تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شعر وشعراء العضر الجاهلي


صدى الاحزان
2010-08-16, 10:48
عمرو بنِ كُلثوم

توفي 584 م

عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب، أبو الأسود، بن سعد بن زهير التغلبي، ينتهي نسبه بمعد بن عدنان، كان شاعراً فارساً عاش في الجاهلية وتزعم قبيلة تغلب وهو في الخامسة عشرة من العمر.

ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة وتجوّل فيها وفي الشام والعراق (http://www.al-hakawati.net/arabic/States/state15.asp) ونجد.

اشتهر عمرو بن كلثوم بقتله الملك عمرو بن هند، وقد نبغ عمرو بن كلثوم صغيراً ودانت له رقاب صناديد القبيلة اعترافاً بنبوغه المبكر، أما السبب في قتله عمرو بن هند فقد رُوي أن هذا الملك سأل جلاسه قائلا: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي قالوا: لا نعلم إلا ليلى بنت المهلهل بن ربيعة (http://www.al-hakawati.net/arabic/arabpers/poet98.asp) أم عمرو بن كلثوم سيد قبيلة تغلب، فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يصحب معه أمه فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة في جماعة من قومه وأمه معه ودخل على الملك في رواقه بين الحيرة والفرات، أما أمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة فقد دخلت على أم الملك هند في قبتها، وهي عمة امرئ القيس (http://www.al-hakawati.net/arabic/arabpers/poet17.asp) الشاعر المشهور، ولما حان وقت الطعام قالت هند لليلى ناوليني ذلك الطبق. فقالت لتقم صاحبة الحاجة إليه، فأعادت عليها وألحت فصاحت ليلى قائلة: وا ذلاه يا لتغلب، فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم فاختطف سيفا لعمرو بن هند وضرب به رأسه حتى مات ونادى قومه فنهبوا جميع ما في ذلك الرواق، وساقوا إبله وعادوا إلى الجزيرة وقد قاسى التغلبيون الكثير من العناء بعد هذه الحادثة وطاردهم المناذرة وضيقوا عليهم، فتوجهوا نحو الغساسنة في الشام، وما لبثوا أن اختلفوا معهم واندلعت الحرب بين الفريقين.

بقي عمرو بن كلثوم يصول ويجول بين القبائل العربية يثير الحماسة والجرأة في نفوس أبناء قبيلته حتى اصطدم بقبيلة بني حنيفة في اليمامة، وعلى رأسها فارسها الصلب المقدام يزيد بن عمرو بن شمر فتنازلا وكانت الغلبة ليزيد بن عمرو فقد سدد نحوه طعنة نجلاء وانقض عليه وأسره وسار به حتى بلغ قصراً من قصور القبيلة فأنزله فيه ونحر له وكساه، فقد كانت قبائل نجد كلها تعرف مكانة هذا الشاعر الفارس المقدام.

توفي في الجزيرة الفراتية.

من أشهر شعره معلقته (http://www.al-hakawati.net/arabic/arabpers/poem9.asp) التي مطلعها : ألا هبي بصحنك فاصبحينا .....، يقال: إنها في نحو ألف بيت وإنما بقي منها ما حفظه الرواة، وفيها من الفخر والحماسة العجب.
قال أبو الفرج الأصفهاني (http://www.al-hakawati.net/arabic/arabpers/phil40.asp) في "الأغاني (http://www.al-hakawati.net/arabic/Civilizations/book11index.asp)": ((هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار بن معد بن عدنان. وأم عمرو بن كلثوم ليلى بنت مهلهل أخي كليب، وأمها بنت بعج بن عتبة بن سعد بن زهير .
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني العكلي عن العباس بن هشام عن أبيه عن خراش بن إسماعيل عن رجل من بني تغلب ثم من بني عتاب قال: سمعت الأخذر وكان نسابة يقول: لما تزوج مهلهل بنت بعج بن عتبة أهديت إليه، فولدت له ليلى بنت مهلهل. فقال مهلهل لامرأته هند: اقتليها. فأمرت خادماً لها أن تغيبها عنها. فلما نام هتف هاتف يقول:
كم من فتـى يؤمـل

وسـيد شـمـردل
وعدةٍ لا تـجـهـل

في بطن بنت مهلهل

واستيقظ فقال: يا هند أين بنتي؟ قالت: قتلتها. قال: كلا وإله ربيعة! فكان أول من حلف بها فاصدقيني، فأخبرته. فقال: أحسني غداءها. فتزوجها كلثوم بن مالك بن عتاب. فلما حملت بعمرو بن كلثوم قالت: إنه أتاني آتٍ في المنام فقال:
يا لك ليلى من ولد

يقدم إقدام الأسـد
من جشمٍ فيه العدد

أقول قيلاً لا قند

فولدت غلاماً فسمته عمراً. فلما أتت عليه سنة قالت أتاني ذلك الآتي في الليل أعرفه، فأشار إلى الصبي وقال:
إني زعيم لك أم عـمـرو

بماجد الجد كريم النـجـر
أشجع من ذي لبدٍ هـزبـر

وقاص أقرانٍ شديد الأسر
يسودهم في خمسةٍ وعشر



قال الأخذر: فكان كما قال ساد وهو ابن خمسة عشر، ومات وله مائة وخمسون سنة .
قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟ فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب ؟. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة. ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا

تعظيم تغلب بقصيدته المعلقة: وكان قام بها خطيباً بسوق عكاظ وقام بها في موسم مكة. وبنو تغلب تعظمها جداً ويرويها صغارهم وكبارهم، حتى هجوا بذلك؛ قال بعض شعراء بكر بن وائل:
ألهى بني تغلبٍ عن كل مكرمةٍ

قصيدة قالها عمرو بن كلثـوم
يروونها أبداً مذ كان أولـهـم

يا للرجال لشعرٍ غيرمسـؤوم

فخر شعراء تغلب بقتله عمرو بن هند: وقال الفرزدق يرد على جرير في هجائه الأخطل:
ما ضر تغلب وائلٍ أهجوتها

أم بلت حيث تناطح البحران

قوم هم قتلوا ابن هنـدٍ عـنـوةً

عمراً وهم قسطوا على النعمان







وقال أفنون صريم التغلبي يفخر بفعل عمرو بن كلثوم في قصيدةٍ له:
لعمرك ما عمرو بن هندٍ وقد دعا

لتخدم ليلـى أمـه بـمـوفـق
فقام ابن كلثومٍ إلى السيف مصلتاً

فأمسك من ندمائه بالمـخـنـق
وجلله عمرو على الرأس ضربةً

بذي شطبٍ صافي الحديدة رونق

قال: وكان لعمرو أخ له مرة بن كلثوم، فقتل المنذر بن النعمان وأخاه. وإياه عنى الأخطل بقوله لجرير:
أبني كليبٍ إن عمي اللـذا

قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وكان لعمرو بن كلثوم ابن يقال له عباد، وهو قاتل بشر بن عمرو بن عدس. ولعمرو بن كلثوم عقب باق، ومنهم كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر صاحب الرسائل .
أغار على بني تميم ثم انتهى إلى بني حنيفة فأسره يزيد بن عمرو ثم أطلقه فمدحه: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن ابن الأعرابي قال: أغار عمرو بن كلثوم التغلبي على بني تميم ثم مر من غزوه ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا؛ وكان فيمن أصاب أحمد بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع به أهل حجر ؛ فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر. فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز فقال:
من عاذ مني بعدها فلا اجتـبـر

ولا سقى الماء ولا أرعى الشجر
بنو لجيمٍ وجعـاسـيس مـضـر

بجانب الدو يدهدونالـعـكـر

فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره. وكان يزيد شديداً جسيماً، فشده في القد وقال له: أنت الذي تقول:
متى تعقد قرينتنا بحـبـلٍ

تجد الحبل أو تقص القرينا

أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما جميعاً. فنادى عمرو بن كلثوم: يل لربيعة! أمثلة !. قال: فاجتمعت بنو لجيم فنهوه ولم يكن يريد ذلك به. فسار به حتى أتى قصراً بحجرٍ من قصورهم، وضرب عليه قبة ونحر له وكساه وحمله على نجيبه وسقاه الخمر. فلما أخذت برأسه تغنى:
أأجمع صحبتي السحر ارتحالاً

ولم أشعر ببينٍ منـك هـالا
ولم أر مثل هالة في مـعـدٍ

أشبه حسنهـا إلا الـهـلالا
ألا أبلغ بني جشم بن بـكـرٍ

وتغلب كلمـا أتـيا حـلالا
بأن الماجد القرم ابن عمـرٍو

غداة نطاع قد صدق القتـالا
كتيبتـه مـلـمـلـمة رداح

إذا يرمونها تفني الـنـبـالا
جزى الله الأغر يزيد خـيراً

ولقاه المسرة والـجـمـالا
بمأخذه ابن كلثوم بن عمـرٍو

يزيد الخير نـازلـه نـزالا
بجمعٍ من بني قـران صـيدٍ

يجيلون الطعـان إذا أجـالا
يزيد يقدم السفـراء حـتـى

يروي صدرها الأسلالنهالا

حواره مع عمرو بن أبي حجر الغساني حين مر ببني تغلب فلم يكرموه: أخبرني علي بن سليمان قال أخبرنا الأحول عن ابن الأعرابي قال: زعموا أن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء فلحقوا بالشام خوفاً منه. فمر بهم عمرو بن أبي حجر الغساني، فتلقاه عمرو بن كلثوم. فقال له: يا عمرو، ما منع قومك أن يتلقوني ؟! فقال له: يا عمرو يا خير الفتيان، فإن قومي لم يستيقظوا لحربٍ قط إلا علا فيها أمرهم واشتد شأنهم ومنعوا ما وراء ظهورهم. فقال له: أيقاظ نومةٍ ليس فيها حلم، أجتث فيها أصولهم، وأنفى فلهم إلى اليابس الجرد، والنازح الثمد. فانصرف عمرو بن كلثوم وهو يقول:
ألا فاعلم أبيت اللعن أنـا

على عمدٍ سناتي ما نريد
تعلم لأن محملنا ثـقـيل

وأن زناد كبتنـا شـديد
وأنا ليس حي من معـدٍ

يوازينا إذا لبس الحـديد

هجاؤه للنعمان بن المنذر: قال: وقال ابن الأعرابي: بلغ عمرو بن كلثومٍ أن النعمان بن المنذر يتوعده، فدعا كاتباً من العرب فكتب إليه:
ألا أبلغ النعمان عني رسـالةً

فمدحك حولي وذمك قـارح
متى تلقني في تغلب ابنة وائلٍ

وأشياعها ترقى إليك المسالح

وهجا النعمان بن المنذر هجاءً كثيراً، منه قوله يعيره بأمه سليمى:
حلت سليمى بخبتٍ بعد فرتـاج

وقد تكون قديماً في بني نـاج
إذ لا ترجي سليمى أن يكون لها

من بالخورنق من قينٍ ونسـاج
ولا يكون على أبوابهـا حـرس

كما تلفف قبـطـي بـديبـاج
تمشي بعدلين من لؤمٍ ومنقـصةٍ

مشي المقيد في الينبوت والحاج

قال وقال في النعمان:
لحا الله أدنانا إلى اللـؤم زلـفة

وألامنا خالاً وأعجـزنـا أبـا
وأجدرنا أن ينفخ الكير خـالـه

يصوغ القروط والشنوف بيثربا

وفاته ونصيحته لبنيه: أخبرني الحسين بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن المغيرة عن ابن الكلبي عن رجل من النمر بن قاسط قال: لما حضرت عمرو بن كلثومٍ الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً. ومن سب سب؛ فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فرب رجلٍ خير من ألف، ورد خير من خلف. وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار . وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب . ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره؛ فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض .

صدى الاحزان
2010-08-16, 10:54
امرؤ القيس
500م - 540م
هو الشاعر الجاهلي امرؤ القيس بن حجر الكندي ملك بني أسد. ولد في نجد، وفيها نشأ ميّالاً للترف واللّهو، شأن أولاد الملوك. نظم الشعر فتياً وكان يتهتّك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية، فغضب عليه أبوه ونهاه عن ذلك. ثم طرده حين لم يرتدع عن غوايته، فراح يطوف أحياء العرب في جماعة من أصحابه، يصطاد ويشرب الخمر ويصغي إلى القيان، إلى أن بلغه مقتل والده فهجر حياة اللهو، وشرع يستعد للأخذ بالثأر واستعادة الملك متنقّلا بين القبائل، يدعوها إلى مناصرته فلم تنصره إلا قليلاً.
عندما بلغه مصرع أبيه، قال: "طردني أبي صغيراً وحمّلني دمه كبيرًا... لا صحوة اليوم ولا سكر غدًا. اليوم خمر وغداً أمر".
سافر إلى بلاد الروم يستنجد بـيوستنيانوس قيصر على أعدائه، لكنه أُصيب بمرضٍ قضى عليه، بعد أن تقرّح جسمه فعُرِف بذي القروح، كما لُقّب بالملك الضِلّيل.
امرؤ القيس من أصحاب المعلقات في الجاهلية، ويُعتَبر مؤسس مدرسة الوقوف على الأطلال التي اتّبعها شعراء الجاهلية وشعراء صدر الإسلام. ومطلع معلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل بسِقط اللِّوى بين الدَّخولِ فَحَومَلِ
وقد سبق امرؤ القيس شعراء عصره في أنه أوّل من بكى واستبكى، ومَن أبدع في وصف الجواد. وهو أوّل من شبه قرون الماعز بالعصيّ: "كأن قرون جلَّتها العصيّ". وهو رائد في الأقصوصة الغزلية الإباحية التي بثّها في قصائده؛ وقد قيل فيه: "بُدئ الشعر بملك وانتهى بملك"، إشارة إليه وإلى أبي فراس الحمداني (http://www.al-hakawati.net/arabic/arabpers/poet7.asp).
جاء في كتاب "الأغاني (http://www.al-hakawati.net/arabic/Civilizations/book11index.asp)" لأبي الفرج الأصفهاني: ((نسبه من قبل أبويه: قال الأصمعي (http://www.al-hakawati.net/arabic/arabpers/poet184.asp): هو أمرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمر وبن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة. وقال ابن الأعرابي: هو أمرؤ القيس بن حجر بن عمرو ابن معاوية بن الحارث بن ثور وهو كندة. وقال محمد بن حبيب: هو أمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة. وقال بعض الرواة: هو أمرؤ القيس بن السمط بن أمرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة. وقالوا جميعاً: كندة هو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نو ح. وقال ابن الأعرابي: ثور هو كندة بن مرتع بن عفير بن الحارث بن مرة بن عدي بن أدد ابن زيد بن عمرو بن مسمع بن عريب بن عمرو بن زيد بن كهلال.
وأم أمرئ القيس فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين. وقال من زعم أنه أمرؤ القيس بن السمط: أمه تملك بنت عمرو بن زبيد بن مذحج رهط عمرو بن معد يكرب.
قال من ذكر هذا وأمه تملك: قد ذكر ذلك امرؤ القيس في شعره فقال:
ألا هل أتاها والحوادث جـمةٌ

بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا

بيقر أي جاء العراق والحضر. ويقال: بيقر الرجل إذا هاجر. وقال يعقوب بن السكيت: أم حجر أبي امرئ القيس أم قطام بنت سلمى امرأةٌ من عنزة .
كنيته ولقبه: ويكنى امرؤ القيس، على ما ذكره أبو عبيدة، أبا الحارث. وقال غيره: يكنى أبا وهب. وكان يقال له الملك الضليل، وقيل له أيضاً ذو القروح وإياها عنى الفرزدق بقوله:
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا

وأبو زيد وذو القروح و جـرول

يعني بأبي يزيد المخبل السعدي، وجرول الحطيئة.
مولده ومنزله: قال: وولد ببلاد بني أسد. وقال ابن حبيب:كان ينزل المشقر من اليمامة. ويقال:بل كان ينزل في حصن بالبحرين.
وقال جميع من ذكرنا من الرواة: إنما سمي كندة لأنه كند أباه أي عقه. وسمي مرتعٌ بذلك لأنه كن يجعل لمن أتاه من قومه مرتعاً له ولماشيته. وسمي حجرٌ آكل المرار بذلك لأنه لما أتاه الخبر بأن الحارث بن جبلة كان نائماً في حجر امرأته هند وهي تفليه جعل يأكل المرار " وهو نبت شديد المرارة " من الغيظ وهو لا يدري. ويقال: بل قلت هند للحارث وقد سألها: ما ترين حجراً فاعلاً؟ قالت: كأنك به قد أدركك الخيل وهو كأنه بعيرٌ قد أكل المرار.
قال: وسمي عمرو المقصور لأنه قد قصر على ملك أبيه أي أقعد فيه كرهاً.
قصة جده الحارث بن عمرو مع قباذ وابنه أنوشروان: أخبرني بخبره، على ما قد سقته ونظمته. أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه، وروى بعضه عن علي بن الصباح بن هاشم بن الكلبي، وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي، قال ابن أبي سعد وأخبرني دارم بن عقال بن حبيب الغساني أحد ولد السموءل بن عادياء عن أشياخه، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي يوسف عن عمه إسماعيل ،وأضفت إلى ذلك رواية ابن الكلبي مما لم أسمعه من أحد ورواية الهيثم بن عدي ويعقوب بن السكيت والأثرم وغيرهم، لما في ذلك من الاختلاف، ونسبت رواية كل راوٍ إذا خالف رواية غيره إليه، قالوا: كان عمر بن حجر وهوالمقصور ملكاً بعد أبيه، وكان أخوه معاوية وهو الجون على اليمامة، وأمهما شعبة بنت أبي معاهر بن حسان بن عمرو بن تبع. ولما مات ملك بعده ابنه الحارث، وكان شديد الملك بعيد الصيت. ولما ملك قباذ بن فيروز خرج في أيام ملكه رجل يقال له مزدك فدعا الناس إلى الزندقة وإباحة الحرم وألا يمنع أحد منهم أخاه مايريده من ذلك. وكان المنذر بن ماء السماء يومئذ عاملاً على الحيرة ونواحيها. فدعاه قباز إلى الدخول معه في ذلك فأبى. فدعا الحارث بن عمرو فأجابه؛ فشدد له ملكه وأطرد المنذر عن مملكته وغلب على ملكه. وكانت أم أنوشروان بين يدي قباذ يوماً، فدخل عليه مزدك. فلما رأى أم أنوشروان قال القباذ: ادفعها لي لأقضي حاجتي منها؛ فقال: دونكها. فوثب إليه أنوشروان فلم يزل يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمه حتى قبل رجله فتركها له؛ فكانت تلك في نفسه. فهلك قباذ على تلك الحال، وملك أنوشروان فجلس في مجلس الملك. وبلغ المنذر هلاك قباذ فأقبل إلى أنوشروان وقد علم خلافه على أبيه فيما كانوا دخلوا فيه. فأذن أنوشروان للناس، فدخل عليه مزدك ثم دخل عليه المنذر. فقال أنوشروان: إني كنت تمنيت أمنيتين أرجو أن يكون الله قد جمعهما لي. فقال مزدك: وما هما أيها الملك؟ قال: تمنيت أن أملك فأستعمل هذا الرجل الشريف يعني المنذر وأن أقتل هؤلاء الزنادقة. فقال له مزدك: أو تستطيع أن تقتل الناس كلهم ؟! قال: إنك لها هنا يابن الزانية ! والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ قبلت رجلك إلى يومي هذا ! وأمر به فقتل وصلب، وأمر بقتل الزنادقة فقتل منهم ما بين جازر إلى النهروان إلى المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم؛ وسمي يومئذ أنوشروان. وطلب أنوشروان الحارث بن عمرو؛ فبلغه ذلك وهو بالأنبار، وكان بها منزله - وإنما سميت الأنبار لأنه كان يكون بها أهراء الطعام وهي الأنابير - فخرج هارباً في هجائنه وماله وولده فمر بالثوية ؛ وتبعه المنذر بالخيل من تغلب وبهراء وإيادٍ، فلحق بأرض كلب فنجا، وانتهبوا ماله وهجائنه. وأخذت بنو تغلب ثمانيةً وأربعين نفساً من بني آكل المرار؛ فقدم بهم على المنذر فضرب رقابهم بحفر الأملاك في ديار بني مرينا العباديين بين دير هند والكوفة. فذلك قول عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنهاب والسبـايا

وأبنا بالملوك مصفدينا

وفيهم يقول امرؤ القيس: س
ملوكٌ من بني حجر بن عمرو

يساقون العشية يقـتـلـونـا
فلو في يوم معركةٍ أصيبـوا

ولكن في ديار بني مـرينـا
ولم تغسل جماجمهم بغـسـل

ولكن في الدماء مرملـينـا
تظل الطير عاكفةً علـيهـم

وتنتزع الحواجب والعـيونـا

قالوا: ومضى الحارث فأقام بأرض كلب. فكلب يزعمون أنهم قتلوه. وعلماء كندة تزعم أنه خرج إلى الصيد فألظ بتيس من الظباء فأعجزه، فآلا أليةً ألا يأكل أولاً إلا من كبده. فطلبته الخيل ثلاثاً فأتي بعد ثالثة وقد هلك جوعاً، فشوي له بطنه، فتناول فلذةً من كبده فأكلها حارة فمات. وفي ذلك يقول الوليد بن عدي الكندي في أحد بني بجيلة:
فشووا فكان شواؤهم خبطاً له

إن المنية لا تجـل جـلـيلا

وزعم ابن قتيبة أن أهل اليمن يزعمون أن قباذ بن فيروز لم يملك الحارث بن عمرو وأن تبعاً الأخير هو الذي ملكه. قال: ولما أقبل المنذر إلى الحيرة هرب الحارث وتبعته خيلٌ فقتلت ابنه عمراً وقتلوا ابنه مالكاً بهيت . وصار الحارث إلى مسحلان فقتلته كلب. وزعم غير ابن القتيبة أنه مكث فيهم حتى مات حتف أنفه.
الحارث بن عمرو وتمليكه أولاده على قبائل العرب: وقال الهيثم بن عدي حدثني حماد الراوية عن سعيد بن عمرو بن سعيد عن سعية بن عريض من يهود تيماء قال: لما قتل الحارث بن أبي شمر الغساني عمرو بن حجر ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو، وأمه بنت عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان ونزل الحيرة. فلما تفاسدت القبائل من نزار أتاه أشرافهم فقالوا: إنا في دينك ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا، فوجه معنا بنيك ينزلون فينا فيكفون بعضنا عن بعض. ففرق ولده في قبائل العرب، فملك ابنه حجراً على بني أسدٍ وغطفان وملك ابنه شرحبيل قتيل يوم الكلاب على بكر بن وائل بأسرها وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم والرباب. وملك ابنه معد يكرب وهو غلفاء " سمي بذلك لأنه كان يغلف رأسه " على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة وطوائف من بني دارم " بن مالك " بن حنظلة والصنائع وهم بنو رقية قوم كانوا يكونون مع الملوك من شذاذ العرب. وملك ابنه عبد الله على عبد القيس، وملك ابنه سلمة على قيس.
مقتل حجر أبي امرئ القيس: وقال ابن الكلبي حدثني أبي: أن حجراً كان في بني أسد، وكانت له عليهم إتاوة في كل سنة مؤقتة؛ فغبر ذلك دهراً. ثم بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم، فمنعوه ذلك وحجرٌ يومئذ بتهامة - وضربوا رسله وضرجوهم ضرجاً شديداً قبيحاً. فبلغ ذلك حجراً؛ فسار إليهم بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة، فأتاهم وأخذ سراتهم، فجعل يقتلهم بالعصا - فسموا عبيد العصا - وأباح الأموال، وصيرهم إلى تهامة وآلى بالله ألا يساكنوهم في بلد أبداً، وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كندة بن فزارة الأسدي وكان سيداً، وعبيد بن الأبرص الشاعر. فسارت بنو أسد ثلاثاً. ثم إن عبيد بنم الأبرص قام فقال: أيها الملك اسمع مقالتي:
يا عين فابكي مـا بـنـي

أسدٍ فهم أهل الـنـدامـه
أهل القباب الحمر والـن

عم المؤبل والـمـدامـه
وذوي الـجـياد الـجـرد

والأسل المثقفة المقامـه
حلاً أبـيت الـلـعـــن

حلا إن فيما قلـت آمـه
في كـل وادٍ بـــين يث

رب فالقصور إلى اليمامه
تطـريب عـانٍ أوصـيا

ح محرقٍ أو صوت هامه
ومنعتهـم نـجـداً فـقـد

حلوا على وجلٍ تهـامـه
برمت بنـو أسـدٍ كـمـا

برمت ببيضتها الحمامـه
جعلت لهـا عـودين مـن

نشيمٍ وآخر من ثمـامـه
إما تركت تركـت عـف

واً أو قتلت فلا مـلامـه
أنت المـلـيك عـلـيهـم

وهم العبيد إلى القـيامـه
ذلوا لسوطك مـثـل مـا

ذل الأشيقر ذو الخزامـه

قال:فرق لهم حجر حين سمع قوله، فبعث في أثرهم فأقبلوا. حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم، وهو عوف بن ربيعة بن سوادة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فقال لبني أسد: يا عبادي ! قالوا لبيك ربنا. قال: من الملك الأصهب، الغلاب غير المغلب، في الإبل كأنها الربرب، لا يعلق رأسه الصخب، هذا دمه ينعثب ، وهذا غداً أول من يسلب. قالوا: من هو يا ربنا؟ قال: لولا أن تجيش نفسٌ جاشية، لأخبرتكم أنه حجر ضاحية. فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتو على عسكر حجر فهجموا على قبته وكان حجابه من بني الحارث بن سعد يقال لهم بنو خدان بن خنثر منهم معاوية بن الحارث وشبيب ورقية ومالك وحبيب، وكان حجر قد اعتق أباهم من القتل. فلما نظروا إلى القوم يريدون قتله خيموا عليه ليمنعوه ويجيروه. فاقبل عليهم علباء بن الحارث الكاهلي، وكان حجر قد قتل أباه، فطعنه من خللهم فأصاب نساه فقتله.
فلما قتلوه قالت بنو أسد: يا معشر كنانة وقيس، أنتم إخواننا وبنو عمنا، والرجل بعيد النسب منا ومنكم، وقد رأيتم ما كان يصنع بكم هو وقومه. فانتهبوهم فشدوا على هجائنه فمزقوها ولفوه في ريطة بيضاء وطرحوه على ظهر الطريق. فلما رأته قيس وكنانة انتهبوا أسلابه. ووثب عمرو بن مسعود فضم عياله وقال: أنا لهم جارٌ قال ابن الكلبي: وعدة قبائل من أسد يدعون قتل حجر ويقولون: إن علباء كان الساعي في قتله وصاحب المشورة ولم يقتله هو.
قال ابن حبيب: خدان في بني أسد وخدان في بني تميم وفي بني جديلة بالخاء المفتوحة، وخدان مضمومة في الأزد، وليس في العرب غير هؤلاء.
قال أبو عمرو الشيباني: بل كان حجر لما خاف من بني أسد استجار عوير بن شجنةأحد بني عطارد بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم لبنته هند بنت حجر وعياله. وقال لبني أسد لما كثروه: أما إذا كان هذا شأنكم فإني مرتحل عنكم ومخليكم وشأنكم؛ فواعدوه على ذلك. ومال على خالد بن خدان أحد بني سعد بن ثعلبة. فأدركه علباء بن الحارث أحد بني كاهل فقال: يا خالد اقتل صاحبك لا يفلت فيعرك وإيانا بشر، فامتنع خالد. ومر علباء بقصدة رمح مكسورة فيها سنانها، فطعن بها في خاصرة حجر وهو غافل فقتله. ففي ذلك يقول الأسدي:
وقصدة علباء بن قيس بن كاهلٍ

منية حجر في جوار ابن خدان

وذكر الهيثم بن عدي أن حجراً لما استجار عوير بن شجنة لبنيه وقطينه تحول عنهم فأقام في قومه مدةً، وجمع لبني أسد جمعاً عظيماً من قومه وأقبل مدلاً بمن معه من الجنود. فتآمرت بنو أسد بينها وقالوا: والله لئن قهركم هذا ليحكمن عليكم حكم الصبي ! فما خيرعيش يكون بعد قهر وأنتم بحمد الله أشد العرب ! فموتوا كراماً.
فساروا إلى حجر وقد ارتحل نحوهم فلقوه فاقتتلوا قتالاً شديداً. وكان صاحب أمرهم علباء بن الحارث، فحمل على حجر فطعنه فقتله، وانهزمت كندة وفيهم يومئذ امرؤ القيس فهرب على فرس له شقراء وأعجزهم، وأسروا من أهل بيته رجالاً و قتلوا وملئوا أيديهم من الغنائم، وأخذوا جواري حجر ونساءه وما كان معه من شيء فاقتسموه بينهم. وقال يعقوب بن السكيت حدثني خالد الكربي قال: كان سبب قتل حجر أنه كان وفد إلى أبيه الحارث بن عمرو في مرضه الذي مات فيه وأقام عنده حتى هلك، ثم أقبل راجعاً إلى بني أسد وقد كان أغار عليهم في النساء وأساء ولايته، وكان يقدم بعض ثقله أمامه ويهيأ نزله ثم يجيء وقد هيىء له من ذلك ما يعحبه فينزل، ويقدم مثل ذلك إلى ما بين يديه من المنازل فيضرب له في المنزلة الأخرى. فلما دنا من بلاد بني أسد وقد بلغهم موت أبيه طمعوا فيه. فلما أظلهم وضربت قبابه أجتمعت بنو أسد إلى نوفل بن ربيعة بن الخدان، فقال: يا بني أسد ! من يتلقى هذا الرجل منكم فيقتطعه؟ فإن قد أجمعت على الفتك به فقال له القوم: ما لذلك أحد غيرك. فخرج نوفل في خيله حتى أغار على الثقل فقتل من وجد فيه، وساق الثقل وأصاب جاريتين قينتين لحجر، ثم أقبل حتى أتى قومه. فلما رأو ما قد حدث وأتاهم به عرفوا أن حجراً يقاتلهم وأنه لا بد من القتال، فحشد الناس لذلك، وبلغ حجراً أمرهم، فأقبل نحوهم. فلما غشيهم ناهضوه القتال وهم بين أبرقين من الرمل في بلادهم يدعيان اليوم أبرقي حجر، فلم يلبثوا حجرًا أن هزموا أصحابه وأسروه فحبسوه وتشاور القوم في قتله، فقال لهم كاهن من كهنتهم بعد أن حبسوه ليروا فيه رأيهم: أي قومٍ ! لا تعجلوا بقتل الرجل حتى أزجر لكم. فانصرف عن القوم لينظر لهم في قتله. فلما رأى ذلك علباء خشي أن يتوكلوا في قتله؛ فدعا غلاماً من بني كاهل، وكان ابن أخته وكان حجر قتل أباه زوج أخت علباء، فقال: يا بني، أعندك خيرٌ فتثأر بأبيك وتنال شرف الدهر وإن قومك لن يقتلوك ؟!. فلم يزل بالغلام حتى حربه ، ودفع إليه حديدة وقد شحذها وقال: أدخل عليه مع قومك ثم أطعنه في مقتله: فعمد الغلام إلى الحديدة فخبأها ثم دخل على حجر في قبته التي حبس فيها. فلما رأى الغلام غفلةً وثب عليه فقتله، فوثب القوم على الغلام. فقالت بنو كاهل: ثأرنا وفي أيدينا. فقال الغلام: إنما ثأرت بأبي، فخلوا عنه. وأقبل كاهنهم المزدجر فقال: أي قومٍ ! قتلتموه ! ملك شهر ، وذل دهر. أما والله لا تحظون عند الملوك بعده أبداً.
قال ابن السكيت: ولما طعن الأسدي حجراً ولم يجهز عليه، أوصى ودفع كتابه إلى رجل وقال له: أنطلق إلى ابني نافع - وكان أبر ولده - فإن بكى وجزع فاله عنه، واستقرهم واحداً واحداً حتى تأتي امرأة القيس - وكان أصغرهم - فأيهم لم يجزع فدفع إليه سلاحي وخيلي وقدوري ووصيتي. وقد كان بين في وصيته من قتله وكيف كان خبره. فأنطلق الرجل بوصيته إلى نافع ابنه: فأخذ التراب فوضعه على رأسه. ثم استقراهم واحداً واحداً فكلهم فعل ذلك، حتى اتى امرأ القيس فوجده مع نديم له يشرب الخمر ويلاعبه بالنرد؛ فقال له: قتل حجر. فلم يلتفت إلى قوله، وأمسك نديمه فقال له امرؤ القيس: أضرب فضرب. حتى إذا فرغ قال ما كنت أفسد عليك دستك. ثم سأل الرسول عن أمر أبيه كله فأخبره. فقال: الخمر علي والنساء حرام حتى أقتل من بني أسد مائة وأجز نواصي مائة. وفي ذلك يقول:
أرقت ولم يأرق لما بي نـافـع

وهاج لي الشوق الهموم الروادع

وقال ابن الكلبي: حدثني أبي عن ابن الكاهن الأسدي أن حجراً كان طرد امرأ القيس وآلى ألا يقيم معه أنفةً من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك، فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل، فإذا صادف غديراً أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم، وخرج إلى الصيد فتصيد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه. ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم ينتقل عنه إلى غيره. فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بدمون من أرض اليمن، أتاه به رجلٌ من بني عجل يقال له عامر الأعور أخو الوصاف. فلما أتاه بذلك قال:
تطاول الليل على دمون

دمون إنا معشرٌ يمانون
وإننا لأهلها محبـون



ثم قال: ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً. لا صحو اليوم ولا سكر غداً. " اليوم خمرٌ، وغداً أمر " فذهبت مثلاً. ثم قال:
خليلي لا في اليوم مصحىً لشاربٍ

ولا في غدٍ إذ ذاك ما كان يشرب

ثم شرب سبعاً. فلما صحا آلى ألا يأكل لحماً، ولا يشرب خمراً، ولا يدهن بدهن، ولا يصيب امرأة، ولا يغسل رأسه من جنابة، حتى يدرك بثأره. فلما جنة الليل رأى برقاً فقال:
أرقت لبرقٍ بلـيلٍ أهـل

يضيء سناه بأعلى الجبل
أتاني حديثٌ فكـذبـتـه

بأمر تزعزع منه القلـل
بقتل بني أسـدٍ ربـهـم

ألا كل شيءٍ سواه جلـل
فأين ربيعة عن ربـهـا

وأين تميمٌ وأين الخـول
ألا يحضرون لدي بـابـه

كما يحضرون إذا ما أكل

وروى الهيثم عن أصحابه أن امرأ القيس لما قتل أبوه كان غلاماً قد ترعرع، وكان في بني حنظلة مقيماً لأن ظئرة كانت امرأة منهم. فلما بلغه ذلك قال:
يا لـهـف هـنـدٍ إذ خـطـئن كـــاهـــلاً

الـقـاتـلـين الـمـلـك الـحـــلاحـــلا
تالـلـه لا يذهـب شـيخـــي بـــاطـــلاً

يا خـير شـيخ حـــســـبـــاً ونـــائلاً
وخيرهم قد علموا فواضلايحملننا والأسل النواهلا


وحي صعبٍ والوشيج الذابلا

مسـتـثـفـراتٍ بـالـحـصـى جـوافـــلا

يعني صعب بن علي بن بكر بن وائل. معنى قوله مستثفرات بالحصى: يريد أنها أثارت الحصى بحوافرها لشدة جريها حتىارتفع إلى أثفارها فكأنها استثفرت به.
وقال الهيثم بن عدي: لما قتل حجر انحازت بنته وقطينه إلى عوير بن شجنة. فقال له قومه: كل أموالهم فإنهم مأكولون، فأبى. فلما كان الليل حمل هنداً وقطينها وأخذ بخطام جملها وأشأم بهم في ليلة طخياء مدلهمة. فلما أضاء البرق أبدى عن ساقيه وكانت حمشتين . فقالت هند: ما رأيت كاليلة ساقي وافٍ. فسمعها فقال ياهند: هما ساقا غادرٍ شرٍ. فرمى بها النجاد حتى أطلعها نجران، وقال لها: إني لست أغني عنك شيئاً وراء هذا الموضع، وهؤلاء قومك، وقد برئت خفارتي. فمدحه امرؤ القيس بعدة قصائد، منها قوله في قصيدة له:
ألا إن قوماً كنتم أمس دونـهـم

هم منعوا جاراتكم آل غـدران
عويرٌ ومن مثل العوير ورهطه

أبر بميثاقٍ وأوفـى بـجـيران
هم أبلغوا الحي المضيع أهـلـه

وساروا بهم بين الفرات ونجران

وقوله:
ألا قبح الله البراجم كـلـهـا

وجدع يربوعاً وعفر دارمـا
فما فعلوا فعل العوير ورهطه

لدى باب حجرٍ إذ تجرد قائما

وقال ابن قتيبة في خبره: إن القصة المذكورة عن عوير كانت مع أبي حنبل وجارية ابن مر. قال ويقال: بل كانت مع عامر بن جوين الطائي وإن ابنته أشارت عليه بأخذ مال حجر وعياله، فقام ودخل الوادي ثم صاح: ألا إن عامر ابن جوين غدر، فأجابه الصدى مثل قوله، فقال ما أقبح هذا من قول ! ثم صاح: ألا إن عامر بن جوين وفى، فأجابه الصدى بمثل قوله، فقال: ما " أحسن هذا ! ثم دعا ابنته بجذعةٍ من غنم فاحتلبها وشرب واستلقى على قفاه وقال: والله لا أغدر ما أجزأتني جذعة. ثم نهض وكانت ساقاه حمشتين، فقالت ابنته: والله ما رأيت كاليوم ساقي وافٍ. فقال: وكيف بهما إذا كانتا ساقي غادرٍ ! هما والله حينئذٍ أقبح.
امرؤ القيس يستعدي بكراً وتغلب على بني أسد: وقال ابن الكلبي عن أبيه ويعقوب بن السكيت عن خالد الكلابي: إن امرأ القيس ارتحل حتى نزل بكراً وتغلب، فسألهم النصر على بني أسد. فبعث العيون على بني أسد فنذروا بالعيون ولجئوا إلى بني كنانة. وكان الذي أنذرهم بهم علباء بن الحارث. فلما كان الليل قال لهم علباء: يا معشر بني أسد تعلمون ! والله إن عيون امرئ القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم، فارحلوا بليل ولا تعلموا بني كنانة، ففعلوا. وأقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد فوضع السلاح فيهم وقال: يا لثارات الملك ! يا لثارات الهمام ! فخرجت إليه عجوزٌ من بني كنانة فقالت: أبيت اللعن ! لسنا لك بثأر، نحن من كنانة، فدونك ثأرك فاطلبهم فإن القوم قد شاروا بالأمس. فتبع بني أسد ففاتوه ليلتهم تلك -فقال في ذلك:
ألا يالهف هندٍ إثـر قـومٍ

هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبـيهـم

وبالأشقين ما كان العقـاب
وأفلتهن علبـاءٌ جـريضـاً

ولو أدركنه صفر الوطاب

يعني ببني ابيهم بني كنانة، لأن أسداً وكنانة ابني خزيمة أخوان.
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: سمعت رجلاً سأل يونس عن قوله " صفر الوطاب "، فقال: سألنا رؤبة عنه فقال: لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللبن. وقال غيره: صفر الوطاب أي أنه كان يقتل فيكون جسمه صفراً من دمه كما يكون الوطاب صفراً من اللبن.
" وأدركهم " ظهراً وقد تقطعت خيله وقطع أعناقهم العطش، وبنو أسد جامون على الماء، فنهد إليهم فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم، وحجز الليل بينهم، وهربت بنو أسد. فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوهم وقالوا له: قد أصبت ثأرك. قال: والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحداً. قالوا: بلى، ولكنك رجل مشئوم. وكرهوا قتالهم بني كنانة وانصرفوا عنه. ومضى هارباً لوجهه حتى لحق بحمير.
يلجأ إلى عمرو بن المنذر: وقال ابن السكيت حدثني خالد الكلابي: أن امرأ القيس لما أقبل من الحرب على فرسه الشقراء لجأ إلى ابن عمته عمرو بن المنذر وامه هند بنت عمرو بن حجر بن آكل المرار، وذلك بعد قتل أبيه وأعمامه وتفرق ملك أهل بيته، وكان عمرو يومئذٍ خليفةً لأبيه المنذر ببقة وهي بين الأنبار وهيت فمدحه وذكر صهره ورحمه وأنه قد تعلق بحباله ولجأ إليه. فأجاره، ومكث عنده زماناً. ثم بلغ المنذر مكانه عنده فطلبه، وأنذره عمرو فهرب حتى أتى حمير.
وقال ابن الكلبي والهيثم بن عدي وعمر بن شبة وابن قتيبة: فلما امتنعت بكر بن وائل وتغلب من اتباع بني أسد خرج من فوره ذلك إلى اليمن فاستنصر أزدشنوءة، فأبوا أن ينصروه وقالوا: إخواننا وجيراننا.
ومرثد الخير الحميري: فنزل بقيلٍ يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميري، وكانت بينهما قرابة، فستنصره واستمده على بني أسد، فأمده بخمسمائة رجل من حمير؛ ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم.
وقرمل بن الحميم: وقام بالمملكة بعده رجلٌ من حمير يقال له قرمل بن الحميم وكانت أمه سوداء، فردد امرأ القيس وطول عليه حتى هم بالانصراف وقال:
وإذ نحن ندعو مرثد الخير ربنا

وإذ نحن لا ندعى عبيداً لقرمل

فأنفذ له ذلك الجيش؛ وتبعه شذاذٌ من العرب، واستأجر من قبائل العرب رجالاً، فسار بهم إلى بني أسد. ومر بتبالة وبها صنم للعرب تعظمه يقال له ذو الخلصة ؛ فاستقسم عنده بقداحة وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص، فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: مصصت بظر أمك ! لو أبوك قتل ما عقتني. ثم خرج فظفر ببني أسد ويقال: إنه ما استقسم عند ذي الخلصة بعد ذلك بقدح حتى جاء أمر الله بالإسلام وهدمه جرير بن عبد الله البجلي.
قالوا: وألح المنذر في طلب امرئ القيس ووجه الجيوش في طلبه من إياد وبهراء وتنوخ ولم تكن له طاقة، وأمده أنوشروان بجيش من الأساورة فسرحهم في طلبه. وتفرقت حمير ومن كان معه عنه. فنجا في عصبة من بني آكل المرار حتى نزل بالحارث بن شهاب من بني يربوع بن حنظلة، ومع امرئ القيس أدراع خمسة: الفضفاضة والضيافة والمحصنة والخربق وأم الذيول كن لبني آكل المرار يتوارثونها ملكاً عن ملك. فقلما لبثوا عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلم إليه بني آكل المرار فأسلمهم؛ ونجا امرؤ القيس ومعه يزيد بن معاوية بن الحارث وبنته هند بنت امرئ القيس والأدرع والسلاح ومال كان بقي معه. فخرج على وجهه حتى وقع في أرض طيئ.
ثم نزل على سعد بن الضباب الإيادي: وقيل: بل نزل قبلهم على سعد بن الضباب الإيادي سيد قومه فأجازه.
قال ابن الكلبي: وكانت أم سعد بن الضباب تحت حجرٍ أبي امرئ القيس فطلقها وكانت حاملاً وهو لا يعرف، فتزوجها الضباب فولدت سعداً على فراشه، فلحق نسبه به. فقال امرؤ القيس يذكر ذلك:
يفاكهنا سعدٌ وينـعـم بـالـنـا

ويغدو علينا بالجفان وبالجـزر
ونعرف فيه من أبيه شـمـائلاً

ومن خاله ومن يزيد ومن حجر
سمـاحة ذا وبـر ذا ووفـاء ذا

ونائل ذا إذا صحا وإذا سـكـر

ثم تحول عنه فوقع في أرض طيىء فنزل برجل من بني جديلة يقال له المعلى بن تيم. ففي ذلك يقول:
كأني إذ نزلت على المعـلـى

نزلت على البواذخ من شمـام
فما ملك العراق على المعلـى

بمقتـدرٍ ولا مـلـك الـشـآم
أقر حشى امرئ القيس بن حجرٍ

بنو تيمٍ مصـابـيح الـظـلام

قالوا: فلبث عنده واتخذ إبلاً هنالك. فغدا قومٌ من بني جديلة يقال لهم بنو زيد فطردوا الأبل. وكانت لامرئ القيس رواحل مقيدة عند البيوت خوفاً من أن يدهمه أمر ليسبق عليهن. فخرج حينئذٍ فنزل ببني نبهان من طيىء، فخرج نفر منهم فركبوا الرواحل ليطلبوا له الأبل فأخذتهن جديلة، فرجعوا إليه بلا شيء. فقال في ذلك:
وأعجبني مشي الحزقة خـالـدٍ

كمشي أتانٍ حلئت بالمنـاهـل
فدع عنك نهباً صيح في حجراته

ولكن حديثاً ما حديث الرواحل

ففرقت عليه بنو نبهان فرقاً من معزى يحلبها. فأنشأ يقول:
إذا ما لم تجد إبلاً فمعـزى

كأن قرون جلتها العصـى
إذا ما قام حالبـهـا أرنـت

كأن القوم صبحهم نـعـي
فتملأ بيتنا أقطاً وسـمـنـاً

وحسبك من غنى شبعٌ وري

ثم نزل بي عامر بن جوين: فكأن ما عندهم ما شاء الله. ثم خرج فنزل بعامر بن جوين وأتخذ عنده إبلاً، وعامرٌ يومئذٍ أحد الخلعاء الفتاك قد تبرأ قومه من جرائره، فكان عنده ما شاء الله، ثم هم أن يغلبه على أهله وماله، ففطن امرؤ القيس بشعر كان عامر ينطق به وهو قوله:
فكم بالصعيد من هجان مـؤبـلة

تسير صحاحاً ذات قيد ومرسلـه
أردت بها فتكاً فلم أرتمـض لـه

ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله

وكان عامر أيضاً يقول يعرض بهند بنت امرئ القيس:
ألا حي هنداً وأطلالـهـا

وتظعان هندٍ وتحلا لـهـا
هممت بنفسي كل الهمومي

فأولى لنفسي أولى لـهـا
ساحمل نفسي عـلـى آلةٍ

فإما عليهـا وإمـا لـهـا

هكذا روى ابن أبي سعد عن دارم بن عقال. ومن الناس من يروي هذه الأبيات للخنساء في قصيدتها:
ألا ما ليعيني ألا ما لهـا

لقد أخضل الدمع سربالها

ثم بحارثة بن مر: قالوا: فلما عرف امرؤ القيس ذلك منه وخافه على أهله وماله، تغفله وأنتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثة بن مر فاستجار به. فوقعت الحرب بين عامر وبين الثعلي، فكانت في ذلك أموٌر كثيرة. قال دارم بن عقال في خبره: فلما وقعت الحرب بين طيىء من أجله، خرج من عندهم فنزل برجل من بني فزارة يقال له عمرو بن جابر بن مازن، فطلب منه الجوار حتى يرى ذات عيبه . فقال له الفزاري: يابن حجر، إني أراك في خلل من قومك وأنا أنفس بمثلك من أهل الشرف، وقد كدت بالأمس تؤكل في دار طيئ، وأهل البادية أهل بر لا أهل حصون تمنعهم، وبينك وبين أهل اليمن ذؤبانٌ من قيس، أفلا أدلك على بلد! فقد جئت قيصر وجئت النعمان فلم أر لضيف نازل ولا لمجتدٍ مثله ولا مثل صاحبه. قال: من هو وأين منزله؟ قال: السموءل بتيماء، وسوف أضرب لك مثله، هو يمنع ضعفك حتى ترى ذات عيبك، وهو في حصن حصين وحسبٍ كبير. فقال له امرؤ القيس: وكيف لي به؟ قال: أوصلك إلى من يوصلك إليه؛ فصحبه إلى رجل من بني فزارة يقال له الربيع بن ضبع الفزاري ممن يأتي السموءل فيحمله ويعطيه. فلما صار إليه قال له الفزاري: إن السموءل يعجبه الشعر. فتعال نتناشد له أشعاراً. فقال امرؤ القيس: قل حتى أقول. فقال الربيع:
قل للمنية أي حينٍ نـلـتـقـي

بفناء بيتك في الحضيض المزلق

وهي طويلة يقول فيها:
ولقد أتيت بني المصاص مفاخراً

وإلى السموءل زرته بالأبلـق
فأتيت أفضل من تحمل حـاجةً

إن جئته في غارمٍ أو مرهـق
عرفت له الأقوام كل فـضـيلةٍ

وحوى المكارم سابقاً لم يسبـق

قال: فقال امرؤ القيس:
طرقتك هندٌ بعد طول تجنبٍ

وهناً ولم تك قبل ذلك تطرق

وهي قصيدة طويلة، وأظنها منحولة لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس، والتوليد فيها بين، وما دونها في ديوانه أحد من الثقات؛ وأحسبها مما صنعه دارم لأنه من ولد السموءل ومما صنعه من روى عنه من ذلك فلم تكتب هنا . قال فوفد الفزاري بأمرئ القيس إليه. فلما كانوا ببعض الطريق إذا هم ببقرة وحشية مرمية. فلما نظر إليها أصحابه قاموا فذكوها. فبينما هم كذلك إذا هم بقوم قناصين من بني ثغل . فقالوا لهم: من أنتم؟ فانتسبوا لهم، وإذا هم من جيران السموءل فانصرفوا جميعاً وقال امرؤ القيس:
رب رامٍ من بني ثغـلٍ

مخرج كفيه من قتره
عارضٍ زوراء من نشمٍ

مع باناةٍ علـى وتـره

هكذا في رواية ابن دارم. ويروى غير باناةٍ و تحت باناةٍ:
إذ أتته الـوحـش واردةً

فتثنى النزع في يسـره
فرماها في فرائصـهـا

بإزاء الحوض أو عقره
برهيشٍ من كـنـانـتـه

كتلظي الجمر في شرره
راشه من ريش ناهـضةٍ

ثم أمهاه عل حـجـره
فهو لا تنمـي رمـيتـه

ماله لا عد مـن نـفـر

طلب إلى السموءل أن يكتب له إلى الحارث ليوصله إلى قيصر: قال: ثم مضى القوم حتى قدموا على السموءل، فأنشده الشعر، وعرف لهم حقهم، فأنزل المرأة في قبة أدم وأنزل القوم في مجلس له براحِ؛ فكان عنده ما شاء الله. ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر بن الغساني بالشأم ليوصله إلى قيصر؛ فاستنجد له رجلاً، واستودع عنده المرأة والأدراع والمال، وأقام معها يزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمه. فمضى حتى انتهى إلى قيصر؛ فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة.
لما وصل إلى قيصر دس له عنده الطماح حتى سمه بحلة خلعها عليه: فاندس رجل من بني أسد يقال له الطماح، وكان امرؤ القيس قد قتل أخاً له من بني أسد، حتى أتى إلى بلاد الروم فأقام مستخفياً ثم إن قيصر ضم إليه جيشاَ كثيفاً وفيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه: إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه. وقال ابن الكلبي: بل قال له الطماح: إن امرأ القيس غويٌ عاهرٌ وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل في ذلك أشعاراً يشهرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فبعث إليه بحلة وشيٍ مسمومة منسوجة بالذهب وقال له: إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمةٌ لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إلي بخبرك من منزلٍ منزلٍ. فلما وصلت إليه لبسها واشتد سروره بها؛ فأسرع فيه السم وسقط جلده؛ فلذلك سمي ذا القروح، وقال في ذلك:
لقد طمح الطماح من بعد أرضه

ليلبسني مما يلـبـس أبـؤسـا
فلو أنها نفسٌ لـمـوت سـويةً

ولكنها نفسٌ تساقط أنـفـسـا

قال: فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها؛ فقال:
رب خطبةٍ مسحنفره

وطعنةٍ مثعنجـره
وجفنةٍ مـتـحـيره

حلت بأرض أنقره

ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت في سفح جبل يقال له عسيب؛ فسأل عنها فأخبر بقصتها، فقال:
أجارتنا إن المزار قـريب

وإني مقيمٌ ما اقام عسـيب
أجارتنا إنا غريبان ها هنـا

وكل غريبٍ للغريب نسيب

ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك.
عبد الملك بن عمير يحدث عمر بن هبيرة بحديث عنه فيسر به ويجيزه: أخبرني محمد بن القاسم عن مجالد بن سعيد بن عبد الملك بن عمير قال: قدم علينا عمر بن هيبرة الكوفة، فأرسل إلى عشرة أنا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده، ثم قال: ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمر . فقلت أصلح الله الأمير ! أحديث الحق أم حديث الباطل؟ قال: بل حديث حق. قلت: إن امرأ القيس آلى بألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين؛ فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر. فبينما هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنةً له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه، فأعجبته. فقال لها: يا جارية ! ما ثمانية وأربعة واثنتان؟ فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة. وأما الرابعة فأخلاف الناقة. وأما اثنتان فثديا المرأة. فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها. وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وأن يسوق لها مائة من الإبل وعشر أعبد وعشرة وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك. ثم أن بعث عبداً له إلى المرأة وأهدى إليها نحياً من سمن ونحياً من عسل وحلة من عصب. فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت، وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا. ثم قدم على حي المرأة وهم خلوفٌ . فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها. فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءيكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً، فإن أباها ذهب يحالف قوماً على قومه. وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء. وأما قولها إن أخي يراعي الشمس،فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأما قولها: إن سماءكم انشقت، فإن البرد الذي بعثت به انشق. وأما قولها إن وعاءيكم نضبا، فإن النحيين الذي بعثت بهما نقصا، فأصدقني. فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي فأخبرتهم إني ابن عمك، ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك !.
ثم ساق مائةٍ من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام، فنزلا منزلاً. فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز؛ فأعانه امرؤ القيس؛ فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا ! ولكن انحروا له جزوراً وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فقالت: اسقوه لبناً حارزاً وهو الحامض فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له عن الفرث والدم، ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك؟ قال: لتقبيلي إياك. قالت: فمم يختلج كشحاك؟ قال: لالتزامي إياك. قالت: فمما يختلج فخذاك؟ قال: لتوركي إياك. قالت: عليكم العبد فشدوا أيديكم به، ففعلوا. قال: ومر قومٌ فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيه، فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته. فقيل لها قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا، ولكن انحروا له جزوراً فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء ! فأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبناً حازراً. فأبى أن يشربه وقال: فأين الصريف والرثيئة !. فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم. فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء، واضربوا عليها خباء. ثم ارسلت إليه: هلم شربطتي عليك في المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك. قال: لشرب المشعشعات. قالت: فمما يختلج كشحاك، قال: للبسي الحبرات. قالت: فمما تختلج فخذاك؟ قال: لركضي المطهمات. فقالت: هذا زوجي لعمري ! فعليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه. ودخل امرؤ القيس بالجارية. فقال ابن هبيرة: حسبكم ! فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو؛ ولن تأتينا بأعجب مه فقمنا وانصرفنا. وأمر لي بجائزة.
مفاوضات امرئ القيس وقبائل أسد بعد موت حجر: نسخت من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه رحمه الله حدثني الحسن بن سعيد عن أبي عبيدة قال: أخبرني سيبويه النحوي أن الخليل بن أحمد أخبره قال: قدم على امرئ القيس بن حجر بعد مقتل أبيه رجالٌ من قبائل بني أسد كهولٌ وشبان، فيهم المهاجر بن خداش ابن عم عبيد بن الأبرص، وقبيصة بن نعيم، وكان في بني أسد مقيماً وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور ورداً وإصداراً يعرف ذلك له من كان محيطاً بأكناف بلده من العرب. فلما علم بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدم بإكرامهم والإفضال عليهم، واحتجب عنهم ثلاثاً. فسألوا من حضره من رجال كندة فقال: هو في شغل بإخراج ما في خزائن حجر من السلاح والعدة. فقالوا: اللهم غفراً، إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف ونستدرك به ما فرط، فليبلغ ذلك عنا. فخرج عليهم في قباء وخف وعمامةٍ سوداء؛ وكانت العرب لا تعتم بالسواد إلا في الترات. فلما نظروا إليه قاموا له، وبدر إليه قبيصة: إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرف الدهر وما تحدثه أيامه وتتنقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظٍ ولا تذكرة مجرب. ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة، ورجوع عن هفوة. ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل الذي عمت رزيته نزاراً واليمن، ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشرف البارع. كان لحجرٍ التاج والعمة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشيم. ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه، ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه. فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتاً، وأعلاها في بناء المكرمات صوتاً فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك قصدته فيقول رجلٌ امتحن بهلك عزيز فلم تستل سخيمته إلا بتمكينه من الانتقام، أو فداءً بما يروح من بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداءً رجعت به القضب إلى أجفانها لم يردده تسليط الإحن على البرءاء؛ وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزر ونعقد الخمر فوق الرايات. قال: فبكى ساعة ثم رفع رأسه فقال: لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم، وإني لن أعتاض به جملاً أو ناقةً فأكتسب بذلك سبة الأبد وفت العضد. وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سبباً، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك، تحمل القلوب حنقا وفوق الأسنة علقا :
إذا جالت الخيل في مأزقٍ

تصافح فيه المنايا النفوسا

أتقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف بأسوأ الاختيار، وأبلى الاجترار لمكروه وأذية، وحرب وبلية. ثم نهضوا عنه، وقبيصة يقول متمثلاً:
لعلك أن تستوخم الموت إن غدت

كتائبنا في مأزق الموت تمطر

فقال امرؤ القيس: لا والله لا أستوخمه، فرويداً ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير. ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إن كنت نازلاً بربعي؛ ولكنك قلت فأجبت. فقال قبيصة: ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب. قال امرؤ القيس: فهو ذاك.
أصوات معبد المعروفة بألقابها وهي خمسة أصوات معبد الخمسة وألقابها: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة عن إسحاق: أن معبد كان يسمي صوته:
هريرة ودعها وإن لام لائم

الدوامة لكثرة ما فيه من الترجيع. ويسمى صوته:
عاود القلب من تذكر جملٍ

المنمنم. ويسمى صوته:
أمن آل ليلى بالملا متربع

معقصات القرون أي يحرك خصل الشعر. ويسمي صوته:
"جعل الله جعفراً لك بعلاً

المتبختر. ويسمي صوته:
ضوء برقٍ بدا لعينيك أم شبت بذي الأثل من سلامة نار

مقطع الأثفار .
نسبة هذه الأصوات وأخبارها
هريرة ودعهـا وإن لام لائم

غداة غدٍ أم أنت للبين واجـم
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته

تقضى لبانات ويسـأم سـائم
مبتلةٌ هيفاء رودٌ شبـابـهـا

لها مقلتا ريمٍ وأسود فاحـم
ووجهٌ نقي اللون صافٍ يزينه

مع الحلي لباتٌ لها ومعاصم

الواجم: الساكت المطرق من الحزن، يقال: وجم يجم وجوما. وقوله: لقد كان في حول ثواء ثويته: قال الكوفيون: أراد لقد كان في ثواء حول ثويته، فجعل ثواء بدلاً من حول. فأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام عن يونس قال: كان أبو عمرو بن العلاء يعيب قول الأعشى:
لقد كان في حول ثواء ثويته

جداً ويقول: ما أعرف له معنى ولا وجهاً يصح. قال أبو خليفة: وأما عبيدة فإنه قال: معناه لقد كان في ثواء حول ثويته. والبانات والمآرب والحوائج والأوطار واحد. والمبتلة: الحسنة الخلق. والهيفاء: اللطيفة الخصر. والرئم: الظبي. والفاحم: الشديد السواد. وقال: لباتٌ لها وإنما لها لبة واحدة ولكن العرب تقول ذلك كثيراً؛ يقال: لها لباتٌ حسانٌ، يراد اللبة وما حولها. والمعاصم: موضع الأسورة، وواحدها معصم.
الشعر للأعشى. والغناء لمعبد، وله فيه لحنان، أحدهما وهو الملقب بالدوامة خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، والأخر ثقيل عن الهشامي وابن خرداذبة)).

صدى الاحزان
2010-08-16, 11:01
حاتم الطائي
توفي 577 م
هو حاتم بن عبد الله بن سعد الحشرج بن طىء . أمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم . كانت ذات يسار وسخاء، حجر عليه إخوتها ومنعوها مالها لمنعها من تبذيره. نشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم .
كان حاتم من ابرز شعراء الجاهلية ، وكان جوّاداً يشبه شعره جوده . وكان حيثما حلّ عرف منزله ، واذا قاتل ظفر، وذا غنم أنهب ، وذا سئل لم يبخل جواباً ، واذا سابق سبق ، واذا أسر أطلق . وقد تداول الرواة نوادر عديدة في عفته وشجاعته وكرمه . فهو لا يغزو غزوة ولا يخطو خطوة الا ويجد لها سبيلاً من سبل الكرم والانفاق . ولم يزل على حاله في إطعام الطعام وإنهاب ماله حتى ولى . ويذكر الرواة ان اولاده كانوا على كرمه ونبل أخلاقه .
يدور معظم شعر الطائي حول الكرم والعطاء والانفة وبعد الهمة والحفاظ على الجار . فهو يحفظ الود ولا يظلم احداً، أكان قريباً ام بعيداً . وهو الى ذلك فارس شجاع وصعلوك فذّ ، يجمع الصعاليك ويغدق عليهم ويتولى رعايتهم. ولعل شعره ، كما تصرفاته ، يصدر عن موقف نفسي خاص من الحياة وقيمها . فالانسان في نظره اعظم من ان يكتفي بامور الطعام والملبس فحسب ، بل يجب ان تكون له غاية مثل اقتحام الصعاب والنهوض الى المطامح الكبرى .
حاتم الطائي شاعر إيجابي من الناحية الخلقية ، يعبر عن الايمان بالحياة وحكمتها ولا يقف منها موقف الرفض . فهو شاعر اليقين . وقد جاء شعره رديفاً للفروسية يتوسل به ليطلق آراء الناس . وقد تغلبت في شعره الصفة النفسية على الصفة الفنية ، تتعاظم لديه الهموم البشرية فيما تتضاءل الهموم الجمالية . الفاظه ابنة نفسه وحدسه المباشر . هي اقرب الى البديهة منها الى الصفة ، والى الطبع وليس التطبع .
قال ابن كثير في "البداية والنهاية (http://www.al-hakawati.net/arabic/Civilizations/book81aindex.asp)": ((وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم بن أبي أحزم واسمه هرومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء أبو سفَّانة الطائي والد عدي بن حاتم الصحابي، كان جواداً ممدحاً في الجاهلية، وكذلك كان ابنه في الإسلام، وكانت لحاتم مآثر وأمور عجيبة وأخبار مستغربة في كرمه يطول ذكرها، ولكن لم يكن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، وإنما كان قصده السمعة والذكر‏.‏
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده‏:‏ حدثنا محمد بن معمر، حدثنا عبيد بن واقد القيسي، حدثنا أبو نصر هو الناجي عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال‏:‏ ذكر حاتم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
‏(‏‏(‏ذاك أراد أمراً فأدركه‏)‏‏)‏‏.‏ حديث غريب‏.‏
قال الدارقطني‏:‏ تفرد به عبيد بن واقد عن أبي نصر الناجي، ويقال‏:‏ إن اسمه حماد‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ وقد فرق أبو أحمد الحاكم بين أبي نصر الناجي، وبين أبي نصر حماد ولم يسم الناجي، ووقع في بعض روايات الحافظ ابن عساكر عن أبي نصر شيبة الناجي، والله أعلم‏.‏
وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عدي بن حاتم قال‏:‏ قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل فهل له في ذلك‏؟‏ يعني من أجر‏.‏
قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك طلب شيئاً فأصابه‏)‏‏)‏‏.‏
وهكذا رواه أبو يعلى عن القواريري عن غندر، عن شعبة، عن سماك به‏.‏
وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك أراد أمراً فأدركه‏)‏‏)‏‏.‏
يعني الذكر‏.‏
وهكذا رواه أبو القاسم البغوي، عن علي بن الجعد، عن شعبة به سواء‏.‏
وقد ثبت في الصحيح في الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم منهم‏:‏ الرجل الذي ينفق ليقال إنه كريم فيكون جزاؤه أن يقال ذلك في الدنيا، وكذا في العالم والمجاهد‏.‏
وفي الحديث الآخر في الصحيح أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقالوا له‏:‏ كان يقري الضيف، ويعتق ويتصدق فهل ينفعه ذلك‏؟‏ فقال‏:‏
‏(‏‏(‏إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين‏)‏‏)‏‏.‏
هذا وقد كان من الأجواد المشهورين أيضاً، المطعمين في السنين الممحلة والأوقات المرملة‏.‏
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف العماني، حدثنا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي قال‏:‏
قال علي بن أبي طالب‏:‏ يا سبحان الله‏!‏ ما أزهد كثيراً من الناس في خير عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاح‏.‏
فقام إليه رجل وقال‏:‏ فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وما هو خير منه‏:‏ لما أتى بسبايا طيء وقعت جارية حمراء لعساء زلفا عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلجة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين‏.‏
قال‏:‏ فلما رأيتها أعجبت بها وقلت‏:‏ لأطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعلها في فيئي، فلما تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت‏:‏ يا محمد‏:‏ إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، وأنا ابنة حاتم طيء‏.‏
فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً لو كان أبوك مؤمناً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق‏.‏
فقام أبو بردة بن ينار فقال يا رسول الله‏:‏ والله يحب مكارم الأخلاق‏؟‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق‏)‏‏)‏‏.‏
وقال أبو بكر ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثني عمر بن بكر، عن أبي عبد الرحمن الطائي - هو القاسم بن عدي - عن عثمان، عن عركي بن حليس الطائي، عن أبيه، عن جده، وكان أخا عدي بن حاتم لأمه قال‏:‏ قيل لنوار امرأة حاتم حدثينا عن حاتم قالت‏:‏ كل أمره كان عجباً، أصابتنا سنة حصت كل شيء فاقشعرت لها الأرض واغبرت لها السماء، وضنت المراضع على أولادها، وراحت الإبل حدباً حدابير ما تبض بقطرة، وحلقت المال، وأنا لفي ليلة صنّبر بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى الأصبية من الجوع‏:‏ عبد الله، وعدي، وسفانة، فوالله إن وجدنا شيئاً نعللهم به، فقام إلى أحد الصبيان فحمله وقمت إلى الصبية فعللتها، فوالله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل‏.‏ ‏
ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت وما كاد، ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل، فأضجعنا الصبيان عليها، ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بيننا، ثم أقبل علي يعللني لأنام وعرفت ما يريد فتناومت، فقال‏:‏ مالك أنمت‏؟‏ فسكت‏.‏ فقال‏:‏ ما أراها إلا قد نامت، وما بي نوم‏.‏
فلما ادلهم الليل، وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل، إذ جانب البيت قد رفع فقال من هذا‏؟‏ فولى حتى قلت إذاً قد أسحرنا أو كدنا‏.‏ عاد فقال من هذا‏؟‏ قالت‏:‏ جارتك فلانة يا أبا عدي، ما وجدت على أحد معولاً غيرك، أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع‏.‏
قال‏:‏ أعجليهم عليّ‏.‏ قالت النوار‏:‏ فوثبت فقلت ماذا صنعت أضطجع والله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم فكيف بهذه وبولدها‏؟‏ فقال‏:‏ اسكتي فوالله لأشبعنك إن شاء الله‏.‏
قالت‏:‏ فأقبلت تحمل اثنين، وتمشي جنبتيها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ بحربته في لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة، ثم قال‏:‏ دونك‏.‏
ثم قال‏:‏ ابعثي صبيانك فبعثتهم، ثم قال‏:‏ سوءة أتأكلون شيئاً دون أهل الصرم، فجعل يطوف فيهم حتى هبوا وأقبلوا عليه، والتفع في ثوبه ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا، والله ما ذاق مزعة وإنه لأحوجهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم وحافر‏.‏
وقال الدارقطني‏:‏ حدثني القاضي أبو عبد الله المحاملي، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، وحدثنا عثيم بن ثوابة بن حاتم الطائي، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ قالت امرأة حاتم لحاتم‏:‏ يا أبا سفانة أشتهي أن آكل أنا وأنت طعاماً وحدنا ليس عليه أحد، فأمرها فحولت خيمتها من الجماعة على فرسخ، وأمر بالطعام فهيأ وهي مرخاة ستورها عليه وعليها، فلما قارب نضج الطعام كشف عن رأسه ثم قال‏:‏
فلا تطبخي قدري وسترك دونها * علي إذن ما تطبخين حرام
ولكن بهذاك اليفاع فأوقدي * بجزل إذا أوقدت لا بضرام
قال‏:‏ ثم كشف الستور، وقدم الطعام، ودعى الناس فأكل وأكلوا، فقالت‏:‏ ما أتممت لي ما قلت فأجابها لا تطاوعني نفسي، ونفسي أكرم علي من أن يثنى علي هذا، وقد سبق لي السخاء ثم أنشأ يقول‏:‏
أمارس نفسي البخل حتى أعزها * وأترك نفس الجود ما أستثيرها
ولا تشتكيني جارتي غير أنها * إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها * إليها ولم تقصر عليها ستورها
ومن شعر حاتم‏:‏
إذا ما بت أشرب فوق ري * لسكر في الشراب فلا رويت
إذا ما بت أختل عرس جاري * ليخفيني الظلام فلا خفيت
أأفضح جارتي وأخون جاري * فلا والله أفعل ما حييت
ومن شعره أيضاً‏:‏
ما ضر جاراً لي أجاوره * أن لا يكون لبابه ستر
أغضي إذا ما جارتي برزت * حتى يواري جارتي الخدر
ومن شعر حاتم أيضاً‏:‏
وما من شيمتي شتم ابن عمي * وما أنا مخلف من يرتجيني
وكلمة حاسد من غير جرم * سمعت وقلت مري فأنقذيني
وعابوها علي فلم تَعِبْني * ولم يعرَق لها يوما جبيني
وذي وجهين يلقاني طليقاً * وليس إذا تغيب يأتسيني
ظفرت بعيبه فكففت عنه * محافظة على حسبي وديني
ومن شعره‏:‏
سلي البائس المقرور يا أم مالك * إذا ما أتاني بين ناري ومجزري
أأبسط وجهي إنه أول القِرى * وأبذل معروفي له دون مُنْكَري
وقال أيضاً‏:‏
وإنك إن أعطيت بطنك سؤله * وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وقال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكرياء الجريري‏:‏ حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أبو العباس المبرد، أخبرني الثوري، عن أبي عبيدة قال‏:‏ لما بلغ حاتم طيء قول المتلمس‏:‏
قليل المال تصلحه فيبقى * ولا يبقى الكثير على الفساد
وحفظ المال خير من فناه * وعسف في البلاد بغير زاد
قال‏:‏ ماله قطع الله لسانه حمل الناس على البخل فهلا قال‏:‏
فلا الجود يفني المال قبل فنائه * ولا البخل في مال الشحيح يزيد
فلا تلتمس مالاً بعيش مقتر * لكل غد رزق يعود جديد
ألم ترَ أن المال غاد ورائح * وأن الذي يعطيك غير بعيد
قال القاضي أبو الفرج ولقد أحسن في قوله‏:‏ وإن الذي يعطيك غير بعيد، ولو كان مسلماً لرجي له الخير في معاده، وقد قال الله في كتابه‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 32‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 186‏]‏‏.‏
وعن الوضاح بن معبد الطائي قال‏:‏ وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه، ثم زوده عند انصرافه جملين ذهباً، وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيء، فقالت‏:‏ يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر‏!‏ فقال حاتم‏:‏ هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه‏.‏
فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له‏:‏ اتق الله وأبق ِعلى نفسك، فما يدع هؤلاء ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً‏.‏ فأنشأ يقول‏:‏
قالت طريفة ما تبقي دراهمنا * وما بنا سرف فيها ولا خرق
إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا * ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق
ما يألف الدرهم الكاري خِرقَتَنا * إلا يمر عليها ثم ينطلق
إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا * ظلت إلى سبل المعروف تستبق
وقال أبو بكر ابن عياش‏:‏ قيل لحاتم هل في العرب أجود منك‏؟‏ فقال‏:‏ كل العرب أجود مني‏.‏ ثم أنشأ يحدث قال‏:‏ نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي شاة منها وأتاني بها، فلما قرّب إليّ دماغها قلت‏:‏ ما أطيب هذا الدماغ‏!‏
قال‏:‏ فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت‏:‏ قد اكتفيت، فلما أصبحت إذا هو قد ذبح المائة شاة وبقي لا شيء له‏؟‏ فقيل‏:‏ فما صنعت به‏؟‏ فقال‏:‏ ومتى أبلغ شكره ولو صنعت به كل شيء‏.‏ قال‏:‏ على كل حال فقال أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي‏.‏
وقال محمد بن جعفر الخرائطي في كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق‏)‏‏:‏ حدثنا العباس بن الفضل الربعي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني حماد الراوية، ومشيخة من مشيخة طيء قالوا‏:‏ كانت عنترة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس أم حاتم طيء لا تمسك شيئاً سخاءً وجوداً‏.
وكان إخوتها يمنعونها فتأبى، وكانت امرأة موسرة فحبسوها في بيت سنة، يطعمونها قوتها لعلها تكف عما تصنع، ثم أخرجوها بعد سنة وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق، فدفعوا إليها صرمة من مالها وقالوا‏:‏ استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها فقالت‏:‏ دونك هذه الصرمة، فقد والله مسني من الجوع ما آليت أن لا أمنع سائلاً ثم أنشأت تقول‏:‏
لعمري لقِدماً عضني الجوع عضة * فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني * وان أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم * سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
وماذا ترون اليوم إلا طبيعة * فكيف بتركي يا ابن أمي الطبائعا
وقال الهيثم بن عدي، عن ملحان بن عركي بن عدي بن حاتم، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ شهدت حاتماً يكيد بنفسه فقال لي‏:‏ أي بني إني أعهد من نفسي ثلاث خصال، والله ما خاتلت جارة لريبة قط، ولا أوتمنت على أمانة إلا أديتها، ولا أوتي أحد من قبلي بسوء‏.‏
وقال أبو بكر الخرائطي‏:‏ حدثنا علي بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى العدوي، حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي مسكين - يعني جعفر بن المحرر بن الوليد - عن المحرر مولى أبي هريرة قال‏:‏ مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيء فنزلوا قريباً منه، فقام إليه بعضهم يقال له‏:‏ أبو الخيبري فجعل يركض قبره برجله‏.‏ ويقول‏:‏ يا أبا جعد اقرنا‏.‏ فقال له بعض أصحابه‏:‏ ما تخاطب من رمة وقد بليت‏؟‏ وأجنهم الليل فناموا، فقام صاحب القول فزعاً يقول‏:‏ يا قوم عليكم بمطيكم فإن حاتماً أتاني في النوم وأنشدني شعراً وقد حفظته يقول‏:‏
أبا الخيبري وأنت امرؤ * ظلوم العشيرة شتّامها
أتيت بصحبك تبغي الِقرى * لدى حفرة قد صَدَت هَامَها
أتبغي لي الذنب عند المبيت * وحولك طيء وأنعامها
وإنا لنشبع أضيافنا * وتأتي المطي فنعتامها
قال‏:‏ وإذا ناقة صاحب القول تكوس عقيراً فنحروها، وقاموا يشتوون ويأكلون‏.‏ ‏
وقالوا‏:‏ والله لقد أضافنا حاتم حياً وميتاً‏.‏ قال‏:‏ وأصبح القوم وأردفوا صاحبهم وساروا، فإذا رجل ينوه بهم راكباً جملاً ويقود آخر‏.‏ فقال‏:‏ أيكم أبو الخيبري‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ إن حاتماً أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك، وأمرني أن أحملك وهذا بعير فخذه، ودفعه إليه))‏.‏