wessam12
2010-11-06, 21:20
عشر ذي الحجة وأولويات العمل الصالح
بادئ ذي بدء نحمد الله سبحانه ونشكره فله الحمد كله وله الشكر كله كما ينبغي لجلاله وعظمته. فقد أنعم على هذه الأمة المحمدية بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.
يقال هذا ونحن نلج هذه الأيام في عشر ذي الحجة التي وضع معلمها الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث الصحيح المشهور: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قال رجل: ولا الجهاد في سبيل الله ، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ).
هنا المعلم الكبير يفرض سؤالاً كبيراً وهو: هل الأعمال الصالحة تتفاوت من حيث أجرها نوعاً وعدداً ؟ وهل يقدم بعضها على بعض من اختلاف الزمان والمكان والحال ؟ وكيف يرتبها المسلم لينال أعلاها وأعظمها وأكثرها أجراً؟.
وبلا شك أن هذه أسئلة غاية في الأهمية لعظم النتائج المترتبة عليها.
وللإجابة عليها أورد تلك الإجابة بالتسلسل الآتي:-
أولاً: ماهية العمل الصالح هو الذي جمع بين أمرين عظيمين بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى هما:
تحرير هذا العمل لله وحده، وتخليصه من جميع الشوائب التي تعكر خلوصه لله سبحانه وتعالى فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً له وحده، فليتنبه العاقل الحصيف، قال تعالى: ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) الزمر3.
أن يكون هذا العمل وفق الدليل الشرعي من كتاب أو سنة ، فلا زيادة ولا نقصان ، حدد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من عمل عملاً ليس علينا أمرنا فهو رد ).
ثانياً: من فضل الله تعالى أن الأماكن تتفاوت من حيث فضلها فالمساجد بيوت الله وهي أفضل من غيرها، والمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى ) أفضل المساجد، ومن فضلها مضاعفة أجر الصلاة فيها فالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه، والمسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه، كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام، كما أن الحرم بعامة يفضل عن غيره وله أحكامه تخصه ومنها أن معظم شعائر الحج تنقضي فيه.
كما أن الأزمنة تتفاوت من حيث فضلها وعظم أجر العمل الصالح فيها فشهر رمضان أفضل الشهور، وأيام عشر ذي الحجة أفضل الأيام، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع.
* * *
وعلى هذا يتأكد على المسلم الحق أن يعيد برمجة أعماله في هذه ( الأمكنة، والأزمنة الفاضلة ) ويقدم بعضها على بعض مما يفضل على غيره.
ثالثاً: أن الأحوال تختلف في عظم أجرها ونتائجها فحال الصيام يختلف عن الفطر، وحال السفر تختلف عن حال الإقامة، وحال المرض والضعف تختلف عن الصحة والقوة.
وعلى هذا فالعبادات مع اختلاف الأحوال متفاوتة، والعاقل من ينظر إليها ليقدم الأولى على غيره، ومثال ذلك فالشكر أولى حال الغنى، والصبر أولى حال الفقر، ولكل حال من الأحوال عبادة تتقدم على غيرها كل ذلك: خلاف الأعمال الواجبة المتينة على الفرد وجوباً عينياً أو كفائياً.
رابعاً: ومما ينبغي إدراكه هنا أن الأعمال الصالحة تنقسم إلى قسمين من حيث تعدي نفعها والمراد بها:-
الأول: العمل الصالح الذي يكون المقصود منه صاحبه ولا يتجاوزه إلى غيره إلا على سبيل الاقتداء لمن رآه، مثل: الصلاة وقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم، والذكر، وتعلم العلم، وغيرها.
الثاني: أن يكون المقصود بالنفع الآخرين مثل تعليم العلم، وإقراء القرآن الكريم، والصدقة، والنفاق في وجوه الخير المتعددة، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، والهدية، والعطية، وإجراء الماء، وأنواع الإغاثة وغيرها.
وعلى هذا فمن الخير والحصافة ترتيب الأعمال وفق تنوعها بحسب ما يكون مقوّما للإنسان ذاته, ثم أن يأخذ من كل عمل نصيباً، فيسجل في سجلاته أنواعاً من الأعمال الصالحة.
خامساً: إذا علم ما سبق، وحسن تصوره، وأدرك المسلم شخصيته وعرف قدراته، ومواضع الإجادة لديه أن يرتب أعماله حسب شرف الزمان ، والمكان ، والحال، والقدرات، ونوع العمل ويقال هذا: ونحن ندلف إلى هذه العشر المباركة، التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولوية فيها إلى العمل الصالح المقدم على الجهاد في سبيل الله تعالى رغم فضيلة الجهاد وعظم أجره وأثره لكن في هذه العشر يقدم العمل الصالح ، وهنا أسرد جملة من الأعمال ورد التأكيد عليها بخصوصها ليرتبها المسلم حسب ما ذكر في الأسطر الماضية :
· تجديد التوبة لله عز وجل .
· المحافظة على الفرائض وبخاصة الصلاة في أوقاتها .
· صيام الأيام التسعة وبخاصة يوم عرفة لما ورد أنه يكفر سنتين .
· الذكر وبخاصة التكبير المطلق الذي لا يتقيد بوقت والإكثار منه كما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنهم يخرجون إلى السوق فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم .
· ويقاس عليه بقية الأذكار ، وقراءة القرآن الكريم ، والدعاء .
· بر الوالدين والإحسان إليهم .
· الإحسان إلى الأسرة والزوجة والأولاد وتذكيرهم بعظم هذه الأيام .
· الإحسان إلى الآخرين بالصدقة والهدية والعطية وغيرها .
· تذكير الناس وإرشادهم لما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة .
· التقرب إلى الله بذبح الأضاحي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيها أجر عظيم كما ورد في مجمل النصوص النبوية .
· الحج لمن استطاع فهو ماح للذنوب ومكفر للخطايا ورافع للدرجات ومدخل للجنة .
وغيرها من الأعمال الصالحة ، وكل بحسبه ووضعه
سادساً : لينظر كل الى نفسه فيمكن أن يقدم من الأعمال ما يجد نفسه مرتاحاً إليه ، ومقبلا عليه ، فقد يفضل العمل بالنسبة لشخص أكثر من أخر ، فلا يقلد الآخرين ، وإنما يجتهد حسب طاقته .
سابعاً : الحذر من مبطلات الأعمال ومنها :
1_ كثرة المعاصي والإصرار عليها .
2_ العجب بالنفس وبالعمل .
3_ طلب الرياء أو أن يقصد مقاصد الدنيا بالأعمال الصالحة .
4_ المنة على الله سبحانه بأي عمل الأعمال ، وتعاظم العمل .
5_ دعاء غير الله تعالى وطلب الغوث والمدد منه .
وغيرها ..
ثامناً : ممايعين على ترتيب الأولويات وبخاصة في هذه المواسم .
1_ معرفة الإنسان لنفسه وماذا يقبل عليه .
2_ التخطيط المسبق وكتابة الأعمال
3_ الدعاء والإلحاح فيه .
4_ وضع الواجبات في موضعها الصحيح فلا تقدم النافلة على الواجب
5_ الهدوء في العمل .
6_ حسن التصور لما سيقوم به الإنسان من عمل .
7_ كثرة الاستغفار والذكر .
8_ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد مهما كان .
9_ الاستشارة لمن لا يستطيع وضع الأولويات في موضعها السليم .
10_ القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، وسير السلف الصالح .
نسأل الله تعالى أن يعين الجميع ويوفقهم لأعظم الأعمال ، ويسددهم ويجعل هذه العشر المباركة مباركة على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأن يوفق الحجاج لأداء نسكهم كما حج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في الأقوال والأعمال ، والسير على منهاج سيد الأنام ، والحمد لله أولا وآخراً .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
---------------------
إن من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل الله الشهور والأعوام والليالي والأيام مواقيت الأعمال ومقادير الآجال فهي تنقضي جميعاً, وتمضي سريعاً فلما مضى شهر الصيام أقبلت أشهر الحج إلى بيت الله الحرام فكما أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً, غفر له ما تقدم من ذنبه,فكذلك من حج لله فلم يرفث ولم يفسق تحقق له ذلك, كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(1), كل هذا من فضل الله تعالى وإنعامه على عباده حيث فتح لهم أبواب الخيرات ويسّر لهم سبل الطاعات, وجعل لهم مواسم لرفعة الدرجات وتكفير الخطايا ومحو الزلات.
وما من عبد إلا ويقع في شيء من التقصير والزلل فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون, الذين ما إن تقع منهم زلة أو يرتكبوا خطيئة إلا ويتذكروا عظمة الله فيخافوه, ويتذكروا رحمته فيرجوه, قال تعالى عنهم: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (2), والحج المبرور الخالي من الآثام من أعظم ما يكفر السيئات وتمحى به الخطايا والزلات, كما قال عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذونبه كيوم ولدته أمه) (3).
*****
والحج أخي المسلم ركن من أركان الدين العظام ودعامة من دعائمه الجسام لا يتم الإسلام إلا به ولا يكمل إلا بتحقيقه, قال تعالى: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (4), ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن عمر: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام) (5).
وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جرة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين, وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً (6).
فالواجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه لما روي عن ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعجلوا إلى الحج – يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له. رواه أحمد (7).
وأداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع إليه سبيلا لظاهر قوله تعالى: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (8) ومن فضل الله تعالى وعظم مننه على عباده أن فرض الحج على عباده مرة واحدة في العمر, فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال: (لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم, الحج مرة واحدة وما زاد فهو تطوع). رواه الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم (9).
*****
ومما ينبغي أن نعلمه أن الحج موسم عظيم يجتمع فيه خلق كثير وجمع غفير, جاءوا يرجون رحمة الله استسلاماً وانقياداً ومحبة ورغبة مؤملين قبول الحج وحصول منافعه قال تعالى: ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ..... )(10), وهذه المنافع منافع دنيوية وأخروية فمن المنافع الدنيوية أن يلقى المسلمون بعضهم بعضا في بلد من دخله كان آمنا يتعارفون ويتعاشرون ويتواصلون ويتناصحون ويفكرون في علاج عللهم وإصلاح مجتمعهم وإزالة البغضاء والشحناء بينهم.
ومن منافع الآخرة الإمتثال لأمر الله تعالى بالقيام بهذه الفريضة ومغفرة الذنوب, ورفعة الدرجات, وإجابة الدعاء, ودخول الجنان ورضى الرحمن, ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الحجاج والعمار وفد الله ، إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن أنفقوا أخلف الله عليهم} (11),رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما.
ومن أعظم منافع الحج الاستفادة من علماء الأمة ورجالاتها بعضهم من بعض ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (12)
إن الحج مظهر واضح جلي وموسم حافل بالتجارة الرابحة دينا ودنيا فيه تتم اللقاءات الخيرة في جوه الروحي فتصفو القلوب وتسمو النفوس, و يندحر الشيطان وجنده فلا يجد إلى القلوب المؤمنة النيرة بنور الإيمان واليقين المخلصة في عقيدتها الصادقة في إيمانها سبيلا.
فليغتنم المسلم هذه الأيام الفاضلة, وليعلم أن الحج بمناسكه وأفعاله يتطلب من المؤمن صبراً وإيماناً وتحملاً واجتهاداً فإنه جهاد كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لما قالت عائشة –رضي الله عنها- هل على النساء جهاد؟ قال: (عليكم جهاد لا قتال فيه) (13).
(1) أخرجه البخاري(2: 164 رقم 1521)، ومسلم(4: 107 رقم 3358).
(2) آل عمران: 135
(4) سبق تخريجه.
(4) آل عمران: 97
(5)أخرجه البخاري(1: 9 رقم 8)، ومسلم ( 1: 34 رقم 121) .
(6)أخرجه سعيد بن منصور بهذا اللفظ كما في التلخيص الحبير( 2: 223 )، و نصب الراية( 4: 411)
(7)أخرجه أبو داود (2: 139: رقم 1721 ) ، والنسائي (5: 111 )، وغيرهم. وأصله في مسلم(4: 102 رقم 3321).
(8) آل عمران: 97
(9) أخرجه أبو داود (2: 139: رقم 1721 ) ، والنسائي (5: 111 )، وغيرهم. وأصله في مسلم(4: 102 رقم 3321).
(10) الحج: 27
(11) أخرجه ابن ماجه(2: 966 رقم 2892)، والطبراني في الكبير(19: 461 رقم 1103)، وهو حديث حسن بمجموع طرقه.
(12) البقرة: 125.
(13) أخرجه ابن ماجه( 2: 968 رقم 2901)، وأحمد في المسند(6: 165 رقم361 25)، وهو حديث صحيح.
----------------------------------
الوقفة الثانية : الحج فضائله وآثاره
لقد أفاض القرآن والسنة في فضل الحج فجاءت النصوص الكثرة المبينة لتلك الفضائل والآثار ومنها:
1- الحج يهدم ما قبله:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يمينك فلأبايعك ، فبسط يمينه . قال : فقبضت يدي .قال : مَالَـكَ يا عمرو ؟ قال قلت : أردت أن أشترط .قال : تشترط بماذا ؟ قلت : أن يغفر لي .قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله(1).
2- الحاج يكون بعد حجه كيوم ولدته أمه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه"(2) .
3- الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ أو أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله ورسوله . قيل : ثم أي شيء ؟ قال: الجهاد سنام العمل قيل: ثم أي شيء يا رسول الله؟ قال: حج مبرور (3).
4- الحج أفضل الجهاد في حق النساء:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: (لَكُنَّ أفضل الجهاد، حج مبرور) (4).
5- الحج المبرور جزاؤه الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1) .
6- ومن فضائل الحج أن الحجاج والعمار وفد الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم (6).
7- إن الله تعالى يباهي الملائكة بالحجاج يوم عرفة:
قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة: وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء (7)
8- في الحج ترويض لامتثال لأوامر الله واستجابة لندائه:
الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لتعاليمه تتجلى فيه الطاعة الخالصة في أعمال الحج, ففي أداء الحج هناك نوع من المشقة من ترك الوطن والأهل والولد وترك المألوف, ولكن الحاج يتحمله امتثالاً لأمر الله تعالى, كما أنه يمارس بعض العبادات لا يأتي بها إلا في الحج ولمن يألفها من قبل, ولكن يأتي بها استجابة لأمر الله سبحانه.
9- في الحج تلبية لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام:
لقد أمر الله أبانا إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج وكتب الله لمن شاء من عباده أن يلبوا هذا النداء رجالاً وركباناً, قد قال تعالى: ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (8), قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه فذكر أنه قال يارب كيف أبلغ صوتي لا ينفذهم فقال ناد وعلينا البلاغ فقام على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفا وقيل على أبي قبيس وقال يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه فيقال أن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم(9).
10- في الحج ارتباط بمهبط الوحي:
الحج رحلة إلى الديار المقدسة مهبط الوحي, وكلما ارتبط المسلم بهذه البقاع الطاهرة كان أقرب إلى الاقتداء بالرعيل الأول, الذين جاهدوا في سبيل الله وبلغوا شرعه إلى أنحاء المعمورة, وهذا الأثر معلوم لدى الحجاج الذين يأتون من ديار بعيدة فيحسبون بأثر هذا الارتباط فيقوى إيمانهم بهذا الوحي المطهر.
11- في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس:
تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في جميع مراحل الحج, في الطواف حول البيت الحرام, والسعي بين الصفا والمروة والوقوف في منى وعرفات ومزدلفة, فلا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقوى, ويقول تعالى: ( سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ), وجاء عند الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة, حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: يا ايا الناس إلا إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي, ولا لأعجمي على عربي, ولا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى, أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام, قال: ثم قال: أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام, قال: فإن الله قد حرم بينكم دمائكم وأموالكم, ولا أدري قال: أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, أبلّغت. قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد الغائب ((10).
12- في الحج تذكير بالموت وبيوم المحشر:
إن الحاج حين يتجرد عن لباسه ويلبس الإحرام, يتذكر ما يتعامل به الناس بعد موته من تجريده من لباسه المعتاد وتكفينه بثياب بيض, وفي صعيد عرفات يجتمع مئات الآلاف من الحجاج في مكان واحد وفي زي واحد ولا هم لهم إلا هم واحد وهو أن يغفر الله لهم, فهنا تجول بالخاطر مواقف سيتعرض لها المسلم بعد وفاته وفي عرصات يوم القيامة فيدعوه ذلك للإستعداد وأخذ الزاد قبل لقاء الله.
13- في الحج تعويد على الابتعاد عن الذنوب والمعاصي:
قال تعالى: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) (11), قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: وقوله: ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج, وخصوصاً الواقع في أشهره, وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث وهو: الجماع ومقدماته الفعلية والقولية, خصوصاً عند النساء بحضرتهن, والفسوق وهو: جميع المعاصي, ومنها محظورات الإحرام, والجدال: وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة, لكونها تثير الشر, وتوقع العداوة, والمقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من القربات, والتنزه عن مقارفة السيئات, فإنه بذلك يكون مبروراً والمبرور, ليس له جزاء إلا الجنة, وهذه الأشياء, وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان, فإنه يتغلظ المنع عنها في الحج, واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر, ولهذا قال تعالى: ( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) (12).
14- في الحج جمع للناس على مبدأ التوحيد:
في الحج تتجلى صورة التوحيد لدى الحجاج, في تلبيتهم ومناجاتهم رباً واحداً, يرفعون كلمة التوحيد ويعتصمون بالحبل المتين وقد قال تعالى آمراً إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (13), أي: أوحينا إليهما, وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك, والكفر والمعاصي, ومن الرجس والنحاسات, والأقذار, وقال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } (14).
15- يتعلم الحاج دروس التضحية والبذل:
من آثار الحج على المسلم الذي يؤدي هذه الفريضة انه يتعلم دروساً في البذل والتضحية, ولذا كان الحج باباً من أبواب الجهاد, لأن الحاج يترك وطنه وأهله وأحبابه, ويبذل المال قربة لله, ويتعود على التخلي من البخل والشح, وهذا كله يتجلى فيما ينفق للوصول إلى بيت الله الحرام ويتقرب إلى الله تعالى بذبح الهدي وتقديم النذور وخدمة إخوانه الحجاج ببدنه, وتعلمه لهم وتوجيهه إياهم, وتقديم ما يستطيع تقديمه.
16- الحج نقطة تغير إلى الأفضل:
قال تعالى: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )(15)., والحج فرصة مناسبة لكي يفكر الحاج في أن يغير حياته إلى أفضل في العبادة والسلوك ويزداد خيراً وتقوى وصلاحاً, ولذا أمر الله سبحانه الحاج أن يستمر في ذكر الله عز وجل وإنابته إليه وحتى بعد قضاء مناسكه, قال تعالى: ( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (16).
*****
فهذه العبادة التي هي ركن من أركان الإسلام, وهذه فضائلها وآثارها ينبغي على المسلم أن يفقهها ويتدبرها لتتم له كاملة في الدنيا والآخرة فيخرج منها وقد قبل حجة, وغفر ذنبه, وشكر سعيه فعيش عيشة السعداء في الدنيا, وفي الآخرة أعظم وأفضل حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(1)أخرجه مسلم (1: 12 رقم 121 ).
(2) أخرجه البخاري(3: 14 رقم 1819)، ومسلم (2: 983 رقم 1350).
(3) صحيح البخاري (1: 13 رقم 26).
(4) (صحيح البخاريرقم 1520).
(5) (صحيح البخاريرقم 1773).
(6)ابن ماجةرقم ( 2892).
(7) صحيح مسلمرقم ( 1348)
(8) الحج: 27
(9) تفسير ابن كثير
(10) أخرجه أحمد(5: 411 رقم 23536)، والبيهقي في شعب الإيمان(7: 132 رقم 4774).وهو حديث صحيح.
(11) البقرة: 197.
(12) البقرة: 125
(13) الحج: 25.
(14) آل عمران 103.
