هشام البرايجي
2010-09-06, 14:58
إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.
(يا أيها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أمّا بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار أمّا بعد:
فينتهي العرس !، وتمضي الزّفة !، وينفضّ السّامر، ويبقى المستقبل محفوفا بالمخاطر، ملفوفا بالمخاوف، يكاد صبحه يتفجّر بالأشلاء والدّماء !، وكان ما كان، ومضى ما مضى، ممّا لا يلتفت إليه أحد، ولا يعوّل عليه إنسان، وإنّما كانت تمرينات نافعة للحنجرة هتافا، وللأيدي تشويحا، وللأرجل جريا عند احتدام الخصام.
ويبقى السّؤال في الأفواه مشنوقا، وعلى الشّفاه مخنوقا، فلماذا تجيء التّساؤلات في هذا الوقت بالذّات؟.
والجواب من وجوه:
- أوّلا: إنّ القوم لم يدعوا لمسلم خيارا ولا لمؤمن اختيارا، فإمّا طريق الإسلام وإمّا طريق... !، لا اختيار، إمّا أن تسير في طريق الإسلام هو الحلّ، وإلا فالبديل..وما هو؟!، وما الّذي يقابل الإسلام الّذي هو الحلّ سوى الشّرك والكفر والطّغيان!؟.
فالقوم – غفر الله لهم – لم يدعوا ولم يتركوا لمسلم اختيارا ولا لمؤمن خيارا.
- وثانيا: إنّ القوم رفعوا شعارا لنا فيه إن شاء الله جلّ وعلا أوفى نصيب، فمن حقّنا أن نسأل على حسب نسبة مشاركتنا في الشّعار المرفوع، لأنه لم يقل أحد من المسلمين ولا من المؤمنين ولا من المشركين الكافرين: إنّ جماعة بعينها أو فردا بذاته يمثّل الإسلام ويحمل لواءه وبقيّت المسلمين خارج الإطار وبعيدا عن الدّائرة، لم يقل بذلك أحد لا من القوم ولا ممّن سواهم، وإذًا فما دام الشّعار المرفوع لنا فيه إن شاء الله جلّ وعلا أوفى نصيب، فنتكلّم إن شاء الله ربّ العالمين على قدر نصيبنا فيه.
- وثالثا: أنّ القوم يدعوننا إلى أمر بذاته، والمدعوّ عليه أن يسأل داعيه، وأن يستفصل منه مستفسرا لا متعنّتا ولا متجبّرا، وإنّما يستفصل منه لأنّ الأمر أمر آخرة، أمر الحياة الباقية.
وفي كتيّب عنوانه (رؤية شرعية: لماذا يخوض الإسلاميّون الانتخابات) من تقديم الشّيخ محمد عبد الله الخطيب الطّبعة الأولى في هذا العام لدار الدّعوة، في الصّفحة السّادسة عشرة يقول الأستاذ مصطفى مشهور المرشد الأسبق للجماعة في مقال له منقول عنه في ذلك الكتيّب: (أمّا عن التّساؤل الّذي يقول: ما الهدف من دخول الانتخابات؟!، فنقول: هو الاستفادة من فترة الدّعاية الانتخابية في تبليغ دعوة الإخوان إلى النّاس، وإفهام المسلمين شموليّة الإسلام).
إذا..!، فهي فترة أدعى فيها وتدعى ويدعى المسلمون، ومن حقّ المدعوّ على داعيه أن يسأله: إلى ما تدعوني وإلى أيّ شيء تريد وراءك إليه أن أسير؟، هذا حقّ، وبخاصّة إذا كانت الدّعوة متعلّقة بالآخرة، والدّار الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون، فمن الحقّ الذي لا مرية فيه، ومن العدل الّذي لا جور معه، أن يقف المدعوّ متسائلا لا متعنّتا وإنّما مستفهما مسترشدا مستضيئا مستنيرا بما عند القوم، لعلّ الله أن يجمع الشّمل، لعلّ وعسى.
وأيضا، فإنّ هذا الّذي كان من هذا الأمر الكبير، هو أمر ممّا يخصّ الدّين في صميمه، في صلبه، في قراره، وهذا الشّعار الّذي رفع، ينبغي لمن دُعي إليه أن يستفصل وأن يستوضح وأن يسترشد: ما هو الإسلام الّذي هو الحلّ؟!، وما هو الحلّ؟ وما هي آليّة التّنفيذ؟، وإذا ما كان ذلك كذلك فما شأن بقيّة المسلمين؟، ممّن وضعناهم على المحك، فإمّا وإمّا؟، كان عدلا أن نسأل لأنّ القوم أسرّوا فأسررنا وأعلنوا فأعلنّا ولا ظُلم.
وكانت الدّعوة تمرّ رفيقة سهلة هيّنة فيها سرّ وإسرار وغموض وإبهام فناسب هذا المقام تعريض، من غير ما تصريح ولا توضيح، فلمّا أسرّوا أسررنا ولمّا أعلنوا أعلنّا ولا جور ولا ظلم، وإنّما هو العدل والمعدلة.
وينبغي علينا أن نفرّق بين أمرين: بين الخطأ الّذي يكون متعلّقا بالمنهج، بالذّات، بالفكر، بالقلب بالضّمير، والخطأ العارض ولو تكرّر مرّات ومرّات.
أمّا الخطأ العارض ولو تكرّر فسرعان ما يُصلَح، وسرعان ما تستقيم الأمور، وأمّا الخطأ المنهجيّ الذّاتيّ الملازم فإنّه يتكرّر، كالطّبعة الّي ما تزال نسخها تتكرّر، لا أقول متماثلة وإنّما متطابقة؛ وخذ لهذا مثالا يوضّح إن شاء الله: لو أن آلة من الآلات تنتج منتجا معيّنا، فأصابها في بعض أجزائها خلل عارض وليس بخلل ذاتيّ في أصل الصّنعة وفي بداية التّكوين، فإن هذا الخلل العارض سرعان ما بصلح، ثم يصلح المنتج بعد ذلك وتستقيم الأمور.
وأمّا إذا ما كان الخلل في أصل الصّنعة وفي بداية التّكوين فإنّه لا أمل في الإصلاح حينئذ، فتتشابه نسخ المنتج بل تتطابق من غير ما أمل في إصلاح ولا في بداية تعليم.
وخذ لهذا أيضا تطبيقا من سنّة النّبي الكريم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، الرّجل الصّحابيّ الّذي كان يؤتى به شاربا للخمر فيحدّ بين يدي النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم مرّة ومرّة ومرّة، وفي الصّحيح ((فمنّا الضّرب بيده ومنّا الضّارب بنعله ومنّا الضّرب بثوبه، ثمّ يؤتى به)) حتّى ملّ صحابيّ من الحضور فقال: لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك، فقال النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا تلعنه فإنّه يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم))، خطأ عارض لا يتعلّق بالمنهج، وإنّما هو يعرض شيئا فشيئا، ولو تكرّر مرّات فما أسرع أن يصلح وتستقيم الأمور، وهو يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
وأمّا الخلل الّذي يصيب المنهج، ويدمّر المعتقد، ويستولي على الذّات احتكارا، فإنّه لا أمل في إصلاحه بحال.
وفي الصّحيحين في شأن الخوارج أن الصحابة – كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم – يحتقر أحدهم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وتلاوته مع تلاوتهم، ومع ذلك يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، ويقول النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (( قتلاهم شرّ قتلى تحت أديم السّماء، لإن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد)) كما أخبر الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
الخلل المنهجيّ يتكرّر أصلا، وأمّا الخلل العارض فإنّه خلل ثانويّ، سرعان ما يصلح، والنّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يخبر ((إنّه يحبّ الله ورسوله)) وإن تكرّر الخلل العارض الثّانويّ، وأمّا الآخرون فلا نفعتهم كثرة صيامهم ولا كثرة قيامهم ولا كثرة تلاوتهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية، كما أخبر خير البريّة صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
نفرّق بين هاذين، بين الخلل المنهجي الّذي يصيب المنهج في مقتل فيشوّهه ويحوّره ويدمّره، والخللِ العارض الّذي يتأتّى في السّلوك، في العبادة، فسرعان ما يصلح وتستقيم الأمور.
وينبغي علينا أن نفرِّق بين أمرين: بين أن تتناول الرّجل لشخصه وأن تتناول الرجل لصفته، وشتّان ما بين هاذين الأمرين، فإنّ تناول الرّجل لشخصه وبشخصه في الغالب الأعمّ غيبة محرّمة، وتشهير وتجريح، وهذا كلّه محرّم في أصل دين الإسلام العظيم، وأمّا تناول الرّجل بصفته فأمر يصل في الأغلب الأعمّ إلى الوجوب، من أجل التّحذير والتّنفير ومن أجل إقامة الأمر على حقّه كما جاء بذلك دين ربّنا العظيم، فارق كبير، بين أن تتناول الإنسان لشخصه..غيبة وتجريح، وأن تتناول الإنسان لصفته فهذا واجب وفرض لازم على أهل العلم الّذين أخذ الله ربّ العالمين عليهم الميثاق ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، فإذا كتموه ألجموا يوم القيامة بلجام من نار، فارق كبير.
وسأقرأ عليك – أخي الحبيب – كلاما ستعجب له جدا عندما تعلم من قاله ومن كتبه، وكيف أذاعه ونشره، ففي كتاب (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث) طبعة دار الصحوة الطبعة الرابعة لسنة أربع وثمانين وتسعمائة وألف (1984م) وفي فصل بعنوان (السمع والطاعة) يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، فالذي ستسمع كلامه الآن هو الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، في كتاب كانت طبعته الرابعة التي تحت يدي -ومنها نقلت- في سنة أربع وثمانين وتسعمائة وألف، والله يعلم كم عدد الطبعات التي وصل إليها الكتاب إلى اليوم، لم يطوي ما كتب، ولم يكتم ما نشر، وإنما كان ناصحا رحمة الله عليه، فماذا قال؟ قال: (ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب الإخوان المسلمين، أثاره بعضهم بتشاؤم وهو: هل نحن جماعة المسلمين أم نحن جماعة من المسلمين؟!!، والإجابة عن هذا السؤال لها نتائج ذات بال، بل النتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال، فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة الأستاذ حسن البضيدي رحمه الله ضربا من مخالفة الله ورسوله وطريقا ممهدة إلى النّار وبئس القرار، وقد كنت أسير مع زميلي الأستاذ سيد سابق قريبا من شعبة المنيلي فمر بنا اثنان من أولائك الشبان المفتونين، وأبيا إلا إسماعنا رأيهم فينا وهو أنّنا من أهل جهنّم، وصادف ذلك منّا ساعة تبسط وضحك فمضينا في طريقنا وقد سقط طنين الكلمة النّابية على الثرى قبل أن يتماسك في آذاننا، إلا أنّني تذكرت بعد أيام هذا العداء المرّ، والأوامر التي أوحت به، فعزّ علي أن يلعب بالإسلام وبأبنائه بهذه الطريقة السّمجة...).
واستمع الآن قول الشيخ محمد الغزالي يقول:(وأن تتجدد سياسة الخوارج مرّة أخرى) كلام الغزالي! يقول: (وأن تتجدد سياسة الخوارج مرّة أخرى فيلعن أهل الإيمان ويترك أهل الطغيان، وبمن؟ باسم أن المرشد وبطانته هم وحدهم أولوا الأمر! وأن لهم حق السمع والطّاعة وأن الخارج عليهم يصدق عليه قول رسول الله صلى الله وعلى آله وسلم: ((من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) وقول النبي صلى الله وعلى آله وسلم: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))) يقول الشيخ الغزالي عليه الرّحمة: (وهذه الأحاديث وأمثالها وردت في منع الفتوق الجسيمة التي يحدثها الشّاغبون على الدولة الخارجون على الحكّام) هذا كلامه بنصه، يقول عليه الرحمة: (أما أنصار جماعة من الجماعات يجرون هذه الأحاديث إلى دورهم ويطبقونها على من يبقى معهم أو يخرج عليهم فهذا جنون، بيد أنّ تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض النّاس) يقول عليه الرّحمة: (فمن المضحك المبكي أن يخطب الجمعة في مسجد الرّوضة عقب فصلنا من المركز العامّ من يؤكّد أنّ الولاء للقيادة – يعني لقيادة الجماعة – يكفر السّيئات، وانّ الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل، وأنّ الّذين نابذوا الجماعة عادوا إلى الجاهلية الأولى لأنّهم خلعوا البيعة) خلل منهجي، خلل ذاتي، خلل جوهري، فكل ما يأتي بعد على هذا المنحى وإلى هذا المصير يصير.
يقول الشيخ: (ورئي الدكتور محمد يوسف موسى أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة يخلص بالخطيب جانبا ليقول له ايّ إسلام هذا؟ ومن من علام الأولين والآخرين أفتى بهذا اللّغو وكيف تلبسون الدين هذا الزّي المنكر؟) يقول الشيخ: (وهيهات! لقد تغلغل هذا الضلال في نفوس النّاشئة حتى كتب أحدهم لأخ له من قبل! – من قبل! كان أخا سالفا- يسأله: هل تظن نفسك مسلما بعدما خرجن من صفوف الجماعة؟!!).
ويقول الشيخ الغزالي في كتابه من معالم الحقّ في صفحة تسع ومائتين (209): (ومن الإنصاف لتعاليم الاسلام ونحن بصدد الكلام عن تغيير الحكّام أن نذكر القاعدة القائلة: إذا كان تغيير المنكر يؤدي إلى مفسدة أعظم فالإبقاء عليه أولى وذلك مصداق قوله تعالى: (واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنّ الله شديد العقاب) – يقول – والواقع أنّ الزّلازل التي تتبع إسقاط الحكومات قسرا بعيدة المدى، ومن ثمّ لم يرض الإسلام أن يشهر السّيف في وجه حاكم إلا أمام ضرورة ملجئة، وقد أبان الإسلام تلك الضرورة الملجئة بنفسه ولم يترك بيانها لتقدير أحد) يقول الشيخ: (بل إن الإسلام حبّب إلى المؤمن التضحية ببعض حقوقه الخاصّة إشاعة للاستقرار في أنحاء البلاد وإغلاقا لمنافذ الفتن).
هذا كلام الشّيخ الغزالي رحمة الله عليه في كتابه (من معالم الحقّ) يقول:(إن الأمّة الّتي تغير حكّامها كما تغير المرأة أزياءها لا تصلح لها حال ولا تبقى لها ريح.
وإنّني لأمقت أن أكون داعية لحاكم ما، وأستعيذ بالله من أن أعين بكلمة على بقاء وال جائر.
غاية ما أبغي أن أشرح قانون السّمع والطّاعة وأن أمنع الكهّان والدّجّالين من الاحتيال به على ناشئة مضلَّلة قليلة الفقه في الإسلام، وهذا حق لا مرية فيه.
لقد كان الرّاسخون في العلم يدعون إلى الله ويتجرّدون للدّعوة، فكان النّاس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنّهم تلقوا دروس معرفته عنهم.
ثمّ جاء الرّاسخون في الجهل يطلبون حقّ القيادة، ويتحدثون عن قانون السّمع والطّاعة، ولست أعنّف دعيا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبهن فالأمر كما قيل: ((بعض النّاس طغاة لأنّنا نركع لهم))).
ويقول الشّيخ الغزالي رحمة الله عليه في كتابه (من معالم الحقّ) في صفحة (211): (والأحزاب المناوئة للحكّام عندما تفقد نعمة العلانية في التنفيس عن رغباتها، والإبانة عن مقاصدها وغاياتها لا ترى بدا من جمع فلولها في الظلام، ونشر تعاليمها في شكل رسائل أو منشورات مقتضبة حاسمة...
والوسيلة الوحيدة عندهم هي المقاومة السّرّية، حيث يتلقى الأتباع الأوامر الصّادرة من فوق على أنها نصوص واجبة الطّاعة لا مجال البتّة لمقاومتها أو التّملص منها، لا...، إنّ شيئا من هذا لا يجول بخاطر أحد من الأتباع! فإنّ تنفيذ هذه الأوامر دين تقبل عليه النفس بلذّة وشغف، ولو كانت عقباه العُطوب والدّمار..!
وفي هذه الدّائرة المغلقة تتحول الثّقة في القيادة إلى القول بعصمة الأئمة...).
وقد سمعها بأذنيه رحمة الله عليه، يقول: (وأظنّ أنّ الفرق الكثيرة الّتي نهشت جوهر الإسلام - من باطنية وقرامطة وغيرهم – لم تتولد إلا في هذه البيئة...).
في بيئة العمل السّرّي والتّحرّك التحتي، والأوامر التي تغلّف بغلالة من السّحر والغموض، والقول في المنتهى بعصمة الأئمة.
يقول الشّيخ رحمة الله عليه في كتابه (من معالم الحقّ) في صفحة (212): (وقد رأيت جمعا غفيرا من شباب جماعة المسلمين ينظرون إلى مرشدهم نظرة يجب أن تدرس وأن تُحذر.
قال أحدهم في اجتماع ضخم للهيئة التأسيسية: إن المرشد لا يخطئ.) مقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل إنّ الرّسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتأتّى منه ما يصوّبه له ربّه سبحانه وتعالى، ولا نقول يأتي منه خطأ، وإنّما خلاف الأولى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأمّا الّذي سمعه الشّيخ في اجتماع الهيئة التأسيسية فإنّه يقول: ([سمعته يقول]( ) إن المرشد لا يخطئ.
وكان بهذه القولة العجيبة يريد أن يخذلني، وأنا أعارض المرشد في بعض تصرّفه، وقد خذلت فعلا، ومزّقت ملابس الرّجل الّي وقف يناصرني.
قال لي ذات يوم واحد من أقرب رجال المرشد إليه (إن الإيمان بالقائد جزء من الإيمان بالدّعوة، ألا ترى أن الله ضمّ الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بذاته – جلّ شأنه- ؟ ذلك لأنّ المظهر العملي للطّاعة والأسوة هو في اتّباع القائد اتّباعا مطلقا)...!!).
هذا دين الإسلام الّذي هو الحلّ؟!! ألِمثل هذا أدعى وتدعى؟!! ألِمثل هذا يجب أن أجيب وأن تجيب وإلا فإمّا وإمّا؟!!.
يقول الشّيخ: (وبمثل هذا الأسلوب رسم مجرى المعاملة بين مرشد الإخوان والجماعة، فلمّا استغربناه وتأبّينا عليه ورأينا أنفسنا نبصر الحقائق القريبة والرّجل لا يحسّها، ونعامله مخطئا أو مصيبا غير مقرّين هذه الهالة التي أضفاها الأغرار عليه، مقتنا الرّجل أشدّ المقت، مقتنا كما يمقت الكفّار والفسّاق).
لمّا نظروا إليه مجرّدا، مصيبا ومخطئا، لا هالة ولا قداسة ولا عصمة، وإنّما عند حدود العلم الشّرعي ينبغي أن تتوقف، وبه ينبغي أن تنطق، وإليه ينبغي أن تحاكَم، لمّا نظروا إليه كذلك مقتهم – كما يقول عليه الرّحمة – كما يمقت الكفّار والفسّاق.
قال: (ثمّ سار بمن معه يتقحّم العثرات والمزالق لا يلوي على شيء ولا يلام على شيء.
والشّيء الذي تحار البرية فيه – إي والله – وتحار منه الجبال والوهاد والأنجاد والأنهار والبحار والسّماء والأرض، الشيء الذي تحار البرية فيه هو إطباق فريق من النّاس على تقديس شخص ليست لديه ذرّة من الخصائص العبقرية).
جنون ! جنون مطبق (الشيء الذي تحار البرية فيه هو إطباق فريق من النّاس على تقديس شخص ليست لديه ذرّة من الخصائص العبقرية) هذا كلام الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه.
وبعقب فصله وفصل من كان معه ممّن أرادوا أن يعودوا بالأمر إلى المرجعية الشرعية على ضوء النّصوص، على هدي النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بعقب فصله أصدروا بيانا، والبيان يصلح لكل زمان على قاعدة الإخوان، يقول الشيخ عليه الرّحمة في البيان الّذي أذاعه ومن فصل معه من الجماعة بعقب الفصل: (أيّها الأخ المسلم ! إن شرف دعوتك العظيمة في أنها صدى الإسلام، وصورة كاملة لتعاليمه الرّاشدة.
- فاعلم أنّ الإسلام بني على الوضوح والثِّقة والتّعقل.
- (ذلك الكتاب لا ريب فيه)
- (إنّا أنزلناه قرآنا عربيا لعلّكم تعقلون)
- فارفض الغموض في رسالتك، واحذر قبول الرّيبة باسم السّمع والطّاعة، فالطّاعة في المعروف.
- ولا تتعصب إلا لما تعقل وتؤمن، فإن التسليم للأوهام بعض الطقوس الماسونيّة في هذا العصر، وبعض طقوس الكنيسة في العصور الوسطى المظلمة.
- فأما الإسلام فبريء من هذه المسالك المحدثة).
يقول الشيخ الغزالي رحمة الله عليه في صفحة (220) من ذات الكتاب: (إنّ قيادة الإخوان الآن حريصة على الأوضاع الغامضة، والقرارات المريبة الجائرة، وهي مسؤولة أمام الله ثمّ أمام النّاس عن مشاعر الحيرة والبلبلة الّتي تغمر قلوب الإخوان في كلّ مكان).
ثمّ قال قولة لم أكن أجرؤ يوما على قولها، فقالها الشّيخ من داخل، خبرة وبحثا واستقصاء – عفا الله عنه-، يقول في ذلك البيان المنشور: (ثمّ هي – أي الجماعة – مسؤولة من قبل ومن بعد عن الخسائر الّتي اصابت الحركة الإسلامية في هذا العصر) كلام الغزالي! يقول: ([إن جماعة الإخوان المسلمين] مسؤولة عن الخسائر التي أصابت الحركة الاسلامية في هذا العصر، وعن التّهم الشّنيعة التي توجّه للإسلام من خصومه المتربصين، فقد صوّرته على أنّه نزوات فرد متحكم، كما صوّرت هيئة الإخوان المسلمين وكأنها حزب من الأحزاب المنحلّة تسودها الدّسائس وتسيّرها الأهواء).
كلام الشّيخ الغزالي دامغ، وكلام الشّيخ عن بحث واستقصاء ومن داخل، يقول: ([إن الجماعة] مسؤولة عن الخسائر التي أصابت الحركة الاسلامية في هذا العصر) هكذا ! من غير ما استثناء ولا مثنوية، والرجل يتكلّم وكان عضوا في مكتب الإرشاد، وكان راسخ القدم في العلم بهم نسأل الله أن يعفو عنه وأن يغفر له، يقول :( و[هي مسؤولة] التّهم الشّنيعة التي توجّه للإسلام من خصومه المتربصين، فقد صوّرته [صوّرت الإسلام] على أنّه نزوات فرد متحكم، كما صوّرت هيئة الإخوان المسلمين وكأنها حزب من الأحزاب المنحلّة تسودها الدّسائس وتسيّرها الأهواء).
ثمّ قال الشّيخ: (إنّ هذا البيان لم يجد فتيلا ولم ينفع بشيء، وإنما كان كالهباء في الهواء) يقول: (إنّ هذه المناشدة الحارّة لم تجد صداها الواجب).
ثمّ وصف وصفا يصلح لكل زمان على قاعدة الإخوان –يعني على قانونهم-يقول: (كان الجمهور المخدوع كالزجاجات المعبّئة إلى نهايتها لا تقبل جديدا ولا مزيدا) فمضى البيان ولم يؤثّر شيئا، وذهب الكلام في الهواء هباء، وجاءت المحنة نسأل الله العفو والصّفح والغفران، من حقّ المدعو إذا ما دعي أن يتساءل، ومن حقّ المدعو إذا ما دعي أن يتناول بالوصف لا بالشّخص، أمّا الأشخاص فموفورون عندنا بأعراضهم، أمّا الأشخاص فموفورون عندنا بأشخاصهم، لا نلمزهم ولا نغتابهم ولا نجرّحهم ولا نقسو عليهم، وأمّا إذا ما تناولناهم بصفتهم، فالأمر أمر آخرة وأمر دين، وأمر أمّة مسكينة يغيّب ضميرها، ويراد أن تغشّى على عينيها غشاوات الجهل والضّلال، فلابد من البيان، أمّا بالصفة فجرح وقدح وأمّا بالشخص فترحّم واستغفار.
والشيخ هو الّذي قال، ولم يقل أحد من خارج، ولم يقل أحد غير خبير، وإنّما نطق الشّيخ بالخبرة ومن داخل فقد كان راسخ القدم في منهجهم جدّا، بل كان مرشّحا لقيادة المجموع، ومع ذلك يقول إنّ الجماعة مسؤولة عن كل منيت به الحركات الإسلامية بعد من هذا الّذي أصابها بالخلل المنهجي الذّاتي الجوهري، وإنّها مسؤولة مسؤولية مباشرة من غير ما استثناء عن الخسائر الّتي أصابت الحركة الإسلامية في هذا العصر، العصر الحديث، هي مسؤولة عن الخسائر الّتي أصابت الإسلام وأصابت المسلمين في بقاع الأرض كما يقول الرّجل، ولا نتقوّل عليه فقد أحلتك على المصدر فعد إليه، ثمّ إنّها فتحت الباب على مصراعيه لاتّهام الإسلام بالتّهم الشّنيعة – كما يقول الرّجل عليه الرّحمة-، مسؤولة هي عن التّهم الشّنيعة الّي توجّه للإسلام من خصومه المتربّصين، هذا كلامه، ولم يجد شيئا ولم ينفع بشيء، ومرّ كالهباء في الهواء وإلى الله تبارك وتعالى المردّ وهو على كلّ شيء قدير، نسأل الله أن يهدينا جميعا إلى سواء الصّراط إنّه على كلّ شيء قدير وصلى الله على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم( ).
(يا أيها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أمّا بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار أمّا بعد:
فينتهي العرس !، وتمضي الزّفة !، وينفضّ السّامر، ويبقى المستقبل محفوفا بالمخاطر، ملفوفا بالمخاوف، يكاد صبحه يتفجّر بالأشلاء والدّماء !، وكان ما كان، ومضى ما مضى، ممّا لا يلتفت إليه أحد، ولا يعوّل عليه إنسان، وإنّما كانت تمرينات نافعة للحنجرة هتافا، وللأيدي تشويحا، وللأرجل جريا عند احتدام الخصام.
ويبقى السّؤال في الأفواه مشنوقا، وعلى الشّفاه مخنوقا، فلماذا تجيء التّساؤلات في هذا الوقت بالذّات؟.
والجواب من وجوه:
- أوّلا: إنّ القوم لم يدعوا لمسلم خيارا ولا لمؤمن اختيارا، فإمّا طريق الإسلام وإمّا طريق... !، لا اختيار، إمّا أن تسير في طريق الإسلام هو الحلّ، وإلا فالبديل..وما هو؟!، وما الّذي يقابل الإسلام الّذي هو الحلّ سوى الشّرك والكفر والطّغيان!؟.
فالقوم – غفر الله لهم – لم يدعوا ولم يتركوا لمسلم اختيارا ولا لمؤمن خيارا.
- وثانيا: إنّ القوم رفعوا شعارا لنا فيه إن شاء الله جلّ وعلا أوفى نصيب، فمن حقّنا أن نسأل على حسب نسبة مشاركتنا في الشّعار المرفوع، لأنه لم يقل أحد من المسلمين ولا من المؤمنين ولا من المشركين الكافرين: إنّ جماعة بعينها أو فردا بذاته يمثّل الإسلام ويحمل لواءه وبقيّت المسلمين خارج الإطار وبعيدا عن الدّائرة، لم يقل بذلك أحد لا من القوم ولا ممّن سواهم، وإذًا فما دام الشّعار المرفوع لنا فيه إن شاء الله جلّ وعلا أوفى نصيب، فنتكلّم إن شاء الله ربّ العالمين على قدر نصيبنا فيه.
- وثالثا: أنّ القوم يدعوننا إلى أمر بذاته، والمدعوّ عليه أن يسأل داعيه، وأن يستفصل منه مستفسرا لا متعنّتا ولا متجبّرا، وإنّما يستفصل منه لأنّ الأمر أمر آخرة، أمر الحياة الباقية.
وفي كتيّب عنوانه (رؤية شرعية: لماذا يخوض الإسلاميّون الانتخابات) من تقديم الشّيخ محمد عبد الله الخطيب الطّبعة الأولى في هذا العام لدار الدّعوة، في الصّفحة السّادسة عشرة يقول الأستاذ مصطفى مشهور المرشد الأسبق للجماعة في مقال له منقول عنه في ذلك الكتيّب: (أمّا عن التّساؤل الّذي يقول: ما الهدف من دخول الانتخابات؟!، فنقول: هو الاستفادة من فترة الدّعاية الانتخابية في تبليغ دعوة الإخوان إلى النّاس، وإفهام المسلمين شموليّة الإسلام).
إذا..!، فهي فترة أدعى فيها وتدعى ويدعى المسلمون، ومن حقّ المدعوّ على داعيه أن يسأله: إلى ما تدعوني وإلى أيّ شيء تريد وراءك إليه أن أسير؟، هذا حقّ، وبخاصّة إذا كانت الدّعوة متعلّقة بالآخرة، والدّار الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون، فمن الحقّ الذي لا مرية فيه، ومن العدل الّذي لا جور معه، أن يقف المدعوّ متسائلا لا متعنّتا وإنّما مستفهما مسترشدا مستضيئا مستنيرا بما عند القوم، لعلّ الله أن يجمع الشّمل، لعلّ وعسى.
وأيضا، فإنّ هذا الّذي كان من هذا الأمر الكبير، هو أمر ممّا يخصّ الدّين في صميمه، في صلبه، في قراره، وهذا الشّعار الّذي رفع، ينبغي لمن دُعي إليه أن يستفصل وأن يستوضح وأن يسترشد: ما هو الإسلام الّذي هو الحلّ؟!، وما هو الحلّ؟ وما هي آليّة التّنفيذ؟، وإذا ما كان ذلك كذلك فما شأن بقيّة المسلمين؟، ممّن وضعناهم على المحك، فإمّا وإمّا؟، كان عدلا أن نسأل لأنّ القوم أسرّوا فأسررنا وأعلنوا فأعلنّا ولا ظُلم.
وكانت الدّعوة تمرّ رفيقة سهلة هيّنة فيها سرّ وإسرار وغموض وإبهام فناسب هذا المقام تعريض، من غير ما تصريح ولا توضيح، فلمّا أسرّوا أسررنا ولمّا أعلنوا أعلنّا ولا جور ولا ظلم، وإنّما هو العدل والمعدلة.
وينبغي علينا أن نفرّق بين أمرين: بين الخطأ الّذي يكون متعلّقا بالمنهج، بالذّات، بالفكر، بالقلب بالضّمير، والخطأ العارض ولو تكرّر مرّات ومرّات.
أمّا الخطأ العارض ولو تكرّر فسرعان ما يُصلَح، وسرعان ما تستقيم الأمور، وأمّا الخطأ المنهجيّ الذّاتيّ الملازم فإنّه يتكرّر، كالطّبعة الّي ما تزال نسخها تتكرّر، لا أقول متماثلة وإنّما متطابقة؛ وخذ لهذا مثالا يوضّح إن شاء الله: لو أن آلة من الآلات تنتج منتجا معيّنا، فأصابها في بعض أجزائها خلل عارض وليس بخلل ذاتيّ في أصل الصّنعة وفي بداية التّكوين، فإن هذا الخلل العارض سرعان ما بصلح، ثم يصلح المنتج بعد ذلك وتستقيم الأمور.
وأمّا إذا ما كان الخلل في أصل الصّنعة وفي بداية التّكوين فإنّه لا أمل في الإصلاح حينئذ، فتتشابه نسخ المنتج بل تتطابق من غير ما أمل في إصلاح ولا في بداية تعليم.
وخذ لهذا أيضا تطبيقا من سنّة النّبي الكريم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، الرّجل الصّحابيّ الّذي كان يؤتى به شاربا للخمر فيحدّ بين يدي النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم مرّة ومرّة ومرّة، وفي الصّحيح ((فمنّا الضّرب بيده ومنّا الضّارب بنعله ومنّا الضّرب بثوبه، ثمّ يؤتى به)) حتّى ملّ صحابيّ من الحضور فقال: لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك، فقال النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا تلعنه فإنّه يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم))، خطأ عارض لا يتعلّق بالمنهج، وإنّما هو يعرض شيئا فشيئا، ولو تكرّر مرّات فما أسرع أن يصلح وتستقيم الأمور، وهو يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
وأمّا الخلل الّذي يصيب المنهج، ويدمّر المعتقد، ويستولي على الذّات احتكارا، فإنّه لا أمل في إصلاحه بحال.
وفي الصّحيحين في شأن الخوارج أن الصحابة – كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم – يحتقر أحدهم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وتلاوته مع تلاوتهم، ومع ذلك يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، ويقول النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (( قتلاهم شرّ قتلى تحت أديم السّماء، لإن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد)) كما أخبر الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
الخلل المنهجيّ يتكرّر أصلا، وأمّا الخلل العارض فإنّه خلل ثانويّ، سرعان ما يصلح، والنّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يخبر ((إنّه يحبّ الله ورسوله)) وإن تكرّر الخلل العارض الثّانويّ، وأمّا الآخرون فلا نفعتهم كثرة صيامهم ولا كثرة قيامهم ولا كثرة تلاوتهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية، كما أخبر خير البريّة صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
نفرّق بين هاذين، بين الخلل المنهجي الّذي يصيب المنهج في مقتل فيشوّهه ويحوّره ويدمّره، والخللِ العارض الّذي يتأتّى في السّلوك، في العبادة، فسرعان ما يصلح وتستقيم الأمور.
وينبغي علينا أن نفرِّق بين أمرين: بين أن تتناول الرّجل لشخصه وأن تتناول الرجل لصفته، وشتّان ما بين هاذين الأمرين، فإنّ تناول الرّجل لشخصه وبشخصه في الغالب الأعمّ غيبة محرّمة، وتشهير وتجريح، وهذا كلّه محرّم في أصل دين الإسلام العظيم، وأمّا تناول الرّجل بصفته فأمر يصل في الأغلب الأعمّ إلى الوجوب، من أجل التّحذير والتّنفير ومن أجل إقامة الأمر على حقّه كما جاء بذلك دين ربّنا العظيم، فارق كبير، بين أن تتناول الإنسان لشخصه..غيبة وتجريح، وأن تتناول الإنسان لصفته فهذا واجب وفرض لازم على أهل العلم الّذين أخذ الله ربّ العالمين عليهم الميثاق ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، فإذا كتموه ألجموا يوم القيامة بلجام من نار، فارق كبير.
وسأقرأ عليك – أخي الحبيب – كلاما ستعجب له جدا عندما تعلم من قاله ومن كتبه، وكيف أذاعه ونشره، ففي كتاب (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث) طبعة دار الصحوة الطبعة الرابعة لسنة أربع وثمانين وتسعمائة وألف (1984م) وفي فصل بعنوان (السمع والطاعة) يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، فالذي ستسمع كلامه الآن هو الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، في كتاب كانت طبعته الرابعة التي تحت يدي -ومنها نقلت- في سنة أربع وثمانين وتسعمائة وألف، والله يعلم كم عدد الطبعات التي وصل إليها الكتاب إلى اليوم، لم يطوي ما كتب، ولم يكتم ما نشر، وإنما كان ناصحا رحمة الله عليه، فماذا قال؟ قال: (ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب الإخوان المسلمين، أثاره بعضهم بتشاؤم وهو: هل نحن جماعة المسلمين أم نحن جماعة من المسلمين؟!!، والإجابة عن هذا السؤال لها نتائج ذات بال، بل النتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال، فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة الأستاذ حسن البضيدي رحمه الله ضربا من مخالفة الله ورسوله وطريقا ممهدة إلى النّار وبئس القرار، وقد كنت أسير مع زميلي الأستاذ سيد سابق قريبا من شعبة المنيلي فمر بنا اثنان من أولائك الشبان المفتونين، وأبيا إلا إسماعنا رأيهم فينا وهو أنّنا من أهل جهنّم، وصادف ذلك منّا ساعة تبسط وضحك فمضينا في طريقنا وقد سقط طنين الكلمة النّابية على الثرى قبل أن يتماسك في آذاننا، إلا أنّني تذكرت بعد أيام هذا العداء المرّ، والأوامر التي أوحت به، فعزّ علي أن يلعب بالإسلام وبأبنائه بهذه الطريقة السّمجة...).
واستمع الآن قول الشيخ محمد الغزالي يقول:(وأن تتجدد سياسة الخوارج مرّة أخرى) كلام الغزالي! يقول: (وأن تتجدد سياسة الخوارج مرّة أخرى فيلعن أهل الإيمان ويترك أهل الطغيان، وبمن؟ باسم أن المرشد وبطانته هم وحدهم أولوا الأمر! وأن لهم حق السمع والطّاعة وأن الخارج عليهم يصدق عليه قول رسول الله صلى الله وعلى آله وسلم: ((من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) وقول النبي صلى الله وعلى آله وسلم: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))) يقول الشيخ الغزالي عليه الرّحمة: (وهذه الأحاديث وأمثالها وردت في منع الفتوق الجسيمة التي يحدثها الشّاغبون على الدولة الخارجون على الحكّام) هذا كلامه بنصه، يقول عليه الرحمة: (أما أنصار جماعة من الجماعات يجرون هذه الأحاديث إلى دورهم ويطبقونها على من يبقى معهم أو يخرج عليهم فهذا جنون، بيد أنّ تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض النّاس) يقول عليه الرّحمة: (فمن المضحك المبكي أن يخطب الجمعة في مسجد الرّوضة عقب فصلنا من المركز العامّ من يؤكّد أنّ الولاء للقيادة – يعني لقيادة الجماعة – يكفر السّيئات، وانّ الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل، وأنّ الّذين نابذوا الجماعة عادوا إلى الجاهلية الأولى لأنّهم خلعوا البيعة) خلل منهجي، خلل ذاتي، خلل جوهري، فكل ما يأتي بعد على هذا المنحى وإلى هذا المصير يصير.
يقول الشيخ: (ورئي الدكتور محمد يوسف موسى أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة يخلص بالخطيب جانبا ليقول له ايّ إسلام هذا؟ ومن من علام الأولين والآخرين أفتى بهذا اللّغو وكيف تلبسون الدين هذا الزّي المنكر؟) يقول الشيخ: (وهيهات! لقد تغلغل هذا الضلال في نفوس النّاشئة حتى كتب أحدهم لأخ له من قبل! – من قبل! كان أخا سالفا- يسأله: هل تظن نفسك مسلما بعدما خرجن من صفوف الجماعة؟!!).
ويقول الشيخ الغزالي في كتابه من معالم الحقّ في صفحة تسع ومائتين (209): (ومن الإنصاف لتعاليم الاسلام ونحن بصدد الكلام عن تغيير الحكّام أن نذكر القاعدة القائلة: إذا كان تغيير المنكر يؤدي إلى مفسدة أعظم فالإبقاء عليه أولى وذلك مصداق قوله تعالى: (واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنّ الله شديد العقاب) – يقول – والواقع أنّ الزّلازل التي تتبع إسقاط الحكومات قسرا بعيدة المدى، ومن ثمّ لم يرض الإسلام أن يشهر السّيف في وجه حاكم إلا أمام ضرورة ملجئة، وقد أبان الإسلام تلك الضرورة الملجئة بنفسه ولم يترك بيانها لتقدير أحد) يقول الشيخ: (بل إن الإسلام حبّب إلى المؤمن التضحية ببعض حقوقه الخاصّة إشاعة للاستقرار في أنحاء البلاد وإغلاقا لمنافذ الفتن).
هذا كلام الشّيخ الغزالي رحمة الله عليه في كتابه (من معالم الحقّ) يقول:(إن الأمّة الّتي تغير حكّامها كما تغير المرأة أزياءها لا تصلح لها حال ولا تبقى لها ريح.
وإنّني لأمقت أن أكون داعية لحاكم ما، وأستعيذ بالله من أن أعين بكلمة على بقاء وال جائر.
غاية ما أبغي أن أشرح قانون السّمع والطّاعة وأن أمنع الكهّان والدّجّالين من الاحتيال به على ناشئة مضلَّلة قليلة الفقه في الإسلام، وهذا حق لا مرية فيه.
لقد كان الرّاسخون في العلم يدعون إلى الله ويتجرّدون للدّعوة، فكان النّاس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنّهم تلقوا دروس معرفته عنهم.
ثمّ جاء الرّاسخون في الجهل يطلبون حقّ القيادة، ويتحدثون عن قانون السّمع والطّاعة، ولست أعنّف دعيا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبهن فالأمر كما قيل: ((بعض النّاس طغاة لأنّنا نركع لهم))).
ويقول الشّيخ الغزالي رحمة الله عليه في كتابه (من معالم الحقّ) في صفحة (211): (والأحزاب المناوئة للحكّام عندما تفقد نعمة العلانية في التنفيس عن رغباتها، والإبانة عن مقاصدها وغاياتها لا ترى بدا من جمع فلولها في الظلام، ونشر تعاليمها في شكل رسائل أو منشورات مقتضبة حاسمة...
والوسيلة الوحيدة عندهم هي المقاومة السّرّية، حيث يتلقى الأتباع الأوامر الصّادرة من فوق على أنها نصوص واجبة الطّاعة لا مجال البتّة لمقاومتها أو التّملص منها، لا...، إنّ شيئا من هذا لا يجول بخاطر أحد من الأتباع! فإنّ تنفيذ هذه الأوامر دين تقبل عليه النفس بلذّة وشغف، ولو كانت عقباه العُطوب والدّمار..!
وفي هذه الدّائرة المغلقة تتحول الثّقة في القيادة إلى القول بعصمة الأئمة...).
وقد سمعها بأذنيه رحمة الله عليه، يقول: (وأظنّ أنّ الفرق الكثيرة الّتي نهشت جوهر الإسلام - من باطنية وقرامطة وغيرهم – لم تتولد إلا في هذه البيئة...).
في بيئة العمل السّرّي والتّحرّك التحتي، والأوامر التي تغلّف بغلالة من السّحر والغموض، والقول في المنتهى بعصمة الأئمة.
يقول الشّيخ رحمة الله عليه في كتابه (من معالم الحقّ) في صفحة (212): (وقد رأيت جمعا غفيرا من شباب جماعة المسلمين ينظرون إلى مرشدهم نظرة يجب أن تدرس وأن تُحذر.
قال أحدهم في اجتماع ضخم للهيئة التأسيسية: إن المرشد لا يخطئ.) مقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل إنّ الرّسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتأتّى منه ما يصوّبه له ربّه سبحانه وتعالى، ولا نقول يأتي منه خطأ، وإنّما خلاف الأولى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأمّا الّذي سمعه الشّيخ في اجتماع الهيئة التأسيسية فإنّه يقول: ([سمعته يقول]( ) إن المرشد لا يخطئ.
وكان بهذه القولة العجيبة يريد أن يخذلني، وأنا أعارض المرشد في بعض تصرّفه، وقد خذلت فعلا، ومزّقت ملابس الرّجل الّي وقف يناصرني.
قال لي ذات يوم واحد من أقرب رجال المرشد إليه (إن الإيمان بالقائد جزء من الإيمان بالدّعوة، ألا ترى أن الله ضمّ الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بذاته – جلّ شأنه- ؟ ذلك لأنّ المظهر العملي للطّاعة والأسوة هو في اتّباع القائد اتّباعا مطلقا)...!!).
هذا دين الإسلام الّذي هو الحلّ؟!! ألِمثل هذا أدعى وتدعى؟!! ألِمثل هذا يجب أن أجيب وأن تجيب وإلا فإمّا وإمّا؟!!.
يقول الشّيخ: (وبمثل هذا الأسلوب رسم مجرى المعاملة بين مرشد الإخوان والجماعة، فلمّا استغربناه وتأبّينا عليه ورأينا أنفسنا نبصر الحقائق القريبة والرّجل لا يحسّها، ونعامله مخطئا أو مصيبا غير مقرّين هذه الهالة التي أضفاها الأغرار عليه، مقتنا الرّجل أشدّ المقت، مقتنا كما يمقت الكفّار والفسّاق).
لمّا نظروا إليه مجرّدا، مصيبا ومخطئا، لا هالة ولا قداسة ولا عصمة، وإنّما عند حدود العلم الشّرعي ينبغي أن تتوقف، وبه ينبغي أن تنطق، وإليه ينبغي أن تحاكَم، لمّا نظروا إليه كذلك مقتهم – كما يقول عليه الرّحمة – كما يمقت الكفّار والفسّاق.
قال: (ثمّ سار بمن معه يتقحّم العثرات والمزالق لا يلوي على شيء ولا يلام على شيء.
والشّيء الذي تحار البرية فيه – إي والله – وتحار منه الجبال والوهاد والأنجاد والأنهار والبحار والسّماء والأرض، الشيء الذي تحار البرية فيه هو إطباق فريق من النّاس على تقديس شخص ليست لديه ذرّة من الخصائص العبقرية).
جنون ! جنون مطبق (الشيء الذي تحار البرية فيه هو إطباق فريق من النّاس على تقديس شخص ليست لديه ذرّة من الخصائص العبقرية) هذا كلام الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه.
وبعقب فصله وفصل من كان معه ممّن أرادوا أن يعودوا بالأمر إلى المرجعية الشرعية على ضوء النّصوص، على هدي النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بعقب فصله أصدروا بيانا، والبيان يصلح لكل زمان على قاعدة الإخوان، يقول الشيخ عليه الرّحمة في البيان الّذي أذاعه ومن فصل معه من الجماعة بعقب الفصل: (أيّها الأخ المسلم ! إن شرف دعوتك العظيمة في أنها صدى الإسلام، وصورة كاملة لتعاليمه الرّاشدة.
- فاعلم أنّ الإسلام بني على الوضوح والثِّقة والتّعقل.
- (ذلك الكتاب لا ريب فيه)
- (إنّا أنزلناه قرآنا عربيا لعلّكم تعقلون)
- فارفض الغموض في رسالتك، واحذر قبول الرّيبة باسم السّمع والطّاعة، فالطّاعة في المعروف.
- ولا تتعصب إلا لما تعقل وتؤمن، فإن التسليم للأوهام بعض الطقوس الماسونيّة في هذا العصر، وبعض طقوس الكنيسة في العصور الوسطى المظلمة.
- فأما الإسلام فبريء من هذه المسالك المحدثة).
يقول الشيخ الغزالي رحمة الله عليه في صفحة (220) من ذات الكتاب: (إنّ قيادة الإخوان الآن حريصة على الأوضاع الغامضة، والقرارات المريبة الجائرة، وهي مسؤولة أمام الله ثمّ أمام النّاس عن مشاعر الحيرة والبلبلة الّتي تغمر قلوب الإخوان في كلّ مكان).
ثمّ قال قولة لم أكن أجرؤ يوما على قولها، فقالها الشّيخ من داخل، خبرة وبحثا واستقصاء – عفا الله عنه-، يقول في ذلك البيان المنشور: (ثمّ هي – أي الجماعة – مسؤولة من قبل ومن بعد عن الخسائر الّتي اصابت الحركة الإسلامية في هذا العصر) كلام الغزالي! يقول: ([إن جماعة الإخوان المسلمين] مسؤولة عن الخسائر التي أصابت الحركة الاسلامية في هذا العصر، وعن التّهم الشّنيعة التي توجّه للإسلام من خصومه المتربصين، فقد صوّرته على أنّه نزوات فرد متحكم، كما صوّرت هيئة الإخوان المسلمين وكأنها حزب من الأحزاب المنحلّة تسودها الدّسائس وتسيّرها الأهواء).
كلام الشّيخ الغزالي دامغ، وكلام الشّيخ عن بحث واستقصاء ومن داخل، يقول: ([إن الجماعة] مسؤولة عن الخسائر التي أصابت الحركة الاسلامية في هذا العصر) هكذا ! من غير ما استثناء ولا مثنوية، والرجل يتكلّم وكان عضوا في مكتب الإرشاد، وكان راسخ القدم في العلم بهم نسأل الله أن يعفو عنه وأن يغفر له، يقول :( و[هي مسؤولة] التّهم الشّنيعة التي توجّه للإسلام من خصومه المتربصين، فقد صوّرته [صوّرت الإسلام] على أنّه نزوات فرد متحكم، كما صوّرت هيئة الإخوان المسلمين وكأنها حزب من الأحزاب المنحلّة تسودها الدّسائس وتسيّرها الأهواء).
ثمّ قال الشّيخ: (إنّ هذا البيان لم يجد فتيلا ولم ينفع بشيء، وإنما كان كالهباء في الهواء) يقول: (إنّ هذه المناشدة الحارّة لم تجد صداها الواجب).
ثمّ وصف وصفا يصلح لكل زمان على قاعدة الإخوان –يعني على قانونهم-يقول: (كان الجمهور المخدوع كالزجاجات المعبّئة إلى نهايتها لا تقبل جديدا ولا مزيدا) فمضى البيان ولم يؤثّر شيئا، وذهب الكلام في الهواء هباء، وجاءت المحنة نسأل الله العفو والصّفح والغفران، من حقّ المدعو إذا ما دعي أن يتساءل، ومن حقّ المدعو إذا ما دعي أن يتناول بالوصف لا بالشّخص، أمّا الأشخاص فموفورون عندنا بأعراضهم، أمّا الأشخاص فموفورون عندنا بأشخاصهم، لا نلمزهم ولا نغتابهم ولا نجرّحهم ولا نقسو عليهم، وأمّا إذا ما تناولناهم بصفتهم، فالأمر أمر آخرة وأمر دين، وأمر أمّة مسكينة يغيّب ضميرها، ويراد أن تغشّى على عينيها غشاوات الجهل والضّلال، فلابد من البيان، أمّا بالصفة فجرح وقدح وأمّا بالشخص فترحّم واستغفار.
والشيخ هو الّذي قال، ولم يقل أحد من خارج، ولم يقل أحد غير خبير، وإنّما نطق الشّيخ بالخبرة ومن داخل فقد كان راسخ القدم في منهجهم جدّا، بل كان مرشّحا لقيادة المجموع، ومع ذلك يقول إنّ الجماعة مسؤولة عن كل منيت به الحركات الإسلامية بعد من هذا الّذي أصابها بالخلل المنهجي الذّاتي الجوهري، وإنّها مسؤولة مسؤولية مباشرة من غير ما استثناء عن الخسائر الّتي أصابت الحركة الإسلامية في هذا العصر، العصر الحديث، هي مسؤولة عن الخسائر الّتي أصابت الإسلام وأصابت المسلمين في بقاع الأرض كما يقول الرّجل، ولا نتقوّل عليه فقد أحلتك على المصدر فعد إليه، ثمّ إنّها فتحت الباب على مصراعيه لاتّهام الإسلام بالتّهم الشّنيعة – كما يقول الرّجل عليه الرّحمة-، مسؤولة هي عن التّهم الشّنيعة الّي توجّه للإسلام من خصومه المتربّصين، هذا كلامه، ولم يجد شيئا ولم ينفع بشيء، ومرّ كالهباء في الهواء وإلى الله تبارك وتعالى المردّ وهو على كلّ شيء قدير، نسأل الله أن يهدينا جميعا إلى سواء الصّراط إنّه على كلّ شيء قدير وصلى الله على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم( ).