مروة الرحمانية
2010-11-13, 21:32
أم معبد الخزاعية ووصف النبي صلى الله عليه وسلم
"أم معبد الخزاعية"، صحابية جليلة، لم تكن من النساء ذوات الشهرة في الجاهلية، بل كانت امرأة بدوية لا تتعدى شهرتها خيمتها أو أهلها، وقد هبطت عليها البركة عند نزول النبي- صلى الله عليه وسلم- ضيفًا عليها عند هجرته إلى المدينة حتى غدت بذلك إحدى النساء الخالدات في الإسلام.
اسمها "عاتكة بنت خالد بن منقذ" أخت "حبيش بن خالد الخزاعي الكعبي" الصحابي، وهو صاحب حديث "أم معبد الخزاعية"- رضي الله عنها- وإليك قصة "أم معبد الخزاعية"- رضي الله عنها- كما هي في الطبقات الكبرى لابن سعد:
عن "أبي معبد الخزاعي"- رضي الله عنه- أن رسول- صلى الله عليه وسلم- لما هاجر من مكة إلى المدينة هو و"أبو بكر" و"عامر بن فهيرة"- مولى أبي بكر- ودليلهم "عبدالله بن أريقط الليثي"، فمرُّوا بخيمتَي" أم معبد الخزاعية".. كانت امرأةً جلدةً (أي تصبر على المكروه) برزةً (أي تجالس الناس) تحتبي وتقعد بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرًا أو لحمًا يشترون، فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وإذا القوم مرمِلون (أي نفد زادهم) مسْنِتون (أي أصابهم الجدب)، فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزَكم القرى (أعوزكم من العوز وهو الحاجة، والقرى ما يقدم للضيف)، فنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى شاةٍ في كسر الخيمة (ركن الخيمة)، فقال: ما هذه الشاة يا "أم معبد"؟ قالت: هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم (كناية عن ضعفها وهزالها)، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبًا!!
فدعا رسول- الله صلى الله عليه وسلم- بالشاة فمسح ضرعها، وذكر اسم الله، وقال: "اللهم بارك لها في شاتها"، قال: فتفاجت (أي تباعد ما بين قدميها، كنايةً عن استجابتها للحلب) ودرت واجترت (أي جرى لبنها وتدفق)، فدعا بإناء لها يُربِضُ الرهطَ (أي يرويهم حتى يُثقلهم)، وحلب فيه ثجًّا حتى علبه الثُّمال (أي كثرت رغوته) فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آخرهم، فشربوا جميعاً عَللاً بعد نَهل (أي شربوا مرةً ثانية بعد المرة الأولى) حتى أراضوا (أي ارتووا وشبعوا)، ثم حلب فيه ثانيًا عودًا على بدء، فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها.
"أم معبد" تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقلما لبثت أن جاء زوجها "أبو معبد" يسوق أعنُزًا حِيلاً عِجافًا هَزلَى (يعني قطيع هزيل ضعيف) ما تُساوَق (أي لا نصيب لها في السوق، أو أنها لا تتابع في المسير لهزالها وضعفها)، مخهنَّ قليل لا نِقْي بهن (النِّقي هو مخ العظم)، فلما رأى اللبن عجب، وقال: من أين لكم هذا والشاة عازبة، ولا حلوبة في البيت؟! قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، كان من حديثه كيت وكيت..
قال: والله إني لأراه صاحب قريش الذي يُطلَب.. صِفيه لي يا "أم معبد"، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءَة، متبلِّج الوجْه (أي مشرق الوجه)، حسن الخلق، لم تعبه ثلْجة (أي ليس به بياض شديد يعيبه)، ولم تزَر به صلعة، وسيم قسيم (له حظ ونصيب)، في عينيه دعج (أي شديد سوادها وبياضها)، وفي أشفاره وطف (كثير شعر الحاجبين)، وفي صوته صحل (أي بُحَّة)، أحور (شديد بياض العين وسوادها)، أكحل، أزج (دقيق الحاجب متقوسه)، أقرن (أي التقى طرفا حاجبيه)، شديد سواد الشعر، في عنقه سطع (أي بريق وارتفاع)، وفي لحيته كثافة، إذا صمت فعليه الوقار، إذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هزر (أي ليس كلامه بالحقير التافه ولا بالأحمق)، أجهر الناس، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة (وسيط القامة)، لا تشنؤه من طول (أي لا تبغضه)، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفُون به (أي يلتفون حوله)، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود (مُجتَهَد في خدمته، لا عابث ولا منفد (كناية عن أنه ذو بال).
قال: هذا والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكر، ولو كنت وافقتُه يا "أم معبد" للتمَّستُ أن أصحَبَه، لأفعلنَّ إن وجدتُ إلى ذلك سبيلاً، وأصبح صوتٌ بمكة عاليًا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقول، وهو يقول:
جزى اللهُ ربُ الناسِ خيرَ جزائِـه رفيقَين حلاَّ خيمتَي أم معبــدِ
هما نزلا بالـبرِّ وارتـحــــلا بــه فأفلحَ من أمسَى رفيقَ محمــدِ
فيا لـ"قصي" ما زوى اللـهُ عنكـم به من الأفعال لا يجازَى وسؤددِ
سلوا أختـَكم عن شاتِها وإنائـِها فإنكم إن تسألوا الشاة تشـهـدِ
دعـاها بشـاةٍ حـائلٍ فتحلـَّبت لـه بصريحِ ضـرةِ الشاةِ مزبـدِ
فغـادرَه رهنـًا لـديْها لحالـبٍ تـدرُّ بهـا في مصدرٍ ثم مـوردِ
ولقد لامست نسمات الإيمان قلب "أم معبد" منذ اللحظات الأولى التي سمعت وشاهدت فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- بدليل أنها حين مر بها فتيان قريش وسألوها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكانوا يلاحقونه أشفَقَت عليه منهم، فتعاجَمت عليهم، وقالت لهم: "إنكم تسألون عن شيء ما سمعت به قبل عامي هذا".
"أم معبد الخزاعية"، صحابية جليلة، لم تكن من النساء ذوات الشهرة في الجاهلية، بل كانت امرأة بدوية لا تتعدى شهرتها خيمتها أو أهلها، وقد هبطت عليها البركة عند نزول النبي- صلى الله عليه وسلم- ضيفًا عليها عند هجرته إلى المدينة حتى غدت بذلك إحدى النساء الخالدات في الإسلام.
اسمها "عاتكة بنت خالد بن منقذ" أخت "حبيش بن خالد الخزاعي الكعبي" الصحابي، وهو صاحب حديث "أم معبد الخزاعية"- رضي الله عنها- وإليك قصة "أم معبد الخزاعية"- رضي الله عنها- كما هي في الطبقات الكبرى لابن سعد:
عن "أبي معبد الخزاعي"- رضي الله عنه- أن رسول- صلى الله عليه وسلم- لما هاجر من مكة إلى المدينة هو و"أبو بكر" و"عامر بن فهيرة"- مولى أبي بكر- ودليلهم "عبدالله بن أريقط الليثي"، فمرُّوا بخيمتَي" أم معبد الخزاعية".. كانت امرأةً جلدةً (أي تصبر على المكروه) برزةً (أي تجالس الناس) تحتبي وتقعد بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرًا أو لحمًا يشترون، فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وإذا القوم مرمِلون (أي نفد زادهم) مسْنِتون (أي أصابهم الجدب)، فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزَكم القرى (أعوزكم من العوز وهو الحاجة، والقرى ما يقدم للضيف)، فنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى شاةٍ في كسر الخيمة (ركن الخيمة)، فقال: ما هذه الشاة يا "أم معبد"؟ قالت: هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم (كناية عن ضعفها وهزالها)، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبًا!!
فدعا رسول- الله صلى الله عليه وسلم- بالشاة فمسح ضرعها، وذكر اسم الله، وقال: "اللهم بارك لها في شاتها"، قال: فتفاجت (أي تباعد ما بين قدميها، كنايةً عن استجابتها للحلب) ودرت واجترت (أي جرى لبنها وتدفق)، فدعا بإناء لها يُربِضُ الرهطَ (أي يرويهم حتى يُثقلهم)، وحلب فيه ثجًّا حتى علبه الثُّمال (أي كثرت رغوته) فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آخرهم، فشربوا جميعاً عَللاً بعد نَهل (أي شربوا مرةً ثانية بعد المرة الأولى) حتى أراضوا (أي ارتووا وشبعوا)، ثم حلب فيه ثانيًا عودًا على بدء، فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها.
"أم معبد" تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقلما لبثت أن جاء زوجها "أبو معبد" يسوق أعنُزًا حِيلاً عِجافًا هَزلَى (يعني قطيع هزيل ضعيف) ما تُساوَق (أي لا نصيب لها في السوق، أو أنها لا تتابع في المسير لهزالها وضعفها)، مخهنَّ قليل لا نِقْي بهن (النِّقي هو مخ العظم)، فلما رأى اللبن عجب، وقال: من أين لكم هذا والشاة عازبة، ولا حلوبة في البيت؟! قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، كان من حديثه كيت وكيت..
قال: والله إني لأراه صاحب قريش الذي يُطلَب.. صِفيه لي يا "أم معبد"، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءَة، متبلِّج الوجْه (أي مشرق الوجه)، حسن الخلق، لم تعبه ثلْجة (أي ليس به بياض شديد يعيبه)، ولم تزَر به صلعة، وسيم قسيم (له حظ ونصيب)، في عينيه دعج (أي شديد سوادها وبياضها)، وفي أشفاره وطف (كثير شعر الحاجبين)، وفي صوته صحل (أي بُحَّة)، أحور (شديد بياض العين وسوادها)، أكحل، أزج (دقيق الحاجب متقوسه)، أقرن (أي التقى طرفا حاجبيه)، شديد سواد الشعر، في عنقه سطع (أي بريق وارتفاع)، وفي لحيته كثافة، إذا صمت فعليه الوقار، إذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هزر (أي ليس كلامه بالحقير التافه ولا بالأحمق)، أجهر الناس، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة (وسيط القامة)، لا تشنؤه من طول (أي لا تبغضه)، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفُون به (أي يلتفون حوله)، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود (مُجتَهَد في خدمته، لا عابث ولا منفد (كناية عن أنه ذو بال).
قال: هذا والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكر، ولو كنت وافقتُه يا "أم معبد" للتمَّستُ أن أصحَبَه، لأفعلنَّ إن وجدتُ إلى ذلك سبيلاً، وأصبح صوتٌ بمكة عاليًا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقول، وهو يقول:
جزى اللهُ ربُ الناسِ خيرَ جزائِـه رفيقَين حلاَّ خيمتَي أم معبــدِ
هما نزلا بالـبرِّ وارتـحــــلا بــه فأفلحَ من أمسَى رفيقَ محمــدِ
فيا لـ"قصي" ما زوى اللـهُ عنكـم به من الأفعال لا يجازَى وسؤددِ
سلوا أختـَكم عن شاتِها وإنائـِها فإنكم إن تسألوا الشاة تشـهـدِ
دعـاها بشـاةٍ حـائلٍ فتحلـَّبت لـه بصريحِ ضـرةِ الشاةِ مزبـدِ
فغـادرَه رهنـًا لـديْها لحالـبٍ تـدرُّ بهـا في مصدرٍ ثم مـوردِ
ولقد لامست نسمات الإيمان قلب "أم معبد" منذ اللحظات الأولى التي سمعت وشاهدت فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- بدليل أنها حين مر بها فتيان قريش وسألوها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكانوا يلاحقونه أشفَقَت عليه منهم، فتعاجَمت عليهم، وقالت لهم: "إنكم تسألون عن شيء ما سمعت به قبل عامي هذا".