مشاهدة النسخة كاملة : أعرابية في بني نمير
مرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها،
فقالت: يا بني نمير، واللّه ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين:
لا بقول اللّه: " قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم " .
ولا بقول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
أتمنى أن تعجبكم فصاحه هذه المرأة
علي الجزائري
2007-06-01, 21:01
أعجبني تدينها و حفظها لشرفها
قبل فصاحتها ، لكن لو تشرحين الشطر الثاني
من البيت ...
و جزاك الله خيرا ...
(فلا كعبا بلغت و لا كلابا)
لقد قصد جرير قبيلتي بني كعب و بني كلاب وهما و قبيلة بنو نمير يعودون إلى قبيلة بنو عامر التي منها ليلى العامرية و قيس المجنون المعروفان !
و كان بين جرير و الفرزدق جولات من الهجاء دامت حوالي نصف القرن و كلاهما يعودان إلى قبيلة تميم المعروفة ! و دخل بينهما الشاعر عبيد بن حصين الراعي (من فطاحلة الشعراء و سُمِّي الراعي لكثرة ذكره الإبل في شعره) مؤيدا للفرزدق و كان الراعي من قبيلة بنو نمير
وكان بنو نمير من جمرات العرب المستغنين بقوتهم وعددهم عن طلب حلف، وكانوا يفتخرون بهذا الاسم ويمدون به أصواتهم إذا سئلوا، إلا أنّ تدخل هذا الشاعر عبيد بن حصين الراعي جعل جرير يهجوهم (ناهرا له على تدخله بينه وبين ابن عمه) و يقللهم مقارنة بقبيلتي كعب و كلاب بقوله
فغضَّ الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ولو وضعت شيوخ بني نمير ... على الميزان ما عدلت ذبابا
فسقطوا ولم يرفعوا بعد ذلك رأساً، حتى كانوا لا يتسمون بهذا الاسم، فإذا قيل للواحد منهم من أنت؟ قال: عامريّ.
وبلاغة هذه الأعرابية تكمن في أنها عيّرت الرجال الذين كانوا ينظرون إليها لكونهم لم يطبقوا قول الله تعالى بغض الطرف الشرعي و غض الطرف بقصد قلة الرَّفعة و الأصل و ذلك إذ ذكَّرتهم بقول جرير ! فحق عليهم غض أطرافهم للسببين
أبو إسحاق
2007-06-04, 22:18
أستسمحك يا اختكم لكن الذي وجته هو ان هذا البيت من قصيدة جرير التي تسمى بالدامغة
هجا بها الراعي النميري الشاعر والسبب هو تطاول أبن الراعي على جرير فعزم على دمغه
بقصيدة فهجاه
ونمير جمرة من جمرات العرب أطفأها جرير بهذا البيت
وكلاب وكعب هما قبيلتان من أرذل قبائل العرب فجعل جرير نمير أرذل منهم بقصيدته الدامغة
وقوله فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فمعناها أنا القبيلتان اللتان ذكرنا أنهم من أرذل قبائل العرب أرقى من نمير أي لم تبلغهم منزلة
السيف العامري
2007-06-04, 22:23
احسنتي وأعجبني جوابك على سؤال اخي علي
والاستفاضة في الشرح
وللفائدة من بني نمير شيخ الاسلام ابن تيمية
ومن بقايا بني عامر في الجزائر بنو هلال
السيف العامري
2007-06-04, 23:34
الاخ الكرم ابو اسحاق يبدو حصول لبس في مسمى كعب وكلاب فلم يكونوا ارذل العرب
وكانوا سادات العرب وفيهم زعامة بني عامر بل وهوازن كلها
قال عنهم دريد بن الصمة يوم (حنين)الذي ذكر في القران
وكان يوما عظيما على هوازن قال هل حضرت كعبٌ وكلاب قالوا لا
قال غاب الحد والجد ،هذا يوم لم احضره ولم اغب عنه وكان طاعناً في السن
وجاء لمعاوية رضي الله عنه كتاب من ارض الروم كتبه يزيد رضي الله عنه
في اخبار الغزو على الروم وذكر فيه استشهاد عبدالعزيز بن زرارة الكلابي
قال معاوية رضي الله عنه (هذا كتاب ينعى سيد العرب)ـ
قال علي رضي الله عنه مخاطبا عقيل
وكان نسابة عالما بأخبار العرب وأنسابهم
أبغني امرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها
فتلد لي غلاماً أسداً..فقال له عقيل: أين أنت
من فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية فإنّه ليس
في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس
والكلام عنهم يطول والعزة في الاسلام
أستسمحك يا اختكم لكن الذي وجته.... بارك الله فيك أخي أبو إسحاق و كلامي لا يخالف كلامك أبدا ....لكن السبب في هجاء جرير لبني نمير هو هذا الشاعر الملقب بالراعي لأنه نصر الفرزدق على جرير فبنو نمير يعتبرونه شؤما عليهم![/SIZE]
وكانوا سادات العرب وفيهم زعامة بني عامر بل وهوازن كلها
قال عنهم دريد بن الصمة يوم (حنين)الذي ذكر في القران
أشكرك أخي السيف العامري على التفصيل و الإجابة عليَّ
أبو إسحاق
2007-06-14, 12:29
الوجه الذي تخالفنا فيه يا اختكم هو انك قلت ان جرير هجا الراعي بسبب ميوله للفرزدق
وقلت انا أن جرير هجا الراعي بسسب تطاول أبن الراعي على جرير هذا بالنسبة لقول اختكم
اما قول اخونا السيف العامري بان كلاب وكعب من اشراف العرب فأقول لك بدون البحث وبدون التمعن
أسألك كيف يذكر جرير قبيلتين من اشرف العرب في هجاءه
وكيف يقول في الشطر الثاني فلا كعبا بلغت ولا كلاب أي ان قبيلة بني النمير لم تلحق بمستوى
القبيلتين كلاب وكعب وهم أرذل قبائل العرب ..................
تمعن جيدا في البيت ثم اجبني انا انتظر ردك ................
السيف العامري
2007-06-14, 22:28
حياك الله اخي ابا اسحاق
ذكرت لك بعض الكلام عن كعب وكلاب
اما كون القصيدة الهجائية من يأتي ذكره فيها يعتبر هجائاً له
فهذا غير صحيح على سبيل قوله تعالى
(( ولن تبلغ الجبال طولا )) هل تفهم منه انتقاصا للجبال , طبعا لا
هكذا كعب وكلاب لا علاقة لهما بهجاء جرير انما اراد استصغار نمير
ولو قلت مثلا للاعب بسيط هل انت مثل (زيدان) حتى ارفع قيمة عقدك ،
انت لاتقصد زيدان
بل اللاعب البسيط المتواضع
بارك فيكم جميعا وأشكر للسيف العامري شرحه المُوفّق
نحن لا نختلف أخي أبو إسحاق
ذلك أنني لم أُردْ تفصيل القصة و ذكرت فقط طَرفيْها و هذه القصة قد توجد متفرقة في بعض الكتب (وفيها روايتان متشابهتان على ما وقفت عليه وللإفادة اخترت تجميع هذه)
َوَ لْنروي القصة من الأول :
من المعروف أن جرير و الفرزدق تهاجيا قرابة النصف قرن وكان لكل منهما أنصار ..
