المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وادي سوف ودورها في الثورة


السوفي البربري
2010-07-23, 11:16
المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

المطلب الأول :المـوقع

سوف أو منطقة وادي سوف منطقة تشمل على الكثير من القرى والمد اشر المتناثرة هنا وهناك وقاعدتها مدينة الوادي معبر عنها بمدينة الألف قبة وقبة الواقعة مسافة مائتين وعشرين كيلو مترا جنوب مدينة بسكرة .
ويقع إقليم وادي سوف جنوب شرق الجزائر ، وينتمي إلى العرق الشرقي الكبير ويضم 22 بلدية كما يشكل الآن ولاية الوادي مع منطقة وادي ريغ .
يحدها شمالا كل من ولاية تبسه ، خنشلة ، بسكرة ودائرة مغير وغربا كل من دائرتي تقرت وجامعة ، وجنوبا ولاية ورقلة ، وشرقا الجمهورية التونسية .
وتمتد أراضيها من الجنوب إلى الشمال بين دائرتي عرض 31- 34 شمالا و بين خطي طول 6- 8 شرقا و تبلغ مساحة وادي سوف الإجمالية 82.000 كم2, أما سكانها فيفوق 280.000 نسمة يتميز مناخها بالطابع الصحراوي الجاف و الحار. و في الغالب تجتاح المنطقة رياح في فصل الربيع . و قد تجتاحها رياح جنوبية حارة في فصل الصيف المسماة برياح السموم .
والإقليم محاط طبيعيا بثلاث شطوط و هي شط وادي ريغ بالغرب, و شطوط مروانة و ملغيغ و شط الغرسة من الشمال و شط الجريد من الجهة الشرقية .





المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

المطلب الثاني:أصل التسمية

وادي سوف مركبة من كلمتين "وادي" و "سوف" , و يعطي هذا الاسم عدة دلالات تتوافق مع طبيعة المنطقة و خصائصها الاجتماعية و التاريخية.
*دلالات كلمة "وادي":
و تمثل اليوم المركز الإداري للولاية و سميت بذلك :
لان أهل الوادي يتميزون بالنشاط و الحيوية و تتسم حياتهم بالتنقل للتجارة في سفر دائم , فشبهوا بجريان الماء في محله الذي يدعى الوادي.
و معناه أيضا وادي الماء الذي كان يجري قديما في شمال شرق سوف , و هو نهر صحراوي قديم غطي مجراه الآن بالرمال .
و قيل أن قبيلة طرود لما دخلت هذه الأرض و شاهدت كيف تسوق الرياح التراب في هذه المنطقة قالوا : إن تراب هذه الجهة يشبه الوادي في الجريان .
كما أطلقت التسمية عندهم على مواطن أخرى في الجهة الجنوبية الغربية مثل "وادي العلندة" و "وادي الترك".
و ذكره العدواني في القرن 17 م باسم "غديرة النيل" بقوله قال الراوي : ثم انحدروا إلى سوف و كان فيها يومئذ غديرة النيل...." .
و فيما بعد صارت كلمة "الوادي" تطلق على عاصمة الإقليم و المركز الإداري لسوف كلها و هي مدينة الوادي .


المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

*دلالات كلمة "سوف":
و لها عدة معان منها:
تنسب إلى كلمة السيوف و أصلها كلمة سيف أي السيف القاطع , و أطلقت على الكثبان الرملية ذات القمم الحادة الشبيهة بالسيف.
و قيل نسبة إلى الصوف فأهلها منذ القدم يلبسون الصوف إضافة إلى ذلك كانت مستقرا للعباد من أهل التصوف يقصدونها لهدوئها.
و قيل أن طرود قدموا إلى هذه المنطقة و قالوا نسكن تلك السيوف و هي الأحقاف و الكثبان الرملية و بمرور الزمن حذفت الياء فصارت تسمى "سوف".
إضافة إلى أنها كانت موطنا لرجل صاحب علم و حكمة يدعى "ذا سوف" فنسبت إليه.
و أول من ذكره بهذا الجمع "وادي سوف" هو الرحالة الاغواطي في حدود 1829. و انتشر فيما بعد على يد الفرنسيين اثر دخولهم للمنطقة , فذكره الدكتور ايسكار في تقريره الطبي سنة 1886.
و يعني أيضا النهر المائي فالأساطير القديمة تطلق الكلمة على نهر كان يجري بالمنطقة من الشمال نحو الجنوب و يدعى "واد أزوف" أي النهر الرقراق و الذي غار في أعماق الأرض و لم يبقى إلا مكانه فتغير اسمه إلى "وادي سوف".




المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

المطلب الثالث:بنية المجتمع السوفي

لقد كان مجموع السكان في المجتمع السوفي ينتسبون إلى العنصر العربي من قبائل هلال و سليم , و بالذات إلى طرود و عدوان . و يمكن آن نميز خلال القرن 19 أن المجتمع السوفي ينتمي إلى "عرشين كبيرين هما طرود و عدوان" تطورت منهما التركيبة السكانية التالية:
عرش طرود :
وقد توزع إلى قبيلتين هامتين عمرتا مدينة الوادي و ضواحيها وهما :
الأعشاش :
وهم ينحدرون من فرع من بني سليم وكانوا بدوا هاجرو من الصحراء العربية حتى وصلوا إلى نفزاوة التونسية ثم هاجروا إلى سوف واستقروا بها ، وهم يتفرعون إلى عدة فصائل وعمائر منها الأصلي والمنتسب وهم أولاد أحمد ، و أولاد جامع و الفرجان والربا يع ، أما قبيلة القطاطية فهي الوحيدة التي قدمت في القرن التاسع عشر .
المصاعبة :
هم من بني سليم ، وصلوا إلى المنطقة في نفس الوقت مع أولاد جامع والفرجان، ويرى بعض الكتاب أن "المصاعبة " تحمل اسما بربريا يرجع إلى قبيلة " ماسوفة" القديمة ، إلا أن مظاهر حياتهم جعلتهم عربا متمسكين بعروبتهم ، ومــن



المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

فصائلهم العزازلة والشبابطة و القرافين أما الشعانبة فقد قدم بعضهم في القرن التاسع عشر في حدود 1886 وهم العائلات المهاجرة من ورقلة من أولاد عمران.
عرش عدوان :
وكانت الزقم عامرة بهم.ثم اختلطوا مع قبائل أخرى وارتبطوا مع بعض القبائل لمجاورة لهم وتشكل منهم حينئذ ما يلي :
أولاد اسعود :
وأصلهم الأول يرجع إلى سكان تاغزوت الذين وقع لهم خلاف مع أحمد الشابي التونسي ، وصل إلى حد العداوة والاقتتال ، فلما طالبوا المشورة من رجل شريف يسكن بينهم يدعى " الشيخ اسعود " أمرهم بتوحيد كلمتهم وتسليم قيادتهم أليه قائلا لهم " ... و أنا سيدكم و أنتم أولادي ...ولا تسموا أحدا ألا باسم أولاد اسعود " ، فشاع الخبر في كافة القبائل وسارت الركبان بهذا الاسم. وانضمت إليهم قرى أخرى ، فسار أولاد اسعود هم سكان القصور في الحضر في قرى كوينين و تاغزوت و الزقم و ورماس و سيدي عون . و كل سكان هذه القرى خليط من عرشي طرود و عدوان .
سكان القرى والمدن الباقية :
و هي قمار و الدبيلة والبهيمة إضافة إلى عميش و الرقيبة ووادي العلندة ، و غيرها من التجمعات السكانية التي ظهرت خلال هذا القرن ، وهي مزيج من عرشي عدوان وطرود.
والجدير بالقول أن كثيرا من العائلات تتباهى بانتسابها إلى الأشراف الذين ينتمي نسبهم إلى فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وتجد ذلك في شجرات


المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

النسب التي تملكها العائلات في القرن التاسع عشر و في نهاية نسب كل عائلة السياق الموالي " ... بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن السبط بن فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد ومولانا صلى الله عليه وسلم "
ومن هؤلاء نجد مثلا أولاد العوامر و المراغنية، وأولاد انصير،وسيدي عبد الله ، وأولاد الشريف، ومعظم هذه العائلات لها ارتباط وثيق بالتصوف وتلعب أدوارا هامة في توجيه السكان وكسب ودهم .
وقد تطورت العلاقات بين بعض القرى إلى عداوات وحروب طاحنة ، مثلما وقع بين الزقم و البهيمة ، وبين تاغزوت وقمار، ولم تتوقف هذه الخصومات إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وترجع أخ واقعة بين قمار و تاغزوت إلى عام 1871.
أما التطور السكاني للمجتمع السوفي فهو يفتقد إلى إحصائيات في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، بسبب غياب السلطة الفعلية التي تهتم بهذا الجانب ، ووجد ذلك في النصف الثاني بظهور إحصائيات تقريبية قام بها المستعمر فور اتصاله بالجهة من أجل خدمة أغراضه الاستعمارية ومنها :



1)- معرفة الإمكانيات البشرية ، ودراسة طبيعة السكان ، وتقدير إمكانياتهم لان الصراع يقتضي تحديد هذه الإمكانيات حتى يمكن وضع الخطط الاستعمارية لمواجهتها . 2)- حصر الإمكانيات البشرية من أجل الاستفادة منها واستثمار بعض عناصرها لخدمة الاستعمار عسكريا واقتصاديا . 3)- التحكم في التحركات التي يقوم بها السكان في هذه الصحراء الواسعة .

المبحث الأول: الإطار الجغرافي لوادي سوف

و الجدول التالي يوضح هذا التطور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .


السنة عدد السكان الكثافة السكانية



1854 18000 ساكن 0.21 ن/كلم2 1887 21018 ساكن 0.25 ن/كلم2 1900 32700 ساكن 0.39 ن/كلم2
جدول تطور سكان وادي سوف وكثافتهم مابين 1854-1900

















المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

المطلب الأول: واقع الجنوب الشرقي أثناء التوغل الفرنسي (1830-1853 ):

كان واقع احتلال مدينة الجزائر واستسلامها للفرنسيين في 5 جويلية كبيرا على أهل وادي ريغ وسوف إذ ترك في نفوسهم الاضطراب والهلع ، و عاشت المنطقة بأكملها في حروب واضطرابات دامت 3 سنوات ، إذ تغلبت لغة الصراع على السلطة وعلى الأوضاع السائدة يومئذ ، ودب الخلاف والتنافس في نفوس رؤساء القبائل.
وشرعت فرنسا مباشرة في عملية" الاستيطان الحر" ، إذ قام المستثمرون الأثرياء بابتياع المقاطعات و هاجر الفلاحون من اسبانيا إلى الغرب الجزائري ، ومن مالطا وإيطاليا و وكوريساكا إلى الشرق الجزائري ، لأن الجزائر صارت من الممتلكات الفرنسية كما أعلن الملك لويس فيليب سنة 1834 . وتقرر في عام 1840 احتلال البلاد كلها ، وعين الجنرال بيجو حاكما عام (1841 ) فاستهل حكمه بتطبيق الاستيطان الرسمي في مختلف أنحاء لبلاد بما فيها الجنوب و بدأ هذا الاستيطان يتضخم بسرعة بين عامي 1848-1852.
و بدأت القوات الفرنسية في الزحف شرقا وغربا وجنوبا واصطدمت قواتها بمقاومات شعبية أخرتها عن الوصول إلى لجنوب حوالي عشرين سنة و أهمها مقاومة الحاج أحمد باي (1830-1848) ومقاومة الأمير عبد القادر (1832-1847) إلا أن نتائج الأحداث كانت مأساوية وانتهت بتوغل الفرنسيين نحو الجنوب ومنها منطقتي وادي ريغ ووادي سوف .



المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

المطلب الثاني: ظروف الاحتلال الفرنسي لوادي سوف :

إثر احتلال فرنسا لقسنطينة بدأت تفكر في مواصلة الزحف نحو الجنوب الشرقي، والتوغل في أطراف الصحراء ومنها منطقة "وادي سوف" بالخصوص وذلك راجع لعدة اعتبارات إستراتيجية وسياسية وأمنية وعسكرية منها :
استكمال عملية التوسع وبسط النفوذ في بقية أجزاء الجزائر ، لاستغلال ثرواتها، وتوطين أعداد من المستوطنين الأوربيين .
تحول المناطق الصحراوية الجنوبية إلى معاقل للثوار ، وملجأ للمقاومين الذين يأوون إليها لاسترجاع أنفاسهم وإعداد قوتهم للانقضاض مرة أخرى على جحافل الجيش الفرنسي ، كما كانت ملاذا أمنا للهاربين من المتابعات الفرنسية في الداخل أو الأجانب الفارين من أنظمة الحكم في ليبيا وتونس .



3) إن مناطق الجنوب وخاصة" وادي سوف " مثلت مركزا هاما ، يقدم الدعم المادي و المعنوي للثائرين بتزويده بالمال والسلاح والرجال 4) إن إقليم " وادي سوف " كان منطقة عبور إلى تونس وطرابلس ، وهو فضاء مفتوح يسهل التنقلات بمختلف أشكالها مما يجعل لحدود الجنوبية والشرقية غير أمنة في نظر الاستعمار الفرنسي . 5) استعداء المقاومين الشعبيين ، و الحكام المحليين في الصحراء لبايات تونس ضد فرنسا ، وطلب الدعم و المؤازرة منهم مثلما فعل الحاج أحمد باي سنة 1838 ، وسلطان تقت سلمان الجلابي سنة 1853 .



المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف


6) السعي الفرنسي الحثيث في إطار الصراع مع القوى الأوربية المتنافسة للهيمنة على تونس وليبيا ، يدعوها إلى التوغل نحو الجنوب الجزائري حتى تكون قواتها على مقربة من حدود تلك البلدان ، حتى تستغلها في وقت الحاجة لصد القوات التونسية المنهزمة نحو الجنوب ، عندما تتمكن من غزو تونس عبر البحر الأبيض المتوسط أو من الجهة الشمالية الشرقية للجزائر.



















المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

المطلب الثالث:مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

قد شرعت فرنسا في تطبيق مخططاتها الاستعمارية الاستيطانية في لجنوب الصحراوي ، وفق سياسة المراحل التي دامت أكثر من أربعين سنة و التي يمكن حصرها في المراحل الهامة التالية :
المرحلة الأولى (1832-1852): الدراسات التاريخية و الرحلات الاستطلاعية الفرنسية
كانت "وادي سوف " تابعة لإمارة بني جلاب مرتبطة بها كثيرا في عملية الغزو والاحتلال وكان أول اتصال قد تم بين الإمارة الجلابية و السلطات الفرنسية الغازية في عهد الشيخ علي الكبير بن محمد الجلابي الذي عرض خدماته على الفرنسيين عام 1833 ، لكنه لم يلقى نهم الترحيب ، وكانت مبرراته قوية عند رفضهم التعاون معه في هذه المرحلة ، بسبب جهلهم الكبير بالواقع السياسي و الطبيعي لهذه المناطق الصحراوية النائية ، وهذا دفعهم بإلحاح خصوصا بعد احتلالهم مدينة قسنطينة سنة 1837 ، إلى إرسال بعثات استطلاعية لاكتشاف خبايا هذه المناطق .
و الجدير بالذكر أن قيام الفرنسيين بجمع المعلومات ومباشرة الدراسات التاريخية على الجنوب انطلق منذ الأيام الأولى للاحتلال بترجمة الرحلات التي قام بها المسلمون مثل رحلة العياشي و الاغواطي و الدرعي ، ونشرت على أوسع نطاق للاستفادة منها سياسيا وعسكريا .
لقد ترجم دافيزاك رحلة الأغواطي من الانجليزية إلى الفرنسية ونشرتها مجلة "أخبار الرحلات الجديدة " في نوفمبر 1832، وتتعرض هذه الرحلة إلى وصف دقيق للواحات وطرق المواصلات في الجنوب ، واحتوت على معلومات معتبرة


المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

تهم منطقة وادي ريغ وسوف و غدامس وغيرها من المناطق المجاورة ، ورافق دافيزاك هذه الدراسة بخريطة جغرافية هامة توضح المعالم الرئيسية ممثلة في طرق المواصلات القديمة وكيفية استغلالها من طرف فرنسا في المستقبل.
وتكونت لجنة علمية فرنسية في عام 1839 ضمت عددا من العلماء والضباط العسكريين للبحث في مختلف جوانب الحياة بالجزائر ومنها العلاقات مع أفريقيا وهكذا درس العقيد كاريت الطرق التجارية التي سلكها العرب في الصحراء.
وبعد احتلال بسكرة في مارس 1844 شرعت السلطات الاستعمارية في استغلال تلك المعلومات ودعمتها ببعثات ذات طابع تجاري في ظاهره , وذلك عندما انطلقت قافلتان من بسكرة يوم 13 جويلية 1844 بهدف التعرف على أسواق المدن الداخلية فاتجهت واحدة إلى تقرت والثانية إلى عين صالح.
ويتضح أن فرنسا بعد احتلالها لبسكرة توقفت عن التغلغل وتمهلت ريثما تتعرف أكثر عن تقت وسوف وتحاول رصد قوة هذه المناطق وتحديد إمكانياتها ومدى صمودها أمام القوات الفرنسية الغازية , واعتبرت عملية الاستطلاع وجمع المعلومات أحد الأسلحة الفعالة التي رسمت على نوالها خططها وتحركات جيوشها.
ومن الرحلات الاستكشافية الأولية في وادي ريغ تلك الزيارة التي قام بها كل من دي شوفارييه و ماريوس قارن عام 1847, و بعدها بعام كلف براكس من قبل وزارة الحربية و التجارة للقيام برحلة سرية نحو الجنوب الجزائري فزار وادي سوف انطلاقا من تونس مرورا بتقرت و بسكرة , و نشر خلاصة رحلته في دراسة بباريس عام 1849 بعنوان " تجارة الجزائر مع مكة و السودان" وقد ضمن كتابـه


المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

المنشور معلومات هامة اعتمدتها الجيوش الفرنسية في تحركاتها نحو وادي ريغ و سوف و غيرها.
واستفاد من حصيلة تلك الرحلات الاستطلاعية الجيش الفرنسي في وضع الخطط للاحتلال المناطق المذكورة و التي ما زالت يومئذ خارج نطاق الاستعمار الفرنسي.
و تواصلت الرحلات ذات الطابع العسكري الاستطلاعي قبيل الانقضاض على سوف , إذ قدم إليها الملازم روز من الفيض واتجه نحو قمار رفقة مجموعة من القوم في سنة 1852,و كانت هذه المعلومات و غيرها في متناول يد الجيش الفرنسي حينما توغل في منطقة وادي ريغ و سوف ما بين سنتي 1854-1855 بقيادة العقيد ديفو.
المرحلة الثانية (1852-1854): الغزو الفرنسي لسوف
كانت مناطق الجنوب الصحراوي الجزائري حلبة للصراع و ميدانا ملائما للثائرين و خاصة الشريف محمد بن عبد الله الذي لقي في وقت مبكر مؤازرة من الثوار المحليين و ذلك مكنه من الهيمنة على خط يشمل عدة مدن و قرى ابتداء من الأغواط إلى ورقلة و أخيرا تقرت و سوف , و لم تستطع القوات الفرنسية أن تواصل توغلها نحو الحدود الجنوبية الشرقية المتاخمة لتونس عبر "وادي سوف" إلا بعد تطويق المنطقة المجاورة .
ولم يبق للفرنسيين يومئذ إلا احتلال القلعة الحصينة و الدرع الواقي الذي تحتمي خلفه "وادي سوف" وهي إمارة بني جلاب "تقرت" التي وضع الفرنسيون أمامها كل ثقلهم العسكري .


المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

واثر احتلال الجيش الفرنسي لإمارة بني جلاب "تقرت" ترك العقيد ديفو بعض قواته بالمدينة للمحافظة على الأمن و قاد بقية القوات القادمة من باتنة و الأغواط و بوسعادة واتجه نحو وادي سوف في 10ديسمبر1854 وكان مضطر لسلوك طريق رملي صعب , كثير المنحدرات متعدد المسالك , تنتشر في كل جهاته الكثبان الرملية العالية , كما أن الرمال الرخوة تجعل عملية السير بطيئة عند الفرنسيين الذين اعتادوا على الأراضي الصلبة و الطرق المعبدة , إضافة إلى خلو هذا الفضاء من السكان و الأشجار و قلة المياه التي تتطلبها دوابهم بكثرة .
ورغم أن المسافة بين تقرت و سوف عبر الطريق الصحراوية غير معبدة لا تتجاوز 85 كم تقريبا , فان القوات الفرنسية استغرقت رحلتها 3 أيام , متخذة طريق الطيبات القبلية و هي موطن أولاد السايح الذين يشبهون أهل سوف , في طبيعة أرضهم و عاداتهم و تقاليدهم , وبعد استقرار خفيف واصلت الطوابير الفرنسية طريقها حتى وصلت إلى مشارف أول بلدة من قرى سوف تدعى تاغزوت وتوقفت, و دخل ديفو في مفاوضات شديدة أمام الطابور العسكري مع وجهاء المنطقة , وانتهت المفاوضات بالاتفاق على عدة أمور , حينئذ دخلت القوات الفرنسية إلى تاغزوت في 13 ديسمبر 1854 و تم استقبالهم من طرف الأهالي باطمئنان و رضا, وهذا ما صرحت به الكتابات الفرنسية مشيرة بذلك إلى استسلام سكان المنطقة بسهولة للقوات الغازية و الرضا بشروطهم بيسر , و لكن الرأي الوطني المحلي له وجهة نظر أخرى تفيد أن الصدام كان عنيفا بين الطرفين , فقد استمات سكان سوف و بذلوا أقصى ما عندهم من جهد و هذا ما أشار إليه صاحب الصروف بقوله :"ثم بعد أن نزلت المحلة بتقرت أخضعت أهلها ارتحلت متوجهة إلى سـوف


المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

لتخبر أهلها وبعد قتال بين الطرفين أياما عديدة في النخيل و السيوف تغلبت المحلة على سوف ." و حسب المصادر الفرنسية , فان العقيد ديفو قضى مدة 7 أيام بسوف . قضاها في صراع مع المقاومين , لكن الجدير بالتنويه في هذا المجال هو عدم التكافؤ القوى بين الطرفين , فالقوات الفرنسية امتازت بضخامتها و قوة تنظيمها , و قد ضمت قوات هائلة قدمت من باتنة و الأغواط و بوسعادة , إضافة إلى وحدة صفوفها و حنكة قيادتها وامتلاك أسلحة متطورة و كافية , مع إتقانها أساليب الحرب الحديثة . وفي مقابل ذلك كان المجتمع السوفي يعيش حياتا قبلية بدوية , وهذا ما جعل جهودهم مبعثرة في القرى و البوادي من جهة والافتقار لقائد يجمع أطراف البلاد يقودها في الحرب و السلم , فضلا عن قلة الأسلحة و فقدان خطة عسكرية محكمة لمواجهة عدو عنيد , ومن جهة أخرى فان الانكسار و الهزيمة التي لقيها الجند السوفي مع إخوانهم أهل وادي ريغ في موقعة المقارين وانسحابهم نحو منطقتهم, جعلت عملية الدفاع التي قاموا بها مجرد استجابة لواجب ودفاع عن الشرف والعرض وإرضاء للضمير ولو بأضعف مظاهر القوة التي يملكونها .
و لما عجزت القوات الأهلية في رد الزحف الفرنسي استجابة للمفاوضات التي مكنت هذه القوات من التقدم نحو كوينين و منها انتقلت إلى عاصمة سوف , مدينة الوادي في حدود 14 ديسمبر 1854 , ثم رجعت إلى تقرت يوم 22 ديسمبر 1854, لتقوم بتنظيم الإقليم وضبط شؤونه الإدارية بالاشتراك مع منطقة وادي سوف , فبادر العقيد ديفو بتعيين "علي باي" بن فرحات بن سعيد "قايد" على تقرت باسم فرنسا منذ 26 ديسمبر 1854 .


المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

و عند رجوع القوات الفرنسية لم تترك في سوف أي اثر لها من القوات العسكرية لتحافظ على احتلالها , و ذلك جعل المنطقة محل صراع مرير و مقاومة متواصلة دامت قرابة 30 سنة , و لم تتمكن السلطات الفرنسية من الاستقرار النهائي بسوف إلا في منتصف الثمانينات عندما طوقت تلك المقاومات و قضت على زعمائها.
المرحلة الثالثة (1854-1872): المقاومات الشعبية بسوف و ردود الفعل الفرنسية
بعد انتهاء معركة المقارين 1854 , بهيمنة العقيد ديفو على تقرت و سوف , و تم تولية علي باي بن فرحات بن سعيد حاكما على وادي ريغ و سوف . ويومئذ التجأ الثوار إلى تونس و هم سلمان الجلابي و الشريف محمد بن عبد الله و بالناصر بن شهرة , بينما استفرغ العقيد ديفو جهده لأحكام السيطرة على وادي سوف خوفا من تحركات المقاومين المستقرين قريبا من الجهة , و ذلك دفعه إلى القدوم إليها في الخريف 1855 بطابور عسكري استقرت قواته يوم 6 ديسمبر بالدبيلة القريبة من حدود تونس , و بدا في جمع معلومات عن السكان و الثوار , فتأكد أن الثوار استقروا بنفزاوة التونسية , و بعد استكماله جمع المعلومات العسكرية اتجه نحو تقرت في حدود ديسمبر 1855 .
و قد وجه العقيد ديفو رسالة بتاريخ 12 ديسمبر 1855 الى كافة سكان وادي سوف و وادي ريغ يحذرهم من من يحاول اخذ أموالهم باسم حاكم بسكرة و ينبههم إلى التأكد من ختم الحاكم, و أعقب ذلك برسالة أخرى يوم 25 ديسمبر 1855 على شكل أمر عين بموجبه علي بن عمر بن سعيد خليفة على كافة وادي سـوف تحت



المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

إشراف القائد علي باي , واستمر ديفو في مراقبته للمنطقة و محاولة إضفاء نوع من الاستقرار عليها عن طريق المراسيم و الأوامر.
و كانت المنطقة تعاني الاضطرابات و بدأت تحركات المقاومين و خاصة سي النعيمي , و محمد بو علاق اليعقوبي , و بن ناصر بن شهرة و محمد بن عبد الله .
و قد تجددت المقاومة عندما قدم محمد بن عبد الله و بن ناصر بن شهرة من تونس وشاركا في ثورة أولاد سيدي الشيخ في 1864 , و لكن بسبب الاختلاف في وجهات النظر اعتزلهم محمد بن عبد الله وانسحب الى تونس لعدة سنوات . بينما استمر بن شهرة في المقاومة , بعدة جبهات في وسط الصحراء و في أطرافها المتاخمة للحدود الجنوبية و الشرقية . و كانت تربطه علاقة مع الطيب بن عمران الشعنبي , الذي كان مشهورا بجرأته و قوته , و قد جمع 264 من المحاربين من طرود سوف و شعانبة الوادي و عسكر بهم في جنوب ورقلة في فيفري 1864 لغزو تلك الجهات ثم التجأ كغيره من المقاومين الى تونس.
أراد الجنرال راندون في أواخر الخمسينات ضبط الحدود الشرقية للمنطقة , فتم انجاز خريطة سنة 1857 و لكن الحدود النهائية للعرق الشرقي الكبير لم تحدد لها معالم ثابتة , و إنما خضعت للتغير باستمرار خصوصا ما بين 1867-1870 , إذ بقيت الحدود غير واضحة بين سوف و جنوب شط الجريد .
و لكي يتحقق نوع من الهدوء في وادي سوف , شيد الفرنسيون عدة أبراج للمراقبة في الجهات الأربعة لسوف لتامين القوافل و المحافظة على الأمن , وهـذه


المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

الأبراج هي : برج الحاج قدورة في الجهة الشرقية , و برج بوشحمة في الشمال , بينما شيد في الجهة الغربية برجان , برج الفرجان , و برج مولى القايد لحماية الطريق الرئيسي بين تقرت و سوف .
و رغم كل الإجراءات السابقة , فان المقاومة اشتعلت مرة أخرى بوادي سوف و ما جاورها ممتدة من عين صالح الى ورقلة و تقرت و سوف و تبسه و نقرين بالشرق و بلاد الجريد و نفطه بتونس , وقاد هذه المقاومة بوشوشة و محي الدين بن الأمير عبد القادر.
المرحلة الرابعة (1872-1887): الاستقرار النهائي للفرنسيين في وادي سوف
انتهت فترة السبعينات من القرن 17 بتصفية فلول المقاومة الشعبية المسلحة بالجنوب , و الاستمرار في تهيئة الظروف للاستقرار في الجنوب الجزائري قريبا من الحدود التونسية التي كانت فرنسا بصدد التخطيط لاحتلالها , وتعتبر منطقة وادي سوف المتاخمة لتونس والمحاذية للجريد التونسي من أهم المواقع التي يمكن استغلالها لتامين ظهر الفرنسيين في شمال تونس .
و قد شارك الضابط ديبورتر في احتلال تونس سنة 1881 , ثم انتدب لسوف فقام بوضع أسس أول مكتب عربي بالمنطقة , و تم اختيار منطقة الدبيلة , القريبة من الحدود التونسية فكانت المركز الأول للاستقرار الفرنسي بوادي سوف . و من اجل حماية المنطقة و مراقبتها , اخذ عدد القوات الفرنسية في التزايد , فقدم طابور عسكري آخر سنة 1882 بقيادة الضابط "فونتوبريد" واستقر أيضا بالدبيلة ,




المبحث الثاني: ظروف و مراحل الاحتلال الفرنسي لوادي سوف

و تشكل مركز بهذه المنطقة, و تم تأسيس برج صغير للحراسة بقي ثابتا بالدبيلة, واستمر الى سنة 1887 رغم تناقص أفراده يومئذ . و الجدير بالذكر أن الإدارة الفرنسية بدأت عملية استقرارها بقوة في مدينة الوادي عاصمة الإقليم خلال سنة 1882 .
و يعتبر النقيب فورجس (1886-1887) ثاني حاكم عسكري لملحقة الوادي و الذي خلف الضابط "جانين" , و قام باستقدام المجموعات العسكرية الصغيرة من حامية الدبيلة و جعلها تستقر بالمحلات التي أعدت لها بالوادي قرب البناء الخاص بمكتب الشؤون الأهلية , و مثلت تلك المحلات أول ثكنة عسكرية بوسط مدينة الوادي .














