01 algeroi
2010-10-01, 10:27
]يقول ابن القيم في كتابه الفوائد :
" قال الله تعالى ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)،
وقال ( ومن يشاقق الرسول من بعدها ما تبين الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى)، والله تعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصلة وسبيل المجرمين مفصلة وعاقبة هؤلاء مفصلة وعاقبة هؤلاء مفصلة وأعمال هؤلاء، وأعمال هؤلاء، وأولياء هؤلاء وأولياء هؤلاء وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء والأسباب التي وفق بها هؤلاء والأسباب التي خذل بها هؤلاء وجلاَّ سبحانه الأمرين في كتابه، وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلي مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم، وهم الإدلاء الهداة ، وبذلك برَّز الصحابة علي جميع من أتي بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشأوا في سبيل الظلال والكفر والشرك، والسبل الموصلة إلي الهلاك وعرفوها مفصلة، ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام، ومن الشرك إلى التوحيد ومن الجهل إلى العلم، ومن الغي إلى الرشاد، ومن الظلم إلى العدل، ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر، فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به، ومقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنه الضد، وانما تتبين الأشياء بأضدادها، فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا اليه، ونفرة وبغضاً لما انتقلوا عنه، وكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام، وأبغض الناس في ضده، عالمين بالسبيل على التفصيل.
وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين فان اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما، كما قال عمر بن الخطاب إنما تنقض عري الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه فانه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل، أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها.
والناس في هذا الموضع أربع:
فرق الأولى:
من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل
علما وعملا وهؤلاء أعلم الخلق.
الفرقة الثانية
من عميت عنه السبيلان
من أشباه الأنعام وهؤلاء بسبيل المجرمين أحضر ولها أسلك .
الفرقة الثالثة
من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها
فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة وأن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل وان لم يتصوره على التفصيل بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف سمعه عنه ولم يشغل نفسه بفهمه ومعرفة وجه بطلانه وهو بمنـزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعه إليها نفسه بخلاف الفرقة الأولى فانهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها علي تركها لله ... وقد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسالة أيما أفضل رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله فكتب عمر ان الذي تشتهى نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم.
وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله وحذرها وحذر منها ودفعها عن نفسه ولم يدعها تخدش وجه إيمانه ولا تورثه شبهة ولا شكا بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له وكراهة لها ونفرة عنها أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه....
الفرقة الرابعة:
فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل المؤمنين مجملة
وهذا حال كثير ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع فعرفها على التفصيل ولم يعرف ما جاء به الرسول كذلك بل عرفه معرفة مجملة وإن تفصلت له في بعض الأشياء ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا وكذلك من كان عارفا بطرق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا لها إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مجملا غير عارف بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفها وسلوكها والمقصود ان الله سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض كما يجب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك وفى هذه المعرفة من الفوائد والأسرار مالا يعلمه إلا الله من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسمائه وصفاته وتعلقها بمتعلقاتها واقتضائها لآثارها وموجباتها وذلك من أعظم الدلالة على ربوبيته وملكه وإلهيته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه والله أعلم".
" قال الله تعالى ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)،
وقال ( ومن يشاقق الرسول من بعدها ما تبين الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى)، والله تعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصلة وسبيل المجرمين مفصلة وعاقبة هؤلاء مفصلة وعاقبة هؤلاء مفصلة وأعمال هؤلاء، وأعمال هؤلاء، وأولياء هؤلاء وأولياء هؤلاء وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء والأسباب التي وفق بها هؤلاء والأسباب التي خذل بها هؤلاء وجلاَّ سبحانه الأمرين في كتابه، وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلي مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم، وهم الإدلاء الهداة ، وبذلك برَّز الصحابة علي جميع من أتي بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشأوا في سبيل الظلال والكفر والشرك، والسبل الموصلة إلي الهلاك وعرفوها مفصلة، ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام، ومن الشرك إلى التوحيد ومن الجهل إلى العلم، ومن الغي إلى الرشاد، ومن الظلم إلى العدل، ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر، فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به، ومقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنه الضد، وانما تتبين الأشياء بأضدادها، فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا اليه، ونفرة وبغضاً لما انتقلوا عنه، وكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام، وأبغض الناس في ضده، عالمين بالسبيل على التفصيل.
وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين فان اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما، كما قال عمر بن الخطاب إنما تنقض عري الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه فانه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل، أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها.
والناس في هذا الموضع أربع:
فرق الأولى:
من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل
علما وعملا وهؤلاء أعلم الخلق.
الفرقة الثانية
من عميت عنه السبيلان
من أشباه الأنعام وهؤلاء بسبيل المجرمين أحضر ولها أسلك .
الفرقة الثالثة
من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها
فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة وأن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل وان لم يتصوره على التفصيل بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف سمعه عنه ولم يشغل نفسه بفهمه ومعرفة وجه بطلانه وهو بمنـزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعه إليها نفسه بخلاف الفرقة الأولى فانهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها علي تركها لله ... وقد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسالة أيما أفضل رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله فكتب عمر ان الذي تشتهى نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم.
وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله وحذرها وحذر منها ودفعها عن نفسه ولم يدعها تخدش وجه إيمانه ولا تورثه شبهة ولا شكا بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له وكراهة لها ونفرة عنها أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه....
الفرقة الرابعة:
فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل المؤمنين مجملة
وهذا حال كثير ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع فعرفها على التفصيل ولم يعرف ما جاء به الرسول كذلك بل عرفه معرفة مجملة وإن تفصلت له في بعض الأشياء ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا وكذلك من كان عارفا بطرق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا لها إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مجملا غير عارف بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفها وسلوكها والمقصود ان الله سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض كما يجب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك وفى هذه المعرفة من الفوائد والأسرار مالا يعلمه إلا الله من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسمائه وصفاته وتعلقها بمتعلقاتها واقتضائها لآثارها وموجباتها وذلك من أعظم الدلالة على ربوبيته وملكه وإلهيته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه والله أعلم".