essarab
2010-11-08, 17:49
الجذور السحرية للتنمية البشرية
لا توجد عقيدة سليمة من تلبيس إبليس ولوثة الوثنية والشرك كعقيدة الدين الإسلامي، رغم محاولة بعض الفرق الباطنية والمذاهب الضالة تحريف العقيدة الصحيحة ومزج أفكارها المستوحاة من ديانات وثنية إلى لب العقيدة المطهرة. ولكن بفضل الله وبفضل رجال سخرهم الله لخدمة هذا الدين القويم، بقيت مصانة من كل محاولات التحريف والتزييف، مصانة من كل الأفكار الدخيلة، والإسلام يعتبر الدين الوحيد الذي شجع على طلب العلم والمعرفة وترك الباب مفتوحا أمام كل اجتهاد نزيه، وهادف إلى إسعاد العباد وكشف الحقيقية الكونية أمام كل فكرة لا تتنافى مع الشرع والعقل والمنطق كيفما كانت وأينما كانت، وبين الدين الإسلامي أن الإنسان مطالب بأن يعبد الله وحده، وأن لا يشرك به شيئا، وأوجب عليه الإعراض عن كل الأسباب المحكومة بضعف الأدلة الصحيحة.
فالمؤمن بالله مطالب بأن يتعلم، ويبحث، وفقا لما أرشده خالقه، وفي ذلك بيَّنَ له السبيل الذي إذا أتبعه نال خير الحياة الدنيا، ونال رضا ربه في الآخرة، وحذره أيضا من إتباع خطوات الشياطين التي هي اليوم عبارة عن مذاهب دينية وأفكار فلسفية تحمل عناوين كثيرة، لا تفرق بين معرفة تقوم على إدراك حقيقة الذات الإلهية لوجودها في جوهرها، ولكل ما هو أرفع وأعظم، وبين معرفة تقوم على فناء الإنسان في خدمة الأرواح الشريرة. إن الفرق بين طلب المعرفة الأولى، وطلب المعرفة الثانية، كالفرق بين حق وباطل، وبين زائد وناقص، وبين شك ويقين، وكل ما هنالك، أن هذه الفرضيات ونظائرها من الفلسفات الدينية، والتقنيات الجديدة بطقوسها ورموزها لا تقوم على حقيقة من الحقائق، ولا تعالج قضية من القضايا، وإنما هي عبارة عن اتحاد وفناء في دين الشيطان .
ولا يوجد دين من الأديان على وجه الأرض، سواء كان كتابيا أو وثنيا، حث الإنسان على طلب العلم والمعرفة، والتقيد بأسبابهما، كالدين الإسلامي، والشواهد في القرآن كثيرة، حيث علَّمَ الإنسان من أن القلوب الحية بالعلم تهتدي إلى معرفة خالقها، وخالق الكون وما فيه، وأما القلوب الضالة، فإنه لا يهديها علم ولا معرفة، بل باسم العلم يضلون الناس، ويزدادون ضلالا وبعدا عن الحقيقة، إذ يقول في شأنهم عز وجل:
يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون . المائدة 103
فالعلم غذاء النفوس، وجلاء الأبصار، ونور العقول، وطريق يوصل صاحبه إلى نيل السعادة النفسية، وبنوره يكون الإنسان أنفذ بصرا وبصيرة، يرى ما لا يراه الآخرون في ظلمة قاتمة... وبه يهتدي الإنسان إلى معرفة الحقيقة من خلقه ووجوده، ضمن النظام الكوني. كل ذلك لن يتأتى إلا باستنباط المعارف العلمية المختلفة، وخوض التجارب ومقارنة المعقول بالمعقول. ومنذ أن ظهر الإسلام وهو يصيح بأشياعه أنبذوا الجهل ولا تأخذكم بالجهلاء رحمة.
وبما أن الغرب عموما لم تكن له تقاليد دينية راسخة، يتقيد بتعاليمها، على اعتبار أن حضارته قامت منذ بواكير العصور، على مبادئ سقيمة، وعلى وازع ديني مفقود، فإنها ركبت كل طريق محظور في عرف البديهة والمنطق، وشجعت الانحلال الخلقي، وفتحت أمامه جميع الأبواب، بل ساعدت أصحابه بالدعاية والمال والرعاية، وآوت كل منحرف عن عقيدة ودين، واختلقت الحيل لاقتناص الناس، بمغالطات الألفاظ البراقة وألاعيب الحذيقة والتمويه عن كل ما هو حقيقة.