المبحث الثالث: احتضان وادي سوف للمقاومين و دعمها لهم

المطلب الأول: وادي سوف الملجأ الآمن للمقاومين

لقد ساعد الموقع الجغرافي لوادي سوف و الامتداد الرملي الشاسع و المناخ القاسي الذي تميزت به , على عزل هذه المنطقة مؤقتا , جعلها الملاذ الآمن الذي يأوي إليه المقاومون الشعبيون بعد انتهاء معاركهم فيستقرون من اجل استرجاع الأنفاس و تجديد روح المقاومة و الإعداد للمعركة الجديدة . و أخذت المنطقة هذه الصفة منذ القدم , و قد أشار الى ذلك العدواني في تاريخه بالقرن 17 , في قصة العش عندما عزم على الهروب من تونس الى سوف قال لأبنائه : "عليكم بسوف فهي أم الهارب ".
و قد التجأ إليها في القرن 19 الحاج احمد باي قسنطينة خلال شهر ديسمبر 1837 أثناء صراعه مع فرحات بن سعيد , وانسحب هذا الأخير مرة أخرى الى سوف بعد هزيمته في معركة ضارية مع الحاج احمد باي عام 1838 .
أما خليفة الأمير عبد القادر محمد الصغير بن عبد الرحمن الذي أبدى مقاومة باسلة في مواجهة الفرنسيين فانه اضطر الى الانسحاب نحو سوف بعد احتلال الفرنسيين لبسكرة سنة 1844 , و بعد الاحتلال الفرنسي للأغواط و ورقلة سنة 1853 التجأ بن ناصر بن شهرة للجريد التونسي عبر سوف .
و بعد احتلال تقرت سنة 1854 لذ حاكمها الشيخ سلمان بالفرار لتماسين فاختفى بها أياما ثم انتقل الى سوف فنزل بالـوادي و مكـث مدة ثم التجأ الى تـونس ,



المبحث الثالث: احتضان وادي سوف للمقاومين و دعمها لهم

وكذلك فعل الشريف محمد بن عبد الله الذي التجأ الى الوادي , ومنها واصل رحلته الى الجريد التونسي و بقي بها الى سنة 1858 .
كما لجا إليها الثائر الليبي غومة المحمودي الذي كان في صراع مع حكام طرابلس و تونس , و قد أفضى صراعه مع الوالي علي باشا عام 1841 الى انهزام و تراجع نحو الجنوب , فاحتضنته وادي سوف ما بين عامي 1841-1842 إذ وجد المؤازرة من سكانها و خاصة قبيلة طرود و مكث بينهم معززا مكرما الى 1842 , لكن حدوث وباء بالمنطقة اضطر غومة الى مغادرة سوف نحو بلاده , فدخل مع الباي في صراع في جنوب تونس أفضى الى صدام عسكري وانتهى الى اعتقال غومة و الحكم عليه بالإعدام , إذ تذكر القصص الشعبية المتداولة في سوف أن الباي طلب منه أن يتمنى كل ما يريده قبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام فكانت أمنية غومة هي الاعتراف بالجميل لأهل سوف , و تمنى أن يموت بأرضهم , و جسد موقفه هذا في أبيات من الشعر الملحون قال فيها غومة :
اتمنيـــت مماتي في الــواد و في الصحــن بحــدا مـراد
و تخرج يا باي تتفرج على ضرب الزناد
اتمنيت مماتي جات بين النزالي و تخرج تونس بعساكرها تشالي
حــتى يولــي الدم على البـــدالي
اتمنيت مماتي جات في سـوف و تخـرج يا بـاي يا سفسـوف
وانـذوقك كـــــاس الحتـــوف
عندئذ تأثر الباي بهذا الموقف النبيل , و القول الشجاع الصادر من بطل لا يخشى لومة لائم , فعفى عنه و أطلق سراحه , فالتجأ الى وادي سوف في خريف عام


المبحث الثالث: احتضان وادي سوف للمقاومين و دعمها لهم


و قد أزعج استقرار الشيخ غومة بأرض سوف السلطات الفرنسية , لأنه يحيي في نفوس السكان روح المقاومة , و حينذاك كانت السلطات الفرنسية تسعى لتوطيد أقدامها في المنطقة ففاوضت غومة سنة 1857 بوادي سوف , و عرضت عليه تسليم سلاحه , و لكن نفسه العزيزة أبت ذلك و فضل العودة الى بلاده ليواصل مسيرته في المقاومة التي نذر نفسه لها منذ أمد طويل . 1856 , و كانت سوف حبيبة على قلبه , و من فرط حبه لها سمى ابنه المولود عام 1857 بأرضها بجهة (عميش), باسم "محمد السوفي" أو "محمد سوف".














المبحث الثالث: احتضان وادي سوف للمقاومين و دعمها لهم

المطلب الثاني: دعم وادي سوف للمقاومين

ساهمت وادي سوف مساهمة فعالة في دعم المقاومين بشتى أنواع الدعم المادية و البشرية , ساعدها في ذلك مجاورتها لأسواق السلاح المجاورة لها في تونس و طرابلس . و قد نشط المقاومون في عملية جلب الأسلحة و الذخائر من هذه الأسواق و منهم بوشوشة و محمد بن عبد الله و بن ناصر بن شهرة و محي الدين بن الأمير عبد القادر , و كانت يومئذ منطقة سوف و بلاد الجريد من أهم معابر قوافل السلاح الى المقاومين , مثلما فعل بوشوشة عام 1871 .
و قد أزعج هذا الفعل السلطات الفرنسية التي عرفت بهذا الأمر عن طريق الجالية اليهودية في تونس , و التي تم إقناعها فامتنعت عن بيع الأسلحة للثوار .
و أثناء حركة المقاومة التي قادها محي الدين بن الأمير عبد القادر بالمنطقة الجنوبية في الخط الممتد من طرابلس مرورا بسوف الى نفطه التونسية أشارت تقارير الإيالة التونسية عن تنقل قوافل السلاح في هذه المنطقة .
و قد عثر الفرنسيون على بطاقات صادرة من زاوية نفطه للمقدم إبراهيم بن عبد الله يحث فيها الناس على جمع الأسلحة و محاربة الفرنسيين . و وصلت هذه البطاقات و الرسائل الى مدينة تقرت و وادي سوف . و كانت قبيلة الشعانبة بسوف ذات نشاط واسع في عملية شراء الأسلحة و توفير الذخائر و جلبها من الجريد التونسي عبر سوف لتكون وقودا للمعارك . و الى جانب السلاح كانت المقاومة في حاجة الى التموين المالي و المادي بفرض الضرائب و الإتاوات أو الإغارة على


المبحث الثالث: احتضان وادي سوف للمقاومين و دعمها لهم

الإبل و الأغنام و أخذها عنوة من طرف المقاومين و خاصة الحكام المحليين واعوان الإدارة الفرنسية . ففي عام 1850 قدم الشريف محمد بن عبد الله من الحج الى طرابلس ومنها اتجه عب غدامس الى سوف , واستقر في ورقلة وقاد منها حركة المقاومة التي احتاجت إلى الأموال , فرجع الى سوف قبل معركة المقارين لجمع الإعانات من السكان .
أما اخذ الأموال عنوة فله صور عديدة منها حدث " ... سنة 1865 عندما أغار أولاد يعقوب بمعية الثائر بن ناصر بن شهرة على أناس طرود رجلين ".
ولما كان بوشوشة يلاحق زمالة " علي باي"قدم الى سوف في 8 مارس1871 واتجه الى قمار وقد فاوضه أهلها على الرجوع مقابل مبلغ من المال قدمه له شيخ الزاوية التيجانية محمد الصغير من اجل حقن الدماء وحفظ الأموال .
ولم يتخلف سكان وادي سوف أيضا عن دعم المقاومين بالرجال سواء في جيش غومة المحمودي الذي شكل السوافة جزء هاما من جيشه , واستمرت مناصرتهم له في قتاله الى معركته النهائية , أو ضمن جيش بوشوشة الذي انضم إليه العديد من أهل سوف سنة 1871 عندما غادر مدينة قمار أثناء صراعه مع أتباع علي باي .
واستمر جيش بوشوشة يقاتل أعوان علي باي في الزاب تحت قيادة بن ناصر بن شهرة بمؤازرة قبائل طرود و الشعانبة من سكان وادي سوف .
وإذا كانت وادي سوف محطة للتزود , و معبر للسلاح و رجال المقاومة الشعبية, فان زاوية "مصطفى بن عزوز" بنفطه كانت على صلة وثيقة بأهل سوف و رجال المقاومة الذين يمرون بالمنطقة و يستقرون بهذه الزاوية التي صارت مركزا


المبحث الثالث: احتضان وادي سوف للمقاومين و دعمها لهم

للراحة , و قاعدة عسكرية ينطلق منها الثوار نحو الجنوب , لمقاومة أعوان الاستعمار في وادي ريغ و الزاب و ورقلة و الأغواط, أو نحو تبسه و نقرين من الجهة الشرقية .
و قد دفع هذا العمل السلطات الاستعمارية الفرنسية الى تكثيف متابعاتها للثوار في هذه المنطقة, و كان لها سعي حثيث و عمل جاد , من اجل إحكام السيطرة على وادي سوف تمهيدا لاحتلال تونس .

يوسُف سُلطان
2010-07-23, 21:13
.. شكرا أخي الكريم السوفي البربري ..
موضوعك معرفي وافي .. جمع التاريخ والجغرافيا معا في دراسة المنطقة والتعريف بها ..
ما ٍايك لو قرات الموضوع بتأنّي و اختصرت لنا تلخيصا بأسلوبك الخاص .
بانتظار مشاركتك .. لك التحية ، والسلام عليكم

NEWFEL..
2010-07-24, 05:40
http://store1.up-00.com/Jun10/nwq58538.gif

samyr-68
2010-07-30, 15:33
http://www.samysoft.net/forumim/shokre/1/b12b38543a.gif

katalone3
2010-07-31, 09:29
شكرا لك اخي لقد عرفتنا بتاريخ المنطقة فانا من واد سوف لم اكن اعلم بكل هذا
وارجو منك افادتنا بمساهمة المنطقة ابان الثورة التحريرية

ع.أسامة18
2010-07-31, 10:42
شكرا جزيلا اخي

ربيع1980
2010-08-09, 00:41
شكرا.على هذه المعلومات القيمة ننتظر منك تفاصيل معارك سوف كهدة غوط شيك وغيرها.

kimouvic
2010-11-26, 15:50
ننتظر الكثير منك اخي وانا متشوق لسماع المعارك وخاصة معركة رمة لصباع و معركة صحن القطون

abdou-91
2010-11-28, 14:45
شكرا لك وبارك الله فيك

syrus
2010-11-29, 17:47
الارجح عندي و الله أعلم ان سوف في تسمية وادي سوف تعود لكلمة "سوف" الامازيغية و التي لازالت تستخدم إلى يومنا هذا و التي تعني "فيضان الوادي" و جمعها "إيسافن" نقول "يكرد سوف" بمعنى فاض الوادي بعد نزول كميات كبيرة من الامطار.

syrus
2010-11-29, 17:52
حسب علمي منطقة وادي سوف كانت مشهورة بتجارة الاسلحة قبل الثورة و الكثير من اهلها مارس التهريب و منه تهريب الاسلحة و كان معروف لدى سكان الاوراس ان من اراد شراء سلاحا عليه ان يتصل بوادي سوف عبر زريبة الوادي و الخنقة. و كانت احد مراكز التزود بالسلاح و الله اعلم

لقاء الجنة
2010-12-03, 23:07
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSE5-gg_qiejAUgQOdvT4I3w9OV2XJ3AMVOXbABiIW2b6EIiRpzi9vE NJ8L-A

مصطفى قاسمي
2010-12-13, 09:16
بارك الله فيك

BARKA MOHAMMED
2010-12-17, 19:51
بارك الله فيك

فارس المسيلي
2010-12-17, 20:36
http://www.arabsys.net/pic/thanx/4.gif

السوفي البربري
2011-01-08, 17:40
حسب علمي منطقة وادي سوف كانت مشهورة بتجارة الاسلحة قبل الثورة و الكثير من اهلها مارس التهريب و منه تهريب الاسلحة و كان معروف لدى سكان الاوراس ان من اراد شراء سلاحا عليه ان يتصل بوادي سوف عبر زريبة الوادي و الخنقة. و كانت احد مراكز التزود بالسلاح و الله اعلم

السلام عليكم السوافة كانوا يهربون الاسلحة من الرديف من تونس ويهربونه الى بير العاتر ثم الى الاوراس ايضا وكانو ايضا ياتون به من غدامس اللبية

السوفي البربري
2011-01-08, 17:48
جهاد الشيخ عبد العزيز الشريف ضد قوات الاستعمار الفرنسي
ثورة الوادي لعام 1938

لقد مارس الاستعمار الفرنسي في الجزائرن سياية جهنمية من أجل محو الخصائص الروحية و القومية للشعب الجزائري، حتى يسهل دمجه بفرنسا، و ذلك بمحاربة العقيدو الإسلامية و اللغة العربية في عقر درارهما.
وكان من الطبيعي أن يقاوم الشعب الجزائري هذه السياسة تحت قيادة العلماء و الفقهاء و الشيوخ و من بينهم نخص بالذكر و التنويه في هذه المناسبة الشيخ عبد العزيز الهاشمي الشريف السوفي.

نشأة الشيخ عبد العزيز
إن الشيخ عبد العزيز -يرحمه الله- رجل من كرام الرجال الذين أنجبتهم الجزائر، فهو ذلك الرجل الشريف في نفسه الكريم في أصله المبجل في قومه، رغم هفواته التي يركز عليها الاستعمار و أعداؤه.
فهو ابن الشيخ محمد الهاشمي بن ابراهيم بن أحمد الشريف، ولد بزاوية والده بقرية البياضة - ولاية الوادي سوف - سنة 1898 و كان توأما لأختهن كما أنه الابن الثالث للشيخ محمد الهاشمي.
تنحدر أصول أسرة الشريف من البوازيد -أبو زيد- و هي من القبائل العربيةالمنتشرة بين طولقة و بسكرة . . و قد هاجر الجد الأول الشيخ ابراهيم إلى الجريد بالجنوب الغربي التونسي و استقر بنفطة لينشط ضمن الزاوية القادرية . . و قد أنجب هناط ابنه محمد الهاشمي سنة 1853 الذي رجع إلى أرض الوطن سنة 1892 حيث أسس زاوية قادرية بالبياضة على غرار أجداده لواصل نشاطه الديني و الفكري هناك، و قد واجه الشيخ محمد الهاشمي منافسة شديدة و مريرة من طرف الزاوية التجانية المجاورة له في البياضة و التس تمثل طريقة "الأحباب" المنتشرة بكثرة في سوف . . و كانت السلطات الفرنسية تزكي هذا التنافس، بل و تثير النعرات و الفتن بين الطريقتين و تدس أعوانها بين الزاويتين لإشعال النيران بينهما ضمن سياية "فرّق تسد".
و قد تفطن الشيخ الهاشمي إلى مكايد الإدارة الفرنسية فعمل على محاربة الاستعمار الفرنسي، فاستغل ظروف اندلاع الحرب العالمية الأولى ليفجر ثورة عارمة في المنطقة، عرفت بـ "هدّة عميش"، و هذا من أجل تخليص البلاد من ظلم المحتل و أعوانه.
و بعد هدوء العاصفة، وجهت السلطات الفرنسية بالوادي تهمة التمرد على فرنسا إلى الشيخ الهاشمي و اعتقلتع يوم 15 نوفمبر 1918 م لينقل بعد ذلك إلى سجن بسكرة، و منه إلى سجن "الكدية" العسكري بقسنطينة ريثما يقف أمامالمحكمة العسكرية التي أصدرت ضده فيما بعد الحكم بالنفي من الوادي لمدة سنتين . . و في جويلية 1920 رجع الشيخ الهاشمي إلى وادي سوف و حاول التعديل من مواقفه السابقة تجاه الزاوية التجانية و حتى تجاه السلطة العسكرية الفرنسية، و انصب كل اهتمامه في تطوير زاويته و توسيع نفوذها و ثرواتها . . و بدأ أيضا في تهيئة خليفة لهن فتوسم الخير في ابنه عبد العزيز الذي لاحظ عليه الفطنة و النجابة و سرعة البداهة، ذلك أن حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة حفظا جيدا. ثم غادر الوادي سنة 1913 ليلتحق بجامع الزيتونة المعمور بتونس ليزاول تعليمه هناك. و كان أول الناجحين ضمن أقرانه و إخوانه إذ تحصل على شهادة التطويع في حياة والده بامتياز، فعاد إلى الوادي سنة 1923، فوجد والده قد أوقف زاوية عميش و فروعها على أولاده الثلاثة، و اشترط في وصيته أن من يخلفه على رأس الزاوية و إدارة أملاك العائلة أن يكون حائزا على شهادة التطويع و عند وفاته في شهر سبتمبر 1923، لم يتوفر هذا الشرط إلا فب الابن الأصغر عبد العزيز، و كان عمره آناذاك حوالي 25 سنة و رغم ذلك فقد آلت مشيخة الزاوية إلى الأخ الأكبر عبد الرزاق و لكنه لم يعمر طويلا في هذا المنصب بسبب حالته الصحية المتدهورة، فتوفى بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه على رأس الزاوية في شهر ديسمبر 1923.

تولي الشيخ عبد العزيز مشيخة الزاوية
أصبح الشيخ عبد العزيز المؤهل الوحيد لمشيخة الزاوية باعتباره المتخرج الأول من جامع الزيتونة، فضلا عن كونه مشهورا بذكائه و فصاحة لسانه و وضوح بيانه، كما كان الشيخ أديبا ظريفا لبقا، لهذا تم الإجماع على أن يتولى مشيخة الزاوية القادرية في سوف مع ملحقاتها في كل من تقرت و بسكرة و سكيكدة و الجزائر العاصمة، كما يقوم بالإشراف على شؤون العائلة و على إخوانه الذين يزاولون تعليمهم بجامع الزيتونة بالإضافة إلى العمل المستمر في تطوير أملاك الزاوية و خاصة في غابات النخيل، و استثمار تجارة التمور المزدهرة و المربحة عبر مناطق الجنوب . . حتى أصبح الشيخ عبد العزيز يعرف بـ"ملك التمور" و هذا ما أثار غيظ المحتكرين الأجانب -نذكر منها المرابي باؤو (baÄou) و الذين عزموا على إبعاده من هذا الميدان و السطو وحدهم على تجارة التمور و احتكارها لأنفسهم . . و هذا ما تم لهم فعلا فيما بعد.
سارت حياة الشيخ رتيبة لمدة 12 سنة، حتى قام بأداء فريضة الحج سنة 1936. فزلزل هذا الحدث كيانه، لأن المشرق العربي في تلك السنة، كان يعج بأحداث تاريخية و غليان سياسي يتمثل في مواجهة الاستعمار الأوروبي، ففي مصر أبرمت معاهدة 1936، اعترفت فيها بريطانيا بأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة و تؤيدها في الانضمام إلى عصبة الأمم، و جلاء القوات البريطانية عن مصر و تمركزها فقط في منطقة السويس، أما سوريا فقد عاشت ثورة 1936 لطرد المحتل الفرنسي، و في فلسطين اندلعت الثورة الكبرى و كادت أن تنتصر و تخلص البلاد من الانتداب البريطاني و النفوذ الصهيوني لولا تدخل بعض الأنظمة العربية التي أجهضت الثورة، كما عرف العراق في هذه السنة أيضا انقلابا ألغي على إثره المعاهدات الجائرة . .
و هكذا كان الوطن العربي يعيش في هرج و مرج من جراء اشتداد هذه الوقائع السياسية و التاريخية، و قد عايش الشيخ عبد العزيز البعض من هذه الأحداث، حيث مكث بالمشرق طيلة سنة . . أثرت فيه و تشبع بأفكار جديدة . . و لعل رواسب الفكر الوهابي و السنوسي قد وجدت صداها في نفسه.
لما رجع الشيخ إلى الوطن أصبح يفكر في طرح أسلوب جديد يعوض الطرقية و التصوفن فبدأ يقترب من أفكار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي طفحت على سطح الأحداث الجزائرية خاصة بعد انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري العام في شهر جوان 1936، و ذهاب الوفد الإسلامي بمطالب الأمة الجزائرية إلى باريس لعرضها على الحكومة الفرنسية، و ما تلا ذلك من أحداث، خاصة اغتيال الشيخ كحول - ابن دالي عمر محمود إمام الجامع الكبير بالعاصمة - .

تحول الشيغ عبد العزيز من الطرقية إلى الإصلاحية
أثرت كل هذه الوقائع في تفكير الشيخ عبد العزيز، فغيرت مجرى حياته، بعد ما قام بالحج و الجوار . . و فكر في أحوال بلاده . . و قارن أوضاع الجزائر التي ترزح تحت نير الاحتلال الفرنسي بأحوال إخوانهم في المشرق، و تفطن إلى رسالته الحضارية تقتضي أن يناضل باعتباره من رجال الفكر و الثقافة العربية الإسلامية . . آخذا بعين الاعتبار أفكار المصلح الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس الذي يقول في الطرقية ". . . و كما اخترع طوائف من المسلمين الرقص و الزمر و الطواف حول القبور و النذر لها و الذبح عندها و نداء أصحابها و تقبيل أحجازها و نصب التوابيت عليها و حرق البخور عندها، و صب العطور عليها ..."
لاشك أن هذه التصرفات لا تمت للدين الإسلامي بأي صلة ن و هي في مجملها خارجة عن تعاليم الإسلام و مخالفة لسنة رسول الله (عليه أفضل الصلاة و أبهى السلام) و أصحابه من بعده أيضا، إنما هي ابتداعات ابتدعها أتباع الطرائق الصوفية.
و يظهر الإمام ابن باديس دهشته و حيرته في حال المسلمين الجزائريين فيقول : "... تجد السواد الأعظم من عامتنا غارقا في هذا الضلال، فنراهم يدعون من يعتقدون فيهم الصلاح من الأحياء و الأموات، يسألونهم حوائجهم من دفع الضر، و جلب النفع و تيسير الرزق و إعطاء النسل، و إنزال الغيث و يذهبون إلى الأضرحة... و يدقون قبورهم و ينذرون لهم ... و تراهم هناك في ذل و خضوع و توجه، قد لا يكون في صلاة من يصلي منهم".
و هذا هو الشرك الخفي و عبادة الأولياء، لهذا تحول الشيخ عبد العزيز من الطرقية إلى الإصلاحية، و تبرأ من هذه التصرفات، خاصة و هو الذي اغترف من الينابيع الصافية للعلم و أصول الدين الحق، فانضم الشيخ إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كعضو فعال و بارز فيها بحكم امكانياته العلمية و المالية و الاجتماعية، ففي المؤتمر السنوي العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي بدأ أعماله يوم 24 سبتمبر 1937 بنادي الترقي بالعاصمة قدم الشيخ ابن باديس بعض كبار الرجال الذين لهم أكبر الأثر في بعث النهضة الجزائرية من جمعية العلماء، منهم الشيخ الفضيل الورتلاني و السيخ سعيد صالحي ... ثم تقدم هو بنفسه و ألقى خطابه الرسمي مقترحا أن يسمى هذا الاجتماع بعيد النهضة الجزائرية، ثم تقدم هو بنفسه و ألقى خطابه الرسمي مقترحا أن يسمى هذا الاجتماع بعيد النهضة الجزائرية، ثم طلب إلى زميله الطيب العقبي أن يقدم الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الهاشمي إلى الحاضرين، و كان لهذا التقديم مغزاه العميق، إذ هو شهادة في الواقع بانتهاء المعركة مع مناهضي جمعية العلماء من أتباع الطرق الصوفية، ذلك أن "الشيخ عبد العزيز كان من شيوخ الطرق. أما اليوم فيجب أن تعرفوه بأنه جندي من جنود الإصلاح و من أعضاء جمعية العلماء".
ثم أحيلت الكلمة إلى الشيخ عبد العزيز الذي أبدى تأسفه لتأخره عن الانضواء تحت لواء الجمعية، و وعد بأنه سيبذل كل مجهوداته في خدمة الإصلاح و تبرع لهم بمبلغ خمسة و عشرين ألف فرنك و هو مبلغ هام في ذلك الوقت.
و قد أثار هذا النشاط المتزايد للشيخ عبد العزيز حفيظة السلطات الفرنسية بالوادي، و أظهروا مخاوفهم من تسرب أفكار الحركة الإصلاحية إلى المنطقة، فيزعزع كيانهم، و يكذب ادعاءاتهم بأن الصحراء هادئة و آمنة و راضية بحالها.

زيارة ابن بادسي إلى سوف
رتب الشيخ عبد العزيز زيارة لوفد من جمعية العلماء بقيادة الإمام عبد الحميد بن بادسي إلى الوادي في شهر ديسمبر 1937 ، لتدعيم نشاطه و تكريس أفكار الحركة الإصلاحية في المنطقة، و في هذا الصدد نستشهد بما كتبه الشيخ محمد خير الدين في مذكراته :
"... انتشرت وفود جمعية العلماء المسلمين في كل مكان، و في الوفود التي شاركت فيها، وفد الصحراء الذي تكون من الشيخ عبد الحميد بن باديس . . . و الشيخ مبارك الميلي، زار هذا الوفد وادي سوف و كانت معقلا من معاقل الطرقية التي تناهض حركتنا الإصلاحية، و لكن الحركة الإصلاحية، سرت في كل مكان و أصبح لها أتباع ينتصرون بها و تنتصر بهم، و من جملة الشخصيات التي انضمت إلى حركتنا و أصبحت عضوا عاملا في إدارة الجمعية: عبد العزيز ابن السيخ الهاشمي رئيس الطرقية القادرية..."
وفعلا، كان لهذه الزيارة الوقع الكبير في المنطقة حيث سجل لنا الأستاذ حمزه بوكوشة (رحمه الله) العضو الإداري لجمعية العلماء و أصيل الوادي تفاصيل هذه الزيارة في جريدة البصائر منها: "... و ما كادت الصحافة المحلية تنشر نبأ إيفاد هذا الوفد حتى هب دعاة الفتنة و الشقاق و حاولوا تصوير الجمعية و أتباعها لرئيس الملحقة السيد القبطان بصورة شوهاء و قاموا بأدوار في الجوسسة الدينية المدعمة بالاختلاق و الافتراء التي يعجز عنها شياطين الإنس و الجنس..."
. وهكذا بدأ أصحاب الطرقية في تحريك أعوانهم ليهاجموا الحركة الإصلاحية، فجعل هؤلاء يصفون الرئيس الشيخ ابن باديس بأنه وهابي، و عبداوي، با أنه "عزرائيل"، رغبة في تنفير الناس منه، وسعيا إلى واد الحركة في مهدها، و لكن استقبال الوفد كان فوق كل تصور أينما حل.
ففي قمار استقبل الوفد من طرف الشيخ الأخضر شبرو رئيس خلية جمعية العلماء بالوادي - و هو زيتوني، اشتغل باش عدل بمحكمة قمار - و كان معه السيد عبد الكامل النعجي أمين مال شعبة الوادي و السيد قدور نائبه، و حين نزول الوفد من السيارة قدم له الشاب الناهض السيد الطيب بن السيد الحاج عبد القادر بن فرحات أحد أعضاء شعبة (تكسيبت) و أحد المزاولين التعليم بجامع الزيتونة المعمور ... باقة من الأزهار قدمها بأبيات منها قوله :
يــا باقة أدي الســـلام اللائقا و إلى الرئيس صلي احتراما فائقا
و في خارج بلدة قمار تجمع الناس في تظاهرة عظيمة للاحتفاء بالوفد . . و تقديم القهوة لهم، و حينما أخذ الوفد مكانهن قام الشيخ محمد الطاهر بن بلقاسم، أحد المتخرجين من جامع الزيتونة، و ألقى خطاب الترحيب و قصيدة طالعها:
هبي يا قرية الرمال و هبـــــي واجبات اللقاء إلى خير وفد
مرحبا بالذين هبــــــوا لحـــق أهله ضيعوه عن غير عـمد
نفخوا في البلاد روحا فأمست أمة تعرف الحقوق و تـفدى

ثم سار الوفد إلى الوادي و توجه إلى مكتب الحاكم العام العسكري لزيارة مجاملة للقبطان الذي ثارت مخاوفه من هذه الزيارة، لكن الشيخ ابن باديس طمأنه و قال له : "أنا كفيل بأن لا يحدث إلا ما تحمده عقباه و ستفرحون بالأثر الحسن الذي يتركه أثر رحلتنا في قلوب السكان. فقال له الحاكم العام العسكري: " إن الوادي لا تتوفر على قاعات مناسبة للخطابة". فرد عليه الشيخ عبد العزيز بأن الخطب تكون في زاويتي، و هي أوسع محل في البلد، ثم خرج الوفد من مكتب رئيس الملحقة ليتناول وجبة الغداء على مائدة الشيخ عبد العزيز.
و من الغد صباح الخميس توجه الوفد إلى عميش، فدخل إلى سوق البياضة و توجه بعد ذلك إلى المسجد الذي بناه الشيخ الهاشمي فاجتمع عليهم جم غفير من الناس فألقى عليهم الشيخ ابن باديس خطابا توجيهيا، ثم عاد الوفد إلى الوادي لتناول الغذاء على مائدةالشيخ عبد العزيز، و بعد الظهر توجه الجميع إلى الزقم، و توقف الركب في طريقه بقرية البهيمة (حساني عبد الكريم اليوم) و استقبلهم السكان بكل حفاوة، حيث أقيمت لهم عدة احتفالات. و لم يغادر الوفد إلا و الشمس آذنة بالمغيب.
وصل الجميع إلى الزقم و مع الغروب، فأقيمت لهم الولائم و انتشرت البهجة و الأفراح بمقدم الوفد، و في السهرة أسست خلية جمعية العلماء بالزقم من خمسة عشر عضوا برئاسة السيد معمري عبد الرحمان بن علي متخرج من جامع الزيتونة. و قضى الوفد الليلة بالزقم، و في صباح الجمعة رجع إلى الوادي ليحاضر الأمة في زاوية الشيخ عبد العزيز، لكن المناسبة كانت يوم السوق الأسبوعي، و تقتضي الفرصة أن يقيم الاحتفال في ساحة السوق، فذهب الشيخ عبد العزيز إلى القبطان ليفاوضه في الأمر، فأذن له، وعقد الاجتماع بساحة السوق و حضره خلق كثير، رغم دسائس الخونة و بعض الطرقيين للتشويش على هذا المهرجان و إفشاله، و قد روجوا أن رئيس الوفد هو (ابن إبليس) بأفكاره الوهابية الشيطانية و ذلك لتشويه سمعة الإمام ابن باديس، حتى يقاطع الناس هذا الحفل تفاديا لأفكاره الخطيرة، و لكن كانت المفاجأة كبيرة حيث حظي الشيخ الجلل و الوفد المرافق له باستقبال رائع و بحضور جمع غفير، و بإعجاب الجميع بخطبة الإمام ابن باديس التي كان لها وقع في نفوس شباب المنطقة خاصة، و أصبح ذلك اليوم المشهود خالدا و منحوتا في ذاكرة الكثير منهم - ويتذكرونه إلى اليوم - و يروي بعضهم أن بعض الأطفال قد سخروا برمي الحجارة على الوفد، لكنهم انبهروا بكلام الشيخ ابن باديس، فتركوا حجارتهم و انضموا إلى الحفل بكل غبطة و سرور للاستماع و الاستمتاع بالحديث الإخوة الإسلامية و الأخوة الإنسانية و الروابط التي تربط المجتمع، ثم قدم السيخ عبد العزيز باقي أعضاء الوفد الذين ألقوا كلماتهم على التوالي و هم السيخ العربي التبسي و الشيخ مبارك الميلي و حمزة بوكوشة و محمد خير الدين، و بعدها طلب من الحاضرين الانصراف، حيث وقت صلاة الجمعة، و بعد الصلاة تناول الوفد طعام الغداء على مائدة الشاب البشير شيحمة.
و بعد ذلك ذهب الوفد إلى مكتب الحاكم العسكري لتوديعه، و إعلامه أن الزيارة قد انتهت بدون أي حادث، و الجدير بالذكر هنا هو أن أسلوب جمعية العلماء في عملها كان دائما أسلوبا هادئا و سلميا حتى يطمئن له الحكام الفرنسيون، حيث تقوم الجمعية بتهيئة الأرضية الصالحة للزراعة أولا ثم تغرس فيها بذور الثورة، و تسقسها رويدا رويدا حتى تنبت و تترعرعن و يقطف ثمارها الناضج فيما بعد.
غادر الوفد الوادي و اتجه إلى تكسيبت حيث استقبلهم الشاب الطيب فرحات ثم توقف في كوتين عند السيد حمويا عبد الوهاب بن ناقا الذي تبرع للجمعية بمبلغ خمسة و عشرين ألف فرنك، و انتقل الوفد بعد ذلك إلى تاغروت عند زاوية الشيخ العيد التجاني.
و من الغد وصل الوفد إلى قمار حيث القى الشيخ ابن باديس درسا قيما و تبعه الشيخ خير الدين و العربي التبسي و مبارك الميلين ثم جاء دور الشيخ عبد العزيز فقام و قال : "إن الطرق بدعة لا أصل لها في الدين فحسبكم التمسك بالكتاب و السنة" و قال أيضا : "أنظروا أيها الإخوان إلى الفرق بين العلماء و شيوخ الطرق يأتونكم متفرقين في سباق لأخذ الزيارات . . الطرق شتّتتكم و أضرت بكم في دينكم و دنياكم و العلماء يريدون إرجاعكم إلى الكتاب و السنة و تعليمكم العلم الصحيح". (البصائر عدد 95).
و من قمار انتقل الوفد إلى الرقيبة لزيارة مسجد البلدة لمصالحة الفرقاء، حيث يذكر الشيخ محمد خير الدين : "... فقد زرنا (الرقيبة) و هي بلدة صغيرة تتنازعها طريقتان هما : القادرية و التجانية، و قد بلغ الشقاق بينهما شأوا بعيدا فحرموا التعامل و التزاوج بينهما، وقسموا المسجد الجامع شطرين. أقاموا في وسطه جدارا فاصلا جعل من المسجد مسجدين..."
تأثير الزيارة على المنطقة :
كان لهذه الزيارة الأثر العميق عند الشيخ عبد العزيز، دفعته لتكثيف نشاطه و تنقلاته عبر القرى و المداشر شمالا و جنوبا كالبهيمة و الزقم و الدبيلة و المقرن معقل التجانية لها تعرض في المقرن إلى مضايقات القياد و مقاديم التجانية، كما زار قمار و العلندة و الرباح و العقلة و غيرها لنشر أفكار الحركة الإصلاحية و الدعوة لها ضمن التوجيهات الدينية و العلمية لإحياء نفوس الناس و تنبيههم من غفلتهم و إيقاظ ضمائرهم لإنارة الطريق الصحيح لهم.
و في هذا الإطار نظم الشيخ عبد العزيزي زيارة للشيخ الفضيل الورتلاني إلى الوادي في آخر شهر جانفي 1938م بدون رضا خلية الوادي.
كان الشيخ الورتلاني يتقد حماسا بمواقفه الصريحة و نقده اللاذع، فكان لهذه الزيارة الصدى الواسع عند الناس لما طرحته من مواضيع ساخنة أغضبت الحاكم العام الفرنسين الذي بدأ يترصد خطوات الشيخ عبد العزيز و يضمر له الشر، و لكن الشيخ لم يبال بملاحظات الإدارة المحليةن و زاد من تحركاته و عقد عدة اجتماعات بالوادي و عمش ليفضح أعمال القياد و أعوان الإدارة الاستعمارية و المرابطين الذين يستغلون الشعب.
و مما زاد في تفاقم أوضاع الناس هو الجفاف الذي ساد المنطقة لعدة سنواتـ إلى موت أعداد كبيرة من الماشية و الإبل فتضرر بذلك الأهالي، كما أن منتجات التمور لموسم 1937 / 1938 ضئيلة جدا، و بذلك اشتدت الأزمة و انتشرت المجاعة، جعلت الشيخ عبد العزيز يقوم من حينلآخر بعملية "الصدقة" أي التبرع ببعض المواد الغذائية للفقراء، ففي أحد المرات ذبح جملين، تصدق بلحمها مع الخبز، وبعد ذلك أرسل ببرقية إلى وزارة الداخلية جاء فيها: خمسة آلاف رجل و إمرأة اجتمعوا بزاوية القادرية بالوادي للاحتجاج ضد أي مساس مباشر أو غير مباشر بالتشريعات الشخصية. عبد العزيز بن محمد الهاشمي قائدا الطريقة القادرية لإفريقياالشمالية".
و كان لهذا النشاط استجابة كبيرة عند شباب سوف أيضا، لإنه اهتم بتأسيس المدارس لنشر العلم و التعليم وفق مناهج جمعية العلماء، فحول جزء من زاوية البياضة إلى أقسام للتعليم العصري، و في شهر مارس 1938 و بعد بيع محصول التمور، وظف نقود هذه العملية في تهيئة زاوية الوادي - التي شرع فيها أبوه منذ سنوات خلت - لجعلها جامعة تستوعب أكثر من خمسمائة طالب جزء منهم يخضع للنظام الداخلي، و لهذا الغرض جهزت قاعتان كببيرتان للمحاضرات و عشرين غرفة فردية، كما خزن لهم التمور و الأرز و استقدم لها أساتذة أكفاء كالشيخ علي بن ساعد و الشيخ عبد القادر الياجوري المعروفين بغزارة علمهما و براعتهما في ميدان التعليم و الإرشاد، كما درس في هذه المجرسة الأستاذ لعروسي ميلودي و الشيخ معراج دربال و غيرهم، فعرفت المنطقة بذلك حركة علمية تعمل على البعث الحضاري و نشر الوعي الفكري، أثارت مخاوف السلطات الاستعمارية، فحاولت معرضتها و هدمها عن طريق أعوانها الذين سربوا الإشاعات، بأن التلاميذ الذين يزاولون تعليمهم بهذه المدرسة و بهذه الطريقة العصرية - داخل أقسام و على المقاعد و المناضد - سيمسخهم الله إلى قرود، و قد انتظر بعض الأطفال الفضوليين عملية تحول هؤلاء إلى قرود من وراء نوافذ الأقسام، لأن بعض الناس كانوا لا يرون التعليم و الإسلام إلا في الطرقية.
و رغم ملاحظات السلطات المحلية، لإغن الشيخ عبد العزيز لم توقف، بل واصل مشروعه التعليمي، و لم يعترف بمرسوم 10 أكتوبر 1892 و اعتمد بمرسوم 8 مارس 1938 الذي يراقب التعليم في المدارس القرآنية، لأن الشيخ يعتقد أن التعليم في الزوايا غير مراقب، و نستشهد في هذا الصدد بمقال ابن باديس في "البصائر" تحت عنوان "الشيخ عبد العزيز بن الهشمي و الإصلاح":
" .. شرع عبد العزيز بعمارة زوياه بالعلم و عين رجلين للتعليم من أبناء سوف المتخرجين من جامع الزيتونة المعمور هما الشيخ علي بن سعد و الشيخ عبد القادر الياجوري ... و جمع عددا من الطلاب و حضر لهم مؤونتهم و أخذت حركة العلم تدب بين الناس و الرغبة فيه تنمو في الطلاب، دعا الحاكم الشيخ عبد العزيز في شأن التعليم و طلب الرخصة و رد الشيخ بأن الزوايا من قديم الزمان تعلم بدون رخصة و تكرر الأخذ و الرد في الأمر و فهم أن الإدارة مستثقلة لتلك الحركة العلمية و تخوف الناس حتى كانت الكارثة..."

ثورة الوادي
لما شعر السيخ عبد العزيز بمؤازرة إخوانه و اطمئنانه لانطلاقة الحركة الإصلاحية، أراد أن يأخذ نصيبا من الراحة ليعالج السقامة. فقرر أن يسافر إلى باريس لإجراء عملية جراحية هناك، فطلب رخصة السفر إلى فرنسا من الوالي العام للجزائر، فتأخرت عنه بعض الشيء، مما اضطره إلى المعالجة ببسكرةت أين تحصل على تأشيرة السفر يوم 12 مارس. و عوض أن يسافر إلى باريس للمعالجة رجع فجأة إلى الوادي يوم 10 أفريل 1938 لأنه علم خلال سفره السريع إلى العاصمة أن السيد ميلييوت (milliot) المدير العام للشؤون الأهلية و أقاليم الجنوب سيقوم بزيارة تفقدية إلى الوادي يوم 12 أفريل 1938، لهذا عزم الشخ على تنظيم مظاهرة احتجاجية على تصرفات السلطات المحلة لحضور هذا الموظف السامي.
لهذا استدعى الحاكم العسكري بالوادي الشيخ عبد العزيز يوم 12 أفريل في الصباح ليعلمه رسميا أن أي مظاهرة ممنوعة، فرد عليه بأن المظاهرة ستنظم مهما كانت التكاليف، و فعلا، بعد الظهر من يوم 12 أفريل و بمجرد وصول السيد المدير العام تظاهرت جماهير غفيرة قدرتها الوثائق الاستعمارية بحوالي 1200 شخص، اعتصموا بشباك مقر الحاكم العسكري إلى الساعة الثامنة و نصف ليلا.
و في نفس الوقت استقبل السيد ميلييوت المدير العام الشيخ عبد العزيز في المكتب و دارت بينهما مفاوضات عسيرة استغرقت حوالي ثلاثة ساعات تمحورت حول عريضة السكان، الذين يعبرون فيها عن غضبهم على تصرفات المصالح الاستعمارية، كما قدم شكوى بالحاكم العسكري بالوادي المتواطيء مع قياد المقرن و شيوخها الذين ضايقوه و لم يفعل لهم أي شيء.
و يمكن إجمال ما جاء في عريضة السكان في النقاط التالية
- رفع الظلم و التعسف على السكان من قبل الإدارة الفرنسية و أعوانها خاصة القياد.
- المحافظة على المقومات الحضارية للأهالي بانتشار التعليم باللغة العربية و احترام تعاليم الإسلام، ورجاله مثل ما تفعله الإدارة مع الآباء البيض التي تزكي حركتهم التبشيرية.
- مساعدة الفقراء و المحتاجين بالحبوب و الغذاء، و طالب بتزويدهم بـ 10 قناطير من القمح.
وافق الموظف السامي على هذه المطالب و أخبر الشيخ عبد العزيز أنه سيرفعها إلى السلطات العليا، و لكن الأمور تطورت و اشتد الغضب بالشعب فاندلعت ثورة في البلاد، أسفرت عن اصطدامات دموية بين السكان و قوات الطوارىء الفرنسية التي حاصرت المنطقة بحشود ضخمة للقضاء على هذه الثورة و التي تحتاج إلى دراسة خاصة لمعرفة تفاصيلها.
و خلال هذه الثورة علقت بالمساجد بيانات تدعو الناس إلى الهدوء و العودة لمصالحهمن و من بين ما جاء في هذه المعلقات : "لا تتبعوا هذه الفئة الضالة، وعودوا إلى أعمالكم، إن فرنسا عظيمة و هذا هو بسبب حلمها إلا أنها تعامل بقوة فعالة عندما تلجؤها الضرورة لذلك".
و بعد هدوء العاصفة ألقت السلطات الفرنسية القبض على الشيخ عبد العزيز و زملائه الشيخ خزن علي بن سعد و الشيخ عبد القادر الياجوري و التاجر المناضل السيد عبد الكامل النجعي وزجت بهم في السجن و يذكر الإمام ابن باديس في جريدة "البصائر"، عدد 121. وقائع كارثة سوف الأليمة بما يلي :
"... عج وادي سوف يوم 18 أفريل بالجنود و العتاد، و رصعت رباه بالمدافع الرشاشة و أردعت أجواؤه بأزر الطائرات فأوشك أهله و نساؤه و أطفاله و بيوته و نخيله أن تنفسهم قنابل الأرض أو تمحقهم صواعق السماء، فذهلت المراعض و وضعت نحو الثلاثين امرأة حملها . . و أصبح الوادي على حين بغتة و قد عطلت أسواقه، و سدت طرقاته، ومنع عنه الداخل و الخارج و ضرب عليه نطاق شديد محكم الحصار . . ألقي القبض على الشيخ عبد القادر الياجوري و السيد عبد الكامل بن الحاج عبد الله و سيقوا إلى السجن بقسنطينة، و حشرت جماعات من الناس إلى المركز الإداري و زج بهم في السجن ثم حكم على عدد وفير منهم بالنفي و السخرة، كل هذا و الناس معتصمون بالصبر و منتظرون الفرج ... ثلاثة أسابيع ذاق فيها أهل الوادي ما ذاقوا و طافت فيها الجنود شرقا و غربا و شمالا و جنوبا ...
جاءت لجنة البحث للكشف عن أصل الحوادث و الاطلاع على حقيقة الواقع، و ساق إليها القياد الناس ليشهدوا، وقد جدوا و اجتهدوا في جمع الشهودن تحت مظاهر الرهبة و الخوف.
قامت لجنة البحث بواجبها بنزاهة و إنصاف و تحققت أن لا ثورة و لا هيجان، و أن لا شيء دبر ضد الحكومة أو الأمن العام، ففك الحصار عن البلد و سرح الموقوفون و قفلت الجنود راجعة . . و رفع ذلك الكابوس الثقيل عن الوادي الهادي المطمئن إلا ما بقي من مظالم بعض القياد".
و رغم ذلك فإن الشيخ عبد العزيز و رفاقه بقوا في السجن بدون محاكمة و تكفلت جمعية العلماء بالدفاع عنهم و تخليصهم من السجن، مستعينة بالمحامين و رجال القانون.
و قد عالج ابن باديس هذا الموضوع في عدة مناسبات في جريدة "البصائر" فقال في إحداها أن هؤلاء الشيوخ دخلوا السجن "... ضحية عقيدتهم الإسلامية و قيامهم بواجبهم الديني نحو إخوانهم المسلمين أهل ديار سوف...".
و في مقال آخر كتبه ابن باديس في "البصائر"، عدد 178، تحت عنوان : هل في سجن "الكدية" ما يذكرنا بـ (الباستيل)؟
تحدث في بدايته عن سجن الباستيل و الثورة الفرنسية 1789 و الذكرى 150 سنة التي مرت على سقوط هذا المعتقل الرهيبن ثم ربط هذا الموضوع بمساجين العلماء التي جاء فيه :
" و ها نحن في الجزائر نرى ذلك و نتجرع آلامه، ففي سجن "الكدية" بقسنطينة قد ألقى أربعة من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دون جرم معلوم، و دون أن يقدموا للمحاكمة أربعة من العلماء : الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي و الشيخ عبد القادر الياجوري و الشيخ علي بن سعد و السيد محمد الكامل مضت عليهم في السجن سنة و أربعة أشهر مع المجرمين ... إننا لا نطلب العفو و الإفراج عنهم، و إنما نطلب تقديمهم للمحاكمة و نشر قضيتهم أمام العدالة و الرأي العام، إننا على ثقة من براءة أصحابنا ... فإلى المحاكمة إن كنتم تريدون نصرة العدل و جمال الحرية".
ثم طالب ابن باديس في العدد الموالي معاملة هؤلاء المساجين العلماء معاملة تليق بمكانتهم الثقافية و الاجتماعية حيث لا يمكن حشرهم مع اللصوص و المجرمين لأنهم سجناء الرأي و الأفكار و السياسة.
مكث الشيخ مع رفاقه بالسجن حوالي أربع سنوات ثم حكم عليهم بالإبعاد و الإقامة الجبرية، فأقام الشيخ عبد العزيز في أول الأمر في شرشال ثم انتقل إلى آزقون و أخيرا إلى الجزائر العاصمة، و قد أسس بهذه المناطق مراكز للإشعاع الحضاري م مساجن و مدارس لنشر العلم بين أبناء الوطن.
و كانت أول زيارة له للجنوب، بعد هذه المحنة هي رحلته إلى بسكرة سنة 1946 و التي استغرقت مدة قصيرة، وحاول بعدئذ عدة محاولات للرجوع إلى الوادي و لكنه لم فلحن و في سنة 1953 نفي الشيخ عبد العزيز من التراب الوطني و أبعد إلى القطر التونسي الشقيق، فوجد الحالة السياسية متأزمة أبان الثورة التونسية، حيث تطارد السلطات الاستعارية الزعماء و المجاهدين و تتابع الدستوريين، مما جعل الشيخ يركن للهدوء و يستكين للاستقرار، فلم يقم بأي نشاط سياسي.

استقرار الشيخ عبد العزيز بتونس :
استقر الشيخ بتونس العاصمة، وحين إندلاع الثورة الجزائرة في أول نوفمبر 1954 أيد الشيخ عبد العزيز الثورة بكل حماس و قدم الدعم و التأييد لجبهة التحرير الوطني، حيث تبرع لمصالحها بتونس بمحلات و دكاكين من أملاكه لتستعملها الجبهة في أغراض الثورة، كإيواء المجاهدين و أبناء الشهداء، و مكاتب إدارية و غيرها. و استمر الشيخ في تدعيم الثورة حتى تحصلت الجزائر على استقلالهان غير أن الشيخ لم يرجع إلى أرض الوطن بل بقي بتونس، و لازم داره و لم يقم بأي عمل سياسي أو ثقافي يذكر، و كانت وفاته في تونس سنة 1965 و هو في صحة جيدة . . بعد أن بلغ من العمر ما ينيف على السبعة و ستين سنة، رحمه الله و أسكنه فسيح جنانه.
إنن هذه هي لمحة وجيزة و مضيئة لأحد الشخصيات الوطنية، و التي قامت بحركة نشيطة للبناء الفكري و الروحي للأمة الجزائرية خلال أحلك الظروف، و كتب صفحة خالدة في تاريخ نضال المنطقة.
و أخيرا فإن هذه الدراسة تدخل ضمن إطار كسر حاجز التهميش و النسيانن لبعض رجال هذه الأمة المجيدة، والذين يحتاجون إلى المزيد من البحث و التنقيبن و الله و لي التوفيق.

..عبد الاله..
2011-01-14, 09:45
http://img291.imageshack.us/img291/5978/bh959024.gif

..عبد الاله..
2011-01-14, 09:48
http://img291.imageshack.us/img291/5978/bh959024.gif

Nacer Nasro
2013-02-23, 00:29
شكرررررررررررررررااااااا اخي على مرووورك الرااااااااائع

أم عصام وريان
2013-02-23, 12:46
http://img832.imageshack.us/img832/6222/jazaki.gif