تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد


MISSANE
2008-06-15, 10:50
حكى الشعبي في سير الملوك أن شداد بن عاد ملك جميع الدنيا وكان قومه قوم عاد الأولى زادهم الله بسطة في الأجسام وقوة حتى قالوا من أشد منا قوة

قال الله تعالى:{ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } وأن الله تعالى بعث إليهم هودا نبيا عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى الله تعالى فقال له

شداد إن آمنت بأهلك فماذا لي عنده؟ قال يعطيك في الآخرة جنة مبنية من ذهب، ويواقيت، ولؤلؤ وجميع أنواع الجواهر. قال شداد أنا أبني مثل هذه

الجنة ولا أحتاج إلى ما تعدني به. قال: فأمر شداد ألف أمير من جبابرة قوم عاد أن يخرجوا ويطلبوا أرضا واسعة كثيرة الماء، طيبة الهواء، بعيدة من

الجبال ليبني فيها مدينة من ذهب. قال فخرج أولئك الأمراء ومع كل أمير ألف رجل من خدمه وحشمه فساروا في الأرض حتى وصلوا إلى جبل عدن

فرأوا هناك أرضا واسعة طيبة الهواء فأعجبتهم تلك الأرض فأمروا المهندسين والبنائين فخطوا مدينة مربعة الجوانب دورها أربعون فرسخا ، من كل

جهة عشرة فراسخ، فحفروا الأساس إلى الماء وبنوا الجدران بحجارة الجزع اليماني حتى ظهر على وجه الأرض، ثم أحاطوا به سورا ارتفاعه

خمسمائة ذراع، وغشوه بصفائح الفضة المموهة بالذهب فلا يكاد يدركه البصر إذا أشرقت الشمس. وكان شداد قد بعث إلى جميع معادن الدنيا فاستخرج

منها الذهب، واتخذه لبنا، ولم يترك في يد أحد من الناس في جميع الدنيا شيئا من الذهب إلا غصبه ، واستخرج الكنوز المدفونة ، ثم بنى داخل المدينة

مائة ألف قصر بعدد رؤساء مملكته ، كل قصر على عمد من أنواع الزبرجد واليواقيت معقودة بالذهب طول كل عمود مائة ذراع ، وأجرى في وسطها

أنهارا وعمل منها جداول لتلك القصور والمنازل، وجعل حصاها من الذهب والجواهر واليواقيت، وحلى قصورها بصفائح الذهب والفضة، وجعل

على حافات الأنهار أنواع الأشجار جذوعها من الذهب وأوراقها وثمرها من أنواع الزبرجد واليواقيت واللآلئ ، وطلى حيطانها بالمسك والعنبر ، وجعل

فيها جنة مزخرفة له، وجعل أشجارها الزمرد واليواقيت وسائر أنواع المعادن ، ونصب عليها أنواع الطيور المسموعة ، الصادح والمغرد وغير ذلك ،

ثم بنى حول المدينة مائة ألف منارة برسم الحراس الذين يحرسون المدينة ، فلما كمل بناؤها أمر في مشارق الأرض ومغاربها أن يتخذوا في البلاد بسطا

، وستورا وفرشا ، من أنواع الحرير لتلك القصور والغرف ، وأمر باتخاذ أواني الذهب والفضة فاتخذوا جميع ما أمر به فلما فرغوا من ذلك جميعه

خرج شداد من حضرموت قي أهل مملكته وقصد مدينة ارم ذات العماد فلما أشرف عليها ورآها قال قد وصلت إلى ما كان هو يعدني به بعد الموت وقد

حصلت عليه في الدنيا فلما أراد دخولها أمر الله تعالى ملكا فصاح بهم صيحة الغضب، وقبض ملك الموت أرواحهم في طرفة عين، فخروا على

وجوههم صرعى، قال الله تعالى:{وأنه أهلك عادا الأولى} وذلك قبل هلاك عاد بالريح العقيم، وأخفى الله تلك المدينة عن أعين الناس فكانوا يرون

بالليل في تلك البرية التي بنيت فيها معادن الذهب والفضة واليواقيت تضيء كالمصابيح ، فإذا وصلوا إليها لم يجدوا هناك شيئا. وقد نقل أن رجلا من

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري دخل إليها ، وذلك أنه ضلت له ابل فخرج في طلبها فوصل إليها ، فلما رآها

دهش وبهت ورأى ما أذهله وحيره وقال في نفسه:هذه تشبه الجنة التي وعد الله عباده المتقين في الآخرة فقصد بابا من أبوابها ، فلما وصل إليه أناخ

راحلته ودخل المدينة فرأى تلك القصور، والأنهار، والأشجار ولم ير في المدينة أحدا فقال أرجع إلى معاوية وأخبره بهذه المدينة وما فيها، ثم حمل

معه شيئا من تلك الجواهر واليواقيت في وعاء وجعله على راحلته، وعلم على المدينة علامة، وقال قربها من جبل عدن كذا، ومن الجهة الفلانية كذا،

ثم انصرف عنها بعد ما ظفر بإبله ، ثم دخل على معاوية رضي الله تعالى عنه بدمشق وأخبره بجميع ما رآه . فقال له معاوية : في اليقظة رأيتها أم في

المنام. قال بل في اليقظة وقد حملت معي من حصبائها وأخرج له شيئا مما حمله من الجواهر واليواقيت فتعجب معاوية من ذلك ثم أرسل إلى كعب

الأحبار رضي الله تعالى عنه فلما دخل عليه قال معاوية : يا أبا إسحاق هل بلغك أن في الدنيا مدينة من الذهب قال نعم يا أمير المؤمنين وقد ذكرها الله

عز وجل في القرآن لنبيه صلى الله غليه وسلم بقوله عز من قائل:{ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد } وقد أخفاها

الله تعالى عن أعين الناس وسيدخلها رجل من هذه الأمة يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري . ثم التفت فرأى عبد الله بن قلابة . فقال ها هو يا أمير

المؤمنين وصفته واسمه في التوراة ولا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة. وقيل إن ذلك كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأن الرجل

الذي دخلها حكى ذلك لعمر بن الخطاب فلم ينكره ولا من كان حاضرا ، بل قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخلها بعض أمتي والله سبحانه

وتعالى أعلم.