وما برع فيه علماء الغرب في جوانب علمية عديدة، وما صاحب ذلك من اكتشافات وصناعات كانت نتيجة اختلاسهم لمكتشفات سبقهم إليها علماء الشرق، سواء كان ذلك في النظريات أو الفرضيات المختلفة أو في الفلسفات و المناهج الفكرية أو الأعمال المجربة، فرهبان الهنود هم أول من صدر لهم تلك الديانات المحرفة والسحر والشعوذة، بكل أنواعها وألوانها، ما ظهر منها وما بطن، كما صدروا لهم عقائد التضليل، وكل فكرة تمجد الشيطان، وعلى هذا الأساس بنيت عقائد الغرب، فأباحوا لأنفسهم ما تشمئز منه الفرائس، وما ترفضه غرائز الحيوان، فضلا عن ما ترفضه فطرة الإنسان، ويرفضه أي عقل سليم، ولم تكن الديانة المسيحية التي دانت بها الشعوب النصرانية، سليمة من الأفكار الهندوسية والبوذية، بقدر ما قامت حضارة الغرب منذ أوائل عصورها على أفكار فلسفية مستلهمة من تلك الديانات الوثنية.
ولعل هذه الطوائف والجمعيات الروحية التي تعج بها ساحات الغرب اليوم، تعد امتدادا لتلك المذاهب التي دان بها الإنسان المجوسي والبوذي والهندوسي والطاوي، وجذورها تمتد إلى عمق هذه المذاهب والديانات الوثنية.
وبما أن الغرب أصبح اليوم شمعة يهتدي بها كل إنسان في مسائل العلم والمعرفة والمناهج الفكرية المختلفة، أشكل على أمر المسلم، وصار يتقبل كل الأفكار الوافدة من عنده، غثها وسمينها، ولا يستطيع التمييز بين ما يتعارض مع روح عقيدة دينه، وبين عقائد دخيلة، تدعو صراحة إلى عبادة الشيطان وتقديسه، فتقبلتها فئات ساذجة بشغف، وسارع بعضها إلى نشرها في أوساط المجتمع الإسلامي من دون التأكد من صحة ما يدعون إليه، ومن ثم جلبوا لمجتمعهم الذي عاش على فطرة صحيحة وعقيدة نظيفة كل أسباب الانحلال والانحراف والفساد الروحي.
والعيب لا يعود إلى هؤلاء الذين ذهبوا من بلدانهم بأفكار سليمة ثم عادوا إلى أوطانهم وديارهم يحملون أفكارا أخرى تتناقض مع مبادئ مجتمعاتهم الأصيلة أو الذين غيرت عقولهم برامج القنوات الفضائية الهادفة إلى عولمة العقول والأفكار، والجمعيات التي تعمل تحت شعارات خيرية وعلمية وتحمل أسماء مختلفة، بقدر ما يوجه اللوم إلى علماء الدين تحديدا، الذين أهملوا جانبا مهما من الاهتمام بحياة الناس، والدور الذي كان يجب أن يقوموا به في الإرشاد والتوعية لدحض هذه الأفكار الوافدة وتجلية أمرها، وكشف مكائدها، وأبعادها السياسية والدينية، وتحديد ماهية علوم مشكوك في صحتها، وتوضيح موقف الدين من نظريات مبنية على الظن والأوهام والخرافات، ولا تمت بصلة إلى برهان صحيح.
ويبدو حسب رأينا أن معظم العلوم الغربية المتعلقة بالعقل والنفس والروح، لا تعتمد على معايير يمكن قياس صلاحها من عدمها، وبالتالي هذه الأفكار معظمها مبني على التحايل، وأساليب الخداع، ولا تلتقي مع أي مبدإ من المبادئ الصحيحة، فيتوهم القارئ وهو يتصفح إحدى تلك النظريات، أنها لازمة لصياغة كيانات الجمعيات البشرية، والتعظيم من شأنها، وتقدير عمل أصحابها.
لا ندعي أن كل ما هو آت من الغرب، لا يتلاءم مع معتقدات وتقاليد المجتمع الإسلامي الأصيل، وبالتالي يرفض جملة، بل إن الغرب تقدم في الجانب الصناعي حتى أنه استطاع أن يخرج إلى الفضاء الخارجي للأرض، ويرسل مركبات استكشافية إلى بعض الكواكب في المنظومة الشمسية، وهو يسعى اليوم إلى إنشاء مستعمرات بشرية في الفضاء، وتأخر في الجانب الروحي حتى عاد بالناس إلى عهد هابيل وقابيل. ولا مرية إذا قلنا أن السياسات الغربية منذ نشأة دولها يسيطر عليها علماء اللاهوت، وهي تعمل اليوم على فكرة عودة الناس إلى عهود الوثنية الأولى، إلى عهود تعانق فيها المجاز بالحقيقة، والواقع بالخيال، والشك باليقين، والشعوذة بالمعارف، إلى عهود تشابك فيها الخير بالشر، بل إنهم يتطلعون إلى زمن يستسلم فيه الخير إلى الشر إلى عالم المثليين.
إن التحذير من هذه العلوم التي تسمى نفسية وروحية وعقلية واجب ديني، لأنها مستعارة من أفكار قوى روحانية خفية، هدفها الوحيد تضليل الإنسان وإبعاده عن كل عقيدة صحيحة يستقيم عليها حال الإنسان. فنظريات فرويد وداروين تعتبر من أشد النظريات عداوة للمنطق والعقل والدين، ويشتركان في تمثيل مسرحية مضحكة، وادعى منظروها أنهم لا يضحكون، كأنهم يعتبرون ذلك عملا جادا فيما يعملون، ومع ذلك تحظى بقبول حسن، لأنها ببساطة نظريات تطعن في صميم العقائد الدينية. ورغم أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت عدم صحتها، فضلا عن أنها تتعارض مع بديهيات الناس، والأخلاق والعرف الذي استقر عليه أمر المجتمعات الإنسانية، إلا أنها ستبقى من النظريات المرجعية المعتمدة في الدراسات الغربية لأنها ببساطة تطعن في صميم العقيدة الإلهية.
والذي أردنا أن نسلط عليه الضوء بشكل مستفيض، بعد هذه المقدمة، هو ما يتعلق بانتشار ظاهرة جديدة خطيرة على العقل والإنسان في السنوات الأخيرة، تسمى بـ " البرمجة اللغوية العصبية (n l p ) "، وفور الترويج لها عبر شاشات بعض القنوات الفضائية، أنبهر لها الناس، وصارت موضع إعجاب لكل من مارسها، وسارعوا لاعتناق أفكارها، ظنا منهم أنها إحدى معجزات العصر، والترجمة الوحيدة لفك شفيرة الأمراض الجسمانية والنفسانية، هذا بالإضافة إلى أنهم اعتقدوا أنها أداة علمية جديدة، تحمل مدلولات كثيرة تعود ممارستها وتطبيقاتها بفوائد معتبرة لصالح البشر، وستكون لها مسافة متساوية مع جميع حالات الناس المختلفة في العلاج. كل ذلك من أجل أن يتفاعل الناس مع أطروحاتها واجتناب إذاعة كل تلك الأسرار الخفية التي سردها علماؤها في اعترافاتهم، وبما أن فكرة البرمجة هي آخذة في الانتشار، أصبح الناس يختلفون إلى مقراتها، وعيادتها كثيرا، ويروجون من دون التأكد من صحة ما يروجون له، أو معرفة سر هذا العمل، وموقف الدين منه قبل الترغيب فيها.
وقد تقبلها هؤلاء بسهولة كما تقبلوا نظرية داروين القائلة بأن الإنسان أنحدر من أصل قرد، رغم أن كتابهم المنزل من قبل الخالق بين لهم الحقيقة كاملة، من أن آدم هو المخلوق الأول الذي انحدرت منه سلالة البشر. لقد صور دعاة البرمجة اللغوية على أنها تقنية تحمل مفتاحا سحريا لحل مختلف مشاكل الناس، وأنها العلاج المخلص من جميع الأمراض المزمنة، والآلية الجيدة لتحقيق أحلامهم وآمالهم في الشفاء والتخلص من معاناة الظروف الاجتماعية القاسية، وهي كذلك الطريقة الناجعة لتغيير العادات السلبية وبرمجة العقل حسب كل طلب، ورغبوا الناس عبر كل وسائل الدعاية، بأن الإنسان اليوم في حاجة ماسة إلى العلم الجديد، ووجوب الأخذ بأسبابه، بحيث أصبح ضرورة حتمية. وأوهموهم بأن العمل الدؤوب والإصرار على تحقيق المرغوب وغيره، لا يعد كافيا لأسباب النجاح ما لم تتوفر آلية مؤثرة كالبرمجة اللغوية العصبيةn l p) ) ".
