تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاختلاف


wessam12
2010-08-20, 13:21
الأختلاف

بسم الله الرحمن الرحيم:
السلام عليكم:
صحيح أن الشرع الإسلامي نهي عن الاختلاف و الفرقة و ذمها. فمن ذلك قوله تعالي: (و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا) آل عمران 105.
و قوله: ( و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) آل عمران 103
ألا أن هذا النهي عن الاختلاف و التفرقة ليس في كل الدين, بل هو في أصوله لا في فروعه و ذلك من وجوه:-

الوجه الأول: أن النهي و الذم في هذه النصوص عن الاختلاف الذي يشابه اختلاف الكفار في دينهم و هو في أصول الدين.

الوجه الثاني: أن السنة دلت علي أجازة الاختلاف, في فروع الدين و ليس في أصوله.

الوجه الثالث: اختلاف و تنازع الصحابة فيما بينهم, كان في فروع الدين و ليس في أصوله. و لم ينكر عليهم أحد منهم.

الوجه الرابع: أن التابعين و تابعيهم و علماء السلف قد أقروا الاختلاف في الفروع دون الأصول.

الوجه الأول:
و هو الاختلاف الذي أختلفه الكفار فيما بينهم و هو في أصول الدين لا في فروعه و لذلك ذمه الله –عز و جل- و عابه عليهم, كاختلافهم في أنبيائهم, و اختلافهم في البعث و النشور, و اختلافهم في الحياة و الموت, و اختلافهم في كتبهم, حتى أصبحوا فرقا و شيعا و أحزابا, كل حزب بما لديهم فرحون, كل فرقة بعقيدتهم فرحة.
فمنهم من أعتقد أن المسيح أبن الله, و منهم من أعتقد أن العزير أبن الله, و منهم من أعتقد أنه لن تمسه النار ألا أياما معدودة, فهذا و أمثاله الذي جعلهم يتفرقوا في الدين و جعلهم شيعا و أحزابا كافرة تركت دينها و تفرقت فيه و تأولته علي حسب هواها. و هذا الذي ذمه الله –عز وجل- و نهي عن الاختلاف فيه, و هو في أصول الدين و عقائده لا في فروعه, فقال – سبحانه- محذرا إيانا من هذا الاختلاف الذي أختلفوه (و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) و قوله: ( منيبين أليه و اتقوه و أقيموا الصلاة و لا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون).

الوجه الثاني:
و هو السنة, و هي ما ورد عن الرسول الله صلي الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير.
و أما دليلها علي أجازة الاختلاف في فروع الدين لا في أصوله:-

أولا: أقراره- عليه الصلاة و السلام- لصحابته يوم الخندق حينما أراد غزو بني قريضة فقال ( لا يصلين أحدكم العصر ألا في بني قريضة) فمن الصحابة من صلاها في الطريق, و منهم من أخرها ألي أن وصل بني قريضة, فأقرهم الرسول – صلي الله عليه و سلم- علي فهمهم هذا و اختلافهم هذا, و لم يعنف عليهم, و لم ينكر عليهم ذلك, مما يدل علي أباحة مثل هذا الاختلاف, و هو في الفروع كما نلاحظ, و ليس في الأصول.

ثانيا: قوله –عليه الصلاة و السلام- أذا أجتهد الحاكم فأصاب فله أجران, و أذا أجتهد فأخطاء فله أجر. و هذا كله في فروع الدين و ليس في أصوله, و لا في ما هو قطعي.

أما الفرق بين أصول الدين و فروعه و بين القطعي و الظني فكالآتي:

أصول الدين: هي المسائل الأعتقادية, و هي قسمان:
القسم الأول: ما يتوصل أليه بالنظر و الاستدلال و يسمي بالمسائل العقلية أي التي يتوصل أليها عن طريق العقل و الإدراك : كالأيمان بالله, و الأيمان بأن القرآن من عند الله, و الأيمان بأن محمدا رسول الله.
القسم الثاني: ما يتوصل أليه عن طريق النقل و الأخبار و يسمي بالمسائل النقلية كالأيمان بالملائكة و بالجنة و النار و كالأيمان بالبعث و النشور و كالأيمان بالتوراة و الإنجيل و الزبور و كالأيمان بإبراهيم و موسي و عيسي و غير ذلك مما نقل ألينا نقلا عن طريق القرآن أو الحديث المتواتر.

أما فروع الدين: فهي المسائل الفقهية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية و هي قسمان:
الأول: مسائل قطعية في الثبوت و الدلالة.
الثاني: مسائل ظنية في الثبوت أو الدلالة أو كلاهما معا.

أما المسائل القطعية في الثبوت فهي التي تكون قطعية في ثبوتها عن الله و رسوله أي أن تكون من القرآن أو الحديث المتواتر.
و المسائل القطعية في الدلالة التي تكون قطعية في دلالتها أي في معناها و لا تأخذ ألا معني واحدا كتحريم الخمرة و تحريم الزنا و تحريم الربا و تحريم الجمع بين الأختين كل ذلك و أمثاله ثابت قطعا و لا يحتمل ألا معني واحدا.

و أما القسم الثاني من الفروع: و هو المسائل الظنية و هي قسمان كذلك:
القسم الأول: ظني في الثبوت.
القسم الثاني: ظني في الدلالة.
أما ظني الثبوت: فهي المسائل التي لم تصل ألي التواتر و القطع في ثبوتها و ذلك كالنصوص غير المتواترة عن رسول الله صلي الله عليه و سلم فهي ليست قطعية في ثبوتها كخبر الآحاد و المشهور.
أما ظني الدلالة: فهي المسائل التي تحتمل أكثر من معني و لو كانت قطعية في ثبوتها و هذا موجود في القرآن كما هو في السنة المتواترة و غير المتواترة و هو كثير.
فمحل الاختلاف و التنازع الذي أجازه الشرع هو في القسم الثاني من الفروع و هو في المسائل الظنية بفرعيها الثبوت و الدلالة.
فلا خلاف في الأصول و لا في ما ثبت بطريق القطع و لا يحتمل ألا معني واحد. و الخلاف في الظني.

و قد قال الشافعي رحمه الله في كتابه الرسالة: الاختلاف من وجهين أحدهما محرم و لا أقول ذلك في الآخر فكل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو علي لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه. و ما كان من ذلك يحتمل التأويل و يدرك قياسا فذهب المتأول أو القايس ألي معني يحتمله الخبر أو القايس و أن خالفه غيره لم أقل أنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص.
و قال أمام الحرمين في شرح الورقات للجويني: و لا يجوز أن يقال كل مجتهد في الأصول الكلامية أي العقائد مصيب.
و يقول أبن عبد البر (جامع بيان العلم و فضله): و نهي السلف رحمهم الله عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته و أسمائه و أما الفقه فأجمعوا علي الجدال فيه و التناظر لأنه علم يحتاج فيه ألي رد الفروع علي الأصول للحاجة ألي ذلك و ليس الاعتقادات كذلك.
و يقول أبو بكر أبن العربي في كتابه أحكام القرآن المجلد الأول: التفرق المنهي عنه يحتمل ثلاثة أوجه:
الأول: التفرق في العقائد لقوله تعالي: (أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه).
الثاني : قوله عليه السلام: لا تحاسدوا و لا تدابروا و لا تقاطعوا و كونوا عباد الله أخوانا.
الثالث: ترك التخطئة في الفروع و التبري فيها و ليمض كل أحد علي اجتهاده فأن الكل بحبل الله معتصم, و بدليله عامل.
و قال: أن الحكمة في ذلك أن الاختلاف و التفرق المنهي عنه أنما هو المؤدي ألي الفتنة و التعصب و تشتيت الجماعة فأما الاختلاف في الفروع فهو من محاسن الشريعة و أستدل بالحديث الشريف: أذا أجتهد الحاكم.
و قال القرطبي في تفسيره لآية: ( و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا) ليس فيها دليل علي تحريم الاختلاف في الفروع فأن ذلك ليس اختلافا, إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف و الجمع, و أما حكم مسائل الاجتهاد فأن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض و دقائق معاني الشرع و مازال الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث و هم مع ذلك متآلفون فقد قال عليه السلام : اختلاف أمتي رحمة, و أنما منع الله اختلافا هو سبب الفساد.
و يقول أبن قتيبة –رحمه الله- في كتابه تأويل مختلف الحديث في الرد علي بعض المتأولين كأبي الهذيل العلاف و غيره من علماء الكلام: ليس منهم واحد ألا و له مذهب في الدين يدان برأيه و له عليه تبع. ثم قال: و لو كان اختلافهم في الفروع و السنن لاتسع لهم العذر عندنا و أن كان لا عذر لهم مع ما يدعونه لأنفسهم كما أتسع لأهل الفقه و وقعت لهم الأسوة بهم, و يردف قائلا: أن اختلافهم كان في التوحيد و في الأمور الغيبية التي لا يعلمها نبي ألا بوحي من عند الله.
و ذكر الغزالي-رحمه الله- في كتابه المصتصفي في علم الأصول المجلد الثاني: أن المخطئ في القطعيات آثم و لا أثم في الظنيات لا عند من قال المصيب فيها واحد و لا عند من قال كل مجتهد فيها مصيب, هذا هو مذهب الجمهور من العلماء.
و فرق أبن تيمية-رحمه الله- في كتابه نقص المنطق, فرق بين فروع الدين و أصوله بقوله: و أما لعن العلماء لأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزر و عادت عليه اللعنة فمن طعن من ليس أهلا للعنه وقعت اللعنة عليه و العلماء أنصار فروع الدين و الأشعرية أنصار أصول الدين.
و ذكر الشوكاني-رحمه الله- في كتابه السيل الجرار المتدفق علي حدائق الأزهار الجزء الأول و في كتاب أرشاد الفحول ألي تحقيق علم الأصول: أعلم أن الخلاف في هذه المسألة تختص بالمسائل الشرعية لا العقلية فلا مدخل لها في هذا, و قد ذهب الجمهور ألي أن المسائل الشرعية تنقسم ألي قسمين:
القسم الأول: قطعيا معلوم بالضرورة أنه من الدين كوجوب الصلوات الخمسة و صوم رمضان و تحريم الخمر و الزنا فليس كل مجتهد فيها مصيبا بل الحق فيها واحد فالموافق له مصيب و المخطئ غير معذور بل آثم.
القسم الثاني: المسائل الشرعية التي لا قاطع فيها, فذهب كثيرون ألي أن كل مجتهد مصيب و حكاه الماوردي و الروياني عن الأكثرين و ذهب أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أكثر الفقهاء ألي أن الحق في أحد الأقوال و لم يتعين لنا و هو عند الله متعين لاستحالة أن يكون الشئ الواحد في الزمان الواحد للشخص الواحد حلالا و حراما, و قد كان الصحابة رضي الله عنهم يخطئ بعضهم بعضا و يعترض بعضهم بعضا و لو كان اجتهاد كل مجتهد حقا لم يكن للتخطئة وجه.
و قال أيضا عن الحديث الباب : فهذا الحديث قد دل دلالة بينة أن للمجتهد المصيب أجرين و للمجتهد المخطئ أجرا فسماه مخطئا و جعل له أجرا فالمخالف للحق بعد أن أجتهد مخطئ مأجور و هو يرد علي من قال أنه مصيب و يرد علي من قال أنه آثم ردا بيننا و يدفعه دفعا ظاهرا.
و قال: أما المخطئ في الأصول و المجتهد فلا شك في تأثيمه و تفسيقه و تضليله. أرشاد الفحول ألي تحقيق علم الأصول.
و قال حسن البنا –رحمه الله- في مجموعة الرسائل: و نحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لابد منه بالضرورة و لا يمكن أن نتحد في هذه الفروع و الآراء و المذاهب لأسباب عدة: منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه و أدراك الدلائل و الجهل بها و الغوص علي أعماق المعاني و ارتباط الحقائق بعضها ببعض و الدين آيات و أحاديث و نصوص يفسرها العقل و الرأي في حدود اللغة و قوانينها و الناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من الخلاف.
و يقول محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صفة صلاة النبي صلي الله عليه و سلم: فأما اختلاف الصحابة فإنما كان عن ضرورة و اختلاف طبيعي منعهم في الفهم لا اختبارا منهم للخلاف يضاف ألي ذلك من بعدهم و مثل هذا الاختلاف لا يمكن الخلاص منه كليا و لا يلحق أهله الذم الوارد في القرآن لعد تحقيق شرط المواخذة و هو القصد و الإصرار عليه.

و عليه نفهم مما سبق عدة أمور:
الأول: أن الأمور الأعتقادية و ما هو مقطوع به لا يجوز الاختلاف و الجدل فيه نهائيا, فهو مذموم و محذور شرعا, لأنه يؤدي ألي الفساد و فرقة الأمة و يؤدي بها ألي الفسق و الضلال, و بالتالي ينطبق علي فاعله الذم الوارد في القرآن, فالاختلاف و الجدل في أن القرآن من عند الله و في أن النار حق و أن الجنة حق و في أن محمدا صلي الله عليه و سلم نبي و رسول و في أن الله يعلم ما كان و ما سيكون و ما هو كائن مذموم و منهي عن مثل ذلك الاختلاف.
و كالاختلاف في عدد ركعات الصلاة و في فرضية الزكاة و الصوم و الصلاة و الحج. و في أن الله أمر بتطبيق شرعه فهذا و أمثاله منهي عن الجدل و الاختلاف فيه بل و يحرم علي المسلمين أن يختلفوا و يجادلوا بعضهم في مثل هذه المسائل البتة.

الثاني: أن فروع الدين غير أصوله فالاختلاف و الجدل فيها معفو عنه و لا شئ فيه بل هو أمر لا بد منه في كيان الأمة الإسلامية و هو ضروري و طبيعي جدا و ذلك في المسائل الظنية منه و المتعلقة بالفقه و أصوله.

الثالث: أن الأمة مع وجود هذا الاختلاف فيما بينها في فروع الدين ألا أنها تبقي مسلمة و لا يجوز لأحد أن يكفر أحدا من المختلفين أبدا لأنه اختلاف في فروع الدين و ليس اختلافا في أصوله.
و عليه يكون كل مجتهد في الفروع مصيبا الصواب الذي لا ينافي الخطاء لا من الإصابة التي هي مقابلة للخطاء, فمن حق من حصلت له أهلية الاجتهاد (و هذا بحث آخر) أو ممن أتبعوا مذهبا أو رأيا يستند ألي الشرع لا العقل و الهوي من حقهم أن يقولوا أن رأينا صواب يحتمل الخطاء و رأي فلان خطاء يحتمل الصواب. لا ليقول أن رأي صواب و رأي فلان خطاء فأتبعوني و لا تتبعوه, ألا أذا كان رأي غيره لا يستند للشرع بل أستند للعقل و الهوي و تغليب المصلحة و المنفعة, فطبيعي أن الرأي الذي يستند ألي الشرع و أن الجدل الذي يستند ألي الشرع و المناقشة التي تستند ألي الشرع و المناظرة التي تكون لإحقاق الحق و أبطال الباطل أحق أن تتبع و رأيها أحق أن يتبني.
و لذلك فأن كانت مناظرات المسلمين و مجادلاتهم و اختلافهم كاختلاف الصحابة و التابعين و تابعيهم لإحقاق الحق و أبطال الباطل لا للمكابرة و الرياء و المراء و أتباع الهوى فلا بأس في ذلك بل هو أمر ضروري.
و أما أن كانت المناظرات و الجدل و الاختلافات لأجل الرياء و المراء و أتباع الهوى و العقل فهذا مذموم.

الوجه الثالث: تنازع الصحابة رضي الله عنهم و اختلافهم في أحكام القرآن و معانيه, فقد تنازعوا في كثير من ذلك. و الملاحظ من الأخبار عنهم أنهم مجمعون علي ذلك.
يروي عن مالك –رحمه الله- لا تجوز الفتيا ألا لمن علم ما أختلف الناس فيه , فقيل له: اختلاف أهل الرأي؟ قال: لا, اختلاف أصحاب محمد صلي الله عليه و سلم.
و روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ما أحب أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه و سلم لم يختلفوا, لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق, و أنهم أئمة يقتدي بهم فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة.
و عنه رضي الله عنه: ما سرني لو أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة.
و يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: و ما أنكر أحد من الصحابة قط الجدال في طلب الحق و أما التابعون فتوسعوا في ذلك و ثبت أن الجدال المحمود هو طلب الحق و نصره و أظهار الباطل و بيان فساده, و أن الخصام بالباطل هو اللدد الذي قال النبي صلي الله عليه و سلم : أبغض الرجال ألي الله الألد الخصم.
و يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره: و ما زالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث و هم مع ذلك متآلفون.

و أليكم بعضا من اختلافاتهم الدالة علي أنهم اختلفوا و كان اختلافهم في معاني الشرع و في فروعه:
فمن ذلك قال أبن إسحاق في سيرة أبن هشام الجزء الأخير : أنه بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و سلم: أنحاز هذا الحي من الأنصار ألي سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة, و أعتزل علي أبن أبي طالب و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة و أنحاز بقية المهاجرين ألي أبي بكر و عمر. فقال : أن الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا أليه فأن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم, و رسول الله صلي الله عليه و سلم في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله, قال عمر: فقلت لأبي بكر: أنطلق بنا ألي أخوتنا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه.

و من ذلك أيضا في قتال المرتدين و ذلك بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و سلم , فرأي أبو بكر رضي الله عنه أنهم مرتدون عن الإسلام وجب قتالهم, و رأي عمر رضي الله عنه خلاف ذلك فقد طلب من أبي بكر أن يصبر عليهم فرفض أبو بكر رضي الله عنه و قال قولته المشهورة و الله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه رسول الله لقاتلتهم عليه.
و أختلف الصحابة في قول الرسول صلي الله عليه و سلم : لا يصلين أحدكم العصر ألا في بني قريضة.
و من اختلافهم ما روي عن تنصيب عثمان رضي الله عنه خليفة للمسلمين و لم ينصب علي مع أن الأمر كان بينهما ذلك أن عليا كرم الله وجهه لم يرض أن يبايع علي كتاب الله و سنة نبيه و أجماع الشيخين بل قال أبايع علي كتاب الله و سنية نبيه و أجتهد رأيي, أما عثمان فبايع علي ذلك كله.
كما أختلف الصحابة في السواد من البلاد التي تفتح (كتاب الخراج لأبي يوسف)
كما أختلف الصحابة في ميراث الجد مع الأخوة.(تفسير القرطبي)
و أختلف الصحابة في ميراث الصدقة( جامع بيان العلم و فضله لأبن عبد البر)
و اختلفوا في الغنائم و تقسيمها (كتاب الخراج لأبي يوسف)
و اختلفوا في إيقاع الطلاق ثلاثا أو واحدة (بداية المجتهد, تفسير القرطبي)
و اختلفوا في رضاع الكبير و الصلاة في الثوب الواحد و في حرق المرتدين بعد قتلهم.
و قد ناظر علي و أبن عباس و عمر بن عبد العزيز الخوارج. و كذلك تناظر عمر و أبي عبيدة في حديث الطاغوت.

الوجه الرابع: اختلاف السلف و مناظراتهم فهي كثيرة جدا. و لم يعيبوا علي بعضهم بعضا. بل كانوا يتقصدون بعضهم بعضا إحقاقا للحق و ليس خلاف ذلك.
و سأورد قصة واحدة فقط للعبرة بين علمين كبيرين هما محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة و الشافعي رحمهم الله جميعا:
قال محمد للشافعي: بلغنا أنك تخالفنا في مسائل الغصب.
الشافعي: أصلحك الله أنما هو شئ أتكلم به في المناظرة فأني أجلك عن المناظرة و لكن محمد صمم علي المناظرة.
قال محمد بن الحسن: ما تقول في رجل غصب ساحة و بني عليها بناء و أنفق عليها ألف دينار فجاء صاحب الساحة و أقام شاهدين أنها ملكه؟
قال الشافعي: أقول لصاحب الساحة ترضي أن تأخذ قيمتها؟ فأن رضي و ألا قلعت البناء و دفعت ساحته أليه.
قال محمد: فما تقول في رجل غصب لوحا من خشب فأدخله في سفينته و وصلت لعرض البحر فأتي صاحب اللوح بشاهدين عدلين, أكنت تنزع اللوح من السفينة؟
قال الشافعي: لا
قال محمد: الله أكبر تركت قولك, ثم ماذا تقول في رجل غصب خيطا فجرحوا بطنه فخاطوا بذلك الخيط تلك الجراحة فجاء صاحب الخيط بشاهدين عدلين أن هذا الخيط مغصوب أكنت تنزع الخيط من بطنه؟
قال الشافعي: لا
قال محمد: الله أكبر تركت قولك.
قال الشافعي: أرأيت لو كان اللوح لوح نفسه للسفينة ثم أراد صاحب السفينة نزع ذلك اللوح من السفينة حال كونها في لجة البحر أمباح له ذلك أم يحرم عليه؟
قال محمد: يحرم عليه.
قال الشافعي: أرأيت لو جاء مالك الساحة و أراد أن يهدم البناء أيحرم عليه ذلك أم يباح؟
قال محمد: بل يباح.
قال الشافعي: أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه يعني غير مغصوب ثم أراد أن ينزعه من بطنه و يقتل نفسه أمباح له ذلك أم محرم؟
قال محمد: بل محرم.
قال الشافعي: رحمك الله فكيف تقيس مباحا علي محرم؟
قال محمد: فكيف تصنع بصاحب السفينة؟
قال الشافعي: آمره أن يسيرها ألي أقرب السواحل ثم أنزع اللوح و أدفعه لصاحبه.
قال محمد: قال النبي صلي الله عليه و سلم: لا ضرر و لا ضرار في الإسلام.
قال الشافعي: من ضره؟ هو ضر نفسه.
ثم قال الشافعي: ما تقول في رجل من الأشراف غصب جارية لرجل من الزنج في غاية الرذالة ثم أولدها عشرة كلهم قضاة سادة أشراف خطباء فأتي صاحب الجارية بشاهدين عدلين أن هذه الجارية التي هي أم هؤلاء الأولاد مملوكة له ماذا تعمل؟
قال محمد: أحكم بأن أولئك الأولاد مماليك لذلك الرجل.
قال الشافعي: أنشدك بالله أي هذين الأمرين أعظم ضررا, أن تقلع البناء و ترد الساحة لمالكها أو أن تحكم برق هؤلاء الأولاد فسكت محمد بن الحسن.
و هناك كتب كثيرة مخصصة لمثل هذه المناظرات منها: اختلاف الفقهاء للطحاوي, و الوسائل في فروق المسائل لأبن جماعة الشافعي, و الخلافات للبيهقي.