وكان عرادة النَّمِيري ) من بني نمير ( نديماً للفرزدق
و يُذكر أن عبيد بن حصين الراعي النَّمِيري و هو من كبار الشعراء كذلك -وسُمِّي بالراعي لكثرة ذكره الإبل في شعره و يُكنّى كذلك أبو جندل .و جندل إسم ابنه –
يذكر أنه قَدِم البصرة فدعاه عرادة لطعام وشراب فلما أخذت الكأس منهما -غفر الله هما -
قال عرادة للراعي: يا أبا جندل، قل شعراً تُفَضِّل الفرزدق على جرير. فلم يزل يزين له ذلك حتى قال:
يا صَاحبَيَّ دنا الأصيل فسيرا ***** غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فغدا به عرادة على الفرزدق فأنشده إياه، وكان عبيد الراعي شاعر مضر ) القبيلة ( وذا سِنِّها ) أي شيخها وكبيرها (، فحَسِب جرير أنه مغلب الفرزدق عليه، فلقيه يوم الجمعة فقال: يا أبا جندل: إني أتيتك بخبر أتاني، إني وابن عمي هذا - يعني الفرزدق - نستب صباحاً ومساء، وما عليك غلبة المغلوب ولا عليك غلبة الغالب، فإما أن تدعني وصاحبي، وإما أن تغلبني عليه، لانقطاعي إلى قيس وحطي في حبلهم. فقال له الراعي: صدقت، لا أبعدك من خير، ميعادك المربد. فصحبه جرير، فبينما هما يستخرج كل منهما مقالة صاحبه رآهما جندل بن عبيد الراعي فأقبل يركض على فرس له فضرب بغلة أبيه الراعي، وقال: مالك يراك الناس واقفاً على كلب بني كليب-يقصد جريرا-؟! فسقط جرير شر سقطة. فقال جرير: أما والله لأثقلن رواحلك. ثم أقبل إلى منزله، فقال للحسين: زد في دهن سراجك الليلة، وأعدد لوحاً ودواة. ثم أقبل على هجاء بني نمير، فلم يزل يملي حتى ورد عليه قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فقال: حسبك، أطفئ سراجك ونم، فرغت منه.
وللحكاية بقية وأظن أن المقام يكفيه هذا !
أتمنَّى أن الأمر وَضُح لَكم
…. بتصرف من أختكم عن كتابي الأغاني و خزانة الأدب
لكننا لا نرى إن كان من طلب الشرح قد استفاد من جوابنا أم لا?,
أبو إسحاق
2007-07-08, 22:21
بارك فيكم جميعا وأشكر للسيف العامري شرحه المُوفّق
نحن لا نختلف أخي أبو إسحاق
ذلك أنني لم أُردْ تفصيل القصة و ذكرت فقط طَرفيْها و هذه القصة قد توجد متفرقة في بعض الكتب (وفيها روايتان متشابهتان على ما وقفت عليه وللإفادة اخترت تجميع هذه)
َوَ لْنروي القصة من الأول :
من المعروف أن جرير و الفرزدق تهاجيا قرابة النصف قرن وكان لكل منهما أنصار ..
وكان عرادة النَّمِيري ) من بني نمير ( نديماً للفرزدق
و يُذكر أن عبيد بن حصين الراعي النَّمِيري و هو من كبار الشعراء كذلك -وسُمِّي بالراعي لكثرة ذكره الإبل في شعره و يُكنّى كذلك أبو جندل .و جندل إسم ابنه –
يذكر أنه قَدِم البصرة فدعاه عرادة لطعام وشراب فلما أخذت الكأس منهما -غفر الله هما -
قال عرادة للراعي: يا أبا جندل، قل شعراً تُفَضِّل الفرزدق على جرير. فلم يزل يزين له ذلك حتى قال:
يا صَاحبَيَّ دنا الأصيل فسيرا ***** غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فغدا به عرادة على الفرزدق فأنشده إياه، وكان عبيد الراعي شاعر مضر ) القبيلة ( وذا سِنِّها ) أي شيخها وكبيرها (، فحَسِب جرير أنه مغلب الفرزدق عليه، فلقيه يوم الجمعة فقال: يا أبا جندل: إني أتيتك بخبر أتاني، إني وابن عمي هذا - يعني الفرزدق - نستب صباحاً ومساء، وما عليك غلبة المغلوب ولا عليك غلبة الغالب، فإما أن تدعني وصاحبي، وإما أن تغلبني عليه، لانقطاعي إلى قيس وحطي في حبلهم. فقال له الراعي: صدقت، لا أبعدك من خير، ميعادك المربد. فصحبه جرير، فبينما هما يستخرج كل منهما مقالة صاحبه رآهما جندل بن عبيد الراعي فأقبل يركض على فرس له فضرب بغلة أبيه الراعي، وقال: مالك يراك الناس واقفاً على كلب بني كليب-يقصد جريرا-؟! فسقط جرير شر سقطة. فقال جرير: أما والله لأثقلن رواحلك. ثم أقبل إلى منزله، فقال للحسين: زد في دهن سراجك الليلة، وأعدد لوحاً ودواة. ثم أقبل على هجاء بني نمير، فلم يزل يملي حتى ورد عليه قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فقال: حسبك، أطفئ سراجك ونم، فرغت منه.
وللحكاية بقية وأظن أن المقام يكفيه هذا !
أتمنَّى أن الأمر وَضُح لَكم
…. بتصرف من أختكم عن كتابي الأغاني و خزانة الأدب
لكننا لا نرى إن كان من طلب الشرح قد استفاد من جوابنا أم لا?,
أقول لأختكم لقد أطلت الحديث ولم توفقي فيما نحن بصدد شرحه أو الكلام عنه فلم تأتي بالجديد
إنما أعدت ما هو مكتوب سابقا والمقام لايكفيه هذا
وأقول للأخ السيف العامري لي عودة بعد الإطلاع على الموضوع وسأوافيك بالجديد إنتظري لكي نستفيد جميعا
أظن أنني فهمت قصدك أخي أبو إسحاق فالمختصر المفيد هو أن سبب الهجاء هو فعلا ابن الراعي لتطاوله على جرير ....و هذا كان السبب المباشر ...فعندك حق ...أما أنا فقد ذكرت السبب غير المباشر و الذي كان مناصرة الفرزدق فلنعد للأقرب
و نصحح فالسبب هو تطاول ابن الراعي على جرير
فأنا فعلا لم أوفق !
أقول لأختكم لقد أطلت الحديث ولم توفقي فيما نحن بصدد شرحه أو الكلام عنه فلم تأتي بالجديد
إنما أعدت ما هو مكتوب سابقا والمقام لايكفيه هذا
وأقول للأخ السيف العامري لي عودة بعد الإطلاع على الموضوع وسأوافيك بالجديد إنتظري لكي نستفيد جميعا
لكننا لا نرى إن كان من طلب الشرح قد استفاد من جوابنا أم لا?,
المقصود بهذا هو
لكن لو تشرحين الشطر الثاني
من البيت ...
...
الله ،الله ما اجمل ما اطيب .
انها امراة اصيلة نادرة في هذا الزمن ليس لي ان اقول سوى انها افحمتهم
مرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها،
فقالت: يا بني نمير، واللّه ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين:
لا بقول اللّه: " قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم " .
ولا بقول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
أتمنى أن تعجبكم فصاحه هذه المرأة
ليست فصيحة فحسب ..بل تجيد التقريع والتوبيخ .." بهدلتهم " و"هزقتهم " باسلوب رفيع جدا ..
شكرا على الانتقاء ..
حسام الدين محمد
2007-12-14, 12:55
شكرا لك على المو ضوع
جميل جدا ما قالته هذه الاعرابية
s.kheiro
2008-03-09, 23:12
أهذا موضوع يستحق التثبيت؟؟!! , أم هو التعسف في إستخدام المسؤولية؟؟!!
darcyber
2008-03-21, 05:01
فعلا موضوع يستحق التثبيت
فالقصة لها أثر و معنى بالغ و في فحواه حكم تفيد في حياتنا
شكراااااااااااااااااااااااااا
جزاك الله خيرا اختي الفاضلة
علي النموشي
2008-09-28, 17:06
صدقت والله . لا فض فوك ، الحديث قياس كما قال عندنا
الصادق محمد
2008-10-18, 10:08
مشكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــورة اختي مناظره جد جميلة ومفيده
دمت فى المنتدى اختى المزيد المزيد
علي النموشي
2008-10-18, 20:14
الاعراب أكثر فصاحة من غيرهم خاصة أعارب قبيلة هذيل
عبد الوكيل الاول
2008-11-08, 21:14
اعجبتني المشاركة والرد الفصيح
كما اشكر المناظرة المعلوماتية التي زودتمونا اياها
علي النموشي
2008-11-21, 20:34
أين نحن من ذاك الزمان !!!
كويرة أحمد
2008-12-02, 01:25
السلام عليكم. فبعد قراءة المدخلات من الإخوة الأفاضل و سوء الفهم لبعضهم البعض ارتأيت ان اضيف توضيح انقله من احد المواقع يزيل اللبس عن قضية ماذا قصد جرير بقوله
وغض الطرف انك من نمير ........فلا كعب بلغت ولا كلابا
على الرغم من ان الموضوع حال عليه الحول و بلغ نصابه و لعل هذا التوضيح هو زكاته .و السلام
جرير و بنو نمير
قصة واقعية تمثل حياة العرب الأدبية في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة ، جرت حوادثها في البصرة – حلبة الشعراء في تلك الأيام فكانوا يتبارون في المربد منها ، و هو سوق كسوق عكاظ في الجاهلية
( يا أبا جندل ، إنك شيخ مضر و شاعرها ، وقد أتى بي إليك أني و ابن عمي نستب صباح مساء ، و ما عليك غلبة المغلوب ، و لا لك غلبة الغالب . فإما أن تدعني و صاحبي ، و يكفيك إذا ذكرنا أن تقول : كلاهما شاعر كريم . و لا تحتمل مني و لا منه لائمة . و إما أن يكون وجه منك إلي إن تغلبني عليه : لمدحي قومك و ذبي عنهم ، و حطبي في حبلهم )
قال جرير ذلك للراعي عبيد بن حصين – أحد بني نمير – و قد بلغه خبر أقامه و أقعده ، و هو أن عرادة النميري – نديم الفرزدق – اتخذ طعاما و شرابا و دعا إليه الراعي حين قدومه البصرة ، و جلس يؤاكله و يشاربه ، و في خلال ذلك قال عرادة النميري :
- يا أبا جندل ، انك من شعراء الناس ، أمرك ضخم بينهم ، فقل شعرا تفضل به الفرزدق على جرير !
فامتنع الراعي بادئ الأمر ، غير أن صاحبه ما زال يزين له ذلك حتى قال (عبيد) :
يا صاحبي دنا الأصيل فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فطار عرادة لذلك فرحا ، و عدا بهذا الشعر إلى الفرزدق و أنشده إياه . فترامى الخبر بعد أيام إلى جرير فتحسب أنه مغلب للفرزدق ، و قد شهد بذلك عبيد شاعر مضر و ذو سنها .
لهذا الخبر خاطب جرير أبا جندل بكلمته التي في صدر هذه القصة ، فقال له هذا:
- صدقت ، أنا لا أبعدك من خير ، ميعادك و ميعاد قومك غدا ، فسأعتذر عما قلت ...
***
بَكر جرير ثاني الأيام إلى حلقة قومه بني يربوع في المسجد ، و قص عليهم القصص ، فما انتظمت حلقتهم بعد صلاة العصر من يوم الجمعة حتى وقف عليهم رجل من بني أُسيد له علم بالأمر ، فقال له بنو يربوع :
- اذهب إلى حلقة بني نمير فتعرض لراعي الإبل و اذكر مجلسنا ، لعله نسي الذي قال لنا بالأمس
فأتاه فقال :
- يا أبا جندل ، هذه بنو يربوع تنضح جبا**م العرق ، ينظرون ميعادك اليوم
فذكر الراعي ذلك ، فقام ليعتذر ، و لكن قومه أدركوه و تمسكوا بأطراف ثوبه و قالوا له :
- اجلس فوالله لأن ينضح قبرك غدوة في الجبانة أحب إلينا أن يراك الناس تعتذر لهذه الكلاب
فسمع الرجل ذلك ،فنقله إلى بني يربوع
ثار ثائر جرير و جن جنونه ، و جعل القوم يكلمونه فلا يجيب ، حتى ترك المجلس غضبان ، و انتظر أبا جندل في الطريق ليراه و يزجره .
و انه لهنالك إذ ألفى عبيداً راكباً بغلته ، فتعرض له قائلاً :
- يا أبا جندل ، إني قد أقمت بهذا المصر سبع سنين لا أكسب أهلي دنيا و لا آخرة ، إلا أن أسب من سبهم ، فلا يقع منك بيني و بين هذا الرجل – يعني الفرزدق- ما أكره
قال هذا بلهجة مترعةٍ إرادةً حديدية ، و أردف ذلك بقوله :
- أنت شيخ مضر و شاعرهم ، و قولك مسموع فيهم ، فمهلاً أبا جندل مهلا !
فقال هذا و كان عاقلا :
- معاذ الله أن أفعل ما تكره !
قال جرير ، و قد ألفى مجالا للإفصاح عما يكنه صدره بعد أن قويت حجته :
- و مع ذلك فأنت ترفع الفرزدق و قومه حتى لو تقدر أن تجعلهم في السماء لفعلت ، و تقع في بني يربوع حتى تصير إلي في رحلي .
و إنهما لفي هذا الحديث ، و قد وضع جرير شماله على بغلة أبي جندل ، إذ أقبل جندل راكباً بغلته ، فسأل عن محدث أبيه فلما علمه رفع عصاً كرمانية كانت في يده و ضرب عجز بغلة أبيه قائلا :
- لا أراك يا أبتاه واقفاً على كلب من بني كليب كأنك تخشى منه شراً أو ترجو منه خيراً !
فاندفعت البغلة مسرعة و قد رمحت جريراً فسقطت قلنسوته سقطة مشئومة ، و تبعها هو إلى الأرض فقال في نفسه و هو واقف ينظفها و ينظر إلى الفتى و أبيه و قد أوشكا أن يتواريا في السواد :
- ليعلمن شأنه و شأن أبيه و قومه بعد حين ....
نعم يا جرير ، لقد حان الوقت الذي تطفأ فيه آخر جمرات العرب الثلاث ، و ليقل بعد إن جريراً وحده هو الذي أخمدها
***
لجرير راويةٌ هو مولى لبني كليب كان يبيع الرطب بالبصرة ، و كان يحب شعر جرير و يجمع قصائده ليحفظها و يرويها في الناس ، و قد تمكن حب جرير من قلب ( حسين ) راويته هذا .
و ذهب جرير إلى راويته و أعلمه بما جرى و قال :
- إني آتيك الليلة فأعد لي شواءً و فراشاً و نبيذاً محشفاً (تمر ينبذ في وعاء فيه ماء).
ثم تركه و قصد إلى الشوارع يطوفها و نفسه وثابة لا يستطيع أن يكبح جماحها ، و لما أقبل الليل بجيوشه ولى وج** شطر البيت ، و في خواطره من الثورة ما لو كان بأمة جامدة لحركها و دخل جرير في المساء على راويته فقال :
- هل هيأت كل شئ ؟
قال : - أجل فعلام عولت ؟
قال : - أما والله لأوقرنَّ رواحله بما يثقلها خزياً ينقلب به إلى أهله ، و لتكونن قصيدتي فيهم دمَّاغة فاضحة ، تسير مع الدهر و تطويه ، و لألحقنبني نمير بجمرتي العرب الخامدتين (هامش: جمرات العرب الثلاث : (بنو الحارث بن كعب ) و قد خمدت بمحالفتها مذحج ، و ( بنو ضبة بن أد) و قد خمدت بمحالفتها الرباب ، و (بنو نمير) و قد خمدت بعد هذه الليلة بقصيدة جرير ) .
وبعد صمت قليل قال :
- هلم عشاءك !
فأحضر له العشاء ، و حانت صلاة العشاء فقام و صلاها ثم قال :
- ارفعوا لي باطية من نبيذ ، و أسرجوا لي
ففعلوا فشرب ، ثم قال :
- هات دواةً و كتفا .
فأتاه بما أراد ، فجعل جرير يهمهم و يحبو و يقول :
- اكتب ، و ابتدأ بقصيدته فكان مطلعها :
أقلِّي اللوم عاذلَ و العتابا و قولي إن أصبت لقد أصابا
و بينا هو في تمتمته إذ سمعت صوته عجوز في الدار فاطلعت من الدرجة حتى نظرت فإذا هو على تلك الحال يحبو على الفراش ، فانحدرت و قد خشيت مغبة ما رأت و قالت :
- ضيفكم مجنون .... رأيت منه كذا و كذا .
فقالوا : - اذهبي لطيتك ، نحن أعلم به و بما يمارس
أدرك السَحَر الشاعر و هو على تلك الحال ، حتى وصل إلى شطره الذي يقول فيه :
فغض الطرف إنك من نُمَيْر
فازدادت تمتمته و نشوته ، و استعصى عليه الشطر الثاني ، فقال لراويته :
- ويحك أطفئ السراج
فأطفأ السراج ، ثم تناول منديلاً كبيراً غطى به رأسه زيادة في طلب الخلوة ، و فتر برهة طويلة و الراوية ينتظره حتى عيل صبره ، و كان للنوم عليه حكم فانقاد إليه ، و مازال كذلك حتى أماله الكرى على صدر جرير ، فوثب جرير وثبة انتبه منها الراوية مذعوراً ، فإذا بالشاعر يكبر و يصيح :
- لقد أخزيته و رب الكعبة .... اكتب اكتب ( فلا كعباً بلغت و لا كلابا ) غضضته و قدمت إخوته عليه ، و الله لا يفلح ، و لن يفلح نميري بعدها أبداً .
***
انقضى الليل و ابن الخطفى يهذب قصيدته و يزيد فيها ، حتى خرجت آية في فن الشعر ، و مصيبة في الهجاء ثم نام و هو يقول : - لقد أخزيته والله آخر الدهر ، فلن يرفعوا رأساً بعدها إلا نكس بهذا البيت .
و جعل يردده
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت و لا كلابا
***
أصبح جرير و هو على مثل جمر الغضى ، و ما علم أن الناس أخذوا مجالسهم في المربد – و بينهم أبو جندل و ابنه و الفرزدق – حتى دعا بدهن فأدهن ، و كف رأسه ، و كان حسن الشَعر ، ثم قال :
- يا غلام أسرج لي حصاناً
فأسرج له ، ثم قصد مجلسهم يستحث جواده ، فبلغ المكان فقال بصوت عال سمعه كل من كان هناك :
- يا غلام ، قل لعبيد أبعثك نسوتك تكسبهن المال بالعراق ؟ أما و الذي نفس جرير بيده لترجعن إليهم بمَيْرٍ يسوءهن و لا يسرهن . و البيت الحرام(*) إن لكم لمعاد سوء و ذلة و لأوقرنَّ رواحلكم بما يثقلها خزياً و عارا .
قال قوله هذا و الأعناق مشرئبة إليه . ثم قصد صاحباً له ، قريباً مجلسه من أبي جندل ، فأخذ بتلابيب الراعي و قال :
- إنكم لن تعودوا شم الأنوف جحاجح بين العرب بعد الساعة ...
و في تلك اللحظة لم يكن الجالس يسمع إلا وجيباً و همساً ،ثم تركه و وقف منشداً قصيدته :
أقلي اللوم عازل و العتابا و قولي إن أصبت : لقد أصابا
أما الفرزدق فقد كان يصغي إلى جرير بكل جوارحه ، لعلمه بإقذاعه إن هجا ، و انطلق جرير يقول ، و الناس آذان تصغي إليه حتى بلغ قوله :
أجندل ما تقول بنو نمير ......
فقال : يقولون شراً أتيتنا ، فبئس و الله ما كسبنا قومنا ، و لما انتهى إلى قوله:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت و لا كلابا
أقبل الفرزدق على راويته يقول : غضَّه و الله ، فلا يجيبه ، و لا يفلح بعدها أبداً.
و قال عبيد : أخزيتَهم ، أخزاك الله آخر الدهر
و لما وصل إلى قوله : بها برص .....
وضع الفرزدق يده على عنفقته يسترها عن عيني جرير الذي كان يرعاه و يرعى حركاته ، فأتم الشاعر قوله :
كعنفقة الفرزدق حين شابا
و لعله استعاض عن شطر لا ندري ما هو بشطر قصد به الفرزدق ارتجالا عندما رآه يستر عنفقته
عند ذلك نكس الفرزدق رأسه و التفت إلى راويته يقول :
اللهم أخزه ، و الله لقد علمت حين بدأ صدر البيت أنه لا يقول غير هذا ، و لكني طمعت في غفلته فغطيت وجهي فما أغناني ذلك شيئاً ، فأنا الجاني على نفسي الساعة إذ نبهته إلى ما لعله كان غافلا عنه . ألم أقل لك أن شيطاننا واحد ؟
ثم صمت و ظل صامتاً حتى إذا انتهى جرير من إنشاد القصيدة ذهب لا يلوي على شئ . أما راعي الإبل فقد غض طرفه – كما شاء جرير – و صبر و ابنه على ما يسمعان ، حتى إذا فرغ جرير ذهب الراعي إلى قومه يقول :
- ركابكم ركابكم ، فليس لكم هاهنا مقام ، فضحكم والله جرير
فلم يرَ الناظر ساعتئذ إلا وجوهاً ممتقعة الألوان ، و لم يسمع إلا ضوضاء الرحيل ، و قالوا له : هذا شؤمك و شؤم ابنك علينا
فقال : كلا يا قوم لست شؤماً عليكم و ليس ابني كذلك ، و إنما جرير شؤم على الناس أجمعين .
و قال بعضهم لأبي جندل : ما الذي دعاك إلى التعرض له و للفرزدق ؟ ألا تعلم أن هؤلاء الشعراء الثلاثة – جريراً و الفرزدق و الأخطل – في حرب عوان ، و أنه لم يبق أحد من شعراء عصرهم إلا تعرض لهم فافتضح كما افتضحنا ، و سقط بين أرجلهم و بقوا يتصاولون ؟
قال : خلوا سبيلي يا قوم ، إنه القضاء ، و لا يغني حذر من قدر
و مازال شعراء نمير يحجمون عن الرد على جرير خشية الفضيحة مرة ثانية ، حتى تجشم بعضهم الرد عليه كي لا يقال فيهم أكثر مما قيل، و لكن تلك الأشعار لم تنفع نميراً و لا أضرَّت بجرير .
***
أدالتهذه القصيدة من عز بني نمير بن عامر بن صعصعة ، و غدا كل منهم ينتسب ( عامرياً ) بعد أن كان إذا سئل : ممن الرجل ؟ قال: ( من نمير .... كما ترى ) و فخم لفظه و مد به صوته .
أما أبو جندل فكان عندهم رمز الشؤم هو و ابنه ، و أما جرير فكان عندهم ملتقى السباب و الشتائم إلى يوم الدين .
و كابد بنو نمير أشد ما يكابد ذليل بعد عز ، فقد قيل إن مولى لباهلة – و كانت باهلة موسومة عند العرب بالضعة – كان يرد سوق البصرة ممتاراً . و كان بعض بني نمير يصيح به ( يا جواذب باهلة !) فيكابد من ذلك ألماً جسيما ، فلما ضجر منهم قص الخبر على مواليه فقالوا له : إذا نبزوك فقل لهم : فغض الطرف ..... ( البيت )
و مر بهم ذات يوم فنبزوه ، فأراد البيت فاستعصى عليه و خانته الذاكرة ، فقال لنابزه : غمض و إلا جاءك ما تكره
فعضوا أصابعهم ندماً و كفوا عنه ، و لم يتعرضوا له بعدها
و حكي أن امرأة مرت ببعض مجالس بني نمير فأداموا النظر إليها و قال قائل : انها رشحاء
فقالت : قبحكم الله يا بني نمير ، ما قبلتم قول الله عز و جل ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) و لا قول الشاعر : فغض الطرف ... ( البيت )
فتشاغلوا بأنفسهم عنها و لم يعودوا لمثلها
***
و مازال الدهر من منشدي تلك القصيدة ( الدمَّاغة ) و نفس جرير الجبارة لا يساورها الندم على ما في القصيدة من تحامل و قسوة ، إلى أن وقع لجرير ما غير رأيه فيها
قال جرير :
ما ندمت على هجائي بني نمير قط إلا مرة واحدة فإني خرجت إلى الشام ، فنزلت بقوم نزول في قصر لهم في ضيعة من ضياعهم ، و نظرت إليه من بعيد بين القصور مشيداً حسنا ، و سألت عن صاحبه فقيل لي : هو رجل من بني نمير .
فقلت : هذا شامي و أنا بدوي و لعله لا يعرفني ، فجئت فاستضفت ، فلما أذن لي و دخلت عرفني ، فقراني أحسن القِرى ليلتين . فلما أصبحت جلست ، فدعا ببنية له فضمها له و ترشفها ، فإذا هي أحسن الناس وجها ، و لها نشر لم أشم أطيب منه . فنظرت إلى عينيها فقلت : تالله ما رأيت أحسن من عيني هذه الطفلة و لا من حَوَرِها قط ، و عوذتها . فقال لي : يا أبا حَزرة أسوداء المحاجر هي ؟ فذهبت أصف طيب رائحتها ، فقال : أمن وبر هي ؟
فقلت : يرحمك الله ،إن الشاعر ليقول ، و والله لقد ساءني ما قلته و لكن صاحبكم – يريد الراعي – بدأني فانتصرت عليه . ( و ذهبت أعتذر )
فقال : دع ذا عنك ، أبا حزرة ، فوالله ما لك عندي إلا ما تحب
قال جرير : و أحسن والله إلى و زودني و كساني ، فانصرفت و أنا أندم الناس على ما سلف مني لقومه
جميل سلطان
نقلاً عن الحديقة لمحب الدين الخطيب ج9 ص66
كلامك جميل اختى الفاضلة دمتى مشكورة
MOSTAFA17_2012
2009-02-05, 15:41
رائـــــــــــــــــــــــــــعــــــــــــــــة جــــــــــــــــــــــــــــداً
انها امراة اصيلة نادرة في هذا الزمن ليس لي ان اقول سوى انها افحمتهم
ليست فصيحة فحسب ..بل تجيد التقريع والتوبيخ .." بهدلتهم " و"هزقتهم " باسلوب رفيع جدا ..
شكرا على الانتقاء ..
نعم إنها بليغة' و قد أعجبني حضور ردها
شكرا لك على المو ضوع
الشكر لله
جميل جدا ما قالته هذه الاعرابية
نعم جميل و أجد جماله أكثر بد ان انقطعت عن الموضوع كل هذه الفترة
أهذا موضوع يستحق التثبيت؟؟!! , أم هو التعسف في إستخدام المسؤولية؟؟!!
أولا أنت تخطئ في فأنا لست مشرفة هذا القسم بل مشرفة القسم الإسلامي و ليس ثتبيت الموضوع من اختصاصي و للعلم فقط أنه لم يكن لي أبدا تعامل مباشر مع مشرف هذا القسم من يوم دخولي هنا !!
و غير ذلك فإنه إن كان فهم الموضوع على قدر فهمك فطبعا لن يستحق التثبيت
فعلا موضوع يستحق التثبيت
فالقصة لها أثر و معنى بالغ و في فحواه حكم تفيد في حياتنا
شكراااااااااااااااااااااااااا
وعلى من فهم مثل ما فهمنا وفهم كل من شارك هنا فقد وجد فيه من وجد أهمية ..
جزاك الله خيرا اختي الفاضلة
جزاك الله خيرا
صدقت والله . لا فض فوك ، الحديث قياس كما قال عندنا
رزقنا الله العفة و العفاف
مشكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــورة اختي مناظره جد جميلة ومفيده
دمت فى المنتدى اختى المزيد المزيد
أحسست بجمالها الان أكثر من ذي قبل فالعودة للوراء ثتير الشجون ! والمزيد في القسم الإسلامي
الاعراب أكثر فصاحة من غيرهم خاصة أعارب قبيلة هذيل
اعجبتني المشاركة والرد الفصيح
كما اشكر المناظرة المعلوماتية التي زودتمونا اياها
بارك الله فيك
أين نحن من ذاك الزمان !!!
لكل زمان جمالياته و أخلاقياته فنحن لا نعدم مثل هذا عندنا لكن بصفة أخرى
السلام عليكم. فبعد قراءة المدخلات من الإخوة الأفاضل و سوء الفهم لبعضهم البعض ارتأيت ان اضيف توضيح انقله من احد المواقع يزيل اللبس عن قضية ماذا قصد جرير بقوله
وغض الطرف انك من نمير ........فلا كعب بلغت ولا كلابا
على الرغم من ان الموضوع حال عليه الحول و بلغ نصابه و لعل هذا التوضيح هو زكاته .و السلام
جرير و بنو نمير
قصة واقعية تمثل حياة العرب الأدبية في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة ، جرت حوادثها في البصرة – حلبة الشعراء في تلك الأيام فكانوا يتبارون في المربد منها ، و هو سوق كسوق عكاظ في الجاهلية
( يا أبا جندل ، إنك شيخ مضر و شاعرها ، وقد أتى بي إليك أني و ابن عمي نستب صباح مساء ، و ما عليك غلبة المغلوب ، و لا لك غلبة الغالب . فإما أن تدعني و صاحبي ، و يكفيك إذا ذكرنا أن تقول : كلاهما شاعر كريم . و لا تحتمل مني و لا منه لائمة . و إما أن يكون وجه منك إلي إن تغلبني عليه : لمدحي قومك و ذبي عنهم ، و حطبي في حبلهم )
قال جرير ذلك للراعي عبيد بن حصين – أحد بني نمير – و قد بلغه خبر أقامه و أقعده ، و هو أن عرادة النميري – نديم الفرزدق – اتخذ طعاما و شرابا و دعا إليه الراعي حين قدومه البصرة ، و جلس يؤاكله و يشاربه ، و في خلال ذلك قال عرادة النميري :
- يا أبا جندل ، انك من شعراء الناس ، أمرك ضخم بينهم ، فقل شعرا تفضل به الفرزدق على جرير !
فامتنع الراعي بادئ الأمر ، غير أن صاحبه ما زال يزين له ذلك حتى قال (عبيد) :
يا صاحبي دنا الأصيل فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فطار عرادة لذلك فرحا ، و عدا بهذا الشعر إلى الفرزدق و أنشده إياه . فترامى الخبر بعد أيام إلى جرير فتحسب أنه مغلب للفرزدق ، و قد شهد بذلك عبيد شاعر مضر و ذو سنها .
لهذا الخبر خاطب جرير أبا جندل بكلمته التي في صدر هذه القصة ، فقال له هذا:
- صدقت ، أنا لا أبعدك من خير ، ميعادك و ميعاد قومك غدا ، فسأعتذر عما قلت ...
***
بَكر جرير ثاني الأيام إلى حلقة قومه بني يربوع في المسجد ، و قص عليهم القصص ، فما انتظمت حلقتهم بعد صلاة العصر من يوم الجمعة حتى وقف عليهم رجل من بني أُسيد له علم بالأمر ، فقال له بنو يربوع :
- اذهب إلى حلقة بني نمير فتعرض لراعي الإبل و اذكر مجلسنا ، لعله نسي الذي قال لنا بالأمس
فأتاه فقال :
- يا أبا جندل ، هذه بنو يربوع تنضح جبا**م العرق ، ينظرون ميعادك اليوم
فذكر الراعي ذلك ، فقام ليعتذر ، و لكن قومه أدركوه و تمسكوا بأطراف ثوبه و قالوا له :
- اجلس فوالله لأن ينضح قبرك غدوة في الجبانة أحب إلينا أن يراك الناس تعتذر لهذه الكلاب
فسمع الرجل ذلك ،فنقله إلى بني يربوع
ثار ثائر جرير و جن جنونه ، و جعل القوم يكلمونه فلا يجيب ، حتى ترك المجلس غضبان ، و انتظر أبا جندل في الطريق ليراه و يزجره .
و انه لهنالك إذ ألفى عبيداً راكباً بغلته ، فتعرض له قائلاً :
- يا أبا جندل ، إني قد أقمت بهذا المصر سبع سنين لا أكسب أهلي دنيا و لا آخرة ، إلا أن أسب من سبهم ، فلا يقع منك بيني و بين هذا الرجل – يعني الفرزدق- ما أكره
قال هذا بلهجة مترعةٍ إرادةً حديدية ، و أردف ذلك بقوله :
- أنت شيخ مضر و شاعرهم ، و قولك مسموع فيهم ، فمهلاً أبا جندل مهلا !
فقال هذا و كان عاقلا :
- معاذ الله أن أفعل ما تكره !
قال جرير ، و قد ألفى مجالا للإفصاح عما يكنه صدره بعد أن قويت حجته :
- و مع ذلك فأنت ترفع الفرزدق و قومه حتى لو تقدر أن تجعلهم في السماء لفعلت ، و تقع في بني يربوع حتى تصير إلي في رحلي .
و إنهما لفي هذا الحديث ، و قد وضع جرير شماله على بغلة أبي جندل ، إذ أقبل جندل راكباً بغلته ، فسأل عن محدث أبيه فلما علمه رفع عصاً كرمانية كانت في يده و ضرب عجز بغلة أبيه قائلا :
- لا أراك يا أبتاه واقفاً على كلب من بني كليب كأنك تخشى منه شراً أو ترجو منه خيراً !
فاندفعت البغلة مسرعة و قد رمحت جريراً فسقطت قلنسوته سقطة مشئومة ، و تبعها هو إلى الأرض فقال في نفسه و هو واقف ينظفها و ينظر إلى الفتى و أبيه و قد أوشكا أن يتواريا في السواد :
- ليعلمن شأنه و شأن أبيه و قومه بعد حين ....
نعم يا جرير ، لقد حان الوقت الذي تطفأ فيه آخر جمرات العرب الثلاث ، و ليقل بعد إن جريراً وحده هو الذي أخمدها
***
لجرير راويةٌ هو مولى لبني كليب كان يبيع الرطب بالبصرة ، و كان يحب شعر جرير و يجمع قصائده ليحفظها و يرويها في الناس ، و قد تمكن حب جرير من قلب ( حسين ) راويته هذا .
و ذهب جرير إلى راويته و أعلمه بما جرى و قال :
- إني آتيك الليلة فأعد لي شواءً و فراشاً و نبيذاً محشفاً (تمر ينبذ في وعاء فيه ماء).
ثم تركه و قصد إلى الشوارع يطوفها و نفسه وثابة لا يستطيع أن يكبح جماحها ، و لما أقبل الليل بجيوشه ولى وج** شطر البيت ، و في خواطره من الثورة ما لو كان بأمة جامدة لحركها و دخل جرير في المساء على راويته فقال :
- هل هيأت كل شئ ؟
قال : - أجل فعلام عولت ؟
قال : - أما والله لأوقرنَّ رواحله بما يثقلها خزياً ينقلب به إلى أهله ، و لتكونن قصيدتي فيهم دمَّاغة فاضحة ، تسير مع الدهر و تطويه ، و لألحقنبني نمير بجمرتي العرب الخامدتين (هامش: جمرات العرب الثلاث : (بنو الحارث بن كعب ) و قد خمدت بمحالفتها مذحج ، و ( بنو ضبة بن أد) و قد خمدت بمحالفتها الرباب ، و (بنو نمير) و قد خمدت بعد هذه الليلة بقصيدة جرير ) .
وبعد صمت قليل قال :
- هلم عشاءك !
فأحضر له العشاء ، و حانت صلاة العشاء فقام و صلاها ثم قال :
- ارفعوا لي باطية من نبيذ ، و أسرجوا لي
ففعلوا فشرب ، ثم قال :
- هات دواةً و كتفا .
فأتاه بما أراد ، فجعل جرير يهمهم و يحبو و يقول :
- اكتب ، و ابتدأ بقصيدته فكان مطلعها :
أقلِّي اللوم عاذلَ و العتابا و قولي إن أصبت لقد أصابا
و بينا هو في تمتمته إذ سمعت صوته عجوز في الدار فاطلعت من الدرجة حتى نظرت فإذا هو على تلك الحال يحبو على الفراش ، فانحدرت و قد خشيت مغبة ما رأت و قالت :
- ضيفكم مجنون .... رأيت منه كذا و كذا .
فقالوا : - اذهبي لطيتك ، نحن أعلم به و بما يمارس
أدرك السَحَر الشاعر و هو على تلك الحال ، حتى وصل إلى شطره الذي يقول فيه :
فغض الطرف إنك من نُمَيْر
فازدادت تمتمته و نشوته ، و استعصى عليه الشطر الثاني ، فقال لراويته :
- ويحك أطفئ السراج
فأطفأ السراج ، ثم تناول منديلاً كبيراً غطى به رأسه زيادة في طلب الخلوة ، و فتر برهة طويلة و الراوية ينتظره حتى عيل صبره ، و كان للنوم عليه حكم فانقاد إليه ، و مازال كذلك حتى أماله الكرى على صدر جرير ، فوثب جرير وثبة انتبه منها الراوية مذعوراً ، فإذا بالشاعر يكبر و يصيح :
- لقد أخزيته و رب الكعبة .... اكتب اكتب ( فلا كعباً بلغت و لا كلابا ) غضضته و قدمت إخوته عليه ، و الله لا يفلح ، و لن يفلح نميري بعدها أبداً .
***
انقضى الليل و ابن الخطفى يهذب قصيدته و يزيد فيها ، حتى خرجت آية في فن الشعر ، و مصيبة في الهجاء ثم نام و هو يقول : - لقد أخزيته والله آخر الدهر ، فلن يرفعوا رأساً بعدها إلا نكس بهذا البيت .
و جعل يردده
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت و لا كلابا
***
أصبح جرير و هو على مثل جمر الغضى ، و ما علم أن الناس أخذوا مجالسهم في المربد – و بينهم أبو جندل و ابنه و الفرزدق – حتى دعا بدهن فأدهن ، و كف رأسه ، و كان حسن الشَعر ، ثم قال :
- يا غلام أسرج لي حصاناً
فأسرج له ، ثم قصد مجلسهم يستحث جواده ، فبلغ المكان فقال بصوت عال سمعه كل من كان هناك :
- يا غلام ، قل لعبيد أبعثك نسوتك تكسبهن المال بالعراق ؟ أما و الذي نفس جرير بيده لترجعن إليهم بمَيْرٍ يسوءهن و لا يسرهن . و البيت الحرام(*) إن لكم لمعاد سوء و ذلة و لأوقرنَّ رواحلكم بما يثقلها خزياً و عارا .
قال قوله هذا و الأعناق مشرئبة إليه . ثم قصد صاحباً له ، قريباً مجلسه من أبي جندل ، فأخذ بتلابيب الراعي و قال :
- إنكم لن تعودوا شم الأنوف جحاجح بين العرب بعد الساعة ...
و في تلك اللحظة لم يكن الجالس يسمع إلا وجيباً و همساً ،ثم تركه و وقف منشداً قصيدته :
أقلي اللوم عازل و العتابا و قولي إن أصبت : لقد أصابا
أما الفرزدق فقد كان يصغي إلى جرير بكل جوارحه ، لعلمه بإقذاعه إن هجا ، و انطلق جرير يقول ، و الناس آذان تصغي إليه حتى بلغ قوله :
أجندل ما تقول بنو نمير ......
فقال : يقولون شراً أتيتنا ، فبئس و الله ما كسبنا قومنا ، و لما انتهى إلى قوله:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت و لا كلابا
أقبل الفرزدق على راويته يقول : غضَّه و الله ، فلا يجيبه ، و لا يفلح بعدها أبداً.