وزعم هؤلاء، أصحاب التقنية الجديدة أنها أفضل تقنية أكتشفها العلم الحديث مقارنة بالوسائل والتقنيات الطبية التقليدية الأخرى، باعتبارها تتعامل مباشرة مع الجهاز العصبي الذي يتحكم في وظائف كثيرة وتفكيك شفراته، وباستخدامها حسب المعايير اللازمة يقوم الجسم بأداء حسن وفعالية مطلوبة، وكل ذلك يتم من خلال التأثير على حواسه وأجهزة التحكم العصبي، وبفضلها أيضا يمكن السيطرة على سلوكه وتصرفاته وطرق تفكيره والتعامل معها بفعالية وإيجابية، وبفضلها يتم معرفة الأسرار الكامنة في النفس وإيقاظ الطاقات النائمة فيه ومخاطبة العقل الباطن وفقا لآلية معينة، بغية تكييف سلوكه وحواسه وتفكيره حسب ما تقتضيه الضرورة.
هذه النتائج التي تعتبر في نظر هؤلاء إيجابية تحصل عند التوصل إلى برمجة دماغه وشعوره وحواسه وتصوراته وتجاربه بعد مسح الذاكرة من العادات السيئة والتقاليد البالية والمعتقدات الفاسدة، وذلك حسبما تقتضيه متطلبات عوامل الجودة، وعلى هذا الأساس سميت بلغة البرمجة اللغوية العصبية.
( neuro linguistic programming ـ n l p )
.........................................تابع الموضوع ..............................
لا توجد عقيدة سليمة من تلبيس إبليس ولوثة الوثنية والشرك كعقيدة الدين الإسلامي، رغم محاولة بعض الفرق الباطنية والمذاهب الضالة تحريف العقيدة الصحيحة ومزج أفكارها المستوحاة من ديانات وثنية إلى لب العقيدة المطهرة. ولكن بفضل الله وبفضل رجال سخرهم الله لخدمة هذا الدين القويم، بقيت مصانة من كل محاولات التحريف والتزييف، مصانة من كل الأفكار الدخيلة، والإسلام يعتبر الدين الوحيد الذي شجع على طلب العلم والمعرفة وترك الباب مفتوحا أمام كل اجتهاد نزيه، وهادف إلى إسعاد العباد وكشف الحقيقية الكونية أمام كل فكرة لا تتنافى مع الشرع والعقل والمنطق كيفما كانت وأينما كانت، وبين الدين الإسلامي أن الإنسان مطالب بأن يعبد الله وحده، وأن لا يشرك به شيئا، وأوجب عليه الإعراض عن كل الأسباب المحكومة بضعف الأدلة الصحيحة.
فالمؤمن بالله مطالب بأن يتعلم، ويبحث، وفقا لما أرشده خالقه، وفي ذلك بيَّنَ له السبيل الذي إذا أتبعه نال خير الحياة الدنيا، ونال رضا ربه في الآخرة، وحذره أيضا من إتباع خطوات الشياطين التي هي اليوم عبارة عن مذاهب دينية وأفكار فلسفية تحمل عناوين كثيرة، لا تفرق بين معرفة تقوم على إدراك حقيقة الذات الإلهية لوجودها في جوهرها، ولكل ما هو أرفع وأعظم، وبين معرفة تقوم على فناء الإنسان في خدمة الأرواح الشريرة. إن الفرق بين طلب المعرفة الأولى، وطلب المعرفة الثانية، كالفرق بين حق وباطل، وبين زائد وناقص، وبين شك ويقين، وكل ما هنالك، أن هذه الفرضيات ونظائرها من الفلسفات الدينية، والتقنيات الجديدة بطقوسها ورموزها لا تقوم على حقيقة من الحقائق، ولا تعالج قضية من القضايا، وإنما هي عبارة عن اتحاد وفناء في دين الشيطان .
ولا يوجد دين من الأديان على وجه الأرض، سواء كان كتابيا أو وثنيا، حث الإنسان على طلب العلم والمعرفة، والتقيد بأسبابهما، كالدين الإسلامي، والشواهد في القرآن كثيرة، حيث علَّمَ الإنسان من أن القلوب الحية بالعلم تهتدي إلى معرفة خالقها، وخالق الكون وما فيه، وأما القلوب الضالة، فإنه لا يهديها علم ولا معرفة، بل باسم العلم يضلون الناس، ويزدادون ضلالا وبعدا عن الحقيقة، إذ يقول في شأنهم عز وجل:
يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون . المائدة 103
فالعلم غذاء النفوس، وجلاء الأبصار، ونور العقول، وطريق يوصل صاحبه إلى نيل السعادة النفسية، وبنوره يكون الإنسان أنفذ بصرا وبصيرة، يرى ما لا يراه الآخرون في ظلمة قاتمة... وبه يهتدي الإنسان إلى معرفة الحقيقة من خلقه ووجوده، ضمن النظام الكوني. كل ذلك لن يتأتى إلا باستنباط المعارف العلمية المختلفة، وخوض التجارب ومقارنة المعقول بالمعقول. ومنذ أن ظهر الإسلام وهو يصيح بأشياعه أنبذوا الجهل ولا تأخذكم بالجهلاء رحمة.
وبما أن الغرب عموما لم تكن له تقاليد دينية راسخة، يتقيد بتعاليمها، على اعتبار أن حضارته قامت منذ بواكير العصور، على مبادئ سقيمة، وعلى وازع ديني مفقود، فإنها ركبت كل طريق محظور في عرف البديهة والمنطق، وشجعت الانحلال الخلقي، وفتحت أمامه جميع الأبواب، بل ساعدت أصحابه بالدعاية والمال والرعاية، وآوت كل منحرف عن عقيدة ودين، واختلقت الحيل لاقتناص الناس، بمغالطات الألفاظ البراقة وألاعيب الحذيقة والتمويه عن كل ما هو حقيقة.
وما برع فيه علماء الغرب في جوانب علمية عديدة، وما صاحب ذلك من اكتشافات وصناعات كانت نتيجة اختلاسهم لمكتشفات سبقهم إليها علماء الشرق، سواء كان ذلك في النظريات أو الفرضيات المختلفة أو في الفلسفات و المناهج الفكرية أو الأعمال المجربة، فرهبان الهنود هم أول من صدر لهم تلك الديانات المحرفة والسحر والشعوذة، بكل أنواعها وألوانها، ما ظهر منها وما بطن، كما صدروا لهم عقائد التضليل، وكل فكرة تمجد الشيطان، وعلى هذا الأساس بنيت عقائد الغرب، فأباحوا لأنفسهم ما تشمئز منه الفرائس، وما ترفضه غرائز الحيوان، فضلا عن ما ترفضه فطرة الإنسان، ويرفضه أي عقل سليم، ولم تكن الديانة المسيحية التي دانت بها الشعوب النصرانية، سليمة من الأفكار الهندوسية والبوذية، بقدر ما قامت حضارة الغرب منذ أوائل عصورها على أفكار فلسفية مستلهمة من تلك الديانات الوثنية.
ولعل هذه الطوائف والجمعيات الروحية التي تعج بها ساحات الغرب اليوم، تعد امتدادا لتلك المذاهب التي دان بها الإنسان المجوسي والبوذي والهندوسي والطاوي، وجذورها تمتد إلى عمق هذه المذاهب والديانات الوثنية.
وبما أن الغرب أصبح اليوم شمعة يهتدي بها كل إنسان في مسائل العلم والمعرفة والمناهج الفكرية المختلفة، أشكل على أمر المسلم، وصار يتقبل كل الأفكار الوافدة من عنده، غثها وسمينها، ولا يستطيع التمييز بين ما يتعارض مع روح عقيدة دينه، وبين عقائد دخيلة، تدعو صراحة إلى عبادة الشيطان وتقديسه، فتقبلتها فئات ساذجة بشغف، وسارع بعضها إلى نشرها في أوساط المجتمع الإسلامي من دون التأكد من صحة ما يدعون إليه، ومن ثم جلبوا لمجتمعهم الذي عاش على فطرة صحيحة وعقيدة نظيفة كل أسباب الانحلال والانحراف والفساد الروحي.
والعيب لا يعود إلى هؤلاء الذين ذهبوا من بلدانهم بأفكار سليمة ثم عادوا إلى أوطانهم وديارهم يحملون أفكارا أخرى تتناقض مع مبادئ مجتمعاتهم الأصيلة أو الذين غيرت عقولهم برامج القنوات الفضائية الهادفة إلى عولمة العقول والأفكار، والجمعيات التي تعمل تحت شعارات خيرية وعلمية وتحمل أسماء مختلفة، بقدر ما يوجه اللوم إلى علماء الدين تحديدا، الذين أهملوا جانبا مهما من الاهتمام بحياة الناس، والدور الذي كان يجب أن يقوموا به في الإرشاد والتوعية لدحض هذه الأفكار الوافدة وتجلية أمرها، وكشف مكائدها، وأبعادها السياسية والدينية، وتحديد ماهية علوم مشكوك في صحتها، وتوضيح موقف الدين من نظريات مبنية على الظن والأوهام والخرافات، ولا تمت بصلة إلى برهان صحيح.
ويبدو حسب رأينا أن معظم العلوم الغربية المتعلقة بالعقل والنفس والروح، لا تعتمد على معايير يمكن قياس صلاحها من عدمها، وبالتالي هذه الأفكار معظمها مبني على التحايل، وأساليب الخداع، ولا تلتقي مع أي مبدإ من المبادئ الصحيحة، فيتوهم القارئ وهو يتصفح إحدى تلك النظريات، أنها لازمة لصياغة كيانات الجمعيات البشرية، والتعظيم من شأنها، وتقدير عمل أصحابها.
لا ندعي أن كل ما هو آت من الغرب، لا يتلاءم مع معتقدات وتقاليد المجتمع الإسلامي الأصيل، وبالتالي يرفض جملة، بل إن الغرب تقدم في الجانب الصناعي حتى أنه استطاع أن يخرج إلى الفضاء الخارجي للأرض، ويرسل مركبات استكشافية إلى بعض الكواكب في المنظومة الشمسية، وهو يسعى اليوم إلى إنشاء مستعمرات بشرية في الفضاء، وتأخر في الجانب الروحي حتى عاد بالناس إلى عهد هابيل وقابيل. ولا مرية إذا قلنا أن السياسات الغربية منذ نشأة دولها يسيطر عليها علماء اللاهوت، وهي تعمل اليوم على فكرة عودة الناس إلى عهود الوثنية الأولى، إلى عهود تعانق فيها المجاز بالحقيقة، والواقع بالخيال، والشك باليقين، والشعوذة بالمعارف، إلى عهود تشابك فيها الخير بالشر، بل إنهم يتطلعون إلى زمن يستسلم فيه الخير إلى الشر إلى عالم المثليين.
إن التحذير من هذه العلوم التي تسمى نفسية وروحية وعقلية واجب ديني، لأنها مستعارة من أفكار قوى روحانية خفية، هدفها الوحيد تضليل الإنسان وإبعاده عن كل عقيدة صحيحة يستقيم عليها حال الإنسان. فنظريات فرويد وداروين تعتبر من أشد النظريات عداوة للمنطق والعقل والدين، ويشتركان في تمثيل مسرحية مضحكة، وادعى منظروها أنهم لا يضحكون، كأنهم يعتبرون ذلك عملا جادا فيما يعملون، ومع ذلك تحظى بقبول حسن، لأنها ببساطة نظريات تطعن في صميم العقائد الدينية. ورغم أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت عدم صحتها، فضلا عن أنها تتعارض مع بديهيات الناس، والأخلاق والعرف الذي استقر عليه أمر المجتمعات الإنسانية، إلا أنها ستبقى من النظريات المرجعية المعتمدة في الدراسات الغربية لأنها ببساطة تطعن في صميم العقيدة الإلهية.
والذي أردنا أن نسلط عليه الضوء بشكل مستفيض، بعد هذه المقدمة، هو ما يتعلق بانتشار ظاهرة جديدة خطيرة على العقل والإنسان في السنوات الأخيرة، تسمى بـ " البرمجة اللغوية العصبية (n l p ) "، وفور الترويج لها عبر شاشات بعض القنوات الفضائية، أنبهر لها الناس، وصارت موضع إعجاب لكل من مارسها، وسارعوا لاعتناق أفكارها، ظنا منهم أنها إحدى معجزات العصر، والترجمة الوحيدة لفك شفيرة الأمراض الجسمانية والنفسانية، هذا بالإضافة إلى أنهم اعتقدوا أنها أداة علمية جديدة، تحمل مدلولات كثيرة تعود ممارستها وتطبيقاتها بفوائد معتبرة لصالح البشر، وستكون لها مسافة متساوية مع جميع حالات الناس المختلفة في العلاج. كل ذلك من أجل أن يتفاعل الناس مع أطروحاتها واجتناب إذاعة كل تلك الأسرار الخفية التي سردها علماؤها في اعترافاتهم، وبما أن فكرة البرمجة هي آخذة في الانتشار، أصبح الناس يختلفون إلى مقراتها، وعيادتها كثيرا، ويروجون من دون التأكد من صحة ما يروجون له، أو معرفة سر هذا العمل، وموقف الدين منه قبل الترغيب فيها.
وقد تقبلها هؤلاء بسهولة كما تقبلوا نظرية داروين القائلة بأن الإنسان أنحدر من أصل قرد، رغم أن كتابهم المنزل من قبل الخالق بين لهم الحقيقة كاملة، من أن آدم هو المخلوق الأول الذي انحدرت منه سلالة البشر. لقد صور دعاة البرمجة اللغوية على أنها تقنية تحمل مفتاحا سحريا لحل مختلف مشاكل الناس، وأنها العلاج المخلص من جميع الأمراض المزمنة، والآلية الجيدة لتحقيق أحلامهم وآمالهم في الشفاء والتخلص من معاناة الظروف الاجتماعية القاسية، وهي كذلك الطريقة الناجعة لتغيير العادات السلبية وبرمجة العقل حسب كل طلب، ورغبوا الناس عبر كل وسائل الدعاية، بأن الإنسان اليوم في حاجة ماسة إلى العلم الجديد، ووجوب الأخذ بأسبابه، بحيث أصبح ضرورة حتمية. وأوهموهم بأن العمل الدؤوب والإصرار على تحقيق المرغوب وغيره، لا يعد كافيا لأسباب النجاح ما لم تتوفر آلية مؤثرة كالبرمجة اللغوية العصبيةn l p) ) ".
وزعم هؤلاء، أصحاب التقنية الجديدة أنها أفضل تقنية أكتشفها العلم الحديث مقارنة بالوسائل والتقنيات الطبية التقليدية الأخرى، باعتبارها تتعامل مباشرة مع الجهاز العصبي الذي يتحكم في وظائف كثيرة وتفكيك شفراته، وباستخدامها حسب المعايير اللازمة يقوم الجسم بأداء حسن وفعالية مطلوبة، وكل ذلك يتم من خلال التأثير على حواسه وأجهزة التحكم العصبي، وبفضلها أيضا يمكن السيطرة على سلوكه وتصرفاته وطرق تفكيره والتعامل معها بفعالية وإيجابية، وبفضلها يتم معرفة الأسرار الكامنة في النفس وإيقاظ الطاقات النائمة فيه ومخاطبة العقل الباطن وفقا لآلية معينة، بغية تكييف سلوكه وحواسه وتفكيره حسب ما تقتضيه الضرورة.
هذه النتائج التي تعتبر في نظر هؤلاء إيجابية تحصل عند التوصل إلى برمجة دماغه وشعوره وحواسه وتصوراته وتجاربه بعد مسح الذاكرة من العادات السيئة والتقاليد البالية والمعتقدات الفاسدة، وذلك حسبما تقتضيه متطلبات عوامل الجودة، وعلى هذا الأساس سميت بلغة البرمجة اللغوية العصبية.
( neuro linguistic programming ـ n l p )
.........................................تابع الموضوع ..............................