المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من تاريخ الدعوة الفلسفية


كوثر الجنة
2008-05-06, 15:05
من تاريخ الدعوة السلفية

الشيخ عبد الحميد بن باديس

قائد الحركة الإصلاحية في الجزائر

بقلم الشيخ محمد شريف الزيبق المدرس بكلية الدعوة وأصول
الدين بالجامعة


لقد حمل ابن باديس لواء الإصلاح والدعوة لإيقاظ الوعي الإسلامي في بلاد الجزائر, في زمن ضرب فيه الجهل بجرانه ، وراجت فيه الشعوذات والبدع ، بعد أن سقطت البلاد في حضيض الضعف ، واستولى الفرنسيون على السلطات وسعوا في زيادة مصائب الجزائريين ، فسلطوا عليهم سياط العذاب والهوان والإرهاب من سفك للدماء وتشريد للأحرار وإفقار للعوام ، وتركهم فريسة الجوع والبؤس والجهل ، واستمر الاستعمار زهاء 13. عاما بكابوسه الفظيع إلى أن أثمرت جهود العاملين المخلصين أمثال الشيخ ابن باديس، وهب الجزائريون عن بكرة أبيهم يذودون عن الحمى ويجاهدون في سبيل الله ، وأصلوا المستعمرين حربا ضروسا لا هوادة فيها طيلة ستة أعوام سقط فيها مئات الألوف من الجزائريين صرعى البغي والعدوان وظفرت الجزائر بحريتها رغم انف وزير خارجية فرنسا .
وإذا كان الأجل لم يمهل ابن باديس حتى ينظر بعينيه إلى جهاد أبناء وطنه ويسعد بانتصارهم ـ إذ توفي قبل نشوب الثورة الجزائرية بخمس عشرة سنة ـ فإنه كان واثقا من نصر الله، دائبا في بذل أقصى ما يستطيع من جهد في إرشاد العامة ونشر العلم بين نابتة البلاد ، وتنقلا بين حواضر الجزائر وبواديها ، لا يهدأ له بال ولا يقرله قرار، يصدر الصحف العلمية الإسلامية وكلما عطل له المستعمرون صحيفة جدد غيرها وكان مع هذا كله يتعبد يتأمل ويحقق واصلا ليله بنهاره غير مشفق على نفسه ولا على جسمه، وقد هم بالخروج إلى جبال أوراس لإعلان الجهاد على الفرنسيين وكان يسعى لجمع الرجال لهذه الغاية. وحين اشتعلت الحرب العالمية الثانية قبيل وفاته اجتمع بأنصاره وقال: "عاهدوني" فلما أعطوه العهد فال: "سأعلن الثورة على فرنسا عندما تشهر إيطاليا عليها الحرب.
وقبل الحديث عن حركة ابن باديس لابد من ذكر نبذة عمن سبقوه من العلماء المصلحين ـ وبعضهم معاصرون له ومنهم أساتذة تلقى عليهم دروسه الأولى ـ وكان هؤلاء العلماء نجوماً يضيئون في ليل الجزائر البهيم حيث يخيم ظلال الجهل والتعصب والجمود الفكري، ويستشري داء البدع والمحدثات، التي كان يتولى نشرها والدفاع عنها جهلة اتباع الطرق الصوفية التي سندها الاستعمار ..حتى شاعت في بلاد المغرب عامة, وبلغ عدد الزوايا الصوفية في الجزائر وحدها 349زاوية يتبعها نحو ثلاثمائة ألف مريد وقد جارى الفقهاء هؤلاء المتصوفين وأصبح أكثرهم طرقيين حين لم يروا جدوى من معارضة هؤلاء المبتدعين .وقد أدى انتشار البدع والاعتقاد بالخرافات والأوهام إلى استسلام الناس للواقع والقعود عن مقاومة المنكر والجبن عن قتال أعداء الإسلام وصار أحدهم إذا سئل عن حالة يقوم: "نأكل القوت ونستنى الموت".
وهنا برز جماعة من الفقهاء السلفيين الذين أثارتهم هذه الأحوال فقاموا بنشر العلم وبث الوعي وتنوير الأذهان ومحاربة البدع والمنكرات.
كذلك أثرت حركة السيد محمد بن على السنوسى ـ وهى حركة إصلاحية تعتمد على الجهاد للتخلص من النفوذ الأجنبي، ومع إن الدعوة السنوسية صوفية فقد اتصلت بدعوة الشيخ محمدبن عبد الوهاب وتأثرت بروحه السلفية، وكان للزوايا والرباطات السنوسية أثرها في إيقاظ الوعي الإسلامي في المغرب، وعلى الأخص في أقاليم برقة وطرابلس والجزائر.
و يعتبر الشيوخ صالح بن مهنا وعبد القادر المجاوى وحمدان الونيسى والمولود بن الموهوب و المولود الزريبي وعبد الحليم بن سماية ومحمد بلخوجة طلائع حركة الإصلاح وهذه نبذة عن كل منهم:
1 ـ الشيخ صالح بن مهنا: كان يتولى التعليم والإرشاد بمدينة قسنطينة وامتاز بأسلوبه العاطفي الذي حرك الضمائر ، وبدأ بإيقاظ الغافلين, فعملت السلطات الاستعمارية الفرنسية على إبعاده، وصادرت مكتبته النفيسة، ومؤلفاته الكثيرة وقد توفي رحمه الله عام 1325هـ.
2ـ الشيخ عبد القادر المجاوي: كان عالما مفكرا عاملا بعلمه، يقوم بتطبيق ما يراه من مناهج الإصلاح وأساليب التربية والتعليم، ابتدأ التدريس في مدينة قسنطينة سنة 1286مدرسا متطوعا، ثم عين مدرسا بجامع الكتاني سنة1290. وتولى التدريس بالمدرسة الكتانية سنة 1295، ثم أبعدته الحكومة الفرنسية من قسنطينة إلى مدينة إلى الجزائر سنة 1316 فدرس في المدرسة الثعالبية التي تم بناؤها سنة 1322، ونالت دروسه إقبال الناس ، وأحبوا فيه صدق اللهجة وصفاء السريرة، وظل يخاطب القلوب ويربي النفوس إلى إن أدركته الوفاةسنة1332،وله مؤلفات كثيرة منها: إرشاد المتعلمين، والمرصاد في مسائل الاقتصاد, و شرح منظومة في إنكار البدع والمفاسد الاجتماعية ، والمنظومة للشيخ المولود بن الموهوب مطلعها:
لأنا للمعارف ما هدينا. صعود الأسفلين به دهينا
وله رسالة في التربية ، ورسالة في علم الكلام سماها القواعد الكلامية.
3ـ وقد ترك الشيخ المجاوي من بعده تلميذه الشيخ حمدان الونيسي الذي خلفه في التدريس بقسنطينة. والونيسي هو أستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ المولود بن الموهوب مفتي قسنطينة والشيخ أحمد الحبيباتي, وقد هاجر الشيخ الونيسي إلى المدينة المنورة وتوفي فيها.
4ـ الشيخ المولود الزريبي المتوفى سنة 1343وهومن بلدة زريبة الوادي بناحية بسكرة تلقى العلم في الجامع الأزهر ثم عاد إلى الجزائر وقام بالتدريس في منطقة الأوراس، وكان من العلماء المشهود لهم بالصلاح، ومما يذكر عنه أنه لجأ إلى حيلة طريفة فعمد إلى كتاب (المرشد المعين) وهو كتاب معروف لدى الخاصة والعامة فشرحه وبث فيه آراءه الإصلاحية ودعوته السلفية لمقاومة البدع ، وكانت تجري بينه وبين أنداده مناظرات في (المحدثات في الدين).
5 ـ الشيخ عبد الحليم بن سماية المتوفى سنة1351 وكان على صلة بالسلفيين في مصر ، وخاصة الشيخ رشيد رضا ، وقد درس رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده وأسرار البلاغة ودلائل الإعجاز للجر جاني وألفية ابن مالك وشروحها والعقد الفريد لابن عبد ربه وحماسة أبي تمام ومفصل الزمخشري ، وله تآليف نفيسة منها كتاب (فلسفة الإسلام) الذي ألقى الفصل الأول منه في مؤتمر المستشرقين الرابع عشر المنعقد في الجزائر سنة1323 وحين زار ملك المغرب الأقصى عبد العزيز الجزائر عام 1319 دعا الشيخ عبد الحليم للغداء فاعتذر بقصيدة منها:
وأجدر من يجري اللبيب ثناءه أمولاي شمس الفضل والعلم والنهى
كمسك ذكا بل لا يكون بواءه سلام عليكم عاطر متضوع
يقيمان للقدر العظيم وفاءه وأفضل تكريم وأزكى تحية
بغيبته عما إليه دعاءه ويرأب كل منهما نأي عبدكم
إليكم ولكن لي اعتذار وراءه علمت بأن المشي بالجفن واجب

6 ـ الشيخ محمد بلخوجة المتوفى سنة1333،وكان شاعرا مشهورا بتقدمه بالآداب والعلوم العربية ، وهو أعلم علماء عصره بتراجم علماء الجزائر، وكان واسع الاطلاع ولوعا بالكتب العصرية، وقد قام بنشر تفسير عبد الرحمن الثعالبي من رجال القرن التاسع بعد تحقيقه على سبع نسخ ، ونشر كتاب السيوطي: "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".
وقد عزلته السلطات الفرنسية من عمله، فأخذ يلقي دروسه في جامع حي بلكلور بمدينة الجزائر.

dahman1511
2008-05-06, 22:02
مشكورة اختي الكريمة