karimo06
2008-05-21, 11:51
يقول هارون الرشيد حين رأي غيمة في سماء بغداد تنطلق بعيداً: أمطري حيث شئت، فسيأتيني خراجك.. يقولها وهو الخليفة العظيم الذي يحكم أعظم قوة في العالم آنذاك، ويمتد سلطانه من المحيط الأطلسي غرباً الي ما بعد المحيط الهندي شرقاً. رقعة تضم عشرات الدول في هذا الزمان الرديء الذي نعيشه، حيث تفرقنا أيدي سبأ، وتجرأ علينا الأعداء من كل حدب وصوب، فسطوا علي خيراتنا، واستباحوا بلادنا، وملكوا نواصينا.
قسمنا العدو ممالك مفتتة، فرضينا هذا التقسيم، وعضضنا عليه بالنواجذ، وسعينا الي الحفاظ علي هذا الوضع (القزم القميء)، وكرسنا الحدود المصطنعة . ونادينا بمبادئ اقليمية ما أنزل الله بها من سلطان، وتحاكمنا في تثبيت هذه الحدود الي مَن وضعها، كأنها قدرلا ينبغي تجاوزه، وحكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وضعٌ هزيل كهذا لا يبني أمة عزيزة، ولا يرفع قدرها بين الأمم. انما يقيدها بالعدو القوي، ويشدها اليه، فيبقي السيد المطاع، والحكمَ الفصل، والمتصرفَ الأول والأخير في مقدرات الأمة سياسة واقتصاداً وثقافة وكينونة!.
صار الأخ غريباً، يعز عليه التنقل في أرض الله وبلاد المسلمين الا بقيود تزداد يوماً بعد يوم. وأضحي البعيد صديقاً يطوف أو يقيم في هذه الممالك دون قليل عناء. وهذا حال الضعيف المبهور بالسيد الغريب، والمتعالي علي بني جلدته النائي عن أخيه في العقيدة واللغة والأرض. يري أنسه وراحته في التقرب من الغربي، ويكاد ينسلخ عن القريب الا لحاجة أو غاية مؤقتة.
وأضحي الانتماء الي الغرب فكراً وعادات وتقاليدَ مهوي القلوب وشغلَ العقول. وكثرت المفردات واللكنات الغريبة في التخاطب، فهي علامة التقدم وسبيل الحضارة ـ في معتقد الفارغين ـ والدليل علي الرقي الفكري الثقافي لدي التافهين !.
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم اذ يقول لتتبعـُنَ سـَننَ من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتي لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصاري ؟ قال : فمَن ؟ ولو تأملنا قوله صلي الله عليه وسلم جحر ضب لعـَلـِمنا أي دركٍ وصلناه في المسخ الفكري والهزيمة النفسية والخواء العقيدي والشخصية الاعتبارية المهزوزة. اذ نتبع هؤلاء دون تفكير ولا تمحيص، فهم القدوة التي نتأسـّاها، وهم القادة الذين نسلمهم زمام أمورنا، ونسير وراءهم، ونتبع نهجهم.
رحم الله الخليفة هارون الرشيد ذلك القائد الفذ والمجاهد البطل الذي كان يغزو سنة ويحج سنة. يحمي ثغور المسلمين، وينشر العلم والامان معاً في النفوس والمرابع.
لقد كانت بغداد حماها الله ونصرَها، وفكّ أسرَها ـ والمدنُ الكبري في عهده منارة العرفان ومناهلَ العلم، يقصدها المسلمون وغيرُهم يغترفون الآداب والعلوم، ويستقون المعارف والفنون. بينما كان الغرب يرقد في عميق الجهل ودياجير الظلام. فكانت القرون الوسطي شمس الشرق وليل الغرب. وما قصة الساعة التي أهداها هارون الرشيد لشارلمان ملك الروم الغربيين، وظنها جلساؤه سحراً حين دقت في تمام الوقت، فأوقعتهم في حَيـْرة، وهمـّوا بكسرها، الا اشارة واضحة لتقدم المسلمين وتأخر الصليبيين.
أما العزة التي افتقدناها بسبب جثوم حفنة من الفاسدين القائمين علي صدور الأمة في أغلب بلاد المسلمين اليوم وغياب الاسلام القوي فقد كوي غيابها قلوبنا حسرة وألماً ونحن نري هؤلاء المتنفذين أدوات في أيدي الغرب يحركونها دُمي تافهة ً لحرب الاسلام وأهله، فهم دعاة علي أبواب جهنم يزيـّنون السقوط فيها، ويدفعون أهلها الي الردّة والانغماس في وحل الجاهلية والارتكاس الي وهدتها.
هارون الرشيد كان علـَماً قـَلّ نظيره، يرفرف في سماء الكرامة: فقد ضغط بجيشه الاسلامي المظفر علي القسطنطينية التي حكمتها بين عامي ثمانين وسبع مئة للميلاد وثمان مئة وعامين (780ـ 802) الامبراطورة اريني وفرض عليها الجزية. فلما انتفض عليها نقفور ـ أحد أتباعها ـ ونصّب نفسه امبراطوراً أرسل كتاب تهديد الي الخليفة هارون الرشيد يقول فيه : من نقفور ملك الروم الي هارون ملك العرب ؛ أما بعد، فان الملكة التي كانت قبلي أقامتك مكان (الرخّ) وأقامت نفسها مكان (البيدق )، فحملت اليك من أموالها ما كنتَ حقيقاً بحمل أمثاله اليها. لكنّ ذلك ضعفُ النساء وحُمقُهنّ. فاذا قرأت كتابي فأعِدْ ما وصل اليك منها، وافتدِ نفسك بمثله تنجُ من عقابي، والا فالسيف بيني وبينك.
الرخ القلعة و البيدق الجندي الصغير في لعبة الشطرنج.
فما كان من الخليفة المجاهد الا أن كتب علي ظهر الرسالة نفسها ـ استصغاراً للصعلوك نقفور ـ : من أمير المؤمنين هارون الرشيد الي نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك، والجواب ما تراه، لا ما تسمعه.
ثم شخص من يومه بجيشه المسلم البطل يدق باب القسطنطينية بعنف، وأذل نقفوراً الكلبَ هذا الذي استطال علي المسلمين فنال جزاءه ذلاً وضعة ً ودفع راغماً ذليلاً ضعف ما كانت الأمبراطورة السابقة تدفعه.. فعلي الذكر ضعف ما علي الأنثي من الغرامة والجزية.
فهل مِنْ هارون ٍ جديد يسير علي نور من الله وهدي من شريعته ؟! فيطرد نقفور العصر الحاضر، ويرغم أنفه، ويحرر البلاد، ويستنقذ العباد ؟؟
انّ ذلك لن يكون بالشعارات القومية الجوفاء، ولا الاقليمية الرعناء، ولا الالحادية الشنعاء أو الطائفية البلهاء. لن يكون التحرير الا بهدي السماء، والسير علي خطا سيد الأنبياء.. فهل من مدّكر؟
الدكتور عثمان قدري مكانسي
قسمنا العدو ممالك مفتتة، فرضينا هذا التقسيم، وعضضنا عليه بالنواجذ، وسعينا الي الحفاظ علي هذا الوضع (القزم القميء)، وكرسنا الحدود المصطنعة . ونادينا بمبادئ اقليمية ما أنزل الله بها من سلطان، وتحاكمنا في تثبيت هذه الحدود الي مَن وضعها، كأنها قدرلا ينبغي تجاوزه، وحكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وضعٌ هزيل كهذا لا يبني أمة عزيزة، ولا يرفع قدرها بين الأمم. انما يقيدها بالعدو القوي، ويشدها اليه، فيبقي السيد المطاع، والحكمَ الفصل، والمتصرفَ الأول والأخير في مقدرات الأمة سياسة واقتصاداً وثقافة وكينونة!.
صار الأخ غريباً، يعز عليه التنقل في أرض الله وبلاد المسلمين الا بقيود تزداد يوماً بعد يوم. وأضحي البعيد صديقاً يطوف أو يقيم في هذه الممالك دون قليل عناء. وهذا حال الضعيف المبهور بالسيد الغريب، والمتعالي علي بني جلدته النائي عن أخيه في العقيدة واللغة والأرض. يري أنسه وراحته في التقرب من الغربي، ويكاد ينسلخ عن القريب الا لحاجة أو غاية مؤقتة.
وأضحي الانتماء الي الغرب فكراً وعادات وتقاليدَ مهوي القلوب وشغلَ العقول. وكثرت المفردات واللكنات الغريبة في التخاطب، فهي علامة التقدم وسبيل الحضارة ـ في معتقد الفارغين ـ والدليل علي الرقي الفكري الثقافي لدي التافهين !.
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم اذ يقول لتتبعـُنَ سـَننَ من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتي لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصاري ؟ قال : فمَن ؟ ولو تأملنا قوله صلي الله عليه وسلم جحر ضب لعـَلـِمنا أي دركٍ وصلناه في المسخ الفكري والهزيمة النفسية والخواء العقيدي والشخصية الاعتبارية المهزوزة. اذ نتبع هؤلاء دون تفكير ولا تمحيص، فهم القدوة التي نتأسـّاها، وهم القادة الذين نسلمهم زمام أمورنا، ونسير وراءهم، ونتبع نهجهم.
رحم الله الخليفة هارون الرشيد ذلك القائد الفذ والمجاهد البطل الذي كان يغزو سنة ويحج سنة. يحمي ثغور المسلمين، وينشر العلم والامان معاً في النفوس والمرابع.
لقد كانت بغداد حماها الله ونصرَها، وفكّ أسرَها ـ والمدنُ الكبري في عهده منارة العرفان ومناهلَ العلم، يقصدها المسلمون وغيرُهم يغترفون الآداب والعلوم، ويستقون المعارف والفنون. بينما كان الغرب يرقد في عميق الجهل ودياجير الظلام. فكانت القرون الوسطي شمس الشرق وليل الغرب. وما قصة الساعة التي أهداها هارون الرشيد لشارلمان ملك الروم الغربيين، وظنها جلساؤه سحراً حين دقت في تمام الوقت، فأوقعتهم في حَيـْرة، وهمـّوا بكسرها، الا اشارة واضحة لتقدم المسلمين وتأخر الصليبيين.
أما العزة التي افتقدناها بسبب جثوم حفنة من الفاسدين القائمين علي صدور الأمة في أغلب بلاد المسلمين اليوم وغياب الاسلام القوي فقد كوي غيابها قلوبنا حسرة وألماً ونحن نري هؤلاء المتنفذين أدوات في أيدي الغرب يحركونها دُمي تافهة ً لحرب الاسلام وأهله، فهم دعاة علي أبواب جهنم يزيـّنون السقوط فيها، ويدفعون أهلها الي الردّة والانغماس في وحل الجاهلية والارتكاس الي وهدتها.
هارون الرشيد كان علـَماً قـَلّ نظيره، يرفرف في سماء الكرامة: فقد ضغط بجيشه الاسلامي المظفر علي القسطنطينية التي حكمتها بين عامي ثمانين وسبع مئة للميلاد وثمان مئة وعامين (780ـ 802) الامبراطورة اريني وفرض عليها الجزية. فلما انتفض عليها نقفور ـ أحد أتباعها ـ ونصّب نفسه امبراطوراً أرسل كتاب تهديد الي الخليفة هارون الرشيد يقول فيه : من نقفور ملك الروم الي هارون ملك العرب ؛ أما بعد، فان الملكة التي كانت قبلي أقامتك مكان (الرخّ) وأقامت نفسها مكان (البيدق )، فحملت اليك من أموالها ما كنتَ حقيقاً بحمل أمثاله اليها. لكنّ ذلك ضعفُ النساء وحُمقُهنّ. فاذا قرأت كتابي فأعِدْ ما وصل اليك منها، وافتدِ نفسك بمثله تنجُ من عقابي، والا فالسيف بيني وبينك.
الرخ القلعة و البيدق الجندي الصغير في لعبة الشطرنج.
فما كان من الخليفة المجاهد الا أن كتب علي ظهر الرسالة نفسها ـ استصغاراً للصعلوك نقفور ـ : من أمير المؤمنين هارون الرشيد الي نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك، والجواب ما تراه، لا ما تسمعه.
ثم شخص من يومه بجيشه المسلم البطل يدق باب القسطنطينية بعنف، وأذل نقفوراً الكلبَ هذا الذي استطال علي المسلمين فنال جزاءه ذلاً وضعة ً ودفع راغماً ذليلاً ضعف ما كانت الأمبراطورة السابقة تدفعه.. فعلي الذكر ضعف ما علي الأنثي من الغرامة والجزية.
فهل مِنْ هارون ٍ جديد يسير علي نور من الله وهدي من شريعته ؟! فيطرد نقفور العصر الحاضر، ويرغم أنفه، ويحرر البلاد، ويستنقذ العباد ؟؟
انّ ذلك لن يكون بالشعارات القومية الجوفاء، ولا الاقليمية الرعناء، ولا الالحادية الشنعاء أو الطائفية البلهاء. لن يكون التحرير الا بهدي السماء، والسير علي خطا سيد الأنبياء.. فهل من مدّكر؟
الدكتور عثمان قدري مكانسي