المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل أثر المخالطة


قلم : داعية
2010-08-12, 23:53
من رزقه الله تعالى العلم والنظر في سير السلف رأى أن هذا العالم ظلمة‏.‏

وجمهور العالم على غير الجادة والمخالطة لهم تضر ولا تنفع‏.‏

فالعجب لمن يترخص في المخالطة وهو يعلم أن الطبع يسرق من المخالطة‏.‏

فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي إلا أن يكون عامياً يقصد من يعلمه فينبغي أن يخالط بالاحتراز‏.‏

وفي هذا الزمان إن وقعت المخالطة للعوام عكرت الفؤاد فهم ظلمة مستحكمة فإذا ابتلى العالم بمخالطتهم فليشمر ثياب الحذر ولتكن مجالسته إياهم للتذكرة والتأديب فحسب‏.‏

وإن وقعت المخالطة للعلماء فأكثرهم على غير الجادة مقصودهم صورة العلم لا العمل به‏.‏

فلا تكاد ترى من تذاكره أمر الآخرة إنما شغلهم الغيبة وقصد الغلبة واجتلاب الدنيا‏.‏

ثم فيهم من الحسد للنظراء ما لا يوصف‏.‏

وإن وقعت المخالطة للأمراء فذاك تعرض لفساد الدين‏.‏

لأنه إن تولى لهم ولاية دنيوية فالظلم من ضروراتها لغلبة العادة عليهم والإعراض عن الشرع‏.‏

وإن كانت ولاية دينية كالقضاء فإنهم يأمرونه بأشياء لا يكاد يمكنه المراجعة فيها ولو راجع لم يقبلوا‏.‏

وأكثر القوم يخاف على منصبه فيفعل ما أمر به وإن لم يجبر‏.‏

وربما رأيت في هذا الزمان أقواماً يبذلون المال ليكونوا قضاة أو شهوداً ومقصودهم الرفعة‏.‏

ثم أكثر الشهود يشهد على من لا يعرفه ويقول إنه معروف ويدري أنه كذاب وإنما عرف لأجل وكم قد وقعت شهادة على غير المشهود عليه أو على مكره‏.‏

وإن وقعت المخالطة للمتزهدين فأكثرهم على غير الجادة وعلى خلاف العلم قد جعلوا لأنفسهم نواميس فلا يتنسمون ولا يخرجون إلى سوق ويظهرون التخشع الزائد وكله نفاق‏.‏

وفيهم من يلبس الصوف تحت ثيابه وربما يوح بكمه ليرى‏.‏

وقد حكي عن طاهر بن الحسين أنه قال لبعض المتزهدين‏.‏

مذ كم قدمت العراق قال‏:‏ دخلتها منذ عشرين سنة وأنا منذ ثلاثين سنة صائم‏.‏

قال‏:‏ سألناك عن مسألة فأجبت عن اثنتين‏.‏

وبيوت الصوفية أربطة فهي خوارج على المساجد‏.‏

وهي دكاكين كريهة يقعد فيها الكسالى عن الكسب مع القدرة عليه ويتعرضون بالقعود للصدقات ولأحوال الظلمة‏.‏

وقد أراحوا أنفسهم من إعادة العلم‏.‏

وأكثرهم لا يصلي نافلة ولا يقوم الليل بل يهمهم المأكول والمشروب والرقص‏.‏

وقد اتخذوا سنناً تخالف الشريعة فهم يلبسون المرقع لا من فقر‏.‏

وهذا قبيح‏.‏

لأنه ليس عندهم من أمارات الزهد سوى الملبس الدون فثيابهم تصيح نحن زهاد وباقي أفعالهم فالمطب دائر والحمام والحلوى كثيرة والطيب والدعة والكبر حاصل بذلك الزي‏.‏

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن فضلة وقد رآه أشعث الهيئة‏.‏

أما لك مال قال بلى من كل المال آتاني الله عز وجل‏!‏ قال‏:‏ فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ترى عليه‏.‏

ومن أخلاقهم تنفير الناس من العلم ويزعمون أن لا حاجة إلى الوسائط وإنما هو قلب ورب‏.‏

ولهم من الأقوال والأفعال المنكرات ما قد ذكرته في تلبيس إبليس‏.‏

آه لو كان للزمان عمر لاحتاج كل يوم إلى مائة درة لا بل كان يستعمل السيف في هؤلاء الخوارج‏.‏

وهم داخل البلد لا قدرة للعلماء عليهم إذ قولهم فيهم لا يقبل‏.‏

فمن رزقه الله سبحانه النظر في سير السلف ووفقه للاقتداء بهم آثر أن يعتزل عن أكثر الخلق ولا يخالطهم فإنه من خالطهم أوذي‏.‏

ومن دارهم لم يسلم من المداهنة فالنصح اليوم مردود‏.‏