nuno_gomes2010
2010-07-15, 19:12
بسم الله
ليلة من ليالي مصـاصي الدمــاء
قصة عادية ..لن أزيدها من الخيال مالاتحتمله ، لأن استرجاع أيام أليمة يهز الأنفس حين ملامسته شيء موحش ، هي ليلة من ليال طووال ، هي ليلة من ليال الخوف ، الخوف من الخوف ، الخوف من الموت ، الخوف من طريق الموت ..ومن طريقة الموت..ترددت كثيرا في وصف هاته الليلة ،لا تردد واصف لموصوف ،بل خائف مما كان يخيف.
ليلة من ليالي مصاصي الدماء
صاحب السبعة عشر ربيعا ، كان ينتظر بشغف سيارة خاله لتُقله من حي بلكور الشعبي الى شرق بلكور المرعب ، ولو أن الرعب والخوف من اللا أمن كان شبه ديمومة مستديمة لحالنا ؛
حاجز أمني ، يليه حاجز أمني ، وما إن تعطي للعاصمة إدبارك ،فاعلم أن الحواجز ستَقِل.
بيت الخال ، أشبه ببيداء من اخضرار ، والمنزل مستوسط لأشجار الرمان والموز وعناقيد العنب ، وغير بعيد عنه منزل الخالة ، هي هبة من الله استرعاهما إياها أيام غفلة القوم ، أيام كانت القلوب تتعلق بالعاصمة ولا ترفأ أن تتنصل منها.
كنت مولعا بتلك البلدية ....لم تكن تهمني تلك المظهرية الجوفاء ونظرات أهل التمدن لمن نزحوا من الجبال نحو مدنية عشش التمظهر عليها ، وكم عجبت كيف لرجل من أمثال ذاك الخال وتلك الخالة ، حينما يتركون منزلا فخما من منازل العاصمة ، فعلٌُ ما أدركت صوابه إلا أيام الضيق والمحال وفي زمن كثرث فيه الأوحال .
إلا أن كل هذه البحبوحة والهدوء ورغد العيش ، كدت أن أتنكر له في ليلة .
هي ليلة من ليالي مصاصي الدماء
لم أدرك إلا من بعد انقضائها سبب حرص الخال على ضرورة الدخول الى المنزلـ قبل غروب الشمس ، لم أكن أعلم أن مصاصي الدماء جُنَّتهم هي أفول أنوارها .
صمت رهيب خيم في الأفق ، ضجيج السيارات غَربَ مع الغروب ، أصوات المار والكار غربت مع الغروب، لم يبقى سوى الأشباح .
بالنظر لسني ، لم أكثرث ! رغم خوفي مما سمعته من هنا وهناك ، وبعد العشاء ؛ قررت أن أقوم بزيارة للخالة، ومايفصلني عنها سوى بضعة أمتار وجدار صغير تشُقه هوة بين الطرفين ، لم يشأ الأخوين أن يغلقانه بباب ، لكن ! الدرب موحش رغم قُربه.
خرجت متحاملا على نفسي ، بل تتحاملني شجاعة يكاد الخوف يجهز عليها .
فجأة ! اذا بشيء يتحرك عن يساري ..
إنقبض قلبي واعتُصر..تجمّد الدم بين أزقة العروق ..
لكني نظرت مجهِّزا نفسي لأي منظر ..
لم يكن سوى غصن متدلٍ لشجرة موز باسقة منحنية ؛فانحنيت معها انحناء حمد لله على سلامتي مما كان سيوقف دقات قلبي .
حان وقت النوم..كنت قبلها متعود على المبيت مع الولد البكر لخالي في الطابق السفلي ، لكن الظروف تغيرت ، وقُدر لي أن أبيت لوحدي في الطابق العلوي ..مع سائر العائلة ..وماتغير أن ابن الخال كان غائبا..
بدأت حينها أستشعر أنفاس مصاصي الدماء ..بدأت مخيلتي تبحث بين طياتها صورا لمجزرة ابن طلحة ...
وأين بن طلحة ..بن طلحة تلك القرية المجاورة لمكان مبيتي ..صور رضيع مبطون ..وأم قطعت أشلاؤها وأدمعت العيون..
بدأت أتذكر مطار هواري بومدين ..وتلك الأشلاء الملتصقة بسقف المطار..
أتذكر وأتذكر..وياليتني ماتذكرت..
فجأة ، وعند الواحدة صباحا ..صياح طفل صغير ، هز كياني ، كانت صيحة اخترقت القلب قبل السمع ...، إلتويت التواء الثعبان حول نفسه ، قلت الآن وقت المهاريز..فمتى حضر مصاصوا الدماء تدق نسوة القرية المهاريز إيدانا بقربهم ..وكل ووسائله ..
بيد أن ذاك الصمت المطبقُ الرهيب أشعرني ببعض الاطمئنان..ولو اني لم أنم بعدها ..إلا أن ماعايشته بعد تلك الصيحة خير مما استشعرت به وانتظرته ..كانت
ليلة واحدة من ليالي مصاصي الدماء ..
من بين ليال طويلة ومريرة ..من بين ليال طويلة من عشرية سوداء...
جفت العيون من دموعها..تمزقت الأوصال ..أزهقت الأرواح ...إنها الفتنة ..
خرج من بعدها مصاصوا دماء لا يفرقون بين مسلم وماهو مُسلّم ..
وانتهت ليلتي تلك ..كما انتهت بعدها عشرُ سنين موحشة
فظننت أن الأمر انتهى ..وقد انتهى حقا..والحمد لله
إنتهى نهب الأرواح..وبدأ نهب الجيوب
فمصاصوا الدماء قد تحولوا الى مصاصي جيوب ..
ولازلنا نعيش لياليا من ليالي مصاصي الجيوب..
وهذا قدرنا الى حين تغير الحال ..
والله المستعان
تحياتي لأهل الخير
بلكور : يعتبر حي بلوزداد أو ''بلكور'' كما يسميه العاصميون، من أكبر الأحياء الشعبية المعروفة في الجزائر العاصمة، يشهد حركة غير عادية على مدار أيام الأسبوع، كما هو حال كل الأحياء الشعبية
ابن طلحة : في عام 1997 م ومع بداية الليل حاصر نحو 200 رجل مسلح حي بن طلحة إحدى الضواحي النائية للعاصمة الجزائرية … ذبحوا أكثر من 400 شخص من الرجال والنساء والأطفال في ظرف 8 ساعات .. وصراخهم يشق سمع الطرق الخالية من المارة !!
مطار هواري بومدين : في عام 1992 وقع انفجار رهيب في المطار خلف عشرات القتلى إن لم أقل جاوز المائة وشهدنا صور لا يقوى على تحملها إنسان.
ليلة من ليالي مصـاصي الدمــاء
قصة عادية ..لن أزيدها من الخيال مالاتحتمله ، لأن استرجاع أيام أليمة يهز الأنفس حين ملامسته شيء موحش ، هي ليلة من ليال طووال ، هي ليلة من ليال الخوف ، الخوف من الخوف ، الخوف من الموت ، الخوف من طريق الموت ..ومن طريقة الموت..ترددت كثيرا في وصف هاته الليلة ،لا تردد واصف لموصوف ،بل خائف مما كان يخيف.
ليلة من ليالي مصاصي الدماء
صاحب السبعة عشر ربيعا ، كان ينتظر بشغف سيارة خاله لتُقله من حي بلكور الشعبي الى شرق بلكور المرعب ، ولو أن الرعب والخوف من اللا أمن كان شبه ديمومة مستديمة لحالنا ؛
حاجز أمني ، يليه حاجز أمني ، وما إن تعطي للعاصمة إدبارك ،فاعلم أن الحواجز ستَقِل.
بيت الخال ، أشبه ببيداء من اخضرار ، والمنزل مستوسط لأشجار الرمان والموز وعناقيد العنب ، وغير بعيد عنه منزل الخالة ، هي هبة من الله استرعاهما إياها أيام غفلة القوم ، أيام كانت القلوب تتعلق بالعاصمة ولا ترفأ أن تتنصل منها.
كنت مولعا بتلك البلدية ....لم تكن تهمني تلك المظهرية الجوفاء ونظرات أهل التمدن لمن نزحوا من الجبال نحو مدنية عشش التمظهر عليها ، وكم عجبت كيف لرجل من أمثال ذاك الخال وتلك الخالة ، حينما يتركون منزلا فخما من منازل العاصمة ، فعلٌُ ما أدركت صوابه إلا أيام الضيق والمحال وفي زمن كثرث فيه الأوحال .
إلا أن كل هذه البحبوحة والهدوء ورغد العيش ، كدت أن أتنكر له في ليلة .
هي ليلة من ليالي مصاصي الدماء
لم أدرك إلا من بعد انقضائها سبب حرص الخال على ضرورة الدخول الى المنزلـ قبل غروب الشمس ، لم أكن أعلم أن مصاصي الدماء جُنَّتهم هي أفول أنوارها .
صمت رهيب خيم في الأفق ، ضجيج السيارات غَربَ مع الغروب ، أصوات المار والكار غربت مع الغروب، لم يبقى سوى الأشباح .
بالنظر لسني ، لم أكثرث ! رغم خوفي مما سمعته من هنا وهناك ، وبعد العشاء ؛ قررت أن أقوم بزيارة للخالة، ومايفصلني عنها سوى بضعة أمتار وجدار صغير تشُقه هوة بين الطرفين ، لم يشأ الأخوين أن يغلقانه بباب ، لكن ! الدرب موحش رغم قُربه.
خرجت متحاملا على نفسي ، بل تتحاملني شجاعة يكاد الخوف يجهز عليها .
فجأة ! اذا بشيء يتحرك عن يساري ..
إنقبض قلبي واعتُصر..تجمّد الدم بين أزقة العروق ..
لكني نظرت مجهِّزا نفسي لأي منظر ..
لم يكن سوى غصن متدلٍ لشجرة موز باسقة منحنية ؛فانحنيت معها انحناء حمد لله على سلامتي مما كان سيوقف دقات قلبي .
حان وقت النوم..كنت قبلها متعود على المبيت مع الولد البكر لخالي في الطابق السفلي ، لكن الظروف تغيرت ، وقُدر لي أن أبيت لوحدي في الطابق العلوي ..مع سائر العائلة ..وماتغير أن ابن الخال كان غائبا..
بدأت حينها أستشعر أنفاس مصاصي الدماء ..بدأت مخيلتي تبحث بين طياتها صورا لمجزرة ابن طلحة ...
وأين بن طلحة ..بن طلحة تلك القرية المجاورة لمكان مبيتي ..صور رضيع مبطون ..وأم قطعت أشلاؤها وأدمعت العيون..
بدأت أتذكر مطار هواري بومدين ..وتلك الأشلاء الملتصقة بسقف المطار..
أتذكر وأتذكر..وياليتني ماتذكرت..
فجأة ، وعند الواحدة صباحا ..صياح طفل صغير ، هز كياني ، كانت صيحة اخترقت القلب قبل السمع ...، إلتويت التواء الثعبان حول نفسه ، قلت الآن وقت المهاريز..فمتى حضر مصاصوا الدماء تدق نسوة القرية المهاريز إيدانا بقربهم ..وكل ووسائله ..
بيد أن ذاك الصمت المطبقُ الرهيب أشعرني ببعض الاطمئنان..ولو اني لم أنم بعدها ..إلا أن ماعايشته بعد تلك الصيحة خير مما استشعرت به وانتظرته ..كانت
ليلة واحدة من ليالي مصاصي الدماء ..
من بين ليال طويلة ومريرة ..من بين ليال طويلة من عشرية سوداء...
جفت العيون من دموعها..تمزقت الأوصال ..أزهقت الأرواح ...إنها الفتنة ..
خرج من بعدها مصاصوا دماء لا يفرقون بين مسلم وماهو مُسلّم ..
وانتهت ليلتي تلك ..كما انتهت بعدها عشرُ سنين موحشة
فظننت أن الأمر انتهى ..وقد انتهى حقا..والحمد لله
إنتهى نهب الأرواح..وبدأ نهب الجيوب
فمصاصوا الدماء قد تحولوا الى مصاصي جيوب ..
ولازلنا نعيش لياليا من ليالي مصاصي الجيوب..
وهذا قدرنا الى حين تغير الحال ..
والله المستعان
تحياتي لأهل الخير
بلكور : يعتبر حي بلوزداد أو ''بلكور'' كما يسميه العاصميون، من أكبر الأحياء الشعبية المعروفة في الجزائر العاصمة، يشهد حركة غير عادية على مدار أيام الأسبوع، كما هو حال كل الأحياء الشعبية
ابن طلحة : في عام 1997 م ومع بداية الليل حاصر نحو 200 رجل مسلح حي بن طلحة إحدى الضواحي النائية للعاصمة الجزائرية … ذبحوا أكثر من 400 شخص من الرجال والنساء والأطفال في ظرف 8 ساعات .. وصراخهم يشق سمع الطرق الخالية من المارة !!
مطار هواري بومدين : في عام 1992 وقع انفجار رهيب في المطار خلف عشرات القتلى إن لم أقل جاوز المائة وشهدنا صور لا يقوى على تحملها إنسان.