salah74
2008-04-26, 20:46
أسمه الحقيقي
هو محمود بن ممدود أمير من أمراءالدولة الخوارزمية ، قبض عليه المغول إثر تحطيمهم الدولة الخوارزمية وباعوه في سوق النخاسة ، وأطلقوا عليه اسم قطز وهو الكلب الشرس باللغة المغولية ، حيث كانت تبدو عليه علامات القوة والبأس.
أما كنيته سيف الدين فقد لقب به إثر اعتلاءه عرش المماليك في مصر, ولقبه "الملك المظفر" فقد لقب به بعد تغلبه على التتار في معركة عين جالوت .
نشأ قطز في بيت مسلم ملكي أصيل ، فهو ابن أخت جلال الدين بن خوارزم ملك الخوارزميين المشهور، والذي قاومالتتار فترة وانتصر عليهم، ثم هُزم منهم، وفرّ إلى الهند،
خلع السلطان المنصور وتولى السلطان قطز كمال الدين على مصر ولقب بالملك المظفر سنة 657 هـ
سلطنة المظفر قطز السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي الثالث من ملوك الترك بالديار المصرية.
وقطز بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاي وهو لفظ مغلي.
تسلطن بعد خلع ابن أستاذه الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة وذلك بعد أن عظمت الأراجيف بتحرك التتار نحو البلاد الشامية وقطعهم الفرات وهجمهم بالغارات على البلاد الحلبية وكان وصل إليه بسبب ذلك الصاحب كمال الدين عمر بن العديم رسولًا من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب منه النجدة على قتال التتار فأنزله قطز بالكبش وجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في أمر التتار وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم فحضروا في دار السلطنة بقلعة الجبل وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري قاضي الديار المصرية وغيرهما من العلماء.
فتوى الحـــرب :
وجلس الملك المنصور علي في دست السلطنة وأفاضوا في الحديث فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام وخلاصة ما قال: إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ولتساووا هم والعامة.
وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.
وانفض المجلس على ذلك ولم يتكلم السلطان بكلمة في المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه فلهج الناس بخلع المنصور وسلطنة قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم.
إقصاء السلطان منصور
واتفق ذلك بعد أيام وقبض قطز هذا على الملك المنصور علي واحتج لكمال الدين ابن العديم وغيره بأنه صبي لا يحسن تدبير الملك وفي مثل هذا الوقت الصعب لابد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه الناس وينتصب للجهاد.
وكان الأميران: علم الدين سنجر الغتمي المعظمي وسيف الدين بهادر حين جرى هذا الأمر غائبين في الصيد فاغتنم قطز لغيبتهما الفرصة فلما حضرا قبض عليهما واعتقلهما وتسلطن. وركب بشعار الملك وجلس على كرسي السلطنة وتم أمره.
هولاكوا والتتار يستولى على الشام ويتجه إلى مصر
ولما وقع ذلك تقدم قطز إلى برهان الدين الخضر أن يتوجه في جواب رسالة الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام صحبة الصاحب كمال الدين ابن العديم ويعد الملك الناصر بالنجمة وإنفاذ العساكر إليه فتوجها ووصلا إلى دمشق وأديا الرسالة. ولم يزل البرهان بدمشق إلى أن رحل الملك الناصر من دمشق إلى جهة الديار المصرية جافلًا من التتار.
وكان الناصر لما تحقق بحركة التتار رحل إلى برزة شمالي دمشق ونزل بها بعساكره واجتمع إليه أمم عظيمة من العرب والعجم والتركمان والأتراك والمطوعة فلم يعجب الناصر حاله لما رأى من تخاذل عسكره وعلم أنه إذا لاقى التتار لم يثبت عسكره لهم لكثرتهما ولقوتهم فإن هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى عن المغل والكرج والعجم وغيرهم ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين من سنة ست عشرة وستمائة إلى هذه السنة يلقاهم عسكر إلا فلوه سوى وقائع كانت بينهم وبين جلال الدين بن خوارزم شاه انتصف جلال الدين في بعضها ثم كبسوه على باب آمد وبددوا جمعه وأعقب ذلك موت جلال الدين بالقرب من ميافارقين.
وأما أمر هولاكو فإنه في جمادى الأولى من هذه السنة نزل حران واستولى عليها وملك بلاد الجزيرة ثم سير ولده أشموط بن هولاكو إلى الشام وأمره بقطع الفرات وأخذ البلاد الشامية وسيره في جمع كثيف من التتار فوصل أشموط إلى نهر الجوز وتل باشر ووصل الخبر إلى حلب من البيرة بذلك.
وكان نائب السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه فجفل الناس بين يدي التتار إلى جهة دمشق وعظم الخطب واجتمع الناس من كل فج عند الملك الناصر بدمشق واحترز الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر بحلب غاية الاحتراز وكذلك جميع نواب البلاد الحلبية وصارت حلب في غاية الحصانة بأسوارها المحكمة البناء وكثرة الآلات.
فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة قصد التتار حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية وامتدوا إلى حيلان والحادي وسيروا جماعة من فخرج عسكر حلب ومعهم خلق عظيم من العوام والسوقة وأشرفوا على التتار وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم لانتظار المسلمين فلما تحقق المسلمون كثرتهم كروا راجعين إلى المدينة فرسم الملك المعظم بعد ذلك ألا يخرج أحد من المدينة.
ولما كان غد هذا اليوم رحلت التتار من منازلهم طالبين مدينة حلب واجتمع عسكر المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتمدونه فأشار عليهم الملك المعظم أنهم لا يخرجون أصلا لكثرة التتار ولقوتهم وضعف المسلمين على لقائهم فلم يوافقه جماعة من العسكر وأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدو فيهم فخرج العسكر إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا الجميع بجبل بانقوسا ووصل جمع التتار إلى أسفل الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتلوهم فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرا منهم وخديعة فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار ثم كر التتار عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتار في أثرهم.
فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم نحو البلد والتتار في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعًا كثيرًا من الجند والعوام.
ونازل التتار المدينة في ذلك اليوم إلى آخره ثم رحلوا طالبين أعزاز فتسلموها بالأمان.
ثم عادوا إلى حلب في ثاني صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة وحاصروها حتى استولوا عليها في تاسع صفر بالأمان.
فلما ملكوها غدروا بأهل حلب وقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا تلك الأفعال القبيحة على عادة فعلهم.
وبلغ الملك الناصر يوسف أخذ حلب في منتصف صفر فخرج الناصر من الشام بأمرائه نحو القبلة.
وكان رسل التتار بقرية حرستا فأدخلوا دمشق ليلة الاثنين سابع عشر صفر.
وقرئ بعد صلاة الظهر فرمان - أعني مرسومًا - جاء من عند ملك التتار يتضمن الأمان لأهل دمشق وما حولها وشرع الأكابر في تدبير أمرهم.
ثم وصلت التتار إلى دمشق في سابع عشر ربيع الأول فلقيهم أعيان البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمن الأمان ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارين من وراء الضياع إلى جهة الكسوة وأهلكوا في ممرهم جماعة كانوا قد تجمعوا وتحزبوا.
وفي السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضي كمال الدين عمر بن بندار التفليسي بتفويض قضاء القضاة إليه بمدائن الشام إلى الموصل وميافارقينوغير ذلك وكان القاضي قبله صدر الدين أحمد بن سني الدولة.
وتوجه الملك الناصر نحو الديار المصرية ونزل العريش ثم قطيا بعد أن تفرق عسكره عنه وتوجه معظم عسكره إلى مصر قبله مع الأثقال. فلما وصل الناصر إلى قطيا عاد منها إلى جهة الشام لشيء بلغه عن الملك المظفر صاحب مصر ونزل بوادي موسى ثم نزل بركة زيزاء فكبسه التتار بها وهو في خواصه وقليل من مماليكه فاستأمن الناصر من التتار وتوجه إليهم. فلما وصل إليهم احتفظوا به وبقي معهم في ذل وهوان إلى أن قتل
وأما التتار فإنه بلغت غارتهم إلى غزة وبلد الخليل - عليه السلام - فقتلوا الرجال وسبوا النساء والصبيان واستاقوا من الأسرى والأبقار والأغنام والمواشي شيئًا كثيرًا. كل ذلك والسلطان الملك المظفر قطز سلطان مصر يتهيأ للقاء التتار.
فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النصرة على التتار وأجمعوا على حفظ مصر لا غير لكثرة عددهم واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين وأنهم ما قصدوا إقليمًا إلا فتحوه ولا عسكرًا إلا هزموه ولم يبق خارج عن حكمهم في الجانب الشرقي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن وهرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز والباقون بقوا في وجل عظيم وخوف شديد يتوقعون دخول العدو وأخذ البلاد وصمم الملك المظفر - رحمه الله - على لقاء التتار وخرج من مصر في الجحافل الشامية والمصرية في شهر رمضان وصحبته الملك المنصور صاحب حماة وكان الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب الأمور كلها مفوضة إليه وسير الملك المظفر قطز إلى صاحب حماة وهو بالصالحية يقول له: لا تحتفل في مد سماط بل كل واحد من أصحابك يفطر على قطعة لحم في صولقه.
وسافر الملك المظفر بالعساكر من الصالحية ووصل غزة والقلوب وجلة.
***********************************
معركة عين جالوت
الحرب بين التتار ومماليك مصر
عين جالوت 25 من رمضان 658 هـ وأما كتبغانوين مقدم التتار على عسكر هولاكو لما بلغه خروج الملك المظفر قطز كان بالبقاع فاستدعى الملك الأشرف موسى ابن المنصور صاحب حمص وقاضي القضاة محيي الدين واستشارهم في ذلك فمنهم من أشار بعدم الملتقى والاندفاع بين يدي الملك المظفر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العسكر المصري ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرقت الآراء فاقتضى رأي كتبغانوين الملتقى وتوجه من فوره لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه بعد أن جمع كتبغانوين من في الشام من التتار وغيرهم وقصد محاربة المسلمين وصحبته الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان.
ثم رحل الملك المظفر قطز بعساكره من غزة ونزل الغور بعين جالوت وفيه جموع التتار في يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان ووقع المصاف بينهم في اليوم المذكور وتقاتلا قتالًا شديدًا لم ير مثله حتى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة فحمل الملك المظفر - رحمه الله - بنفسه في طائفة من عسكره وأردف الميسرة حتى تحايوا وتراجعوا واقتحم الملك المظفر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلي في ذلك اليوم بلاء حسنًا وعظم الحرب وثبت كل من الفريقين مع كثرة التتار.
والمظفر مع ذلك يشجع أصحابه ويحسن إليهم الموت وهو يكر بهم كرة بعد كرة حتى نصر الله الإسلام وأعزه وانكسرت التتار وولوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قتل معظم أعيانهم وأصيب مقدم العساكر التتارية كتبغانوين فإنه أيضا لما عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقتل شر قتلة. وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي
وولوا التتار الأدبار لا يلوون على شيء واعتصم منهم طائفة بالتل المجاور لمكان الوقعة فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتى أفنوهم قتلًا ونجا من نجا.
وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري في جماعة من الشجعان إلى أطراف البلاد واستوفى أهل البلاد والضياع من التتار آثارهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى إنه لم يسلم منهم إلا القليل جدًا.
وفي حال الفراغ من المصاف حضر الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل بين يدي السلطان الملك المظفر قطز وكان التتار لما ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها معتقلًا فأطلقوه وأعطوه بانياس وقلعة الصبيبة فانضم على التتار وبقي منهم وقاتل يوم المصاف المسلمين قتالًا شديدًا فلما أيد الله المسلمين بنصره وحضر الملوك عند الملك المظفر فحضر الملك السعيد هذا من جملتهم على رغم أنفه فلم يقبل المظفر عذره وأمر بضرب عنقه فضربت في ثم كتب الملك المظفر كتابًا إلى أهل دمشق يخبرهم فيه بالفتح وكسر العدو المخذول ويعدهم بوصوله إليهم ونشر العدل فيهم فسر عوام دمشق وأهلها بذلك سرورًا زائدًا وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في جامع دمشق.
وكان المذكور من أهل العلم لكنه كان فيه شر وكان رافضيا خبيثا وانضم على التتار. وقتلوا أيضًا بدمشق من أعوان التتار ابن الماسكيني وابن النفيل وغيرهما.
التتار كانوا أكثر عدلاً على المسيحيين من المسلمين
وكان النصارى بدمشق قد شمخوا وتجرؤوا على المسلمين واستطالوا بتردد التتار إلى كنائسهم.
وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاؤوا من عنده بفرمان يتضمن الوصية بهم والاعتناء بأمرهم ودخلوا بالفرمان من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون بارتفاع دينهم واتضاع دين المسلمين ويرشون الخمر على الناس وفي أبواب المساجد فحصل عند المسلمين من ذلك هم عظيم.
فلما هرب نواب التتار حين بلغتهم الكسرة أصبح الناس وتوجهوا إلى دور النصارى ينهبونها ويأخذون ما استطاعوا منها وأخربوا كنيسة اليعاقبة وأحرقوا كنيسة مريم حتى بقيت كومًا وقتلوا منهم جماعة واختفى الباقون.
وكانت النصارى في تلك الأيام ألزموا المسلمين بالقيام في دكاكينهم للصليب ومن لم يقم أخرقوا به وأهانوه وشقوا السوق على هذا الوجه إلى عند القنطرة آخر سويقة كنيسة مريم فقام بعضهم على الدكان الوسطى من الصف الغربي بين القناطر وخطب وفضل دين النصارى ووضع من دين الإسلام وكان ذلك في ثاني عشرين شهر رمضان.
ثم من الغد طلع المسلمون مع قضاتهم وشهودهم إلى قلعة دمشق وبها التتار فأهانوهم التتار ورفعوا قسيس النصارى عليهم ثم أخرجوهم بالضرب فصار ذلك كله في قلوب المسلمين. انتهى.
