sollo44
2010-08-28, 12:02
أخيرا إنها لحظة التقاعد ، لحظة عزيزة كالأمنية ،جاءت بعد انتظار ثلاثين سنة و لا أحد كان يظن لهذه السنين أن تمضي فعلا !! أين هي بحق تلك السنوات المنهكة ؟ .. النهوض باكرا و انتظار الحافلة و القطار ؟. . . انتظار المرتبات المتأخرة و أشياء كثيرة مرت كذكرى خريفية صفراء ، و ماذا ينتظرني الآن ؟ ارتداء البرنوس الأبيض ، السعي بين المسجد و السوق و البيت ، و لا بأس باحداث بعض الشجار في المنزل، سيقولون أنه عجوز خرف قد أحيل للتقاعد فلا تشغلوا له بالا !!
- و ربما ستخطر عليه فكرة الحج إلى البقاع فلربما أدرك بذلك نقاءا من خطايا الزمن الماضي . فكر قليلا ثم قال :
- سأشتري سيارة هذا العام . سيارة تليق بهرم متقاعد و بعد عام أو عامين سننظر في موضوع الحج .
....... اشترى سيارة بيضاء جميلة و انطلق بها في الميادين الفسيحة بكل ثقة. و كثيرا ما أنسته سرعته الجنونية كآبة الهرم !!.
- سيارة أنيقة و سريعة
- يا لمدخرات السنين الماضية !............قد صار سهلا ما كان صعبا.
- لن أخاف من اليوم من قول : زوجتي ستلد أو ابنتي مريضة...... أو....... !!
....... تسمر الشباب عند القهوة في حلقات متناثرة ، و طفقوا يلعبون الدومينو ، لعبة سارقة كالصيد و الهواية ،و القهواجي ينتقل بين الطاولات المكتظة في رشاقة ، بدى سعيدا بخدمتهم في تفان ، توقفت السيارة البيضاء،و نزل منها الحاج ربيع ، نظر الجميع بعين داهشة :
- ماذا يفعل ؟
- أنظروا إنه يفتح غطاء المحرك !!
- عطل ميكانيكي و لا بد.
- أو ربما مشكل أكبر.
- أنظروا إلى الشيخ المسكين ، انقضت ساعتان من تمدده تحت المحرك.. . . . هل من معين ؟!
ينهض شاب و يتقدم إلى الحاج ربيع ناصحا :
- عمي الحاج ، لماذا لا تأخذها إلى الميكانيكي ؟ .. سيكون سهلا عليه إصلاحها . أما أنت فلا خبرة لك !!
نظر إليه الحاج و قال و هو يمسح من وجهه لطخة من زيت المحرك :
- مشكل بسيط يا عم و سترى كيف سأصلحه ....... سكت قليلا ثم أردف :
- عندما كنت في سنك كنت أهدم الجبال !! . . .شكرا لك على كل حال
عاد الشاب إلى مجلسه ، و الحيرة تعقد عينه و لسانه و تمتم في أسف :
- كل ميسر لما خلق له . . .. أليس يعلم ؟!
أصلح الحاج ربيع السيارة و انطلق مسرعا بها كالبرق !!
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
صباح شتوي مترع بالضباب ،و في السماء سحابات فاترة مرصعة بالبرد و حبات المطر،و على الأرض غمر الوحل مساحات شاسعة ، و برك الماء طفت فوق السطح كالبثور !! و رغم ذلك توجها إلى العمل في حزم و لكن النقاش دار بينها في سرعة :
- تطلب مني أن أهدأ ؟؟
- يجب أن تهدأ قبل أن تجلب السكر إلى دماغك !
- و لكنه والدي . . . فكيف يطيب لي الهدوء ؟!..... لا يستمع لنصيحتي أبدا ، و كلما ذكرته بشيء نظر إلي و قال مستصغرا :
- حليب أمك مازال في فمك ، تريد أن تعلمني بعد أن علمتك كل شيء ؟
نظر صديقه إليه و قال :
- رغم ذلك فهو والدك !
- أنا أعلم انه والدي يا مراد ، أ في الله شك ؟ . . . .و لكن البارحة ، تعطلت فرامل سيارته فغير ملابسه و مكث اليوم بحاله يحاول إصلاحها . طلبت منه أن يأخذها إلى الميكانيكي فضحك مني و رماني بمفتاح 14.!! . . . . قلت له :
- إنك شيخ كبير و لم يتبق لك من الصحة إلا الذكريات فلماذا لا ترحم نفسك ؟
- فماذا كان جوابه ؟
- رماني بمفتاح 22 !!
- صار عدوانيا جدا . . . و لكنه رغم ذلك والدك !!
- و يوم تعطلت أنوار السيارة حاول إصلاحها بنفسه ، طلبت منه أن يأخذها إلى الكهربائي فرفض و امتنع عن الكلام معي لثلاثة أيام كاملة !!
- يا رحمة الله . . . . !!
- كل ميسر لما خلق له ، أليس يعلم يا مراد ؟!!
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ذاع الخبر بسرعة ، و جرت النساء المذعورات إلى بيت الحاج ربيع ، و فوق الوحل بقت آثار الأقدام و العثرات و راحت امرأة تسأل في جزع :
- الحاج ربيع ؟
- نعم ...... لقد انقلبت به السيارة !!
- اللهم قدر له خيرا !
- ياله من مسكين !!
- يا لطيف !!
و بعد مدة من الحادثة ،خرج الحاج ربيع من المشفى سليما معافى ، و في الخارج كان ابنه يقرأ تقرير الحماية المدنية :
- اكتشفنا بعد معاينة السيارة أن صيانة الفرامل كانت سيئة للغاية ، كما لاحظنا تركيب بعض القطع في المحرك بطريقة خاطئة ، و لهذا السبب فقد السائق السيطرة على السيارة، فانقلبت به على جانب الطريق،
و عند باب المشفى نظر إلى والده وقال معاتبا :
- كل ميسر لما خلق له . . . . الحمد لله على السلامة !!
- فعلا، كل ميسر لما خلق له !
- و ربما ستخطر عليه فكرة الحج إلى البقاع فلربما أدرك بذلك نقاءا من خطايا الزمن الماضي . فكر قليلا ثم قال :
- سأشتري سيارة هذا العام . سيارة تليق بهرم متقاعد و بعد عام أو عامين سننظر في موضوع الحج .
....... اشترى سيارة بيضاء جميلة و انطلق بها في الميادين الفسيحة بكل ثقة. و كثيرا ما أنسته سرعته الجنونية كآبة الهرم !!.
- سيارة أنيقة و سريعة
- يا لمدخرات السنين الماضية !............قد صار سهلا ما كان صعبا.
- لن أخاف من اليوم من قول : زوجتي ستلد أو ابنتي مريضة...... أو....... !!
....... تسمر الشباب عند القهوة في حلقات متناثرة ، و طفقوا يلعبون الدومينو ، لعبة سارقة كالصيد و الهواية ،و القهواجي ينتقل بين الطاولات المكتظة في رشاقة ، بدى سعيدا بخدمتهم في تفان ، توقفت السيارة البيضاء،و نزل منها الحاج ربيع ، نظر الجميع بعين داهشة :
- ماذا يفعل ؟
- أنظروا إنه يفتح غطاء المحرك !!
- عطل ميكانيكي و لا بد.
- أو ربما مشكل أكبر.
- أنظروا إلى الشيخ المسكين ، انقضت ساعتان من تمدده تحت المحرك.. . . . هل من معين ؟!
ينهض شاب و يتقدم إلى الحاج ربيع ناصحا :
- عمي الحاج ، لماذا لا تأخذها إلى الميكانيكي ؟ .. سيكون سهلا عليه إصلاحها . أما أنت فلا خبرة لك !!
نظر إليه الحاج و قال و هو يمسح من وجهه لطخة من زيت المحرك :
- مشكل بسيط يا عم و سترى كيف سأصلحه ....... سكت قليلا ثم أردف :
- عندما كنت في سنك كنت أهدم الجبال !! . . .شكرا لك على كل حال
عاد الشاب إلى مجلسه ، و الحيرة تعقد عينه و لسانه و تمتم في أسف :
- كل ميسر لما خلق له . . .. أليس يعلم ؟!
أصلح الحاج ربيع السيارة و انطلق مسرعا بها كالبرق !!
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
صباح شتوي مترع بالضباب ،و في السماء سحابات فاترة مرصعة بالبرد و حبات المطر،و على الأرض غمر الوحل مساحات شاسعة ، و برك الماء طفت فوق السطح كالبثور !! و رغم ذلك توجها إلى العمل في حزم و لكن النقاش دار بينها في سرعة :
- تطلب مني أن أهدأ ؟؟
- يجب أن تهدأ قبل أن تجلب السكر إلى دماغك !
- و لكنه والدي . . . فكيف يطيب لي الهدوء ؟!..... لا يستمع لنصيحتي أبدا ، و كلما ذكرته بشيء نظر إلي و قال مستصغرا :
- حليب أمك مازال في فمك ، تريد أن تعلمني بعد أن علمتك كل شيء ؟
نظر صديقه إليه و قال :
- رغم ذلك فهو والدك !
- أنا أعلم انه والدي يا مراد ، أ في الله شك ؟ . . . .و لكن البارحة ، تعطلت فرامل سيارته فغير ملابسه و مكث اليوم بحاله يحاول إصلاحها . طلبت منه أن يأخذها إلى الميكانيكي فضحك مني و رماني بمفتاح 14.!! . . . . قلت له :
- إنك شيخ كبير و لم يتبق لك من الصحة إلا الذكريات فلماذا لا ترحم نفسك ؟
- فماذا كان جوابه ؟
- رماني بمفتاح 22 !!
- صار عدوانيا جدا . . . و لكنه رغم ذلك والدك !!
- و يوم تعطلت أنوار السيارة حاول إصلاحها بنفسه ، طلبت منه أن يأخذها إلى الكهربائي فرفض و امتنع عن الكلام معي لثلاثة أيام كاملة !!
- يا رحمة الله . . . . !!
- كل ميسر لما خلق له ، أليس يعلم يا مراد ؟!!
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ذاع الخبر بسرعة ، و جرت النساء المذعورات إلى بيت الحاج ربيع ، و فوق الوحل بقت آثار الأقدام و العثرات و راحت امرأة تسأل في جزع :
- الحاج ربيع ؟
- نعم ...... لقد انقلبت به السيارة !!
- اللهم قدر له خيرا !
- ياله من مسكين !!
- يا لطيف !!
و بعد مدة من الحادثة ،خرج الحاج ربيع من المشفى سليما معافى ، و في الخارج كان ابنه يقرأ تقرير الحماية المدنية :
- اكتشفنا بعد معاينة السيارة أن صيانة الفرامل كانت سيئة للغاية ، كما لاحظنا تركيب بعض القطع في المحرك بطريقة خاطئة ، و لهذا السبب فقد السائق السيطرة على السيارة، فانقلبت به على جانب الطريق،
و عند باب المشفى نظر إلى والده وقال معاتبا :
- كل ميسر لما خلق له . . . . الحمد لله على السلامة !!
- فعلا، كل ميسر لما خلق له !