ملاك فلسطين
2008-03-13, 07:33
ليست غزة سؤالا فلسطينيا فقط، بل هي سؤال مصري ايضا، وهذا ما لا يريد النظام المصري سماعه علي الاطلاق. مصر رسمت عبر اتفاق كامب دايفيد العلامة الأولي في هذا الهوان العربي. ومفارقة الاستسلام المصري كانت بالغة الدلالة. اسرائيل رفضت جميع اشارات السلام والاستسلام التي قدمها انور السادات. فاسرائيل لا تريد حتي استسلام اعدائها. كان علي مصر ان تخوض حرب اكتوبر، وان تشعر الاسرائيليين باحتمال هزيمتهم العسكرية، كي توافق الدولة العبرية علي استسلام مصر.
من اجل ان تستسلم عليك ان تهزم اسرائيل او تضعها علي حافة الهزيمة! لأن خمرة الخامس من حزيران اسكرت الاسرائيليين ودفعتهم الي جنون القوة. صعد البول الي الأدمغة، مثلما يقول المثل الاسرائيلي، بحيث لم يعد هناك من فرق بين الواقع والمتخيل، فاضطر السادات الي خوض حرب اكتوبر كي يستطيع اقناع اسرائيل بالقبول باستسلامه.
هذه هي مفارقة مرحلة بناء ما يسمي بالسلام العربي الاسرائيلي منذ مؤتمر مدريد. وميزة ياسر عرفات انه رفض قانون اللعبة، اذ كان مطروحا عليه خوض حرب اهلية فلسطينية تدمر كل شيء، قبل ان يعرض عليه فتات سلام لن يكون سوي امحاء كامل، لأن اسرائيل ترفض الاعتراف بالحق الفلسطيني في الوجود.
دفع عرفات ثمن موقفه حصارا وموتا، لكن خلفاءه في القيادات الفلسطينية، في السلطة وخارجها لم يفهموا الدرس الذي قدمه، فسقطوا في المحظور، معرضين الشعب الفلسطيني لاحدي اكبر المحن.
والمحنة تتجسد في غزة. من الواضح ان لا خيار لبطل اغتيالات فردان في بيروت، سوي متابعة حروبه العبثية في القطاع. الجنرال باراك يعرف انه لا يستطيع ان ينتصر في غزة. وهو يعلم ان رائحة الدم التي تصنعها طائراته ودباباته سوف تنقلب عليه، لكنه لا يستطيع ان يوقف المسار الدموي. لذا فان غزة مرشحة للبقاء بوابة للدم الفلسطيني المسفوك، ولا افق لتسوية، لأن الفلسطينيين تعلموا ان طريق السلام بات مسدودا.
لكن غزة ليست معزولة عن العالم، مثلما يعتقد الاسرائيليون والمصريون. غزة ومعارك جنوبي فلسطين كانت بوابة ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 في مصر، وغزة كانت احدي شرارات العدوان الثلاثي عام 1956. غزة مدخل الغزاة الي مصر نفسها، ولا يستطيع النظام المصري الغارق في مشكلات الخلافة وتوريث الابن ان يبقي اصم امام الواقع الدموي، والمأساة الانسانية التي تضرب القطاع.
السؤال الكبير ليس ماذا تفعل اسرائيل؟ بل ماذا لا تفعل مصر؟
باستثناء تظاهرات الدعم التي نظمها الاسلاميون في القاهرة، فان مصر لا تفعل شيئا. سؤال غزة ليس مطروحا علي النخب الثقافية والسياسية المصرية. المعارضة اليسارية تبدو خارج المعادلة، ونخب الدولة، تبدو مستتبعة للايقاع المكتهل لسياسة التوريث، التي جعلت من اكبر دولة عربية مجرد دولة تابعة للفلك السعودي الامريكي، بحيث صارت بعض مشيخات النفط والغاز اكثر اهمية ونفوذا من ام الدنيا!
مصر لا تفعل شيئا، وهي بذلك تعرض امنها القومي، وامنها السياسي للخطر. اي ان غيبوبة نظام حسني مبارك وذهوله الكامل عن الواقع، يحول الواقع المصري الي علامة استفهام، لا تستطيع ان تبقي طويلا من دون جواب.
ان ما لا تعرفه اسرائيل والولايات المتحدة، هو ان حساب موازين القوي ليس جامدا، وان هذه العربدة الاسرائيلية المستمرة منذ اجتياح لبنان عام 1982، ما كان لها ان تكون لولا خروج مصر من المعادلة. لكن خروج مصر وتدمير العراق، لا يعني ان البلدين اللذين اسسا الحضارة في العالم، تحولا الي لا شيء. التغلغل الاسرائيلي في العراق ثبت لا جدواه ولا عقمه، وهو معزول في الشمال، والتطبيع مع مصر قوبل برفض شامل من كل قطاعات المجتمع المصري.
الخروج من معادلة المنطقة، وخصوصا لبلد مركزي مثل مصر لا يمكن ان يكون دائما، لأنه سيعرض ارض الكنانة الي انفجارات سياسية واجتماعية سوف تطيح النظام في لحظة لا يتوقعها احد.
نظام آل مبارك في مصر لا يستطيع ان يقفل باب غزة حتي لو بني جدارا هو ايضا. فالفصل التام بين غزة ومصر مستحيل وغير طبيعي ولا يمكن ان يدوم.
بمقدار ما يبدو السؤال المصري اساسيا بالنسبة لمستقبل غزة فانه اساسي ايضا بالنسبة لمستقبل المشرق العربي برمته، ولآفاق الصراع الطاحن الذي يدور في المنطقة العربية، من العراق والخليج الي فلسطين ولبنان.
الغيبوبة المصرية اوقعت المشرق العربي في فراغ سياسي وعسكري وثقافي لا يستطيع احد ان يملأه الا مصر. هذا الكلام لا ينطلق من حنين الي ايام زعامة عبدالناصر، رغم شرعية هذا الحنين في منطقة يتحكم بها الاقزام والسفهاء، لكنه ينطلق من وعي تاريخي بأن الجغرافيا السياسية لمصر، وحجم التحديات في المنطقة، يحتمان عودة مصر الي موقعها ودورها الطبيعي.
وفي انتظار هذه العودة التي طالت كثيرا، فان لا شيء سوي يوقف بحر الدم في فلسطين. اسرائيل سوف تواصل لحس المبرد، وسوف تتعاظم شهواتها الدموية ونزعاتها الاجرامية، وما علينا سوي الصبر.
في هذا الوقت الدموي، لا خيار امام الفلسطينيين سوي الوحدة الوطنية. الاستمرار في هذا الانقسام العبثي الأحمق، سوف يسمح للجنرالات الاسرائيليين بالمزيد من لعبة الدم والموت، وسوف يجعل من ابناء وبنات غزة والضفة الغربية شهودا وشهداء علي استهتار القيادات المختلفة بمسؤولياتها.
لكن علي الاسرائيليين ان لا يفرحوا بتوحيش المنطقة، فالوحش سوف يفترسهم ايضا.
من اجل ان تستسلم عليك ان تهزم اسرائيل او تضعها علي حافة الهزيمة! لأن خمرة الخامس من حزيران اسكرت الاسرائيليين ودفعتهم الي جنون القوة. صعد البول الي الأدمغة، مثلما يقول المثل الاسرائيلي، بحيث لم يعد هناك من فرق بين الواقع والمتخيل، فاضطر السادات الي خوض حرب اكتوبر كي يستطيع اقناع اسرائيل بالقبول باستسلامه.
هذه هي مفارقة مرحلة بناء ما يسمي بالسلام العربي الاسرائيلي منذ مؤتمر مدريد. وميزة ياسر عرفات انه رفض قانون اللعبة، اذ كان مطروحا عليه خوض حرب اهلية فلسطينية تدمر كل شيء، قبل ان يعرض عليه فتات سلام لن يكون سوي امحاء كامل، لأن اسرائيل ترفض الاعتراف بالحق الفلسطيني في الوجود.
دفع عرفات ثمن موقفه حصارا وموتا، لكن خلفاءه في القيادات الفلسطينية، في السلطة وخارجها لم يفهموا الدرس الذي قدمه، فسقطوا في المحظور، معرضين الشعب الفلسطيني لاحدي اكبر المحن.
والمحنة تتجسد في غزة. من الواضح ان لا خيار لبطل اغتيالات فردان في بيروت، سوي متابعة حروبه العبثية في القطاع. الجنرال باراك يعرف انه لا يستطيع ان ينتصر في غزة. وهو يعلم ان رائحة الدم التي تصنعها طائراته ودباباته سوف تنقلب عليه، لكنه لا يستطيع ان يوقف المسار الدموي. لذا فان غزة مرشحة للبقاء بوابة للدم الفلسطيني المسفوك، ولا افق لتسوية، لأن الفلسطينيين تعلموا ان طريق السلام بات مسدودا.
لكن غزة ليست معزولة عن العالم، مثلما يعتقد الاسرائيليون والمصريون. غزة ومعارك جنوبي فلسطين كانت بوابة ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 في مصر، وغزة كانت احدي شرارات العدوان الثلاثي عام 1956. غزة مدخل الغزاة الي مصر نفسها، ولا يستطيع النظام المصري الغارق في مشكلات الخلافة وتوريث الابن ان يبقي اصم امام الواقع الدموي، والمأساة الانسانية التي تضرب القطاع.
السؤال الكبير ليس ماذا تفعل اسرائيل؟ بل ماذا لا تفعل مصر؟
باستثناء تظاهرات الدعم التي نظمها الاسلاميون في القاهرة، فان مصر لا تفعل شيئا. سؤال غزة ليس مطروحا علي النخب الثقافية والسياسية المصرية. المعارضة اليسارية تبدو خارج المعادلة، ونخب الدولة، تبدو مستتبعة للايقاع المكتهل لسياسة التوريث، التي جعلت من اكبر دولة عربية مجرد دولة تابعة للفلك السعودي الامريكي، بحيث صارت بعض مشيخات النفط والغاز اكثر اهمية ونفوذا من ام الدنيا!
مصر لا تفعل شيئا، وهي بذلك تعرض امنها القومي، وامنها السياسي للخطر. اي ان غيبوبة نظام حسني مبارك وذهوله الكامل عن الواقع، يحول الواقع المصري الي علامة استفهام، لا تستطيع ان تبقي طويلا من دون جواب.
ان ما لا تعرفه اسرائيل والولايات المتحدة، هو ان حساب موازين القوي ليس جامدا، وان هذه العربدة الاسرائيلية المستمرة منذ اجتياح لبنان عام 1982، ما كان لها ان تكون لولا خروج مصر من المعادلة. لكن خروج مصر وتدمير العراق، لا يعني ان البلدين اللذين اسسا الحضارة في العالم، تحولا الي لا شيء. التغلغل الاسرائيلي في العراق ثبت لا جدواه ولا عقمه، وهو معزول في الشمال، والتطبيع مع مصر قوبل برفض شامل من كل قطاعات المجتمع المصري.
الخروج من معادلة المنطقة، وخصوصا لبلد مركزي مثل مصر لا يمكن ان يكون دائما، لأنه سيعرض ارض الكنانة الي انفجارات سياسية واجتماعية سوف تطيح النظام في لحظة لا يتوقعها احد.
نظام آل مبارك في مصر لا يستطيع ان يقفل باب غزة حتي لو بني جدارا هو ايضا. فالفصل التام بين غزة ومصر مستحيل وغير طبيعي ولا يمكن ان يدوم.
بمقدار ما يبدو السؤال المصري اساسيا بالنسبة لمستقبل غزة فانه اساسي ايضا بالنسبة لمستقبل المشرق العربي برمته، ولآفاق الصراع الطاحن الذي يدور في المنطقة العربية، من العراق والخليج الي فلسطين ولبنان.
الغيبوبة المصرية اوقعت المشرق العربي في فراغ سياسي وعسكري وثقافي لا يستطيع احد ان يملأه الا مصر. هذا الكلام لا ينطلق من حنين الي ايام زعامة عبدالناصر، رغم شرعية هذا الحنين في منطقة يتحكم بها الاقزام والسفهاء، لكنه ينطلق من وعي تاريخي بأن الجغرافيا السياسية لمصر، وحجم التحديات في المنطقة، يحتمان عودة مصر الي موقعها ودورها الطبيعي.
وفي انتظار هذه العودة التي طالت كثيرا، فان لا شيء سوي يوقف بحر الدم في فلسطين. اسرائيل سوف تواصل لحس المبرد، وسوف تتعاظم شهواتها الدموية ونزعاتها الاجرامية، وما علينا سوي الصبر.
في هذا الوقت الدموي، لا خيار امام الفلسطينيين سوي الوحدة الوطنية. الاستمرار في هذا الانقسام العبثي الأحمق، سوف يسمح للجنرالات الاسرائيليين بالمزيد من لعبة الدم والموت، وسوف يجعل من ابناء وبنات غزة والضفة الغربية شهودا وشهداء علي استهتار القيادات المختلفة بمسؤولياتها.
لكن علي الاسرائيليين ان لا يفرحوا بتوحيش المنطقة، فالوحش سوف يفترسهم ايضا.