ثم إن أهل دمشق هموا أيضًا بنهب اليهود فنهبوا منهم يسيرًا ثم كفوا عنهم.
ثم وصل الملك المظفر قطز إلى دمشق مؤيدًا منصورًا فانجبرت بذلك قلوب الرعايا وتضاعف شكرهم لله تعالى.
والتقاه أهل دمشق بعد أن عفوا آثار النصارى وخربوا كنائسهم جزاء لما كانوا سلفوه من ضرب النواقيس على رؤوس المسلمين ودخولهم بالخمر إلى الجامع.
وفي هذا المعنى يقول بعض شعراء دمشق: الخفيف هلك الكفر في الشام جميعًا واستجد الإسلام بعد دحوضه بالمليك المظفر الملك الأر - - وع سيف الإسلام عند نهوضه ملك جاءنا بعزم وحزم فاعتززنا بسمره وبيضه أوجب الله شكر ذاك علينا دائما مثل واجبات فروضه وفي نصرة الملك المظفر هذا يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة: الكامل غلب التتار على البلاد فجاءهم من مصر تركي يجود بنفسه ثم قدم الخبر على السلطان بدمشق في شوال بأن المنهزمين من رجال التتار ونسائهم لحقهم الطلب من الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فإن بيبرس كان تقدم قبل السلطان إلى دمشق يتبع آثار التتار إلى قرب حلب فلما قرب منهم بيبرس سيبوا ما كان في أيديهم من أسارى المسلمين ورموا أولادهم فتخطفهم الناس وقاسوا من البلاء ما يستحقونه.
وكان الملك المظفر قطز قد وعد الأمير بيبرس بحلب وأعمالها فلما انتصر على التتار انثنى عزمه عن إعطائه حلب وولاها لعلاء الذين علي بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فكان ذلك سبب الوحشة بين بيبرس وبين الملك المظفر قطز.
ولما قدم الملك المظفر إلى دمشق أحسن إلى الناس وأجراهم على عوائدهم وقواعدهم إلى آخر أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف. وسير الملك الأشرف صاحب حمص يطلب منه أمانًا على نفسه وبلاده وكان الأشرف أيضا ممن انضاف إلى التتار فأمنه وأعطاه بلاده وأقره عليها فحضر الأشرف إلى خدمة الملك المظفر ثم عاد إلى بلده. ثم توجه الملك المظفر صاحب حماة إلى حماة على ما كان عليه وكان حضر مع الملك المظفر قطز من مصر. قلت: والملك المظفر قطز هو أول من ملك البلاد الشامية واستناب بها من ملوك الترك.
ثم إن الملك المظفر قطز رتب أمور الشام واستناب بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير.
الخيانة وقتل السلطان قطز الذى هزم التتار
ثم خرج المظفر من دمشق عائدا إلى مصر إلى أن وصل إلى القصير وبقي بينه وبين الصالحية مرحلة واحدة ورحلت العساكر إلى جهة الصالحية وضرب الدهليز السلطاني بها وبقي المظفر مع بعض خواصه وأمرائه وكان جماعة قد اتفقوا مع الأمير بيبرس البندقداري على قتل الملك المظفر: منهم الأمير سيف الدين أنص من مماليك نجم الدين الرومي الصالحي وعلم الدين صنغلي وسيف الدين بلبان الهاروني وغيرهم كل ذلك لكمين كان في نفس بيبرس لأجل نيابة حلب.
واتفق عند القصير بعد توجه العساكر إلى الصالحية أن ثارت أرنب فساق الملك المظفر قطز عليها وساق هؤلاء المتفقون على قتله معه فلما أبعدوا ولم يبق معه غيرهم تقدم إليه الأمير بيبرس البندقداري وشفع عنده شفاعة في إنسان فأجابه فأهوى بيبرس ليقبل يده فقبض عليها وحمل أنص عليه وقد أشغل بيبرس يده وضربه بالسيف ثم حمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنشاب فقتلوه ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتى وصلوا إلى الدهليز السلطاني بالصالحية فنزلوا ودخلوا والأتابك على باب الدهليز فأخبروه بما فعلوا فقال: من قتله منكم فقال بيبرس: أنا فقال: يا خوند اجلس على مرتبة السلطان ولما وقع ذلك وبلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير نائب دمشق عز عليه قتل الملك المظفر ثم دعا الناس لنفسه واستحلفهم وتلقب بالملك المجاهد.
أما الملك المظفر قطز فإنه دفن موضع قتله وكثر أسف الناس وحزنهم عليه.
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي في تاريخه - رحمه الله تعالى - بعد ما سماه ونعته قال: وكان المظفر أكبر مماليك الملك المعز أيبك التركماني وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير وله اليد البيضاء في جهاد التتار فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه.
هو محمود بن ممدود أمير من أمراءالدولة الخوارزمية ، قبض عليه المغول إثر تحطيمهم الدولة الخوارزمية وباعوه في سوق النخاسة ، وأطلقوا عليه اسم قطز وهو الكلب الشرس باللغة المغولية ، حيث كانت تبدو عليه علامات القوة والبأس.
أما كنيته سيف الدين فقد لقب به إثر اعتلاءه عرش المماليك في مصر, ولقبه "الملك المظفر" فقد لقب به بعد تغلبه على التتار في معركة عين جالوت .
نشأ قطز في بيت مسلم ملكي أصيل ، فهو ابن أخت جلال الدين بن خوارزم ملك الخوارزميين المشهور، والذي قاومالتتار فترة وانتصر عليهم، ثم هُزم منهم، وفرّ إلى الهند،
خلع السلطان المنصور وتولى السلطان قطز كمال الدين على مصر ولقب بالملك المظفر سنة 657 هـ
سلطنة المظفر قطز السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي الثالث من ملوك الترك بالديار المصرية.
وقطز بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاي وهو لفظ مغلي.
تسلطن بعد خلع ابن أستاذه الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة وذلك بعد أن عظمت الأراجيف بتحرك التتار نحو البلاد الشامية وقطعهم الفرات وهجمهم بالغارات على البلاد الحلبية وكان وصل إليه بسبب ذلك الصاحب كمال الدين عمر بن العديم رسولًا من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب منه النجدة على قتال التتار فأنزله قطز بالكبش وجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في أمر التتار وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم فحضروا في دار السلطنة بقلعة الجبل وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري قاضي الديار المصرية وغيرهما من العلماء.
فتوى الحـــرب :
وجلس الملك المنصور علي في دست السلطنة وأفاضوا في الحديث فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام وخلاصة ما قال: إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ولتساووا هم والعامة.
وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.
وانفض المجلس على ذلك ولم يتكلم السلطان بكلمة في المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه فلهج الناس بخلع المنصور وسلطنة قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم.
إقصاء السلطان منصور
واتفق ذلك بعد أيام وقبض قطز هذا على الملك المنصور علي واحتج لكمال الدين ابن العديم وغيره بأنه صبي لا يحسن تدبير الملك وفي مثل هذا الوقت الصعب لابد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه الناس وينتصب للجهاد.
وكان الأميران: علم الدين سنجر الغتمي المعظمي وسيف الدين بهادر حين جرى هذا الأمر غائبين في الصيد فاغتنم قطز لغيبتهما الفرصة فلما حضرا قبض عليهما واعتقلهما وتسلطن. وركب بشعار الملك وجلس على كرسي السلطنة وتم أمره.
هولاكوا والتتار يستولى على الشام ويتجه إلى مصر
ولما وقع ذلك تقدم قطز إلى برهان الدين الخضر أن يتوجه في جواب رسالة الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام صحبة الصاحب كمال الدين ابن العديم ويعد الملك الناصر بالنجمة وإنفاذ العساكر إليه فتوجها ووصلا إلى دمشق وأديا الرسالة. ولم يزل البرهان بدمشق إلى أن رحل الملك الناصر من دمشق إلى جهة الديار المصرية جافلًا من التتار.
وكان الناصر لما تحقق بحركة التتار رحل إلى برزة شمالي دمشق ونزل بها بعساكره واجتمع إليه أمم عظيمة من العرب والعجم والتركمان والأتراك والمطوعة فلم يعجب الناصر حاله لما رأى من تخاذل عسكره وعلم أنه إذا لاقى التتار لم يثبت عسكره لهم لكثرتهما ولقوتهم فإن هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى عن المغل والكرج والعجم وغيرهم ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين من سنة ست عشرة وستمائة إلى هذه السنة يلقاهم عسكر إلا فلوه سوى وقائع كانت بينهم وبين جلال الدين بن خوارزم شاه انتصف جلال الدين في بعضها ثم كبسوه على باب آمد وبددوا جمعه وأعقب ذلك موت جلال الدين بالقرب من ميافارقين.
وأما أمر هولاكو فإنه في جمادى الأولى من هذه السنة نزل حران واستولى عليها وملك بلاد الجزيرة ثم سير ولده أشموط بن هولاكو إلى الشام وأمره بقطع الفرات وأخذ البلاد الشامية وسيره في جمع كثيف من التتار فوصل أشموط إلى نهر الجوز وتل باشر ووصل الخبر إلى حلب من البيرة بذلك.
وكان نائب السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه فجفل الناس بين يدي التتار إلى جهة دمشق وعظم الخطب واجتمع الناس من كل فج عند الملك الناصر بدمشق واحترز الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر بحلب غاية الاحتراز وكذلك جميع نواب البلاد الحلبية وصارت حلب في غاية الحصانة بأسوارها المحكمة البناء وكثرة الآلات.
فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة قصد التتار حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية وامتدوا إلى حيلان والحادي وسيروا جماعة من فخرج عسكر حلب ومعهم خلق عظيم من العوام والسوقة وأشرفوا على التتار وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم لانتظار المسلمين فلما تحقق المسلمون كثرتهم كروا راجعين إلى المدينة فرسم الملك المعظم بعد ذلك ألا يخرج أحد من المدينة.
ولما كان غد هذا اليوم رحلت التتار من منازلهم طالبين مدينة حلب واجتمع عسكر المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتمدونه فأشار عليهم الملك المعظم أنهم لا يخرجون أصلا لكثرة التتار ولقوتهم وضعف المسلمين على لقائهم فلم يوافقه جماعة من العسكر وأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدو فيهم فخرج العسكر إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا الجميع بجبل بانقوسا ووصل جمع التتار إلى أسفل الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتلوهم فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرا منهم وخديعة فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار ثم كر التتار عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتار في أثرهم.
فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم نحو البلد والتتار في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعًا كثيرًا من الجند والعوام.
ونازل التتار المدينة في ذلك اليوم إلى آخره ثم رحلوا طالبين أعزاز فتسلموها بالأمان.
ثم عادوا إلى حلب في ثاني صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة وحاصروها حتى استولوا عليها في تاسع صفر بالأمان.
فلما ملكوها غدروا بأهل حلب وقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا تلك الأفعال القبيحة على عادة فعلهم.
وبلغ الملك الناصر يوسف أخذ حلب في منتصف صفر فخرج الناصر من الشام بأمرائه نحو القبلة.
وكان رسل التتار بقرية حرستا فأدخلوا دمشق ليلة الاثنين سابع عشر صفر.
وقرئ بعد صلاة الظهر فرمان - أعني مرسومًا - جاء من عند ملك التتار يتضمن الأمان لأهل دمشق وما حولها وشرع الأكابر في تدبير أمرهم.
ثم وصلت التتار إلى دمشق في سابع عشر ربيع الأول فلقيهم أعيان البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمن الأمان ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارين من وراء الضياع إلى جهة الكسوة وأهلكوا في ممرهم جماعة كانوا قد تجمعوا وتحزبوا.
وفي السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضي كمال الدين عمر بن بندار التفليسي بتفويض قضاء القضاة إليه بمدائن الشام إلى الموصل وميافارقينوغير ذلك وكان القاضي قبله صدر الدين أحمد بن سني الدولة.
وتوجه الملك الناصر نحو الديار المصرية ونزل العريش ثم قطيا بعد أن تفرق عسكره عنه وتوجه معظم عسكره إلى مصر قبله مع الأثقال. فلما وصل الناصر إلى قطيا عاد منها إلى جهة الشام لشيء بلغه عن الملك المظفر صاحب مصر ونزل بوادي موسى ثم نزل بركة زيزاء فكبسه التتار بها وهو في خواصه وقليل من مماليكه فاستأمن الناصر من التتار وتوجه إليهم. فلما وصل إليهم احتفظوا به وبقي معهم في ذل وهوان إلى أن قتل
وأما التتار فإنه بلغت غارتهم إلى غزة وبلد الخليل - عليه السلام - فقتلوا الرجال وسبوا النساء والصبيان واستاقوا من الأسرى والأبقار والأغنام والمواشي شيئًا كثيرًا. كل ذلك والسلطان الملك المظفر قطز سلطان مصر يتهيأ للقاء التتار.
فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النصرة على التتار وأجمعوا على حفظ مصر لا غير لكثرة عددهم واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين وأنهم ما قصدوا إقليمًا إلا فتحوه ولا عسكرًا إلا هزموه ولم يبق خارج عن حكمهم في الجانب الشرقي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن وهرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز والباقون بقوا في وجل عظيم وخوف شديد يتوقعون دخول العدو وأخذ البلاد وصمم الملك المظفر - رحمه الله - على لقاء التتار وخرج من مصر في الجحافل الشامية والمصرية في شهر رمضان وصحبته الملك المنصور صاحب حماة وكان الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب الأمور كلها مفوضة إليه وسير الملك المظفر قطز إلى صاحب حماة وهو بالصالحية يقول له: لا تحتفل في مد سماط بل كل واحد من أصحابك يفطر على قطعة لحم في صولقه.
وسافر الملك المظفر بالعساكر من الصالحية ووصل غزة والقلوب وجلة.
***********************************
معركة عين جالوت
الحرب بين التتار ومماليك مصر
عين جالوت 25 من رمضان 658 هـ وأما كتبغانوين مقدم التتار على عسكر هولاكو لما بلغه خروج الملك المظفر قطز كان بالبقاع فاستدعى الملك الأشرف موسى ابن المنصور صاحب حمص وقاضي القضاة محيي الدين واستشارهم في ذلك فمنهم من أشار بعدم الملتقى والاندفاع بين يدي الملك المظفر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العسكر المصري ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرقت الآراء فاقتضى رأي كتبغانوين الملتقى وتوجه من فوره لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه بعد أن جمع كتبغانوين من في الشام من التتار وغيرهم وقصد محاربة المسلمين وصحبته الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان.
ثم رحل الملك المظفر قطز بعساكره من غزة ونزل الغور بعين جالوت وفيه جموع التتار في يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان ووقع المصاف بينهم في اليوم المذكور وتقاتلا قتالًا شديدًا لم ير مثله حتى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة فحمل الملك المظفر - رحمه الله - بنفسه في طائفة من عسكره وأردف الميسرة حتى تحايوا وتراجعوا واقتحم الملك المظفر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلي في ذلك اليوم بلاء حسنًا وعظم الحرب وثبت كل من الفريقين مع كثرة التتار.
والمظفر مع ذلك يشجع أصحابه ويحسن إليهم الموت وهو يكر بهم كرة بعد كرة حتى نصر الله الإسلام وأعزه وانكسرت التتار وولوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قتل معظم أعيانهم وأصيب مقدم العساكر التتارية كتبغانوين فإنه أيضا لما عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقتل شر قتلة. وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي
وولوا التتار الأدبار لا يلوون على شيء واعتصم منهم طائفة بالتل المجاور لمكان الوقعة فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتى أفنوهم قتلًا ونجا من نجا.
وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري في جماعة من الشجعان إلى أطراف البلاد واستوفى أهل البلاد والضياع من التتار آثارهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى إنه لم يسلم منهم إلا القليل جدًا.
وفي حال الفراغ من المصاف حضر الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل بين يدي السلطان الملك المظفر قطز وكان التتار لما ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها معتقلًا فأطلقوه وأعطوه بانياس وقلعة الصبيبة فانضم على التتار وبقي منهم وقاتل يوم المصاف المسلمين قتالًا شديدًا فلما أيد الله المسلمين بنصره وحضر الملوك عند الملك المظفر فحضر الملك السعيد هذا من جملتهم على رغم أنفه فلم يقبل المظفر عذره وأمر بضرب عنقه فضربت في ثم كتب الملك المظفر كتابًا إلى أهل دمشق يخبرهم فيه بالفتح وكسر العدو المخذول ويعدهم بوصوله إليهم ونشر العدل فيهم فسر عوام دمشق وأهلها بذلك سرورًا زائدًا وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في جامع دمشق.
وكان المذكور من أهل العلم لكنه كان فيه شر وكان رافضيا خبيثا وانضم على التتار. وقتلوا أيضًا بدمشق من أعوان التتار ابن الماسكيني وابن النفيل وغيرهما.
التتار كانوا أكثر عدلاً على المسيحيين من المسلمين
وكان النصارى بدمشق قد شمخوا وتجرؤوا على المسلمين واستطالوا بتردد التتار إلى كنائسهم.
وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاؤوا من عنده بفرمان يتضمن الوصية بهم والاعتناء بأمرهم ودخلوا بالفرمان من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون بارتفاع دينهم واتضاع دين المسلمين ويرشون الخمر على الناس وفي أبواب المساجد فحصل عند المسلمين من ذلك هم عظيم.
فلما هرب نواب التتار حين بلغتهم الكسرة أصبح الناس وتوجهوا إلى دور النصارى ينهبونها ويأخذون ما استطاعوا منها وأخربوا كنيسة اليعاقبة وأحرقوا كنيسة مريم حتى بقيت كومًا وقتلوا منهم جماعة واختفى الباقون.
وكانت النصارى في تلك الأيام ألزموا المسلمين بالقيام في دكاكينهم للصليب ومن لم يقم أخرقوا به وأهانوه وشقوا السوق على هذا الوجه إلى عند القنطرة آخر سويقة كنيسة مريم فقام بعضهم على الدكان الوسطى من الصف الغربي بين القناطر وخطب وفضل دين النصارى ووضع من دين الإسلام وكان ذلك في ثاني عشرين شهر رمضان.
ثم من الغد طلع المسلمون مع قضاتهم وشهودهم إلى قلعة دمشق وبها التتار فأهانوهم التتار ورفعوا قسيس النصارى عليهم ثم أخرجوهم بالضرب فصار ذلك كله في قلوب المسلمين. انتهى.
ثم إن أهل دمشق هموا أيضًا بنهب اليهود فنهبوا منهم يسيرًا ثم كفوا عنهم.
ثم وصل الملك المظفر قطز إلى دمشق مؤيدًا منصورًا فانجبرت بذلك قلوب الرعايا وتضاعف شكرهم لله تعالى.
والتقاه أهل دمشق بعد أن عفوا آثار النصارى وخربوا كنائسهم جزاء لما كانوا سلفوه من ضرب النواقيس على رؤوس المسلمين ودخولهم بالخمر إلى الجامع.
وفي هذا المعنى يقول بعض شعراء دمشق: الخفيف هلك الكفر في الشام جميعًا واستجد الإسلام بعد دحوضه بالمليك المظفر الملك الأر - - وع سيف الإسلام عند نهوضه ملك جاءنا بعزم وحزم فاعتززنا بسمره وبيضه أوجب الله شكر ذاك علينا دائما مثل واجبات فروضه وفي نصرة الملك المظفر هذا يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة: الكامل غلب التتار على البلاد فجاءهم من مصر تركي يجود بنفسه ثم قدم الخبر على السلطان بدمشق في شوال بأن المنهزمين من رجال التتار ونسائهم لحقهم الطلب من الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فإن بيبرس كان تقدم قبل السلطان إلى دمشق يتبع آثار التتار إلى قرب حلب فلما قرب منهم بيبرس سيبوا ما كان في أيديهم من أسارى المسلمين ورموا أولادهم فتخطفهم الناس وقاسوا من البلاء ما يستحقونه.
وكان الملك المظفر قطز قد وعد الأمير بيبرس بحلب وأعمالها فلما انتصر على التتار انثنى عزمه عن إعطائه حلب وولاها لعلاء الذين علي بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فكان ذلك سبب الوحشة بين بيبرس وبين الملك المظفر قطز.
ولما قدم الملك المظفر إلى دمشق أحسن إلى الناس وأجراهم على عوائدهم وقواعدهم إلى آخر أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف. وسير الملك الأشرف صاحب حمص يطلب منه أمانًا على نفسه وبلاده وكان الأشرف أيضا ممن انضاف إلى التتار فأمنه وأعطاه بلاده وأقره عليها فحضر الأشرف إلى خدمة الملك المظفر ثم عاد إلى بلده. ثم توجه الملك المظفر صاحب حماة إلى حماة على ما كان عليه وكان حضر مع الملك المظفر قطز من مصر. قلت: والملك المظفر قطز هو أول من ملك البلاد الشامية واستناب بها من ملوك الترك.
ثم إن الملك المظفر قطز رتب أمور الشام واستناب بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير.
الخيانة وقتل السلطان قطز الذى هزم التتار
ثم خرج المظفر من دمشق عائدا إلى مصر إلى أن وصل إلى القصير وبقي بينه وبين الصالحية مرحلة واحدة ورحلت العساكر إلى جهة الصالحية وضرب الدهليز السلطاني بها وبقي المظفر مع بعض خواصه وأمرائه وكان جماعة قد اتفقوا مع الأمير بيبرس البندقداري على قتل الملك المظفر: منهم الأمير سيف الدين أنص من مماليك نجم الدين الرومي الصالحي وعلم الدين صنغلي وسيف الدين بلبان الهاروني وغيرهم كل ذلك لكمين كان في نفس بيبرس لأجل نيابة حلب.
واتفق عند القصير بعد توجه العساكر إلى الصالحية أن ثارت أرنب فساق الملك المظفر قطز عليها وساق هؤلاء المتفقون على قتله معه فلما أبعدوا ولم يبق معه غيرهم تقدم إليه الأمير بيبرس البندقداري وشفع عنده شفاعة في إنسان فأجابه فأهوى بيبرس ليقبل يده فقبض عليها وحمل أنص عليه وقد أشغل بيبرس يده وضربه بالسيف ثم حمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنشاب فقتلوه ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتى وصلوا إلى الدهليز السلطاني بالصالحية فنزلوا ودخلوا والأتابك على باب الدهليز فأخبروه بما فعلوا فقال: من قتله منكم فقال بيبرس: أنا فقال: يا خوند اجلس على مرتبة السلطان ولما وقع ذلك وبلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير نائب دمشق عز عليه قتل الملك المظفر ثم دعا الناس لنفسه واستحلفهم وتلقب بالملك المجاهد.
أما الملك المظفر قطز فإنه دفن موضع قتله وكثر أسف الناس وحزنهم عليه.
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي في تاريخه - رحمه الله تعالى - بعد ما سماه ونعته قال: وكان المظفر أكبر مماليك الملك المعز أيبك التركماني وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير وله اليد البيضاء في جهاد التتار فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه.