تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سارق السيارات


sollo44
2010-09-29, 11:25
انتشر الصباح و معه انتشرت نسمة باردة منعشة ، ترى ؟ أكان ما رأيته البارحة حلما ؟ أم مجرد حقيقة قاسية منهكة ؟. و من النافذة بدت الطرقات مثقلة بالسيارات و المارة المتوجهين إلى الشغل ،رآى الفتى "سليم" بائع الجرائد فطلب منه أن يرمي له واحدة عبر النافذة و قال في سره :
- أنا أعلم يا سليم أنك لا تذكرني .. فقد مضى على غيابي زمن طويل . و لكنك كبرت بحق !
رمى له النقود من النافذة و أعقب الرمية بتشكرات و ابتسامة ، و فتح الجريدة فوجدها مليئة بالعناوين الضخمة و الألوان المزركشة . لم يقرأ الجريدة منذ خمسة سنوات، و عندما فتح عينيه على الدنيا وجد الناس في غفلة و العنوان الرئيسي للجرائد : "سارق السيارات في قبضة الشرطة ".
ها هو الليل يا "منير" قد مهد لك فرصة ثمينة ، الناس نيام و السماء مكدرة بالسحاب و الظلام ،و ذلك الكلب يلهو بعظمة قديمة و يسيل لعابه عليها من البرد و الجوع ، تشجع منير و قال :
- ليلة بلا نباح ، ستكون عملية سهلة !
نظر حوله في خفة ، و تسلل مع السور ببراعة تليق بسارق محترف، زحف كالثعبان إلى سيارة الرونو ، أخرج من جيبه حزمة من المفاتيح و المفكات و جربها في خفة و خوف ، أراد أن يحدث نفسه لكي يطيح بالانفعال في ضربة واحدة :
- لا تحدث الفوضى يا منير ، و انظر إلى داخل السيارة أين ينتظرك قارئ الأقراص المدمجة ، إنه من أجود الأنواع .
انفتح باب السيارة ، و امتدت يده إلى الداخل. تحسس في الظلمة شكل قارئ الأقراص فشعر بالارتياح و هو ينزعه من مكانه ،ربما يكون صاحب السيارة نائما في هذه اللحظة و قد يكون في مشرب قريب يشرب حانقا على زوجته أو طمعا في نسيان مشاكل اليوم .
و فجأة جاء من وسط الظلام صوت يزمجر في حدة :
- توقف مكانك !!
ليلتك طويلة يا منير، و الكلب الذي لا ينبح قد يكون طالع سوء لا فأل خير ، و تذكر في ومضة ورائية سريعة أسرته و صديقه " عبد السلام".. و تذكر حبيبته " نعيمة"، و كانت هذه أول مرة يتسارع فيها خفقان قلبه في ضربات موجعة ، و في الحين ازداد عدد الأنوار المحيطة به و كان جاثما على ركبتيه في وضعية السرقة ، و زاد الصوت المزمجر حدة و رهبة :
- استدر رافعا يديك ..... و ضعهما فوق السيارة !!
وصول الشرطة كربة تشبه سقوط السماء على الأرض ،التفت فوجد الشرطة تحيط به من كل مكان ، و هذا الشرطي الذي يشهر سلاحه، إنه هو فعلا ، إنه الشرطي الذي ألقيت عليه السلام البارحة بعد فراغي من سرقة سيارة في الجوار !!
انهالت عليه سلسلة من اللكمات و القبضات القاسية ، و لم تصدر منه أي مقاومة تذكر عدى ارتباك جلي يوحي بالخوف و الخدر !
وحشة السجن ما أقساها ، برودته الإسمنتية التي تنغرز في العظام كالحمى ،من قال يوما أنك ستدخله يا منير ؟، من قال أنك ستتخبط كثيرا خلال نومك و أنت تنتظر قرار المحكمة ؟ و بعد ذلك سيستمتع الكثير بالتندر بقصصك في المجالس و سترتفع ضحكاتهم في السماء تصف سعادتهم بالقضاء عليك، و أخيرا جاء القاضي بلبسه الأسود و انتشر الوقار و الصمت في قاعة المحكمة ، و كان منير يشعر بالخوف من جديد ، تذكر وعود محاميه خارج القاعة :
- أعدك يا منير بتخفيف العقوبة حتى تشعر بالطمأنينة .
نظر إليه في ذهول و قال متيقنا :
- لن يرحمني أحد !
- و لكنك اعترفت بكل ما نسب إليك و لم تكذب في شيئ
ضحك منير و قال مستهزئا :
- إنني مثال تجريدي للمجرم صاحب المبادئ !!
- و لكن الصدق منجاة
- و السرقة أيضا جادت علي بالمال و منحتني شعورا بالحرية .
سكت المحامي و لكنه هتف بصوت خفيض :
- و هي التي أدخلتك السجن !!
* * * * * * * * * * * * ** * * *
لحظات من الترقب المرير ، و بعدها نطق القاضي بالحكم النهائي :
- خمس سنوات سجنا للمتهم . . . . نافذة .
* * * * * * * * * * * * * * * * *
و من النافذة راح منير يراقب سليم بائع الجرائد و هو ينتقل من زقاق لآخر، بدى سعيدا حقا بالدنانير العشرة التي يتلقاها مقابل بيعه لكل جريدة ، و لعله يعيل والديه و يزقق إخوته الصغار ، دفعه فضول جارف لمناداته و قال بصوت جهير امتد من النافذة :
- سليم . . . .. سليم ....... هل نتكلم ؟
التفت إليه و قال في حذر :
- و فيما الكلام ؟
- مجرد فضول ، و لعلني أيضا أرغب في شراء جريدة ثانية منك .
ثم أضاف في لغة تشبه كلام الواعضين :
- هل تعلم أنني كنت في السجن ؟
- السجن ؟ . . . لذلك لا يبدو وجهك مألوفا عندي
- خمس سنوات تغير العالم كله ، فما بالك بوجه الآدمي ؟!
- أعتقد أننا سنصبح أصدقاء ، فأخبرني لماذا دخلت الحبس .
- السرقة ، سرقت سيارات عديدة ، و صارت أخباري في كل مكان حتى في الجرائد !
- لذلك كانت تجارتي رائجة في تلك الحقبة ! . . . و لكن لماذا سرقت ؟
- كانت ظروفي قاسية مثل حكم القاضي ، و كان لي أب و أم و حبيبة تنتظرني من أجل الزواج .
تنهد سليم و قال آسفا :
- ضاعت حياتك هدرا يوم اقتنعت بفتوى الجبناء !
فقال منير غاضبا :
- أليست الظروف القاسية فتوى قوية لتحليل السرقة ؟
- و في النهاية قادتك إلى السجن . فما الجدوى من فتوى تنغص علينا الحياة ؟ ... هل أخبرك بشيء ؟ .. لقد مررت بظروف قاسية كالحجر ،و رغم ضعف تعليمي و قلة حيلتي إلا أنني فضلت بيع الجرائد على أي صنعة مشينة .
تأمل منير في كلام سليم و قال مستيقنا :
- بالحق قامت السماوات و الأرض!
انطلق سليم إلى عمله ، أما منير فنظر إلى السماء بعين صافية ، و شعر بأن الحياة قصة حقيقية لا تحتمل الخرافة ،و وجد أن خمس سنوات كاملة من عمره القصير قد مضت بلا معنى ،تراءت له في تلك اللحظة أشياء عديدة لم تخطر بباله من قبل ، و عزم على الانطلاق من جديد فأقصى من قاموس حياته كل السلبيات .
هل سيغفر له الوالد ؟ و هل سيقبله المجتمع بعد أن عاد إليه نظيفا و مستوفيا للعقوبة ؟... و ماذا عن حبيبته ؟ .. هي التي قالت له ذات مرة :
- سأنتظرك يا منير ... سأنتظرك مليون سنة . فلا تشغل بالا لأفكار السوء !
فتح الجريدة و ألقى إليها بنظرة سريعة تركت في وجهه ابتسامة عريضة و قال :
- على الأقل، لم تكتب عني الصحف هذه المرة !

صَمْـتْــــ~
2010-09-30, 10:23
انتشر الصباح و معه انتشرت نسمة باردة منعشة ، ترى ؟ أكان ما رأيته البارحة حلما ؟ أم مجرد حقيقة قاسية منهكة ؟. و من النافذة بدت الطرقات مثقلة بالسيارات و المارة المتوجهين إلى الشغل ،رآى الفتى "سليم" بائع الجرائد فطلب منه أن يرمي له واحدة عبر النافذة و قال في سره :
- أنا أعلم يا سليم أنك لا تذكرني .. فقد مضى على غيابي زمن طويل . و لكنك كبرت بحق !
رمى له النقود من النافذة و أعقب الرمية بتشكرات و ابتسامة ، و فتح الجريدة فوجدها مليئة بالعناوين الضخمة و الألوان المزركشة . لم يقرأ الجريدة منذ خمسة سنوات، و عندما فتح عينيه على الدنيا وجد الناس في غفلة و العنوان الرئيسي للجرائد : "سارق السيارات في قبضة الشرطة ".
ها هو الليل يا "منير" قد مهد لك فرصة ثمينة ، الناس نيام و السماء مكدرة بالسحاب و الظلام ،و ذلك الكلب يلهو بعظمة قديمة و يسيل لعابه عليها من البرد و الجوع ، تشجع منير و قال :
- ليلة بلا نباح ، ستكون عملية سهلة !
نظر حوله في خفة ، و تسلل مع السور ببراعة تليق بسارق محترف، زحف كالثعبان إلى سيارة الرونو ، أخرج من جيبه حزمة من المفاتيح و المفكات و جربها في خفة و خوف ، أراد أن يحدث نفسه لكي يطيح بالانفعال في ضربة واحدة :
- لا تحدث الفوضى يا منير ، و انظر إلى داخل السيارة أين ينتظرك قارئ الأقراص المدمجة ، إنه من أجود الأنواع .
انفتح باب السيارة ، و امتدت يده إلى الداخل. تحسس في الظلمة شكل قارئ الأقراص فشعر بالارتياح و هو ينزعه من مكانه ،ربما يكون صاحب السيارة نائما في هذه اللحظة و قد يكون في مشرب قريب يشرب حانقا على زوجته أو طمعا في نسيان مشاكل اليوم .
و فجأة جاء من وسط الظلام صوت يزمجر في حدة :
- توقف مكانك !!
ليلتك طويلة يا منير، و الكلب الذي لا ينبح قد يكون طالع سوء لا فأل خير ، و تذكر في ومضة ورائية سريعة أسرته و صديقه " عبد السلام".. و تذكر حبيبته " نعيمة"، و كانت هذه أول مرة يتسارع فيها خفقان قلبه في ضربات موجعة ، و في الحين ازداد عدد الأنوار المحيطة به و كان جاثما على ركبتيه في وضعية السرقة ، و زاد الصوت المزمجر حدة و رهبة :
- استدر رافعا يديك ..... و ضعهما فوق السيارة !!
وصول الشرطة كربة تشبه سقوط السماء على الأرض ،التفت فوجد الشرطة تحيط به من كل مكان ، و هذا الشرطي الذي يشهر سلاحه، إنه هو فعلا ، إنه الشرطي الذي ألقيت عليه السلام البارحة بعد فراغي من سرقة سيارة في الجوار !!
انهالت عليه سلسلة من اللكمات و القبضات القاسية ، و لم تصدر منه أي مقاومة تذكر عدى ارتباك جلي يوحي بالخوف و الخدر !
وحشة السجن ما أقساها ، برودته الإسمنتية التي تنغرز في العظام كالحمى ،من قال يوما أنك ستدخله يا منير ؟، من قال أنك ستتخبط كثيرا خلال نومك و أنت تنتظر قرار المحكمة ؟ و بعد ذلك سيستمتع الكثير بالتندر بقصصك في المجالس و سترتفع ضحكاتهم في السماء تصف سعادتهم بالقضاء عليك، و أخيرا جاء القاضي بلبسه الأسود و انتشر الوقار و الصمت في قاعة المحكمة ، و كان منير يشعر بالخوف من جديد ، تذكر وعود محاميه خارج القاعة :
- أعدك يا منير بتخفيف العقوبة حتى تشعر بالطمأنينة .
نظر إليه في ذهول و قال متيقنا :
- لن يرحمني أحد !
- و لكنك اعترفت بكل ما نسب إليك و لم تكذب في شيئ
ضحك منير و قال مستهزئا :
- إنني مثال تجريدي للمجرم صاحب المبادئ !!
- و لكن الصدق منجاة
- و السرقة أيضا جادت علي بالمال و منحتني شعورا بالحرية .
سكت المحامي و لكنه هتف بصوت خفيض :
- و هي التي أدخلتك السجن !!
* * * * * * * * * * * * ** * * *
لحظات من الترقب المرير ، و بعدها نطق القاضي بالحكم النهائي :
- خمس سنوات سجنا للمتهم . . . . نافذة .
* * * * * * * * * * * * * * * * *
و من النافذة راح منير يراقب سليم بائع الجرائد و هو ينتقل من زقاق لآخر، بدى سعيدا حقا بالدنانير العشرة التي يتلقاها مقابل بيعه لكل جريدة ، و لعله يعيل والديه و يزقق إخوته الصغار ، دفعه فضول جارف لمناداته و قال بصوت جهير امتد من النافذة :
- سليم . . . .. سليم ....... هل نتكلم ؟
التفت إليه و قال في حذر :
- و فيما الكلام ؟
- مجرد فضول ، و لعلني أيضا أرغب في شراء جريدة ثانية منك .
ثم أضاف في لغة تشبه كلام الواعضين :
- هل تعلم أنني كنت في السجن ؟
- السجن ؟ . . . لذلك لا يبدو وجهك مألوفا عندي
- خمس سنوات تغير العالم كله ، فما بالك بوجه الآدمي ؟!
- أعتقد أننا سنصبح أصدقاء ، فأخبرني لماذا دخلت الحبس .
- السرقة ، سرقت سيارات عديدة ، و صارت أخباري في كل مكان حتى في الجرائد !
- لذلك كانت تجارتي رائجة في تلك الحقبة ! . . . و لكن لماذا سرقت ؟
- كانت ظروفي قاسية مثل حكم القاضي ، و كان لي أب و أم و حبيبة تنتظرني من أجل الزواج .
تنهد سليم و قال آسفا :
- ضاعت حياتك هدرا يوم اقتنعت بفتوى الجبناء !
فقال منير غاضبا :
- أليست الظروف القاسية فتوى قوية لتحليل السرقة ؟
- و في النهاية قادتك إلى السجن . فما الجدوى من فتوى تنغص علينا الحياة ؟ ... هل أخبرك بشيء ؟ .. لقد مررت بظروف قاسية كالحجر ،و رغم ضعف تعليمي و قلة حيلتي إلا أنني فضلت بيع الجرائد على أي صنعة مشينة .
تأمل منير في كلام سليم و قال مستيقنا :
- بالحق قامت السماوات و الأرض!
انطلق سليم إلى عمله ، أما منير فنظر إلى السماء بعين صافية ، و شعر بأن الحياة قصة حقيقية لا تحتمل الخرافة ،و وجد أن خمس سنوات كاملة من عمره القصير قد مضت بلا معنى ،تراءت له في تلك اللحظة أشياء عديدة لم تخطر بباله من قبل ، و عزم على الانطلاق من جديد فأقصى من قاموس حياته كل السلبيات .
هل سيغفر له الوالد ؟ و هل سيقبله المجتمع بعد أن عاد إليه نظيفا و مستوفيا للعقوبة ؟... و ماذا عن حبيبته ؟ .. هي التي قالت له ذات مرة :
- سأنتظرك يا منير ... سأنتظرك مليون سنة . فلا تشغل بالا لأفكار السوء !
فتح الجريدة و ألقى إليها بنظرة سريعة تركت في وجهه ابتسامة عريضة و قال :
- على الأقل، لم تكتب عني الصحف هذه المرة !
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما أتعسَها من نفسٍ لا تتدارك أخطاءَها..
وطوبى لِنفسٍ ترى في الصّبرِ طريقا يَصقل سعيَها

وتبقى القناعةُ رمزا للإيمان ومن التحفَها ثوبا حصّلَ فوائِدَها.

أخي الفاضِل، جعلتنا نرتشِفُ معانٍ فيها من الحِكمة ما يُثلِجُ الصّدور ويُهذّبُ العقول.

شُكرا، على أملِ أن تكون الأحداث وليدة فكرِك..
وإلاّ فالحقّ في إسنادِ العمل إلى صاحبه.

sollo44
2010-10-02, 09:04
- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، صحيح ، فما أجمل أن يعتبر الانسان قبل فوات الأوان و ما أجمل أن يتقبل النصيحة بصدر رحب .
- شكرا أخي على تدخلك و ملاحظاتك . و في خصوص قصتي فهي عمل صاف من بنات أفكاري ، و في المنتدى تجد الكثير منها ... أكتبها و ألقي بها في بحر المنتدى لعل صيادين مهرة ينالونها بشباكهم و براعتهم ...و كلام جميل ذلك الذي قلته : الحق في اسناد العمل إلى صاحبه .
- العمر سراب تحيات خالصة .
سلام