يوسف أحمد العليقي
2010-10-16, 05:06
تأملات في آيات الكتاب
لا تقابل الله عارياً
بقلم يوسف أحمد
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف26
لباس التقوى ليس أثواباً و ريشاً، ودقاتُ قلبك تخصك أنت ، والدمُ الذي يجرى في العروق ، ومحبتك لله والإيمان والتقوى تعود إليك قبل سواك، فكيف أنقلب اللباسُ و الريش غاية ، وصار القرآنُ العظيم أوراقاً صفراء، يقرأها راهب اختصر التقوى في جلباب، بدل أن يتخذ من ألوان البؤس في هذا الكوكب ميداناً للعمل الصالح ؟
لا تترك الريشَ يخدعك...
الإيمان عاطفة سرية، يدسها المرء في قلبه فيخلو إلى ربه متى شاء, ولن يفسد عليه هذه الخلوة أن يحيط به الآلاف أو الملايين. أليس أحبُ الزهد إلى الخالق أخفاه ؟ أما الذين آثروا إعلان الورع والتقوى ، فلعلهم تركوا أعماقهم خالية من خشية الرحمن لحاجة في نفوسهم تتصل بالريش والألوان.
ألا يتخذ العبد الرشيدُ منَ الإيمان والعلم والعمل الصالح لباساً يتقي به عذابَ السعير؟
فما بالي كتبتُ على الرمل اسمَ التقوى ، ونقشتُ على الصخر رسمَ قديس ينتظر يائساً ساعة الموت !! ؟
كيف غابت الجبالُ عن ذاكرتي، والوديانُ و السهولُ و الأنهارُ والبحار ؟ أين شجيرات السدر والصنوبر و التين والزيتون والعنب ترضعها الشمس بالضوء ويؤنسها القمر ؟ أين أسراب النحل تسلك السبل الذليلة وقطعان الضأن والماعز؟ أين الزعتر والشيح، وسحابة كريمة هطلت فغسلت بالرحمة أحزان الكائنات ؟
أصنعت من كل ذلك لعبة ً يلهو بها النسيان ؟ أم صار لباسُ التقوى ضيقاً لا يناسب الحياة ؟
لن تجد اليوم لحياتك لباساً أوسع، وغداً تترك هذا المكان طائعاً وتغرق أيها القديس في حزنك وحدك. أليست خشية الله سرك أنت ؟ فلماذا أرقت أيها الظمآن ماءك لكي يراه الآخرون، وتركت نفسك تهوى إلى قاع العطش السحيق؟
أرضيتَ بعيون الناس تنشر أمامها الريشَ والركوع والسجودَ؟
و نسيتَ المطارات، والطرق والجسور، والمرضى، والمساكين، وقرى البعوض والذباب تغرق في البرك السوداء ..؟ أنسيتَ الصحراءَ يتسلى بها اللهيبُ والسراب، و مدارسَ الجهل، والعقولَ الجوفاء ؟ أنسيتَ آيات التنزيل العزيز ؟ أم لعلك تذكر صاحبَ القميص الحفيظ العليم إذ كانت بيده خزائنُ مصر يطعم منها فقراءَ الأرض حين حاقَ بهم زمنُ القحط ؟ ألا ترى أن هذه اللحظة تفر أمام ناظريك وتغيب إلى الأبد، ويفلت المضارعُ من بين يديك فيصير ماضياً في لمح البصر؟
كذلك ِ كنت ـ يا صغيرتي ـ ِ هنا، تعجبين من أمر الزمن إذ يفر من بين يديك مثل عصفور.
كنت هنا تستمعين وتنصتين لصدى آيات الكتاب المجيد، وتغسلين بيد التقوى جراحي وتداوين آلامي، وتذوب عذوبة ابتسامتك في أعماقي فيحلو طعمُ الليالي والأيام. كنت ِ معي حين كنتُ أحلق بطائرتي فوق جبال ( تيبستي ) ، كنتِ هنا تدهشك البراكينَ الخامدة ، ووديانَ الأنهار الجافة، كنت هنا تسكنين مطمئنة في قلبي حين كنت أنظر إلى آثار القرون الأولى فأرى عجزي، و ضعفي، وتهفو نفسي إلى رحاب الرحمة، وأجنحة أخرى أعرج بها إلى السماء العليا ، وبدناً تلبسه نفسي غير هذا البدن الواهن، و فوأداً يتسع لرؤية الله، ويدنينا غداً من نور وجهه الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة .
لا تقابل الله عارياً
بقلم يوسف أحمد
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف26
لباس التقوى ليس أثواباً و ريشاً، ودقاتُ قلبك تخصك أنت ، والدمُ الذي يجرى في العروق ، ومحبتك لله والإيمان والتقوى تعود إليك قبل سواك، فكيف أنقلب اللباسُ و الريش غاية ، وصار القرآنُ العظيم أوراقاً صفراء، يقرأها راهب اختصر التقوى في جلباب، بدل أن يتخذ من ألوان البؤس في هذا الكوكب ميداناً للعمل الصالح ؟
لا تترك الريشَ يخدعك...
الإيمان عاطفة سرية، يدسها المرء في قلبه فيخلو إلى ربه متى شاء, ولن يفسد عليه هذه الخلوة أن يحيط به الآلاف أو الملايين. أليس أحبُ الزهد إلى الخالق أخفاه ؟ أما الذين آثروا إعلان الورع والتقوى ، فلعلهم تركوا أعماقهم خالية من خشية الرحمن لحاجة في نفوسهم تتصل بالريش والألوان.
ألا يتخذ العبد الرشيدُ منَ الإيمان والعلم والعمل الصالح لباساً يتقي به عذابَ السعير؟
فما بالي كتبتُ على الرمل اسمَ التقوى ، ونقشتُ على الصخر رسمَ قديس ينتظر يائساً ساعة الموت !! ؟
كيف غابت الجبالُ عن ذاكرتي، والوديانُ و السهولُ و الأنهارُ والبحار ؟ أين شجيرات السدر والصنوبر و التين والزيتون والعنب ترضعها الشمس بالضوء ويؤنسها القمر ؟ أين أسراب النحل تسلك السبل الذليلة وقطعان الضأن والماعز؟ أين الزعتر والشيح، وسحابة كريمة هطلت فغسلت بالرحمة أحزان الكائنات ؟
أصنعت من كل ذلك لعبة ً يلهو بها النسيان ؟ أم صار لباسُ التقوى ضيقاً لا يناسب الحياة ؟
لن تجد اليوم لحياتك لباساً أوسع، وغداً تترك هذا المكان طائعاً وتغرق أيها القديس في حزنك وحدك. أليست خشية الله سرك أنت ؟ فلماذا أرقت أيها الظمآن ماءك لكي يراه الآخرون، وتركت نفسك تهوى إلى قاع العطش السحيق؟
أرضيتَ بعيون الناس تنشر أمامها الريشَ والركوع والسجودَ؟
و نسيتَ المطارات، والطرق والجسور، والمرضى، والمساكين، وقرى البعوض والذباب تغرق في البرك السوداء ..؟ أنسيتَ الصحراءَ يتسلى بها اللهيبُ والسراب، و مدارسَ الجهل، والعقولَ الجوفاء ؟ أنسيتَ آيات التنزيل العزيز ؟ أم لعلك تذكر صاحبَ القميص الحفيظ العليم إذ كانت بيده خزائنُ مصر يطعم منها فقراءَ الأرض حين حاقَ بهم زمنُ القحط ؟ ألا ترى أن هذه اللحظة تفر أمام ناظريك وتغيب إلى الأبد، ويفلت المضارعُ من بين يديك فيصير ماضياً في لمح البصر؟
كذلك ِ كنت ـ يا صغيرتي ـ ِ هنا، تعجبين من أمر الزمن إذ يفر من بين يديك مثل عصفور.
كنت هنا تستمعين وتنصتين لصدى آيات الكتاب المجيد، وتغسلين بيد التقوى جراحي وتداوين آلامي، وتذوب عذوبة ابتسامتك في أعماقي فيحلو طعمُ الليالي والأيام. كنت ِ معي حين كنتُ أحلق بطائرتي فوق جبال ( تيبستي ) ، كنتِ هنا تدهشك البراكينَ الخامدة ، ووديانَ الأنهار الجافة، كنت هنا تسكنين مطمئنة في قلبي حين كنت أنظر إلى آثار القرون الأولى فأرى عجزي، و ضعفي، وتهفو نفسي إلى رحاب الرحمة، وأجنحة أخرى أعرج بها إلى السماء العليا ، وبدناً تلبسه نفسي غير هذا البدن الواهن، و فوأداً يتسع لرؤية الله، ويدنينا غداً من نور وجهه الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة .