تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مصارحة مع النفس ..


Mr_LiNuX
2008-04-29, 17:53
مصارحة مع النفس .. 21/4/1429هـ

في العاشرة من مساء هذه الليلة اتصل بي رجل أعرفه ليخبرني بأنَّ صديقه العزيز بل أعزُّ أصدقائه في النزع الأخير من الحياة .. قال لي : إني أرى الآن أمامي قوله تعالى : ﴿ فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تشعرون ﴾ .
وقعت كلماته على مقتل في قلبي ، وقلت لنفسي .. متى تعتبر أيها المغرور :
في كل يوم لنا ميت نشيعه *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
إنني أبكي على نفسي ، ولن أبكي على أولئك الذين غادروا الدنيا بعد أن نطقت قلوبهم وألسنتهم الشهادتين .
هنيئاً لهم جميعاً ما خرجوا به من دنياهم ..
رجعت إلى نفسي وقلت لها : وأنت ؟ على أي شيء تريدين الخروج !!!
يا نفس .. كفاك عبثاً أرجوك ، والله لتخرجن كما خرج غيرك ، ولن تدومي في الدنيا كثيراً ..
يا نفس متى تستيقظي من سباتك العميق ، وتصحين من رقدتك الطويلة ، قبل أن ترقدي رقوداً لا تقومي منه !!
يا نفس .. قبل شهرين ودعنا عشرة في أسبوع واحد ، وقبل أسبوع ودعنا خمسة في أربعة أيام متتالية !! ماذا تنتظرين يانفس !! هل لا زالت الأحلام كثيرة ؟ هل لا زلت تأملين كثيراً وتريدين أن تهنئي بعيش زائل !! .
يا نفس .. أرجوك اعملي خيراً كل يوم ، وكل لحظة ، وكل ساعة..
يا نفس .. لا يأتي عليك يوم دونما طاعة ..
يا نفس .. تذكري وتخيلي حين يقف الناس من حولي وأنا مسجَّى بينهم لا يستطيع أحدهم أن يقدِّم لي شيئاً ؛ حتى أقرب الناس ، لن يزيدوا عن البكاء ربما سوى الدعاء .. ترى كيف سيكون حالك ، وكيف ستشعرين حينها ، والروح تنتزع : ' إن للموت لسكرات ' .
يا نفس .. ثمَّ خرجت الروح ، وشخصت العينان ، وصمت الآذان ، وتجمدت الأطراف .. كيف بك يا نفس ..
إلى أين ؟ إلى رب راضٍ غير غضبان ، أو إلى ........ لا يا نفس، لن أنطق الأخرى لأني منها أخاف ..
ثم بكاني الناس جميعاً .. حزنوا .. صبروا .. احتسبوا .. قاموا فصلوا علي ، ثمَّ وضعوني والدموع تغرقني بكاء على فقدي ، وضعوني في التراب بعد أن كنت عزيزاً بينهم !
دفنوني في الثرى بعد أن كنت رأساً فيهم .. نعم .. هنا تنتهي الحياة ..
هنا .. لن يبق معي إلا عملي ..
وما أسرع ما رحلوا .. دعوا قليلاً ، وقفوا لحظات على قبري .. بكوني ، دعوا لي .. ثمَّ ذهبوا وتركوني ..
لا مجال لأصرخ بأعلى صوتي .. لا فرصة كي أنادي عليهم : أرجوكم أريدكم بجواري .. لا مجال أن أنطق ، لقد تركوني ثم ذهبوا، وبقيت هناك وحيداً فريداً في قبري الصغير ..
صحيح .. ما أحقر الدنيا .. نتقاتل ، نتعارك ، نتباهى ، نعيش فيها وكأننا مخلدون ، ثمَّ نرحل في غمضة عين ..
كم من حلم لم يتحقق ؟ وكم من شاب لم يكبر ، أو صغير لم يبلغ ، أو امرأة جميلة ، أو فتاة عروس ، أو رجل طموح ، أو ابن بار ، وآخر عاق، وعجوز هرم ، وشيخ طاعن .. وأناس أكل البلى أجسامهم .. كلُّ هؤلاء لم يميز الموت بينهم ، ولم يترك لهم فرصة للتحسين ، أو وقتاً للإصلاح .. بل ﴿ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾ .
يا نفس .. أنا لا أطلبك المستحيل ، ولا أريد أن أشقَّ عليك .. فقط أطلبك أن تذكري الموت والرحيل في كل يوم .. لا أريدك كئيبة مظلمة ، بائسة يائسة .. كلا .. ليس هذا ما أردت ، إنما أردت شعوراً صادقاً كل يوم بمعنى الرحيل ، أريدك يا نفس ان تترجمي الكلام والخوف إلى عمل صالح ..
يانفس .. من هذه اللحظة أريدك ان تصلحي معي ، ونتعاهد أن نرضي الله عنا ..
يا نفس .. هي لحظات نعيشها ، ورحلة نقطعها ، فلنقطعها بخير .. ولنعمرها بطاعة ..
أرجوك يانفس ساعديني أن أعمل صالحاً قبل أن أرحل ..
أرجوك ساعديني .. قبل أن أقول : ﴿ رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ﴾ .
اللهم آت نفوسنا تقواها .. وزكها أنت خير من زكاها .. وتوفنا وأنت راض عنها غير غضبان ..