و قال عبيد : أخزيتَهم ، أخزاك الله آخر الدهر
و لما وصل إلى قوله : بها برص .....
وضع الفرزدق يده على عنفقته يسترها عن عيني جرير الذي كان يرعاه و يرعى حركاته ، فأتم الشاعر قوله :
كعنفقة الفرزدق حين شابا
و لعله استعاض عن شطر لا ندري ما هو بشطر قصد به الفرزدق ارتجالا عندما رآه يستر عنفقته
عند ذلك نكس الفرزدق رأسه و التفت إلى راويته يقول :
اللهم أخزه ، و الله لقد علمت حين بدأ صدر البيت أنه لا يقول غير هذا ، و لكني طمعت في غفلته فغطيت وجهي فما أغناني ذلك شيئاً ، فأنا الجاني على نفسي الساعة إذ نبهته إلى ما لعله كان غافلا عنه . ألم أقل لك أن شيطاننا واحد ؟
ثم صمت و ظل صامتاً حتى إذا انتهى جرير من إنشاد القصيدة ذهب لا يلوي على شئ . أما راعي الإبل فقد غض طرفه – كما شاء جرير – و صبر و ابنه على ما يسمعان ، حتى إذا فرغ جرير ذهب الراعي إلى قومه يقول :
- ركابكم ركابكم ، فليس لكم هاهنا مقام ، فضحكم والله جرير
فلم يرَ الناظر ساعتئذ إلا وجوهاً ممتقعة الألوان ، و لم يسمع إلا ضوضاء الرحيل ، و قالوا له : هذا شؤمك و شؤم ابنك علينا
فقال : كلا يا قوم لست شؤماً عليكم و ليس ابني كذلك ، و إنما جرير شؤم على الناس أجمعين .
و قال بعضهم لأبي جندل : ما الذي دعاك إلى التعرض له و للفرزدق ؟ ألا تعلم أن هؤلاء الشعراء الثلاثة – جريراً و الفرزدق و الأخطل – في حرب عوان ، و أنه لم يبق أحد من شعراء عصرهم إلا تعرض لهم فافتضح كما افتضحنا ، و سقط بين أرجلهم و بقوا يتصاولون ؟
قال : خلوا سبيلي يا قوم ، إنه القضاء ، و لا يغني حذر من قدر
و مازال شعراء نمير يحجمون عن الرد على جرير خشية الفضيحة مرة ثانية ، حتى تجشم بعضهم الرد عليه كي لا يقال فيهم أكثر مما قيل، و لكن تلك الأشعار لم تنفع نميراً و لا أضرَّت بجرير .
***
أدالتهذه القصيدة من عز بني نمير بن عامر بن صعصعة ، و غدا كل منهم ينتسب ( عامرياً ) بعد أن كان إذا سئل : ممن الرجل ؟ قال: ( من نمير .... كما ترى ) و فخم لفظه و مد به صوته .
أما أبو جندل فكان عندهم رمز الشؤم هو و ابنه ، و أما جرير فكان عندهم ملتقى السباب و الشتائم إلى يوم الدين .
و كابد بنو نمير أشد ما يكابد ذليل بعد عز ، فقد قيل إن مولى لباهلة – و كانت باهلة موسومة عند العرب بالضعة – كان يرد سوق البصرة ممتاراً . و كان بعض بني نمير يصيح به ( يا جواذب باهلة !) فيكابد من ذلك ألماً جسيما ، فلما ضجر منهم قص الخبر على مواليه فقالوا له : إذا نبزوك فقل لهم : فغض الطرف ..... ( البيت )
و مر بهم ذات يوم فنبزوه ، فأراد البيت فاستعصى عليه و خانته الذاكرة ، فقال لنابزه : غمض و إلا جاءك ما تكره
فعضوا أصابعهم ندماً و كفوا عنه ، و لم يتعرضوا له بعدها
و حكي أن امرأة مرت ببعض مجالس بني نمير فأداموا النظر إليها و قال قائل : انها رشحاء
فقالت : قبحكم الله يا بني نمير ، ما قبلتم قول الله عز و جل ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) و لا قول الشاعر : فغض الطرف ... ( البيت )
فتشاغلوا بأنفسهم عنها و لم يعودوا لمثلها
***
و مازال الدهر من منشدي تلك القصيدة ( الدمَّاغة ) و نفس جرير الجبارة لا يساورها الندم على ما في القصيدة من تحامل و قسوة ، إلى أن وقع لجرير ما غير رأيه فيها
قال جرير :
ما ندمت على هجائي بني نمير قط إلا مرة واحدة فإني خرجت إلى الشام ، فنزلت بقوم نزول في قصر لهم في ضيعة من ضياعهم ، و نظرت إليه من بعيد بين القصور مشيداً حسنا ، و سألت عن صاحبه فقيل لي : هو رجل من بني نمير .
فقلت : هذا شامي و أنا بدوي و لعله لا يعرفني ، فجئت فاستضفت ، فلما أذن لي و دخلت عرفني ، فقراني أحسن القِرى ليلتين . فلما أصبحت جلست ، فدعا ببنية له فضمها له و ترشفها ، فإذا هي أحسن الناس وجها ، و لها نشر لم أشم أطيب منه . فنظرت إلى عينيها فقلت : تالله ما رأيت أحسن من عيني هذه الطفلة و لا من حَوَرِها قط ، و عوذتها . فقال لي : يا أبا حَزرة أسوداء المحاجر هي ؟ فذهبت أصف طيب رائحتها ، فقال : أمن وبر هي ؟
فقلت : يرحمك الله ،إن الشاعر ليقول ، و والله لقد ساءني ما قلته و لكن صاحبكم – يريد الراعي – بدأني فانتصرت عليه . ( و ذهبت أعتذر )
فقال : دع ذا عنك ، أبا حزرة ، فوالله ما لك عندي إلا ما تحب
قال جرير : و أحسن والله إلى و زودني و كساني ، فانصرفت و أنا أندم الناس على ما سلف مني لقومه
جميل سلطان
نقلاً عن الحديقة لمحب الدين الخطيب ج9 ص66
بارك الله فيك أخي الكريم ...جميل أن عدت بنا كل هذا الوقت ..لقد عاودتني ذكريات أيام كتبت هذا الموضوع سبحان الله ..في الحقيقة ..كنت على إحاطة بكل الروايات التي قدمت لكن منعني عنها أنني أردت ذكر الأهم فالأهم و زهدني فيها بعض البذاءة التي وجدت في القصيدة غفر الله للشعراء فأحيانا يقولون كلاما لا يزِنونَه بميزان الشرع فبارك الله فيك لبيانك ما قصرنا فيه
كلامك جميل اختى الفاضلة دمتى مشكورة
بارك الله فيك جزاك الله خيرا
رائـــــــــــــــــــــــــــعــــــــــــــــة جــــــــــــــــــــــــــــداً
سعيدة أن نال هذا إعجابكم كما نال إعجابي يومها
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir