مشاهدة النسخة كاملة : أرجوكم من لديه هذا الكتاب
ريحانة39
2010-11-26, 13:08
السلام عليكم
ارجوكم من لديه كتاب[size="4"] التفكير الاجتماعي لأحمد الخشاب او كتاب تاريخ التفكير الاجتماعي لمحمد أحمد البيومي فأنا محتاجة اليه كثيرا بارك الله فيكم
chawkikernif
2010-11-26, 13:55
هل الفكر الاجتماعي لابن خلدون يناسبك ؟؟
ريحانة39
2010-11-26, 15:08
لا يا أخي فأنا بحثي حول التفكير الاجتماعي في الشرق القديم الصين والهند القديمة
boukhari14
2010-11-26, 22:36
اسف لم اجد معلومات اكثر ربي يوفقك في البحث
boukhari14
2010-11-26, 22:42
الفكر الاجتماعي في الصـــــيـن
تقف الصين وحدها وسط حضارات العالم العظيمة فقد تطورت في عزلة تامة، تقريباً، عن بقية الحضارات، ولهذا كانت إنجازاتها فريدة. وهذه الخاصية الفريدة جعلتها في آن معاً ممتعة لمن يشاهدها، محيرة لمن يحاول فهمها، أجل فقد تطورت الصين بنفسها وساعدتها على ذلك عزلتها الجغرافية عند النهاية الشرقية القصوى (في الطرف الشرقي الأقصى) من العالم الأوروبي الأسيوي القديم، تحيط بها جبال وصحراء ولا تمر بها أية طرق للتجارة.
كان الشعب الصيني في تراثه التقليدي يعتبر نفسه مركزاً للكون. وكلمه شنج – كيو Chun-Kuo وهي الاسم الصيني للصين. تعني حرفياً (مملكة الوسط) فقد عد الصينيون أنفسهم، على نحو ما فعل الإغريق، جزيرة من الثقافة وسط بحر من التوحش والهمجية.
ويبدأ التاريخ المسجل للصين بأسره شانج Shang التي استمر حكمها من القرن السادس عشر حتى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وكانت سجلاتها تتألف من مجموعة من العظام نقشت عليها نبؤات، وتم اكتشافها قرب نهاية القرن التاسع عشر، حيث أصبحت منذ ذلك الحين المصدر الرئيسي لتاريخ أسرة (شانج) كانت هذه العظام إجابات عن أسئلة قدمت إلى العرافين، وكانت الأسئلة تحفر على عظام الحيوانات والقواقع والأصداف، وتوجه إلى الأرواح طلباً للهداية والإرشاد. وبعد أن يحفر السؤال يقوم العراف بتسليط النار على ثقوب يحدثها في العظم ثم يؤول ما ينتج عن الحرارة من تصدعات بأن الأرواح تجيب ببشائر خيراً ونذير شؤم( 1).
ونحن نحصل من طبيعة الأسئلة المطروحة على صورة لمجتمع ينظمه، في (1 ) جفري بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ص270.
مزيد من التفاصيل عن الحضارة الصينية انظر:
Rudd. H; Chinese Social Origins, Chicago: University of Chicago press, 1948.
boukhari14
2010-11-26, 22:45
كل جانب تقريباً، من جوانب الحياة اليومية – التنبؤ بالغيب، وتحكمه اعتبارات الحظ الحسن أو الفأل السيء، أما (القوى) التي يستشيرونها في عملية التنبؤ بالغيب فهي أرواح الموتى من الملوك أو تي Ti وكذلك أرواح الأسلاف. ونحن نعرف أن هناك عنصراً جنسياً في هذه العبادة، وذلك من الآثار الباقية من أشكال الخطوط التي لا يزال من الممكن تمييزها. ولكننا نعرف أيضاً من الأسئلة التي تطرح حول آداب تقديم القرابين وتأدية الطقوس، أن آلهة التلال والأنهار وغيرها من آلهة الطبيعة والأرواح الحارسة كانت تعبد إلى جانب أرواح الموتى، ولم يكن الموتى وحدهم هم الذين يسألون عن الهداية والإرشاد في مسائل السلوك، بل كان يتوسل إلى قوتهم الداخلية (مانا) Mana حتى تكفل خصوبة الرجال والنساء والمحاصيل والحيوانات.
ولم تكن الأرواحية أو الأنيمزم Animism (عبادة آلهة الطبيعة) وطقوس الخصوبة وعبادتها – ولاسيما عبادة الأسلاف – مجرد مظاهر لأقدم الممارسات الدينية الصينية التي حفظها التاريخ فحسب، وإنما هي تتكرر في صور منوعة ومختلفة في (الديانة الشعبية) للعصور التالية ( 1).
الملك ابن السماء: كان ملوك الصين ملوكاً وكهنة في آن واحد، وتعتمد سيادة الملك على أن السماء هي التي قلدته منصبه، وعندما ثار (ون Wen) على أسرة شانج تولى ابنه الملك (وو Wu) 1027 – 1025 ق. م العرش وأسس أسرة تشو. وحكمت هذه الأسرة على نحو ما تؤكد وثائق عهدها، معتقدة أن رسالتها قد قضت بها السماء، فالسماء هي التي أزاحت أسرة شانج وأنهت تفويضهم بالحكم، وهي التي كلفت أسرة تشو الملكية بتولي هذا المنصب الذي هو (تفويض من السماء).
( 1) جفري بارندر، ص271.
مزيد من التفاصيل انظر كريل هـ. ح، الفكر الصيني من كونفوشيوس إلى ماو تسي تونج، ترجمة عبد الحليم سليم، مراجعة على أدهم، الهيئة المصرية العامة، القاهرة،1971.
boukhari14
2010-11-26, 22:49
وتعتقد أسرة (تشو) أن الإله الأعلى هو السلف الأعظم (شانج – تي Chang – Ti) وهو لفظ مرادف لـ تين Tien (أي السماء) وتمسك السماء – أو هكذا كان الاعتقاد السائد – بيدها الكون بأسره، وتقضي بتعاقب الفصول في مواقيتها وتأمر بدورة الموت والتجدد، وتكفل خصوبة الرجال والنساء والحيوانات والمحاصيل. غير أن السماء تمنح مسئولية تنظيم الكون لوصيتها على الأرض وهو (ابن السماء تين تزو Tien – Tzu ولقد وقع الاختيار على أسرة تشو للقيام بهذا الدور كما تزعم. (وتنظيم الكون) مسألة لابد أن تكون مقبولة عند السماء (بي Pei) عن طريق الطقوس والشعائر ومن خلال تأدية هذه الطقوس التي تستحدث وقائع النظام الطبيعي وتسلسله في الكون ووسط الجنس البشري.
وكانت الوظائف الكهونية للملوك تعتمد على تقديم القرابين للملوك الأموات وإلى شانج – تي Shang Ti الأكثر بعدا، ومن ثم الأكثر قوة من بينهم. كما تعتمد على تقديم تقرير لله عن مسار الأحداث الدنيوية، والانخراط في طقوس إيمانية مثل حرث الأرض، وبذر البذور.
ولقد كانت عبارة (مقبول من السماء) عن طريق الشعائر (باي Pei) هي رخصة الملك إلى السيادة وهي التي تزوده بالنفوذ السياسي القوي الذي يلزم رعاياه بالولاء له، ويساعد الملك في التأدية الصحيحة لواجبات الكهنة.
ويشهد على طبيعة الملك شبه الإلهية اختيار السماء له على أنه ابنها، مما يعطي للملك سلطة سياسية على رعاياه الذين يكلفون بدورهم (بالمناصب) عن طريقه. وكما أن الملك يحكم بفضل (تفويض) السماء له فكذلك بفعل أمراء الإقطاع في مملكته، إذ تكون لهم سيادة محلية تحت إشراف الملك( 1).
الخصائص الأساسية للفكر الصيني:
تقوم الحضارة والثقافة الصينيتان على أساس فلسفي تشكله في المقام الأول ( 1) جفري بارندر، ص273.
boukhari14
2010-11-26, 22:54
مبادئ الكونفوشسية والتاوية والكونفوشسية الجديدة. وقد قامت هذه الفلسفات الثلاث بتشكيل حياة الشعب ومؤسساته، وكانت مصدر إلهام لها عبر ما يزيد على خمسة وعشرين قرناً من الزمان، وكانت الفلسفة الصينية التي أكدت على أهمية المحافظة على الحياة الإنسانية العظيمة ورعايتها مرتبطة أوثق الارتباط بالسياسة والأخلاق، واضطلعت بمعظم وظائف الدين.
ولم يكن الهدف الرئيسي للفلسفة الصينية هو في المقام الأول فهم العالم وإنما جعل الناس عظماء وعلى الرغم من أن الفلسفات الصينية المختلفة يشكل هذا الهدف قاسماً مشتركاً بينها، فإنها تختلف إلى حد كبير نتيجة الاستبصارات المختلفة عن مصدر العظمة الإنسانية. ففي التاوية ينصب التأكيد على اكتساب العظمة بالتوحد مع المنهج الداخلي للكون، ومن ناحية أخرى انصب التركيز في الكونفوشسية على تطوير الإنسانية من خلال النزوع الإنساني للقلب والفضائل الاجتماعية، وتجمع الكونفوشسية الجديدة التي استمدت إلهامها إلى حد ما من البوذية الصينية بين هذين الاتجاهين.
ولكون المرء عظيماً وجهان، في الفكر الصيني، فهو في المقام الأول يتضمن (عظمة داخلية) هي شموخ الروح منعكساً في سلام الفرد ورضائه بكماله. وهو يتضمن ثانيا (عظمة خارجية) تظهر في القدرة على العيش بصورة جيدة على الصعيد العملي، مع الشعور بالعزة في السياق الاجتماعي الذي يوجد فيه المرء في حياته اليومية المألوفة. وهذا المثل الأعلى يسمى (بالحكمة في الداخل والنبل في الخارج) وتعد هذه العظمة المزدوجة شيئاً أساسياً بالنسبة لكل من الكونفوشسية والتاويه.
وقد كانت العظمة الداخلية وإظهار هذه العظمة خارجياً إلى جعل الفلسفة الصينية شاملة لكل جوانب النشاط الإنساني، فالفلسفة ليست منفصلة عن الحياة، والممارسة لا يمكن أن تنفصل عن النظرية والاهتمام بالناس يأتي أولاً، فالعالم الإنساني له الصدارة، أما عالم الأشياء فيحتل مرتبة ثانوية.
وقد أدى ذلك إلى التأكيد على الأخلاق والحياة الروحية، فالروح وليس
boukhari14
2010-11-26, 22:56
الجسد، هي الجانب الأهم في الوجود البشري وهذه الروح لابد من تغذيتها ورعايتها، لكي تتطور بحسب قدراتها، والهدف هو الوصول إلى مستوى اسمي للوجود الإنساني.
وقد أدى وضع العظمة الإنسانية موضع الممارسة إلى التأكيد على الفضائل العائلية وخاصة على مفهوم حب الأبناء للآباء، الذي يشكل حجر الزاوية في الأخلاق الصينية، فالبيئة المباشرة المحيطة بالصغار في المجتمع المتحضر هي بناء اجتماعي تشكله العائلة، وهنا يجري تشكيل وصياغة شخصية الطفل الأخلاقية والروحية، وهنا يتم إقرار بدايات العظمة، ومن خلال حب واحترام عظيمين في داخل العائلة يمكن غرس العظمة في الأفراد( ).
كونفوشيوس: ولد كونفوشيوس عام 551 ق. م في مملكة (لو) Lu والتي تعرف الآن بولاية شان تونج Shan – tung فتوفر كونفوشيوس على دراسة الأدب الصيني وألم بثقافات ومعارف عصره إلماماً كبيراً وعرف بفصاحته.
كان كونفوشيوس رزيناً منذ نعومة أظفاره، مثالاً لرفعة النفس وسمو الأخلاق إذ كان يستنكر دسائس الساسة ومؤمرات رجال الدولة وتقلد وظائف هامة وهو في العشرين من عمره، مثل كبير القضاة ووكيل وزارة الأشغال العامة وانتهى به المطاف إلى أن أصبح وزيرًا للعدل.
وكان متواضعاً ولم يكن لديه نزعة التمييز العنصري ويبدو ذلك واضحاً في قبوله لتلاميذه من أحط الطبقات، يقول: (في مجال التربية يجب ألا تكون هناك تفرقة طبقية).
وقدم كونفوشيوس فلسفة إنسانية اجتماعية استمدت مادتها من الأخلاق وكانت ( ) جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، عالم المعرفة، يوليو، 1995، ص327.
مزيد من التفاصيل انظر:
Cranet, M; Chinese Civilization, New York, 1962.
boukhari14
2010-11-26, 22:57
تدور حول البشر ومجتمعهم وقد ناقش أهم المبادئ وهي:
• جين Jen: ومعناها الود أو العطف أو الشفقة، صفة أخلاقية أساسية في الكونفوشية لابد من توافرها في الحكم الصالح. يرى كونفوشيوس أن الجين أو ما يعرف بطيبة القلب الإنسانية، أمر متعلق بالشعور والتفكير معاً وأنه أساس العلاقات الإنسانية كافة، وهنا نلحظ مدى اهتمام الفكر الصيني وتركيزه على القلب وليس على العقل.
• لي Li: وتعني قواعد اللياقة أو آداب المجتمع التي تحكم العادات والتقاليد التي تم الاعتراف بها من خلال ممارسة الناس لها عبر العصور.
• هسياو Hsiao: وتعني فضيلة توقير العائلة واحترامها وهذه الفضيلة التي تنشأ في العائلة تؤثر في الأفعال خارج المحيط العائلي وتصبح فضيلة أخلاقية واجتماعية. إن حب الأطفال لوالديهم ولإخوانهم يولد حب الإنسانية جمعاءً.
• يي Yi: وتترجم بمعنى الاستقامة، فالرجل الأسمى أو النبيل ينظر إلى الاستقامة باعتبارها جوهر كل شيء وهو يلتزم بها بحسب مبدأ آداب المجتمع Li ويبرزها في تواضع ويمضي بها إلى نهايتها في إخلاص ( ).
رأى كونفوشيوس أنه لا سبيل للقضاء على هذه الفوضى الأخلاقية إلا بالبحث عن تجديد أخلاقي قائم على تنظيم حياة الأسرة على أساس صالح قويم لأن ( ) حربي عباس عطيتو، الفكر الشرقي القديم، مرجع سابق، ص204.
مزيد من التفاصيل انظر كارل ياسبرر، فلاسفة إنسانيون، سقراط، بوذا، كونفوشيوس، يسوع ترجمة عادل العوا، منشورات عويدات، بيروت، ط3، 1988.
boukhari14
2010-11-26, 22:58
أساس المجتمع هو الفرد المنظم داخل الأسرة المنظمة، فإذا أحسن الفرد حكم نفسه، استقر النظام في الأسرة وبذلك تصلح الدولة ويسهل حكمها ويرى أن الأسرة عاجزة عن تهيئة النظام الاجتماعي الطبيعي لأن الناس ليس بإمكانهم تنظيم أسرهم دون أن يقوموا أنفسهم ويعجزون عن تقويم أنفسهم لأنهم لم يطهروا قلوبهم أي نفوسهم من الشهوات والملذات، وقلوبهم غير طاهرة لأنهم غير مخلصين في تفكيرهم، ولا يخلصون لأن أهواءهم تشوه الحقائق وتحدد لهم النتائج.
وعلى ذلك ينصح كونفوشيوس بضرورة تقويم النفس وإصلاح العقل وبالتزود من المعارف الإنسانية بالقدر الذي يكفل القضاء على بواعث الشهوة الفاسدة الدنيئة.
ووضع كونفوشيوس قواعد الأسرة على أسس فلسفية ورأى أن طريق الفضيلة يبدأ بالأسرة إذ عندما تسود الألفة بين الزوجة والأولاد والزوج، فما أشبه المنزل بربابة وعود قد تآلفت أنغامها وعندما يعيش الأخوة في تآلف وسلام فحينئذ يظل إلى الأبد في وحدة وانسجام ويقول أيضاً: عامل أفراد أسرتك معاملة فاضلة، تستطيع بعد ذلك أن تعلم وتقود أمة بأكملها.
ويرى كونفوشيوس أن القانون الأخلاقي يقوم على أساس فكرة الوسط العدل أو الذهبي، فالاعتدال أصل أساسي في النفس، فالفرد الذي يتصرف أخلاقياً هو الذي يستطيع تحديد القانون الأخلاقي بالضبط، فلا يتعالى عليه أو يغالي في تصرفاته من جهة ومن جهة أخرى لا يصل في تخلقه إلى أقل من مستوى هذا القانون.
ويرى كونفوشيوس أن الحروب التي تهدد العالم إنما مردها إلى فساد الحكم، ويرجع هذا الأخير إلى أن القوانين الوضعية مهما بلغت من الدقة والرقي لا تستطيع أن تحل محل النظام الاجتماعي الطبيعي الذي تفرضه الحياة الأسرية المنتظمة. فإن كانت الأسرة فاسدة مختلة النظام فلا يمكنها أن تهيئ النظام الاجتماعي المنشود.
ودعا كونفوشيوس إلى توزيع الثروة والعناية بالعجزة والمسنين والأرامل، وناشد الحكام بالجد والاقتصاد من مظاهر البذخ والترف ( ).
وبالنظر إلى مظاهر الفوضى الضاربة في مختلف أوجه الحياة الصينية، فقد بدا هم كونفوشيوس الأساسي متمثلاً في كيفية تهذيب النفس الإنسانية وتربية العقل البشري وتنميته من ناحية، ومن الناحية الثانية كيفية العثور على أمير أو حاكم يستطيع أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يحيل أفكاره في التربية والتشريع إلى قواعد وقوانين منظمة تصلح من أحوال الدولة وتحفظ عليها هيبتها.
وقد أوضح كونفوشيوس أنه لا توجد أية مقاييس أو معايير عقلية نهائية أو مبادئ أخلاقية يمكن القول بأن العقل قد اكتشفها أو أنه توصل إليها قائمة بعيدة عن المجتمع، ومن هذا الإدراك فقد استطاع أن يستخلص إحدى النتائج الرئيسية تلك أن أسمى الأخلاقيات جميعاً هو الواجب الاجتماعي Social duty وأن النظام الوحيد في الكون الذي يمكن أن يشارك بفاعلية في إثرائه وتطويره هو النظام الاجتماعي Social order.
وقد كان هم كونفوشيوس هو كيف يصبح الناس نبلاء فاضلين ليحققوا بذلك العالم الفاضل والسلوك الفاضل يتضمن العديد من الخصائص في مقدمتها الوضوح والصدق والصراحة والغيرية وربما قبل كل هذا حب الآخرين.
والدين بالنسبة لكونفوشيوس هو مجموعة من السلوك الخلقي القويم الذي يتمثل في مواساة اليتيم والبر بالفقراء والمعوزين وحفظ اللسان عن الزلل، وكف اليد عن الاعتداء على الغير، وانتهى إلى مبدأه الأخلاقي الشهير (لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به). وفي ضوء هذا المبدأ سعى إلى تهذيب السلوك وتنميته، وهذا لا يتم إلا عن طريق التهذيب والتربية ( ).
ويهتم كونفوشيوس في حديثه عن الخير، وتهذيب القوة التي تولده وأداء
boukhari14
2010-11-26, 23:01
( ) حربي عباس عطيتو، الفكر الشرقي القديم، ص216.
( ) محمود أبو زيد، ص193.
boukhari14
2010-11-26, 23:02
الإيماءات والإشارات المناسبة التي هي علامته الخارجية – يهتم بالأخلاق الشخصية والأخلاق الاجتماعية لأن هذا هو الطريق إلى الإنسان المهذب الحقيقي، أو المثل الأعلى عند كونفوشيوس، وتلك هي إضافة كونفوشيوس نفسه المتميزة للديانة القديمة إذ أضفى على الدين مضموناً أخلاقياً.
ويبدو أن كونفوشيوس أثناء انشغاله بالسلوك الشخصي، وبالواجب الشخصي قد أوحى بأنه لا يهتم إلا قليلاً بعالم الأرواح وعالم ما فوق الطبيعة، لم يتحدث عن مشيئة السماء أو عن معجزات الطبيعة، ولم يتحدث عن الأرواح، وقد أكد كونفوشيوس أن خدمة الإله تصبح لا معنى لها إذا أهملت خدمة الناس، ومن هنا انصب اهتمامه الأساسي على مشكلات الإنسان الأخلاقية والاجتماعية وفي علاقته برفاقه من البشر وذلك هو جوهر تعاليمه.
ولاء الأبناء: الولاء البنوي هو أحد تعاليم كونفوشيوس، وهو باللغة الصينية هسياو Hsiao التي تعني أصلاً الولاء للآباء الموتى وللأسلاف، والواجبات التي ينبغي أن تؤدي لهم كتقديم القرابين والطعام. أما بالنسبة لكونفوشيوس الذي كان يشدد على تأدية الواجب للأحياء، فقد أصبح الولاء البنوي يعني خدمة (الوالدين أثناء حياتهما) ومن ثم اكتملت العلاقات الخمس لتعاليم كونفوشيوس وهي علاقة الأمير بالرعية، وعلاقة الابن بأبيه، والأخ الأكبر بأخيه الأصغر، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الصديق بصديقه. واحترام الابن لأبيه عند معظم الصينيين ينطوي في التطبيق العملي، على مواقف احترام الصغير للكبير، والحب والمودة المتبادلين من جانب الكبير للصغير، فكلاهما جزء من السلوك اليومي بين الأحياء، ومن الالتزام الديني في مراسم العبادة بعد الموت ( ).
أي أن فلسفة كونفوشيوس فلسفة إنسانية اجتماعية تدور حول البشر ومجتمعهم، وليس حول الطبيعة أو معرفة الطبيعة. ويقول كونفوشيوس أن ما يجعل ( ) جفري بارندر، ص 288.
boukhari14
2010-11-26, 23:06
البشر إنسانيين على نحو فريد هو الجين Jen أو طيبة القلب والتعبير الإنجليزي Human Heartedness . أي أن حب البشر وقدرتنا على الحب تشكل جوهر إنسانيتنا.
ويرى أنه لابد من تطوير محبة البشر ومد نطاقها إلى الآخرين حتى يتحقق قاعدة كونفوشيوس الذهبية الشهيرة (عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به) أو (لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعلوه بك)، وتتحقق إنسانية الإنسان من خلال الإيثار وقهر الأنانية.
ويؤكد كونفوشيوس على ضرورة احترام آداب المجتمع (لي Li) التي تحكم العادات والعلاقات التي تم الاعتراف بها من خلال ممارسة الناس لها عبر العصور.
ويشير كونفوشيوس إلى ضرورة مراعاة القواعد والأعراف والأخلاق السائدة ومراعاة آداب المجتمع والممارسات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية من جانب كل طرف تجاه الآخر، الحب في حالة الآباء، الولاء البنوي في حالة الأبناء، الاحترام في حالة الأخوة الأصغر، الصداقة في حالة الأخوة الأكبر، الولاء بين الأصدقاء، الاحترام للسلطة بين الرعايا، النزوع إلى الخير في حالة الحكام. أن الانضباط الأخلاقي في السلوك الشخصي، والآداب العامة في كل شيء.
وقد شدد كونفوشيوس على فضيلة الاستقامة (يي Yi) والتي تترجم Righteousness والتي هي جوهر كل شيء وهو يلتزم بها بحسب مبدأ آداب المجتمع (لي Li) ويبرزها في تواضع ويمض بها إلى نهايتها في إخلاص.
والاستقامة تدلنا على الطريق الصحيح للتصرف في مواقف محددة، والقدرة على إدراك ما هو صحيح وتعمل كنوع من الحس أو الحدس الأخلاقي ( ).
واهتم كونفوشيوس بالأسرة حيث إنها تشكل البيئة الاجتماعية المباشرة (1 ) جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ص354، 356.
boukhari14
2010-11-26, 23:09
للطفل، ففي العائلة يتعلم الطفل احترام الآخرين وحبهم، حيث يأتي الآباء أولاً، فالأخوة والأخوات، والأقارب، ثم باتساع النطاق التدريجي، الإنسانية كافة.
فالولاء البنوي أو هيساو Hsiao هو فضيلة توقير العائلة واحترامها، فأولاً وقبل كل شيء يتم توقير الأبوين، لأن الحياة نفسها مسئولة عنهما، والتوقير ينبغي إظهاره للأبوين من خلال حسن السلوك في الحياة؛ وجعل إسهامهما معروفاً ومبجلاً، وإذا لم يكن بمقدور المرء أن يشرف اسم أبويه فعليه ألا يجلب لهما الخزي والعار على الأقل.
كما تمتاز تعاليم كونفوشيوس بأنها تستبعد الموضوعات المتصلة بتمجيد البطولة الجسمانية والمعجزات والخوارق الطبيعية، وكان كونفوشيوس نفسه شديد العطف على الكائنات الحية، ومما يروى عنه أنه لم يرتدي الملابس الحريرية لأنه لم يكن يستبيح لنفسه أن يقتل دودة القز ليستولى على نسيجها الخاص ليصنع منه ملابس لنفسه، وكان يفخر بأنه لم يستعمل الشبكة قط لصيد السمك، أو أنه لم يرم طائراً بسهم، وكان مبدؤه السلوكي أن الإنسان عليه أن يرد على الإحسان بالإحسان، وكذلك دعا كونفوشيوس إلى أن يقوم كل مواطن بواجبه حيال الدولة على الوجه الأكمل وأن يكون رائد كل فرد العدل والاستقامة ( ).
وقد أكد كونفوشيوس ضرورة ارتكاز المعرفة على الفضيلة، بل إن الفضيلة والعلم في نظره صنوان، فليس هناك أفضل من أن يداوم الإنسان على طلب التعلم ويثابر عليه أن الرجل المتعلم يكون متفوقاً بالطبع، والرجل المتفوق لا يعرف القلق أو الخوف، ثم إنه يوصي من وفق في تحصيل العلم أن يقوموا بتعليم غيرهم، فعلى المتعلم ضريبة تعليم من حالت ظروفه الاجتماعية دون ذلك.
وأشار كونفوشيوس إلى الشروط التي يجب توافرها في الحاكم الصالح ومنها أن يلتزم فضيلة الاعتدال والتوسط فيكون جواداً في غير إسراف؛ جاداً في طلب ما (1 ) أحمد الخشاب، ص352.
boukhari14
2010-11-26, 23:10
يرغب دون جشع، وأن يكون مهيباً دون عنف أو شراسة. وأن يؤيد القضايا والمبادئ السامية دون كبرياء أو غرور. وأن يكل تصريف الأمور إلى الشعب دون تذمر، وبذلك يمكننا أن نقر أن تفكير كونفوشيوس انطوى على المبدأ السياسي الهام، ألا وهو سيادة الشعب في نظره يجب أن يكون المصدر الحقيقي للسلطة السياسية، وندد بالحكام الذين يغفلون هذا المبدأ، بل إنه برر عن طريق تحمسه لهذه القاعدة السياسية الكبرى، الثورات التي زخر بها التاريخ القديم للصين ضد بعض الأباطرة الظالمين.
ويبدو أن كونفوشيوس لم يتحرر مع ذلك من الآراء الثيوقراطية إذ أنه كان يرى أن الحاكم إنما يستمد سلطته المطلقة من الآلهة، فيجب أن يعمل وفق مشيئتها، غير أن الحكم ليس حكماً مطلقاً لأن الآلهة إنما يمنحون سلطة الحكم لمن يرضى الشعب عن ولايته له، ولا يعطي الشعب ولايته إلا لحاكم عالم عادل، وإلا سقطت ولايته وجاز عزله ( ).
التاوية:
التاوية من المدارس الفلسفية المعارضة للكونفوشيسية رأسها لاو- تسي أو المعلم العجوز حيث أن (لاو) تعني العجوز و(تسي) (المعلم) وولد لاو- تسي حوالي عام 604 ق. م وتشير كلمة (تاو) إلى الدرب أو الطريق وهي تعني في التاوية المصدر أو المبدأ الذي يعمل على أساسه كل ما هو موجود وكلمة (تاو) عرقت بمعاني متعددة منها (الصراة السوى)، (واجب الإنسان) أو (الفضيلة العليا) أو (الغاية المثلى) والتاوية (الطاوية) هي فلسفات دعاة السكينة والطمأنينة، وانصب اهتمام هذه الفلسفات على (العالم الآخر) وسعت إلى إدراك الذات وتهذيب النفس من خلال تمرينات (اليوجا) للوصول إلى أقصى درجات العلو. وهم يرون في العلو تلك الواحدية الثابتة التي تكمن خلف عالم التغير وتعطي في نفس الوقت كلاً من (1 ) أحمد الخشاب، ص353.
boukhari14
2010-11-26, 23:12
قوة الدفع وحركة الحياة، وهذه الواحدية التي يسمونها تاو Tao.
وكانت أفكار هؤلاء التاويين هي التي أوحت في النهاية بالديانة التاوية وذلك جانب من الحياة الدينية الصينية يمكن أن نقول عنه إنه جانب صوفي.
لقد الهمت الكونفوشوسية ديانة الأخلاق والسلوك الاجتماعي، وكانت لها جذور في ديانة القدماء الأرستقراطية. أما التاوية فقد ألهمت ديانة التصوف، وأصولها أقرب إلى الديانة الشعبية عند القدماء ( ).
فقد دعا (لاوتسو) الذي ولد في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، إلى حياة بسيطة ومتناسقة حينما يتم التخلي فيها عن دافع الربح، وتنحية الحذق جانباً، والتخلص من الأنانية، وتقليل الرغبات.
وقد ذهب يانج تشو Yang Chua حوالي 440 – 366 ق. م إلى القول بأنه لا يعطي شعرة واحدة لقاء أرباح العالم بأسره، وقد ذهب إلى أنه مادام الطمع وحب اكتساب المال يشكلان دوافع الأفعال الإنسانية، فليس هناك أمل في تحقيق السلام والرضا، وبناء على هذا فقد دعا إلى المبدأ القائل بأنه لا ينبغي القيام إلا بتلك الأفعال التي تتسق مع الطبيعة ( ).
وتنشد التاوية خلافاً للكونفوشوسية، مبادئها وقواعدها الخاصة بالحياة الإنسانية في الطبيعة لا في الإنسان، ومن هنا فإن هذه الفلسفة تؤكد على الأسس الميتافيزيقية للطبيعة بدلاً من التشديد على المجتمع الإنساني.
وبينما شددت الكونفوشسية على خير البشر الأخلاقي باعتباره مفتاحاً للسعادة، أكد التاويون على تناسق الطبيعة وكمالها. وقوام الموقف التاوي هو أن حيل البشر وأفاعليهم تفضي إلى الشر والتعاسة.
ويرى لاوتسو Lao Tzu أن الحياة المثالية هي الحياة البسيطة التي يتم فيها ( ) جفري بارندر، ص300.
( ) جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ص336.
boukhari14
2010-11-26, 23:14
تجاهل الربح والتخلي عن الحذق والتقليل من الأنانية إلى حدها الأدنى، وكبح جماح الرغبات، ويمكن تلخيص تعاليم لاوتسو للحفاظ على الحياة الإنسانية ورفع مستواها فيما يلي:
- يتحرك الناس بصفة عامة لتحقيق رغباتهم.
- ينتج عن محاولات الأفراد العديدة لإشباع رغباتهم حدوث التنافس والصراع.
- لإقرار السلام والتناسق بين الأفراد الذين يكافحون لإشباع رغباتهم يتم التوصل إلى معايير للاستقامة والأخلاق الإنسانية.
- من الواضح أن وضع المعايير الأخلاقية لا يحل المشكلات، ذلك أن التنافس والصراع يبقيان على حالهما، والقواعد تنتهك، ويتم إقرار قواعد جديدة لحماية القواعد القديمة، ولكن القواعد القديمة والجديدة تنتهك وتظل الرغبات دونما إشباع بينما يتدعم الشر واقتراف الخطأ.
- بما أن التوصل إلى معايير أخلاقية لا يحل المشكلة، فإن الحل يكمن في التخلي عن هذه المعايير
- لا يمكن التخلي عن الأفعال الصادرة من الرغبات إلا عندما يتبنى الناس (الطريق السهل) للفعل.
- الطريق السهل في الفعل يفترض مقدماً التناغم مع الكون والتصرف وفقاً للنظام الكوني الشامل.
- ينبغي أن يكون تنظيم المجتمع وحكم الناس وفقاً للطريق الطبيعي السهل، كما ينبغي أن يدعم الطريق الطبيعي في نفوس الناس.
- ويشير شوانج تسو Chuang Tzu 369 – 286 ق. م إلى أن السعادة الحقيقية تعتمد على تجاوز عالم التجربة العادية ومعرفة ذات المرء وتوحيدها مع لا تناهي الكون ( ).
وتقوم التاوية Taoism على مبدأين الأول (Tao) ومعناه القانون السماوي الأعظم، وهو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض، ولكنه ليس متعالياً على الموجودات، بل هو فيها نفسها. والمبدأ الثاني (Te) ومعناها الاستقبال أي أن الأشياء تستقبل حياتها ونشاطتها وشكلها ولونها بفضل (التاو)، وعلى هذا النحو يمكن فهم التاويه على أنها قريبة الشبه بمذهب وحدة الوجود Pantheism الذي يوحد بين الخالق والمخلوق من جهة، وأيضاً قريبة الشبه من مذهب الحلول الذي يذهب إلى أن الخالق حال في كل الموجودات.
وقد استخدم لاو – تسي الطاو بمعنى المطلق The absolute فهي مادة أساسية تصنع منها كل الأشياء.
ويرى لاو تسو أن (التاو) هو المبدأ الذي يعمل على أساسه كل موجود، والحقيقة أو المعرفة عند التاويين لا يمكن الوصول إليها بالعقل أو المنطق، ولا بالمعرفة التحليلية بل بالكشف الصوفي أو بالاستشراق، فالمعرفة لا تحصل بالعلم والاستدلال وإنما هي إلهام وكشف، فهي معرفة صوفية.
وبينما دعت الكونفوشية إلى العمل والاجتهاد اتخذت الطاوية موقفاً سلبياً فلم تشجع على العمل واقتصرت على التأمل والتجربة الصوفية ( ).
وبينما اعترفت الكونفوشية بنظام الطبقات ووجدت في هذا النظام أساساً هاماً للاجتماع، رفضت التاوية الاعتراف بالنظام الطبقي، فالجميع في نظرهم متساوون لأن السماء لا تفرق بين شخص وآخر.
وقد رفض لاو تسي التمايز الاجتماعي ولذلك نصح الحكام بالامتناع عن ألقاب الشرف التي تميز بعض الناس وتلحق أبلغ الأضرار بالمجتمع.
( ) جون كولر، ص378.
( ) حربي عباس عطيتو، الفكر الشرقي القديم، ص226.
boukhari14
2010-11-26, 23:15
ويرى لاو – تسي أن الحاكم ينكر ذاته في علاقته بالشعب، يقول (على الحاكم أن يتواضع أمام رعاياه، ومن يتصدى لقيادة شعب فمكانه آخر الصفوف)( ).
منشيوس 371-289 ق. م
ولد منشيوس بعد وفاة كونفوشيوس بقرن، وقد ولد عام 390 ق. م، وتوفي عام 305 ق. م. وكان مثل كونفوشيوس سليل طبقة أرستقراطية.
وقد جمع أتباعه أقواله وتعاليمه في كتاب بعنوان (أعمال) وهو يسير على غرار كتاب (المختارات) لكونفوشيوس، فهو يحتوي على أقوال للمعلم على شكل جمل وفقرات وحكايات توضيحية وحكم وأمثال سائرة وما شابه ذلك.
اهتم منشيوس بالعدالة، الاهتمام بالناس العاديين أو الشعب في مقابل الأرستقراطية واهتم بضمان وصول الشعب إلى حقوقه، وهذا هو واجب الأمير، ثم إن السماء هي حارسة الشعب، وهي تبدي استياءها و غضبها عندما يعاني الناس.
ولقد كان لدى منشيوس الشيء الكثير ليقوله عن الاقتصاد، وعنده أن حلقة الاتصال بين الاقتصاد والأخلاق حلقة محكمة: فالذهن الثابت بلا معيشة ثابتة أمر مستحيل، وهكذا يصبح هدف الحكومة هو توفير ضرورات الحياة بكميات كافية).
والرجل المهذب عند منشيوس (هو الذي يكون مهذباً بحق) فلا يكفي أن يكون قادراً على تحقيق الخير، بل يجب أن يكافح لتحقيقها بالفعل. والأمير الذي تتحقق فيه هذه الصفات هو الذي يحقق أهداف الحكم الملكي الصحيح، وهي رفاهية الدولة.
ورأى أن الحكم ينبغي أن يعتمد على المصداقية وليس القوة البدنية أو الإكراه أو القوة، أي الحكم عن طريق فضيلة علياً بدلاً من الحكم عن طريق القوة.
( ) حربي عباس عطيتو، مرجع سابق، ص226.
مزيد من التفاصيل انظر هـ. ج كريل، الفكر الصيني من كونفوشيوس إلى ماوتسي تونج، ترجمة عبد الحليم سليم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971.
boukhari14
2010-11-26, 23:16
أما التزامات الطاعة والولاء البنوي فهو يلقي تأييداً خاصاً عند منشيوس، وإذا كانت إحدى الفلسفات المعارضة تذهب إلى (أن الناس ينبغي أن يحبوا بعضهم بعضاً على قدم المساواة، فإن منشيوس يرى تعارضاً بين (الواجب الأسري الخاص) وتدرج العواطف بأولياتها من حيث كبر السن، والتماسك الاجتماعي الذي يكفل ذلك، وبين (حب البشرية بأسرها) وهو الحب الذي رأى أنه يدير التنظيم الاجتماعي للأسرة والدولة ( ).
كانت الطبيعة البشرية عند منشيوس خيرة بفطرتها فيشد على صدق خيريتها الفطرية وجود إحساس عام شامل عند الناس بالتقارب وبالصواب والخطأ، ووجود هذا الإحساس يجعل الموجودات البشرية مختلفة عن غيرها من الكائنات الحية الأخرى، بيد أن الطبيعة البشرية يمكن أن تشوه أو تصاب بالضمور والاختفاء ما لم ترب على نحو قويم. وتعتمد تربية الطبيعة البشرية على حماية الذهن، وذلك لأن العقل هو مستقبل العدالة الإنسانية والطبيعية.
والطبيعة والعقل يحددان من نحن وماذا نكون. فقدرنا هو الذي يتحكم في خطنا ويحد فرصنا في الحياة. ولقد كان القدر أو المصير في يد صاحب الإقطاعية، وكان منحة من ابن السماء بوصفه نائباً عن السماء في حكم الإقطاعية. ثم أصبح في الاستخدامات الأوسع هو نصيبنا في الحياة أو المصير الذي رسمته السماء. وإذا كان الناس قادرين على حماية عقولهم وتحديد سلوكهم، فإنهم لا يستطيعون تحديد مصيرهم الذي هو بين يدي السماء. وهكذا اعتقد منشيوس أنه على الرغم من أن جميع البشر بفطرتهم خيرون، فإن حقيقة هذا الخير يرتبط بمعرفة الذات وتهذيب النفس ( ).
يرى منشيوس أن الاستقامة هي قبل كل شيء آخر تحتوي المفتاح المفضي ( ) جفري بارندر، المعتقدات الدينية، ص292.
( ) جفري بارندر، ص292.
boukhari14
2010-11-26, 23:21
إلى تنمية الخير، فالخير هو أساس الطبيعة الإنسانية. والاستقامة أي صحة الأفعال تخلص العالم من الشرور.
ويختلف منشيوس مع كونفوشيوس فيما يتعلق بالطبيعة البشرية والعلاقة بين الخير والصواب، فقد ذهب كونفوشيوس إلى القول بأن الناس لديهم (إمكانية) بالنسبة للخير، أما كنفوشيوس فذهب إلى أنهم يحظون بـ (خير فعلي) كجزء من طبيعتهم. ونظر كونفوشيوس إلى الخير والصواب على أنهما شيء واحد، بينما ميز منشيوس بينهما ولم يذكر منشيوس فحسب أن الناس يحظون بخير فطري، وإنما طرح حججاً لتأييد وجهة النظر.
فالبشر أخلاقيون بالفطرة، وبسبب هذا الخير الفطري، فإنهم يعرفون الصواب والخطأ، ويستشعرون الشفقة والتوقير والتواضع، ويعرفون الشعور بالخجل، وهذا يعني أن بمقدورهم التمييز بين الصواب والخطأ، وتلك ناصية أساس الحكم الأخلاقي والشخصية الأخلاقية ( ).
هسون تو: 312 – 238 ق. م:
أصبحت الكونفوشية عند (هسون تو) في مثل هذا الجو العقلي الصارم أكثر عقلانية وأكثر مادية، صارت السماء غير مشخصة، وغدت هي الطبيعة، والطبيعة البشرية التي هي أبعد من أن تكون خيرة بالفطرة كما ذهب إلى ذلك متشيوس، كانت في أساسها شريرة في رأي هسون تو.
وربما كانت كونفوشية (هسون تو) أقل من غيرها تعالياً (ترنسندنتالية) وأكثر تركيزاً على الجانب الإنساني، فقد بدأ من مقدمة قاسية تقول إن البشر ولدوا شريرين لكنه في الوقت نفسه يؤكد بقوة عن اعتقاد بأنه في استطاعتهم أن يصبحوا أخياراً بالتربية والتهذيب الأخلاقي، وتستمد التربية والتهذيب الأخلاقي من النصوص الكلاسيكية ومن النظر إلى حكماء الماضي باعتباره قدوة، وهؤلاء ) جون كولر، ص368.
boukhari14
2010-11-26, 23:27
الحكماء لا يختلفون عن سائر البشر في طبيعتهم ومواهبهم الأساسية، وإنما هم نماذج لما يمكن للمرء بلوغه بالفهم والبصيرة الأخلاقية، إذ هو استخدم العقل استخداماً سليماً.
ومادام النظام الأخلاقي والكمال البشري يبدآن من العقل، فإن العقل البشري يصبح في نظر (هسون تو) مركزاً للكون، ولقد قادته هذه الفكرة إلى نظرة إنسانية وعقلانية للدين، فأدان بغير تحفظ بعض الممارسات الدينية واعتبرها من قبل الخرافات، ومن ذلك الصلاة استجلاباً للمطر، وطرد المرضى بالرقى والتعاويذ، وقراءة بخت المرأ من ملامح وجهه. لكنه أباح غير ذلك من أمور كالتنبؤ بالغيب، شريطة أن تقوم التأويلات على ضوء العقل البشري، كما أنكر وجود الأرواح الشريرة والأشباح الضارة وأصحبت أرواح الأسلاف وقوى الطبيعة عند (هسون تو) تجليات للسمو الخلقي وبالفهم الكامل للطبيعة يستطيع الناس في رأيه أن يسيطروا على الكون وعلى بيئتهم ( ).
وعارض هسون تو آراء منشيوس وقال إن الطبيعة الإنسانية شريرة أصلاً، ومن خلال المؤسسات الاجتماعية والثقافية يصبح الناس أخياراً، فالبشر يمتلكون فعلاً بدايات الشر في رغبتهم الكامنة في الربح والمتع. ومع ذلك فإنه من الممكن لكل شخص أن يصبح حكيماً، ذلك أن كل شخص يحظى بالعمل ومن خلال إعمال العقل يظهر الخير، فيما يقول هسون تسو. وقد قال منشيوس إن البشر يولدون أخياراً، ويقول هسون تسو إنهم يولدون أشراراً، وقال منشيوس إن المجتمع والثقافة يجلبان الشر، يقول هسون تسو إن المجتمع والثقافة يجلبان الخير، بينما يقول منشيوس إن أي شخص يمكن أن يصبح حكيماً بسبب خيره الأصلي، فإن هسون تسو يقول إن أي شخص يمكن أن يصبح حكيماً بسبب عقله الأصلي وقابليته للتربية.
( ) جفري بارندر، ص295.
boukhari14
2010-11-26, 23:29
وقد أوضح هسون تو إنه إذا كان البشر يولدون أخياراً، فإن بمقدورهم أن يصبحوا أخياراً، وهو يذهب إلى القول بأن الخير يجيء كنتيجة للتنظيم الاجتماعي والثقافي وكيف يجلب التنظيم الاجتماعي الخير؟ يجيب هون تسو إن التنظيم الاجتماعي يقتضي قواعد للسلوك وأتباع هذه القواعد من شأنه أن يجلب الخير. ونظريته هي أن الناس يولدون برغبات لا يتم إشباع بعضها عادة. وعندما تظل الرغبات غير مشبعة، فإن الناس يبذلون قصارى جهدهم لإشباعها، وعندما يقوم عدد كبير من الأشخاص ببذل قصارى جهدهم لإشباع رغباتهم المتضاربة دون قواعد أو قيود ينشأ تنافس وصراع يجلبان الفوضى، الأمر الذي يضر بالجميع، ومن هنا فقد قام الملوك الأوائل بوضع قواعد للسلوك تضم الأنشطة المتضمنة، وفي محاولة إشباع الرغبات، وبهذه الطريقة استخدمت القواعد المختلفة المطلوبة للحياة الاجتماعية، وبمقتضى هذه الطريقة في التفكير فإن الخير الأخلاقي قد تم جلبه نتيجة لتنظيم السلوك الإنساني الذي تقتضيه الحياة الاجتماعية ( ).
( ) جون كولر، ص370، 371.
boukhari14
2010-11-26, 23:34
الفكر الاجتماعي في حوض نهر السند Indus Valley
الهند أو شبه القارة الهندية هي موطن الهندوكية Hinduism ثالثة أكبر الديانات التي عرفها العالم، كما تحتل في الوقت نفسه موقع القلب بالنسبة إلى الديانة الرابعة ونعني بها البوذية Buddhism.
ويقسم علماء الأديان الديانات الهندية القديمة إلى ثلاثة أقسام هي: الفيدية Vedism والبارهمية Brahmanism والهندوكية Hinduism ويؤكد العلماء أن أفضل المصادر التي تمكن من الوقوف على ملامح الفكر الاجتماعي والديني في الهند هي نصوص وترانيم الفيدا Vedas التي تعتبر أول كتب الهندوس وأقدسها لدرجة أن وصفها البعض بأنها إنجيل الهند. والفيدا بحكم تعريفها أو معناها الذي يعني المعرفة القدسية التي يفترض أنه يوحى بها إلى نفر متميز من البشر الموهوبين ليقوموا بنقلها إلى الأفراد العاديين.
وتتكون الفيدا من أربعة كتب أساسية:
1- الرجفيدا Rig – Veda والتي تعني أغنية المعرفة.
2- ياجور فيدا Yajur Veda أو معرفة الطقوس.
3- ساونا فيدا Sawna Veda الأناشيد الخاصة التي يلقيها الكهنة في الاحتفالات المقدسة.
4- آثارفا فيدا Atharva Veda يحتوي على الأدعية والطقوس التي تقام داخل البيوت.
والرجفيدا تشرح دقائق الشعائر والقرابين البراهمية، وتشمل أناشيد وترانيم مرفوعة إلى إله المطر أندرا Andra الذي يعتبر أعظم( ).
( ) محمود أبو زيد، ص168.
مزيد من التفاصيل انظر:
Schweitzer, A; Indian Thought and Development, New York: Henry Holt and Company, 1949.
boukhari14
2010-11-26, 23:37
وفي الرجفيدا يتصور مجتمع الآلهة على أنهم أسرة واحدة، فهم جميعاً أطفال الدايوس Dyaus فهو إله السماء الذي أصبح رباً للأرباب. ويعتبر دايوس هو الخالق للكون، وقد كون اتحاداً مع باراتيفي Prathive الأرضي فأنجبا أندرا Indra إله العواصف والمطر الذي يحطم بقوته الخارقة وبسيطرته على الرعد والبرق أعداء الآريين.
ثم هناك أيضاً آلهة السماء مارونا التي تبث روح النظام، وأجني Agni النار أو إله النار بكافة صورها.
أما الكتاب الثاني ياجورفيدا فهو عبارة عن مجموعة من الأناشيد والأغنيات التي يتعين إنشاءها والتغني بها عند تقديم القرابين والأضحيات للآلهة.
ويتضمن الكتاب الثالث الذي يعرف باسم ساونا فيدا Sawna Veda تلك الأناشيد الخاصة التي يلقيها الكهنة في الاحتفالات المقدسة. وهي أناشيد على قدر من السرية، ولذا فهي لا تخرج عن طائفة الكهنة وتلقن ترانيما للتلاميذ الذين يعدون للانخراط في الطبقة المغلقة.
أما الكتاب الرابع آثارفا فيدا Atharva Veda وهو يحتوي على الأدعية والطقوس التي يقيمها ويؤديها الأفراد في داخل بيوتهم أثناء صلواتهم وتقربهم إلى الآلهة، وكذا أدعيتهم والتي يستهدفون بها إبعاد الشياطين أو الأرواح الشريرة التي تؤتمر بأوامر سيفا Siva أوتشيفا Shiva الذي يرمز إلىالموت والمعارك والقوة المدمرة ويرتبط على أية حال بإله الشمس فيشنو Vishnu حيث يتصل اتصالاً مباشراً ببراهما Brahma.
ومن الواضح أن دور الدين كان متعاظماً في المجتمع الهندوسي، ويظهر في حقيقة أن هذه التصورات العقيدية والأفكار المرتبطة بالآلهة التي تعتبر في مجملها من أبعاد الديانة البراهيمية إنما تتصل اتصالاً مباشراً بقانون مانو Manu وهو القانون المدني (الوضعي) الذي ينظم حياة الأفراد والجماعات على أساس نظام الطوائف والطبقات الاجتماعية الذي وإن كانت العوامل الاقتصادية والقرابية تقوم بدور كبير إلا أنه يقوم أصلاً على أساس ديني هو بلا شك الذي يعطي نظام الطوائف ما نراه فيها من طابع الصرامة والجمود، فالإله براهما نفسه هو مصدر كل هذه القوانين وقد سعت جماعة من أئمة البراهمة إلى وضع مجموعة من التشريعات الوضعية للحفاظ على الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في صورة تحوطها القداسة والتبجيل ( ).
النظام الطبقي في الهند:
ميز الآريين أنفسهم في أربع طوائف رئيسية هي:
- رجال الدين الذين يحتلون قمة الهرم ويصيرون بذلك أكثر أفراد المجتمع امتيازاً، حيث لهم وحدهم حق السلطة، وعلى الآخرين واجب التقديس والاحترام.
- طبقة الحكام والجند وهؤلاء أقل من سابقيهم في المنزلة الاجتماعية.
- المزارعين والجند تأتي بعد الطبقتين المتميزتين إلى ابعد الحدود طبقة المزارعين والجند، وهاتان تمثلان في الحقيقة عصب الحياة الاقتصادية في المجتمع الهندي حيث يعمل أفرادها في التجارة والصناعة وفلاحة الأرض وتربية الماشية.
- المنبوذون: وهم الأفراد الذين يحرمون من ممارسة أي حق من الحقوق المدنية والسياسية.
ولا شك أن نظام الطوائف في الهند إنما يعكس في آخر الأمر جوهر الفلسفة الهندية ذاتها التي تؤمن بالقدر والمصير باعتبار أن الآلهة أدرى بما هو في صالح البشر، ولهذا وضعت كل إنسان في المكان الصحيح الذي يتعين عليه الرضا تحقيقاً لانسجام المجتمع( ).
( ) محمود أبو زيد، ص 168.
( ) محمود أبو زيد، ص170.
boukhari14
2010-11-26, 23:38
وتعتبر الحياة في الهند القديمة ربيبة البراهمية، بمعنى أن الاعتقاد الذي ساد في تلك الحقبة الموغلة في القدم هو أن مصدر هذه القوانين المنظومة في قصائد وأشعار كان الإله براهما نفسه، وإن كان من المحقق أن هذه المجموعة التشريعية الوضعية كانت من صنع جماعة من أئمة البراهمة حاولوا الحفاظ على الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في صورة جامدة مقدسة، وكان أهم ما يميز البناء الاجتماعي في المجتمع الهندي القديم ارتكازه على النظام الطائفي المغلق، وهذا النظام يدعمه الدين البراهمي، فقد شاءت الإرادة البراهمية أن يوضع سلم طبقي للناس، في قمة الهرم يتربع رجال الدين من البراهمة وهم أكثر أفراد المجتمع امتيازاً ولهم وحدهم حق السلطة وواجب التقديس والاحترام. وهم يعتمدون على من يليهم في المنزلة الاجتماعية من طبقة الجند المعروفة باسم الكشائرين، وهؤلاء وأولئك يعيشون على ما تنتجه الطبقة الأدنى من التجارة والصناعة وفلاحة الأرض وتربية الماشية، ويأتي في الدرك الأسفل من السلم الطبقي طائفة المنبوذين المعروفين باسم السودرا وهم الأفراد المحرومون من ممارسة أي حق من الحقوق المدنية أو السياسية( ).
وبالرعم من صرامة هذا التسلسل الطبقي نجد أن المنزلة الاجتماعية لكل طائفة قد تطورت تبعاً للظروف السياسية، فنجد مثلاً أن الزعامة كانت لطبقة الكشائرين المحاربة، أثناء اشتعال الحروب الوطنية التي نشأت بين السكان الأصليين والنازحين المهاجرين، ومن المحتمل أن يكون خوف الأجناس النازحة إلى الهند على خصائصهم السلالية وثقافتهم الراقية، كان من أهم الحوافز لهم على وضع نظم المحرمات المقدسة Tabao التي تحرم عليهم التزاوج أو الاختلاط مزيد من التفاصيل انظر سرنبالي راد كراشنا وشارلز مور، الفكر الفلسفي الهندي، ترجمة ندره اليازجي، دار اليقظة العربية، 1967.
( ) أحمد الخشاب، مرجع سابق، ص343.
boukhari14
2010-11-26, 23:40
بغيرهم من السلالات الأخرى وخاصة من القبائل الوطنية التي كانت تسكن الهند. وبهذا استطاعت الطبقات البراهمية الدينية والغازية صاحبة السيادة والسلطة في عزلة أرستقراطية عن بقية قطاعات البنية الاجتماعية الأمر الذي أظهر النظام الطائفي على أنه أداة تعويق للتطور الاجتماعي، ووسيلة جمود في المجال الحضاري ( ).
الهندوسية:
الهندوسية هي اتباع أو عبادة الإله فيشنو Vishnu أو شيفا Shiva أو الآلهة شاكتي Shakti أو تجسيداتهم أو مظاهرهم أو ازواجهم أو ذريتهم. وهكذا يندرج ضمن الهندوسيين عدد كبير من اتباع عبادة راما وكرشنا Rama & Krishna (وهما تجسيدان لفشنو) واتباع عبادة درجا Darga وسكاندا Skanda وجانيشا Ganesha وهم على الترتيب زوجة شيفا وابناه.
إشعال النار المقدسة: يوجد في البيت الأري نار مقدسة تشتعل منذ بداية إنشائه، أعني خلال حفل الزواج وهي ليست ناراً عادية، ينبغي ألا تستخدم في إعداد الطعام أو الأغراض المنزلية الأخرى، وكذلك ينبغي إشعالها بأنواع خاصة من الخشب، وبطريقة معينة هي حك العصى ببعضها، وينبغي ألا تترك حتى تخمد. ولابد أنه يتقدم رب الأسرة لهذه النار يومياً بقرابين للآلهة بل إنه في الواقع ملزم بالقيام ثلاث مرات في اليوم.
عبادة البراهمان Brahman روح العالم وقوامها تعاليم الفيدا أو تلاوتها، وعبادة آباء بتقديم الطعام والماء لتغذيتهم، وعبادة الآلهة بإحراق القرابين، وعبادة بهوتاس Bhutas (وهي الموجودات الحية أو الأرواح) بنشر الحبوب في الجهات الأربع والمركز وفي الهواء، وعلى أواني المنزل، ووضع الطعام على عتبة الدار للمنبوذين والحيوانات والطيور والحشرات.
( ) أحمد الخشاب، مرجع سابق، ص343.
boukhari14
2010-11-26, 23:42
وأهم الواجبات التي يلتزم بها رب الأسرة فهي واجبات نحو الآباء أو الأسلاف، فهو ليس ملزماً فقط بأن يقدم القرابين من الماء أوالطعام يومياً إليهم، وإلى روح البيت التي تسكن الركن الشمالي الشرقي من المنزل، بل إن عليه أيضاً أن يقدم لهم البندا Pinda أي كره الأرز Rice – Ball في يوم ظهور القمر الجديد من كل شهر.
وتسمى العناصر الرئيسية في هذا الاحتفال شراذا Shradha ويجلس فقهاء البراهمة في مكان مكشوف. ويفتتح رب الأسرة الاحتفال وينهيه بحرق قرابين للآلهة في النار المقدسة. لكن الحدث الرئيسي هو التقرب للآباء، فهو يصنع ثلاث كرات أرز وتذهب هذه إلى الموتى الثلاثة من أسلافه الأب، الجد، وأب الجد.
وهذه النظرية الخاصة بالشراذا Shradha هي أن يقدم الأحياء الطعام إلى الأسلاف الذين يقطنون (عالم الآباء) ويضفي الأسلاف النعم على أحفادهم الأحياء بمنحهم إياهم النجاح والازدهار والذرية ( ).
وهكذا تكون (شراذا) هذه هي همزة الوصل بين الأحياء والأموات، وهي التعبير عن التعاون المتبادل بينهم. غير أن هذه العلاقة يمكن أن تنقلب رأساً على عقب إذا لم تؤد الطقوس الجنائزية المناسبة للميت، فما لم يستقر أرواح الموتى في عالم الآباء تظل عرضة لأن تصب البلاء على رؤوس نسلها الذين لم يقوموا بإطعامها عن طريق القرابين، أو ضمان انتقالها إلى عالمها المناسب.
قوانين الزواج: ليس الزواج ضرورة مقتصرة على عبادة الأسلاف، بحيث ينبغي على الرجل أن يتزوج لينجب ابناً يواصل العبادة، ويقدم البندا (أقراص الأرز) لكي تستريح روح ابنه، وإنما الزواج ضرورة مطلوبة لذاتها أيضاً، فليس ثمة ما يبرر ( ) جفري بارندر، ص140، 141.
مزيد من التفاصيل انظر فؤاد محمد شبل، البوذية، دار المعارف، مصر، 1977.
boukhari14
2010-11-26, 23:44
الاعتقاد بأن الرجل المتزوج هو وحدة القادر على تقديم قرابين الطعام للأسلاف، وعندما يصبح أرملاً فإنه يتخلى لابنه عن رئاسة الأسرة، وعن القيام بدور الكاهن المسئول عن نارها المقدسة ويقرر التقاعد.
فالزواج في النظام الهندي إجباري للجميع، والرجل الأعزب طريد الطبقات ليس له في المجتمع مكانة ولا اعتبار، وكذلك الفتاة إن طال بها الأمد وظلت عذراء بغير زواج على أن الزواج لم يكن يترك لأهواء الفرد يختار من يشاء، فهو لا يستطيع أن يتزوج كيفما اتفق، لأن الزوجة الكفء المساوية في المولد والمنحدرة من أسرة أرية أتمت عملية الترسيم وغيرها من الطقوس، هي وحدها القادرة على ممارسة الطقوس المنزلية دون أن تدنسها، وهي وحدها القادرة على إنجاب الابن الطاهر النقي المؤهل لمواصلة عبادة الأسلاف بعد والده.
قانون الأسرة الهندوسية: رب الأسرة هو كاهن دينها وهذا المنصب وراثي –عبادة الأسلاف فيها- وهذه الخاصية تؤول إلى أولئك الأكفاء القادرين على تقديم القرابين إليه بعد الموت وإلى أسلافه، أي إلى أبنائه المتزوجين قبل غيرهم. وفي حالة نقص النسل في نوع الذكور يؤول الإرث إلى أولئك الذين قدموا (البندا) إلى واحداً أو أكثر من الأسلاف، ذلك لأن الإرث يحمل معه الالتزام بتقديم البندا.
ولهذا السبب فإن البنت لا يمكن أن ترث مادام الذكور وحدهم قادرين على تقديم القرابين ( ).
الأهداف الإنسانية: يتعين على المرء لكي يتم تنظيم حياة الفرد ومؤسسات المجتمع، أن يكون في المقام الأول واضحاً فيما يتعلق بالأغراض الأساسية للحياة. وقد تم إنجاز ذلك في الهند، من خلال بحث الأهداف الرئيسية في الحياة، التي من شأنها أن تسهم في كل من رخاء المجتمع أو تحقق سعادة الفرد.
ولكل إنسان أربعة أهداف أساسية في الحياة (العيش الفاضل، وسائل الحياة( ) جفري بارندر، ص146.
boukhari14
2010-11-26, 23:46
المتعة، تحرير النفس) وهذه الأهداف يكافح للوصول إليها، لأن الإنسان مركب من وجود عضوي وروحي، فإن من الضروري إشباع الحاجات العضوية والروحية.
اليوجا: الطريق إلى ضبط النفس: أساليب ضبط النفس المعروفة باسم اليوجا Yoga وهي ممارسة مطلوبة لتحقيق الحكمة التي من خلالها يمكن القضاء على الجهل الذي يتسبب في الخلط بين الروح والمادة، ويمكن إدراك الطبيعة الجوهرية للذات باعتبارها (الروح).
وتبدأ اليوجا بمجموعة من الأوامر الأخلاقية يقصد بها إعادة توجيه إرادة الشخص وأعماله، فبدلاً من التصرف انطلاقاً من قوى الأنا العمياء، فإن الشخص يتصرف انطلاقاً من التعاطف حيال رضاء الآخرين.
ويستبعد كافة التصرفات التي تؤذي الكائنات الأخرى، وكل الأعمال التي تقوم على أساس الكراهية وسوء النية. والتخلص من النوازع الأنانية للأنا.
وكذلك يتعين تجنب الكلمات التي تؤذي الآخرين والحديث الأجوف والثرثرة الخرقاء، كما يستبعد ما هو ملك الآخر أي لا ترغب فيما يملكه شخص آخر، بل ينبغي القضاء على الرغبة بأسرها في امتلاك الخيرات، حتى ما يدعى بـ (الملكية المشروعة) ويقضي هذا المبدأ بأنه بينما يجوز استخدام كل ما هو ضروري للحياة من قبل أي شخص يحتاجه، فإن مبدأ الملكية نفسه هو تعبير عن الطمع.
كما أن من يمارس اليوجا ينبغي أن يلتزم العفة ولا يمارس النشاط الجنسي، لأن ممارسة الجنس يمثل لوناً من القيد والعبودية.
فممارسة اليوجا تقضي على الدوافع التي تؤدي إلى النشاط المحرم وتقوم بإحلال الحب المفعم بالتعاطف محل الرغبة والكراهية كمنبع أساسي للفعل، فإن من يمارس اليوجا يخطو خطوة أولى رائقة نحو التحرر.
وكذلك فإن ممارسة اليوجا تدفع المرء لأن يكون أكثر روحانية والنقاء الداخلي، فمن يمارس اليوجا يقضي على كل الآثار المترتبة على الأفكار والأفعال السابقة. وكذلك تؤدي ممارسة اليوجا إلى الرضا والقناعة والزهد والتقشف وكبح جماح الشهوات ونكران الذات ( ).
وقد ساد التفكير الهندوسي نزعتان فيما يتعلق بالألوهية، وهما نزعة التعدد أي تعدد الآلهة في المرحلة الأولى حيث عبدوا مظاهر الطبيعة من جبال وأنهار وحيوانات ونار، واعتقدوا أن لهذه المظاهر الطبيعية أرواحاً فجعلوا لكل مظهر من مظاهرها إلهاً يعبدونه، نزعة أخرى مقابلة للنزعة الأولى وهي نزعة الوحدانية، وتلك كانت في المرحلة الثانية من حياتهم، فقد تخلوا عن عبادة الآلهة المتعددة ليعبدوا إلهاً واحداً. أي أنهم جمعوا الآلهة المتعددة في إله واحد ورأوا فيه خالق للعالم وحافظ له ثم يهلكه ويرده إليه في نهاية المطاف، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء فهو (براهما) من حيث هو خالق أو موجود، وهو (فشنو) من حيث هو حافظ، وأخيراً هو (سيفا) من حيث هو مهلك.
فكأن الهندوس قد آمنوا بثالوث مقدس مؤلف من:
براهما: سيد جميع الآلهة وهو القوة الخالقة في الطبيعة.
فشنو: إله الحب ويعاون المصابين ويذود عن الفقراء ويبعث الموتى من القبور.
وسيفا أو شيو: فهو إله الإرادة ولا تظهر عادة إلا في ميادين القتال والمنازعات، فهو يمثل الدمار ويضع نهاية لكل شيء ( ).
الكرما: Karma كلمة سنسكريتية معناها الحرفي (الفعل) وهو من أهم العقائد في الديانة الهندوسية، قانون الجزاء المسيطر على حياة سائر الأحياء، في الكون، ليس لأحد أن يتخلص منه، فالحياة بمثابة حلقة في سلسلة حياة يحياها المرء يحددها فعله في الحياة السابقة.
وهذا القانون هو المسئول عن الثواب والعقاب وإليه يرجع اختيار الصورة ( ) جون كولر، ص102.
( ) حربي عباس عطيتو، الفكر الشرقي الدقيم، ص132.
مزيد من التفاصيل انظر محمد غلاب، الفلسفة الشرقية، مكتبة الأنجلو المصرية، 1950.
boukhari14
2010-11-26, 23:49
التي تتناسخ فيها الأرواح على أساس ارتباط المعلول بالعلة فتناسق الروح تلقائياً داخل إطاره للتلبس بالجسد الجديد الذي تتوافق ملابسات حياته مع الميول الذاتية لهذه الروح ومع أعمالها في دورة حياة سابقة.
تناسخ الأرواح: Transmigration
يرجع اعتقادهم في التناسخ إلى سببين: أولهما أن الروح عندما تفارق الجسد لا تزال على صلة بالعالم المادي بما فيه من شهوات وملذات لم تتحقق بعد، وثانيهما أن النفس خرجت من الجسم وعليها ديون كثيرة لابد من أدائها وأن تتذوق ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة.
فالأرواح لا تموت ولا تفنى أبدية الوجود، لا سيف يقطعها ولا نار تحرقها ولا ماء يغرقها ولكنها تنتقل من بدن إلى بدن كما يستقبل البدن اللباس إذا بلي وتترمى النفس في الأبدان المختلفة كما يترقى الإنسان من طفولته إلى شباب إلى كهولة إلى شيخوخة، وذلك أن النفس طالبة للكمال مشتاقة إلى العلم بكل شيء، وهذا يحتاج إلى زمن فسيح، ولما كان عمر الإنسان قصيراً كان لابد أن تنتقل النفس من بدن إلى بدن، وفي كل بدن تستفيد تجارب ومعلومات جديدة ( ).
فالأرواح الباقية تتردد بين الأبدان البالية من الأذل إلى الأفضل دون عكسة تترقي النفس في الكمال حتى يتحقق شوقها إلى علم ما لم تعلم، وتستوفي بذلك شرف ذاتها.
وحدة الوجود:
ساد مذهب وحدة الوجود في العقيدة الهندوسية، فهم يوحدون الله والعالم ويزعمون أن كل شيء هو الله، ويردون كل شيء إلى الله ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية وأن جميع الأشياء الأخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحياة الحقيقية.
( ) حربي عباس عطيتو، مرجع سابق، ص136.
boukhari14
2010-11-26, 23:51
فالحياة كلها مظاهر لتلك القوة الوحيدة الأصيلة (براهما) فالجبال والبحار والأنهار تنفجر من تلك الروح المحيطة المستقرة في الأشياء وليست الروح الإنسانية إلا جزءاً من الروح الإلهية (براهمان) ( ).
الجينية Jainism
من المذاهب الدينية في الهند، واسم الجينية مستمد من كلمة Jina ومعناها القاهر أو المنتصر أو البطل في اللغة السنكريتية، وهو وصف أطلقوه على معلميهم الكبار الذين يسمون (تيرثانكارا) Tirthankara الذين رسموا الطريق إلى الخلاص من التناسخ.
ويعتبر مهافيرا Mahavira مؤسس المذهب الجيني، وعاش مهافيرا حياة الزهد والتنسك وأعلن عن رغبته الشديدة في التخلي عن الملك والألقاب ومتاع الدنيا والدخول في حياة الرهبنة.
الألوهية: أنكر مهافيرا وجود إله ذلك أن الاعتراف بوجود آلهة قد يخلق طبقة براهمة أو كهنة تمارس استبداداً على الناس وقرر أنه لا يوجد روح أكبر أو خالق أعظم لهذا الكون. ولقد ترتب على عدم اعتراف مهافيرا وأتباعه بالإله والآلهة سلبيات كثيرة متعلقة بالعقائد منها عدم قولهم بالصلاة وامتناعهم عن تقديم القرابين.
والكرما تعني عندهم كائن مادي كثيف ينزلق إلى الجسم ويخالط الروح المنيرة بطبيعتها، ويحجب نورها بكثافة، ولا سبيل لتحرير الروح إلا شدة التقشف والحرمان من الملذات، ولكي تتخلص الروح من الكارما يظل الإنسان يولد ويموت حتى تطهر نفسه وتنتهي رغباته ومعها حياته المادية، فيبقى روحاً خالداً في نعيم ( ) حربي عباس عطيتو، ص138.
مزيد من التفاصيل انظر: جوستاف لوبون، حضارات الهند، ترجمة عادل زعتر، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1948.
boukhari14
2010-11-26, 23:55
خالد، وهذا الخلود في النعيم يسمى عندهم النجاة، وهو ما يعادل الانطلاق في الهندوسية والنرفانا في البوذية.
وخلاص النفس وتحريرها من ربقة الجسد، إنما يكون بالزهد والتجرد من الدنيا حتى العري، فالنجاة خلاصة من الجسد، ولذلك كان الانتماء غاية أو جائزة لا يحصل عليها إلا الخاصة، ومن شروط النجاة أو سبيل الوصول إليها وقتها أنه يتحتم على الناسك ألا يوقع أذى بإنسان أو حيوان، فالحياة بكافة أشكالها مقدسة مصونة ولا يجوز الاعتداء عليها، وعلى ذلك يحرم قتل الحيوان، وبالتالي أكل اللحوم.
ومن شروط النجاة قهر جميع العواطف والمشاعر والحاجات لكي لا يحس الراهب بحب أو كره ولا بسرور أو حزن ولا بحر أو برد ولا بخوف أو بحياء ولا بجوع ولا عطش ولا بخير أو شر، ومن أجل طهارة الروح، فضرورة تمسك المريد بالخلق الحميد والإقلاع عن الخلق السيء وتجنب الأذى والضرر لأي كائن حي والتحلي بالفضائل التالية (العفو – الصدق – الاستقامة – التواضع – النظافة – ضبط النفس – التقشف الظاهري والباطني – الزهد – اعتزال النساء – الإيثار – السيطرة على متاعب الحياة وهمومها – القناعة الكاملة – الطمأنينة – الطهارة الظاهرية والباطنية). وكذلك تجنب الكذب – السرقة – الخيانة – الجشع – العنف .. إلخ ( ).
البوذية:
ظل التفكير الاجتماعي الذي ارتبط بالهندوكية مسيطراً في الهند إلى أن بدأت في الظهور تعاليم البوذية التي تنسب إلى جواتاما بوذا مؤسسها في القرن الخامس قبل الميلاد. وبوذا ينتمي إلى عائلة نبيلة هي عائلة جواتما Gautama وأطلق عليه ( ) حربي عباس عطيتو، الفكر الشرقي، ص146.
مزيد من التفاصيل انظر: علي زيعو، الفلسفات الهندية، دار الأندلس، بيروت،ط2، 1983.
boukhari14
2010-11-26, 23:58
منذ مولده في نيبال حوالي 565 ق. م اسم سيداهارتا Siddahartha وإن كان قد اشتهر مع ذلك بنسبته إلى العائلة التي عاش في كنفها حتى بلغ الخامسة والعشرين من عمره عيشة مليئة بالرفاهية. ولكن فجأة ترك زوجته وابنه وعائلته كلها ليبدأ حياة العزلة والتقشف ليستغرق في النهاية في التأمل تحت شجرة الحقيقة Bo – Tree حيث تكشفت له أصول الدين البوذي ومعالمه، وبزغت في نفسه النيرفانا Nervana التي أدرك في ضوئها أن العالم بكل ما فيه إنما ينتهي مآله للعدم.
ويتمثل الاعتقاد الأساسي في البوذية في أن الذات الإنسانية وشهواتها وملذاتها هي السبب فيما يعيشه البشر من شقاء وألم، فقد انتهى إلى أن الخلاص من كل هذا إنما يتوقف على القدرة على نبذ هذه الذات وملذاتها، وذلك هو السبيل الوحيد للتحرر من الألم المتمثل في سجن تطلعات النفس المادية.
وقد دعت البوذية إلى القضاء على مظاهر المغالاة والتطرف في التفرقة بين الطوائف المختلفة من حيث الحقوق والواجبات والمسئوليات والالتزامات. وفي هذا الصدد نجد له موقفاً محدداً من البراهمية التي وضعت للناس أقدارهم المحتومة، ثم حثت على التقرب للآلهة وطلب المساعدة منها مؤكداً بذلك نظرة جديدة إلى العالم، حيث رأى أنه أزلي أبدي والأفراد والأشياء تولد وتعيش وتفنى لكي تولد من جديد في سلسلة متصلة لا أول لها ولا نهاية، وبذا تبدو الحوادث وكأنها سلسلة من العلل والنتائج التي تتبادل الفعل والتأثير. وهي نظرة تختلف مع ما ذهبت إليه البراهمية التي أكدت على أن الإنسان إنما يفعل الخير خوفاً من أن يستحيل بعد الموت إلى حيوان( ).
ثمة أساس أخلاقي في البوذية لم تلتفت إليه البراهمية يقوم على إدراك الإنسان لحقيقة الدهارما Dharma التي تعني الوسطية في تناول الأمور حتى بين المادية والانغماس في إشباع الغرائز والزهد والتقشف. أو هي بمثابة مبدأ نظري ( ) محمود أبو زيد، ص113.
boukhari14
2010-11-26, 23:58
يتجسد في مجموعة من التعاليم التي تقدم للإنسان وسائل الاكتساب عن طريق التعلم والامتثال للقواعد التي تسير بموجبها الحياة الصحيحة.
وقد وضع الإله ياما Yami نظام العالم أو الكرما Karma ليؤكد أن كل إنسان لابد أن يلقى ما يتكافأ مع ما قدمت يداه إن خيراً أو شراً.
ومع أن هناك من يرى أن مثل هذه الفلسفة التي تنطوي عليها الكرما إنما تعكس ملامح نفعية بحتة، وذلك على اعتبار أن الإنسان لاشك سوف يحسب أفعاله في ضوء ما سيعود عليه وعلى الآخرين من خير ومنفعة إلا أن مثل هذه النظرة لا تخلو من مغالاة حيث لا تضع اعتباراً كثيراً لطبيعة الإنسان الاجتماعية.
ولعل الشيء الواضح هو أن البوذية لها موقف خاص من فكرة الآلهة ذاتها، حيث لا نلمح فيها ذلك التقديس والخضوع التام لها، وإنما في الوقت الذي لم تتجاهلها فيه تماماً، فقد أفسحت للإنسان مجالات الفعل والاختيار.
وقد يكون صحيحاً أنها انتهجت في ذلك طرقاً تدور حول مجاهدة النفس وتعتمد على أساليب التقشف والزهد والتأمل، ولكنها وضعت قواعد سلوكية عملية يجب أن يلتزم بها الأفراد لكي يحيوا حياة فاضلة.
فالبوذية ولو أنها سعت إلى ابتعاد الناس عن شئون الحياة الدنيوية، إلا أنها أعلنت في الوقت نفسه مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية والقضاء على المزايا الوراثية وهو ما تنطوي عليه الكرما التي تذهب إلى أن الناس قد وجدوا في الأصل متساويين، وقد عملت البوذية على خلاص المجتمع من براثن النظام الطائفي الطبقي عن طريق هذه العقيدة البراهمية التي تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة وأن المنبوذين يعيشون على هامش الحياة محرومين من كل الحقوق من طبقة دنسة، لذا حرمت عليهم حتى ممارسة الشعائر الدينية، كذلك أوضحت البوذية أن صفات اللاهوتية والقدسية ليست أبداً صفات وراثية أو فطرية تختص بها السلالة البراهمية وإنما في استطاعة الإنسان أياً كانت الطائفة أو الطبقة التي ينتمي إليها أن يكتسب مثل هذه الصفات عن طريق ما يكتسبه من فضائل سلوكية وعملية في مقدمتها الوسطية والاستقامة والتأمل والحكمة ( ).
تعاليم بوذا في جملتها تمثل ثورة جذرية على الأسس الاجتماعية التي ارتكزت عليها الديانة البراهمية، تلك الديانة التي أقامت في المجتمع الهندي القديم نظاماً عبودياً ليس له مثيل، وكان أول الآراء التي دعت إليها البوذية هو القضاء على مظاهر المغالاة في التفرقة بين الطوائف من حيث الحقوق والالتزامات، وانتهجت في سبيل ذلك أساليب حول تلك المجاهدات الصوفية والأساليب التقشفية، ومحاولة خلاص الفرد من نزواته وشهواته الملحة، وليس معنى ذلك أن البوذية تعني بالتأملات العقلية والتصورات الميتافيزيقية إنما إذا نظرنا إليها من وجهة نظر تحليلية ألفينا أنها مجموعة من القواعد السلوكية العملية التي يجب علىالفرد التزامها لكي يحيا حياة فاضلة خلواً من الآلام والآثام، والسبيل إلى ذلك هو أن يسلك الفرد سلوك العدل والإخاء بعد التحرر من الشهوات ومن هنا امتزجت البوذية بالآراء الصوفية.
ومن ناحية أخرى، فإن البوذية وإن كانت قد أبعدت الناس عن التفكير في شئون الحياة الدنيوية والحقوق والوجبات الاجتماعية، إلا أنها أعلنت في نفس الوقت مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية وتقضي على المزايا الوراثية، فهناك قانون أبدي أطلق عليه مصطلح الكرما Karma ووفق هذا القانون، وجد الناس متساويين في الخلقة والحقوق بقدر مساواتهم في حظوظهم من الآلام، إن الوجود مرتبط بالألم والرغبة في الحصول على أي شيء تنطوي على عنصر الألم لهذه الرغبة، ومن ثم كان القصد في الرغبات والشهوات وسيلة فذة للتقليل من شقاء الحياة وهمومها، وتنتهي هذه الفلسفة السلوكية إلى شبه إنكار للشخصية الإبداعية الإيجابية، وإلى إعلاء لنظرية التوسط والاعتدال في أمور الحياة، ومن هنا جاء التفكير الاجتماعي البوذي ذا طابع أخلاقي سلوكي يعمل على خلاص المجتمع ( ) محمود أبو زيد، ص175.
boukhari14
2010-11-26, 23:59
الهندي من براثن النظام الطائفي عن طريق هدم العقيدة البراهمية التي كانت تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة، وأن السودرا من طبيعة مدنسة يحرمه من ممارسة الحياة الدينية، وأثبتت بالتفسيرات العقلية لأسفار الفيدا Vidas التي يقدسها البراهمية والقوانين المانوية التي تنظم حياتهم الاجتماعية، إن اللاهوتية والقدسية ليست صفة ولادية أو فطرية للسلالة البراهمية، وإن كل الطبقات تتساوى في طبيعتها الحيوية والاجتماعية وإنه في استطاعة أي إنسان أيا كانت الطائفة التي ينتمي إليها أن يكتسب هذه الصفة عن طريق فضائل سلوكية عملية هي الاستقامة والتأمل والحكمة( ).
والجوهر الأساسي لمذهب (بوذا) هو فكرة الألم، فالوجود الإنساني بعيد عن الكمال، وحتى أسعد الناس وأوفرهم حظاً يتعين عليه التسليم بقدر من البؤس أو التعاسة. ولا شك أن هذه الفكرة قد ترسخت لديه منذ الصغر، فقد أحس بما يشوب من نكد وكد وتعب وشعر بما يصاب به الإنسان من مصائب تبليه بالشيخوخة والمرض والموت، ومن ثم أهدته خبرته إلى أن الحياة أساسها الألم ولا تبعث إلا على الحزن، ولا يمكن للإنسان الخلاص منها ما لم يبحث عن علة هذا الألم وأسبابه الحقيقية.
يقول: (أيها الرهبان أو النساك هذه هي الحقيقة المقدسة عن الألم: المولد ألم، والهرم (الشيخوخة) ألم والموت ألم، والاجتماع بغير المألوف ألم، وعدم الحصول على ما يهوى ألم).
لقد بحث بوذا عن علة الألم وأسبابه الحقيقية في الوجود أو العالم فوجدها ترجع إلى كل من الشهوة والجهل. أما الشهوة وخصوصاًَ شهوة الحياة التي تسبب الولادة بعد كل موت، فالجهل يدفع الإنسان إلى حب الحياة والتعلق بمفاتنها وتمعن الشهوة في طلب المزيد من اللذة والشهوة، وعلى من يعرف أن الجهل هو سبب ( ) أحمد الخشاب، ص345.
boukhari14
2010-11-27, 00:00
شقائه وعلة عودته إلى الحياة فيجب عليه أن يبحث عن المعرفة الحقة التي تمحو جهله ليخلص من الآلام.
يقول: (أيها الرهبان، هذه هي الحقيقة المقدسة عن مصدر الألم الطمأ، الشهوة، الهوى، الرغبة في التلذذ، فالهوى والشهوة يجران من مولد إلى مولد، ومن ألم إلى ألم).
وسبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية ( ).
ويقوم الطريق النبيل على حقائق مقدسة:
- العقيدة الصادقة (سلامة الرأي) - النية الصادقة (سلامة النية)
- القول الطيب (سلامة القول) - الفعل الحسن (سلامة الفعل)
- العيش السوي (سلامة العيش) – الجهد القيم (سلامة الجهد)
الوعي السليم (سلامة الوعي) – التأمل الصالح (سلامة التركيز)
والإيمان بهذه العقيدة لا يكفي طالما كان سلوك الفرد غير فاضل، ولذلك يجب أن يكون صافي النية، لا يكن للغير أي شراً وحقداً وحسد، يحب خير للجميع ويعمل لخير الغير والآخرين على الدوام، وذلك لا يتحقق ما لم يتجنب الكذب والنفاق والرياء والنميمة والغيبة، يتوخى الصدق في القول ويبعد عن لغو الحديث، فلا يسب أحداً سباً يشين سمعته ويخدش كرامته، كما يجب أن يكون سلوكه فاضلاً لا يأتي بمنكر الأفعال، ولا يعتدي على حقوق الغير ولا يقتل أي كائن حي، ولا يسرق ولا يغش ولا يتعاطى الخمور والمخدرات ولا يزني، أي أن السلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل، ووسائل الكسب العيش.
ووجد بوذا أن طريق الخلاص لا يمكن للإنسان بلوغه إلا إذا تخلص من ( ) حربي عباس عطيتو، الفكر الشرقي القديم، ص157.
مزيد من التفاصيل انظر: عبد العزيز محمد التركي، قصة بوذا، مؤسسة المطبوعات المدنية، 1959.
boukhari14
2010-11-27, 00:01
النواقص: الوهم – الشك – العمل لكسب القوت – الشهوة الجنسية – الكراهية والحقد – حب الحياة الأرضية – الرغبة في الحياة السماوية – الكبرياء – الغرور.
وقد أحدث بوذا ثورة دينية قلبت الأوضاع الدينية والاجتماعية المألوفة رأساً على عقب، وحارب نظام الطوائف، فلا وجود لطبقة البراهمة أو الكهنة ورجال الدين، وما كانوا يتمتعون به من حظوة ونفوذ وسطوة. فقد نادى بالمساواة بين جميع الأفراد وإنه لا فرق بين الطبقات الثرية والطبقات الدنيا إلا بالجهاد في سبيل تحقيق النرفانا التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالجهد الذاتي.
خواطر وتأملات وعظات هندية قديمة من إنجيل بوذا
- العالم مملوء بالشر والعذاب لأنه مملوء بميول الإنسان إلى الشر وبالملذات الحسية، الناس ضائعون ضالون تائهون لأنهم يفكرون بأن الضلال والغواية أفضل بكثير من الحقيقة
- سبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية.
- ارفضوا جشع أنانيتكم تصلوا إلى حالة الفكر الهادئ الذي يصنع الطيبة والرفق والحكمة والتساهل.
- لا تخادعوا، لا تحتقروا ولا تمقتوا بعضكم البعض، وفي أي مكان وجدتم، لا تغضبوا لا تشتموا ولا تهينوا ولا تحقدوا.
- ازرعوا اللطف والعطف والرفق يميناً وشمالاً، وفي كل مكان.
- إن قاعدة الحياة التي هي دائماً الأحسن والأفضل هي الامتلاء بالمحبة، اطرد من قلبك الغضب والحسد والغيرة.
- الشر هو القتل والسرقة والفجور والكذب والاغتيال والحق والإيمان بعقائد باطلة( ).
- الخير هو الامتناع عن القتل والسرقة والفجور والكذب.
( ) حربي عباس عطيتو، ص278.
boukhari14
2010-11-27, 00:03
- خطايا الجسد الثلاث هي: القتل والسرقة والزنا.
- خطايا اللسان الأربع وهي: الكذب والافتراء والشتم والكلام بالباطل.
- خطايا الفكر الثلاث وهي الطمع والبغض والضلال ( ).
الطريق البوذي
أ- الأخلاق ب- التأمل ج- الحكمة
إن الوصف الأساسي للطريق البوذي هو أنه ذو ثلاث شعاب هي: الأخلاق والتأمل والحكمة، وهي ليست ثلاث مراحل متعاقبة يمر المرء بالواحدة منها تلوا الأخرى، وإنما هي شعاب أو دروب نسير عليها جميعاً في وقت واحد.
أ- الأخلاق: يعبر عن القواعد الأخلاقية الخمس الأساسية – بالنسبة للرهبان ولعامة الناس على حد سواء في صيغة تستخدم بانتظام في العبادات اليومية، ويمكن ترجمتها على وجه التقريب كما يلي، أتعهد بالإحجام عن إلحاق أي أذى بالكائنات الحية، وأن لا آخذ شيئاً لم يعط لي (أي أن أمتنع عن السرقة)، وبأن أمتنع عن الممارسات الجنسية اللاأخلاقية، وعن الكذب، وتناول الخمر والمخدرات التي تذهب العقل.
وهناك درجة أكثر تقدماً في النظام الأخلاقي يتبعها البعض من عامة الناس وتعتمد على مراعاة ثلاثة مبادئ إضافية هي: أن أمتنع عن تناول الطعام بعد الظهر، وأن أمتنع عن الرقص والغناء وألعاب التسلية، وأن أمتنع عن استخدام أكاليل الزهور أو مستحضرات التجميل، وأن لا أتزين بأي نوع من أنواع الزينة، وكذلك الامتناع عن قبول الذهب والفضة والامتناع عن استعمال فراش وثير.
ب- التأمل: السلوك الحق ينبغي أن يصحبه الفكر الحق أو المواقف الحقة، والفكر والعمل مرتبطان بالوجود الحق، لأن تنمية الفكر الحق هي من أول أهداف التأمل.
( ) حربي عباس عطيتو، ص282.
boukhari14
2010-11-27, 00:05
ج- الحكمة: السمات الرئيسية للحكمة التي أعلنها بوذا هي أن الحياة فانية (والكل زائل) فلا شيء يمكن أن يبقى نفس الشيء أو أن يظل على حاله، فالكون كله الذي يمثل الإدراك الحسي هو في حالة تدفق مستمر والناس لا ينظرون إلى الأشياء على أنها دائمة إلا على سبيل الخطأ ( ).
وتشمل الحكمة كلاً من الفهم الصحيح للأشياء على ما هي عليه، والعزم على السلوك طبقاً لهذا الفهم.
وتكشف الحكمة عن طبيعة الأشياء وأسباب المعاناة، ولكنها لا تتوقف عند هذا الحد، وإنما هي تعبر كذلك عن نفسها في التصميم على قهر المعاناة من خلال تنحية الرغبة الأنانية، ويتضمن هذا التطعيم غرس حب شامل في عمقه ومداه، يكشف عن نفسه في الشفقة واللا أذى، حيث يتم التخلي كلية عن الرغبات الأنانية وسوء النية والكراهية والعنف، عندما نبلغ الحكمة.
والسلوك الأخلاقي هو في آن واحد انعكاس للحكمة والانضباط وشرط لهما، فالشخص الحكيم هو وحده الذي يمكن أن يكون خيراً، والشخص الخير هو وحده الذي يمكن أن يكون حكيماً، وكل من الحكمة والخير يقتضي الانضباط، وبناء على هذا فإن المرء بدأ وينتهي بالأمور الثلاثة بصورة متزامنة، والسلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل وسلامة كسب العيش.
وسلامة القول تعني بصفة عامة تجنب كل قول يفضي إلى التعاسة واستخدام العبارات التي تجلب السعادة. ويشمل تطبيقه السلبي.
- لا كذب
- لا نميمة ولا اغتياب ولا حديث قد يجلب الكراهية أو الغيرة أو العداء أو الفرقة بين الآخرين.
- لا حديث يتسم بالشدة أو الوقاحة، ولا حديث يشوبه الخبث، ولا أسلوب ( ) جفري بارندر، ص228.
boukhari14
2010-11-27, 00:09
ينقصه الأدب أو الاحتشام.
- لا ثرثرة نابعة من الكسل أو الخبث أو الحمق.
وسلامة السلوك تعني تجنب القتل أو الإيذاء، والتعفف عن السرقة والغش والنشاط الجنسي غير الأخلاقي وهو على الصعيد الإيجابي يعني أن سلوكيات الفرد ينبغي أن تهدف إلى دعم السلام والسعادة للآخرين.
أما سلامة العيش فهي تمد نطاق مبدأ السلوك الحق إلى المهنة التي يختارها المرء على امتداد حياته، وبناء على هذا فإنها تستبعد المهن التي من شأنها أن تؤذي الآخرين، مثل الإتجار في الأسلحة النارية و الخمور والمخدرات والسموم والقتل والدعارة .. إلخ. وسبل كسب العيش التي تنشر السلام والخير ( ).
مذهب السيخ Sikhism
ولد المعلم الروحي ناناك Nanak عام 1469م، والمكان الحقيقي الذي ولد فيه موضع خلاف، ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن والديه ينتميان إلى قرية تلفاندي Talivandi التي تبعد أربعين ميلاً عن جنوب غربي (لاهور) وتعرف الآن باسم ننكانا – صاحب Nankana – Sahub، ولقد قضى ناناك طفولته وشبابه في هذه القرية ولم يتركها إلى بعد أن تزوج وأنجب غلامين.
ثم انتقل ناناك وهو لا يزال شاباً إلى مدينة سلطانبور Sultanpur وفي أواخر عام 1500 غادر هذه المدينة وتبنى حياة الزهاد المتجولين داخل الهند وخارج حدود الهند.
مع بداية أول مؤلف تم تسجيله من كتب السيخ المقدسة نجد فكرة واحدانية الله، فالله عند المعلم (ناناك) واحد، وهو الخالق، المفارق المتعالي الذي يجب أن يرتبط به ارتباطاً وثيقاً أولئك الذين يبحثون عن الخلاص.
ويصف المعلم ناناك الله بأنه الواحد الذي لا شكل له، وهو الأزلي وهو (ما ( ) جون كولر، ص201.
boukhari14
2010-11-27, 00:10
لا يوصف)، والله حاضر في كل مكان وموجود في كل مكان.
طريق الخلاص:
إن العقبة الرئيسية التي تعوق عملية السعي إلى الخلاص هو الوضع البشري، فالناس في ضلالهم واقعون في عبودية العالم، لأن ولاءهم للعالم ولقيمة، وهذا التعلق بالعالم يسجنهم داخل دورة تناسخ لا نهاية لها من الميلاد والموت.
فالناس يسعون إلى تحقيق الخلاص عن طريق التعلق بالقيم الدنيوية، ولذلك فهم ضحايا الوهم الذي يصور لهم أن التعلق بالقيم الدنيوية هو الحقيقة في ذاتها. وهذه الحالة من الضلال أو الوهم تمنع الكشف أو التجلي الإلهي.
وعلى الإنسان أن يتجاوز هذا العالم الدنيوي بنظام العبادات والزهد لكي تجد الروح اتحادها الصوفي بالله، وتبلغ الروح مرحلة الانعتاق باندماجها في الله ( ).
( ) جفري باندر، ص207.
ريحانة39
2010-11-27, 21:51
بارك الله فيك أخي بخاري على المساعدة وربي ينجحك وربي يعطيك ما تتمنى
رستم النوايا الحسنة
2010-11-28, 02:18
من فظلك اختي ادخلي لهذا الرابط
http://www.saadsowayan.com/html/courses.html (http://www.saadsowayan.com/html/courses.html)
واخبرينا ان ساعدك ام لا
ادخلي الصفحة الرئيسية
سلام
رستم النوايا الحسنة
2010-11-28, 03:35
موضوع: علم الاجتماع العام من التفكير الاجتماعي الى النشأة
مقدمة :بالرغم من أن التفكير العلمي بالنسبة للظواهر الاجتماعية لا يرجع الى
عهد بعيد, فان المسائل التي تتعلق بحياة المجتمع ظلت تشغل عقول المفكرين منذ أزمنة بعيدة ,هناك الكثير من الباحثين السوسيولوجي من يرجع الدراسات الاجتماعية إلى أصول تاريخية ,فمنهم حتى من الغرب خلافا على العرب الذين يهتمون بتاريخ علم الاجتماع ,يرجعونه للعلامة ابن خلدون؛ الذي عرف بعلم الاجتماع البشري او العمران البشري .وآخرون يرون أن العالم الايطالي فيكو هو الأب الحقيقي لعلم الاجتماعة, الا ان كونت فرض نفسه أيضا باعتباره هو من أطلق المصطلح الحديث على هذا العلم (السوسيولوجي), لذالك وجب علينا كباحثين إن نقف على حقيقة هذا العلم وأيضا الإجابة على الأسئلة التالية:ما علم الاجتماع؟ وما هي موضوعاته ؟ ومن هم رواده ؟ وما هي الأسس المرجعية التي يستند إليها هذا العلم ؟
الفصل الأول :ماهية علم الاجتماع
1- التعريف اللغوي :سوسيولوجي كلمة مركبة من مقطعين :الأول لاتيني سوسيو ويعني اجتماع او رفقة والثاني يوناني لوقوس وتعني دراسة أو علم بذلك يتكون لدينا علم الاجتماع
2-اصطلاحا:هو الدراسة العلمية للمجتمعات, التي تعتمد على الملاحظة وتقرير الواقع ثم المقارنة والتفسير
3 – تعريفات إعلام الفكر الاجتماعي :
أ- "هو علم دراسة المجتمع هنري جيدنر"
ب- "هو علم المجتمع لستروا رد"
ت- "العلم الذي يحاول فهم الفعل الاجتماعي ماكس فيبر"
ث- "علم الظواهر الاجتماعية ادوارد"
ج- "العلم الذي يدرس التفاعلات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية "
د- "هو العلم الذي يعنى بدراسة خصائص الجماعات البشرية والعلاقات بين إفراد هذه الجماعات "
ه- "وهو أيضا ذلك العلم التحليلي الذي يتناول الوقائع والنظم الاجتماعية بالدراسة والتحليل ثم يستخلص النتائج بشكل علمي" .
ثانيا :موضوع علم الاجتماع
ا-هو العلم الذي يدرس المشكلات الاجتماعية المستعصية مثل مشكلات الأسرة و البطالة و الانحراف ............
ب-دراسة النظم الاجتماعية التي تنشا عن حياة الإنسان داخل المجتمع و تحديد العلاقة بين النظم
ت-دراسة العمليات الاجتماعية
ث- دراسة الثبات لاجتماعي والتغير
ج- دراسة التراث الاجتماعي الثقافي للمجتمعات .
ثالثا أهداف علم الاجتماع :
أ- دراسة تستهدف كل الظواهر الاجتماعية والكشف عن الحقائق التي تربط الظواهر الاجتماعية بعضها البعض والوصول إلى قوانين عامة تحكمها
ب- إعطاء الإنسان القدرة على التحكم في الظواهر وظروف الحياة لاتزانه الشخصي والتكيف الجماعي
ت- السعي إلى تحقيق حياة أفضل والمساهمة الجماعية في بناء النظام الحضاري والصرح المعرفي
ث- معرفة التغيرات المؤقتة والدائمة للظاهرة الاجتماعية المدروسة
ج- معرفة التغيرات والتطورات من وفيات و مواليد والزيادات الديموغرافية .
الفصل الثاني : لمحة تاريخية عن الفكر الاجتماعي
أولا: في الحضارات القديمة :
تمهيد: إن المجتمعات التاريخية القديمة هي تلك المجتمعات التي خضعت للتطور الحضاري, وانتقلت في هذا السلم من حياة الترحال وعدم الاستقرار إلى حياة الاستقرار والتنظيم الاجتماعي, واستفادة من الخبرات الاجتماعية وتقدم النواحي التكنولوجية الفتية وخلفت آثارا حضارية مادية وكانت لها فلسفة اجتماعية وكونية وعرفت تقسيم العمل والتخصص الاجتماعي, وظهور الوعي بالفكر السياسي ونشأة الوحدة الاجتماعية الكبيرة للمجتمع المحلي في صورة قرية أو مدينة ويمتاز البناء الاجتماعي في هذه المرحلة بوضوح نظام التدرج الطبقي واستناد النظام السياسي والاقتصادي على أساس ديني ويعتبر هذا البناء الاجتماعي في مستواه العام، مرآة للمثل الاجتماعية التي يرتضيها المجتمع كأهداف غائية في العلاقات الإنسانية.
ا- الحضارة الفرعونية:إذا حللنا النظام السائد في مصر الفرعونية فنلاحظ أن البناء الاجتماعي لها كان يرتكز على تقسيم طبقي في قمة هذا البناء الطبقي يقوم الفراعنة لا باعتبارهم مجرد حكاما سياسيين أو رؤساء للدولة ولكن باعتبارهم آلهة لذلك فإنهم كانوا ا يجمعون في آن واحد بين السلطات الدنيوية والأخروية يلي هذه الطبقة طبقة الكهنة الذين يستمدون قداسة أعمالهم في المعبد وتفانيهم في خدمتهم لفرعون باعتباره الاها .ثم ياتي طبقة قوات الجيش وهم القائمون على حراسة الأماكن المقدسة ثم يلي طبقة الحرفيين والشيء الهام في هذا النظام هو الارتكاز على النظام الديني أما بالنسبة للأفكار لاقتصادية والسياسية فإنهم خلفو قدرا غير يسير فلقد أثبتت الوثائق التاريخية التي عثر عليها علماء الاثار ان الفكر الاجتماعي الفرعوني قد وعى بفكرة الملكية باعتبارها إحدى الحقوق القدسية الالهية فممتلكات المعابد من الأموال التي لا يجوز ملكيتها ملكية فردية ولكن ترجع الى الحق الالهي حسب مرسوم نقر كارع فالإله هو صاحب الملك والتصرف والكهنة هم من يقومون علبخدمة الاله اما بالنسبة للافكار القانونية فانها احتلت وضعا خاصا في التفكير الفرعوني فنجد كثيرا من الوصايا على اوراق البردي او النقش الت سطرت على جدران المعابد مضمونها يثبت مجموعة القوانين التي خلفتها المدنية المصرية حيث عرف الفراعنة كيف ينظمون حياتهم مثلا النظم الدستورية في عهد الاسرة الثالثة حيث وحدة مينا القوانين المصرية التي توضح نظم الملكية والارث والهبة والولاية والوصية...الخ
وكذلك المجموعة المعروفة باسم بوخوريوس مؤسس الاسرة الرابعة والعشرين ما نخلص إليه هو أن البناء الاجتماعي الفرعوني بالرغم من انه كان نظاما تيوقراطي وطبقي إلا انه كان نظاما متماسكا هذا لارتكازه على المحور الديني ونتيجة دعم الوحدة الاجتماعية والسياسية على مستوى الدولة ويعتبر الفكر الاجتماعي الفرعوني باكورة التفكير الاجتماعي العلمي لأنه يعكس أول مرحلة من مراحل النضج والوعي السياسي كان له فائدته التاريخية للإنسانية عامة .
ب- الحضارة الصينية :تنازع الفكر الاجتماعي الصيني القديم عدة تيارات متنافسة لعل أهمها الكونفوشيوسية والقانونية والتاوية والموتستية ,نأخذ على سبيل المثال الكونفوشيوسية حيث يعتبر الحكيم كونفوشيوس مؤسس أول مدرسة اجتماعية في الحضارات الشرقية القديمة أسهمت في كثير من الدراسات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية وكانت لها أثارها العميقة في الحياة الفكرية والعلمية للصين قبل الثورة الشيوعية المعاصرة لان أراء كونفوشيوي ارتكزت على تمجيد النظام الإقطاعي وتقميته واتخاذه أساسا للبناء الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي والسياسي ,فالمجتمع في نظر كونفوشيس لابد ان يكون مجتمعا طبقيا يضع في الاعتبار الأول صيانة حق الملكية وهي رد فعل عنيف ضد ما انتشر في أيام كونفوشيوس من أراء فوضوية أدت إلى انتشار حالة من الاضطراب وعدم الطمأنينة وكان لا بد من مواجهة هذه الحالة سياسة اجتماعية وإصلاحية هدفها إحياء التقاليد على أساس تدعيم النظام الطبقي الصيني القديم حيث كان يجلس في قمة الهرم الإمبراطور وأسرته ثم يليه الأحرار فالنبلاء والإشراف ثم في أخر درج السلم الاجتماعي السوقة وعامة الشعب ان من التقاليد الراسخة لدى الصينيين في فكرهم الاجتماعي القديم أن يحفظوا للأباطرة مكانتهم الدينية وأحقيتهم السلطوية لان العناية الإلهية فوضتهم بمهام مناصبهم نظرا لمواهبهم وقدراتهم العقلية ومواقفهم الخيرة وهم يظلون في مراكزهم طالما ظلوا متمسكين بالقانون الأسمى إذن فلسفة كونفوشيوس ترى أن النظام الاجتماعي الناجح هو الذي يقوم على أساس ديني و أن العلاقات لاجتماعية لابد أن تستمد من الإله الأعظم أما التخطيط التربوي والنظام التعليمي هو الطريق الوحيد إلى الفضيلة حيث أنشا مدرسة في كل قرية يقطنها 25 ألف ساكن وانشأ جامعة في كل مقاطعة أهم القواعد التي أشار إليها كونفوشيوس في المجال التربوي وجوب القائمين على شؤون التعليم التعرف ميول الطالب وقدراته الطبيعية وكان يرى أن يكف المدرسون عن طريق التدريس التي تحول الطلبة إلى مجرد آلات تحفظ الدروس بلا وعي ولا فهم .
ج-الحضارة اليونانية :يزعم كثير من مؤرخي الفكر اليوناني إن أول من وجه الفكر الإنساني المنظم لشؤون النسا الاجتماعية هو الفيلسوف الإغريقي في سقراط الذي ينتمي إليه عادة الفكر الإنساني لأنه أول من دشن التأمل الفلسفي في الطبيعة ونادي للمعرفة المحضة الخالية من شوائب الميتافيزيقا حيث يعتبر أول من انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض ومن بواكير ما سجل الفكر اليوناني قصيدة نيوجيس المجاري التي تعتبر أول عمل اجتماعي حيث إشارة الى المثل العليا التي تتمثل في بر الوالدين والأقربين
كما يعتبر المفكر لاجتماعي فيكو ثيوسيد أول من أرخ للحرب الشهيرة التي تعرف بحرب الالبلبونيز حيث عرضها تحليل للقوى المتصارعة في تلك الآونة ومفسرا عوامل تدمير العالم الهي ليني لذاته وحضارته كما لا نمهل إسهامات التفكير الاجتماعي عند جماعة السوفسطائييين لأنها توضح مركزهم ودورهم الفكري ومجهودهم العلمي حيث ارسوا ارضية صلبة لفلاسفة الإغريق مثل أفلاطون واسطوا .
إن الفكر الاجتماعي الإغريقي الطوباوية عند افلاطون انطوى على تصورات ذهنية وتطلعات مثالية حيث يرى افلاطون إن المدينة في إبعادها ليست إلا تجسيدا للمجتمع الكبير على ان هذا لا يعني بحال من الأحوال إن التراث الفكري الاجتماعي اليوناني كان يخلو في هذه المرحلة من تحليل دقيق لمظاهر الحياة الاجتماعية فمثلا التدرج الهرمي البنائي حيث صور افلاطون المدينة الفاضلة وكأنها ارتكزت على ثلاثة طبقات متدرجة هرميا لكل طبقة وظائفها المتخصصة ,طبقة الحكام تتولى سياسة أمور الدولة العليا ثم يليها طبقة الجند التي تقةم بواجب حماية مصالح الطبقة الحاكمة ثم طبقة العمال من فلاحين وصناعيين تعمل توفير حاجيات الشعب.
وكذلك تصورات ذهنية حول أمور التنظيم والإدارة حيث جسد تصورات للتخطيط والتنظيم الاجتماعي المرتكزة على أساس فلسفة أخلاقية .
خلاصة القول إن الحكيم أفلاطون صاحب الجمهورية جسد فيها فلسفته المثالية لا يمكن للمجتمع تحقيقها لأنها بعيدة كل البعد عن الواقع الاجتماعي مما جعله نموذجا فريدا طوبا ويا . أما تلميذه أرسطو فكان عكس أستاذه فقد انطوت أفكاره الواقعية على عديد من المبادئ الاجتماعية التي تعتبر مسلمات كلاسيكية مثل الإنسان حيوان اجتماعي سياسي بمعنى ان لا يمكن إن يعيش منفصلا عن المجتمع ,الأسرة هي الخلية الأساسية الاجتماعية التي تقوم على أساس التعايش الزوجي وبتعدد الأسر والعائلات تولدت القرية وبتعدد القرى تنشا المدينة كوعاء للبناء الاجتماعي الطبقي الذي يرتكز أساسا عادى التخصص المهني الجماعي وعلى التساند والتكامل الاجتماعي والدولة هي الإطار السياسي وهي كهيئة تنظم حياة المواطنين وتحمي القوانين وتصون العدالة .ما يعاب على أرسطو هو انه لم يدخر جهدا في دراسة وتحليل العوامل التي تؤدي إلى تقويض هذا البناء أو اضمحلاله لأنه بناء طبقي حيث توزع له الملكيات والمراكز توزيعا غير عادل .
ثانيـــا:الفكر الاجتماعي عند المسلمين :
ظلت الآراء المثالية خلال العصور الوسطى حتى ظهور الإسلام وتناول بتعاليمه الحياة الاجتماعية ونظمها ,فأفسح المجال للمفكرين المسلمين باب الاجتهاد الفكري ,وظفرت الأبحاث الاجتماعية حينئذ من العناية والالتفات ,ومما ساعد على ذلك قوة الصلة الروحية التي ربطت بين المجتمعات الإسلامية بالرغم من اختلاف عاداتها ولغات ,وقد تنقل كثير من مفكري الإسلام بين إقليم وأخر في إنحاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف فاكتسبوا من التجارب والخبرة ماعدتهم على تفسير ما شاهدوه من ظواهر اجتماعية ,ومن بين المفكرين الاجتماعيين الذين كانت لهم إسهامات كبيرة في الفكر الاجتماعي الفيلسوف الفارابي صاحب المدينة الفاضلة) وكذلك أبو حامد الغزالي وغيرهم ,كانت أفكارهم وأرائهم اقرب إلى الأخلاق الاجتماعية منها إلى علم الاجتماع وكانت أرائهم طوباوية ينشدون فيها إلى السعادة والخير الأسمى ...
إلا أن الفكر الاجتماعي ظل في القرون الطوال على هذه الطريقة حيث انتهى فيها البحث الذي الأسس العلمية لعلم مستقل على يد المفكر الإسلامي والعلامة عبد الرحمان ابن خلدون
ثالثـــا :الفكر الاجتماعي في القرنين 17-18 اقتصر الفكر الاجتماعي في المسائل الحياتية بعد ابن خلدون على تقويم بعض الآراء و الأفكار المثالية المدينة الفاضلة ومن أمثلة هذا التفكير (كتاب اليوتوبيا لتوماس مور ) واليوتوبيا معناها البلد الذي لا وجود له الا في الخيال وقد قصد مور نقد الحياة الاجتماعية في عصره والدعوة إلى الإصلاح كما بين فيه الفساد الأخلاقي في المجتمع الانجليزي وذالك عن طريق المقارنة بين هذه الأخلاق و الأخلاق السائدة في مدينة أحلامه فهو يسخر من الثروة ولا يعتقد أنها تحقق السعادة لان الثروة تفسد طبائع البشر وتدفعهم إلى التقاتل والى الحروب حيث يسخر مور من الحكام الذين يعاقبون السارق دون توفير العمل الشريف له , ان الفكر الاجتماعي في القرن 17 لم يقرر من وجهة نظر غائية وجل النظريات وأشهرها ارتكزت على نشدان نظام المدينة الفاضلة.
أما أصحاب العقد الاجتماعي منهم الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز صاحب الكتاب المشهور (حرب الكل ضد الكل )الذي كان يرى أن الإنسان أناني بطبعه وان قانون الطبيعة هو القانون السائد أي أن طبيعة الإنسان تنطوي على الغدر والتربص لان الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وعليه فطبيعة الغاب طبيعة متأصلة فيه واجتماعية الإنسان في الأخير ماهية إلا حيلة من ذكاء الإنسان اهتدت إليها لتكوين المجتمع لذلك يستدعي على الحكام أن يكونو ذوو سلطات مطلقة لكي يجعلوا ا الناس يرهبونهم ويخشوهم .
أما جون جاك روسو فكان عكس هوبز حيث ردد أن حياة المجتمع ليست من فطرة الإنسان وإنما اهتدى إليها بحكم حاجته إلى الاستقرار لذلك فقد صور روسو الحياة الإنسانية الأولى على أنها حالة شقاء يسودها النزاع والصراع وعدم الاستقرار حيث يعتقد روسو أن الإنسان طيب بفطرته وهو مجبور على حب الخير ولهذا فقد عارض روسو لهذه النظرية الاتجاه العام السائد في فلسفة القرن 18.
ما يعاب على أصحاب نظرية العقد الاجتماعي كما بين علماء الاجتماع الحديث هو ان الاساس والقاعدة التي تسير عليها الكائنات .
أما مونتسكيو صاحب كتاب روح القوانين فهو يعتبر فتحا جديدا في دراسة الظواهر التشريعية ومعرفة أصولها التاريخية لان القوانين ضرورية وهي تستمد أساسا من طبيعة الناس ومن بيئاتهم الاجتماعية حيث وهي تستمد أساسا من حيث يعتبر كتاب هذا رد فعل عنيف على فلسفة هوبز المتشائمة .
الفصل الثالـــث :نشأة علم الاجتماع (الرواد و النظرية )
أولا : الرواد الأوائل :
أ-ابن خلدون : ( 1332_1406 )
مؤرخ و فيلسوف وعالم اجتماع ورجل دولة وسياسي عربي، درس المنطق والفلسفة
والفقه والتاريخ، عين واليا" (وزيرا") للكتابة ثم سفيرا" ثم رحل إلى مصر في مرحلة
ثالثة ودرس في الأزهر، وتولى قضاء المالكية فيه حتى توفي.وقام ابن خلدون بدراسة
تحليلية لتاريخ العرب والدول الإسلامية، وعرض محتويات الأحداث التاريخية على معيار
العقل حتى تسلم من الكذب والتزييف، فكان بذلك مجدداً في علم التاريخ.
عمل ابن خلدون دراسة تحليلية
و بخصوص المجتمع والعصبية والدولة, يقول ابن خلدون في الباب الثالث من مقدمته في
الفصل الرابع عشر بعنوان(فصل في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما الأشخاص) ويقول: ((
اعلم ان العمر للأشخاص على ما زعم الأطباء والمنجمون أربعون سنة. والدولة في الغالب
لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال. والجيل هو عمر شخص واحد من العمر المتوسط. فيكون أربعين
هو انتهاء النمو والنشوء إلى غايته))، ويقول ابن خلدون: وأنا عمر الدولة لا يعدو في
الغالب ثلاثة أجيال:لان الجيل الأول: لم يزل على خلق البداوة وخشونتها ووحشها من
شظف العيش والبسلة والافتراس والاشتراك في المجد، فلا تزال بذلك صورة العصبية
محفوظة فيهم. والجيل الثاني: تجول حلهم من البداوة إلى الحضارة، ومن الاشتراك في
المجد إلى انفراد الواحد به وكسل الباقين عن السعي فيه ومن عز الاستطالة الى ذل
الاستكانة، فتنكسر صورة العصبية بعض الشئ وتؤنس منهم المهانة والخضوع. وأما الجيل
الثالث: فينسون عهد البداوة وكأنها لم تكن ، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما فيهم
من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته بما تقننوه من النعيم وغضارة العيش ، وتسقط
العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة، فيحتاج صاحب الدولة حينئذ
إلى الاستظهار بسواهم من أهل الخبرة، ويستكثر بالموالي ويصطنع من يغنى عن الدولة
بعض الغناء، حتى يأذن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت..
يفترض ابن خلدون أن الاجتماع الإنساني ظاهرة طبيعية منتظمة،
لها أسسها و قوانينها، كما يقول بتغير هذه المجتمعات من حالة البداوة للحضر، وبهذا
يصنف المجتمعات الإنسانية على أساس التباين في العيش.
فالبداوة ترتبط بالاعتماد الكلي على الحيوان كمصدر أساسي للعيش، وبهذا النمط في العيش بناءا"
اجتماعي قبلي متنقل، وقيام قيم ومعايير سلوكية أساسها الصلات القرابية، وما تفرزه
من عصبية ترابطية. وثم تؤدي الحاجات إلى ضبط العلاقات داخل الجماعة ، وتؤدي الى
ظهور نوع من السلطة، تقوم شرعيتها على تقاليد وأعراف الجماعة ، وقد تمثلت هذه
السلطة في سلطة مجالس الكبار وظهور الرياسة ممثلة في شيخ القبيلة، ولا تكون السلطة
هنا إلا في إطار العصبية القرابية، ومع التطور دخلة الزراعة ، وبدأت أوجه
الاستقرار، وإمكانية الفائض في الإنتاج مما يفسح المجال لتقسيم العمل والتخصص
وتنجلي هذه التغيرات بوضوح بدخول الصنائع والتجارة ،الأمر الذي يترتب عليه تحول
المجتمع إلى مجتمع حضري ويترتب هذا بظهور الدولة.
ب- اوجست كومبت : ولد ( كونت ) بمدينة (مونبليه) الفرنسية لوالدين كاثوليكيين، التحق بمدرسة الفنون التطبيقية بباريس عام 1813م. وفي عام 1816م تزعم حركة عصيان قام بها الطلاب، فصل عقبها من المدرسة. واصل دراسته إلى أن عين معيدا في مدرسة الهندسة، ثم عمل سكرتيرا للكاتب الاشتراكي المعروف (سان سيمون).
وفي عام 1825م تزوج من كارولين ماسان ... بدا في عام 1826م إلقاء سلسلة من المحاضرات العامة في الفلسفة الوضعية، ثم أصيب بمرض عقلي جعله ينقطع عن مواصلة محاضراته، وأفضى به إلى محاولة الانتحار غرقا في نهر السين.
ثم عاد مابين 1830 – 1843م إلى إلقاء محاضراته التي كان قد انقطع عنها، وفيها قدم تصوراته للمعرفة والعلوم، وحاول من خلالها وضع أسس علمه الجديد الذي أطلق عليه في بادئ الأمر (الفيزياء الاجتماعية) ثم عاد تجنبا لتكرار هذا الاسم الذي سبقه إليه (كتيلييه) فوسم العلم الجديد باسم (علم الاجتماع).(1)
ويعد (كونت) ابن عصر التنوير، جرى على تقليد وتراث فلاسفة التقدم في أواخر القرن الثامن عشر، من أمثال تيرجو، وكوندرسيه، ولقد فزع كونت من الاضطرابات التي عانى منها النظام الاجتماعي، ومن ثم جد في طلب النظام والتضامن. ويهمنا هنا التنويه بأنه كان ليبراليا وتأثر بآدم سميث وكانط.(2)
وأما عن النسق المجتمعي العام، الذي عاش خلاله (كونت) وتحرك فيه، وجمع منه ملاحظاته، وكون توجهاته، فبالإمكان القول بأنه ولد في أوقات الثورة الفرنسية، وقبل التمهيد لدكتاتورية حكم الفرد، وأدرك سنوات الصبا والشباب في فترة نمت فيها الإمبراطورية الفرنسية 1804 – 1815م، وعاصر الأزمات التي واجهت هذه الإمبراطورية والتي انتهت بغزو فرنسا 1812 – 1814م وبين هذه السنوات عايش أيضا ما وصفه المؤرخون بالإرهاب الأبيض، بعد عودة الملك إلى باريس سنة 1815م، حيث قتل كثيرين من رجال الثورة القدامى ومن أنصار (بونابرت)، ولم تتردد وقتها حكومة الملك العائد في الانتقام من رجال العهد الماضي، خاصة أولئك الذين حنثوا في يمين الولاء للملك لويس الثامن عشر والذين انضموا إلى نابليون.
وفي وسط أمواج الإرهاب العاتية تم في أغسطس 1815م انتخاب المجلس الوطني الأول، الذي سمحت الظروف بدخول عدد كبير من مؤيدي الملكية العائدة إليه، وهم الذين عرفوا باسم الملكيين المتطرفين، وبلغوا في حماستهم للملكية حدا جعل الملك يطلق على مجلسهم اسم (المجلس المنقطع النظير) وما بين 1816 – 1818م كانت الساحة السياسية تجمع ثلاثة أحزاب أساسية: حزب اليمين ويضم الملكيين المتطرفين والذين رفعوا شعار (الحرب ضد الثورة)، وحزب الوسط من الملكيين المعتدلين الذين حاولوا التوفيق بين الملكية والثورة، وأخيرا حزب اليسار من الأحرار.
وكان أكثر هذه الأحزاب سطوة حزب اليمين الذي كان برنامج عمله يتوجه بقوة نحو إحياء النظام القديم، مع بعض التعديلات التي تتواءم مع مصالح النبلاء والأشراف. وكان من بين أساليب الحزب في تدعيم هذا التوجيه إعادة الكنيسة الكاثوليكية إلى سابق سطوتها، وعقد حلف وثيق بينها وبين الدولة، أتاح للكنيسة أن تستعيد أملاكها السابقة، وإشرافها على التعليم.
ومع كل هذا وإضافة إليه قدر (لكونت) أن يعايش ثورتي 1830،1848 وهما من الثورات الهامة في تاريخ
فرنسا الحديث، بغض النظر عن جوانب الإخفاق أو النجاح فيهما.
ت- ايميل دوركايم : موضوع علم الاجتماع عند دور كايم هو الوقائع الاجتماعية، الممثلة في رأيه بالنظم الاجتماعية، وليس الافراد أو ما يرتبط بهم من حوافز ودوافع.
ان منهج دور كايم مستند على الناحية الوظيفية التي تحافظ على النظام الاجتماعي واستقراره، هذا بالإضافة الى استخدام البحث الاجتماعي الإحصائي فيدراسته المتعمقة و الدقيقة عن الانتحار في مختلف فئات الشعوب. مؤكدا" ان الانتحار ظاهرة فردية ترجع الى الفروق الفردية للأفراد والتي تنجم عن القوى والخصائص الاجتماعية التي تؤثر على وعي السلوك وتصرفات وقيم مواقف الافراد. لذلك فان ظاهرة الانتحار بالرغم من انها فردية إلا انها مسألة اجتماعية تفسرها التصورات الجمعية
ان عوامل التغير الاجتماعي:كان دور كايم يعزو التطور الاجتماعي الى ثلاثة عوامل: كثافة السكان،وتطور وسائل المواصلات،والوعي
الاجتماعي. ويتميز كل مجتمع بالتضامن الاجتماعي. وقد كان التضامن في المجتمع
البدائي تضامنا" ((آليا")) اذ كان يقوم التضامن على روابط الدم، ويتميز هذا النوع
بأنه بسيط غير معقد التركيب، وغير مميز الوظائف، وكما ان الدين هو أقوى مظاهر
الحياة الجمعية في هذا الشكل من المجتمعات ويغلب على هذه المجتمعات سيادة العرف
والتقاليد والخضوع لسلطات العادات الاجتماعية ويسمي دور كايم هذه المجتمعات((
بالبدائية)). وأما المجتمع الحديث فالتضامن ((عضوي))،اذ يقوم على تقسيم العمل،أي
على التعاون الطبقي لكسب ضرورات الحياة،وتتصف هذه المجتمعات بأنها معقدة التكوين
حيث تتوزع فيها الوظائف والأعمال وتزيد درجات التخصص ويصبح الفرد أداة من أدوات
النتاج وعنصرا" من العناصر الاجتماعية ويغلب على هذه المجتمعات سلطة القانون
وهو عالم اجتماع وفيلسوف وضعي فرنسي
تلميذ لكونت، وكان أستاذا" في جامعة السوربون، وكان يعتقد انه يتعين على علم
الاجتماع ان يدرس المجتمع كنوع خاص من الواقع الروحي، وتختلف قوانينه عن قوانين علم
النفس الفردي.وعنده ان كل مجتمع يقوم على الأفكار الجماعية المتفق عليها اتفاقا"
مشتركا"،و يعتبر اميل دور كايم مؤسس علم الاجتماع الحديث والممهد لنقل النظرية
الاجتماعية الغربية من وضعية كونت الى أعتاب الوضعية.بذل اميل دور كايم جهدا"
لتحديد علم الاجتماع،والتأكيد على طابعه النوعي الذي يميزه من العلوم الطبيعية من جانب، وعن علم النفس من جانب آخر. وتحديد خصائص الظاهرة الاجتماعية بوصفها الموضوع الأساس للبحث الاجتماعي. ومن مؤلفاته الرئيسية: ((حول تقسيم العمل الاجتماعي1893))
، ((قواعد المنهج في علم الاجتماع 1895)) ، ((الاشكال الاولية للحياة الدينية
1912)).
ث- ماكس فيبر (1864 – 1920م ) : وُلد ماكس فيبر في الثاني والعشرين من شهر نيسان/ابريل عام 1864 في مدينة إيرفورت (ولاية تورينغن) وترعرع في عائلة محافظة. وبعد أن أنهى دراسته، التحق عالم المستقبل بجامعات عديدة في برلين وهايدلبرغ ودرس علوم الحقوق والفلسفة والتاريخ والاقتصاد القومي. وعند بلوغه سن الثلاثين دُعي فيبر للعمل كبروفسور في كلية الاقتصاد القومي في جامعة فرايبورغ (جنوب ألمانيا). وبعد ذلك، انتقل الى جامعة هايدلبرغ. ولكنه بعد انتقاله الى هذه الجامعة العريقة، أُصيب بمرض نفسي أجبره على مزاولة عمله على مدى سبع سنوات بشكل متقطع. وكان عام 1904 بمثابة ولادة جيدة لفيبر، فقد بدأ من جديد بنشر أعمال كان أهمية كبيرة في مجال علوم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد. وفي عام 1909 شارك فيبر في تأسيس الجمعية الألمانية لعلوم الاجتماع. ومن ثم بدأ فيبر عام 1913 بكتابة أحد أهم أعماله وهو "الاقتصاد والمجتمع" والذي نُشر لأول مرة عام 1922، أي بعد وفاته. وبدأت تظهر اهتمامات فيبر بالأمور السياسية الراهنة عام 1915. هذا ويُعتبر فيبر أحد المؤسسين للحزب الديمقراطي الألماني عام 1919. وفي نفس العام كتب عملين مهمين هما "العلم كمهنة" و" السياسة كمهنة".
صحيح أن رائد علم الاجتماع ألّف أعمالا كثيرة، ولكن أبرز هذه الأعمال وأكثرها تأثيرا في الفكر الاجتماعي كان كتاب "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" وبحسب المؤرخين، فإن هذا الكتاب كان قراءة لدور القيم الدينية في ظهور قيم وأخلاق العمل في المجتمعات الصناعية الجديدة التي كانت أساس ظهور النظام الرأسمالي. وتأتي أهمية دراسات وأطروحات فيبر من اهتمامه منقطع النظير بفلسفة العلوم الاجتماعية ومناهجها. وفي هذا الخصوص، استطاع العالم تطوير المفاهيم والجوانب التي أصبحت بعد وفاته من ركائز علم الاجتماع الحديث. ومن أهم المصطلحات التي أثرى بها علم الاجتماع وتعتبر جزءا مهما منه ومرجعا كبيرا للمهتمين بهذا العلم الإنساني هي "العقلانية" و"الكاريزما" و"الفهم" و"أخلاق العمل".
الفصل الرابــع : مجالات علم الاجتماع
أولا علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاخرى:
ا-علاقته بعلم الاقتصاد
:يعتبر الإنتاج والتوزيع في مقدمة اهتمامات علم الاقتصاد لذلك يصب اهتمامه على علاقات ومتغيرات اقتصادية خالصة كالعلاقة بين العرض والطلب وارتفاع الأسعار وهبوطها... الخ. ولكن بالرغم من تضييق مجال علم الاقتصاد إلاّ ان ذلك أعطاه قدرة على معالجة ظواهره بطريقة منظمة وحدد مصلحاته ومقاييسه ومبادئه الأساسية بدقة متناهية، بل ان قدرة هذا العلم على تحويل النظرية الاقتصادية إلى التطبيق العملي جعله مساهماً أساسيا في رسم السياسات العامة. وبالرغم من ذلك فان التشابه بين علمي الاقتصاد والاجتماع نجده في طابع التفكير، فالاقتصادي كالاجتماعي يهتم بالعلاقات بين الأجزاء والسيطرة والتبادل والمتغيرات، ويستعين بالطرق الرياضية في تحليل بياناته
.علاقته بعلم السياسة:
التكيف السياسي مع المجتمع هو صيرورة ترسيخ المعتقدات والمتمثلات المتعلقة بالسلطة وبمجموعات الانتماء. فليس هناك من مجتمع سياسي يكون قابلاً باستمرار للحياة من دون استبطان حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في آن واحد بشرعية الحكومة التي تحكم، وبصحة التماثل بين الإفراد والمجموعات المتضامنة. يهمُّ قليلاً أن تكون هذه المعتقدات ثابتة أو لا في حجتها، إذ يكفي إن تنتزع الانتماء(16).فدراسة التكيف السياسي مع المجتمع يجب ان يُنظر لها من مظهر مزدوج كيف يمكن بمساعدة تصورات ملائمة عرض هذه المعتقدات والمواقف والآراء المشتركة بين كل أعضاء المجموعة أو جزء منها؟ وكيف يمكن التعرف على صيرورات الترسيخ التي بفضلها يجري عمل التمثل والاستبطان؟
ومن هنا، نجد أن علم الاجتماع يهتم بدراسة كافة جوانب المجتمع بينما علم السياسة يكرس معظم اهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية. فالأول يولي اهتماماً كبيراً بالعلاقات المتبادلة بين مجموعة النظم (بما في ذلك الحكومة)، بينما الثاني يهتم بالعمليات الداخلية كالتي تحدث داخل الحكومة مثلاً، وقد عبَّر ليبست (lipset) عن ذلك بقوله: «يهتم علم السياسة بالإدارة العامة، أي كيفية جعل التنظيمات الحكومية فعالة،اما علم الاجتماع السياسي فيعنى البيروقراطية، وعلى الأخص مشكلاتها الداخلية». ومع ذلك فان علم الاجتماع السياسي يشترك مع علم السياسة في كثير من الموضوعات بل إن بعض العلماء السياسيين بدأوا يولون اهتماماً خاصاً بالدراسات السلوكية ويمزجون بين التحليل السياسي والتحليل السوسيولوجي(18
علاقته بعلم التاريخ
:إن تتبع التاريخ للأحداث التي وقعت، هو في حد ذاته ترتيب وتضيق للسلوك عبر الزمن. وبينما يولي المؤرخون اهتماماتهم نحو دراسة الماضي ويتجنبون البحث عن اكتشاف الأسباب (باستثناء فلاسفة التاريخ)، فان علماء الاجتماع يهتمون بالبحث عن العلاقات المتبادلة بين الاحداث التي وقعت وأسبابها. ويذهب علم الاجتماع بعيداً في دراسة ما هو حقيقي بالنسبة لتاريخ عدد كبير من الشعوب ولا يهتم بما هو حقيقي بالنسبة لشعب معين.والمؤرخون لا يهتمون كثيراً بالأحداث العادية التي تتخذ شكلاً نظامياً كالملكية او العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة كالعلاقة بين الرجل والمرأة مثلا، بينما هي محور إهتمامات علم الاجتماع. إلاّ ان هذه الاختلافات لم تمنع بعض المؤرخين أمثال روستو فتزيف (Rostovtzev) وكولتن (coulton) وبوركهارت (burkhardt) من ان يكتبوا تاريخاً اجتماعياً يعالج الأنماط الاجتماعية والسنن والأعراف والنظم الاجتماعية الهامة(19).ولقد كان ابن خلدون واضحاً في تعريفه لعلم التاريخ عندما ربط الحاضر والماضي بطبيعة «العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني» وجعل منه علماً «شريف الغاية، اذ هو يوقفنا على أحوال الماضيين من الامم في اخلاقهم»(20)
علاقته بعلم النفس
:يُعرَّف علم النفس بأنه علم دراسة العقل أو العمليات العقلية وبالتالي فهو يتناول قدرات العقل على إدراك الأحاسيس ومنحها معاني معينة ثم الاستجابة لهذه الأحاسيس العقلية كالإدراك والتعرف والتعلم.كما يهتم بدراسة المشاعر والعواطف والدوافع والحوافز ودورها في تحديد نمط الشخصية.وبينما يعد مفهوم «المجتمع» أو النسق الاجتماعي محور علماء الاجتماع فان مفهوم «الشخصية» محور علماء النفس الذين يعنون بالجوانب السيكولوجية أكثر من عنايتهم بالجوانب الفسيولوجية. وبهذا فان علم النفس يحاول تفسير السلوك كما يبتدي في شخصية الفرد من خلال وظائف أعضائه وجهازه النفسي وخبراته الشخصية. وعلى العكس يحاول علم الاجتماع فهم السلوك كما يبتدئ في المجتمع وكما يتحدد من خلال بعض العوامل مثل عدد السكان والثقافة والتنظيم الاجتماعي.ويلتقي علمي النفس والاجتماع في علم النفس الاجتماعي الذي يهتم من الوجهة السيكولوجية الخالصة بتناول الوسائل التي من خلالها تخضع الشخصية أو السلوك للخصائص الاجتماعية او الوضع الاجتماعي الذي يشغله. ومن الوجهة السوسيولوجي في توضيح مدى تأثير الخصائص السيكولوجية لكل فرد أو مجموعة معينة من الأفراد على طابع العملية الاجتماعية(21).ويؤكد هومانز (Homans) في كتابه عن السلوك الاجتماعي أهمية الدوافع النفسية المفروضة على الجماعات في تفسير بناء الجماعة، ويتضمن ذلك النشاط والتفاعل والمعايير والعواطف التي تنشأ عمّا هو اجتماعي. وهو بذلك يركز على أشكال السلوك الاجتماعي التي تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات
ثانيا :ميادين علم الاجتماع :
1-علم الاجتماع الديني: يتناول علم الاجتماع الديني بالتقصي والتحليل النظم والتيارات الدينية السائدة في المجتمعات الإنسانية على اختلاف العصور، واختلاف البيئة الاجتماعية لمجتمع ما في نمط معيشته أو في طبيعة العلاقات الاجتماعية فيه على السواء. ولأن علم الاجتماع الديني يرى في المجتمع العوامل التي تحدد شكل الأديان ووظائفها، لذا فإنه يعني تباين أثر العوامل الاجتماعية، وارتباطها مع الدين بصفته ظاهرةً لايخلو منها أي مجتمع.
2-علم الاجتماع الريفي: يهتم علماء الاجتماع الريفي بدراسة العلاقات الاجتماعية القائمة في الجماعة الإنسانية التي تعيش في بيئة ريفية ويدرسها من حيث طبيعتها إذ تواجه الجماعة الريف وجهاً لوجه. إنه يبحث في خصائص المجتمعات الريفية من حيث نمط المعيشة أو نظام الإنتاج السائد بوصفه أكثر بدائية، كما يعنى بتحليل العلاقات الاجتماعية الأولية، والرباط العائلي (رباط الدم أو الزواج الداخلي)، ويحدد السمات والمميزات التي تميز المجتمعات الريفية من المجتمعات الحضرية. إن هذه السمات كانت منطلقاً لعلماء الاجتماع في دراستهم حين حددوا موضوع علم الاجتماع الريفي، وأبرزوا الصفات المحلية لهذا المجتمع من عوامل وتفاعلات اجتماعية، ويتقبل بعضها التقدم ويرفضه بعضها الآخر ويعوقه. ومع أنه، من الناحية النظرية، يدرس أسس البنيان الاجتماعي الريفي، إلا أنه، من الناحية التطبيقية، يستخدم المعلومات التي جمعت عن السكان الريفيين لتحديد المشكلات التي تعوق نموهم وتقدمهم، لإيجاد الوسائل الكفيلة بحل مجمل المشكلات التي يعانون منها ولتحسين مستوى الحياة الاجتماعية الريفية، وأخيراً لرسم سياسة اجتماعية تعمل على رفع إسهام الريف بيئة وسكاناً في الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك
3-علم الاجتماعي السياسي: يهتم علم الاجتماع السياسي بأثر المتغيرات الاجتماعية في تكوين بنية السلطة السياسية وتطور أنظمة الحكم في المجتمع، فالنظم الاجتماعية من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي ليست إلا عوامل متغيرة (أو متحولات) أو عوامل مسببة، وما أمور السياسة وشؤونها غير عوامل تابعة، تتأثر بالعوامل الاجتماعية وتتغير بتغيرها. وعلى هذا فإن أي فهم دقيق للنظم والمؤسسات السياسية يتطلب تحليلاً لمرتكزاتها الاجتماعية ورصداً لعناصر التغير في المجتمع.
4-علم الاجتماع الصناعي: يعنى علم الاجتماع الصناعي بالبناء الاجتماعي للتنظيمات الصناعية من جهة وبالعلاقات والتفاعلات الحادثة بين هذه التنظيمات والبناء الاجتماعي الكلي من جهة أخرى، ويهتم علم الاجتماع الصناعي بكيفية ارتباط نسق اجتماعي فرعي، بالأنساق الفرعية الأخرى (أي النظم الاجتماعية الأخرى)، ويهتم علم الاجتماع الصناعي كذلك بالكيفية التي يبنى بها النسق الاجتماعي الفرعي، كما يهتم كذلك بالكيفية التي يصبح بها الأشخاص مناسبين للأدوار التي يقومون بها. ويشتمل النسق الاجتماعي في هذه الحالة على الأنساق الاجتماعية الفرعية، الأسرية والسياسية والدينية والتربوية والطبقية والقيمة وغيرها من الأنساق الفرعية الأخرى التي ترتبط بالنسق الاجتماعي الاقتصادي الصناعي الفرعي.
5-علم اجتماع العائلة: يتناول علم اجتماع العائلة بالدراسة والتحليل والتعليل خصائص الأسرة، والوظائف التي تؤديها والعوامل التي تتأثر بها وتؤثر فيها، كما يوجه عناية خاصة إلى الدور الذي تقوم به العائلة في تنظيم علاقات الأفراد في المحيط الأسري. ويبحث في النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تساعد على استمرار تركيب العائلة وتطورها.
6-علم الاجتماع القانوني: يعنى علم الاجتماع القانوني بدراسة القانون والنظم القانونية من جهة تركيبها الاجتماعي، ويهتم بوصف الكثير من الاتجاهات المعنية بالعلاقات الموجودة بين القانون نصاً والمجتمع حيويةً (التحرك الاجتماعي)، كما يصف الحياة القانونية والسياسية بغية فهم مضامينها الاجتماعية العلمية. وهو بالتعريف ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس الحقيقة الكلية للقانون مبتدئاً بأوجه التغير التي يمكن الإحساس بها وملاحظتها وتعرف مداها وآثارها المادية في السلوك الجسمي، ويرمي إلى تفسير هذا السلوك، وتلك المظاهر المادية للقانون تبعاً لما تنطوي عليه من معان خفية، بغية الكشف عن الحقيقة الكاملة للقانون في علاقته بالمتغيرات الاجتماعية التي تعمل على نحو ما في صيرورته وفي وجوده على هذا النمط. إلا أن علم الاجتماع القانوني يختلف في كثير من الحدود عن التحليل القانوني للمعايير والأعراف، وكذلك عن فقه القانون وفلسفته، وليس ثمة انسجام في أسلوب التفكير، أو في طريقة البحث، بين العلماء في ميدان فقه القانون وعلم الاجتماع، لأن القانون يمثل في نظر علماء الاجتماع ميداناً عملياً تطبيقياً، ولأن القانونيين يرون ميدان علم الاجتماع ميداناً نظرياً بحتاً. والحقيقة أن كلاً من الميدانين مرتبط بالآخر ارتباطاً وثيقاً وأن الواحد منهما مكمل للثاني، فيمكن تطبيق علم الاجتماع لدراسة النظام القانوني الذي يحفظ النظام العام في المجتمع، ويمكن أن يدرس رجل القانون - الذي يتجه وجهة اجتماعية - القوانين بوصفها ضابطاً اجتماعياً ذات ميزات خاصة في الدولة
7-علم اجتماع المعرفة: يبحث علم اجتماع المعرفة في صحة التراكيب الفكرية السائدة في المجتمع، مع اهتمام خاص بتفسيرها وربطها بالمعلومات التي توصل إليها علماء الاجتماع بطريق التجريب، وعلى أساس ربطها بالظروف والمتغيرات الاجتماعية
8-علم الاجتماع التربوي: يهتم هذا الميدان من علم الاجتماع ببحث الوسائل التربوية التي تؤدي إلى نمو أفضل للشخصية، لأن الأساس في هذا الميدان هو أن التربية عملية تنشئة اجتماعية. لذا فإن علم الاجتماع التربوي يبحث في وسائل تطبيع الأفراد بحضارة مجتمعهم. والتربية أساساً ظاهرة اجتماعية، يجب أن تدرس في ضوء تأثيرها في الظواهر الاجتماعية الأخرى من سياسية واقتصادية وبيئية وتشريعية، وتأثيرها في المتغيرات الاجتماعية الأخرى من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي. من هنا أكد الاجتماعيون ضرورة تحليل الدور الذي يقوم به النظام التربوي في علاقته بأجزاء البناء الاجتماعي الديموغرافية أو الاقتصادية أو السياسية، وعلاقته بمثالية المجتمع أو نظراته العامة والإيديولوجيات التي تفعل فيه
9-علم الاجتماع الحضري: يبحث علم الاجتماع الحضري تأثير حياة المدينة - الحضر - في أنماط السلوك والعلاقات والنظم الاجتماعية، فيدرسها ضمن إطار نشأتها، وطرق تفاعلها في الحياة المدنية، إنه يدرس الحياة المدنية من حيث هي ظاهرة اجتماعية ويتناول تكونها ونموها وتركيبها وجملة الوظائف التي تؤديها، ومنطلقه في ذلك هو أن ثمة عوامل تشترك وتتآلف ينتج عنها مجتمع مدينة على نحو متميز أو مألوف، فالمدينة لاتنشأ عفواً، بل لابد لذلك من عوامل طبيعية وجغرافية وسكانية واجتماعية وسياسية واقتصادية. ثم إن للعوامل الدينية والثقافية دوراً تقوم به في نشوء المدن ولاسيما في المجتمعات المتدنية والشرقية.
10-علم الاجتماع الجنائي: يتناول البحث، في علم الاجتماع الجنائي، أسباب الجريمة والانحراف والعوامل الاجتماعية الممهدة لكليهما، كما يدرس نسبة تواتر الجريمة وتعدد أساليبها وأشكالها، ويربط ذلك باختلاف المجتمعات وتباين النظم وباختلاف أحوال الأفراد المعيشية، وجملة العوامل والظروف الموضوعية والنفسية للموقف أو الحالة، أي الظروف التي تمهد للجريمة على هذا النحو أو ذاك، كما يرجع إلى نمط التفاعلات في البيئة الاجتماعية. وباستخدام لغة البحث العلمي يمكن القول: إن جملة هذه الظروف هي متغيرات تعمل على تفسير أشكال الجريمة ودوافعها
11-علم الاجتماع البدوي: يدرس هذا الفرع من فروع علم الاجتماع النظم الاجتماعية السائدة في المجتمعات البدوية أو المجتمعات التي تعيش على الرعي والانتقال وراء الكلأ. ويعد ابن خلدون أول باحث في علم الاجتماع البدوي إذ يتحدث في مقدمته عن «العمران البدوي والأمم الوحشية» فيصف حياة البدو بما فيها من خشونة العيش، والاقتصار على الضروريات في معيشتهم، وعجزهم عن تحصيل الضروريات... وفي جملة ما يقوله: «وقد ذكرنا أن البدو هم المقتصرون على الضروري في أحوالهم، العاجزون عما فوقه وأن أهل البدو وإن كانوا مقبلين على الدنيا غلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف ولا في شيء من أسباب الشهوات واللذات ودواعيها... وإن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر
».12-وهناك ميادين وفروع أخرى ...
الخاتمــــــــــــــة إن علم الاجتماع اليوم له أهمية بالغة في الحياة اليومية والمعرفية, لذلك يشهد هذا العلم تعددا كبيرا في فروعه وميادين دراسته وذلك لتعقد الحياة ونتيجة التقدم الهائل الذي تشهده البشرية, في شتى العلوم وكذا الانفجار الهائل في المعلومات و التقدم التكنولوجي للإنسان المعاصر ؛ أما بالنسبة لنا كعرب ومسلمين فبدأنا نسمع عن فكرة "نحو علم اجتماع عربي "أو إسلامي ,لان الإسلام يرى أن الظواهر الاجتماعية لها تأصيل رباني وروحي وكذا أن الإنسان لا يستطيع العيش دون دينه وواجبه الإسلامي , يقول تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وحده لا شريك له بذالك أمرت وانا أول المسلمين }. فبالنسبة للظاهرة الاجتماعية عند الغرب, فان علم الاجتماع عاجز عن إيجاد الحلول لها لتعقدها وتغيرها الدائم, لذلك لا نجد نظرية عامة ومحددة تحكمها ؛أما الإسلام فنجده دائم الاستجابة والقدرة على التكيف في مختلف العصور وعبر مختلف الزمان والمكان, ان الإسلام لا يعترف بالحدود والزمان والمكان فهو دوما قادر على حل المشكلات والمعضلات التي تشهدها البشرية .
• المصادر والمراجع :
1- د.السيد محمد بدوي :مبادئ علم الاجتماع ,دار المعارف ,الطبعة الثانية,مصر ,1976 .
2- د.احمد الخشاب : دار النهظة العربية , الطبعة الاولى , بيروت , 1981 .
3- علي عبد الواحد وافي، عبد الرحمن ابن خلدون، بيروت: سلسلة أعلام العرب، العدد 54؛ وزارة الثقافة، القاهرة .
4- مصطفى الخشاب، علم الاجتماع ومدارسه، مكتبة الأنجلوا المصرية، 1977،
5- محمد عاطف غيث، علم الاجتماع، -ط – النظرية والمنهج والموضوع، دار القاهرة .
6- أحمد أبوزيد، البناء الاجتماعي، مدخل لدراسة المجتمع، المفهومات الهيئة المصرية العامة، للتـأليف والنشر، 1970م،
لايحزنك انك فشلت ما دمت تحاول الوقوف على قدميك من جديد
.المهنية سلاحنا الفعال!
لا يمكن أن نواجه هذا العالم الذكي بالهبل والدجل والكسل والشلل!
http://www.4shbab.net/vb/imgcache/21993.png
ريحانة39
2010-11-29, 17:08
مشكور اخي وجزاك الله كل خييييييييييييير
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir