مشاهدة النسخة كاملة : حكايا المملكة البيضاء - الفصل الثاني-
فرسان المدينة البيضاء
في واجهة أحدى المباني الكبيرة التي تتوسط أحد الشوارع الراقية...لافتة ضخمة تحمل اسم شركة عالمية..العديد من الناس يأتون و يغدون على المكان بمحافظهم الكبيرة و حواسيبهم المحمولة..كان المكان يشبه خلية النحل: الموظفون منشغلون في أداء مهامهم و المتعاملون ينهون ملفاتهم أو يستفسرون عن معلومات معينة...و الكل هناك يقدم صورة الاحترافية و التفاني في تقديم الخدمة و إرضاء الزبائن. كانت خطواته رزينة موزونة و هو يعبر قاعة الاستقبال الكبيرة في الطابق الأرضي..يحي الجمع بابتسامة لطيفة و هو يتجه إلى أحد المصاعد الزجاجية في المبنى..يلتحق به موظف آخر، هندامه الأنيق و نظاراته ذات الإطار المذهب تنبئ عن شخصية شديدة الحرص:
- صباح الخير سيد سامي...هذا التقرير الذي أوصيتني بتقديمه قبل الاجتماع...على فكرة، سيعقد اجتماع اللجان المشتركة بعد حوالي نصف ساعة. و يمده بملف كبير بينما يقول الآخر:
- أشكرك...سأكون هناك في الموعد....
يتوقف المصعد عند احد الطوابق، يخرج سامي منه بينما يواصل الآخر صعوده..يدخل سامي غرفة في الرواق المبلط بالرخام و ذو الجدران الزجاجية...مكتب تتكوم فوقه الملفات شاشتا حاسوب تقتسمان جانبية بينما تتوسطه سيدة ذات ملامح لطيفة. مع دخول الرجل تأخذ بين يديها دفترا كبيرا و تتبعه إلى داخل قاعة المكتب الفسيحة ذات الأثاث العصري على آخر طراز.
- صباح الخير سيد سامي....لقد اتصل ممثلا شركتي التموين اللتين تعاقدنا معهما و أمدانا بالجداول التي طلبناها..مدير فرعنا في الجنوب بعث بالتقرير الأسبوعي...و هنا ستجد مواعيد اليوم.
- - شكرا لك سيدة سلمى...أنت تبذلين مجهودا طيبا في العمل و الكل يثني عليك...
فتقول السيدة في ابتسامة خجلة..
- هذا بفضلك سيدي...والله لقد أنقذتني و عائلتي من ورطة كبيرة....
- الحمد لله أنه أمكننا فعل شيء...آه على فكرة كيف يشعر زوجك في وظيفته...
- الحمد لله...هو مرتاح كثيرا و هذا بفضلك...لا أدري كيف نرد لك الجميل...
- معاذ الله...لم أفعل شيئا يستحق الذكر....المهم...سأحضر اجتماع اللجان بعد نصف ساعة...حضري كل الأوراق المتعلقة بذلك..و...أرجو أن تطلبي لي قهوة...
- حاضر سيدي...شيء آخر...
- أخطري أمانة الرئيس أني أود مقابلته....
- حاضر...
و يمر ذلك اليوم على الموظفين كسائر الأيام في العمل الدؤوب، فهي شركة ضخمة متعددة الجنسيات و العمل فيها مزية كبرى لا تصح لأي كان..كانت السيدة سلمى تشعر بالامتنان الشديد لمديرها..لقد وظف زوجها بعد طرده من الشركة التي كان يعمل فيها و اتخذها هي كأمينة سر له لمهارتها في التحدث بعدة لغات أجنبية....لقد كان المنقذ لعائلتها من الضياع و هاهم الآن قد استطاعوا أن يقترضوا لشراء بيت جميل....لن تخشى شيئا بعد الآن.
و بينما كانت هي في سعادتها الغامرة، كان مديرها، و الذي لم يجاوز العقد الثالث من عمره، يتفقد بريده الالكتروني عندما ورده اتصال عبر الخط المباشر...
- ما الأخبار....يقول مباشرة دون مقدمات..
- لقد عينا موقعا آخر....سنبدأ بإجراءات النقل حالما ننتهي من عملية الرصف....
- حسنا...سأخبر الرئيس بذلك...التفريغ في المكان المعهود..
يقفل السماعة و يعود لتأمل شاشة حاسوبه....أصابعه على الملامس تنقر " كل الأوراق قانونية و تمت المصادقة عليها....ستبدأ عملية النقل حسب الموعد المتفق عليه....أرجو أن ترسلوا وصل استلام بمجرد وصول البضاعة."
*********************************************
عقد رياض العزم على تقفي آثار الحقيقة و اكتشاف السر وراء اختفاء المعالم الأثرية. كان كل ليلة يطالع صفحات الانترنت حول المواقع الأثرية في مدينته..أراد أن يحفظها جميعا ليحدد معالمها الزمكانية بدقة و بالتالي يمكنه اكتشاف أي خلل في التسلسلات بسهولة...." لابد أن عملية الاختفاء تخلف وراءها نفقا زمنيا...ماذا لو؟؟" كانت تلك الفكرة و رغم علمه بخطورتها تراوده كل يوم بل و تلح عليه في التفكير جديا فيها....خصوصا و أن اختفاء المعالم يولد نوعا من فقدان الذاكرة عند الناس...فتراهم لا يأبهون لما يحصل و يظنون أن الأمر طبيعي...."على هذه الوتيرة...ستختفي ذاكرة الناس...و هكذا...لن يعلموا أبدا من هم...لا..لا..لا..مستحيل..". اضطراب أفكاره تلك الآونة جعله عصبيا لا يطيق شيئا. هذه المرة...زيارة إلى المتحف قد تفيده...يرتدي ملابسه بسرعة و يخرج. يمر على قاعة الجلوس حيث يجد والده و شقيقه الأكبر الذي يبادره:
- أين تذهب الآن؟؟.....أمازلت تلعب و تهمل دروسك...هل نسيت ما حدث تلك..؟
- أنا ذاهب إلى المتحف....لدي واجب في التاريخ علي القيام به..
- حسنا، يقول والده، مادامت تتعلق بالدراسة...لكن لا تتأخر...
- أجل...السلام عليكم..
- و عليكم السلام...
في طريقه إلى المتحف، يمعن رياض النظر في كل معلم يصادفه في طريقه. و كأنه يتأكد من عدم تغير الهالة التي تحيط به و من حين لآخر..يلقي نظرة على المعالم في رأسه...بدا كل شيء على ما يرام . فجأة يلمح سيدة في ثياب تقليدية جميلة و حلي ذهبية قيمة جدا تقف قبالته و تنظر إليه، فيقول في نفسه "...يا لها من ثياب ..أمازالت النساء يرتدين هذا في عصرنا؟؟....ألا تخاف و هي تلبس كل هذه الحلي....لابد أنها ذاهبة لـ....." وهنا يتوقف رياض تماما و يرمق السيدة بنظرة قلقة.." لا يمكن....إنها ليست من عالمنا....معالمها مختلفة تماما...و الهالة التي تحيط بها....كيف؟؟..." أراد أن يذهب ناحيتها و لكنها اختفت...حاول البحث عنها....و لكنه لم يلمح أثرا...." كيف وصلت إلى هنا...من هي؟؟...و لكن...أين ذهبت...لا...لابد أني توهمت الأمر....".و عاد أدراجه إلى المتحف. هناك أخذ يجول بين أجنحته و يتأكد من أن كل المعالم الزمنية الخاصة بالقطع المعروضة صحيحة...كان يتوقف عند كل قطعة و يقرأ المعلومات الخاصة بها بعناية...كان يخزن كل شيء في ذاكرته ليتمكن من العودة متى ما أحس بأي اختلال.
في جناح الحقبة الإسلامية، لم يسع رياض سوى الاندهاش للكم الهائل من الآثار الموجودة هناك..أقواس و أعمدة...أبواب و جداريات فسيفسائية....كتب و قطع نقدية و أواني فخارية و برونزية....و ...ما لم يستطع إحصاءه...أحس برهبة شديدة و هو يتنقل بينها و يلمح البريق المتلألئ الصادر عنها...و هناك، وجد السيدة التي رآها قبلا واقفة قبالته تنظر مباشرة في عينيه و كأنها تعرفه ..."هاهي...تلك السيدة مجددا". نظر من حوله فرأى أحدا كان يبدوا عليه انه أجنبي ينتقل بين معروضات القاعة و لكن لم يبدو عليه انه لمح السيدة أو رآها. عاد رياض لينظر إليها...إنها ترمقه هو بتلك النظرة القلقة...و دون ان يشعر وجد نفسه يقترب منها عندئذ قالت السيدة:
- على عتبات الزمن...وقف من نادته المملكة البيضاء....مترددا في تلبية النداء...فهو و أصحابه سواء...ما عرفوا أن بأيديهم مفاتيح الرجاء.....
و تحركت السيدة باتجاه احد الأبواب الأثرية المثبتة على الحائط، يعود لأحد المساجد و عليه نقش رائع لأشكال هندسية...وقفت هناك هنيهة و استدارت نحو رياض الذي ألجمته الدهشة....فتحت البوابة الكبيرة و اختفت. فما وجد رياض نفسه إلا و هو يتبعها و يدخل هناك...فيغمره ضوء مشع لينقشع عن حديقة غناء. تحفها أشجار اللوز و الكرز المزهرة و تتوسطها بركة جميلة تناثرت على سطحها بتلات الزهر...كان منظرا رائعا ذكر رياض بتلك القصور الأندلسية القديمة و التي طالما رآها في البرامج الوثائقية...." يا سلام...ما هذا المكان؟؟" ينظر إلى جانبه...فيجد تلك السيدة واقفة هناك و تحييه:
- أهلا بك في المملكة البيضاء......سيصل أصحابك عما قريب...تفضل...
و دون أن يدري، وجد نفسه يتبعها و هو يقول في نفسه " المملكة البيضاء.....أصحابي.....أين انا؟؟"
to be continued
jang-mi
tawfik07
2010-08-19, 01:36
السلام عليكم
ممممــــ فصل اخر يبدأ والشوق لا يهدأ
...متى ينقضي هذا الظلام وياتي باقي الكلام
...مذهب قلمك...
...محلى كلمك...
رائع يا سيدتي ما تكتبين
دام ودك ولان قلمك
السلام
- هيه ياسين......لا تنسى موعدنا مساءا...يبادر عادل صديقه عند نهاية الدروس لذلك اليوم بينما كان يتوجه التلاميذ إلى خارج المدرسة.
