسلم وأمر أمته بصيامه كما جاء عن ابن عباس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" البخاري.
ولما كانت أمة الإسلام متميزة في دينها وعبادتها على سائر الأمم عزم عليه الصلاة والسلام على مخالفة أهل الملل في تعظيم عاشوراء ولو بزيادة يوم قبلها، ولكن َلم يأْت العام الْمقبِل، حتَّىٰ تُوُفِّيَ رسولُ اللّهِ كما جاء في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما حين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن يوم عاشوراء يوم تعظمه اليهود والنصارى قال : " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع " وفي رواية " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع "أخرجه مسلم.
معاشر المسلمين:
فكما ذكّرنا صوم رمضان بنزول القرآن في إحدى لياليه،فإن صوم شهر المحرم أو بعض أيامه يذكرنا بمعجزة عظيمة وهي هلاك فرعون الذي قال للناس ذات مرة (ما علمت لكم من إله غيري)،ففرعون ذي الأوتاد والذي طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد ما عاد يتأله ويطغى بعد هذا اليوم-أي اليوم العاشر من محرم-، لقد صبّ الله عليه سوط عذاب،وجعل من هذا العذاب آية للناس،ليتبين لهم أن الله تعالى بالمرصاد لكل من تسول له نفسه افتراء الكذب على الله على أنبياءه عليهم السلام،وليعلم في الأخير أن مصيره سيكون في الأذلين،وأن كل من يعادي أولياء الله من المؤمنين وعباده الصالحين سيكون مآله المحاربة من قبل الله كما جاء في الحديث (من عادى لي ولي فقد آذنته بالحرب)
.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.





























الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على سيدنا المصطفى وعلى آله وأصحابه من أهل الإخلاص والوفاء، وبعد:
لقد علمتم يا عباد الله كيف أن الله عز وجل أغرق عدوّه في اليم ،ونجَّى كليمه موسى عليه السلام،وصار بعد ذلك موسى يصوم هذا اليوم شكرا لله وبقي أتباعه كذلك يصومونه إلى أن لحق بهم نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام فصامه هو كذلك شكرا لله وتعظيما له وأمر أمته بصيامه.وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لنا: أحسنوا للذي أحسن إليكم وآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات واشكروه على هذه النعم ، (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
عباد الله:
فنحن مطالبون بالإحسان إلى الله أولا لما أسبغ علينا من نعم ظاهرة وباطنه،وعليه يتحتم علينا فعل المزيد من الطاعات.كما يجب علينا أن نحسن لجميع مخلوقات الله وعلى رأسها أخينا وبني جلدتنا الإنسان ،وأن الأولى بالإحسان من بني الإنسان هو المسلم ذي الحاجة فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه،وهكذا نكون قد شكرنا الله تبارك وتعالى،فكيف وقد افترض الله علينا إخراج الصدقات وتقديم المساعدات أفلا نطيع ربنا جل وعلا وقد أمرنا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم،قال تعالى: (و أطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) آل عمران الأية 132.والزكاة كما هو معلوم ركن أساسي من أركان الإسلام الخمس مثلها مثل الصلاة والصوم والحج،وهذه الزكاة من أخرجها طائعا لله وراضيا بحكمه فقد أدى حقها وستعود على نفسه بالطهر والصفاء والنقاء،وعلى ماله بالنماء والبركة كما أخبر القرآن في قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلواتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).التوبة الأية 103.
أيها الإخوة :
لقد اعتاد الكثير منّا إخراج أموال زكاته في شهر الله المحرّم ، وفي مناسبة عاشوراء ذاتها حتى صاروا يسمونها "العشور" اشتقاقا من هذه المناسبة.
وقد كانت هذه الأموال في الماضي تخرج بطريقة عشوائية، حتى يعسر في كثير من الأحيان على المزكين إيجاد من يستحق هذه الزكاة ليعطونه إياها، أما اليوم أيها الإخوة الأعزاء: فإن كل ما يعيق آداء هذه الشعيرة قد زال؛ فصندوق الزكاة قد تكفل بهذا الأمر، فهو مؤسسة المواطنين يديرونها بأيديهم، ويأخذ منهم ويعطي لهم، وبهذا فهي ترفع الحرج والمشقة عليكم وتضمن وصول أموالكم إلى أهلها، ونكون بهذا قد أحيينا سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تحصيل الزكاة وصرفها في مصارفها المنصوص عليها في القرآن في قوله تعالى:(إِنَّمَا ألصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة /الآية 60.
واعلموا عباد الله أن وراء هذا الصندوق رجال من العلماء والكرماء ينشطون ويسهرون على حسن تسييره وإدارته، وهم ،يعملون لحد الساعة لوجه الله وينتظمون في شكل لجان قاعدية وهي العمدة والأساس، وأخرى ولائية مهمتها الإشراف والمتابعة، وهناك اللجنة الوطنية في أعلى المستوى التنظيمي، وقد وضعت الوصاية حسابا بريديا خاصا لكل صندوق ولائي، كما أن للصندوق الوطني حسابا بريديا خاصا به. ولا شك أن هذه الإجراءات التنظيمية تضفي على المشروع الشفافية وتزيد من طمأنة المواطنين سواء أكانوا مزكين أم محتاجين أو غيرهما،لأن الثقة تبعث على الراحة والاطمئنان كما أشار القرآن الكريم في الحوار الذي دار بين الله تبارك وتعالى وخليله إبراهيم عليه السلام :(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)البقرة الآية 260. فهذا التنظيم - بلا شك - سيعطي الصندوق المزيد من النتائج بعد التي كانت عليه في السنوات الماضية، وستفرحون إنشاء الله بهذا الإنجاز ولو بعد حين.
عباد الله :
نصيحتي إليكم في الأخير ونحن في هذا الشهر العظيم: أن نتعاون جميعا من أجل إنجاح المبادرات الخيرة وهي لا شك أنها من أعمال البر والتقوى، وأن نكون دائما وأبدا كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تواد وتعاطف وتراحم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وقدموا لأنفسكم في هذه الحياة قبل مجيء المماة، واعلموا أن ما تقدموه من خير تجدونه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
أعاننا الله على ما فيه الخير والصلاح وبارك الله في سعيكم وعطائكم، وحفظكم ورعاكم ، وجعل الجنة متقلبكم ومثواكم.
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» اللهم صل وسلم

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:17
في ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960

الخطبة الأولـى :

الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين ،الحمد الله ناصر المظلومين، ومفرج الكربات عن المكروبين ،القاهر فوق عباده أجمعين ، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك، و نشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، نصر عبده و هزم الأحزاب و حده وللمؤمنين حقق وعده ، قال تعالى: ﴿ يأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم و أضل أعملهم ﴾ [محمد:7-8] ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخير خلقه، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله وسلامه عليك يا حبيب الله وعلى آله والصحب والأتباع إلى يوم الوقت المعلوم أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون﴾ [البقرة: 281].

﴿يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾ [النساء : 01].

أيها الإخوة المسلمون، أيتها الأخوات المسلمات تحل علينا ذكرى عزيزة من ذكريات هذا البلد الطاهر الذي صنع أبناؤه أمجادا و تاريخا بطوليا ما صنع مثيل له في عصرنا الحاضر. تحل الذكرى الخمسون لمظاهرات الحادي عشر من ديسمبر عام 1960 م التي رصّع فيها الشعب الجزائري تاجه الكفاحي بلؤلؤة من لآلئ بطولاته و إنجازاته التاريخية العظيمة ، حكاية هذه المظاهرات أن شعبنا كان يئن تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الغاشم لأزيد من قرن و ربع القرن ، و لما رفع رأسه و طالب بحقه في الحياة والحرية ، كان الجواب الفرنسي القمع و الاضطهاد و التقتيل و التشريد... لأبناء هذا الوطن ، فأدرك الشعب حينها أن ما أخذ بالقوة لا يمكن استرجاعه إلا بأسلوب القوة فرفع راية الجهاد و دوت صيحات الله أكبر في ربوع البلاد، وزئر المجاهدون الأشاوس فاهتزت أركان الجمهورية الرابعة ، وقامت على أنقاضها الجمهورية الخامسة.

وجاء الجنرال ديغول بسياسة استعمارية جديدة أراد من خلالها خنق الثورة التحريرية، و عزلها عن الشعب في الداخل و عزلها أيضا عن الخارج من جهة، و الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا من جهة أخرى ، وذلك في إطار فكرة "الجزائر جزائرية" ، واقفا ضد المعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحملون فكرة "الجزائر فرنسية" ، فخرج المعمرون في مظاهرات مناهضة لسياسة ديغول و ذلك في 10 ديسمبر 1960م.

في ظل هذه الأجواء المشحونة خرج الشعب الجزائري في مظاهرات شعبية هائلة ، رافعا شعار "الجزائر مسلمة مستقلة" ، بدلا من شعار ديغول "الجزائر جزائرية" و شعار المعمرين "الجزائر فرنسية" ، وذلك عبر أرجاء البلاد كلها ، و التف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال الكامل . هذا ولم تقف السلطات الاستعمارية مكتوفة الأيدي، بل تصدت بوحشية لا مثيل لها لهذه المظاهرات ، فمارست كل أشكال القمع والتقتيل الجماعي و إرهاب أبناء الشعب المناضل و المكافح و قد دامت هذه المظاهرات أكثر من أسبوع في أكثر من مدينة .

أيها الأحبة : لقد كان لهذه الهبة الشعبية الكبيرة نتائج على عدّة أصعدة ، إذ بينت هذه المظاهرات مدى و حشية وغطرسة المستعمر أمام أنظار كل العالم، و عبرت أيضا عن مدى تشبث الشعب بالحرية ، و مبدأ تقرير المصير للشعوب فأدرج بسببها ملف القضية الجزائرية في الأمم المتحدة ، و كسب نداء الحرية تأييد أغلب شعوب العالم. الأمر الذي جعل فرنسا تجلس إلى طاولة المفاوضات و ترضخ لشروط الثورة.

عباد الله ، مظاهرات 11 ديسمبر 1960 كانت بداية النهاية للإستعمار الكولونيالي، فهي من آخر المسامير التي دقت في نعش سالبي الحرية . و هي لنا ذكرى خالدة في سجل إنجازات هذه الأمة ، أمة الجهاد ، أمة المقاومة ، أمة الثورة ، أمة الصبر على المكاره و رفع التحديات ، إنها أمة الجزائر .الأمة التي رفعت راية لا إله إلا الله فنصرها الله ، وشعبها الذي أعتدي عليه و ظلم ، و أخرج من دياره و قراه ومدنه، و هجر بلده - بغير حق- ظلما و عدوانا فأراد أن يسترد حقه و كرامته و عزته ، فجاهد في سبيل الله تعالى و صنع أعظم ثورة و أكبر ملحمة جهادية في العصر الحديث ،يقول الله تعالى ﴿ أذن للذين يقتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾ [الحج 39-40].

أيها الأعزاء : التاريخ منصف و عادل و هو يقول : نعم لا يستوي الظالم و المظلوم ، المعتدي و المعتدي عليه ، الطيب و الخبيث ، المؤمن و الكافر ، جنون الاستعمار و رجال الثورة الأحرار و الله يقول لنا : ﴿ لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنة ﴾ [الحشر : 20 ] ، ﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ﴾ [القلم 35-36] علمنا التاريخ و أنبأنا أن أبناء هذه الأرض الطيبة لا ينكسرون و لا يستسلمون و لا يخضعون أو يركعون .....للمحتل بل إنهم يجاهدون ، يقاومون، يناضلون ، يكافحون ...إنهم لدرب الحق سالكون ، لا يرضون الدنية لا في دينهم و لا في دنياهم ، ويعني عن كل هذا عبارة يرددها المجاهدون بينهم أثناء ثورة نوفمبر "موت واقف " و هي غنية عن كل شرح أو تعليق قال الشاعر :

بئسما تاج على رأس خانع ذليل و نعم ما قيد على يد ساعد حر أبي .

﴿ فأما الزبد فيذهب جفاء ،و أما ما ينفع الناس فيمكت في الأرض﴾ [الرعد:17]

أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم ...



الخطبة الثانية :

الحمد الله فاطر السموات و الأرض ، الحمد لله غافر الذنب و قابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، لك الحمد في الأولى و الآخرة . و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و نشهد أن محمدا عبده و رسوله ، اللهم صـل و سلـم و بارك على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد و على أصحاب سيدنا محمد و التابعين له بإحسان إلى يوم الدين أما بعد،

أيها المؤمنون أيتها المؤمنات : ثورة التحرير المباركة بأحداثها و صورها و مشاهدها، ومظاهرات 11 ديسمبر 1960 ترشدنا إلى أن قوة الأيمان و الثقة بالله في النصر لن تقف أمامهما القوة المادية للاستعمار الفرنسي الصليبي الذي سرق البسمة من شفاه الجزائريين لعقود طويلة ، و أراد أن يسلخ شعبا بأكمله من هويته ، و يطمس دينه و لغته و ثقافته ... بعدما أغتصب حريته ، فكان بحق أسوأ استعمار عرفته البشرية و إن كان الاستعمار كل الاستعمار عمل مشين لكن إرادة الله فوق إرادة الخلق : ﴿ و ما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ﴾

{ الإنسان : 30 } و البقاء ليس للأقوى ، بل للأصلح ، و من تمسك بحبل الله المتين نجا و أفلح ،قال تعالى : ﴿ و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و أذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداد فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ... ﴾{ ال عمران : 103} .

أيها الإخوة : أبناء نوفمبر امنوا بأن النصر من عند الله ، و أن النصر مع الصبر ، فبذلوا الغالي و النفيس في سبيل تحقيق هذا النصر الموعود ﴿ و لينصرن الله من ينصره ﴾{ الحج : 40 } ، و في سبيل نيل الحرية ، فباعوا أنفسهم و أموالهم لله مقابل ثمن هو جنة عرضها السموات و الأرض ، قال تعالى : ﴿ إن الله اشترى من المومنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ﴾{ التوبة : 111 } و كان الثمن باهضا أيضا في الدنيا ، مليون و نصف مليون شهيد و ملايين المشردين و الأيتام و الأرامل ... ، لكن جاء الذي في سبيله يهون كل شيء ، جاءت الحرية ،

و جاء الاستقلال .

الدعــــاء :

" اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، و أصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا ، و اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر " ( مسلم )

" ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "

( ااحشر : 10 ) .

عباد الله إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربة و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم ، و لذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون .

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:18
فريضة الزكاة في الإسلام

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد

عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى فرض علينا فرائض ، وأوجب علينا واجبات ، بعضها بدني ، وبعضها مالي، وبعضها مالي وبدني في آن واحد ، والحكمة من كل ذلك اختبار إيماننا ويقيننا ، فمن الناس من هو مستعد بجهده ووقته ، لكنه غير مستعد للتضحية بماله ، ومنهم من هو على العكس من ذلك تماما ، والعبادة الحقيقية تعني أن نعبد الله بما شرع ، وبما أوجب علينا ، لا بما نهوى ، ونشتهي ، فإذا أمرنا بالجهد العضلي ، بذلنا الجهد العضلي ، وإذا أمرنا بإنفاق المال ، أنفقتا المال ، وإذا أمرنا بهما جميعا فعلنا ذلك طائعين لله منقادين ، وقد ذكر الله - عز وجل- أولئك المعترضين على أمر الله وفريضته في إنفاق المال ، وشنع عليهم ، ورد حججهم السخيفة ، فقال - جل شأنه -: (( وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين)) (01) فنسي هؤلاء أن المال لله ، وأنه - تعالى - مستخلفهم فيه ، وما هم إلا وكلاء عنه ، يجب أن يأتمروا بأمره وينتهوا عن نهيه ، قال - تعالى - : (( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)) (02) ولم يأمر صاحب المال، ومالكه الحقيقي بإنفاق كل المال ، بل أمر بإنفاق الجزء البسيط واليسير منه ، أي اثنين ونصف في المائة زكاة عن الذهب والفضة ، أو عن ما يقابلهما من الأوراق النقدية ، والعشر أو نصفه زكاة عن الحرث ، وجزء بسيط جدا زكاة عن الماشية ، هذا كل ما يأمرنا الله بإخراجه من الأموال التي جعلها الله بين أيدينا، وقد سمى الله ما ندفعه للفقراء والمساكين من أموال ، زكاةً ، ومعنى الزكاة : النمو والطهارة ، وسميت زكاة ، لأن المال المزكى - بفتح الكاف- ينمو: أي يكثر ويطهر صاحبه ، قال تعالى ( ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم)) (03) فقد أمر الله نبيه أن يدعو للمزكين بالبركة والنمو ، وهو أمر لكل آخذي الزكاة من بعد النبي ،أن يدعو بالبركة للمنفقين ، و هذا الدعاء حض وتحريض لأرباب الأموال بإخراج زكوا تهم ،

عباد الله: إن الله قرن الزكاة بالصلاة في القرآن الكريم، و بمختلف تصريفات الكلمة من ماض ومضارع وأمر ومصدر واسم فاعل ، ففي الماضي قال الله تعالى: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ( 04 ) وقال في آية أخرى ((فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)) (05) وقال أيضا : (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)) ( 06) وقرنها مع الصلاة بصيغة المضارع ، قال الله تعالى: ((الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون)) (07 ) وقرنها مع الصلاة بصيغة الأمر قال الله تعالى: (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين )) (08 ) وقرنها مع الصلاة بصيغة المصدر قال الله تعالى: (( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)) (09 ) وقال: ((رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار)) (10) وقرنها معها بصيغة اسم الفاعل فقال تعالى: (( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما)) (11 ) كما قرنها معها في حالة الجمع ، كما في الآيات السابقة ، وقرنها معها في حالة الإفراد ، قال تعالى: ( (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) (12) وهذا كله يدل على أن الزكاة لا تفارق الصلاة ، لا بالنسبة للفرد المسلم ، ولا للمجتمعات المسلمة ، ولذا قيل : إن الله قرن ثلاثا بثلاث ، قرن الصلاة بالزكاة ، فمن صلى ولم يزك ، فصلاته ناقصة ، وقرن طاعة الله بطاعة رسوله، فلا طاعة لله إلا مع طاعة الرسول ، وقرن شكر الله بشكر الوالدين ، فلا يُقبل شكر لله إلا مع شكر الوالدين ، وإذا كانت هذه هي الزكاة في القرآن المصدر الأول للإسلام ، فإنها لا تقل أهمية في السنة، المصدر الثاني للإسلام ، فقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام الزكاة ركنا من أركان الإسلام ، وأساسا من أسسه الخمس ، فقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت" (31)

أيها الإخوة المؤمنون : إن الزكاة عنوان الإسلام وجوهره ، ولا يمكن تصور مجتمع مسلم ، لا تؤدى فيه الزكاة ، وهي ركيزة من ركائز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ، وهي كذلك دعامة من دعائم أمن المالكين وأموالهم ، فالفقير والمسكين الذي يشعر بالغبن والحاجة ، يتحول إلى قنبلة ممقوتة ، تهدد ثروات الأغنياء وممتلكاتهم ، ما لم ينزع هذا الفتيل بالزكاة ، أي بشيء يأخذه الفقير من هذا المال ، وهو الزكاة التي يتقرب بها الغني للفقير والمسكين ، ويجعلهما يشعران بأن المال لهم ، وسيصلهم جزء من تلك الثروة ، وبالتالي يحميانها ويحافظان عليها ، وما يدفعه الغني من زكاة ليس تبرعا ولا تطوعا منه ، وإنما هو حق لله أولا، وحق للسائل والمحروم ثانيا، كما قال تعالى: ((وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)) (14) ولذا يجب أن يأخذ الفقير حقه من هذا المال وهو مرفوع الرأس ، عال الهامة ، لا يحس بذل ولا إهانة ، ولا يشعر بمنة ولا فقدان كرامة ، وهذا ما يحرص عليه الإسلام ويدعو إليه ، ولذلك لا يجوز أن نترك المحتاجين والمعوزين يصطفون على أبواب الأغنياء ، ويتزاحمون على محلات أرباب العمل ودكاكين التجار، بل يجب أن يأخذوا هذه الزكاة كما يأخذ الموظف راتبه ، والمتقاعد معاشه ، ولم لا يأخذونها من المؤسسات المالية والبريدية ، وذلك عن طريق الحوالات التي يمكنها لهم صندوق الزكاة ، هذه الآلية التي تحقق مقاصد الزكاة ، وتوفر الجهد للدافع والآخذ معا ، وتضمن توزيعها ، بعدالة وإنصاف ، فلن يكون هناك فقير شاطر يأخذ الزكاة من أغنياء متعددين ، وفقير متعفف لا يسأل الناس إلحافا ، ولا يتفطن له أحد، كما قال الله تعالى: (( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا)) (15) .

أيها الإخوة المؤمنون: إن الله ٌقد جعل على الزكاة ثلاثة حراس، حارس السلطان الذي يأخذها من الأغنياء ويدفعها للفقراء ، ويتمثل هذا الحارس اليوم في مؤسسة صندوق الزكاة ، هذه المؤسسة التي تمتلك المعلومات الإحصائية الدقيقة عن المحتاجين فعلا للزكاة ، وتوزعها عليهم حسب درجة الحاجة والاستحقاق ، هذه المعلومات التي لا يمتلكها الفرد الدافع للزكاة ، وبالتالي قد لا يدفعها لمستحقيها ، أو على الأقل لمن هو أولى بها ، لشدة فقره وحاجته ، فالأولى والأحرى بهذا الغني أن يضم زكاته لزكاة إخوانه الأغنياء، فتصير أموالا معتبرة ، ويصبح لها دور وتأثير في محاربة الفقر والقضاء على الفاقة ، بطرق أكثر فاعلية ، وبجدوى اقتصادية ، تجعل الفقير القادر على الكسب والإنتاج منتجا ، فيضيف للمجتمع شيئا بعد أن كان عالة عليه ، وهذا عن طريق القرض الحسن ، الذي يحفزه على العمل وخلق الثروة ويدفعه للاستثمار ، حتى يرد القرض ، فيستفيد منه فقير آخر، وهكذا تتحول الزكاة إلى أداة تحاصر الفقر وتضيق نطاقه ، فالفقير الذي كان يجلس في طابور المعوزين الذين ينتظرون ما يجود به الأغنياء من زكاة ، ومن أجل أن يأخذ شيئا زهيدا يأكله ، ثم يرجع إلى الطابور مرة أخرى ، وهكذا ،هذا الفقير وبسبب سياسة صندوق الزكاة الراشدة قد حذف اسمه من قائمة الفقراء ، ولم يعد موجودا في الطابور الطويل ، لأنه أصبح هو أيضا وبفضل هذه السياسة غنيا ، ومستثمرا كذلك ، إنها سياسة الجدوى الاقتصادية ، التي تجعل الزكاة تسهم في القضاء على البطالة والفقر .

أيها الإخوة المؤمنون: إن سياسة استثمار أموال الزكاة التي ينتهجها صندوق الزكاة في الولايات التي تبلغ فيها مداخل الصندوق ما يفوق أو يساوي 05 مليون دينار جزائري ( 5،000،000،00 ) سياسة تجعل للزكاة مؤسسة كباقي المؤسسات الاقتصادية ، وهذا العصر هو عصر المؤسسات ، فقد نجد الملايير تدفع سنويا كزكاة ، لكن لا أثر لها ، لأنها تحتاج إلى العقلنة والترشيد ، وتحتاج كذلك إلى الفعالية والتوجيه ، فبدل أن تعطي الفقير الشاب القادر على العمل دنانير يأكلها ، وفي الغد يرجع إليك ، الأولى أن تقرضه مبلغا يجعله قادرا على إنشاء مشروعا ، يحل به مشكلة فقره ، ويضيف من خلاله شيئا للأمة ، وبعد أن كان من آخذي الزكاة يصبح دافعا للزكاة،

أيها الإخوة المؤمنون : الحارس الثاني من حراس الزكاة هو المجتمع المسلم ، الذي يحض الغني على أداء حق الله تعالى، فالله لم يفرض الزكاة فقط ، وإنما فرض -أيضا- حض الغني على إخراج الزكاة ، وأوعد من لم يقم بهذا الواجب بوعيد شديد يوم القيامة ، قال تعالى: ((أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين)) (16) وقال - أيضا - ((كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين)) (17) .

أيها الإخوة المؤمنون: الحارس الثالث من حراس الزكاة هو حارس الإيمان الذي بداخل كل مسلم هذا الذي يدفعه ويحركه لأداء هذا الواجب الذي فرضه الله على جميع الأمم ، وفي كل الأديان قـال تعـالى- حكاية عن أمره لبني إسرائيل- : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)) (18)

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبأحاديث سيد الأولين والآخرين، وأجرني وإياكم من عذابه الأليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله: إننا في هذه الأيام نعيش ليالي وأيام شهر المحرم ، هذا الشهر الذي أعتاد المسلمون إخراج زكاتهم فيه ، واعتادت أن تخصصه مساجدنا للحديث عن الزكاة ، وهذه كلها عادات حسنة بلا ريب ولا شك، وإذا كنا في عصر تخصص فيه الأسابيع والشهور لمواضيع تهم المجتمعات ، يتم فيها تحسيس الناس وتبصيرهم بذلك الموضوع وينشر فيهم الوعي بأهميته ، فيجعلون مثلا يوما أو أسبوعا للشجرة، وآخر للبيئة، وثالثا للثقافة ، ورابعا وخامسا و، و، و، الخ ، أليست الزكاة جديرة بأن نجعل لها شهرا إعلاميا، نعرف الناس فيها بأحكامها وحكمها ومنزلتها في الإسلام و، و ، و، و، الخ ؟ إنها جديرة والله بذلك، ولم لا يكن هذا الشهر هو شهر الزكاة ، نعقد لها الندوات والمؤتمرات ، ونقيم لشرحها المعارض والملتقيات ، وهذا لا يعني نسيانها في باقي السنة ، لكن هذه التظاهرة الشهرية تجعل الزكاة حاضرة باقي العام ،

فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ....

الهوامش

01 ـ الآية رقم :47 من سورة يس.

02 ـ جزء من الآية رقم : 07 من سورة الحديد

03 ـ الآية رقم : 103 من سورة التوبة

04 ـ الآية رقم : 277 من سورة البقرة

05 ـ جزء من الآية رقم : 05 من سورة التوبة

06 ـ جزء من الآية رقم : 11 من سورة التوبة

07 ـ الآية رقم :04 من سورة لقمان

08 ـ الآية رقم: 43 من سورة البقرة

09 ـ الآية رقم :73 من سورة الأنبياء

10 ـ الآية رقم :37 من سورة النور

11 ـ الآية رقم : 162من سورة النساء

12 ـ جزء من الآية رقم :177 من سورة البقرة

13 ـ رواه البخاري

14 ـ الآية رقم : 19 من سورة الداريات

15 ـ جزء من الآية رقم 273 من سورة البقرة

16 ـ الآية 1 و 2 و 3 من سورة الماعون

17 ـ الآية 17 و 18 من سورة الفجر

18 ـ الآية 43 من سورة البقرة

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:20
في رحاب ذكرى الفاتح من نوفمبر 1954

الخطبة الأولى: الحمد لله حق حمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله، أعز المؤمنين بعد ضعف وذلة، وأيدهم بحوله وقوته، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله جاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه الله اليقين، أخلص له الدعـاء فحقـق له الرجاء، فسلام الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين. أمـا بعـد ،

أيها الإخوة : يقول الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله : (( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)) ( الذريات55)، يحي هذه الأيام الشعب الجزائري ذكرى عزيزة عليه، ذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، هذه الثورة المباركة التي وضعت حدا لاستعمار مقيت دام أكثر من 130 عاما، ذاق خلالها الشعب الجزائري أحداثا مليئة بالآلام والحرمان، والدم والظلم من قبل المستعمر الفرنسي، فمن واجب الأجيال المتعاقبة الآن – على الخصوص ممن لم يكتووا بنار الاستعمار – أن يتفحصوا صور الماضي الأليم ليقفوا على الحقد الدفين الذي كانت فرنسا الاستعمارية تمارسه ضد شعب أعزل لم يجد ما يسد به رمقه، ومن واجب الشباب الآن استحضار كل المشاهد الأليمة وإمعان النظر، ليعرف كرم الله عز جل وفضله وإنعامه علينا بنعمة الحرية والاستقلال، يقول الحق تبارك وتعالى : (( وأما بنعمة ربك فحدث )) (الضحى 11).

أيها الإخوة المؤمنون: هذا يجعلنا نقف وقفة إجلال واحترام واعتراف، لمن فجروا ثورة نوفمبر رجالا ونساء، فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الله، ورفع راية الوطن فنالوا الصفقة الرابحة التي جاء فيها قوله تعالى : (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون ف سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا)) ( التوبة 111).

أيها الإخوة المسلمون : إننا حينما نتحدث عن إنجازات الثورة المباركة، فلا يمكن بحال أن نغفل عن تعيين الأشخاص والأبطال الذين كان لهم الفضل في تحرير الجزائر، كما لا يمكن نسيان الزمان والمكان الذي جرت فيه وقائع المعارك والبطولات، ولكن أكبر إنجاز نذكره هو : احتضان الشعب للثورة المباركة والتفافه حولها والسؤال الذي نطرحه الآن :

* ما الذي جعل الشعب الجزائر يحتضن الثورة المباركة ويلتف حولها؟

- إن المتمعن في تاريخ الجزائر ابتداء من دخول فرنسا سنة 1930، وانطلاق المقاومات الشعبية وعلى رأسها مقاومة الأمير عبد القادر سنة 1832، إلى ثورة الفاتح من نوفمبر سنة 1954 يجد أن المحرك الأساسي والروح المغذية لهذه المقاومات والثورات هو : روح الإسلام، وحب هذا الشعب لوطنه، حيث كان لنضج الوعي الوطني دور في الدفاع عنه، وكذا تجذّر الإسلام في أعماق الشعب الجزائري، وامتزاجه بدمه ولحمه، فكانت نداءات الله أكبر التي تخرج من قلوب المجاهدين وتنطلق بها ألسنتهم كالمغنطيس يجذب أفراد الشعب إلى ثوراتهم فرعى الشعب الثورة وشد إزرها، ودفع الآباء والأمهات بفلذات أكبادهم إلى معارك الوغى، فكانت البطولات والتضحيات، والكرامات التي أجزاها الله على يد المجاهدين الطاهرين، وكان الاستشهاد في سبيل الله وكانت الانتصارات المتتالية انتهت باستقلال الجزائر ونيل حريتها.

*اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وأدم علينا نعمة الحرية والاستقلال، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.

الخطبة الثانية:

الحمد لله المنعم الوهاب، واهب النعم ودافع النقم ومهيء الأسباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أمـا بعـد،

أيها الإخوة المؤمنون: يقول الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله (( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم)) (فاطر/3)، ويقول : (( لئن شكرتم لأزيدنكم)) ( إبراهيم /7).

إن من النعم الجليلة التي أنعمها الله علينا، نعمة الإسلام ونعمة الأمن ونعمة الحرية والاستقلال … ونعم أخرى لا تعد ولا تحصى، ومن واجب المسلم انطلاقا من مفهوم الآيتين السابقتين :

*1 وجوب ذكر نعم الله علينا (( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم)).

*2 وجوب شكر الله تعالى على هذه النعم (( لئن شكرتم لأزيدنكم)).

فلا يعرف نعمة الحرية والاستقلال إلا من فقد ذلك واكتوى بنار الاستعمار الفرنسي وما خلفه من فقر وجهل واستغلال وإذلال.

أيها الإخوة المؤمنون: إن من واجب ذكر النعمة وتمام الشكر في هذه المناسبة السعيدة واجبات نوجزها في :

1- حب هذا الوطن العزيز الذي ضحى من أجله مليون ونصف المليون شهيد، وبذل النفس والنفيس في سبيله واعتبار ذلك – أي حب هذا الوطن – من أعظم القربات عند الله فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على جلالة قدره عندما خرج من مكة قال : (( الله يعلم أنك من أحب البلاد إلي – أي مكة – ولكن قومك أخرجوني)).

2- استكمال مسيرة المجاهدين الذين خاضوا معركة تحرير الجزائر، فنحن الآن أمام معركة التحديات الكبرى للمحافظة على أصالة الجزائر وقيمها.

3- التمسك بمبادئ الإسلام الغراء وروح الثورة المباركة، وذلك بالاعتصام بجبل الدين المتين.

4- السير على خطى الشهداء – رحمهم الله – وما كانوا عليه من أخوة ومحبة ووحدة وعدم التفرق والتنافر والخلاف فهذا يؤدي إلى الضعف والهوان يقول الحق تبارك وتعالى : (( إنما المؤمنون اخوة)) ( الحجرات /10).



** الدعـاء**

* فالله نسأل في الأخير أن يجعلنا من الشاكرين لما أولانا، ومن الذاكرين لما أنعم علينا، اللهم أرحم شهداءنا الأبرار، وأدم علينا العفو والعافية يا رب العالمين.

*اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شافيته ولا ميتا إلا رحمته ولا حاجة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.

*اللهم وفق ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا ووفق ولاة أمورنا خاصة إلى ما فيه خير البلاد والعباد.

*عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ويعظم لعلكم تذكرون وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله .

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:21
في ذكرى الاستقلال

الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز الحكيم.. ناصر المستضعفين ومذل الجبابرة الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين فقال سبحانه:  ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض وتجعلهم أيمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض... (القصص:5،6)، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله إمام المجاهدين ورحمة للناس أجمعين، اللهم صلي عليه وعلى أله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فهنيئا لكم أيها المؤمنون جميعا بذكرى الخامس من جويلية الذي تلتم فيه منة جليلة ونعمة كبيرة ألا وهي الحرية والاستقلال، وتشدّنا الذكرى لنشهد ذلك اليوم الذي تقرر فيه الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة بعدما تحمل شعبنا كلّ ألوان العذاب والنكال في سبيل تحرير البلاد والعباد من براثن الاستعمار الفرنسي البغيض، فكان شعبنا سدا منيعا أمام كل تحديات المستعمر الذي انتهج سياسة التغريب لمحو الشخصية الجزائرية وطمس معالمها،  ولكن استفتحوا وخاب كل جبار عنيد (إبراهيم 15).
أيها المؤمنون:
يسأل السائل ويقول: لماذا نتخذ هذه الذكريات والأعياد؟ والجواب: لا اشك أنكم تعرفون جميعا هذه الذكريات قد تكون للترفيه عن النفوس... وقد تكون للتذكير بحادث محبب إلى النفوس ومحفز للهمم.. وقد تكون لإظهار الفرح بنعمة أصابت البلاد والعباد.. كيوم الخامس من شهر جويلية 1962.. الذي نلنا فيه نعمة الحرية والنعتاق.. ذلك اليوم الذي تحقق فيه حلم شعبنا، وقد صدق الشيخ عبد الحميد بن باديس وتحققت فراسته حينما قال :
وإذا هلكت فصيحتي  تحيا الجزائر والعرب
أيها المؤمنون:
إن الأمم الناهضة لا تعرف في تاريخها أعز ولا أعظم من يومها الذي نالت فيه حقها وكرامتها.. ونالت فيه نعمة من نعم الله وكان من واجبها أن تذكر وأن تشكر نعمة المنعم جل جلاله: ((يا أبها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) (المائدة:11).
- إنه بحق يوم التخرج والنجاح... يوم فاز فيه المخلصون والمجاهدون في التضحية والفداء لينالوا من الله عز وجل مثوبة البذل والعطاء، ألا وهي الرضا في الدنيا والجنة في الآخرة بإذن الله جل وعلا.
أيها المؤمنون:
إن ذكرى الاستقلال تذكرنا بأيام التضحيات الجسام والإيثار التام، تذكرنا برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وتذكرنا أيضا بأن هذه الثمرة الطيبة: ثمرة الحرية- لم تأت على سبيل الصدفة والأماني الكاذبة... وإنما جاءت عن طريق رجال آمنوا بالله ثم آمنوا بضرورة تحرير الأرض وتطهيرها من آثار الذل والاستعباد.
فهبوا جميعا رافعين راية الجهاد والتحرير معتقدين في قرارة أنفسهم أنه هو البلسم الشافي والحل الكافي، مما أرغم المستعمر في النهاية أن يعترف بحق تقرير المصير... لكنه بعدما دمر وخرب وأزهق عددا فظيعا من الأرواح خلال سبعة سنوات عجاف يكاد العقل يتفطر لضخامة عدد الشهداء والضحايا فيها.

أبها المؤمنون:
إننا لنجد في هذا اليوم لذة القيام بالواجب نحو الوطن الذي رفرفت على رباه كلمة التوحيد، ولنفرح بهذا اليوم لأنه اليوم الذي مُنحنَا فيه نعمة من نعم الله: ألا وهي النصر والتمكين.
لقد ترك كل واحد من أبناء هذا الوطن إبان ثورة الجهاد والتحرير أهله وماله وذويه باسم الله ثم لتحرير هذا الوطن وإعزازه... حتى صار هذا اليوم منبع خير للوحدة والتآخي والتناصر...
أيها المؤمنون:
إن يوما تنتهي فيه رحلة الجهاد والاستشهاد وتبدأ فيه رحلة البناء والتشييد لجدير أن يكون يوم شكر وحمد لله تعالى: قال تعالى : ((فأذكروني أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون)) (البقرة: 152).
إذن أيها المؤمنون:
من حقنا أن نفرح لنطبق كل ما تعلمناه في جهادنا من تراحم وتآزر ووحدة وأخوة وشكر النعمة... وشأن المؤمنين الصادقين هو الاتصال بالله بالعبادة والشكر والاتصال فيما بينهم عن طريق المحبة والإخاء والعطف والمودة.
إخواني:
سوف تظل هذه الذكرى الخالدة مدى الأيام لتقول للدنيا: إن الباطل مهما طال أمده وقويت شوكتهُ ... فلابد من اليوم الذي يخر فيها صريعا أمام روعة الحق وقوة الإيمان. ((كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزَّبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض...)) (الرعد:17). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا جميعا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلى على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وبعد:
تخيلوا معي أيها المؤمنون أن إنسانا في حفل تخرجه، في يوم نال جائزته من ربه... لم لا؟ وقد أمر بالبذل ففعل... وأمر بالتضحية فقدم، فهل بعد هذا الفضل يتخلى عن هذه المنزلة والتكريم؟ هل يرضى أحدنا أن يجرد مما حصل عليه ويبعد عن فضل الله ورحمته؟ وهل يليق أن يصبح من المغضوب عليهم بعد أن أنعم الله عليه بالحرية والكرامة؟
عباد الله:
إن من ذاق عرف.. ومن ضل الطريق بعد وانحرف.. ونُذكر أنفسنا بحقيقة النجاح، نقول : إن النجاح الحقيقي ليس في الحصول على الثمرة وبلوغ المرتبة فقط، إنما النجاح الحقيقي يكمن في كيفية المحافظة عليه والاستمرار فيه فاحرصوا أيها المؤمنون على ما نِلتم وتمسكوا بما ظفرتم و أسألوا الله من فضله ودوام كرمه.
وأخيرا عباد الله.. إن الفرحة الحقيقية والسعادة الغامرة هي: عندما نرى الأمة العربية والإسلامية قد توحدت وجمعت شملها وانتصرت على عدوها ونرى أرض الإسراء والمعراج وكل أرض اغتصبت محررة: الآية: ((ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله ينصر من يشآء وهو العزيز الرحيم)) (الروم:4،5).

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:22
بن باديس إمام الجزائر وقائدها إلى برّ الأمان

الخطبةالأولى:

الحمد لله جعل العلم طهارة للنفوس، ونورا للبصائر، وطريقا إلى الحق، وهاديا إلى الجنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له ، في ملكه، ولا نظير له في ربوبيته، ولا مثيل له في ألوهيته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله بيّن لنا معالم الدين، وهدانا إلى الصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: معاشر المؤمنين الموحدّين

احتفل شعبنا الجزائري المسلم بعيد العلم الذي يصادف من كل عام ذكرى وفاة رائد النهضة الإصلاحية، وباعث لواء العلم في الجزائر ألا وهو الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، ففي مثل هذا اليوم 16 أفريل من عام 1940م فقدت الجزائر علما من أعلامها البررة، وأفل شمس من شموسها العظام، ورائد من روادها الكرام، فرحمك الله يا ابن باديس، عشت ومت مجاهدا من أجل الجزائر والعروبة والإسلام، فربطت الجزائر العربية المسلمة ذكرى وفاتك بيوم العلم حتى لا يموت في ذاكرتها، وتبقى حيّا خالدا مخلدا مخلدا إلى أبد الآبدين، حينما اقترنت ذكرى وفاتك بيوم العلم الذي يرمز إلى الحياة الكريمة، حياة الشموخ والسؤدد، لأنّ الأمم تموت بالجهل، وتحي بالعلم، وحريّ بمقامك في قلوب الجزائريين أن يجعلوا من يوم وفاتك يوما للحياة فخلّدت في تاريخهم بيوم العلم.

أيها المؤمنون:

إن أوّل علا قة تمّت بين السماء والأرض انبنت على القراءة والتعلم، لأنّ الإسلام دين خالد، ورسالة سامية للعالمين، تحمل في طياتها قواعد الصلاح، وأركان السعادة والسؤدد للبشرية جمعاء، واتباع هذه الرسّالة وفهم أبعادها ومقاصدها لا يأتي للجهلة والسوقى من دهماء الناس وعوامهم، لأنّ مصيبة الإسلام إنّما تأتي حينما يتصدّر دعوته وقيادته الجهلة بأحكامه ومقاصده وتشريعاته وآدابه، فيجنون عليه وعلى أنفسهم أكثر ممّا يجنيه الأعداء الحاقدون عليه، والإسلام بريء من كلّ هذا، لأنه دين الله الكامل، فمن أخذه بعلم مكين، وفهم صحيح، فقد أخذ بحظ وافر من الخير والسعادة، ومن أخذه بجهل فإنما جنى على نفسه وعرّض إسلامه للمساومة وصدّ النـاس عنـه، ولذلـك كان الله سبحانه وتعالى خبيرا بضعفنا وجهلنا فجعل من شروط الانتساب إليه وإلى دينـه هو العلـم به، ومعرفـة مقتضياتـه حينمـا قال : ( فاعَّلَمْ أنَّهُ لاً إِلًهَ إِلاَّ اللهُ) (محمد : 19).

أيها المؤمنون :

إنّ الجهل شرّ بلية يصاب بها الفرد وتصاب بها الأمة، وإذا عمّ الجهل وتصدّر أهله زمام الأمور تسلّل على أيديهم شرّ مستطير، ووباء خطير، فهو الطّامة الكبرى، والحالقة التي لا تحلق الشعر وإنّما العباد والبلاد.

وإنّ ما نجنيه من تخلف وتأخر وخراب ودمار وتشتت وتشرذم إنما بسبب طفو الجهّال على زمام أمورنا، وغياب العلماء في كبرى اختيارات مجمعاتنا.

والحق أنّ العلم عندما ينفصل عن الخلق، ويفارقه الإخلاص يمسي وبالا على أهله والناس أجمعين، وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يستعيد بالله من علم لا ينفع فيقول: " إنّ أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان" رواه البزار.

أيها الموحدون والمسلمون الجزائريون:

إن الناس إن لم يجمعهم الحق شعّبهم الباطل، وإذا لم توحدهم عبادة الرحمان مزّقتهم عبادة الشيطان، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة تخاصموا على متاع الدنيا.

إنّ الشقاق يضعف الأمم القويّة، ويميت الأمم الضعيفة، ولو عقل المسلمون أحوالهم في هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم لأحسّوا بأن ما لحقهم من عار وخيبة ودمار وخراب إنما مرده إلى انحلال عراهم، وتفرّق هواهم.

أيها المؤمنون:

إن شعبنا الجزائري المسلم ابتلى عبر مساره التاريخي بمحن وإحن ونكبات ونكسات، وفي الآونة الأخيرة دخل شعبنا في فتنة عمياء بسبب ما حلّ به من بلاء وخراب، وها هي العافية رجعت إلى ربوع البلاد، وخيّم الأمن في القرى والجبال والوهاد، وبعد أن أطمأن الجزائريون براحة البال، وشعروا بالسلم والأمان.

إن هذا الصنيع المؤلم والمحزن وإن حاول بعض الدّجالين والمفترين ربطه بعقيدة الإسلام وانتسابه إلى سنة خير الأنام، فإنه صنع الهوى ووحي الشيطان والإسلام منه براء، أو لم يصغوا مقولة رسول الهدى ونبي الإسلام محذّرا أمته : " فلا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنّتي ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد" اللهم أهدنا إلى سواء السبيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، الحمد لله رفع أهل العلـم والإيمان، ومنّ عليهم بالتوفيق والعرفان، فقال منوها بمكانتهم ومنزلتهم عنده : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتُوا العلم دَرَجَاتٍ) (المجادلة : 11).

أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الإنعام وموائد الإكرام، وأسأله التوفيق لمعرفة الحلال و الحرام والهداية إلى ما فيه خير الإنسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام خير مبعوث وأفضل مرسل لبني الإنس والجان، صلي الله عليه وسلم، وشرف وكرم ومجد وعظم، وعلى آله الأبرار وأصحابه الأخيار وأزواجه أمهات المؤمنين الأطهار والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد… فيا أيها المؤمنون ويا أيتها المؤمنات:

اتقوا الله عباد الله فأوثق العرى كلمة التقوى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واعلموا – عباد الله – أن التقوى وحقيقة الإيمان والسلامة من المهلكات والآثام لا تتم ولا تحصل إلا بالعلم النافع لقوله سبحانه: ( فاعَّلَمْ أنَّهُ لاً إِلًهَ إِلاَّ اللهُ) (محمد : 19).

عباد الله ٍ ! ! إن أول ما نزل من آيات القرآن الكريم على النبي الأمي محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه، وهو يتعبد في غار حراء عن طريق أمين الوحي جبريل هو قول الله سبحانه: ( اقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، أقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم) (العلق : (1-5).

إنها أول صيحة تسمو بقدر العلم، وتنوه بمكانة العلم، وتعلن الحرب على الجهل، وتجعل اللبنة الأولى في بناء المسلم هو أن يقرأ ويتعلم.

ويكفي مكانة ومنزلة للعلم في الإسلام أن نوّه الله به في القرآن الكريم في أكثر من آية، ومن ذلك أن أقسم الله بوسيلة نيله والحصول عليه وهي آلة القلم في سورة "ن" بقوله سبحانه :(ن والقلم وما يسطرون) (ن : 1).

كما أعلى القرآن الكريم من درجات العلماء بإبراز منزلتهم ومقامهم عند الله حينما قال سبحانه: (شهد الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيمُ) (آل عمران : 18).

ومما جاء في فضل العلماء وتنويها بمقامهم قول النبي محمد عليه الصلاة والسلام، : " إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في الماء ليُصلون على معلمي الناس الخير" (رواه الترمذي).

أيها المؤمنون … قد يتوهم بعض الناس أن العلم الذي عناه القرآن الكريم هو العلم بأحكام العبادة فحسب، أي بأحكام الشريعة الإسلامية، التي تقوم عليها فرائض المكلفين دون العلم بأحكام الكون وفقه نواميسه وسننه، وكرد على هذا الزعم نجد الله سبحانه جعل خشية العلماء الذين سخّروا فكرهم في الفهم، وعقولهم في التأمل وتدبر الكون كتابه المفتوح فقال سبحانه : ( ألّم تر أن الله أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جُدد بيض وحمر مختلف أوالنها وغرابيب سود، ومن النّاس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنّما يخشى الله من عباده العلماء إنّ الله عزيز غفور) (فاطر : 27).

وعلى ضوء ما سبق يتحدد التصور السليم والمقصد الشرعي الصحيح من نظرة الإسلام إلى العلم، على أنه فهم للأحكام الشرعية، وفقه للقوانين والنواميس الكونية، والبحث عن الأسرار التي حباها الله في الكون للانتفاع بها ونيل مراتب القوة والسؤدد لتكون بذلك خير أمة أخرجت للناس؟

أيها المؤمنون… إن التشجيع الذي لقيه البحث العلمي من الإسلام انتهى إلى ذلكم الإنتاج الثقافي والعلمي الباهر في أيام الحضارة العربية الإسلامية عند الأمويين وبني العباس ودولة الأندلس، وإن أوروبا لتعرف ذلك حق المعرفة، لأن ثقافتنا وحضارتنا مدينة للإسلام بتلك النهضة بقرون… فالإسلام لم ولن يقف سدا منيعا في وجه التقدم والعلم بمختلف أشكاله وأنواعه ما دام مفيدا للإنسان، ومحققا لسعادته، ومن توهم خلاف ذلك فهو جاهل أو مستخف بتعاليم هذا الدين.

أيها الجزائريون … في غضون الأسبوع الماضي احتفل شعبنا الجزائري بوجه عام، وطلابنا وعلماؤنا بوجه خاص، بعيد العلم الذي يصادف من كل عام ذكرى وفاة رائد النهضة العلمية والإصلاحية الحديثة، وباعث لواء العلم في الجزائر، ألا وهو الشيخ الإمام العلامة عبد الحميد بن باديس.

أيها المؤمنون … إن تهميش العلماء وعدم إنزالهم منزلتهم اللائقة بهم من الاحترام والتقدير والاستنصاح منهم في أحوال العباد والبلاد ضياع لمصالح الأمة، وذهاب لروحها، وإيذان بدنو آجلها، وأمة حال علمائها هكذا فكبر عليها سبعا لوفاتها.

أيها المؤمنون… إن من الوفاء للتاريخ والوفاء لأصحاب الفضل أن نرد الجميل لأصحابه ونحن في ذكرى وفاة هذا العظيم المجاهد البار العالم الزاهد الذي بلغ قمة السؤدد في جهاده وعمله الدؤوب من أجل الدفاع عن الجزائر العربية المسلمة الحرة المستقلة، أن تسير على المنهج الذي رشمه ابن باديس، ونسلك الخطة التي بني عليها نهضته العلمية الأصيلة القائمة على الإسلام والمتحررة من كل وافد دخيل من الأفكار والمناهج الضالة والمتفتحة على المعاصرة والجديد الذي يخدم أنيتنا وأصالتنا ويتناسب مع حضارتنا وقيمنا الأصيلة وسيبقى ابن باديس وما أثمرته جهوده المضنية شجرة أرفة الظلال، كثيرة الثمار، نستظل بظلالها الوارقة، ونقتطف أطايب ثمارها الحلوة الشهية، ما يعيننا على جمع كلمتنا، ووحدة صفنا، واستجماع قوانا وتحصين شخصيتنا من الانسلاخ والانحلال وجيلنا من النكوص والذوبان، ونحن في عصر يموج بالتيارات الهدامة، ويغري بالوسائل البراقة، ويدغدغ العواطف الملتهبة، ويلعب بالشهوات الجامحة فاللهم هبنا العلم ونو ره، وقنا الجهل وشروره، واجعلنا نسود بالعلم كما ساد به أسلافنا الأولون، اللهم إنه السبيل إلى عبادتك والطريق إلى طاعتك والمؤدي إلى نصرتك والمنجي في آخرتك فاجعلنا اللهم أن نعبدك على علم ونجاهد في سبيلك على علم، اللهم وأغفر لعلمائنا ومشايخنا ومعلمينا وأساتذتنا وجازهم خير الجزاء وارزقهم صحبة السعداء والمعيشة مع الشهداء ورفقة سيد الرسل في مقعـد صـدق عند مليك مقتدر.

الهامل الهامل
2010-12-28, 16:23
حب الوطن من الإيمان

الخطبة الأولى:
الحمد لله – الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وهو الذي أجزل الأجر والثواب للذين آمنوا من عباده وعملوا الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله أشرقت لنور وجهه الظلمات، وصلح عليه أمر الناس في المحيا وبعد الممات، فمن استمسك بعروته الوثقى فاز واهتدى، ومن حاد عن نهجه نهج التقى ضل اعتدى.. ونشهد أن سيدنا وعظمنا محمدا صلى الله عليه وسلم، نبيه المصطفى وعبده المجتبى، دعا أمته إلى الجنة إلا من أبى، أختاره الله رحمة للعالمين وهاديا بإذنه للناس أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك وزد عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الطاهرين، وعلى التابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى كل لأثاره اتبع واقتفى، وبهذيه استمسك واكتفى…

اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاما دائمين متصلين، واجعلنا اللهم من الذين يسلكون في الدنيا سبيل طاعته ويفوزون يوم القيامة بشفاعته ويحطون بقربه ومناعته، ومتعنا اللهم بزيادة النظر إلى وجهك الكريم.

عباد الله

إن الله قد أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وعلمنا كيف نشكره عليها ليوجب لنا الزيادة، ونكون أهلا لها بما تأتي من صالح الأعمال وطيب الأقوال، وحذرنا من الكفر بهذه النعم وما يترتب على ذلك من سوء المال وخيبة الآمال، فقال سبحانه جل شأنه : " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" فقد أكد على زيادة النعم إثر الشكر، كما أكد على حلول الثقه – إثر كل كفر – وبهذا وجب علينا أن تلهج ألسنتنا بعبارات افلشكر الدائمة على هذه النعم القائمة، لتكون أهلا لهذه النعم التي لا نحصيها كما ولا كيفا، قال تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".



ولقد علمنا رسول الهداية ونبي العناية نبينا الكرم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم كيف نداوم على الشكر في كل حين وعل كل حال، وبين لنا كيف يكون بالأقوال كم يكون بالأفعال، فقد كان عليه الصلاة والسلام يداوم على الاستغفار ويحرص على العبادة بالليل والنهار، ويأتي من أعمال البر ما لا حدودله، وعندما سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن سبب قيامه بكل ذلك وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أجابها قائلا: " يا عائشة … أفلا أكون عبدا شكورا" بلى، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وإذا كان هذا شأن خير البرية الذي يدخل الجنة أول الداخلين، فماذا عنا ونحن من أمته التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس؟ أفلا يجب علينا أن نكون من الشاكرين بالأقوال والأفعال، لعلنا نفوز برحمة من الله نطمع أن يدخلنا بها الجنة مع شفيع الأمة ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم؟.

أخوة الإيمان…



إنّ نعم الله قد شملت عباده أفرادا وأمما وشعوبا، وما دام الأفراد الصالحون هم الذين يصنعون الأمم والشعوب الصالحة، فإن هذه الأمم بدورها ينبغي عليها أن تحافظ على نعم الله عليها، وذلك بأن تسلك السبل التي تجمع الشمل ولا تفرقه، فتعمل على توحيد الصف، وإصلاح ذا ت البين، والتأليف بين القلوب، وإشاعة التفاهم والاتفاق والإجماع على ما يخدم الأمة ويبنيها على أساس من الأخذ بأسباب البناء والرقي والازدهار، قال تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". وهذا ما لا يكون إلا بالعمل الجماعي والتشاور في الأمور المصيرية التي تعكس صورة الأمة الحقيقية على مرآة الواقع بكل معطياته، مع نبذ كل أسباب الفرقة والتنازع وما إلى ذلك من دواعي الفشل والاندثار، قال جل وعلا:" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".



إن أمة هذا شأنها لهي الأمة التي يمكنها أن تواكب مسيرة الحياة وتطوراتها المختلفة، وهي الأمة التي تستطيع أن تصنع واقعها المشرق باختياراتها الحكيمة.. ومن هذه الاختيارات تعبير أفرادها عن أرائهم، وذلك عن طريق إقبالهم على الانتخاب الذي هو حق لهم وواجب عليهم في أن واحد.

إنّ كل فرد مدعو إلى الإسهام في صنع مصير أمته بتعبيره عن رأيه واختياره بكل حرية، وإيداع كلمته عند من يرى فيه ثقته ويضع عنده أمانته، واضعا نصب عينيه مستقبل وطنه وأمال شعبه، فإن تأخر عن ذلك وأحجم فقد فرط في حقه وقصر في واجبه.



الخطبة الثانية:

الحمد لله.. الحمد لله الذي جعل الأرض مستقرا للإنسان وأنبت له فيها من الخيرات الحسان ما ينفعه ويبعث في نفسه السكينة والاطمئنان.

عباد الله…

أعلموا أنّ الوطن لنا حضن أمان وكنف اطمئنان، لذا كان حبه واجبا علينا جميعا، فعلى ترابه ولدنا، وفي أكنافه ترعرعنا، ومن ثماره تغذينا، وفيه تعلمنا أبجديات الحياة، فلا شيء يشغلنا عن حب الوطن، بل أن ذلك من دلائل الإيمان، قال الشاعر:

وطني لو شغلت بالخلد عنه ** نازعتني إليه في الخلد نفسي

وعندما نستحضر تاريخ كفاح أبناء الجزائر في سبيل تحقيق حريتها واستقلالها وسيادتها، ندرك معنى التضحية التي امتزجت فيها الدماء الزكية بثرى الأرض الطاهرة النقية، وذلك عبر عقود من الزمن، كما ندرك معنى الوفاء والإخلاص لبلادنا في ظل الوحدة والأخوة والألفة بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعكر الصفو، قال الشاعر متغنيا بحب الجزائر وحاثا عليه:

غير مجد في مذهبي واعتقادي قول واش يزيد في الشحناء

أو حقود لنار حقده يبـدي أو حسود يكيد كيد الخفاء

أنا ابن الجزائر بـر ببلادي، نفسي لها بالفداء

وهي أم لنا وحضن أمان نحو أم ما واجب الأبناء؟



إن من واجب الأبناء نحو أمتهم أن يبروما ويخدموها ويطيعوها، وأن يستجيبوا لها عندما تدعوهم ليرفعوا شأنها ويصنعوا مجدها ورقيها وازدهارها بكل صدق وإخلاص وتفان.



أيها الإخوة المؤمنون…

إن علينا أن نسهم في بناء المجتمع الإسلامي المختصر القائم على مبدأ الشورى الذي جاء به الدين الحنيف، وإن تعددنا صيغ الشورى وأساليبها في عصرنا عبر ما يسمى بالانتخاب والديمقراطية وغير ذلك.. وهذا صنيع حضاري يدل على وعي الأفراد بمصير أمتهم وإدراكهم لواجبهم نحوها، وإنهم يحصلون على عواتقهم مهمة قيادتها نحو الطريق المستقيم والسبيل القويم.

اللهم أجعل بلادنا أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، وأجعل سائر بلاد المسلمين أرض رخاء وأمان وسعادة واطمئنان.

اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، وفيض لهم بطانة حسنة تعينهم على فعل الخيرات ورد المنكرات، وأجعل اللهم بلادنا الجزائر موطن رفاهية ورقي وإزدهار، وأجعلها أرض سلام ومحبة ووئام، عامرة بالخيرات، وأرزق أهلها من كل الثمرات، وقيض لها من الرجال الصالحين المصلحين من يحفظ عزها ويصون مجدها لتبقى رايتها عالية خفاقة، وأحفظها يا ربنا برعايتك واشملها بفضلك وعنايتك.

عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظم لعلكم تذكرون، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون – سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..

نهرين
2010-12-28, 20:13
أيها الناس،
إنكم لم تُخلَقوا عبثًا ولن تُتركوا سدى وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحُرم الجنةَ التي عرضها السماوات والأرض، ألا وأعلموا أنما الأمان غدًا لمَن حذر الله وخافه، وباع نافدًا بباقٍ، وقليلاً بكثير وخوفًا بأمان ألا ترون أنكم في أسلابِ الهالكين، وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين؟
وفي كل يومٍ تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله، فتعيبونه في صدعٍ من الأرض، ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحبة، وخلع الأسباب فسكن التراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، فقير إلى ما قدَّم غني عما ترك، فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقعه، وأيم الله إني لأقولكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي
وما منكم من أحد تبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرتُ عليه، وما منكم أحدٌ يسعه ما عندنا إلا وودت أنه سداي ولحمتي، حتى يكون عيشنا وعيشه سواء

وأيم الله أن لو أردت غير هذا من الغضارة والعيش، لكان اللسان مني به ذلولاً عالمًا بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، يدل فيها على طاعته، وينهى عن معصيته،
ثم رفع طرف ردائه
فبكى حتى شهق

وأبكى الناس حوله، ثم نزل فكانت إياها لم يخطب بعدها حتى مات
رحمه الله.

بارك الله فيك أخي