(15) الرعد: 11.
(16) البقرة: 200.
بادئ ذي بدء نحمد الله سبحانه ونشكره فله الحمد كله وله الشكر كله كما ينبغي لجلاله وعظمته. فقد أنعم على هذه الأمة المحمدية بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.
يقال هذا ونحن نلج هذه الأيام في عشر ذي الحجة التي وضع معلمها الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث الصحيح المشهور: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قال رجل: ولا الجهاد في سبيل الله ، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ).
هنا المعلم الكبير يفرض سؤالاً كبيراً وهو: هل الأعمال الصالحة تتفاوت من حيث أجرها نوعاً وعدداً ؟ وهل يقدم بعضها على بعض من اختلاف الزمان والمكان والحال ؟ وكيف يرتبها المسلم لينال أعلاها وأعظمها وأكثرها أجراً؟.
وبلا شك أن هذه أسئلة غاية في الأهمية لعظم النتائج المترتبة عليها.
وللإجابة عليها أورد تلك الإجابة بالتسلسل الآتي:-
أولاً: ماهية العمل الصالح هو الذي جمع بين أمرين عظيمين بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى هما:
تحرير هذا العمل لله وحده، وتخليصه من جميع الشوائب التي تعكر خلوصه لله سبحانه وتعالى فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً له وحده، فليتنبه العاقل الحصيف، قال تعالى: ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) الزمر3.
أن يكون هذا العمل وفق الدليل الشرعي من كتاب أو سنة ، فلا زيادة ولا نقصان ، حدد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من عمل عملاً ليس علينا أمرنا فهو رد ).
ثانياً: من فضل الله تعالى أن الأماكن تتفاوت من حيث فضلها فالمساجد بيوت الله وهي أفضل من غيرها، والمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى ) أفضل المساجد، ومن فضلها مضاعفة أجر الصلاة فيها فالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه، والمسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه، كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام، كما أن الحرم بعامة يفضل عن غيره وله أحكامه تخصه ومنها أن معظم شعائر الحج تنقضي فيه.
كما أن الأزمنة تتفاوت من حيث فضلها وعظم أجر العمل الصالح فيها فشهر رمضان أفضل الشهور، وأيام عشر ذي الحجة أفضل الأيام، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع.
* * *
وعلى هذا يتأكد على المسلم الحق أن يعيد برمجة أعماله في هذه ( الأمكنة، والأزمنة الفاضلة ) ويقدم بعضها على بعض مما يفضل على غيره.
ثالثاً: أن الأحوال تختلف في عظم أجرها ونتائجها فحال الصيام يختلف عن الفطر، وحال السفر تختلف عن حال الإقامة، وحال المرض والضعف تختلف عن الصحة والقوة.
وعلى هذا فالعبادات مع اختلاف الأحوال متفاوتة، والعاقل من ينظر إليها ليقدم الأولى على غيره، ومثال ذلك فالشكر أولى حال الغنى، والصبر أولى حال الفقر، ولكل حال من الأحوال عبادة تتقدم على غيرها كل ذلك: خلاف الأعمال الواجبة المتينة على الفرد وجوباً عينياً أو كفائياً.
رابعاً: ومما ينبغي إدراكه هنا أن الأعمال الصالحة تنقسم إلى قسمين من حيث تعدي نفعها والمراد بها:-
الأول: العمل الصالح الذي يكون المقصود منه صاحبه ولا يتجاوزه إلى غيره إلا على سبيل الاقتداء لمن رآه، مثل: الصلاة وقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم، والذكر، وتعلم العلم، وغيرها.
الثاني: أن يكون المقصود بالنفع الآخرين مثل تعليم العلم، وإقراء القرآن الكريم، والصدقة، والنفاق في وجوه الخير المتعددة، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، والهدية، والعطية، وإجراء الماء، وأنواع الإغاثة وغيرها.
وعلى هذا فمن الخير والحصافة ترتيب الأعمال وفق تنوعها بحسب ما يكون مقوّما للإنسان ذاته, ثم أن يأخذ من كل عمل نصيباً، فيسجل في سجلاته أنواعاً من الأعمال الصالحة.
خامساً: إذا علم ما سبق، وحسن تصوره، وأدرك المسلم شخصيته وعرف قدراته، ومواضع الإجادة لديه أن يرتب أعماله حسب شرف الزمان ، والمكان ، والحال، والقدرات، ونوع العمل ويقال هذا: ونحن ندلف إلى هذه العشر المباركة، التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولوية فيها إلى العمل الصالح المقدم على الجهاد في سبيل الله تعالى رغم فضيلة الجهاد وعظم أجره وأثره لكن في هذه العشر يقدم العمل الصالح ، وهنا أسرد جملة من الأعمال ورد التأكيد عليها بخصوصها ليرتبها المسلم حسب ما ذكر في الأسطر الماضية :
· تجديد التوبة لله عز وجل .
· المحافظة على الفرائض وبخاصة الصلاة في أوقاتها .
· صيام الأيام التسعة وبخاصة يوم عرفة لما ورد أنه يكفر سنتين .
· الذكر وبخاصة التكبير المطلق الذي لا يتقيد بوقت والإكثار منه كما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنهم يخرجون إلى السوق فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم .
· ويقاس عليه بقية الأذكار ، وقراءة القرآن الكريم ، والدعاء .
· بر الوالدين والإحسان إليهم .
· الإحسان إلى الأسرة والزوجة والأولاد وتذكيرهم بعظم هذه الأيام .
· الإحسان إلى الآخرين بالصدقة والهدية والعطية وغيرها .
· تذكير الناس وإرشادهم لما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة .
· التقرب إلى الله بذبح الأضاحي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيها أجر عظيم كما ورد في مجمل النصوص النبوية .
· الحج لمن استطاع فهو ماح للذنوب ومكفر للخطايا ورافع للدرجات ومدخل للجنة .
وغيرها من الأعمال الصالحة ، وكل بحسبه ووضعه
سادساً : لينظر كل الى نفسه فيمكن أن يقدم من الأعمال ما يجد نفسه مرتاحاً إليه ، ومقبلا عليه ، فقد يفضل العمل بالنسبة لشخص أكثر من أخر ، فلا يقلد الآخرين ، وإنما يجتهد حسب طاقته .
سابعاً : الحذر من مبطلات الأعمال ومنها :
1_ كثرة المعاصي والإصرار عليها .
2_ العجب بالنفس وبالعمل .
3_ طلب الرياء أو أن يقصد مقاصد الدنيا بالأعمال الصالحة .
4_ المنة على الله سبحانه بأي عمل الأعمال ، وتعاظم العمل .
5_ دعاء غير الله تعالى وطلب الغوث والمدد منه .
وغيرها ..
ثامناً : ممايعين على ترتيب الأولويات وبخاصة في هذه المواسم .
1_ معرفة الإنسان لنفسه وماذا يقبل عليه .
2_ التخطيط المسبق وكتابة الأعمال
3_ الدعاء والإلحاح فيه .
4_ وضع الواجبات في موضعها الصحيح فلا تقدم النافلة على الواجب
5_ الهدوء في العمل .
6_ حسن التصور لما سيقوم به الإنسان من عمل .
7_ كثرة الاستغفار والذكر .
8_ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد مهما كان .
9_ الاستشارة لمن لا يستطيع وضع الأولويات في موضعها السليم .
10_ القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، وسير السلف الصالح .
نسأل الله تعالى أن يعين الجميع ويوفقهم لأعظم الأعمال ، ويسددهم ويجعل هذه العشر المباركة مباركة على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأن يوفق الحجاج لأداء نسكهم كما حج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في الأقوال والأعمال ، والسير على منهاج سيد الأنام ، والحمد لله أولا وآخراً .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
---------------------
إن من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل الله الشهور والأعوام والليالي والأيام مواقيت الأعمال ومقادير الآجال فهي تنقضي جميعاً, وتمضي سريعاً فلما مضى شهر الصيام أقبلت أشهر الحج إلى بيت الله الحرام فكما أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً, غفر له ما تقدم من ذنبه,فكذلك من حج لله فلم يرفث ولم يفسق تحقق له ذلك, كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(1), كل هذا من فضل الله تعالى وإنعامه على عباده حيث فتح لهم أبواب الخيرات ويسّر لهم سبل الطاعات, وجعل لهم مواسم لرفعة الدرجات وتكفير الخطايا ومحو الزلات.
وما من عبد إلا ويقع في شيء من التقصير والزلل فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون, الذين ما إن تقع منهم زلة أو يرتكبوا خطيئة إلا ويتذكروا عظمة الله فيخافوه, ويتذكروا رحمته فيرجوه, قال تعالى عنهم: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (2), والحج المبرور الخالي من الآثام من أعظم ما يكفر السيئات وتمحى به الخطايا والزلات, كما قال عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذونبه كيوم ولدته أمه) (3).
*****
والحج أخي المسلم ركن من أركان الدين العظام ودعامة من دعائمه الجسام لا يتم الإسلام إلا به ولا يكمل إلا بتحقيقه, قال تعالى: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (4), ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن عمر: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام) (5).
وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جرة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين, وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً (6).
فالواجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه لما روي عن ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعجلوا إلى الحج – يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له. رواه أحمد (7).
وأداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع إليه سبيلا لظاهر قوله تعالى: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (8) ومن فضل الله تعالى وعظم مننه على عباده أن فرض الحج على عباده مرة واحدة في العمر, فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال: (لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم, الحج مرة واحدة وما زاد فهو تطوع). رواه الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم (9).
*****
ومما ينبغي أن نعلمه أن الحج موسم عظيم يجتمع فيه خلق كثير وجمع غفير, جاءوا يرجون رحمة الله استسلاماً وانقياداً ومحبة ورغبة مؤملين قبول الحج وحصول منافعه قال تعالى: ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ..... )(10), وهذه المنافع منافع دنيوية وأخروية فمن المنافع الدنيوية أن يلقى المسلمون بعضهم بعضا في بلد من دخله كان آمنا يتعارفون ويتعاشرون ويتواصلون ويتناصحون ويفكرون في علاج عللهم وإصلاح مجتمعهم وإزالة البغضاء والشحناء بينهم.
ومن منافع الآخرة الإمتثال لأمر الله تعالى بالقيام بهذه الفريضة ومغفرة الذنوب, ورفعة الدرجات, وإجابة الدعاء, ودخول الجنان ورضى الرحمن, ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الحجاج والعمار وفد الله ، إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن أنفقوا أخلف الله عليهم} (11),رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما.
ومن أعظم منافع الحج الاستفادة من علماء الأمة ورجالاتها بعضهم من بعض ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (12)
إن الحج مظهر واضح جلي وموسم حافل بالتجارة الرابحة دينا ودنيا فيه تتم اللقاءات الخيرة في جوه الروحي فتصفو القلوب وتسمو النفوس, و يندحر الشيطان وجنده فلا يجد إلى القلوب المؤمنة النيرة بنور الإيمان واليقين المخلصة في عقيدتها الصادقة في إيمانها سبيلا.
فليغتنم المسلم هذه الأيام الفاضلة, وليعلم أن الحج بمناسكه وأفعاله يتطلب من المؤمن صبراً وإيماناً وتحملاً واجتهاداً فإنه جهاد كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لما قالت عائشة –رضي الله عنها- هل على النساء جهاد؟ قال: (عليكم جهاد لا قتال فيه) (13).
(1) أخرجه البخاري(2: 164 رقم 1521)، ومسلم(4: 107 رقم 3358).
(2) آل عمران: 135
(4) سبق تخريجه.
(4) آل عمران: 97
(5)أخرجه البخاري(1: 9 رقم 8)، ومسلم ( 1: 34 رقم 121) .
(6)أخرجه سعيد بن منصور بهذا اللفظ كما في التلخيص الحبير( 2: 223 )، و نصب الراية( 4: 411)
(7)أخرجه أبو داود (2: 139: رقم 1721 ) ، والنسائي (5: 111 )، وغيرهم. وأصله في مسلم(4: 102 رقم 3321).
(8) آل عمران: 97
(9) أخرجه أبو داود (2: 139: رقم 1721 ) ، والنسائي (5: 111 )، وغيرهم. وأصله في مسلم(4: 102 رقم 3321).
(10) الحج: 27
(11) أخرجه ابن ماجه(2: 966 رقم 2892)، والطبراني في الكبير(19: 461 رقم 1103)، وهو حديث حسن بمجموع طرقه.
(12) البقرة: 125.
(13) أخرجه ابن ماجه( 2: 968 رقم 2901)، وأحمد في المسند(6: 165 رقم361 25)، وهو حديث صحيح.
----------------------------------
الوقفة الثانية : الحج فضائله وآثاره
لقد أفاض القرآن والسنة في فضل الحج فجاءت النصوص الكثرة المبينة لتلك الفضائل والآثار ومنها:
1- الحج يهدم ما قبله:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يمينك فلأبايعك ، فبسط يمينه . قال : فقبضت يدي .قال : مَالَـكَ يا عمرو ؟ قال قلت : أردت أن أشترط .قال : تشترط بماذا ؟ قلت : أن يغفر لي .قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله(1).
2- الحاج يكون بعد حجه كيوم ولدته أمه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه"(2) .
3- الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ أو أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله ورسوله . قيل : ثم أي شيء ؟ قال: الجهاد سنام العمل قيل: ثم أي شيء يا رسول الله؟ قال: حج مبرور (3).
4- الحج أفضل الجهاد في حق النساء:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: (لَكُنَّ أفضل الجهاد، حج مبرور) (4).
5- الحج المبرور جزاؤه الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1) .
6- ومن فضائل الحج أن الحجاج والعمار وفد الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم (6).
7- إن الله تعالى يباهي الملائكة بالحجاج يوم عرفة:
قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة: وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء (7)
8- في الحج ترويض لامتثال لأوامر الله واستجابة لندائه:
الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لتعاليمه تتجلى فيه الطاعة الخالصة في أعمال الحج, ففي أداء الحج هناك نوع من المشقة من ترك الوطن والأهل والولد وترك المألوف, ولكن الحاج يتحمله امتثالاً لأمر الله تعالى, كما أنه يمارس بعض العبادات لا يأتي بها إلا في الحج ولمن يألفها من قبل, ولكن يأتي بها استجابة لأمر الله سبحانه.
9- في الحج تلبية لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام:
لقد أمر الله أبانا إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج وكتب الله لمن شاء من عباده أن يلبوا هذا النداء رجالاً وركباناً, قد قال تعالى: ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (8), قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه فذكر أنه قال يارب كيف أبلغ صوتي لا ينفذهم فقال ناد وعلينا البلاغ فقام على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفا وقيل على أبي قبيس وقال يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه فيقال أن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم(9).
10- في الحج ارتباط بمهبط الوحي:
الحج رحلة إلى الديار المقدسة مهبط الوحي, وكلما ارتبط المسلم بهذه البقاع الطاهرة كان أقرب إلى الاقتداء بالرعيل الأول, الذين جاهدوا في سبيل الله وبلغوا شرعه إلى أنحاء المعمورة, وهذا الأثر معلوم لدى الحجاج الذين يأتون من ديار بعيدة فيحسبون بأثر هذا الارتباط فيقوى إيمانهم بهذا الوحي المطهر.
11- في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس:
تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في جميع مراحل الحج, في الطواف حول البيت الحرام, والسعي بين الصفا والمروة والوقوف في منى وعرفات ومزدلفة, فلا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقوى, ويقول تعالى: ( سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ), وجاء عند الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة, حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: يا ايا الناس إلا إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي, ولا لأعجمي على عربي, ولا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى, أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام, قال: ثم قال: أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام, قال: فإن الله قد حرم بينكم دمائكم وأموالكم, ولا أدري قال: أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, أبلّغت. قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد الغائب ((10).
12- في الحج تذكير بالموت وبيوم المحشر:
إن الحاج حين يتجرد عن لباسه ويلبس الإحرام, يتذكر ما يتعامل به الناس بعد موته من تجريده من لباسه المعتاد وتكفينه بثياب بيض, وفي صعيد عرفات يجتمع مئات الآلاف من الحجاج في مكان واحد وفي زي واحد ولا هم لهم إلا هم واحد وهو أن يغفر الله لهم, فهنا تجول بالخاطر مواقف سيتعرض لها المسلم بعد وفاته وفي عرصات يوم القيامة فيدعوه ذلك للإستعداد وأخذ الزاد قبل لقاء الله.
13- في الحج تعويد على الابتعاد عن الذنوب والمعاصي:
قال تعالى: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) (11), قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: وقوله: ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج, وخصوصاً الواقع في أشهره, وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث وهو: الجماع ومقدماته الفعلية والقولية, خصوصاً عند النساء بحضرتهن, والفسوق وهو: جميع المعاصي, ومنها محظورات الإحرام, والجدال: وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة, لكونها تثير الشر, وتوقع العداوة, والمقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من القربات, والتنزه عن مقارفة السيئات, فإنه بذلك يكون مبروراً والمبرور, ليس له جزاء إلا الجنة, وهذه الأشياء, وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان, فإنه يتغلظ المنع عنها في الحج, واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر, ولهذا قال تعالى: ( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) (12).
14- في الحج جمع للناس على مبدأ التوحيد:
في الحج تتجلى صورة التوحيد لدى الحجاج, في تلبيتهم ومناجاتهم رباً واحداً, يرفعون كلمة التوحيد ويعتصمون بالحبل المتين وقد قال تعالى آمراً إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (13), أي: أوحينا إليهما, وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك, والكفر والمعاصي, ومن الرجس والنحاسات, والأقذار, وقال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } (14).
15- يتعلم الحاج دروس التضحية والبذل:
من آثار الحج على المسلم الذي يؤدي هذه الفريضة انه يتعلم دروساً في البذل والتضحية, ولذا كان الحج باباً من أبواب الجهاد, لأن الحاج يترك وطنه وأهله وأحبابه, ويبذل المال قربة لله, ويتعود على التخلي من البخل والشح, وهذا كله يتجلى فيما ينفق للوصول إلى بيت الله الحرام ويتقرب إلى الله تعالى بذبح الهدي وتقديم النذور وخدمة إخوانه الحجاج ببدنه, وتعلمه لهم وتوجيهه إياهم, وتقديم ما يستطيع تقديمه.
16- الحج نقطة تغير إلى الأفضل:
قال تعالى: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )(15)., والحج فرصة مناسبة لكي يفكر الحاج في أن يغير حياته إلى أفضل في العبادة والسلوك ويزداد خيراً وتقوى وصلاحاً, ولذا أمر الله سبحانه الحاج أن يستمر في ذكر الله عز وجل وإنابته إليه وحتى بعد قضاء مناسكه, قال تعالى: ( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (16).
*****
فهذه العبادة التي هي ركن من أركان الإسلام, وهذه فضائلها وآثارها ينبغي على المسلم أن يفقهها ويتدبرها لتتم له كاملة في الدنيا والآخرة فيخرج منها وقد قبل حجة, وغفر ذنبه, وشكر سعيه فعيش عيشة السعداء في الدنيا, وفي الآخرة أعظم وأفضل حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(1)أخرجه مسلم (1: 12 رقم 121 ).
(2) أخرجه البخاري(3: 14 رقم 1819)، ومسلم (2: 983 رقم 1350).
(3) صحيح البخاري (1: 13 رقم 26).
(4) (صحيح البخاريرقم 1520).
(5) (صحيح البخاريرقم 1773).
(6)ابن ماجةرقم ( 2892).
(7) صحيح مسلمرقم ( 1348)
(8) الحج: 27
(9) تفسير ابن كثير
(10) أخرجه أحمد(5: 411 رقم 23536)، والبيهقي في شعب الإيمان(7: 132 رقم 4774).وهو حديث صحيح.
(11) البقرة: 197.
(12) البقرة: 125
(13) الحج: 25.
(14) آل عمران 103.
(15) الرعد: 11.
(16) البقرة: 200.