- هاه......قلت هذا المساء....( يجيبه ياسين و كأنه لا يعلم عما يتكلم صديقه)
- لا تقل لي أنك نسيت موعدنا؟.....ألم نتفق و الأصحاب على التدريب اليوم....
- الحقيقة.....لم أنس..لكن لا يمكن أن آتي اليوم..
- لا.....هذا غير معقول، ما بك يا صاح؟؟ لقد أصبحت غريب الأطوار...المرة الفائتة في مباراتنا كدت أن تسجل هدفا في مرمانا...و تغيبت عن التدريبات لمرتين...و الآن لا تريد أن تأتي؟؟..ألم تكن تلك بالأساس فكرتك؟؟....ياااه
- أنا آسف...و لكن حدث أمر طارئ لهذا لا يمكنني المجئ...آآه...علي الذهاب الآن...أنا آسف يا عادل
- يا لك......هيه....ياسين....انتظر....
و ينطلق مسرعا في اتجاه بيته. منذ أيام و هو يدرس حول زرقاء اليمامة، قرأ كل ما يستطيع عنها على صفحات الانترنت...و ذلك اليوم، قرر الذهاب إلى المكتبة العامة. لقد نصحه أستاذ اللغة العربية بالذهاب هناك لأن فيها كتب قيمة حول الموضوع و حتى حول تاريخ تلك الحقبة. لقد كان يحس بالإرباك الشديد بعد الحادثة الغريبة التي وقعت له قبل يومين. بينما كانوا في درس التاريخ و الذي تناول الحقبة الإسلامية في المغرب العربي، طلب الأستاذ من ياسين قراءة نص يتحدث عن المدن التي أنشأها المسلمون إبان فتحهم المغرب الأوسط..كان كل شيء على ما يرام لولا أن ياسين لم يستطع قراءة النص، لقد كانت صفحة كتابه بيضاء لم يفهم الأمر فظن أن بالكتاب عيب مطبعي...أراد أن يستعير كتاب زميله و لكن المصيبة أن صفحته هو الآخر بيضاء.." ماذا هناك؟؟"
- هيا ياسين...اقرأ النص علينا....يقول الأستاذ.
أعمل ياسين عينيه في كتب التلاميذ حول القسم، غير أن كل الصفحات بيضاء....."يا لله....ما هذا الآن؟؟". يهمس لعادل
- عادل...في أي صفحة هي...
- ما بك؟...أنظر في كتابك أنت تفتحه عليها..هيا اقرأ و إلا غضب الأستاذ...
- و لكن.....( و يقول في نفسه: ما الذي دهاني...ما لي لا أستطيع قراءة الصفحة....لماذا تبدو بيضاء....؟؟"
- ما بك يا ياسين...ألم أقل لك أن تقرأ النص في الصفحة 24.....أين كتابك....
هنا فكر ياسين في حيلة تخرجه من هذه الورطة.....وضع يده على جبينه و اصطنع الألم الشديد..أخذ ينكمش على نفسه و يقول في صوت ضعيف.." أنا...آسف.......رأسي...آه...رأسي...."
فوضى التلاميذ تغمر قاعة الدراسة، متسائلين عما أصاب زميلهم....يتقدم الأستاذ ناحيته..
- ما بك يا بني.....هل تشعر بسوء....
- أستا...ذ......لا أستطيع تحمل الألم....آآآه....عيناي تؤلمانني.....
يأمر الأستاذ أحد التلاميذ باصطحاب الفتى إلى ممرض المدرسة...و هناك يقدم له هذا الأخير مسكنا للألم و يقول:
- دعني أرى....حرارتك طبيعية...لابد أنك أجهدت نفسك.أو أنك تسهر كثيرا.
- لا أعرف....
- إذا لم تشعر بتحسن سننقلك إلى المشفى...ربما تجرى لك تحاليل فيعرف سبب تلك الآلام...
- لا..لا....الألم خف الآن....أنا أفضل الآن.....
- يمكننا أن نتصل بوالديك ليصطحبوك....إذا لم تستطع الاستمرار في متابعة الدروس..
- لا....لا داعي لذلك....أشكرك...أنا الآن أحسن حالا...هل يمكنني الذهاب؟
- أجل..تفضل...
و يعود إلى قاعة الدراسة و هو يحاول أن يصطنع الضعف...يطلب الإذن و يدخل إلى القاعة فيبادره الأستاذ:
- ياسين...كيف تشعر الآن...كان يمكن أن تطلب إذنا بالخروج إذا لم تكن على ما يرام..
- لا داعي لذلك...أنا أفضل الآن....يمكنني متابعة الدروس.
- حسنا ...اذهب إلى مكانك...(و عاد الأستاذ ليتم بقية الدرس)
كان التلاميذ يكتبون عناصر الدرس التي على اللوح..بينما لم يقدر ياسين على ذلك..فالنسبة إليه كان اللوح نظيفا لا كلمة خطت عليه...أحس بالاضطراب الشديد، لم جميع زملاءه يكتبون و هو لا يقدر على رؤية المعلومات...أليس هو صاحب المقدرة الخارقة على الرؤية..كيف له ألا يرى ما يكتبون..كانت عيناه تجولان على دفاتر زملاءه. كلهم يمسكون أقلامهم و يخطون و لكنه لا يستطيع قراءة ما يكتبون...."يا إلهي...أريد أن أفهم ما يجري لي....أحس بنفسي و كأني سأجن..". صوت عادل يأتيه من بعيد فيهزه هزا:
- لا تقلق يا صديقي...سأعيرك دفتري لتتدراك الدرس ...ليس عليك أن تتعب نفسك الآن
- آه...ش..شكرا لك..
- كان عليك أن تذهب إلى البيت....لا أن تبقى هنا..لو كنت مكانك لما ضيعت الفرصة..هههه
لكن هذا الأخير لاذ بالصمت....فلم يقدر أن يجيبه...خليط من الخوف و اليأس يعتريانه..فهو لا يفهم و لا يعرف ما يجري له.
و الذي زاد من قلقه هو انه في الحصص الأخرى كان قادرا على قراءة النصوص و رؤية الكتابة على اللوح...بينما يختفي كل شيء أمامه أثناء حصة التاريخ...لماذا؟؟
قرر ياسين أن يقضي فترة ما بعد ظهر ذلك اليوم في المكتبة...عليه أن يعرف حقيقة ما يجري له. فإن كان لا يقدر على قراءة كتاب التاريخ المدرسي فلن يستطيع قراءة أي كتاب تاريخ..و إن كان هذا هو الأمر فعليه اكتشاف السبب وراءه. في المكتبة العامة، ازدانت قاعة المطالعة الفسيحة بأثاث مكتبي جديد...غير أن الطاولات المصقولة فقيرة بمريدي القراءة.... يتوجه إلى أحد العاملين هناك بالسؤال عن كتب التاريخ فيرشده إلى آخر القاعة حيث الرفوف التي تحويها....في هدوء يتجه إلى مقصده و هناك، كم هائل من الكتب و المجلدات بكل الأحجام و الألوان تصطف جنبا إلى جنب. يفتح كتابا على سبيل التجربة فيقرأ العنوان " تاريخ الإمبراطورية الرومانية"..يفتح صفحة و يمر بعينيه على السطور...جيد..هو لم يفقد قدرته على الرؤية..غير أنه و مع تقليب الصفحات بدا له أن العديد منها كانت بيضاء لا حرف فيها...و أخرى و كأن مقاطع قد محيت منها...وضع الكتاب جانبا و أخذ آخر..." الفتوحات الإسلامية في...." و كأن العنوان لم يكتب بالكامل بينما فقدت الكتابة من جزء كبير من الكتاب...و بقيته كانت عبارة على صفحات بيضاء تماما مثلما حدث له في القسم.." يا الله...إن في الأمر سر ما....و لكن..." يلتفت إلى يمينه فيرى شابا في مثل سنه يقلب صفحات أحد الكتب...يقرر أن يجرب الفكرة التي طرأت على ذهنه:
- السلام عليكم.....أخي..هل يمكن أن تساعدني؟؟
- و عليكم السلام...بكل سرور...تفضل.
- آآآ الحقيقة لقد نسيت نظاراتي في البيت...و قدرتي على القراءة ضعيفة من دونها...هل يمكن أن تقرأ لي ما المكتوب هنا...
- أجل...بالتأكيد... في هذه الفقرة؟؟
- نعم...
- و يقول ابن خلدون في كتابه المقدمة أن................................................ .................
صعق ياسين لما حدث له...لقد كان الفتى يحرك شفتيه بالقراءة.و لكن ياسين لم يسمع شيئا..و كأنه أصبح أصما...ثم يفاجئه الشاب قائلا...
- هل أتم القراءة... الصفحة التالية بداية الفصل الثاني...و هو يتكلم عن الاحتلال البيزنطي لمنطقة الـ............
- آه...لا بأس...كنت أريد فقط أن أعرف ما كتب في تلك الفقرة...شكرا جزيلا ..جزاك الله كل خير
- لا بأس...على الرحب و السعة..
و مضى الفتى في حاله بينما لم تقوَ ساقا ياسين على حمله فجلس على الأرض محاولا ترتيب أفكاره و فهم ما يجري له حقا....و هنا .......رأى شبحا .
to be continued
jang-mi
أحلام سرمدية
2010-08-21, 15:54
ما اجمل ابداعك اختاه
المملكة البيضاء لم تقتصر على ياسين ورياض واسماء وانما انفتحت لنا جميعا
سامي شخصية تداخلت في القصة فما علاقته بالمملكة
وقت اجتماع الاصحاب قريب فمن سيحاربوا وماذا سينقذوا
مع كل فصل يزداد شوقنا لقراءة المزيد فقد اصبحنا مدمنين على حكاياك يا شهرزاد
اتمنى ان تكمليها
عند عودتها من زيارة بيت خالتها...مرت أسماء في طريقها على أحد المساجد القديمة و التي كانت تزين المدينة القديمة لتلمسان..كانت تحب المرور من هناك لتسمع تراتيل القرآن في ذلك المكان و تشم الروائح الزكية من العنبر الذي كان يعطره. غير أن الأصوات التي تسمعها و العبير الذي تشمه يأتيان من حقبة بعيدة في الماضي..فالمكان في عصرها كان قيد الترميم..تحيط به الصقالات من كل جانب. و في ذلك اليوم، لم يكن العمال في الموقع فاغتنمت الفرصة لتتسلل إلى الداخل..في صحن المسجد المهدم و الذي لم يبق منه إلا الأعمدة تتناثر حولها أدوات الترميم، كان المكان يصدح بالتراتيل. في هذا الركن...مجموعة من الأطفال تحفظ القرآن...بنما انتهى إليها صوت من بعيد...قرب بوابة قاعة الصلاة...درس في الفقه... في الجهة الأخرى حلقة في علم اللغة و فجأة...سكتت كل الأصوات و لم تعد أسماء تسمع شيئا...دارت في المكان..ربما هناك خطب و لكن لم يرتد إلى سمعها سوى الصمت...هذه أول مرة يحدث لها ذلك..."هل فقدت قدرتي على السمع؟؟" تقول ذلك في نفسها و الخوف يعتريها...لا...هي لم تفقد قدرتها..هاهي تسمع ما يدور من حديث في الحي بأكمله...يا ترى؟؟ لماذا توقفت أصوات الجامع ...و أين هي رائحة البخور التي لطالما استمتعت بها هنا.....البرودة تجتاح المكان فجأة....ثم...صوت طرق يصم الآذان يتناهى إلى سمعها بقوة فتصم إذنيها عنه . و لكن الطرق يستمر و كأن أحدهم يدق إسفينا كبيرا....لم يكن الصوت آتيا من مكان آخر بل و كأنه من داخل رأسها....تجول بنظرها حول المكان، لا أحد هنا....من أين يأتي هذا؟؟ تسرع إلى خارج الجامع و لكنه يظل يطاردها، لقد بدا قادما من داخل الجامع.....ما الذي يجري؟؟
تسرع مبتعدة عن هناك حتى تصل إلى إحدى المكتبات...تذكرت أن عليها المرور هناك فبل الرجوع إلى البيت..فقد وعدها صاحب المكتبة القديمة بأن يحضر لها كل الكتب الممكنة حول تاريخ مدينتها..لقد أرادت أن تدرسها لتفهم بعض الأسرار مما سمعته عندما تصلها أصوات الماضي....و اليوم هو موعده. كانت مكتبة قديمة تزخر بالكثير من الكتب القيمة و الأثرية..بعضها أصلي ،و كانت تحب الذهاب إلى هناك للقراءة أحيانا...تدخل عبر بابها الخشبي القديم...كل مرة تفعل ذلك تسمع أصوات العمال الذين صنعوه منذ زمن قديم..و كيف يثني الوالد النجار البارع على ولده في إتقانه الصنعة...
- السلام عليكم عمي أحمد
- و عليكم السلام يا بنيتي...
- هل أحضرت لي أمانتي...لا تقل لي أنك لم تجد شيئا...
- هاهاها....اصبري قليلا يا بنية...هناك...في آخر المحل ستجدين مرادك فاختاري منه ما تشائين....علي أن أرتب هذه الكتب في مكانها ...
- شكرا لك عمي.....سأرى ما يمكنني أن آخذه معي
- تفضلي ..تفضلي....
و تدخل المكان العبق برائحة الكتب القديمة...لطالما أحبتها و شعرت بنوع من راحة النفس....مرت على الرفوف الممتلئة كتبا و مجلدات....أخذت أحدها و أخذت تتصفحه. إنه يتكلم على الفترة الزيانية من تاريخ مدينة تلمسان..بدأت في تقليب صفحاته حينما سمعت أحدهم يقول...
- أنت.....أيتها الآنسة..
التفتت إلى مصدر الصوت لكنها لم تجد أحدا...أطلت على صاحب المحل و قالت
- عمي أحمد...هل ناديتني؟؟
- لا ...لم أفعل...
نظرت من حولها..تأكدت أن لا أحد غيرها و صاحب المكتبة في المكان...و لكنها متيقنة أن أحدا ما ناداها..استغفرت الله من الشيطان..علها كانت تتوهم و عادت لقراءتها و هنا أيضا...سمعت نفس الصوت ينادي
- أيتها الفتاة.....أنت...
نظرت إلى يمينها..ليس هنالك إلا الجدار المكسو برفوف تزدحم عليها الكتب...لا..لم تكن تتوهم...بقيت تنظر في ذلك الاتجاه طويلا حتى تجلى لها شكل ما....و نفس الصوت ينادي عليها
- أيتها الفتاة....ألا تستطيعين رؤيتي......
شيئا فشيئا ظهر لها الشبح تماما...كاد الدم يتجمد في عروقها من شدة الخوف و لكنه زال حينما تعرفت على مناديها .
شبح مر على جانب ياسين و هو في المكتبة استرعى انتباهه بالكامل، كان يمشي دون إحداث صوت. ثم توقف على يساره و أخذ كتابا من أحد الرفوف. تمعن ياسين في صورته فتبين له وجه فتاة...أحس ياسين انه رأى هذا الوجه في مكان ما...بل و كأنه يعرف صاحبه....اقترب قليلا منها و أخذ ينظر إليها بينما لم تتحرك الفتاة من مكانها و لم تعره اهتماما و كأنها لا تراه..."آه...إنها هي...الفتاة التي رأيتها في ذلك الحلم الغريب...أنا متأكد أنها هي" علائم الدهشة التي اجتاحت وجه ياسين و تمتمته لم تحرك في الفتاة شيئا...
"علي أن أعرف من هي...ذلك لم يكن حلما...أنا اعرف انه لم يكن حلما...و هاته الفتاة...(و بدأ ينظر إليها بتمعن) ليست هنا؟؟"...نظر من حوله و كأنه يريد التأكد من أن قدرته على الرؤية لا تزال سليمة...عاد و نظر إليها...كانت تبدو كالطيف و لكنه بدا حقيقيا جدا...." سأكلمها...ربما .."..
استجمع قواه و قال بصوت خفيض
- آآ عذرا.....السلام عليكم....
لم تلتفت الفتاة إليه.." لم تسمعني....لا...."
- أنت...أيتها الآنسة...
تحركت الفتاة و لكن في اتجاه آخر تماما...بدا له و كأنها اختفت...عاد و بحث عنها بين الرفوف.." يا إلهي...ألم تسمعني...هاه...هاهي..."
- أنت....أيتها الفتاة...ألم...
هنا نظرت الآنسة في اتجاهه...و بدا كأنها لا تراه..أخذت تمعن النظر فيه و هو متيقن أنها تلك الفتاة التي رآها في ذلك الحلم..هذه المرة لا مجال للشك..و لكن لماذا تبدوا أنها شبح فقط...لماذا لا تبدو له في هيئة حقيقية...أليست من ذلك العالم..أما أنها من مكان آخر تماما.....تغيرت نظرة الفتاة الحائرة إلى نظرة اندهاش....لقد بدا أنها تعرفت عليه أو أنها استطاعت رؤيته...فقالت:
- أنت.....أنت الفتى......سيدة النافورة....
في تلك اللحظة أحس ياسين كمن يخرج من عالمه إلى عالم آخر...بدا له كل شيء في الظلام بينما بقي هو و تلك الفتاة وجها لوجه في مكان بين الأمكنة...أحس ياسين بالزمن يتوقف و بشبح الفتاة يتجلى أكثر و أكثر و يصبح حقيقيا..اختفى الكتاب الذي كان يمسك به و ذلك الذي كان في يدها كذلك.....فجأة تتغير الصورة تماما ليجدا نفسيهما في مرج واسع فسيح ينبض اخضرارا و تزينه الأزهار من كل الألوان..بدا تماما كالمكان الذي وجدا نفسيهما يعدوان فيه في ذلك الحلم....تكلمت الفتاة أولا في محاولة لفهم ما يجري:
- أنت...ألست الفتى في.....
- في القصر...أمام النافورة...
- أجل...النافورة...و هذا السهل الذي كنا.....
رغم تعرف كل منهما على الآخر إلا أن ذلك لم يوقف دهشتهما. كيف جاءا إلى هذا المكان؟.
to be continued
jang-mi
عند عودتها من زيارة بيت خالتها...مرت أسماء في طريقها على أحد المساجد القديمة و التي كانت تزين المدينة القديمة لتلمسان..كانت تحب المرور من هناك لتسمع تراتيل القرآن في ذلك المكان و تشم الروائح الزكية من العنبر الذي كان يعطره. غير أن الأصوات التي تسمعها و العبير الذي تشمه يأتيان من حقبة بعيدة في الماضي..فالمكان في عصرها كان قيد الترميم..تحيط به الصقالات من كل جانب. و في ذلك اليوم، لم يكن العمال في الموقع فاغتنمت الفرصة لتتسلل إلى الداخل..في صحن المسجد المهدم و الذي لم يبق منه إلا الأعمدة تتناثر حولها أدوات الترميم، كان المكان يصدح بالتراتيل. في هذا الركن...مجموعة من الأطفال تحفظ القرآن...بنما انتهى إليها صوت من بعيد...قرب بوابة قاعة الصلاة...درس في الفقه... في الجهة الأخرى حلقة في علم اللغة و فجأة...سكتت كل الأصوات و لم تعد أسماء تسمع شيئا...دارت في المكان..ربما هناك خطب و لكن لم يرتد إلى سمعها سوى الصمت...هذه أول مرة يحدث لها ذلك..."هل فقدت قدرتي على السمع؟؟" تقول ذلك في نفسها و الخوف يعتريها...لا...هي لم تفقد قدرتها..هاهي تسمع ما يدور من حديث في الحي بأكمله...يا ترى؟؟ لماذا توقفت أصوات الجامع ...و أين هي رائحة البخور التي لطالما استمتعت بها هنا.....البرودة تجتاح المكان فجأة....ثم...صوت طرق يصم الآذان يتناهى إلى سمعها بقوة فتصم إذنيها عنه . و لكن الطرق يستمر و كأن أحدهم يدق إسفينا كبيرا....لم يكن الصوت آتيا من مكان آخر بل و كأنه من داخل رأسها....تجول بنظرها حول المكان، لا أحد هنا....من أين يأتي هذا؟؟ تسرع إلى خارج الجامع و لكنه يظل يطاردها، لقد بدا قادما من داخل الجامع.....ما الذي يجري؟؟
تسرع مبتعدة عن هناك حتى تصل إلى إحدى المكتبات...تذكرت أن عليها المرور هناك فبل الرجوع إلى البيت..فقد وعدها صاحب المكتبة القديمة بأن يحضر لها كل الكتب الممكنة حول تاريخ مدينتها..لقد أرادت أن تدرسها لتفهم بعض الأسرار مما سمعته عندما تصلها أصوات الماضي....و اليوم هو موعده. كانت مكتبة قديمة تزخر بالكثير من الكتب القيمة و الأثرية..بعضها أصلي ،و كانت تحب الذهاب إلى هناك للقراءة أحيانا...تدخل عبر بابها الخشبي القديم...كل مرة تفعل ذلك تسمع أصوات العمال الذين صنعوه منذ زمن قديم..و كيف يثني الوالد النجار البارع على ولده في إتقانه الصنعة...
- السلام عليكم عمي أحمد
- و عليكم السلام يا بنيتي...
- هل أحضرت لي أمانتي...لا تقل لي أنك لم تجد شيئا...
- هاهاها....اصبري قليلا يا بنية...هناك...في آخر المحل ستجدين مرادك فاختاري منه ما تشائين....علي أن أرتب هذه الكتب في مكانها ...
- شكرا لك عمي.....سأرى ما يمكنني أن آخذه معي
- تفضلي ..تفضلي....
و تدخل المكان العبق برائحة الكتب القديمة...لطالما أحبتها و شعرت بنوع من راحة النفس....مرت على الرفوف الممتلئة كتبا و مجلدات....أخذت أحدها و أخذت تتصفحه. إنه يتكلم على الفترة الزيانية من تاريخ مدينة تلمسان..بدأت في تقليب صفحاته حينما سمعت أحدهم يقول...
- أنت.....أيتها الآنسة..
التفتت إلى مصدر الصوت لكنها لم تجد أحدا...أطلت على صاحب المحل و قالت
- عمي أحمد...هل ناديتني؟؟
- لا ...لم أفعل...
نظرت من حولها..تأكدت أن لا أحد غيرها و صاحب المكتبة في المكان...و لكنها متيقنة أن أحدا ما ناداها..استغفرت الله من الشيطان..علها كانت تتوهم و عادت لقراءتها و هنا أيضا...سمعت نفس الصوت ينادي
- أيتها الفتاة.....أنت...
نظرت إلى يمينها..ليس هنالك إلا الجدار المكسو برفوف تزدحم عليها الكتب...لا..لم تكن تتوهم...بقيت تنظر في ذلك الاتجاه طويلا حتى تجلى لها شكل ما....و نفس الصوت ينادي عليها
- أيتها الفتاة....ألا تستطيعين رؤيتي......
شيئا فشيئا ظهر لها الشبح تماما...كاد الدم يتجمد في عروقها من شدة الخوف و لكنه زال حينما تعرفت على مناديها .
شبح مر على جانب ياسين و هو في المكتبة استرعى انتباهه بالكامل، كان يمشي دون إحداث صوت. ثم توقف على يساره و أخذ كتابا من أحد الرفوف. تمعن ياسين في صورته فتبين له وجه فتاة...أحس ياسين انه رأى هذا الوجه في مكان ما...بل و كأنه يعرف صاحبه....اقترب قليلا منها و أخذ ينظر إليها بينما لم تتحرك الفتاة من مكانها و لم تعره اهتماما و كأنها لا تراه..."آه...إنها هي...الفتاة التي رأيتها في ذلك الحلم الغريب...أنا متأكد أنها هي" علائم الدهشة التي اجتاحت وجه ياسين و تمتمته لم تحرك في الفتاة شيئا...
"علي أن أعرف من هي...ذلك لم يكن حلما...أنا اعرف انه لم يكن حلما...و هاته الفتاة...(و بدأ ينظر إليها بتمعن) ليست هنا؟؟"...نظر من حوله و كأنه يريد التأكد من أن قدرته على الرؤية لا تزال سليمة...عاد و نظر إليها...كانت تبدو كالطيف و لكنه بدا حقيقيا جدا...." سأكلمها...ربما .."..
استجمع قواه و قال بصوت خفيض
- آآ عذرا.....السلام عليكم....
لم تلتفت الفتاة إليه.." لم تسمعني....لا...."
- أنت...أيتها الآنسة...
تحركت الفتاة و لكن في اتجاه آخر تماما...بدا له و كأنها اختفت...عاد و بحث عنها بين الرفوف.." يا إلهي...ألم تسمعني...هاه...هاهي..."
- أنت....أيتها الفتاة...ألم...
هنا نظرت الآنسة في اتجاهه...و بدا كأنها لا تراه..أخذت تمعن النظر فيه و هو متيقن أنها تلك الفتاة التي رآها في ذلك الحلم..هذه المرة لا مجال للشك..و لكن لماذا تبدوا أنها شبح فقط...لماذا لا تبدو له في هيئة حقيقية...أليست من ذلك العالم..أما أنها من مكان آخر تماما.....تغيرت نظرة الفتاة الحائرة إلى نظرة اندهاش....لقد بدا أنها تعرفت عليه أو أنها استطاعت رؤيته...فقالت:
- أنت.....أنت الفتى......سيدة النافورة....
في تلك اللحظة أحس ياسين كمن يخرج من عالمه إلى عالم آخر...بدا له كل شيء في الظلام بينما بقي هو و تلك الفتاة وجها لوجه في مكان بين الأمكنة...أحس ياسين بالزمن يتوقف و بشبح الفتاة يتجلى أكثر و أكثر و يصبح حقيقيا..اختفى الكتاب الذي كان يمسك به و ذلك الذي كان في يدها كذلك.....فجأة تتغير الصورة تماما ليجدا نفسيهما في مرج واسع فسيح ينبض اخضرارا و تزينه الأزهار من كل الألوان..بدا تماما كالمكان الذي وجدا نفسيهما يعدوان فيه في ذلك الحلم....تكلمت الفتاة أولا في محاولة لفهم ما يجري:
- أنت...ألست الفتى في.....
- في القصر...أمام النافورة...
- أجل...النافورة...و هذا السهل الذي كنا.....
رغم تعرف كل منهما على الآخر إلا أن ذلك لم يوقف دهشتهما. كيف جاءا إلى هذا المكان؟.
to be continued
jang-mi
أحلام سرمدية
2010-08-22, 23:16
يا الهي ما اروع قصتك اختاه
اكملي من فضلك
قاعة العرش، فسيحة ببلاطها الرخامي الأخضر الجميل و بأعمدتها المزينة بالنقوش و الآيات القرآنية. جدرانها مكسوة بالزليج ، تعلوها نوافذ كبيرة مصنوعة من الزجاج الملون و إليها وقفت أجمل الزهريات الفخارية و النحاسية و الشماعات الفضية المزخرفة. في صدرها وقف كرسي العرش المصنوع من النحاس ذو القبة و المبطن بالمخمل الأزرق المطرز بخيوط الذهب بينما انساب تحته و على طول القاعة بساط من الحرير. و في وسطها، نصبت طاولة كبيرة تحمل مجسما لخريطة المملكة و إليها وقف الملك في قفطانه المخملي و جزمته الجلدية. حزام جلدي عريض مرصع بقطع فضية يمسك وسطه و خنجر ذو قبضة عاجية و غمد نحاسي يزينه. كان يضع عمامة بيضاء تتوسطها ياقوته كبيرة. و لكن ذلك المنظر يختفي تحت نظراته القلقة و هو ينظر إلى الخريطة بينما علا الوجوم وجوه الوزراء و القادة المتحلقين حوله. فجأة يفتح الحاجب الباب على أحد أمراء العسكر...بخطوات سريعة يقترب من مكان الملك و يقول:
- السلام على مولاي الملك و رحمة الله...
- و عليكم السلام..أهلا بك يا نعمان، أراك عدت من مهمتك عساك بخير؟؟
- الحمد لله
- بما أتيتنا من مهمتك يا نعمان؟؟
- إن ملوك الممالك الشرقية يقرؤون مولاي السلام و قد بعثوا بموفد عنهم و هو يستأذن في الدخول عليك
- فليدخل
فتح باب القاعة على رجل قد لبس رداءا من القطن المطرز و على وسطه حزام عريض. كان يلبس جزمة برأس معقوف و يضع على رأسه الذي انسدل منه شعر ناعم قبعة مطرزة. و لما وقف بين يدي الملك قال:
- السلام عل الملك خير العابدين..ملك المملكة البيضاء المحروسة.
- و عليكم السلام أيها الرسول....
- لقد أوفدني سبع ملوك للممالك الشرقية برسالة إلى حضرتكم...فأذن لي بتلاوتها
- لك ذلك...أسمعنا
و بدأ الرسول في قراءة الرسالة و التي تطلب العون من المملكة البيضاء للتصدي لأحد الأمراض الغريبة و التي بدأت تفتك ببعض المناطق و سماها بنوع من الهذيان ينتهي بالنسيان التام.
بدا الملك مستغرقا في تفكيره عندما أنهى الرسول رسالته فقال:
- سنرى في ذلك.... لقد كانت رحلتك طويلة و لابد أنك متعب، لابد أن تأخذ قسطا من الراحة ( ثم يلتفت إلى أحد وزراءه قائلا) أكرموا ضيفنا و اهتموا به....سندعوك بين أيدينا لا حقا و نحملك برسالة إلى ملوكك....
- أشكر كرم سيدي
ما إن خرج الرسول من القاعة حتى عاد الملك إلى وجومه و تفكيره المضني و هو يحدق في الخريطة التي أمامه و فجأة رفع رأسه كمن نسي أمرا مهما وقال:
- استدعوا رئيس الأطباء...حالا..
- أمرك يا مولاي.
فاقترب منه وزيره و قال في صوت قلق:
- يا مولاي...قد لا تكون الحوادث التي وقعت في مملكتنا و تلك التي حدثت في الممالك الشرقية سيان...كيف يعقل أن تكون جهة واحدة مسؤولة عنها و بيننا ذلك البون الشاسع....أنا..
- و كيف تفسر اختفاء كل تلك الأشياء... و هذه الحالة الغريبة التي تجتاحنا.....ما الضير في أن نتأكد من ذلك بأنفسنا...
- أخاف يا مولاي أن يصاب الناس بالهلع و يعم الاضطراب المملكة....لو أنهم أحسوا بخطر...
- لا تقلق...أعرف ما علي فعله...
و هنا يدخل رئيس الأطباء عليه فيسلم و يعتدل في وقفته
- السلام على مولاي الملك و رحمة الله....
- و عليك السلام ....يا رئيس الأطباء...لقد تناهى إلي خبر شيوع مرض غريب في الممالك المجاورة و أرغب في حماية شعب مملكتي منه...فأمر كل مشافي المملكة و أطبائها أن يفحصوا الناس عبر كامل أرجائها فردا فردا ...و لترفع لي بتقريرك عنه...فلا أريد أن تنتشر العدوى بيننا من التجار أو ممن يقصد مملكتنا...
- و ما نوع هذا المرض يا سيدي...فلم يأتنا خبر به من أي من مشافينا؟؟
- يقال أنه مرض يصيب الرأس فهو كالهذيان أو ما شابه...أريدك أن تبدأ الإجراءات حالا
- أمر مولاي الملك....سأذيع الخبر لكل طبيب مسجل لدينا....
- و لتحرص ألا يجزع الناس أو يضطربوا...قل لهم انه فحص ليقيهم المرض بعدما انتشر في ممالك مجاورة....و لتتأكد من عدم وجود أي عدوى كانت.....فتصفوا الدواء و لتمنحوه لكل مريض من خزائننا...
- أمر مولاي.
و بينما كان الطبيب يطلب الإذن بالخروج..يدخل الأمير رستم على والده و في محياه بريق غريب
- السلام على مولاي الملك و من معه..
- و عليكم السلام يا بني...خيرا...
فيتوقف الشاب قليلا...و ينظر حوله ثم يقول بصوت خفيض..
- فليسمح لي مولاي بكلمة على انفراد...
يفهم الملك القصد من وراء ذلك فيأمر بإيماءة كل الحاضرين هناك أن انصرفوا...يخرج الجمع و يبقى هو و ولده وجها لوجه، فيبادره بالقول:
- هاه...هل من خبر....أين شقيقتك....أخبرني؟؟
- لقد وصل اثنان و هما الآن بصحبة القائد بهي الدين....سيأتي بهما إلى القصر الصغير...أما الثالث..فقد ذهبت ريحانة بنفسها و أحضرته.
- ماذا تقول...ذهبت بنفسها...إلى هناك؟؟ كيف...ألم تصب بمكروه؟؟
- الحمد لله هي بخير....لقد قالت أنها لم تتمكن من استدعاءه كما فعلت مع الآخرين...فتوجب عليها الذهاب إليه..فهو ليس كأصحابه...
- الحمد لله...و أين هي الآن؟؟
- هي بصحبته في القصر الصغير....ماذا سنفعل الآن؟؟
يطرق الوالد قليلا ...ثم يقول:
- اذهب أنت الآن و تأكد من أنهم بخير.....أكرموهم و كونوا لهم خير جليس...سأمر عليكم ليلا بعد صلاة العشاء...لا ينبغي لأي أحد أن يعرف بالأمر حتى نتبينه...
- أمرك يا أبي...
to be continued
jang-mi
كان ياسين و أسماء لا يزالان في المرج الواسع و الدهشة تعقد لسانيهما حينما تفطنا إلى المكان الذي يتواجدان فيه:
- أين نحن الآن...و كيف وصلنا إلى هنا....أنا لا أفهم شيئا..قالت أسماء ذلك و الدموع تخنقها..لقد كانت خائفة جدا...
- حتى انا لا أعرف ما يجري....لقد خيل إلي أني سأصاب بالجنون....أظن أن هذا هو الجنون بعينه....يا الله...
فجأة ينظر كلاهما باتجاه تلة على بعد منهما.....فتقول أسماء و هي ترتعش خوفا:
- أحدهم قادم...لا خيول...أصوات خيول...
- معك حق....
و هناك...مجموعة من الخيالة تعلو التلة و تعدو باتجاههما.... لم يستطع الفتيان أن يحركا ساكنا فتقول أسماء:
- ماذا سنفعل الآن ؟؟......أين نذهب ربما يريدون بنا شرا...
- علينا أن نبقى في أماكننا فهم قد أبصرونا....و كأنهم يعرفون أنهم سيجدوننا هنا....لا تقلقي...سنرى ما يحدث أو ربما ...نعود لعالمنا...
أبصر ياسين على العلم الذي كانوا يحملونه. سيفان متقاطعان يتوسطهما هلال كتب بخط عربي جميل المملكة البيضاء..أخذ ياسين يتمتم و كأنه يريد أن يتذكر شيئا:" المملكة البيضاء....المملكة البيضاء..."
- ماذا تقول...المملكة البيضاء.....أليست تلك الجملة التي رددتها تلك السيدة على النافورة....
- بلى...الآن تذكرت........أنت أيضا كنت هناك....لم يكن حلما البتة...
- أجل...لم يكن حلما....ولكن .....ماذا سنفعل الآن..ثم تصمت أسماء فجأة محاولة إخفاء شيء ما، لقد سمعت قائد تلك المجموعة يكلم أحد جنوده " لا تخيفوهما....إنهما أجنبيان عن مملكتنا. و هما ضيفا أميرتنا." فتقول في نفسها.." يا إلهي...ما الذي يريدونه منا...."
يصل الخيالة إلى مكان تواجد الفتيين، فيترجل أحدهم عن حصانه، كان يبدوا شابا في مقتبل العمر و لكن هيئته تنم عن القوة الجسدية العظيمة. فقد كان طويلا و شديدا، كان لباسه مختلفا عن بقية الخيالة..فبينما تشابهت بزاتهم كان لباسه تماما مثل الفرسان العرب القدماء و لكنه أجمل مما اعتاد ياسين و أسماء مشاهدته على شاشة التلفاز...فيقول ياسين في نفسه " يا إلهي...و كأنني وسط مسلسل درامي..." تبتسم أسماء لفكرة ياسين و تجيبه " بل قل أننا في برنامج وثائقي...أو كتاب تاريخ"..نظر ياسين باستغراب إليها،كيف عرفت ما يدور في رأسه؟ و لكن استغرابه انقشع سريعا و ذلك الفارس يقترب منهما و يحييهما:
- السلام عليكم و رحمة الله.....مرحبا بضيوف مملكتنا بيننا..
- و...وعليكم السلام....أشكرك..و.. و لكن أظن أننا أضعنا الطريق....ما كان ينبغي أن نكون هنا....
- لا بأس عليكما...لقد أمرتني مولاتي الأميرة ريحانة بأن أرحب بكما و أن أصحبكما إلى قصرها فهي بانتظاركما....
تبادل ياسين و ريحانة نظرات الدهشة....كيف للأميرة أن تعرف بوجودهما و تبعث من يرحب بهما...فيحاول ياسين الاستفسار مجددا:
- لا أظن أننا المقصودان بالترحيب..فنحن...
فقاطعه الفارس في كثير من اللباقة:
- يا سيد ياسين....أؤكد أنكما المدعوان إلى مملكتنا....و لقد أمرت باصطحابكما...تفضلا..لقد جهزنا حصانيكما.
- ماذا؟؟
ينعقد لسان ياسين من الدهشة بينما تحاول أسماء أن تفهم ما يدور فما تجد لذلك سبيلا...
- هههه....أنا لم أركب حصانا في حياتي.....لا أظن أني أستطيع...فأنا أخاف السقوط...
- لا تقلقي يا آنستي.....دعيني أساعدك..
و بحركة واحدة يرفع الفارس الفتاة النحيلة و يضعها على السرج. كانت أسنانها تصطك من شدة الخوف و لكنه شعور تلاشى تماما...كانت معتدلة في جلستها و تمسك اللجام بيديها و كأنها الفارسة المتمرسة و هي التي لم تر حصانا على مقربة منها قط. تنظر ناحية ياسين الذي ارتسمت على وجهه علائم الاستغراب مخلوطة بالسعادة..هاهو على حصانه يقوده و كأنه لم يفعل شيئا في حياته غير ذاك...كان شعورا رائعا لم يحلم به أبدا. و انطلق الجمع في اتجاه التلة..كان ياسين يسير جنبا إلى جنب مع أسماء تماما مثلما حدث لهما في حلمهما و اعتليا الربوة لتظهر لهم مدينة عظيمة تزينها الحدائق و صوامع الجوامع و قبابها...و قباب القصور و المنازل الجميلة في بريق متلألئ
- يا الله......ما أجمل هذا المنظر و هذه المدينة....و كأنني في حكاية خرافية....
- معك حق....لم احلم البتة بشيء كهذا...سبحان الله.
- تلك عاصمة مملكتنا المحروسة....مدينة البيضاء البهية...أهلا بكم ضيوفا كرام.
to be continued
jang-mi
خطوات رزينة و ثابتة تعبر ممرات الشركة عصر ذلك اليوم. يصل إلى المصعد حيث يضع أصابعه على القفل الأحمر. ينزل به إلى ما تحت الأرض و هناك تغيب أصوات خطواته وسط السراديب و الدهاليز يمر على أبواب و يدخل في ممرات تبدوا أنها لا تنتهي. ثم يتوقف عند احد الأبواب. يضع يده عل لوحه تقوم بمسح ضوئي ليفتح على قاعة فسيحة يتوسطها مكتب كبير و طاولة تحفها الكراسي. يتوجه إلى المكتب و يجلس هناك. يقوم بتمرير أصابعه على ملامس لوح كتابة ضوئي فتظهر له صورة أحدهم.
- ما الأمر...لماذا لم تحضروا البضاعة...ألا تعلم أننا تلقينا الإذن بذلك منذ الصباح...
- أعلم يا سيدي و لكني فقدت قناة العبور..لا أعرف كيف حصل الأمر و لكنها قطعت علينا عندما دخل اثنان من عناصرنا...و أظن أنهما تائهان الآن في اللازمان....أعتذر يا سيدي....سأحاول من جديد..
- و لماذا لم تستخدموا القنوات الفرعية، ألم أبعث بتسلسلاتها صباحا؟ ألم أقل الا تضيعوا الوقت لأن القنوات سريعة التلاشي في ذلك البعد؟؟....ماذا كنتم تفعلون أيها الحمقى..؟
- نحن آسفون...و لكن طرأ تغيير مفاجئ في التسلسل قطع القنوات فجأة، حتى الإضافية منها و ...
- لا يهمني ما تفعل..أريد تلك القطعة بأي ثمن، عاود الكرة و إياك أن تخطئ هذه المرة لأني سأضعك بنفسي في قنوات الضياع..هل تفهم.
- حاضر سيدي.
و تغيب الصورة لتظهر مكانها صورة أخرى و ووجه آخر
- ما الجديد؟
- لقد تمت المهمة بنجاح..لقد تم نقل الصرح بأكمله و دون أي خطأ...و هاهي الصور التي طلبتها
( وتمر مجموعة من صور تتضمن بناءا كبيرا بأعمدة ضخمة و نقوش لكتابة قديمة موضوعة في ما بدا أنه قاعة ضخمة)
- جيد...لقد أحسنت عملا..الآن عليك أن تتم عملية تغيير النقوش و تعديلها كما أشرت عليك و من ثم سلمه إلى الجهة المسؤولة عن الصروح الأثرية الكبرى....آه..ماذا عن سلاسل الذاكرة الخاصة به؟؟
- لقد تمت معالجتها و إرفاقها بالمعلم مثل العادة و دون خطأ...
- هذا جميل ( و ارتسمت ابتسامة ماكرة على محياه)...الآن لدينا هذه القطعة الفنية الجميلة التي صنعها عباقرة أسلافنا العظام...لا أحد سيجرؤ على تزوير .ههه... تاريخنا....
و استغرق في قهقهة غريبة....ما لبث أن قطعها عندما ظهر على شاشته وجه آخر. فيقوم في وقفة احترام قائلا:
- تحياتي لسيدي المحترم...أنا تحت أمرك.
- شكرا لك...أنت تقوم بعمل جيد أيها العميل سراب...لقد أحسنت...مجلس الكبار يريد تهنئتك بالعمل الجبار الذي تقوم به...عليك القدوم إلينا في أقرب فرصة..فهناك ما يجب تدارسه و إياك.
- أنا على أتم الاستعداد يا سيدي..فقط أعطني إشارتك...إن كياني كله في خدمة مجلس الكبار و قضيتنا و حقنا...لن أتوانى لحظة في الدفاع عنها.
- أعلم ذلك ...و لهذا..عليك القدوم..فهناك تدابير جديدة علينا اتخاذها و لابد أن تحضر اجتماع الكبار....
- حاضر
و انقشعت الصورة لتترك الشاب وحيدا تلمع من عينيه نظرة غريبة. يخرج من غرفته السرية ليعود إلى السطح، حيث العالم العادي.
في مكتبه المريح، كان سامي يعاين بعض الأوراق حينما سمع دقات خفيفة على الباب:
- تفضل
تطل أمينة المكتب برأسها ثم تدخل بخطوات خجلة
- أه.... أنت هنا؟....و لكن وقت الدوام قد انتهى لماذا لم تذهبي...
- الحقيقة أن زوجي هنا و يريد مقابلتك إن لم يكن لديك مانع....
- حقا؟؟ دعيه يدخل....
تغيب السيدة لحظات لتعود و معها زوجها:
- مرحبا بك سيد محمود.... سررت بلقائك، تفضل.
- شكرا جزيلا لك سيد سامي.... الحقيقة يعجز لساني عن توفيتك حقك من العرفان...لا أدري ما أقول...
- معاذ الله...ما هذا يا رجل، لم نفعل شيئا... الحمد لله أن الأمور سارت على ما يرام.
- الحمد لله... و لكن يا سيد سامي، الواجب يتطلب منا أن نكون شاكرين لله و لذوي الفضل، و لهذا أدعوك للعشاء في بيتنا يوم غد و أرجو ألا تردني خائبا.
طأطأ سامي رأسه خجلا ثم قال:
- لا أدري ما أقول، لقد أخجلتني....و لا يجوز لي أن أرد دعوتك عرفانا مني للمجهود الذي تبذله حرمك في تسهيل عملي...
- بالعكس، لقد أسديت لي صنيعا لن أنساه ما حييت، و لقد حدثت زوجي عن ولعك بالتحف الأثرية، و لكم يسعدني أن تطلع على مجموعة تحف عائلتنا النادرة...إنها الشئ الوحيد الذي لم نفرط فيه رغم الضائقة التي ألمت بنا
فالتمعت عينا سامي ببريق غريب، ثم قال:
- لقد أصبت يا سيدتي نقطة ضعفي...ههههههه ..فأنا لا أقاوم دعوة كهذه، فما بالك إن كانت مصحوبة بعشاء،ههههههه
- لهذا عليك تلبية الدعوة يا سيدي.
- حسنا، من دواعي سروري الحضور، و يطيب لي تناول بعض الأطعمة البيتية، فقد اشتقت لذلك كثيرا.
- أنت مرحب بك في كل وقت، لكم يطيب لنا أن تكون بيننا.
و انصرف الزوجان سعيدان بتلبية المدير لدعوتهما، فهي فرصة لا تعوض لربط بعض أواصر الصداقة المفيدة. بينما اتكأ سامي على كرسيه و ابتسامة غريبة تعلو وجهه قائلا في نفسه" جميل....سنرى ما يمكننا أخذه معنا كهدية..."
to be continued
jang-mi
وصل الخيالة و معهم ياسين و أسماء إلى أحد القصور غير بعيد من المدينة. بهر الشابان بروعته و جماله الأخاذ ، بين حدائقه الفيحاء و بين أجنحته المختلفة ذات اللون الأبيض و القرميد الأخضر. ابتسم القائد بهي الدين و هو يرى الانبهار على محياهما فقال:
- أهلا بكما في القصر الصغير.....هذا قصر أميرتنا ريحانة، رعاها الله من كل سوء....تفضلوا..تفضلوا.
لم يجب الشابان بل انشغلا في التعجب مما يدور حولهما....فجأة توقفا أمام مدخل القصر الأنيق. أعمدة رخامية تحمل قبة من القرميد الأخضر و يتصدرها باب من خشب الصنوبر يزخر بنقوش رائعة مطعمة بالصدف
- أرجو أن تتفضلا فالأميرة ريحانة و الأمير رستم في انتظاركما..
دخل ياسين و أسماء إلى البهو الرخامي ذو النوافذ العالية و الجدران المكسوة بالزليج. هناك و في وسط البهو نافورة رخامية جميلة يتدفق منها الماء كخيوط الفضة و تتناثر على سطحه بتلات الفل و الياسمين فيعبق المكان برائحة زكية بينما بثت الزرابي من حولها ووضعت عليها الفرش الحريرية و الوسائد المخملية، فما خال الفتيان نفسيهما إلا في حلم أو قصة خرافية من ألف ليلة و ليلة و هناك. سيدة جلست على أريكة جميلة، تلبس قفطانا مخمليا جميلا و تضع على رأسها عصابة حريرية بينما تظهر ظفيرتان من شعر أسود كالليل و غير بعيد منها و على أريكة أخرى جلس شاب لبس ثوبا من القطن الخفيف و تمنطق بحزام عريض تزينه التخريمات بينما كانت صدريته من المخمل مزينة بالخيوط الذهبية و توسط حزامه خنجر من ذو قبضة نحاسية مطعمة بالأحجار الكريمة. و قد وضع على رأسه عمامة بينما انسدل شعره على جانبي وجهه. و ما كان يلفت النظر هو التشابه الكبير بينه و بين السيدة الأخرى...نفس النظرات الضاحكة و الابتسامة اللطيفة. فجأة حضرت صورة سيدة الحلم إلى ذهن ياسين الذي قال:
- أليست تلك سيدة النافورة التي.....التي....
- معك حق...قالت الآنسة الأنيقة...أنا السيدة التي زارتكما في حلميكما ذلك اليوم...تفضلا..تفضلا..
فقام خادمان بتوجيه الشابين إلى المجلس الذي أعد لهما، و كليهما في حيرة من أمره، لكنها حيرة لم تخفي غبطة و سعادة بما يلاقيانه من رحابة و معاملة ملكية ما لبث أن قطعها عليهما الشاب الجالس قبالتهما:
- مدينة البيضاء المحروسة و مملكتها ترحب بكما ..أنا الأمير رستم بن خير العابدين من الأسرة الحاكمة..وهذه شقيقتي ريحانة...نرحب بكما ضيفين عزيزين مكرمين
- الشكر لك و للأميرة على هذه الضيافة و لكن...لسنا نفهم بعد ما يجري..أعني..كيف أتينا إلى هنا و ما الداعي إلى ذلك...
- ستعرفان كل شيء في حينه...و لكن..اسمحوا لي باستدعاء صاحبكما..و من ثم نتحدث عن كل ما تريدانه.
و في غمرة الحيرة التي اجتاحت الشابين، أعطت الأميرة إشارة خفيفة فخرج احد الخدم من باب جانبي ليعود بعد حين و معه شاب آخر. تبين من ملامحه و نظراته الدهشة أنه هو الآخر ليس من ذلك العالم. أخذه الخادم إلى مجلسه ثم أُمِرَ الجميع بالانصراف. فبادرت الأميرة ريحانة بالقول:
- أعرف أنكم مندهشون من وجودكم هنا و تودون معرفة السبب الذي جاء بكم..أعرف أن كل واحد فيكم يرزح تحت ثقل سر ينهكه و لكنه لا يقوى على البوح به...هذه الأسرار هي التي أتت بكم إلينا ففيها يكمن مربط الحل لمعضلتنا.
تبادل الثلاثة نظرات التعجب بينما أردف الأمير قائلا مخاطبا ياسين:
- قل يا ياسين...ما الذي جعلك تدرس عن زرقاء اليمامة....و ما الذي قض مضجعك في الآونة الأخيرة..
دهش ياسين مما يسمعه...هذا الفتى يعرف عما أصابه و قبل أن يتمكن من الإجابة خاطب الأمير أسماء:
- و أنت أيتها الآنسة....ما الذي حدث و أنت تزورين المسجد الصغير...ما الذي جعل المصلين يكفون عن الذهاب إلى هناك....و أنت يا رياض...أين ذهب المدفع في رأيك؟؟ أعرف أنكم مندهشون لسماع هذا و لكن و قبل كل شيء عليكم أن تعرفوا أن مملكتنا المحروسة تتعرض لهجوم غريب لا نعرف كيف و متى و أين يحدث..إن مملكتنا تختفي ببطء و سكانها يتلاشون و المشكل أننا لا نعرف من وراء ذلك و كيف يتم ذلك إلى غاية اليوم الذي رأيتكما فيه ( و كان ينظر إلى ياسين و أسماء قاصدا إياهما بالكلام)
- نحن؟؟؟...كيف؟؟
- أخبرني يا ياسين عن سرك أولا...
بعد تردد قصير قال ياسين بصوت هادئ:
- لقد ظننت أني قد جننت أو أصابني شيء خطير...فمنذ أن وقفت عند أطلال قبر الكاهنة أصبحت غير ذلك الفتى الذي كنت عليه قبلا...أصبحت أرى على مسافات بعيدة..أبعد مما يرى أي ممن كانوا حولي، عل الأقل، و كنت أعاني من كتمان هذا الأمر خشية أن يهزأ بي الناس..تعودت على وضعي رغم مشقة الأمر. و لكن منذ مدة حدث شيء غريب...فقدت قدرتي على قراءة الكتب التاريخية..لقد صرت أرى السطور تمحى أمامي..أو أن الصفحات بيضاء و كأن شيئا لم يكتب فيها...و عندما تحريت عن الأمر وجدت نفسي لا أسمع الفصول التي تقرأ..كنت أرى الشفاه تتحرك و لكني لا اسمع شيئا و كأني أصم حتى جئت إلى هنا و لا زلت لا أعرف ما جرى لي...
- لا عليك....هذه النعمة التي أنعم الله عليك لهي مفتاح كثير من الألغاز التي تحوم حول مملكتنا المحروسة...و أنت يا رياض..
- أنا؟؟ الحقيقة أني...لا أعرف كيف اشرح الأمر...و دون الخوض في كيف جرى لي ذلك أو أين ...أنا..أدرك أبعاد الزمان و المكان و يمكنني التحرك بينهما متى ما توافقت الأبعاد ...كنت أرى في الأمر متعة حيث أني أحس بتملكي لهما...ولكن منذ مدة...أنا أيضا حدث لي شيء غريب...فالأشياء التي لها قيمة أثرية و تاريخية كبيرة في عصري تطلق إشعاعا براقا جميلا..غير أن بعض هذه الأشياء أخذت تفقد بريقها قبل أن تختفي فيما يشبه نفقا زمنيا مظلما لا أعرف ماهيته و لا أستطيع تحديد أبعاده..و المشكل الأكبر أنها تختفي على مرأى الجميع و لا أحد يلحظ الأمر..بل و كأن الناس يعانون من فقدان الذاكرة فلا يعرفون متى و أين شاهدوا فيها تلك الأشياء آخر مرة...أو أنهم يجهلون وجودها تماما...
- هذا صحيح..إنها نفس الأعراض التي تصيب سكان المملكة البيضاء في الآونة الأخيرة..و أنت يا آنسة أسماء...ماذا عنك
تنهدت الفتاة بعمق قبل أن تقول:
- أرى أن لثلاثتنا ميزات خاصة حباهم الله بها كانوا يرزحون تحت ثقلها في عالمهم و هاهي الآن تظهر سبب امتلاكنا لها في عالمكم...أنا..حباني الله بملكة السمع..أسمع أي شيء و كل شيء..حتى كلام المرء مع نفسه ( ثم استدارت لياسين قائلة في ابتسامة خفيفة) هذا جواب ما كنت تتساءل فيه قبل قليل...و لا أسمع مجرد الأصوات التي تصدر في عالمي..بل أيضا أسمع أصوات الماضي..فعندما أمر على معلم أثري أو مكان شهد أمرا ما في الماضي..تتناهى إلى أصوات الذين عاشوا في ذلك الزمن...أصوات الخيول و السيوف و هي تصطك في المعارك..أصوت الصلوات و التراتيل في الجوامع القديمة..و اليوم..و أنا أزور المسجد الصغير الذي كان قيد الترميم في عصري..كانت التراتيل تصدح منه..و فجأة صمت كل شيء و بدأت أصوات المطارق تدق من كل جانب...كان شيء يحدث و لم أفهم كنهه حتى وجدت نفسي هاهنا..
- أتعلمين ما حدث للجامع الصغير...أفقنا اليوم لنجد المحراب الرخامي قد انتزع من مكانه انتزاعا....و قد هدم جداره الشرقي تماما، و لكننا لم نجد أي أثر للجر أو التحريك..و كأنه تبخر في الهواء
فقال رياض في كثير من الحماسة و الدهشة:
- إذن..ما يحدث في عالمنا سببه الأحداث الغريبة التي تضرب المملكة البيضاء؟؟..ألهذا أرى دوما اختلال الزمان في ذهني و لا أعرف له سببا؟؟...
فقالت الأميرة ريحانة في هدوء حزين:
- المملكة البيضاء هي سيدة الأزمان ففيها تتجمع عوالم الماضي كلها لتعطي حاضركم وجوده و استقراره..به..تتمكنون أنتم من بناء مستقبلكم و المضي فيه بخطى واثقة. لكن مملكتنا تتعرض لهجوم غريب لا نعرف له مكمنا..و لا سببا و لا سبيلا..أحدهم يحاول تجريد مملكتنا من كنوزها...و بهذا تفقدون أنتم ركيزة وجودكم. تصبحون كالتائهين وسط سراديب الزمان المظلمة..و لا أعرف ما الذي سيحدث لكم إن اختفت تلك السلاسل التي تربطنا و إياكم.
ثم أردف الأمير رستم:
- و المشكل أن العديد من الممالك تتعرض لنفس الشيء و في نفس الوقت و بنفس الطريقة...و الأدهى و الأمر أن الناس هنا لا يعرفون ما يصيبهم فتجد بعضهم هائما لا يدري لنفسه سبيلا....
- و لكن ( يتساءل ياسين)....كيف استدعيتمونا إلى هنا...أعني هذا الترابط بين ما يجري في عالمنا و هنا في المملكة البيضاء..كيف عرفتم عنا؟؟
ابتسم الأميران ثم قال رستم:
- كان ينبغي أن نتطرق لهذا أولا...حسنا...لقد حباني الله بملكة استشعار الخطر، فأعرف أن أمرا جللا يحدث،و استشعر مكانه ووقت حدوثه. و إذ انه أنيط إلى حفظ كنوز المملكة من الضياع كنت الأمين على حفاظ مملكتنا على ركائزها. و مع بداية الأحداث الغريبة، لم يكن باستطاعتي معرفة ما يحصل رغم المقدرة التي وهبنيها الله تعالى. حتى جاء اليوم الذي كنت فيه أعبر البوابة الغربية للقصر الأزرق و هناك عبرت الزمن إلى زمانكم. فرأيت ما كنت تراه أنت يا ياسين و سمعت ما كنت تسمعينه يا آنسة أسماء. فعرفت أن ما يحدث لمملكتنا من أمور غريبة يؤثر على عالمكم و أنكما كنتما قادرين على تمييز الغريب من الحوادث قبل وقعها هنا حتى و إن لم تفهما ما كان يجري بالضبط. و لكن ملكتيكما تساعدانكما على تحديد الخلل...و في كل مرة تحدث حادثة غريبة هنا..كنتم أسبق إلى التوصل إليها من خلال العلامات الغريبة التي كانت تظهر لكما..
- أما أنت يا رياض( تقول الأميرة ريحانة) فقد كان ذهني و ذهنك مترابطين فكنت أهتدي إلى الأماكن التي تخربت من خلال الصور التي تطبع على ذهنك و تلك الهالات السوداء التي كنت تراها..و عندما حدثني أخي عما رأى و سمع. حاولت ربط ذهني بياسين و أسماء. فولجت إليهما بكل سهولة من خلال قنوات الصفاء في عقليهما. عرفت أنهما كذاك من ذوي الملكات الخاصة. غير أن قدرتي و أخي على التواصل معكم على الدوام أخذت تضعف في كل مرة تتعرض فيه مملكتنا للخراب أو لسرقة شيء منها...و أن مقومات مملكتنا آيلة إلى الاختفاء فما كان بد إلا استدعاؤكم...كان أمرا هينا مع ياسين و أسماء بما أن قنوات الصفاء في ذهنيهما لم تتعرض للتشويش..غير أن رياض حالة مختلفة. فذهنه و قناة الصفاء لديه مرتبطة بالمعالم الزمنية. و أي خلل فيها تضعف من تواتر الصفاء لديه. فما كان لي بد إلا أن أحضره بنفسي. و لولا أن المعالم قد توافقت حينها لما تمكنت من الولوج إلى عالمك...و عدم يقينك زاد من الأمر سوءا إذ كدت أفقد باب الرجوع..و لظللت عالقة بين الزمنين إلى الأبد....ثم نظرت إلى الساعة الرملية الموضوعة على إحدى الموائد النحاسية الجميلة فقالت:
- أرجو أن تكونوا قد فهمتم و لو قليلا سبب تواجدكم هنا...دعونا الآن نتم حق ضيافتكم فالعشاء جاهز..و بعد صلاة العشاء سيلحق بنا و الدي ملك المملكة البيضاء فيكون لنا حوار آخر بإذن الله
قام الجمع من مجلسهم، فأخذت ريحانة أسماء و إياها إلى جناحها بينما ذهب الشابان رفقة الأمير رستم إلى جناحه.
to be continued
jang-mi
بعد المأدبة الملكية التي أقيمت على شرف الفتية، أخذ الأمير رستم و الأميرة ريحانة ضيوفهما إلى القاعة الزمردية أين أعد لهم مجلسا. و بينما هم في حديثهم فتح أحد الخدم الباب قائلا:
- مولاي الملك خير العابدين.
فقام الأميران من فورهما للترحيب بوالدهما، فما إن رأياه حتى هرعا يقبلان يديه و هو يبتسم و يقول:
- بارك الله فيكما
بينما بقي الشبان الآخرون واقفين في أماكنهم و كل منهم يردد في ذهنه " الملك....أنا...في حضرة الملك.." حتى فاجأهم هذا الأخير بالقول:
- مرحبا بضيوف مملكتنا...عسى أن يكون ولداي قد أحسنا ضيافتكما..تفضلوا استريحوا.
واتخذ لنفسه مكانا بين الأميرين و بعد لحظات سادها الصمت المربك قال الملك:
- أعلم أنكم في أشد الحيرة عما أتى بكم إلى هنا...بل حتى أنه يخيل لكم انه حلم....و لكنها الحقيقة...لقد تم استدعاؤكم إلى مملكتنا لسبب وجيه، و أحسب أن الأميرين قد أطلعاكم عن بعض منه
- هذا صحيح ( يقول رياض)...على الأقل نفهم الآن سر الترابط بيم عالمنا و عالمكم...
- هذا جزء مما ينبغي أن تعرفوه..و لكن يوجد غير ذلك عليكم معرفته لتتوضح الصورة أمامكم و تعرفوا ما أنتم مقدمون عليه
فرمق الجمع الملك بكثير من الاستغراب، ما الذي يعنيه بهذا؟ و ما الذي ينبغي أن يعرفوه؟. تنهد الملك ثم قال:
- قبل عام من الآن رأيت مناما غريبا. جاءني جدي الأكبر ومعه عصبة فقال لي " يا خير العابدين...هل تعرف من هؤلاء؟؟" فقلت و كأني قد تعرفت عليهم " أسلافي العظام و أجدادي المخلدين.." فقال " و هل تعرف لما أتوا إليك الليلة؟؟" فسكت و لم أجب و كأني كنت أخجل من فعل شنيع. فقال لي جدي:" يا خير العابدين... أجدادك و إياي يشكون سوء حالهم....و يخشون زوال سؤددهم....فلم تتركنا للدغ العقارب و نهش السباع؟؟" ثم عمد إلى نفسه و تبعه من كان معه فكشفوا أنفسهم و قد كانوا يلتحفون البرانيس فرأيت منظرا تقشعر له الأبدان..كل منهم كان به عاهة ..فمن فقئت عينه، و آخر قد نهش ذراعه..و تلك التي تعرج و لا رجل تمشي عليها...كانوا مخضبين بالدماء و أوصالهم تتفتت بين أيديهم...شعرت بالرعب الشديد و صرخت:" ما لكم...من فعل لكم هذا؟؟" فقال لي جدي " هذا من فعل من الذئاب السوداء...تلك التي تمشي في الخفاء و تسرق منا الضياء فتجعلنا كالأشباح الصماء، نسمع فنطيع كقطعان عمياء.....يا خير العابدين...أنفض عن نفسك هذا البلاء"...ثم قاموا جميعا و غادروا...فلحقت بهم و أنا أقول" ولكن من هم الذئاب السوداء...و ماذا يريدون؟؟" ..فقال لي و هو لا يزال مبتعدا عني " الذئاب السوداء..تلتحف غبار الزمن و تنتعل خف السراب...لا تستطيع أن تجد لها أثرا...تنهشك و لا تراها..." ثم اختفى و ما وجدت نفسي إلا وحيدا....مرت أيام و في ليلة رأيت جدي قد عاد إلي في المنام...هذه المرة جاء وحده و كنت و إياه واقفين على تلة تطل على المدينة البيضاء....و فجأة استدار إلي جدي و قال " يا خير العابدين....صل لله و تضرع...و استمسك بالحق...و ارفع راية مملكتك يأتيك غوث من الله..." فقلت " يا جدي..أو يحيق بنا سوء؟؟" فقال و هو يرفع يده و يشير بها إلى جهة ربوة الزيتونة عند المدخل الشرقي للمدينة البيضاء " قد أحاق بملكك أمر، لا يدعنك إلا و قد سلب مملكتك و انتهب....ألا و ادعو الله و أشر يأتينك من يحمل رايتك و يدفع عنكم شر الاستلاب." و هناك ظهر عند قمة الربوة ثلاثة فرسان يحملون راية مملكتنا خفاقة في السماء..
كتمت الأمر حتى أتبينه و إذ برستم يأتيني يوما ليخبرني عن اختفاء أعمدة رخامية كانت تزين أحد القصور، و بعدها بمدة تمرض ريحانة و تخبرني عن المدافع التي رأتها تختفي فيما بدا أنه عالم غير الذي نعيش فيه. عرفت أن بالأمر سرا فبعثت السريات لتتقصى عن السرقات و لكن لا أحد استطاع إيجاد أثر لهم....مرت الأيام و نحن لا نجد للصوص أثرا إلى حين و صلني خبر سرقة صولجان أحد الملوك و بنفس الطريقة...فهمت أن ما يجري يفوق قدرتنا على الفهم حتى جاء اليوم الذي عبر فيه رستم البوابة الزرقاء إلى عالمكم..في البداية خلت أن ولدي قد أصابه مكروه و لكن و عندما فسرت لي ريحانة الأمر، فهمت ما كان قصد جدي من قوله انه سيأتيني من يرفع الرايات خفاقة، و من خلال ما وصفه الأميران عنكم أمرت ريحانة باستدعائكم ففيكم يكمن مفتاح الحل.
عم الصمت المكان، فما عرف الأولاد ما يقولون بعد ما سمعوا، فيقول رستم:
- المملكة البيضاء تتعرض الآن لهجوم لصوص لم نعرف لهم مثيلا، يأتون و يسلبون و لا يبقى لهم أثر...لقد علم والدي بوجود هذا الخطر و لكنه لم يتمكن من حله و قد أحسسنا أنا و شقيقتي به و لكننا لم نعرف له سبيلا، و ما كل الحوادث التي وقعت لكم إلا قنوات اتصال بين عالمكم و بين مملكتنا، و إذ كنتم تملكون المقدرة على تمييز هذه الأحداث و كنتم معصومين من الضياع في سراديب النسيان فلأنكم فرسان المملكة البيضاء الذين رآهم والدي و دعاهم جدي.
ذهل الشبان لما كانوا يسمعونه، فقال ياسين في صوت كأنه الهذيان:
- ألهذا كانت الأميرة تدعونا بالقول...أن نعيد للمملكة ما فقدت؟؟
- نعم، بيدكم أنتم إيجاد الحل...و إلا ضاعت مملكتنا و ضاعت معها جوهرة عالمكم...و لا أدري ما سيحصل لكم بعدها...
- و لكن...كيف....أعني...تقول أسماء..
- إن مقدراتكم الخارقة على السمع و الرؤية تسبق أو تتزامن مع حوادث السرقة، بينما قدرة رياض فهي فتح القنوات الزمنية و المكانية فتنتقلون بين العالمين، و هذا الانتقال يسمح لكم بالتواجد في الأماكن التي تتعرض للهجوم...و ما إن نعرف من وراء كل هذا و كيف أمكننا التصدي له و محاربته.
- و الآن، يقول الملك، و قد عرفتم ما كان يؤرقكم، لكم الحق في أن تختاروا ما تودون فعله ... حياتنا و توازن عالمكم بين أيديكم الآن...
فقال رياض في صوت مرتعش:
- لقد رأيت بأم عيني كيف اختفى ذلك المدفع من أمام الناس و كأنهم لم يروه...بل و كأنه لم يكن....ما يحدث هنا...يفقد الناس ذاكرتهم هناك..
- و يمحي سطور كتب التراث و التاريخ، يضيف ياسين، فكأنه لم يكن لنا وجود قبلا....
- و تختفي معالم وجودنا.....فماذا سيحدث بعد؟؟
فقام رياض و قال بصوت ملؤه الحماس و التصميم:
- أنا....لا أريد ان أرى عالمي يضيع في متاهات النسيان....لا أريد أن يفقد الناس أنفسهم...في...في.أنا...بحول الله سأعمل على حماية المملكة البيضاء ( ثم توقف و كأنه تفطن لشيء ما) آه....آسف يا مولاي...ال..الحقيقة لا أعرف التصرف في حضرة الملوك..ههه.
فانفجر الجميع ضحكا و قال الملك:
- لا عليك يا بني...حماستك هذه و صدقك يغفر لك كل ما تفعل...و لا تحس بالحرج فأنت بين اهلك
- أشكرك....
و قال ياسين:
- لقد أخبرني والدي ذات يوم أن الله يمنح ملكاته لعباده من أجل غاية محددة و لسبب معين، أظن أني أعرف الآن سر ملكتي، و اعرف كيف و أين أستعملها....أنا معك يا رياض، سنعمل على حماية المملكة البيضاء من الضياع...
فقامت أسماء و قالت:
- أظن أن الملك قد قال ثلاثة فرسان، و لا أحسبكم ستعملون شيئا من دوني، أليس كذلك؟؟
عندئذ قام رستم و في عينيه بريق من الغبطة و قال:
- ما أسعد المملكة البيضاء بكم، أنتم و الله فرسان المدينة البيضاء
to be continued
jang-mi
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
تم بحمد الله الفصل الثاني من "حكايا المملكة البيضاء" و أرجو ان تكون عند حسن ظنكم
و إلى حين بداية الفصل الثالث ،لكم الآن أن تقيموا العمل و لكم مني جزيل الشكر و العرفان
jang-mi
tawfik07
2010-09-01, 01:28
الله يهديك
قصة ولا أروع
من أين لك هذا الخيال
اكاد ...اجد الرموز ...لتختفي فجاة
لا أعرف مااقول
سأجمع الاجزاء وأصنع لها غلافا
ستكون قصة رائعة
أرجو الا ترفضي مبادرتي
تقبلي احترامي الاخت jang mi
السيد توفيق
أشكر لك متابعتك لقصتي المتواضعة، الحق الحق أني لم أتوقع أن يكون صداها طيبا لهذا الحد، لقد أخجلت تواضعي....
أما عن مبادرتك، فوالله لكم يسعدني أن ترى هذه القصة و غيرها النور في كتب منشورة و لكن تعرف عن مشاكل النشر و حقوق التأليف و الكاتب، ولو وجدت فرصىة لذلك في إطار قانوني لفعلت.
و بما أنه يبدو لي أن القصة مستمرة لما بعد رمضان، و أن أسلوب الرواية قد نال الإعجاب فإني أدعوك لمرافقتي أيام العيد إنشاءالله لندخل عالم الغابة الفضية و نعلم ما يدور فيها.
لك مني تحية خالصة.
jang-mi
tawfik07
2010-09-03, 02:32
الاخت jang mi
السلام عليكم
تحية أخوية ...وبعد
مازلت متابعا لفصول الحكايا أتمنى أن يتسنى لي الوقت لمتابعت بقية الفصول و"الغابة الفضية" أيضا.
ولكم يسعدني كدلك أن أجد طريقا لترى هكدا أقلام مبدعة رسالية النور ..بل ليرى نورها القراء
لقد ..تباحثت فكرة مع أحد المعنيين بالادب وساعرض عليه النماذج في أقرب وقت هذا كان اتفاقنا لا يساورني ادنى شك أنه سيعجب بالعمل ...نحسبه معينا .. إن شاء الله
وأرجو من الله التوفيق وهو من وراء القصد
السلام عليكم
السيد توفيق
تحية عطرة و بعد
أولا أرجو من القراء الكرام أن يعذروني على عدم نشر الفصل الثالث من حكايا المملكة البيضاء لحد الآن و ذلك لتأخري في عملية التدقيق النهائي قبل النشر و ذلك لانشغالي مؤخرا، و إن شاء الله سأعمل على نشرها في أقرب فرصة
أما عن اقتراحط سيد توفيق، فأنت تعلم أني سجلت في منتديات الجلفة باسم مستعار، و الحق أنس أن عملية النشر تخضع لقوانين تحدد حقوق الناشر و المؤلف لتجنب عمليات السرقة الأدبية و التي تشيع كثيرا في المحيط الألكتروني، فلو تفضلت و تركت هذا لحين أن أنتهي منها- أي القصة- لتكون كتابا كاملا، و من ثم يمكننا أن نتناقش في الخطوة التالية و لك جزيل الشكر و العرفان
تحية خالصة
jang-mi
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir