sollo44
2010-09-20, 10:58
- لم ألتق بسفيان منذ ثماني سنوات ، و لكنني تفاجأت عندما التقيت به البارحة و اكتشفت أنه سيعمل معي زميلا ، لقاءه ذكرني بأشياء كثيرة : ذكريات . حب . براءة . شوق . خوف و ترقب و إليكم القصة :
- أطنان من الماء و الملح تصطدم بالساحل الصخري ،و السمك تحت الماء يعبث بالسيقان العارية للسابحين ،و الشاطئ مكتظ بالبشر العراة نسبيا و لا شعور سائد غير الحر و العطش و الصداع ،أما الرياح فكانت هادئة و رغم ذلك لم يخل الشاطئ من بعض الموجات المخاتلة و في الحين اعتقد سفيان أن اليوم غير ملائم للاستمتاع و فكر في العودة للفندق… اقتنى جريدة و سيجارة و قهوة لم تعجبه من أول رشفة ..صعد الدرج في جو مظلم و ساكن حتى وصل إلى غرفته ،و سمع التلفاز يتحدث عن الإحساس و الإدراك و الفرق بينهما في حين وجد زملاءه في الغرفة قد غادروها للسباحة...تمدد على السرير لبرهة و قال بشفة فاترة :
- كنت أتساءل عن الطيور لماذا تستطيع الطيران بمجرد أن تقفز من أعشاشها، هذا واحد من أسئلة عميقة تراودني بلا رحمة ..و لماذا تستطيع السمكة أن تتنفس تحت الماء ؟... و لماذا للأوراق النقدية رائحة مميزة أستطيع تمييزها بدقة حتى و لو كنت في متجر للعقاقير؟؟،تذكر فجأة ذلك اليوم ، كانت البنت الصغيرة أمام البيت و جاءت السيارة بسرعة جنونية جعلتها تطير من على الأرض،خافت الأم على ابنتها و رمت بنفسها فداء لصغيرتها و لكن الله ستر فلم يتأذ أحد ..!!
و منذ ذلك اليوم قرر أبدا أن لا يترك الصلاة فالموت يأتي بسرعة مباغتة ، و لا أحد يحب سوء الخواتيم ....ما زال يشعر بفتور في شفته فواصل يقول :
- كم هم بارعون في السباحة أبناء خالي ، إنهم يشقون الماء و الموج كالسمك ،فلماذا يا تراني لست مثلهم في الخفة و المهارة ؟؟... يا إلاهي : شاب في العشرينات لا يجيد السباحة !
حتى "ميمي" ابنة السنوات الثلاثة تسبح كأنها قطرة ماء !... شعر ببعض التوعك وتكور في فراشه و بحث عن سبب غريب يدفعه للخوف من شيئ مجهول، و ناقش في رأسه أفكارا شتى و لكنها سرعان ما تزول عندما يتذكر أنه في الفندق لوحده ... بحث بين أغراضه عن صورة قديمة ، وجدها.... ابتسم و تذكر أياما حبلى بالشقاوة ... ثلاثون تلميذا و تلميذة ... مآزر بيضاء و لبس شتوي ركيك . و على جانبي الصورة وقف المدرس على اليمين و مدير الثانوية على الشمال في وقفة توحي بالتعاسة و ضعف المرتب !! و في وسط الصورة ظهرت الطالبة "كريمة" صاحبة الشعر الأشقر و العين الزرقاء و الوجه الأبيض المستدق من أسفل الذقن ،و كان هو في جانبها تماما فتى ضعيف القوام بشعر فوق الرأس كثيف ، و سروال بني من قماش " التيرقال " و نعل جلدي ذي قاعدة من الجلد المطاط ، توارت لحظات تلك الحقبة إلى مكان مجهول و تقهقرت عقبات كثيرة فجأة ،عقبات كالفقر و اليتم و الجهل .... و سواد المستقبل.
و لم يكن أحد يعلم أبدا بأن كريمة ستكبر و تناقش في الجامعة إشكالية الإحساس و الإدراك و بذلك تنال الليسانس بتقدير باهر ... في ذلك اليوم تكلم عنها كل طلبة الفلسفة بإطراء و رغم ذلك بقت متواضعة و ظل جمالها كجمال القمر !!
و في المعرض الوطني للكتاب بقصر المعارض إلتقى بها فجأة :
- كريمة ؟ . .. يا لمحاسن الصدف !!
- سفيان ... مرحبا بك كيف حالك . ظننت أنك ستنساني بعد كل هذه السنين .
وجه ملائكي ، و ابتسامة من ذهب و تفكير من حديد فمن ينساك أيتها الفاتنة ؟ و قال لها ممازحا :
- من ينسى فيلسوفة الجامعة ؟
ضحكت في حنان و قالت مسائلة :
- ألا زلت تهتم بالكتب ؟
- نعم ... فعلاقتي بها قديمة كما تعلمين . و لا أرى لها فتورا في المستقبل القريب .
- ممتاز . وفاء من ذهب . هل أنت مقيم هنا ؟
- أنزل في فندق مجاور ريثما ينتهي المعرض .
- أنا أقطن هنا منذ ثلاثة سنوات مع عائلتي .
جابا المعرض طولا و عرضا و ذرعا أرضه بلا توقف حتى تصفحا جميع العناوين ، ورغم برودة الجو و انتهاء موسم الاصطياف إلا أن سفيان فكر في النزول إلى البحر ليجرب السباحة ، حذرته كريمة إلا أنه ألح فنزلت عند رغبته و رافقته بسيارتها إلا شاطئ قريب ...
جذبه البحر بقوة سحرية مشدودة بالسماء ، و دغدغه الموج و الضباب و البرودة .. اختار مكانا معينا و قفز إلى الماء و لم تكن له في السباحة تجربة مسبقة. كان يحس أنه يستطيع السباحة غريزيا و لكنه واصل نزوله تحت الماء ، نزل بسرعة غريبة و شعر بلحظات من التوتر و الماء يضغط على طبلة أذنيه حتى كادتا تنفجران ،.... أين أنت أيها الهواء ؟ لماذا لا أستطيع التنفس ؟
- الماء يدخل في رئتي . يا له من إحساس غريب ...لماذا تخونني يداي ؟ لماذا و قد استخدمتهما سابقا في الشجارات و العمل و صناعة البيتزا !!
- أي إحساس هذا ؟ فالبرودة تسري إلى قلبي فتجعله يضطرب . إنها تسري إلى معدتي !! لا بد أنه الماء إذن،و هو غارق في دوامة من الماء و البرودة و الحيرة إذا بيد كريمة تنتشله إلى الشاطئ ..... كاد يفارق الحياة !!
وضع الصورة جانبا و انتبه فوجد أصدقاءه يطرقون باب الغرفة ... دخلوا عليه و طلبوا منه مرافقتهم للسباحة ..... فرفض متحججا بالتعب .
- أدرك سفيان أن السباحة ليست غريزية بل هي عمل يتطلب التدرب و المثابرة .
- أطنان من الماء و الملح تصطدم بالساحل الصخري ،و السمك تحت الماء يعبث بالسيقان العارية للسابحين ،و الشاطئ مكتظ بالبشر العراة نسبيا و لا شعور سائد غير الحر و العطش و الصداع ،أما الرياح فكانت هادئة و رغم ذلك لم يخل الشاطئ من بعض الموجات المخاتلة و في الحين اعتقد سفيان أن اليوم غير ملائم للاستمتاع و فكر في العودة للفندق… اقتنى جريدة و سيجارة و قهوة لم تعجبه من أول رشفة ..صعد الدرج في جو مظلم و ساكن حتى وصل إلى غرفته ،و سمع التلفاز يتحدث عن الإحساس و الإدراك و الفرق بينهما في حين وجد زملاءه في الغرفة قد غادروها للسباحة...تمدد على السرير لبرهة و قال بشفة فاترة :
- كنت أتساءل عن الطيور لماذا تستطيع الطيران بمجرد أن تقفز من أعشاشها، هذا واحد من أسئلة عميقة تراودني بلا رحمة ..و لماذا تستطيع السمكة أن تتنفس تحت الماء ؟... و لماذا للأوراق النقدية رائحة مميزة أستطيع تمييزها بدقة حتى و لو كنت في متجر للعقاقير؟؟،تذكر فجأة ذلك اليوم ، كانت البنت الصغيرة أمام البيت و جاءت السيارة بسرعة جنونية جعلتها تطير من على الأرض،خافت الأم على ابنتها و رمت بنفسها فداء لصغيرتها و لكن الله ستر فلم يتأذ أحد ..!!
و منذ ذلك اليوم قرر أبدا أن لا يترك الصلاة فالموت يأتي بسرعة مباغتة ، و لا أحد يحب سوء الخواتيم ....ما زال يشعر بفتور في شفته فواصل يقول :
- كم هم بارعون في السباحة أبناء خالي ، إنهم يشقون الماء و الموج كالسمك ،فلماذا يا تراني لست مثلهم في الخفة و المهارة ؟؟... يا إلاهي : شاب في العشرينات لا يجيد السباحة !
حتى "ميمي" ابنة السنوات الثلاثة تسبح كأنها قطرة ماء !... شعر ببعض التوعك وتكور في فراشه و بحث عن سبب غريب يدفعه للخوف من شيئ مجهول، و ناقش في رأسه أفكارا شتى و لكنها سرعان ما تزول عندما يتذكر أنه في الفندق لوحده ... بحث بين أغراضه عن صورة قديمة ، وجدها.... ابتسم و تذكر أياما حبلى بالشقاوة ... ثلاثون تلميذا و تلميذة ... مآزر بيضاء و لبس شتوي ركيك . و على جانبي الصورة وقف المدرس على اليمين و مدير الثانوية على الشمال في وقفة توحي بالتعاسة و ضعف المرتب !! و في وسط الصورة ظهرت الطالبة "كريمة" صاحبة الشعر الأشقر و العين الزرقاء و الوجه الأبيض المستدق من أسفل الذقن ،و كان هو في جانبها تماما فتى ضعيف القوام بشعر فوق الرأس كثيف ، و سروال بني من قماش " التيرقال " و نعل جلدي ذي قاعدة من الجلد المطاط ، توارت لحظات تلك الحقبة إلى مكان مجهول و تقهقرت عقبات كثيرة فجأة ،عقبات كالفقر و اليتم و الجهل .... و سواد المستقبل.
و لم يكن أحد يعلم أبدا بأن كريمة ستكبر و تناقش في الجامعة إشكالية الإحساس و الإدراك و بذلك تنال الليسانس بتقدير باهر ... في ذلك اليوم تكلم عنها كل طلبة الفلسفة بإطراء و رغم ذلك بقت متواضعة و ظل جمالها كجمال القمر !!
و في المعرض الوطني للكتاب بقصر المعارض إلتقى بها فجأة :
- كريمة ؟ . .. يا لمحاسن الصدف !!
- سفيان ... مرحبا بك كيف حالك . ظننت أنك ستنساني بعد كل هذه السنين .
وجه ملائكي ، و ابتسامة من ذهب و تفكير من حديد فمن ينساك أيتها الفاتنة ؟ و قال لها ممازحا :
- من ينسى فيلسوفة الجامعة ؟
ضحكت في حنان و قالت مسائلة :
- ألا زلت تهتم بالكتب ؟
- نعم ... فعلاقتي بها قديمة كما تعلمين . و لا أرى لها فتورا في المستقبل القريب .
- ممتاز . وفاء من ذهب . هل أنت مقيم هنا ؟
- أنزل في فندق مجاور ريثما ينتهي المعرض .
- أنا أقطن هنا منذ ثلاثة سنوات مع عائلتي .
جابا المعرض طولا و عرضا و ذرعا أرضه بلا توقف حتى تصفحا جميع العناوين ، ورغم برودة الجو و انتهاء موسم الاصطياف إلا أن سفيان فكر في النزول إلى البحر ليجرب السباحة ، حذرته كريمة إلا أنه ألح فنزلت عند رغبته و رافقته بسيارتها إلا شاطئ قريب ...
جذبه البحر بقوة سحرية مشدودة بالسماء ، و دغدغه الموج و الضباب و البرودة .. اختار مكانا معينا و قفز إلى الماء و لم تكن له في السباحة تجربة مسبقة. كان يحس أنه يستطيع السباحة غريزيا و لكنه واصل نزوله تحت الماء ، نزل بسرعة غريبة و شعر بلحظات من التوتر و الماء يضغط على طبلة أذنيه حتى كادتا تنفجران ،.... أين أنت أيها الهواء ؟ لماذا لا أستطيع التنفس ؟
- الماء يدخل في رئتي . يا له من إحساس غريب ...لماذا تخونني يداي ؟ لماذا و قد استخدمتهما سابقا في الشجارات و العمل و صناعة البيتزا !!
- أي إحساس هذا ؟ فالبرودة تسري إلى قلبي فتجعله يضطرب . إنها تسري إلى معدتي !! لا بد أنه الماء إذن،و هو غارق في دوامة من الماء و البرودة و الحيرة إذا بيد كريمة تنتشله إلى الشاطئ ..... كاد يفارق الحياة !!
وضع الصورة جانبا و انتبه فوجد أصدقاءه يطرقون باب الغرفة ... دخلوا عليه و طلبوا منه مرافقتهم للسباحة ..... فرفض متحججا بالتعب .
- أدرك سفيان أن السباحة ليست غريزية بل هي عمل يتطلب التدرب و المثابرة .