karimo06
2008-05-16, 16:15
بقلم
الشيخ محمد بن عبد اللطيف
حكاية عن أبيه الإمام عز الدين بن عبد السلام
المتوفى سنة 661 هـ
تغمدهما الله برضوانه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد، فإنه لما ندبني من تجب إجابته وتتحتم طاعته إلى أن أذكر له ما جرى لوالدي رحمه الله تعالى مع السلطان الملك الأشرف موسى بن الملك العادل تغمده الله برحمته، في مسألة الكلام، بادرتُ مجيباً بما أعلمه في الواقعة، بالخبرة الباطنة والمباشرة، وذلك أنه لما ملك الملك الأشرف رحمه الله دمشق، واتصل به ما عليه والدي أحبه وصار يلهج بذكره ويتعرض إلى الاجتماع به، وهو يعرض عن ذلك، ويؤثر الانقطاع إلى ملك الملوك والوقوف ببابه والعكوف على جنابه.
وكان للشيخ أعداء في الدين من (حشوية) الحنابلة المبتدعين، وكانوا في تلك الدولة متقدمين، وكان الملك الأشرف رحمه الله قد صحب جماعة منهم في صغره ممن يقول بالحرف والصوت، كانوا يقولون له: هذا اعتقاد السلف واعتقاد الإمام أحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه، وحاشاهم عن ذلك، وقرروا ذلك عند السلطان، حتى اختلط اعتقاده لذلك بلحمه ودمه، وصار يعتقد فيمن خالف ذلك أنه كافر مباح الدم.
فقالت له طائفة منهم: ابن عبد السلام أشعري المذهب، غير معتقد للحرف والصوت، بل يخطئ من يعتقد الحرف والصوت ويسبه ويذمه ويقدح في دينه أتم القدح، ومن جملة اعتقاده أنه يقول بقول الأشعري، أن الخبر لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق.
فاستهول ذلك السلطان، واستعظمه، واتهمهم ولم يصدقهم، ونسبهم إلى التعصب عليه.
فكتبوا فتوى في مسألة الكلام وأحضروها إليه، وكان قد اتصل به ما ألقوه إلى السلطان في ذلك.
فقال: إن هذه الفتيا كتبت امتحاناً لي، والله لأكتبن فيها بمر الحق.
فكان من جملة ما كتب فيها بعد حمد الله وتعظيمه وتنـزيهه وتوحيده:
وأنه حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا وصت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على ذاته كما يجب احترامها لدلالتها على صفاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته، وكذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعباد والعلماء صلوات الله عليهم.
أمـر على الديار ديار ليلى أقبـل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
ولذلك يقبل الحجر الأسود، ويحرم على المحدث أن يمس المصحف أسطره وحواشيه التي لا كتابة فيها وجلده وخريطته التي هو فيها.
فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد، وأحمد ابن حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف براء مما نسبوه إليهم واختلقوه عليهم، وكيف يظن بأحمد وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف الله تعالى قديم، وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل، وقد أخبر الله تعالى عن حدوثها في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم:
الموضع الأول: قوله تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)، جعل الآتي محدثاً، فمن زعم أنه قديم فقد رد على الله تعالى، وإنما هذا المحدث دليل على القديم، كما أنا إذا كتبنا اسم الله عز وجل في ورقة لم يكن الرب القديم حل في تلك الورقة، فكذلك إذا كتب الوصف القديم في شيء لم يحل الوصف المكتوب حيث حلت الكتابة.
الموضع الثاني: قوله تعالى: (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم)، وقول الرسول صفة للرسول، ووصف الحادث حادث يدل على الكلام القديم، فمن زعم أن قول الرسول قديم فقد رد على رب العالمين.
الموضع الثالث: قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم).
والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون عن صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، وكذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان.
ومن توقف في ذلك لم يعد من العقلاء، فضلاً عن العلماء، فلا كثر الله من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.
ومن قال: إن الوصف القديم حال في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول: إن وصف الله القديم احترق !! سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك منافٍ للقدم، فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري ؟!
وإن قالوا بخلاف ذلك، فانظر كيف يفترون على الله الكذب، وكفى به إثماً مبيناً.
وأما قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفة يتعلق بها قوله (في كتاب مكنون)، ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره: (مكتوب في كتاب مكنون)، لما ذكرناه، ما دل عليه العقل الشاهد بالوحدانية وبصحة الرسالة، وهو مناط التكليف بإجماع المسلمين.
وإنما لم نستدل بالعقل على القوم وكفى به شاهداً؛ لأنهم لا يسمعون شهادته، مع أن الشرع قد عدَّل العقلَ وقبل شهادته، واستدل به في مواضع من كتابه الكريم، كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة، وكقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتها)، وقوله تعالى: (وما كن معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض)، وقوله تعالى: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء).
فيا خيبة من رد شاهداً قبله الله تعالى، وأسقط دليلاً نصبه الله تعالى، فهم يرجعون إلى المنقول، فلذلك استدللنا بالمنقول وتركنا المعقول، كميناً إن احتجنا إليه أبرزناه، وإن لم نحتج إليه أخرناه.
وقد جاء في الحديث المشهور: (من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات، ومن قرأه ولم يعربه فله بكل حرف حسنة)، والقديم لا يكون معيباً باللحن وكاملاً بالإعراب، وقد قال تعالى: (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون)، فإذا أخبر رسوله بأنا نجزى على قراءة القرآن دل على أنه من أعمالنا، وليست أعمالنا بقديمة، وإنما أتي القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسان العرب وسخافة العقل وبلادة الذهن، فإن لفظ القرآن يطلق في الشرع واللسان على الوصف القديم، ويطلق على القراءة الحادثة، والعجب أنهم يذمون الأشعري رحمه الله بقوله: إن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق، وهذا كلام أنزل الله تعالى معناه في كتابه الكريم، فإن الشبع والري والاحتراق حوادث انفرد الرب سبحانه وتعالى بخلقها، فلم يخلق الخبز الشبع، ولم يخلق الماء الري، ولم تخلق النار الاحتراق، وإن كانت أسباباً في ذلك، فالخالق هو المسبب، كما قال تعالى: (وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى)، نفى أن يكون رسوله خالقاً للرمي وإن كان سبباً فيه، وقد قال تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحيا) فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها، وأضافها إليه، فكذلك اقتطع الأشعري رحمه الله الشبع والري والاحتراق عن أسبابها وأضافها إلى خالقها؛ لقوله تعالى: (الله خالق كل شيء)، ولقوله تعالى: (هل من خالق غير الله) (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعمله ولما يأتهم تأويله) (أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أما ماذا كنتم تعملون).
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهـم السقيـم
وهذا بعض ما ذكر في الفتيا.
فلما فرغ من كتابة ما راموه، رماه إليهم وهو يضحك عليهم، فطاروا بالجواب، وهم يعتقدون أن الحصول عليه من الفرص العظيمة التي ظفروا بها، ويقطعون بهلاكه واستئصاله واستباحة دمه وماله، فأوصلوا الفتيا إلى الملك الأشرف رحمه الله، فلما وقف عليها استشاط غضباً وقال: صح عندي ما قالوه عنه، وهذا رجل كنَّا نعتقد أنه متوحد في زمانه في العلم والدين، فظهر عبد الاختبار أنه من الفجار !! لا بل من الكفار !!
وكان ذلك في رمضان عند الإفطار، وعنده على سماطه عامة الفقهاء، من جميع الأقطار، فلم يستطع أحدٌ منهم أن يرد عليه، بل قال بعض أعيانهم: السلطان أولى بالعفو والصفح، ولا سيما في مثل هذا الشهر، وموه آخرون بكلام غير موجه يوهم صحة مذهب الخصم، يظهرون أنهم قد أفتوا بموافقته، فلما انفصلوا تلك الليلة من مجلسه بالقلعة اشتغل الناس في البلد بما جرى في تلك الليلة عند السلطان، وأقام الله سبحانه وتعالى الشيخ العلامة جمال الدين أبا عمرو بن الحاجب المالكي، وكان عالم مذهبه في زمانه، وقد جمع بين العلم والعمل رحمه الله تعالى في هذه القضية، ومضى إلى القضاة والعلماء الأعيان الذين حضروا هذه القصة عند السلطان، وشدد عليهم النكير، وقال:العجب أنكم كلكم على الحق، وغيركم على الباطل، وما فيكم من نطق بالحق، وسكتم، وما انتخيتم لله تعالى وللشريعة المطهرة، ولما تكلم منكم من تكلم قال: السلطان أولى بالعفو والصفح، ولا سيما في هذا الشهر، وهذا غلط يوهم الذنب، فإن العفو والصفح لا يكونان إلا عن جرم وذنب، أما وكنتم سلكتم طريق التلطف في إعلام السلطان بأن ما قاله ابن عبد السلام مذهبكم، وهو مذهب أهل الحق، وأن جمهور السلف والخلف على ذلك، ولم يخالفهم في ذلك إلا طائفة مخذولة، يخفون مذهبهم ويدسونه على تخوف، إلى من يستضعفون علمه وعقله، وقد قال تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون).
ولم يزل يعنفهم ويوبخهم إلى أن اصطلح معهم على فتيا بصورة الحال، ويكتبوا فيها بموافقة ابن عبد السلام، فوافقوه على ذلك، وأخذ خطوطهم بموافقته، والتمس ابن عبد السلام من السلطان أن يعقد مجلساً للشافعية والحنابلة وتحضره المالكية والحنفية وغيرهم من علماء المسلمين، وذكر له أنه أخذ خطوط الفقهاء الذين كانوا بمجلس السلطان لما قرئت عليه الفتيا بموافقتهم له، وأنه لم يمكنهم الكلام بمحضر السلطان في ذلك الوقت لغضبه وما ظهر من حدته في ذلك المجلس.
وقال: الذي يعتقد في السلطان أنه إذا ظهر له الحق يرجع إليه، وأنه يعاقب من موه الباطل عليه، وهو أولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل غامده الله تعالى برحمته، فإنه كان قد عزر جماعة من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيراً بليغاً رادعاً، وبدعهم وأهانهم.
فلما اتصل ذلك بالسلطان استدعى دواة وورقة، وكتب فيها بخط يده ما مثاله:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصل إليَّ ما التمسه الفقيه ابن عبد السلام أصلحه الله في عقد مجلس وجمع المفتين والفقهاء، وقد وقفنا على خطه، وما أفتى به، وعلمنا عقيدته ما أغنى عن الاجتماع به، ونحن نتبع ما عليها الخلفاء الراشدون الذين قال صلى الله عليه وسلم في حقهم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من عبد) وعقائد الأئمة الأربعة فيها كفاية لكل مسلم يغلب هواه ويتبع الحق ويخلص من البدع، اللهم إلا إن كنت تدعي الاجتهاد، فعليك أن تثبت ليكون الجواب على قدر الدعوى، لتكون صاحب مذهب خامس.
وأما ما ذكرته عن الذي جرى في أيام والدي تغمده الله برضوانه، فذلك الحال أنا أعلم به منك، وما كان له سبب إلا فتح باب السلامة لأمر ديني:
فجرم جره سفهاء قوم فحل بغير جانيه العذاب
ومع هذا فقد ورد في الحديث: (الفتنة نائمة لعن الله مثيرها) ومن تعرض إلى إثارتها قابلناه بما يخلصنا من الله تعالى ما يعضد كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم استدعى رسولاً وسير الرقعة معه، فلما وفد بها عليه، فضها وقرأها وطواها، وقال للرسول: قد وصلت وقرأتها، وفهمت ما فيها، فاذهب بسلام.
فقال: قد تقدمت الأوامر المطاعة السلطانية إلي بإحضار جوابها.
فاستحضر الشيخ دواة وكتب فيها ما مثاله:
بسم الله الرحمن الرحيم، (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) أما بعد، فإن الله تعالى قال لأحب خلقه إليه وأكرمه لديه (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون)، وقد أنـزل الله كتبه وأرسل رسله بنصائح خلقه، فالسعيد من قبل نصائحه وحفظ وصاياه، وكان فيما أوصى به خلقه أن قال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وهو سبحانه وتعالى أولى من قبلت نصيحته وحفظت وصيته.
وأما طلب المجلس وجمع العلماء فما حملني عليه إلا النصح للسلطان، وعامة المسلمين، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدين فقال: (الدين النصيحة) قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم).
فنصح الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه بالعمل بموجبه، وللأئمة بإرشادهم إلى أحكامه والوقوف عند أوامره ونواهيه، ولعامة المسلمين بدلالتهم على ما يقربهم إليه ويزلفهم لديه، وقد أديت ما علي في ذلك، والفتيا التي وقعت في القضية يوافق عليها علماء الشافعية والمالكية والحنفية والفضلاء من الحنبلية، وما يخالف في ذلك إلا رعاع لا يعبأ الله بهم، وهو الحق الذي لا يجوز دفعه، والصواب الذي لا يمكن رفعه، ولو حضر العلماء مجلس السلطان لعلم صحة ما أقول، والسلطان أقدر الناس على تحقيق ذلك، وقد كتب الجماعة خطوطهم بمثل ما قلته، وإنما سكت من سكت أول الأمر لما رأوا من غضب السلطان، ولولا ما شاهدوه من غضب السلطان لما أفتوا أولاً إلا بما رجعوا إليه آخراً، ومع ذلك فيكتب ما ذكرته في هذه الفتيا وما ذكره الغير، ويبعث إلى بلاد الإسلام، ليكتب فيها كل من يحب الرجوع إليه ويعتمد في الفتيا عليه، ونحن نحضر كتب العلماء المعتبرين ليقف عليها السلطان.
وبلغني أنهم ألقوا إلى سمع السلطان أن الأشعري يستهين بالمصحف، ولا خلاف بين الأشعرية وجميع علماء المسلمين أن تعظيم المصحف واجب، وعندنا أن من استهان بالمصحف أو بشيء منه فقد كفر وانفسخ نكاحه، وصار ماله فيئاً للمسلمين وتضرب عنقه ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يترك بالقاع طعمة للسباع.
ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين ولا ألفاظ اللافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدين، وخرج عن عقائد المسلمين، بلا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي، وربنا المستعان على ما تصفون.
وليس رد البدع وإبطالها من باب إثارة الفتن، فإن الله سبحانه وتعالى أمر العلماء بذلك، وأمرهم ببيان ما علموه، ومن امتثل أمر الله ونصر دين الله لا يجوز أن يلعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
....يتبع........
الشيخ محمد بن عبد اللطيف
حكاية عن أبيه الإمام عز الدين بن عبد السلام
المتوفى سنة 661 هـ
تغمدهما الله برضوانه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد، فإنه لما ندبني من تجب إجابته وتتحتم طاعته إلى أن أذكر له ما جرى لوالدي رحمه الله تعالى مع السلطان الملك الأشرف موسى بن الملك العادل تغمده الله برحمته، في مسألة الكلام، بادرتُ مجيباً بما أعلمه في الواقعة، بالخبرة الباطنة والمباشرة، وذلك أنه لما ملك الملك الأشرف رحمه الله دمشق، واتصل به ما عليه والدي أحبه وصار يلهج بذكره ويتعرض إلى الاجتماع به، وهو يعرض عن ذلك، ويؤثر الانقطاع إلى ملك الملوك والوقوف ببابه والعكوف على جنابه.
وكان للشيخ أعداء في الدين من (حشوية) الحنابلة المبتدعين، وكانوا في تلك الدولة متقدمين، وكان الملك الأشرف رحمه الله قد صحب جماعة منهم في صغره ممن يقول بالحرف والصوت، كانوا يقولون له: هذا اعتقاد السلف واعتقاد الإمام أحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه، وحاشاهم عن ذلك، وقرروا ذلك عند السلطان، حتى اختلط اعتقاده لذلك بلحمه ودمه، وصار يعتقد فيمن خالف ذلك أنه كافر مباح الدم.
فقالت له طائفة منهم: ابن عبد السلام أشعري المذهب، غير معتقد للحرف والصوت، بل يخطئ من يعتقد الحرف والصوت ويسبه ويذمه ويقدح في دينه أتم القدح، ومن جملة اعتقاده أنه يقول بقول الأشعري، أن الخبر لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق.
فاستهول ذلك السلطان، واستعظمه، واتهمهم ولم يصدقهم، ونسبهم إلى التعصب عليه.
فكتبوا فتوى في مسألة الكلام وأحضروها إليه، وكان قد اتصل به ما ألقوه إلى السلطان في ذلك.
فقال: إن هذه الفتيا كتبت امتحاناً لي، والله لأكتبن فيها بمر الحق.
فكان من جملة ما كتب فيها بعد حمد الله وتعظيمه وتنـزيهه وتوحيده:
وأنه حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا وصت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على ذاته كما يجب احترامها لدلالتها على صفاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته، وكذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعباد والعلماء صلوات الله عليهم.
أمـر على الديار ديار ليلى أقبـل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
ولذلك يقبل الحجر الأسود، ويحرم على المحدث أن يمس المصحف أسطره وحواشيه التي لا كتابة فيها وجلده وخريطته التي هو فيها.
فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد، وأحمد ابن حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف براء مما نسبوه إليهم واختلقوه عليهم، وكيف يظن بأحمد وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف الله تعالى قديم، وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل، وقد أخبر الله تعالى عن حدوثها في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم:
الموضع الأول: قوله تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)، جعل الآتي محدثاً، فمن زعم أنه قديم فقد رد على الله تعالى، وإنما هذا المحدث دليل على القديم، كما أنا إذا كتبنا اسم الله عز وجل في ورقة لم يكن الرب القديم حل في تلك الورقة، فكذلك إذا كتب الوصف القديم في شيء لم يحل الوصف المكتوب حيث حلت الكتابة.
الموضع الثاني: قوله تعالى: (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم)، وقول الرسول صفة للرسول، ووصف الحادث حادث يدل على الكلام القديم، فمن زعم أن قول الرسول قديم فقد رد على رب العالمين.
الموضع الثالث: قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم).
والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون عن صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، وكذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان.
ومن توقف في ذلك لم يعد من العقلاء، فضلاً عن العلماء، فلا كثر الله من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.
ومن قال: إن الوصف القديم حال في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول: إن وصف الله القديم احترق !! سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك منافٍ للقدم، فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري ؟!
وإن قالوا بخلاف ذلك، فانظر كيف يفترون على الله الكذب، وكفى به إثماً مبيناً.
وأما قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفة يتعلق بها قوله (في كتاب مكنون)، ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره: (مكتوب في كتاب مكنون)، لما ذكرناه، ما دل عليه العقل الشاهد بالوحدانية وبصحة الرسالة، وهو مناط التكليف بإجماع المسلمين.
وإنما لم نستدل بالعقل على القوم وكفى به شاهداً؛ لأنهم لا يسمعون شهادته، مع أن الشرع قد عدَّل العقلَ وقبل شهادته، واستدل به في مواضع من كتابه الكريم، كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة، وكقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتها)، وقوله تعالى: (وما كن معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض)، وقوله تعالى: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء).
فيا خيبة من رد شاهداً قبله الله تعالى، وأسقط دليلاً نصبه الله تعالى، فهم يرجعون إلى المنقول، فلذلك استدللنا بالمنقول وتركنا المعقول، كميناً إن احتجنا إليه أبرزناه، وإن لم نحتج إليه أخرناه.
وقد جاء في الحديث المشهور: (من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات، ومن قرأه ولم يعربه فله بكل حرف حسنة)، والقديم لا يكون معيباً باللحن وكاملاً بالإعراب، وقد قال تعالى: (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون)، فإذا أخبر رسوله بأنا نجزى على قراءة القرآن دل على أنه من أعمالنا، وليست أعمالنا بقديمة، وإنما أتي القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسان العرب وسخافة العقل وبلادة الذهن، فإن لفظ القرآن يطلق في الشرع واللسان على الوصف القديم، ويطلق على القراءة الحادثة، والعجب أنهم يذمون الأشعري رحمه الله بقوله: إن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق، وهذا كلام أنزل الله تعالى معناه في كتابه الكريم، فإن الشبع والري والاحتراق حوادث انفرد الرب سبحانه وتعالى بخلقها، فلم يخلق الخبز الشبع، ولم يخلق الماء الري، ولم تخلق النار الاحتراق، وإن كانت أسباباً في ذلك، فالخالق هو المسبب، كما قال تعالى: (وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى)، نفى أن يكون رسوله خالقاً للرمي وإن كان سبباً فيه، وقد قال تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحيا) فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها، وأضافها إليه، فكذلك اقتطع الأشعري رحمه الله الشبع والري والاحتراق عن أسبابها وأضافها إلى خالقها؛ لقوله تعالى: (الله خالق كل شيء)، ولقوله تعالى: (هل من خالق غير الله) (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعمله ولما يأتهم تأويله) (أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أما ماذا كنتم تعملون).
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهـم السقيـم
وهذا بعض ما ذكر في الفتيا.
فلما فرغ من كتابة ما راموه، رماه إليهم وهو يضحك عليهم، فطاروا بالجواب، وهم يعتقدون أن الحصول عليه من الفرص العظيمة التي ظفروا بها، ويقطعون بهلاكه واستئصاله واستباحة دمه وماله، فأوصلوا الفتيا إلى الملك الأشرف رحمه الله، فلما وقف عليها استشاط غضباً وقال: صح عندي ما قالوه عنه، وهذا رجل كنَّا نعتقد أنه متوحد في زمانه في العلم والدين، فظهر عبد الاختبار أنه من الفجار !! لا بل من الكفار !!
وكان ذلك في رمضان عند الإفطار، وعنده على سماطه عامة الفقهاء، من جميع الأقطار، فلم يستطع أحدٌ منهم أن يرد عليه، بل قال بعض أعيانهم: السلطان أولى بالعفو والصفح، ولا سيما في مثل هذا الشهر، وموه آخرون بكلام غير موجه يوهم صحة مذهب الخصم، يظهرون أنهم قد أفتوا بموافقته، فلما انفصلوا تلك الليلة من مجلسه بالقلعة اشتغل الناس في البلد بما جرى في تلك الليلة عند السلطان، وأقام الله سبحانه وتعالى الشيخ العلامة جمال الدين أبا عمرو بن الحاجب المالكي، وكان عالم مذهبه في زمانه، وقد جمع بين العلم والعمل رحمه الله تعالى في هذه القضية، ومضى إلى القضاة والعلماء الأعيان الذين حضروا هذه القصة عند السلطان، وشدد عليهم النكير، وقال:العجب أنكم كلكم على الحق، وغيركم على الباطل، وما فيكم من نطق بالحق، وسكتم، وما انتخيتم لله تعالى وللشريعة المطهرة، ولما تكلم منكم من تكلم قال: السلطان أولى بالعفو والصفح، ولا سيما في هذا الشهر، وهذا غلط يوهم الذنب، فإن العفو والصفح لا يكونان إلا عن جرم وذنب، أما وكنتم سلكتم طريق التلطف في إعلام السلطان بأن ما قاله ابن عبد السلام مذهبكم، وهو مذهب أهل الحق، وأن جمهور السلف والخلف على ذلك، ولم يخالفهم في ذلك إلا طائفة مخذولة، يخفون مذهبهم ويدسونه على تخوف، إلى من يستضعفون علمه وعقله، وقد قال تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون).
ولم يزل يعنفهم ويوبخهم إلى أن اصطلح معهم على فتيا بصورة الحال، ويكتبوا فيها بموافقة ابن عبد السلام، فوافقوه على ذلك، وأخذ خطوطهم بموافقته، والتمس ابن عبد السلام من السلطان أن يعقد مجلساً للشافعية والحنابلة وتحضره المالكية والحنفية وغيرهم من علماء المسلمين، وذكر له أنه أخذ خطوط الفقهاء الذين كانوا بمجلس السلطان لما قرئت عليه الفتيا بموافقتهم له، وأنه لم يمكنهم الكلام بمحضر السلطان في ذلك الوقت لغضبه وما ظهر من حدته في ذلك المجلس.
وقال: الذي يعتقد في السلطان أنه إذا ظهر له الحق يرجع إليه، وأنه يعاقب من موه الباطل عليه، وهو أولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل غامده الله تعالى برحمته، فإنه كان قد عزر جماعة من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيراً بليغاً رادعاً، وبدعهم وأهانهم.
فلما اتصل ذلك بالسلطان استدعى دواة وورقة، وكتب فيها بخط يده ما مثاله:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصل إليَّ ما التمسه الفقيه ابن عبد السلام أصلحه الله في عقد مجلس وجمع المفتين والفقهاء، وقد وقفنا على خطه، وما أفتى به، وعلمنا عقيدته ما أغنى عن الاجتماع به، ونحن نتبع ما عليها الخلفاء الراشدون الذين قال صلى الله عليه وسلم في حقهم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من عبد) وعقائد الأئمة الأربعة فيها كفاية لكل مسلم يغلب هواه ويتبع الحق ويخلص من البدع، اللهم إلا إن كنت تدعي الاجتهاد، فعليك أن تثبت ليكون الجواب على قدر الدعوى، لتكون صاحب مذهب خامس.
وأما ما ذكرته عن الذي جرى في أيام والدي تغمده الله برضوانه، فذلك الحال أنا أعلم به منك، وما كان له سبب إلا فتح باب السلامة لأمر ديني:
فجرم جره سفهاء قوم فحل بغير جانيه العذاب
ومع هذا فقد ورد في الحديث: (الفتنة نائمة لعن الله مثيرها) ومن تعرض إلى إثارتها قابلناه بما يخلصنا من الله تعالى ما يعضد كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم استدعى رسولاً وسير الرقعة معه، فلما وفد بها عليه، فضها وقرأها وطواها، وقال للرسول: قد وصلت وقرأتها، وفهمت ما فيها، فاذهب بسلام.
فقال: قد تقدمت الأوامر المطاعة السلطانية إلي بإحضار جوابها.
فاستحضر الشيخ دواة وكتب فيها ما مثاله:
بسم الله الرحمن الرحيم، (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) أما بعد، فإن الله تعالى قال لأحب خلقه إليه وأكرمه لديه (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون)، وقد أنـزل الله كتبه وأرسل رسله بنصائح خلقه، فالسعيد من قبل نصائحه وحفظ وصاياه، وكان فيما أوصى به خلقه أن قال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وهو سبحانه وتعالى أولى من قبلت نصيحته وحفظت وصيته.
وأما طلب المجلس وجمع العلماء فما حملني عليه إلا النصح للسلطان، وعامة المسلمين، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدين فقال: (الدين النصيحة) قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم).
فنصح الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه بالعمل بموجبه، وللأئمة بإرشادهم إلى أحكامه والوقوف عند أوامره ونواهيه، ولعامة المسلمين بدلالتهم على ما يقربهم إليه ويزلفهم لديه، وقد أديت ما علي في ذلك، والفتيا التي وقعت في القضية يوافق عليها علماء الشافعية والمالكية والحنفية والفضلاء من الحنبلية، وما يخالف في ذلك إلا رعاع لا يعبأ الله بهم، وهو الحق الذي لا يجوز دفعه، والصواب الذي لا يمكن رفعه، ولو حضر العلماء مجلس السلطان لعلم صحة ما أقول، والسلطان أقدر الناس على تحقيق ذلك، وقد كتب الجماعة خطوطهم بمثل ما قلته، وإنما سكت من سكت أول الأمر لما رأوا من غضب السلطان، ولولا ما شاهدوه من غضب السلطان لما أفتوا أولاً إلا بما رجعوا إليه آخراً، ومع ذلك فيكتب ما ذكرته في هذه الفتيا وما ذكره الغير، ويبعث إلى بلاد الإسلام، ليكتب فيها كل من يحب الرجوع إليه ويعتمد في الفتيا عليه، ونحن نحضر كتب العلماء المعتبرين ليقف عليها السلطان.
وبلغني أنهم ألقوا إلى سمع السلطان أن الأشعري يستهين بالمصحف، ولا خلاف بين الأشعرية وجميع علماء المسلمين أن تعظيم المصحف واجب، وعندنا أن من استهان بالمصحف أو بشيء منه فقد كفر وانفسخ نكاحه، وصار ماله فيئاً للمسلمين وتضرب عنقه ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يترك بالقاع طعمة للسباع.
ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين ولا ألفاظ اللافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدين، وخرج عن عقائد المسلمين، بلا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي، وربنا المستعان على ما تصفون.
وليس رد البدع وإبطالها من باب إثارة الفتن، فإن الله سبحانه وتعالى أمر العلماء بذلك، وأمرهم ببيان ما علموه، ومن امتثل أمر الله ونصر دين الله لا يجوز أن يلعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
....يتبع........