أم مريم
2010-08-08, 20:25
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }
و بعد :
فإنه عندما كثرت الفتن في هذه الأزمان المتأخرة و أسبابها أحببت أن أبين بعض أسباب هذه الفتن حتى يتجنب الإنسان هذه الأسباب نقلت من ذلك كلاماً لشيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله رحمة واسعة ، أسأل الله أن يجنبنا الفتن و أسبابها .
قال شيخ الإسلام : ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق و أمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق و إما من ترك الصبر . كما في الاستقامة (1/39)
قال ابن القيم كما في إغاثة اللهفان ( 2/165) فالفتنة نوعان : فتنة الشبهات و هي أعظم الفتنتين و فتنة الشهوات و قد يجتمعان للعبد و قد ينفرد بإحداهما .
فتنة الشبهات من ضعف البصيرة و قلة العلم و لاسيما إذا اقترن بذلك فساد القصد و حصول الهوى فهنالك الفتنة العظمى و المصيبة الكبرى فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى مع ضعف بصيرته و قلة علمه بما بعث الله به رسوله فهو من اللذين قال الله تعالى فيهم ( إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الأنفس ) .
و قد أخبر سبحانه أن إتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال تعالى ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) و هذه الفتنة مآلها إلى الكفر و إلى النفاق و هي فتنة المنافقين و فتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم ، فجميعهم إما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل و الهدى بالضلال و لا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد إتباع الرسول و تحكيمه في دق الدين و جله .............
و هذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد
و تارة من نقل كاذب
و تارة من حق ثابت خفي عن الرجل فلم يظفر به
و تارة من غرض فاسد و هو متبع فهي من عمى في البصيرة و فساد في الإرادة .
و أما النوع الثاني من الفتنة : فتنة الشهوات
فتنة الشهوات : قد جمع الله سبحانه و تعالى بين ذكر الفتنتين في قوله عز و جل ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة و أموالا و أولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم ) أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا و شهواتها و الخلاق هو النصيب المقدر ، ثم قال ( و خضتم كالذي خاضوا ) فهذا الخوض بالباطل و هو الشبهات ، فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب و الأديان من الاستمتاع بالخلاق و الخوض بالباطل ، لأن فساد الداعين إما أن يكون :
- باعتقاد الباطل و التكلم به
- أو بالعمل بخلاف العمل الصحيح
فالأولى هي البدع و ما والاها
و الثانية هي فسق الأعمال
فالأول : فساد من جهة الشبهات
و الثاني : من جهة الشهوات .
و لهذا كان السلف يقولون : احذروا من الناس صنفين صاحب هوى قد فتنه هواه و صاحب دنيا أعمته دنياه .
و كانوا يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر و فتنة العابد الجاهل فان فتنتهما فتنة لكل مفتون .
و أصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، و الهوى على العقل .
فالأول : أهل فتنة الشبهة .
و الثاني أهل فتنة الشهوة .
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية ( 5/174-175) : و قد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موقع – و هو إمام الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر ، فإن الإنسان عليه - أولا – أن يكون أمره لله و قصده طاعة الله فيما أمر به و هو يحب صلاح المأمور أو إقامة الحجة عليه ، فإن فعل ذلك لطلب الرئاسة لنفسه و لطائفته و تنقيص غيره : كان ذلك حمية لا يقبله الله ، و كذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة و الرياء كان عمله حابطاً ، ثم إذا رد عليه ذلك و أوذي أو نسب إليه أنه مخطئ و غرضه فاسد ، طلبت نفسه الانتصار لنفسه و أتاه الشيطان ، فكان مبدأ عمله لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه ، و ربما اعتدى على ذلك المؤذي و هكذا ،،، يصيب أصحاب المقالات المختلفة ، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه و أنه على السنة – فإن أكثرهم صار له في ذلك هوى ، أن ينتصر جاههم أو رياستهم و ما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا ، و أن يكون الدين كله لله بل يغضبون على من خالفهم – و إن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه – و يرضون عمن يوافقهم – و إن كان جاهلا سيئ القصد ليس له علم و لا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يَحمدوا من لم يحمده الله و رسوله و يذموا من لم يذمه الله و رسوله و تصير موالاتهم و معاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله و رسوله و هذا حال الكفار اللذين لا يطلبون إلا أهوائهم ، و يقولون : هذا صديقنا و هذا عدونا ، و بلغة المغل : هذا بال ، هذا باغي ، لا ينظرون إلى موالاة الله و رسوله و معاداة الله و رسوله ، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس قال تعالى ( و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله ) فإذا لم يكن الدين كله لله ( كانت فتنة ) .
فبين شيخ الإسلام رحمه الله : أن أسباب الفتن إما من ترك الحق و الصدع به و إما من ترك الصبر على تبليغ ذلك الحق .
و بين ابن القيم : أن أسباب الفتنة إما من ضعف البصيرة و إما من قلة العلم وإما من إتباع الهوى و إما من فهم فاسد و إما من نقل كاذب و قد تجتمع كل هذه الصفات التي نص عليها ابن تيمية و ابن القيم رحمه الله في الشخص خاصة في هذه الأزمان المتأخرة الذين كثرت فيه الفتن و كثر فيه أصحابها من الحدادية و أذنابهم من الذين هم متلبسون بالسلفية .
صفات أصحاب الفتن :
1 – إتباعهم الهوى :
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين : فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله و رسوله و قد وصف الله المشركين بإتباع الهوى في مواضع من كتابه ، فقال ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) ، و كذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ، و لهذا يسمى أهلها أهل الأهواء ، و كذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله و رسوله و محبة ما يحبه و كذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعاً لما جاء به الرسول صلي الله عليه و سلم............و المعروف استعمال الهوى عند الإطلاق أنه الميل إلى خلاف الحق .
2- الكذب و الإعلام :
و هذه الصفة الذميمة القبيحة من أعظم صفاتهم فهم قوم بهت و به تنفق بضاعتهم على الناس و يحلفون من أجل أن يصدقهم الناس ، و يلبسون عليهم ببتر الكلام و إتباع المتشابه و إساءة الظن بأهل الخير ، و لو أحسنت الدهر إلى أحدهم لقال ما رأيت منه خيراً قط ، و رميهم للصادقين بالكذب و هم أهله .
قال ابن قدامه : في رده على ابن عقيل الحنبلي ( و كفانا مدحاً و براءة أن خصومنا لا يجدون لنا عيباً يعيبوننا به وهم فيه صادقون نحن به مقرون و إنما يعيبوننا بكذبهم ولو قدروا على عيب لما احتاجوا إلى الكذب ، و كفى بهذه الصفة قبحا أن تنصل منها أبو سفيان في حال كفره .
3- الفجور في الخصومة :
و قد شابهوا فيه المنافقين ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم في صفات المنافقين ( و إذا خاصم فجر) فأصحاب الفتن إذا تخاصم معهم أحد تعدوا الحد و تجاوزوا المعقول و المنقول ، و نقلوا عليه و ألزموا ما لم يقل و أظهروا من لازم قوله ما لم يلتزمه ، و أشاعوا عنه كل قبيح مجتهدين في ذلك بكل ما أوتوا من وسائل ، المهم عندهم ( أن تشيع الفاحشة في اللذين آمنوا ) و يتظاهرون بالانتصار للسنة من أجل أن تنفق بضاعتهم عند أشباههم .
4- التعالم :
و بهذه الصفة التي بكى منها العلماء قديما تروج بضاعة هؤلاء عند من لا بصيرة له أو عند حاسد قد طفح الحسد في قلبه فنطق به فمه ، و تصدر الجُهّال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( اتخذ الناس رؤوسا جُهّالا فضلوا و أضلوا ) .
يقول الإمام الشاطبي في الاعتصام : والعالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ، و يعلم من نفسه ما شهد له به و إلا فهو على يقين من عدم العلم )
قال الألباني رحمه الله رحمة واسعة : هذه نصيحة الإمام الشاطبي العالم الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم ينصحه بأن لا يتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء .
5 – الجهل :
فأصحاب الفتن من أبعد الناس عن العلم و حبه فأوقاتهم ضائعة ، و جلساتهم عن العلم عارية ، و إذا ذكروا مسألة اختلفوا فيها ، ربما تهاجروا و أصبح الهجر و التحذير على مصراعيه بدون ضوابط ، و ربما الاختلاف في شيء يسوغ فيه الخلاف ، و إذا فتح الكتاب تراهم يتثاءبون و إلى مضاجعهم ينظرون ، و إذا أراد الله بقوم سوء ألزمهم الجدل ومنعهم العمل .
6- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
و من صفاتهم أنهم يختلقون المشاكل و يصورون لأنفسهم أن هذا من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصدع بالحق ، و هم لا معروف أقاموا و لا منكر أزالوا ، و ينظرون إلى المصلحة و المفسدة على أنها تمييع و لا يعرفون بأن للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر صفات ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليماً بما يأمر به ، عليماً بما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ، فالعلم قبل الأمر و الرفق مع الأمر و الحلم بعد الأمر .
و قال ابن مفلح في الآداب الشرعية :- (1/191) و ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر متواضعاً ،، رفيقاً فيما يدعوا إليه شفيقاً رحيماً ، غير فظ و لا غليظ القلب و لا متعنتاً ..... عدلاً ....... فقيهاً عالما بالمأمورات و المنهيات شرعاً ، دينا نزيها عفيفا ذا رأي و صرامة و شدة في الدين قاصدا بذلك وجه الله عز وجل و إقامة دينه و نصرة شرعه .
هذه بعض أسباب الفتن و صفات أهلها نسأل الله العظيم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً .
منقول
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }
و بعد :
فإنه عندما كثرت الفتن في هذه الأزمان المتأخرة و أسبابها أحببت أن أبين بعض أسباب هذه الفتن حتى يتجنب الإنسان هذه الأسباب نقلت من ذلك كلاماً لشيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله رحمة واسعة ، أسأل الله أن يجنبنا الفتن و أسبابها .
قال شيخ الإسلام : ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق و أمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق و إما من ترك الصبر . كما في الاستقامة (1/39)
قال ابن القيم كما في إغاثة اللهفان ( 2/165) فالفتنة نوعان : فتنة الشبهات و هي أعظم الفتنتين و فتنة الشهوات و قد يجتمعان للعبد و قد ينفرد بإحداهما .
فتنة الشبهات من ضعف البصيرة و قلة العلم و لاسيما إذا اقترن بذلك فساد القصد و حصول الهوى فهنالك الفتنة العظمى و المصيبة الكبرى فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى مع ضعف بصيرته و قلة علمه بما بعث الله به رسوله فهو من اللذين قال الله تعالى فيهم ( إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الأنفس ) .
و قد أخبر سبحانه أن إتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال تعالى ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) و هذه الفتنة مآلها إلى الكفر و إلى النفاق و هي فتنة المنافقين و فتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم ، فجميعهم إما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل و الهدى بالضلال و لا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد إتباع الرسول و تحكيمه في دق الدين و جله .............
و هذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد
و تارة من نقل كاذب
و تارة من حق ثابت خفي عن الرجل فلم يظفر به
و تارة من غرض فاسد و هو متبع فهي من عمى في البصيرة و فساد في الإرادة .
و أما النوع الثاني من الفتنة : فتنة الشهوات
فتنة الشهوات : قد جمع الله سبحانه و تعالى بين ذكر الفتنتين في قوله عز و جل ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة و أموالا و أولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم ) أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا و شهواتها و الخلاق هو النصيب المقدر ، ثم قال ( و خضتم كالذي خاضوا ) فهذا الخوض بالباطل و هو الشبهات ، فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب و الأديان من الاستمتاع بالخلاق و الخوض بالباطل ، لأن فساد الداعين إما أن يكون :
- باعتقاد الباطل و التكلم به
- أو بالعمل بخلاف العمل الصحيح
فالأولى هي البدع و ما والاها
و الثانية هي فسق الأعمال
فالأول : فساد من جهة الشبهات
و الثاني : من جهة الشهوات .
و لهذا كان السلف يقولون : احذروا من الناس صنفين صاحب هوى قد فتنه هواه و صاحب دنيا أعمته دنياه .
و كانوا يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر و فتنة العابد الجاهل فان فتنتهما فتنة لكل مفتون .
و أصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، و الهوى على العقل .
فالأول : أهل فتنة الشبهة .
و الثاني أهل فتنة الشهوة .
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية ( 5/174-175) : و قد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موقع – و هو إمام الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر ، فإن الإنسان عليه - أولا – أن يكون أمره لله و قصده طاعة الله فيما أمر به و هو يحب صلاح المأمور أو إقامة الحجة عليه ، فإن فعل ذلك لطلب الرئاسة لنفسه و لطائفته و تنقيص غيره : كان ذلك حمية لا يقبله الله ، و كذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة و الرياء كان عمله حابطاً ، ثم إذا رد عليه ذلك و أوذي أو نسب إليه أنه مخطئ و غرضه فاسد ، طلبت نفسه الانتصار لنفسه و أتاه الشيطان ، فكان مبدأ عمله لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه ، و ربما اعتدى على ذلك المؤذي و هكذا ،،، يصيب أصحاب المقالات المختلفة ، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه و أنه على السنة – فإن أكثرهم صار له في ذلك هوى ، أن ينتصر جاههم أو رياستهم و ما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا ، و أن يكون الدين كله لله بل يغضبون على من خالفهم – و إن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه – و يرضون عمن يوافقهم – و إن كان جاهلا سيئ القصد ليس له علم و لا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يَحمدوا من لم يحمده الله و رسوله و يذموا من لم يذمه الله و رسوله و تصير موالاتهم و معاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله و رسوله و هذا حال الكفار اللذين لا يطلبون إلا أهوائهم ، و يقولون : هذا صديقنا و هذا عدونا ، و بلغة المغل : هذا بال ، هذا باغي ، لا ينظرون إلى موالاة الله و رسوله و معاداة الله و رسوله ، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس قال تعالى ( و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله ) فإذا لم يكن الدين كله لله ( كانت فتنة ) .
فبين شيخ الإسلام رحمه الله : أن أسباب الفتن إما من ترك الحق و الصدع به و إما من ترك الصبر على تبليغ ذلك الحق .
و بين ابن القيم : أن أسباب الفتنة إما من ضعف البصيرة و إما من قلة العلم وإما من إتباع الهوى و إما من فهم فاسد و إما من نقل كاذب و قد تجتمع كل هذه الصفات التي نص عليها ابن تيمية و ابن القيم رحمه الله في الشخص خاصة في هذه الأزمان المتأخرة الذين كثرت فيه الفتن و كثر فيه أصحابها من الحدادية و أذنابهم من الذين هم متلبسون بالسلفية .
صفات أصحاب الفتن :
1 – إتباعهم الهوى :
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين : فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله و رسوله و قد وصف الله المشركين بإتباع الهوى في مواضع من كتابه ، فقال ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) ، و كذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ، و لهذا يسمى أهلها أهل الأهواء ، و كذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله و رسوله و محبة ما يحبه و كذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعاً لما جاء به الرسول صلي الله عليه و سلم............و المعروف استعمال الهوى عند الإطلاق أنه الميل إلى خلاف الحق .
2- الكذب و الإعلام :
و هذه الصفة الذميمة القبيحة من أعظم صفاتهم فهم قوم بهت و به تنفق بضاعتهم على الناس و يحلفون من أجل أن يصدقهم الناس ، و يلبسون عليهم ببتر الكلام و إتباع المتشابه و إساءة الظن بأهل الخير ، و لو أحسنت الدهر إلى أحدهم لقال ما رأيت منه خيراً قط ، و رميهم للصادقين بالكذب و هم أهله .
قال ابن قدامه : في رده على ابن عقيل الحنبلي ( و كفانا مدحاً و براءة أن خصومنا لا يجدون لنا عيباً يعيبوننا به وهم فيه صادقون نحن به مقرون و إنما يعيبوننا بكذبهم ولو قدروا على عيب لما احتاجوا إلى الكذب ، و كفى بهذه الصفة قبحا أن تنصل منها أبو سفيان في حال كفره .
3- الفجور في الخصومة :
و قد شابهوا فيه المنافقين ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم في صفات المنافقين ( و إذا خاصم فجر) فأصحاب الفتن إذا تخاصم معهم أحد تعدوا الحد و تجاوزوا المعقول و المنقول ، و نقلوا عليه و ألزموا ما لم يقل و أظهروا من لازم قوله ما لم يلتزمه ، و أشاعوا عنه كل قبيح مجتهدين في ذلك بكل ما أوتوا من وسائل ، المهم عندهم ( أن تشيع الفاحشة في اللذين آمنوا ) و يتظاهرون بالانتصار للسنة من أجل أن تنفق بضاعتهم عند أشباههم .
4- التعالم :
و بهذه الصفة التي بكى منها العلماء قديما تروج بضاعة هؤلاء عند من لا بصيرة له أو عند حاسد قد طفح الحسد في قلبه فنطق به فمه ، و تصدر الجُهّال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( اتخذ الناس رؤوسا جُهّالا فضلوا و أضلوا ) .
يقول الإمام الشاطبي في الاعتصام : والعالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ، و يعلم من نفسه ما شهد له به و إلا فهو على يقين من عدم العلم )
قال الألباني رحمه الله رحمة واسعة : هذه نصيحة الإمام الشاطبي العالم الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم ينصحه بأن لا يتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء .
5 – الجهل :
فأصحاب الفتن من أبعد الناس عن العلم و حبه فأوقاتهم ضائعة ، و جلساتهم عن العلم عارية ، و إذا ذكروا مسألة اختلفوا فيها ، ربما تهاجروا و أصبح الهجر و التحذير على مصراعيه بدون ضوابط ، و ربما الاختلاف في شيء يسوغ فيه الخلاف ، و إذا فتح الكتاب تراهم يتثاءبون و إلى مضاجعهم ينظرون ، و إذا أراد الله بقوم سوء ألزمهم الجدل ومنعهم العمل .
6- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
و من صفاتهم أنهم يختلقون المشاكل و يصورون لأنفسهم أن هذا من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصدع بالحق ، و هم لا معروف أقاموا و لا منكر أزالوا ، و ينظرون إلى المصلحة و المفسدة على أنها تمييع و لا يعرفون بأن للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر صفات ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليماً بما يأمر به ، عليماً بما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ، فالعلم قبل الأمر و الرفق مع الأمر و الحلم بعد الأمر .
و قال ابن مفلح في الآداب الشرعية :- (1/191) و ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر متواضعاً ،، رفيقاً فيما يدعوا إليه شفيقاً رحيماً ، غير فظ و لا غليظ القلب و لا متعنتاً ..... عدلاً ....... فقيهاً عالما بالمأمورات و المنهيات شرعاً ، دينا نزيها عفيفا ذا رأي و صرامة و شدة في الدين قاصدا بذلك وجه الله عز وجل و إقامة دينه و نصرة شرعه .
هذه بعض أسباب الفتن و صفات أهلها نسأل الله العظيم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً .
منقول