خالد العنابي
2010-07-11, 15:25
كما أن النفوس مفطورة على معرفة ربها وخالقها ومعرفة أن له الكمال المطلق فهي مفطورة على محبته ، فما من عبد على وجه البسيطة يعرف ربه إلا وهو يحبه . وهذه المحبة الفطرية العامة ليست هي التي يحقق بها العبد عبوديته ، وإنما المعول عليه المحبة الاختيارية التي تملأ قلب العبد المؤمن بالله الذي يعتقد كمال ربه وجلاله ويثبت له الأسماء الحسنى والصفات العلا التي أثبتها لنفسه وأثبتها له نبيه على الحقيقة من غير تحريف ولاتعطيل ومن غير تكييف ولا تشبيه .
ومحبة الله الاختيارية قسمان : فرض : وهي المحبة التي تبعث على امتثال أمره والانتهاء عن معصيته ، والرضا بما يقدره . وندب : وهي التي تبعث على تتبع المحاب والمواظبة على النوافل وتجنب الوقوع في الشبهات . وبحسب تحقيق العبد لهذه المحبة يرتقي في درجات العبودية إلى مراتب المقربين المحسنين السابقين بالخيرات .
وأول ما يعين على تحقيق المحبة : معرفة الأسماء والصفات ، فـ ( باب الأسماء والصفات هو باب المحبين حقا ... كلما بدا لهم منه علم ازدادوا شوقا ومحبة ) إذ المحبة لا تتصور إلا بعد معرفة ولا يعرف الله إلا بأسمائه وصفاته . كما أن معرفة أسماء الله وصفاته تتضمن جميع دواعي محبة الإله وأسبابها والتي تتلخص فيما يلي :
أولا : داعي الكمال والجلال . فالرب له الكمال المطلق بل (كل ما فطرت القلوب على محبته من نعوت الكمال فالله هو المستحق له على الكمال ، وكل ما في غيره من محبوب فهو منه فهو المستحق لأن يحب على الحقيقة والكمال ) . لأن كماله من لوازم ذاته ، وكل من هو غيره فكماله نسبي مستمد منه ، مفتقر إليه ، وهو من منح الله له .
ثانيا : داعي الجمال . ( والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك ، فإنه جميل يحب الجمال ، بل الجمال كله له ، والجمال كله منه ، فلا يستحق أن يحب لذاته من كل وجه سواه ) . ومن جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة من آثار صنعته . قال واصفا جماله تبارك وتعالى : ( حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) . ( قال ابن عباس : حجب الذات بالصفات ، وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال ) .
فالعبد يدرك جمال أفعال ربه من التأمل في بديع وجمال صنعه وخلقه ؛ قال تعالى : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، وقال : صنع الله الذي أتقن كل شيء . وكذا يعرف جمال صفاته وأسمائه بما يعرفه من يدركه من جمال أفعاله فله سبحانه الأسماء الحسنى : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، ومن جمال صفاته وأسمائه يستدل على جمال ذاته الذي لا يدركه سواه وليس عند العباد منه إلا تعريفات عنه تعرف بها إليهم من خلال أسمائه وصفاته فيما أنزله عليهم في كتابه الكريم وفيما أخبرهم به رسوله .
ثالثا : داعي الإحسان والإنعام . ( فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ولا أحد أعظم إحسانا من الله سبحانه ؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة ) و( هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة إذ هو ميسر الوسائط ومسبب الأسباب ) فهو وحده واهب الحياة ومصدر الخلق والأمر والإيجاد والإمداد ، قال تعالى : ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة .
وداعي الإحسان والإنعام هو أول ما يبعث في القلب حب الله ، ولهذا ذكّر الله العباد كثيرا بنعمه العظيمة ، وندبهم رسوله إلى تذكرها بقوله : ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ) ، فإن تذكر النعمة مع نسبتها للمنعم يورث العبد معرفة بربه ومحبة له .
وكلما تأمل العبد في نعم الله ؛ ازداد معرفة للمنعم وحبا . فينضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال ولا يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردى القلوب وأخبثها . فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه ، والله وحده هو أهل ذلك .
ومن هنا كانت معرفة الأسماء والصفات هي الباب الذي يضم هذه الدواعي جميعها فـ( ما من وجه من الوجوه التي يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة ) . ولاشك أن العباد يتفاوتون في محبتهم له ( على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به . فأعرفهم بالله أشدهم له حبا ، ولهذا كانت رسله أعظم الناس حبا له . والخليلان من بينهم أعظمهم حبا ، وأعرف الأمة أشدهم له حبا . ولهذا كان المنكرون لحبه من أجهل الخلق به ) .
فللمعرفة بالأسماء والصفات أثرها في تحقيق المحبة التي هي أصل العبودية ، إذ أنها تظهر ما له الكمال المطلق والجمال المطلق والإنعام الذي لا يحده شيء ولا يحصيه أحد .
من كتاب تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء و الصفات
رسالة ماجستير للطالبة فوز بنت عبد اللطيف بن كامل الكردي.
ومحبة الله الاختيارية قسمان : فرض : وهي المحبة التي تبعث على امتثال أمره والانتهاء عن معصيته ، والرضا بما يقدره . وندب : وهي التي تبعث على تتبع المحاب والمواظبة على النوافل وتجنب الوقوع في الشبهات . وبحسب تحقيق العبد لهذه المحبة يرتقي في درجات العبودية إلى مراتب المقربين المحسنين السابقين بالخيرات .
وأول ما يعين على تحقيق المحبة : معرفة الأسماء والصفات ، فـ ( باب الأسماء والصفات هو باب المحبين حقا ... كلما بدا لهم منه علم ازدادوا شوقا ومحبة ) إذ المحبة لا تتصور إلا بعد معرفة ولا يعرف الله إلا بأسمائه وصفاته . كما أن معرفة أسماء الله وصفاته تتضمن جميع دواعي محبة الإله وأسبابها والتي تتلخص فيما يلي :
أولا : داعي الكمال والجلال . فالرب له الكمال المطلق بل (كل ما فطرت القلوب على محبته من نعوت الكمال فالله هو المستحق له على الكمال ، وكل ما في غيره من محبوب فهو منه فهو المستحق لأن يحب على الحقيقة والكمال ) . لأن كماله من لوازم ذاته ، وكل من هو غيره فكماله نسبي مستمد منه ، مفتقر إليه ، وهو من منح الله له .
ثانيا : داعي الجمال . ( والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك ، فإنه جميل يحب الجمال ، بل الجمال كله له ، والجمال كله منه ، فلا يستحق أن يحب لذاته من كل وجه سواه ) . ومن جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة من آثار صنعته . قال واصفا جماله تبارك وتعالى : ( حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) . ( قال ابن عباس : حجب الذات بالصفات ، وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال ) .
فالعبد يدرك جمال أفعال ربه من التأمل في بديع وجمال صنعه وخلقه ؛ قال تعالى : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، وقال : صنع الله الذي أتقن كل شيء . وكذا يعرف جمال صفاته وأسمائه بما يعرفه من يدركه من جمال أفعاله فله سبحانه الأسماء الحسنى : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، ومن جمال صفاته وأسمائه يستدل على جمال ذاته الذي لا يدركه سواه وليس عند العباد منه إلا تعريفات عنه تعرف بها إليهم من خلال أسمائه وصفاته فيما أنزله عليهم في كتابه الكريم وفيما أخبرهم به رسوله .
ثالثا : داعي الإحسان والإنعام . ( فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ولا أحد أعظم إحسانا من الله سبحانه ؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة ) و( هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة إذ هو ميسر الوسائط ومسبب الأسباب ) فهو وحده واهب الحياة ومصدر الخلق والأمر والإيجاد والإمداد ، قال تعالى : ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة .
وداعي الإحسان والإنعام هو أول ما يبعث في القلب حب الله ، ولهذا ذكّر الله العباد كثيرا بنعمه العظيمة ، وندبهم رسوله إلى تذكرها بقوله : ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ) ، فإن تذكر النعمة مع نسبتها للمنعم يورث العبد معرفة بربه ومحبة له .
وكلما تأمل العبد في نعم الله ؛ ازداد معرفة للمنعم وحبا . فينضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال ولا يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردى القلوب وأخبثها . فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه ، والله وحده هو أهل ذلك .
ومن هنا كانت معرفة الأسماء والصفات هي الباب الذي يضم هذه الدواعي جميعها فـ( ما من وجه من الوجوه التي يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة ) . ولاشك أن العباد يتفاوتون في محبتهم له ( على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به . فأعرفهم بالله أشدهم له حبا ، ولهذا كانت رسله أعظم الناس حبا له . والخليلان من بينهم أعظمهم حبا ، وأعرف الأمة أشدهم له حبا . ولهذا كان المنكرون لحبه من أجهل الخلق به ) .
فللمعرفة بالأسماء والصفات أثرها في تحقيق المحبة التي هي أصل العبودية ، إذ أنها تظهر ما له الكمال المطلق والجمال المطلق والإنعام الذي لا يحده شيء ولا يحصيه أحد .
من كتاب تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء و الصفات
رسالة ماجستير للطالبة فوز بنت عبد اللطيف بن كامل الكردي.