**ولد مزغنة**
2008-06-09, 00:56
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: حياكم ربي جميعا
إخواني الكرام بما أن الكلام يجر بعضه بعضا والسياق يلحق بالسباق، ومنشأ المداخلات وقع بسبب الاعتراض على عقيدة الشيخ ابن عثيمين، أحببت أن أنقل لكم فتوتين للشيخ تبين مدى إنصافه وعدله وموقفه من المخالف وهم الأشاعرة، فإليكموها:
سئل فضيلة الشيخ: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، نرجو التوضيح؟
الجواب:
الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة والجماعة في باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من صفات الله إلا سبع صفات، ومع هذا لا يثبتونها على الوجه الذي أثبتها عليه أهل السنة ، فلا ينبغي أن نقول هم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفي عنهم كونهم من أهل السنة على الإطلاق، بل نقول:
هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة فيما خالفوا فيه أهل السنة ، فالتفصيل هو الذي يكون به الحق، وقد قال الله تعالى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } [الأنعام:152]، فإخراجهم من أهل السنة مطلقاً ليس من العدل، وإدخالهم في أهل السنة بالإطلاق ليس من العدل أيضاً، والواجب أن يعطى كل ذي حقٍ حقه.
[ لقاءات كان يعقدها الشيخ بمنزله كل خميس. بدأت في أواخر شوال 1412هـ وانتهت في الخميس 14 صفر، عام 1421هـ]
وسئل فضيلة الشيخ:
عما يتعلمه طلبة المدارس في بعض البلاد الإسلامية من أن مذهب أهل السنة هو: (الإيمان بأسماء الله تعالى، وصفاته، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل)، وهل تقسيم أهل السنة إلى قسمين: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، ومدرسة الأشاعرة والماتريدية، تقسيم صحيح؟ وما موقف المسلم من العلماء المؤولين؟
فأجاب بقوله:
لا شك أن ما يتعلمه الطلبة في المدارس من أن مذهب أهل السنة هو: ( الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ). هو المطابق للواقع بالنسبة لمذهب أهل السنة، كما تشهد بذلك كتبهم المطولة والمختصرة، وهو الحق الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وهو مقتضى النظر الصحيح، والعقل الصريح، ولسنا بصدد سرد أفراد الأدلة في ذلك، لعدم طلبه في السؤال، وإنما نجيب على ما طلب وهو تقسيم أهل السنة إلى طائفتين في مدرستين:
إحداهما: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، المانعين لصرف النصوص عن ظواهرها.
الثانية: مدرسة الأشاعرة والماتريدية، الموجبين لصرفها عن ظواهرها في أسماء الله وصفاته.
فنقول: من المعلوم أن بين هاتين المدرستين اختلافاً بيناً في المنهاج فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، فالمدرسة الأولى يقرر معلموها وجوب إبقاء النصوص على ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله تعالى، من التمثيل أو التكييف. والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته.
وهذان المنهاجان متغايران تماماً، ويظهر تغايرهما بالمثال التالي، قال الله تعالى: ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ). وقال فيما حكاه عن معاتبة إبليس حين أبى أن يسجد لآدم بأمر الله: ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ). فقد اختلف معلمو المدرستين في المراد باليدين اللتين أثبتهما الله تعالى لنفسه.
فقال أهل المدرسة الأولى: يجب إبقاء معناهما على ظاهره، وإثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، على وجه يليق به.
وقال أهل المدرسة الثانية: يجب صرف معناهما عن ظاهره، ويحرم إثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، ثم اختلفوا في المراد بهما هل هو القوة، أو النعمة.
وبهذا المثال يتبين أن منهاجي أهل المدرستين مختلفان متغايران، ولا يمكن بعد هذا التغاير أن يجتمعا في وصف واحد، هو "أهل السنة". إذاً فلابد أن يختص وصف أهل السنة بأحدهما دون الآخر، فلنحكم بينهما بالعدل، ولنعرضهما على ميزان القسط وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من سلف الأمة وأئمتها. وليس في هذا الميزان ما يدل بأي وجه من وجوه الدلالة، المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام صريحاً أو إشارة على ما ذهب إليه أهل المدرسة الثانية، بل في هذا الميزان ما يدل دلالة صريحة، أو ظاهرة، أو إشارية على ما ذهب إليه أهل المدرسة الأولى، وعلى هذا فيتعين أن يكون وصف أهل السنة خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أهل المدرسة الثانية، لأن الحكم بمشاركتهم إياهم جور، وجمع بين الضدين، والجور ممتنع شرعاً، والجمع بين الضدين ممتنع عقلاً.......
وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى لطائفتين يتغاير منهاجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة فقط، ولا ريب أن أهل المدرسة الأولى (غير المؤولين) أحق بالوصف المذكور من أهل المدرسة الثانية (المؤولين)، لمن نظر في منهاجيهما بعلم وإنصاف فلا يصح تقسيم أهل السنة إلى الطائفتين بل هم طائفة واحدة..........
وأما قولهم: إن هناك مدرستين إحداهما مدرسة ابن تيمية فيقال: نسبة هذه المدرسة إلى ابن تيمية توهم أنه لم يسبق إليها، وهذا خطأ فإن ما ذهب إليه ابن تيمية هو ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الأمة، فليس هو الذي أحدث هذه المدرسة كما يوهمه قول القائل الذي يريد أن يقلل من شأنها، والله المستعان.
وأما موقفنا من العلماء المؤولين فنقول: من عرف منهم بحسن النية وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". متفق عليه، وأما وصفه بالضلال فإن أريد بالضلال الضلال المطلق الذي يذم به الموصوف، ويمقت عليه، فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي علم منه حسن النية، وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة، وإن أريد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك، لأن مثل هذا ليس ضلالاً مطلقاً، لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال حيث كان خلاف الحق . وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان.
(أرشيف ملتقى أهل الحديث رقم 5).
إخواني الكرام بما أن الكلام يجر بعضه بعضا والسياق يلحق بالسباق، ومنشأ المداخلات وقع بسبب الاعتراض على عقيدة الشيخ ابن عثيمين، أحببت أن أنقل لكم فتوتين للشيخ تبين مدى إنصافه وعدله وموقفه من المخالف وهم الأشاعرة، فإليكموها:
سئل فضيلة الشيخ: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، نرجو التوضيح؟
الجواب:
الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة والجماعة في باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من صفات الله إلا سبع صفات، ومع هذا لا يثبتونها على الوجه الذي أثبتها عليه أهل السنة ، فلا ينبغي أن نقول هم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفي عنهم كونهم من أهل السنة على الإطلاق، بل نقول:
هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة فيما خالفوا فيه أهل السنة ، فالتفصيل هو الذي يكون به الحق، وقد قال الله تعالى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } [الأنعام:152]، فإخراجهم من أهل السنة مطلقاً ليس من العدل، وإدخالهم في أهل السنة بالإطلاق ليس من العدل أيضاً، والواجب أن يعطى كل ذي حقٍ حقه.
[ لقاءات كان يعقدها الشيخ بمنزله كل خميس. بدأت في أواخر شوال 1412هـ وانتهت في الخميس 14 صفر، عام 1421هـ]
وسئل فضيلة الشيخ:
عما يتعلمه طلبة المدارس في بعض البلاد الإسلامية من أن مذهب أهل السنة هو: (الإيمان بأسماء الله تعالى، وصفاته، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل)، وهل تقسيم أهل السنة إلى قسمين: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، ومدرسة الأشاعرة والماتريدية، تقسيم صحيح؟ وما موقف المسلم من العلماء المؤولين؟
فأجاب بقوله:
لا شك أن ما يتعلمه الطلبة في المدارس من أن مذهب أهل السنة هو: ( الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ). هو المطابق للواقع بالنسبة لمذهب أهل السنة، كما تشهد بذلك كتبهم المطولة والمختصرة، وهو الحق الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وهو مقتضى النظر الصحيح، والعقل الصريح، ولسنا بصدد سرد أفراد الأدلة في ذلك، لعدم طلبه في السؤال، وإنما نجيب على ما طلب وهو تقسيم أهل السنة إلى طائفتين في مدرستين:
إحداهما: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، المانعين لصرف النصوص عن ظواهرها.
الثانية: مدرسة الأشاعرة والماتريدية، الموجبين لصرفها عن ظواهرها في أسماء الله وصفاته.
فنقول: من المعلوم أن بين هاتين المدرستين اختلافاً بيناً في المنهاج فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، فالمدرسة الأولى يقرر معلموها وجوب إبقاء النصوص على ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله تعالى، من التمثيل أو التكييف. والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته.
وهذان المنهاجان متغايران تماماً، ويظهر تغايرهما بالمثال التالي، قال الله تعالى: ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ). وقال فيما حكاه عن معاتبة إبليس حين أبى أن يسجد لآدم بأمر الله: ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ). فقد اختلف معلمو المدرستين في المراد باليدين اللتين أثبتهما الله تعالى لنفسه.
فقال أهل المدرسة الأولى: يجب إبقاء معناهما على ظاهره، وإثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، على وجه يليق به.
وقال أهل المدرسة الثانية: يجب صرف معناهما عن ظاهره، ويحرم إثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، ثم اختلفوا في المراد بهما هل هو القوة، أو النعمة.
وبهذا المثال يتبين أن منهاجي أهل المدرستين مختلفان متغايران، ولا يمكن بعد هذا التغاير أن يجتمعا في وصف واحد، هو "أهل السنة". إذاً فلابد أن يختص وصف أهل السنة بأحدهما دون الآخر، فلنحكم بينهما بالعدل، ولنعرضهما على ميزان القسط وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من سلف الأمة وأئمتها. وليس في هذا الميزان ما يدل بأي وجه من وجوه الدلالة، المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام صريحاً أو إشارة على ما ذهب إليه أهل المدرسة الثانية، بل في هذا الميزان ما يدل دلالة صريحة، أو ظاهرة، أو إشارية على ما ذهب إليه أهل المدرسة الأولى، وعلى هذا فيتعين أن يكون وصف أهل السنة خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أهل المدرسة الثانية، لأن الحكم بمشاركتهم إياهم جور، وجمع بين الضدين، والجور ممتنع شرعاً، والجمع بين الضدين ممتنع عقلاً.......
وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى لطائفتين يتغاير منهاجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة فقط، ولا ريب أن أهل المدرسة الأولى (غير المؤولين) أحق بالوصف المذكور من أهل المدرسة الثانية (المؤولين)، لمن نظر في منهاجيهما بعلم وإنصاف فلا يصح تقسيم أهل السنة إلى الطائفتين بل هم طائفة واحدة..........
وأما قولهم: إن هناك مدرستين إحداهما مدرسة ابن تيمية فيقال: نسبة هذه المدرسة إلى ابن تيمية توهم أنه لم يسبق إليها، وهذا خطأ فإن ما ذهب إليه ابن تيمية هو ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الأمة، فليس هو الذي أحدث هذه المدرسة كما يوهمه قول القائل الذي يريد أن يقلل من شأنها، والله المستعان.
وأما موقفنا من العلماء المؤولين فنقول: من عرف منهم بحسن النية وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". متفق عليه، وأما وصفه بالضلال فإن أريد بالضلال الضلال المطلق الذي يذم به الموصوف، ويمقت عليه، فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي علم منه حسن النية، وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة، وإن أريد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك، لأن مثل هذا ليس ضلالاً مطلقاً، لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال حيث كان خلاف الحق . وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان.
(أرشيف ملتقى أهل الحديث رقم 5).