kawthar-Star
2010-10-05, 16:03
صور من المجتمع العربي
الحالة الاجتماعية:
كانت في العرب أوساط متنوعة ٬ تختلف أحوال بعضها عن بعض ٬ فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم ٬ و كان لها من حرية إلٳرادة ونفاذ القول القسط الأوفر ٬ و كانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف ٬ و تراق الدماء ٬ و كان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته ٳلا المرأة ٬ و ربما كانت المرأة ٳذا شاءت جمعت القبائل للسلام ٬ و ٳن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب و القتال ٬ و مع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نازع رئيس الأسرة ٬ و صاحب الكلمة فيها ٬ و كان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها و لم يكن من حقها أن تفتات عليهم .
بينما هذه حال الأشراف ٬ كان هناك في الأوساط الأخرى أنواع من الاختلاط بين الرجل و المرأة ٬ لا نستطيع أن نعبر عنه ٳلا بالدعارة و المجون و السفاح والفاحشة ٬ روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فكان منها نكاح الناس اليوم ٬ يخطب الرجل ٳلى الرجل و ليته فيصدقها ثم ينكحها ٬ و نكاح آخر : كان الرجل يقول لامرأته ٳذا طهرت من طمثها أرسلي ٳى فلان فاستبضعي منه ٬ و يعتزلها زوجها و لا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ٬ فٳذا تبين حملها أصابها زوجها ٳن أحب ٬ و ٳنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ٬ فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع ٬ و نكاح آخر : يجتمع الرهط دون العشرة . فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فٳذا حملت ٬ و وضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت ٳليهم ٬ فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ٬ فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم و قد ولدت ٬ وهو ابنك يا فلان ٬ فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها و نكاح رابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها . و هن البغايا ٬ كن ينصبن على أبوابهن رايات ٬ تكن علما لمن أرادهن دخل عليهن ٬ فٳذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها ٬ و دعوا لهم القافة ٬ ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه و دعي ابنه ٬ و لا يمتنع من ذلك ٬ فلما بعث الله محمد صلى الله عليه و سلم هدم النكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم .
و كانت عندهم اجتماعات بين الرجل و المرأة تعقدها شفار السيوف ٬ و أسنة الرماح ٬ فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها و لكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم .
و كان من المعروف من أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه ٬ و كانوا يجمعون بين الأختين ٬ و كانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها(سورة النساء٢٣٬٢٢) وكان الطلاق بين الرجال لا إلى حد معين .
و كانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط ٬ لا نستطيع أن نخص منها وسطا دون وسط أو صنفا دون صنف ٬ إلا أفرادا من الرجال و النساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة ٬ و كانت الحرائر أحسن حالا من الإماء و الطامة الكبرى هي الإماء ٬ و يبدو أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الانتساب إلى هذه الفاحشة ٬ روى أبو داود عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلانا ابني ٬ عاهرت بأمه في الجاهلية ٬ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا دعوة في الإسلام٬ ذهب أمر الجاهلية . الولد للفراش و للعاهر الحجر)) وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص و عبد بن زمعة في ابن أمة زمعة _ و هو عبد الرحمن بن زمعة _ معروفة .
و كانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى فمنهم من يقول:
إنما أولادنــــــــا بيننــــــــــــا أكبــــــادنـــــا تمشي على الأرض
و منهم من كان يئد البنات خشية العار والإنفاق، و يقتل الأولاد خشية الفقر و الإملاق (القرآن ٦ــ١٥١. ١٦ــ ٥٨،٥٩. ١٧ـــ ٣١. ٨١ـــ٨)، ولكن لا يمكننا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة ، فقد كنوا أشد الناس احتياجا إلى البنين ، ليتقوا بهم العدو .
أما معاملة الرجل مع أخيه و أبناء عمه و عشيرته فقد كانت موطدة قوية ، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ، و يموتون لها . وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية ، و كان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم ، وكانوا يسيرون على لمثل السائر ((أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)) على المعنى الحقيقي ، من غير التعديل الذي جاء به الإسلام من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه ، إلا أن التنافس في الشرف و السؤدد كثيرا ما كان يفضي إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد ، كما نرى ذلك بين الأوس والخزرج ، و عبس و ذبيان ، و بكر و تغلب و غيرها .
أما العلاقة بين القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تماما ، و كانت أقوامهم متفانية في الحروب . إلا أن الرهبة و الوجل من بعض التقاليد و العادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها و صرامتها و في بعض الحالات كانت الموالاة و الحلف و التبعية تفضي إلى اجتماع القبائل المتغايرة ، وكانت الأشهر الحرم رحمة وعونا لهم على حياتهم و حصول معايشهم .
و قصارى الكلام أن الحلة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية فالجهل ضارب أطنابه ، و الخرافات لها جولة وصولة و الناس يعيشون كالأنعام ، و المرأة تباع وتشترى و تعامل كالجمادات أحيانا ، والعلاقة بين الأمة مبتوتة ، وما كان من الحكومات فجل همتها امتلاء الخزائن من رعيتها ، أو جر الحروب على مناوئها .
الحالة الاقتصادية :
أما الحالة الاقتصادية ، فتبعت الحالة لاجتماعية ، و يتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايشة العرب. فالتجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على حوائج الحياة ، و الجولة التجارية لا تتيسر إلا إذا ساد الأمن والسلام ، و كان ذلك مفقودا في جزيرة العرب إلا في الأشهر الحرم ، و هذه هي الشهور الني كانت تعتقد فيها أسواق العرب الشهيرة من عكاظ و ذي المجاز و مجنة و غيرها.
و أما الصناعات فكانوا أبعد الأمم عنها ، و معظم الصناعات التي كانت توجد في العرب من الحياكة والدباغة و غيرها كانت من أهل اليمن و الحيرة ، و مشارف الشام ، نعم كانت في داخل الجزيرة الزراعة ، والحرث ، و اقتناء الأنعام ، وكانت نساء العرب كافة يشتغلن بالغزل ، لكن كانت الأمتعة عرضة للحروب ، وكان الفقر والجوع و العرى عاما في المجتمع .
الأخلاق :
لا ننكر أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا و رذائل و أمور ينكرها العقل السليم ، و يأباها الوجدان ، و لكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة مايروع الإنسان ، و بفضي به إلى الدهشة والعجب ، فمن تلك الأخلاق :
۱ــ الكرم :وكانوا يتبارون في ذلك و يفتخرون به ، و قد استنفذوا فيه نصف أشعارهم ، بين ممتدح به ومثني على غيره ، كان الر جل يأتيه الضيف في شدة البرد و الجوع ، و ليس عنده من المال إلا ناقة التي هي حياته و حياة أسرته ، فتأخذه هزة الكرم ، فيقوم إليها ، و يذبحها لضيفه ، و من آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديانات الهائلة و الحمالات المدهشة ، يكفون بذلك سفك الدماء ، و ضياع الإنسان ، و يمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء و السادات .
و كان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يمتدحون بشرب الخمور ، لا لأنها مفخرة في ذاتها ، بل لأنها سبيل من سبل الكرم ، و مما سهل السرف على النفس ، و لأجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم ، و خمره ببنت الكرم و ﺇذا نظرت الى دواوين أشعار الجاهلية تجد ذلك بابا من أبواب المديح والفخر ، يقول عنترة بن شداد العبسي في معلقته :
و لـقد شربـت من المدامـة بعدمــــا ركد الجواهر بالمشــــوف المعلم
بزجاجة صفـــــــراء ذات أســــــرة فرنت بـــأزهر بـــالشمال مفــــدم
فـﺇذا شربــــت فـــﺇ نني مستهلـــــك مــالي ، و عرضي وافـــر لم يكلم
وﺇذا صحــوت فــما أقصر عن نذى و كــما علمــت شمائلي و تكرمي
و من نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر ، فـﺇنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم ، لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه ، أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين ، و لذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر و الميسر و ﺇنما يقول :}و ﺇثمهما أكبر من نفعهما{ [۲:۲۱۹] .
۲ــ و من تلك الأخلاق الوفاء بالعهد ، فقد كان العهد عندهم دينا يتمسكون به ، و ستهينون في سبيله قتل أولادهم ، و تخريب ديارهم ، و تكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني ، والسمو أل بن عاديا ، و حاجب بن زرارة التميمي .
۳ــ و منها عزة النفس و ﺇباء عن قبول الخسف و الضيم ، و كان من نتائج هذا فرط الشجاعة ، و شدة الغيرة، وسرعة الانفعال ، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل و الهوان ﺇلا قاموا ﺇلى السيف و السنان ، و أثاروا الحروب العدوان ، و كانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل .
٤ــ و منها المضي في العزائم ، فـﺈذا عزموا على شيء يرون فيه المجد ، و الافتخار لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله .
۵ــ و منها الحلم ،و الأناة ، و التؤدة ، كانوا يمتدحون بها ﺇلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود ، لفرط شجاعتهم و سرعة ﺇقدامهم على القتال .
٦ــ و منها السذاجة البدوية ، و عدم التلوث بملوثات الحضارة ، و مكائدها ، وكان من نتائجه الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع و الغدر .
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة ــ مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة ﺇلى العالم ــ كانت سببا في اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة ، و قيادة الأمة اﻹنسانية و المجتمع البشري ؛لأن هذه الأخلاق و ﺇن كان بعضها يفضي ﺇلى الشر ، و يجلب الحوادث المؤلمة ، ﺇلا أنها كانت في نفسها أخلاق ثمينة ، تدر المنافع العامة للمجتمع البشري بعد شيء من اﻹصلاح ، و هذا الذي فعله اﻹسلام .
و لعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق و أعظمها نفعا بعد الوفاء بالعهد هو عزة النفس و المضي في العزائم، ﺇذا لا يمكن قمع الشر و الفساد ، و ﺇقامة نظام العدل و الخير؛ ﺇلا بهذه القوة القاهرة ، وبهذا العزم الصميم .
و لهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها و ليس قصدنا استقصاءها .
أتمنا ان تنال اعجابكم و تسد حاجتكم :19:
الحالة الاجتماعية:
كانت في العرب أوساط متنوعة ٬ تختلف أحوال بعضها عن بعض ٬ فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم ٬ و كان لها من حرية إلٳرادة ونفاذ القول القسط الأوفر ٬ و كانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف ٬ و تراق الدماء ٬ و كان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته ٳلا المرأة ٬ و ربما كانت المرأة ٳذا شاءت جمعت القبائل للسلام ٬ و ٳن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب و القتال ٬ و مع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نازع رئيس الأسرة ٬ و صاحب الكلمة فيها ٬ و كان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها و لم يكن من حقها أن تفتات عليهم .
بينما هذه حال الأشراف ٬ كان هناك في الأوساط الأخرى أنواع من الاختلاط بين الرجل و المرأة ٬ لا نستطيع أن نعبر عنه ٳلا بالدعارة و المجون و السفاح والفاحشة ٬ روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فكان منها نكاح الناس اليوم ٬ يخطب الرجل ٳلى الرجل و ليته فيصدقها ثم ينكحها ٬ و نكاح آخر : كان الرجل يقول لامرأته ٳذا طهرت من طمثها أرسلي ٳى فلان فاستبضعي منه ٬ و يعتزلها زوجها و لا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ٬ فٳذا تبين حملها أصابها زوجها ٳن أحب ٬ و ٳنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ٬ فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع ٬ و نكاح آخر : يجتمع الرهط دون العشرة . فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فٳذا حملت ٬ و وضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت ٳليهم ٬ فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ٬ فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم و قد ولدت ٬ وهو ابنك يا فلان ٬ فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها و نكاح رابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها . و هن البغايا ٬ كن ينصبن على أبوابهن رايات ٬ تكن علما لمن أرادهن دخل عليهن ٬ فٳذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها ٬ و دعوا لهم القافة ٬ ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه و دعي ابنه ٬ و لا يمتنع من ذلك ٬ فلما بعث الله محمد صلى الله عليه و سلم هدم النكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم .
و كانت عندهم اجتماعات بين الرجل و المرأة تعقدها شفار السيوف ٬ و أسنة الرماح ٬ فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها و لكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم .
و كان من المعروف من أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه ٬ و كانوا يجمعون بين الأختين ٬ و كانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها(سورة النساء٢٣٬٢٢) وكان الطلاق بين الرجال لا إلى حد معين .
و كانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط ٬ لا نستطيع أن نخص منها وسطا دون وسط أو صنفا دون صنف ٬ إلا أفرادا من الرجال و النساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة ٬ و كانت الحرائر أحسن حالا من الإماء و الطامة الكبرى هي الإماء ٬ و يبدو أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الانتساب إلى هذه الفاحشة ٬ روى أبو داود عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلانا ابني ٬ عاهرت بأمه في الجاهلية ٬ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا دعوة في الإسلام٬ ذهب أمر الجاهلية . الولد للفراش و للعاهر الحجر)) وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص و عبد بن زمعة في ابن أمة زمعة _ و هو عبد الرحمن بن زمعة _ معروفة .
و كانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى فمنهم من يقول:
إنما أولادنــــــــا بيننــــــــــــا أكبــــــادنـــــا تمشي على الأرض
و منهم من كان يئد البنات خشية العار والإنفاق، و يقتل الأولاد خشية الفقر و الإملاق (القرآن ٦ــ١٥١. ١٦ــ ٥٨،٥٩. ١٧ـــ ٣١. ٨١ـــ٨)، ولكن لا يمكننا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة ، فقد كنوا أشد الناس احتياجا إلى البنين ، ليتقوا بهم العدو .
أما معاملة الرجل مع أخيه و أبناء عمه و عشيرته فقد كانت موطدة قوية ، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ، و يموتون لها . وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية ، و كان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم ، وكانوا يسيرون على لمثل السائر ((أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)) على المعنى الحقيقي ، من غير التعديل الذي جاء به الإسلام من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه ، إلا أن التنافس في الشرف و السؤدد كثيرا ما كان يفضي إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد ، كما نرى ذلك بين الأوس والخزرج ، و عبس و ذبيان ، و بكر و تغلب و غيرها .
أما العلاقة بين القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تماما ، و كانت أقوامهم متفانية في الحروب . إلا أن الرهبة و الوجل من بعض التقاليد و العادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها و صرامتها و في بعض الحالات كانت الموالاة و الحلف و التبعية تفضي إلى اجتماع القبائل المتغايرة ، وكانت الأشهر الحرم رحمة وعونا لهم على حياتهم و حصول معايشهم .
و قصارى الكلام أن الحلة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية فالجهل ضارب أطنابه ، و الخرافات لها جولة وصولة و الناس يعيشون كالأنعام ، و المرأة تباع وتشترى و تعامل كالجمادات أحيانا ، والعلاقة بين الأمة مبتوتة ، وما كان من الحكومات فجل همتها امتلاء الخزائن من رعيتها ، أو جر الحروب على مناوئها .
الحالة الاقتصادية :
أما الحالة الاقتصادية ، فتبعت الحالة لاجتماعية ، و يتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايشة العرب. فالتجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على حوائج الحياة ، و الجولة التجارية لا تتيسر إلا إذا ساد الأمن والسلام ، و كان ذلك مفقودا في جزيرة العرب إلا في الأشهر الحرم ، و هذه هي الشهور الني كانت تعتقد فيها أسواق العرب الشهيرة من عكاظ و ذي المجاز و مجنة و غيرها.
و أما الصناعات فكانوا أبعد الأمم عنها ، و معظم الصناعات التي كانت توجد في العرب من الحياكة والدباغة و غيرها كانت من أهل اليمن و الحيرة ، و مشارف الشام ، نعم كانت في داخل الجزيرة الزراعة ، والحرث ، و اقتناء الأنعام ، وكانت نساء العرب كافة يشتغلن بالغزل ، لكن كانت الأمتعة عرضة للحروب ، وكان الفقر والجوع و العرى عاما في المجتمع .
الأخلاق :
لا ننكر أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا و رذائل و أمور ينكرها العقل السليم ، و يأباها الوجدان ، و لكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة مايروع الإنسان ، و بفضي به إلى الدهشة والعجب ، فمن تلك الأخلاق :
۱ــ الكرم :وكانوا يتبارون في ذلك و يفتخرون به ، و قد استنفذوا فيه نصف أشعارهم ، بين ممتدح به ومثني على غيره ، كان الر جل يأتيه الضيف في شدة البرد و الجوع ، و ليس عنده من المال إلا ناقة التي هي حياته و حياة أسرته ، فتأخذه هزة الكرم ، فيقوم إليها ، و يذبحها لضيفه ، و من آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديانات الهائلة و الحمالات المدهشة ، يكفون بذلك سفك الدماء ، و ضياع الإنسان ، و يمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء و السادات .
و كان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يمتدحون بشرب الخمور ، لا لأنها مفخرة في ذاتها ، بل لأنها سبيل من سبل الكرم ، و مما سهل السرف على النفس ، و لأجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم ، و خمره ببنت الكرم و ﺇذا نظرت الى دواوين أشعار الجاهلية تجد ذلك بابا من أبواب المديح والفخر ، يقول عنترة بن شداد العبسي في معلقته :
و لـقد شربـت من المدامـة بعدمــــا ركد الجواهر بالمشــــوف المعلم
بزجاجة صفـــــــراء ذات أســــــرة فرنت بـــأزهر بـــالشمال مفــــدم
فـﺇذا شربــــت فـــﺇ نني مستهلـــــك مــالي ، و عرضي وافـــر لم يكلم
وﺇذا صحــوت فــما أقصر عن نذى و كــما علمــت شمائلي و تكرمي
و من نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر ، فـﺇنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم ، لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه ، أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين ، و لذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر و الميسر و ﺇنما يقول :}و ﺇثمهما أكبر من نفعهما{ [۲:۲۱۹] .
۲ــ و من تلك الأخلاق الوفاء بالعهد ، فقد كان العهد عندهم دينا يتمسكون به ، و ستهينون في سبيله قتل أولادهم ، و تخريب ديارهم ، و تكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني ، والسمو أل بن عاديا ، و حاجب بن زرارة التميمي .
۳ــ و منها عزة النفس و ﺇباء عن قبول الخسف و الضيم ، و كان من نتائج هذا فرط الشجاعة ، و شدة الغيرة، وسرعة الانفعال ، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل و الهوان ﺇلا قاموا ﺇلى السيف و السنان ، و أثاروا الحروب العدوان ، و كانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل .
٤ــ و منها المضي في العزائم ، فـﺈذا عزموا على شيء يرون فيه المجد ، و الافتخار لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله .
۵ــ و منها الحلم ،و الأناة ، و التؤدة ، كانوا يمتدحون بها ﺇلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود ، لفرط شجاعتهم و سرعة ﺇقدامهم على القتال .
٦ــ و منها السذاجة البدوية ، و عدم التلوث بملوثات الحضارة ، و مكائدها ، وكان من نتائجه الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع و الغدر .
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة ــ مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة ﺇلى العالم ــ كانت سببا في اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة ، و قيادة الأمة اﻹنسانية و المجتمع البشري ؛لأن هذه الأخلاق و ﺇن كان بعضها يفضي ﺇلى الشر ، و يجلب الحوادث المؤلمة ، ﺇلا أنها كانت في نفسها أخلاق ثمينة ، تدر المنافع العامة للمجتمع البشري بعد شيء من اﻹصلاح ، و هذا الذي فعله اﻹسلام .
و لعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق و أعظمها نفعا بعد الوفاء بالعهد هو عزة النفس و المضي في العزائم، ﺇذا لا يمكن قمع الشر و الفساد ، و ﺇقامة نظام العدل و الخير؛ ﺇلا بهذه القوة القاهرة ، وبهذا العزم الصميم .
و لهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها و ليس قصدنا استقصاءها .
أتمنا ان تنال اعجابكم و تسد حاجتكم :19: