غانم عتبة
2010-08-21, 00:13
الأعمال الأدبية الخالدة تنقش حروفها في وجدان الأجيال على مر الزمن . و إن كان سر خلود عمل أدبي يعود إلى عوامل عديدة مختلفة تصل أحيانا إلى حد التناقض ، إلا أن أهم هذه العوامل |أن يلامس العمل الأدبي الجوهر الإنساني الذي لا يحول مهما تبدلت الأزمنة و الأمكنة .
من ذلك هذان البيتان الجميلان لأبي تمام في التعلق بالحب الأول :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... و حنينه أبدا لأول منزل
أذكر جيدا أني سمعت هذين البيتين أول مرة في حياتي و أنا فتى بالثانوية ، سمعتهما من أستاذ سوري ، أستاذ فلسفة بثانويتنا آنذاك ، كان أستاذا أنيقا في شكله و في لغته يمارس علينا سحرا جماليا و سلطة معرفية عميقة .
حين سمعت البيتين حفرا عميقا في وجداني فوجتني أحفظهما من غير أدنى جهد ذهني ، و أطرب لترديدهما على أندادي في مجالس سمرنا . و أتغني بهما بيني و بين نفسي ساعات الوجد في ميعة الشباب الأول .
ثم أخذتني الكلمات شرقا و غربا ، و سحت في دنيا الأدب أدخل بساتينه أقطف ما اشتهت نفسي من ثماره ، و أرتشف ما طاب لي من سلافه و خمرته الحلال .
في بستان الشاعر ديك الجن وقفت على بيت له يذهب نقيضا لبيتي أبي تمام .
يقول ديك الجن :
مقتي لمنزلي الذي استحدثته ... أما منزلي الذي ولى فليس بمنزلي .
فأنكرت عليه ذلك و أصبت بنوع من الخيبة نحو ديك الجن لهذا الجحود .
ثم اكتشفت أن أبا تمام أخذ المعنى من ديك الجن و حوره في صيغة تناص ، بل عكسه إلى النقيض فخرج إلى معنى لطيف لامس مشاعر إنسانية رفيعة في الناس فحفظوا بيتيه و تغنوا بهما ، و لم يحفظوا بيت ديك الجن رغم أسبقيته .
في بيت ديك الجن تمرد و قطيعة و هتك لقيم الوفاء و الإخلاص التي يعززها الضمير الجمعي في الأجيال .
وديك الجن كان يعلم أن القراء سينكرون عليه قوله فوظف في بيته أسلوب الخبر الإنكاري ، الخبر الإنكاري هو أن يحس المتكلم أن المتلقي ينكر الخبر فيؤكده بأكثر من أداة توكيد . وهكذا تلاحظ البيت مؤكدا بأداتين : ب "أما" التفصيلية و بالباء الزائدة " ليس بمنزلي ".
وكرد فعل من القراء على هذا الإصرار منه على تنكره لحبه الأول جعلوا بيته في طي النسيان و احتفوا ببيتي أبي تمام و رددوهما على مر الأزمان .
فماذا ترى يا صاح ؟
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
أو
مقتي لمنزلي الذي استحدثته ... أما الذي ولى فليس بمنزلي ؟؟؟
من ذلك هذان البيتان الجميلان لأبي تمام في التعلق بالحب الأول :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... و حنينه أبدا لأول منزل
أذكر جيدا أني سمعت هذين البيتين أول مرة في حياتي و أنا فتى بالثانوية ، سمعتهما من أستاذ سوري ، أستاذ فلسفة بثانويتنا آنذاك ، كان أستاذا أنيقا في شكله و في لغته يمارس علينا سحرا جماليا و سلطة معرفية عميقة .
حين سمعت البيتين حفرا عميقا في وجداني فوجتني أحفظهما من غير أدنى جهد ذهني ، و أطرب لترديدهما على أندادي في مجالس سمرنا . و أتغني بهما بيني و بين نفسي ساعات الوجد في ميعة الشباب الأول .
ثم أخذتني الكلمات شرقا و غربا ، و سحت في دنيا الأدب أدخل بساتينه أقطف ما اشتهت نفسي من ثماره ، و أرتشف ما طاب لي من سلافه و خمرته الحلال .
في بستان الشاعر ديك الجن وقفت على بيت له يذهب نقيضا لبيتي أبي تمام .
يقول ديك الجن :
مقتي لمنزلي الذي استحدثته ... أما منزلي الذي ولى فليس بمنزلي .
فأنكرت عليه ذلك و أصبت بنوع من الخيبة نحو ديك الجن لهذا الجحود .
ثم اكتشفت أن أبا تمام أخذ المعنى من ديك الجن و حوره في صيغة تناص ، بل عكسه إلى النقيض فخرج إلى معنى لطيف لامس مشاعر إنسانية رفيعة في الناس فحفظوا بيتيه و تغنوا بهما ، و لم يحفظوا بيت ديك الجن رغم أسبقيته .
في بيت ديك الجن تمرد و قطيعة و هتك لقيم الوفاء و الإخلاص التي يعززها الضمير الجمعي في الأجيال .
وديك الجن كان يعلم أن القراء سينكرون عليه قوله فوظف في بيته أسلوب الخبر الإنكاري ، الخبر الإنكاري هو أن يحس المتكلم أن المتلقي ينكر الخبر فيؤكده بأكثر من أداة توكيد . وهكذا تلاحظ البيت مؤكدا بأداتين : ب "أما" التفصيلية و بالباء الزائدة " ليس بمنزلي ".
وكرد فعل من القراء على هذا الإصرار منه على تنكره لحبه الأول جعلوا بيته في طي النسيان و احتفوا ببيتي أبي تمام و رددوهما على مر الأزمان .
فماذا ترى يا صاح ؟
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
أو
مقتي لمنزلي الذي استحدثته ... أما الذي ولى فليس بمنزلي ؟؟؟