boualem_gh
2008-02-29, 10:56
أبو الحسن الأشعري ورجوعه لاعتقاد السلف
بقلم : فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله
تقريظ من الشيخ الجليل عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد :
فقد اطلعت على هذه الرسالة القّيمة ، التي جمعها أخونا وصاحبنا الشيخ العلامة حماد بن محمد الأنصاري ، المدرس في كلية الشريعة في الرياض ، في بيان شيءٍ من ترجمة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، وبيان رجوعه عن مذهب المعتزلة ، واعتناقه مذهب أهل السنة في إثبات ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة من أسماء الله الحسنى وصفاته العلا ، على الوجه الذي يليق بالله سبحانه ، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ ، كما صرح بذلك علماء الحديث ودرج عليه سلف الأمة والصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسانٍ ، وهذا هو الذي صرح به أبو الحسن في كتبه المشهورة كالمقالات والموجز والإبانة .
ولقد أجاد أخونا الشيخ حماد في هذه الرسالة وأفاد ، وأبرز فيها من النقول المفيدة عن أئمة الإسلام والعلماء الأعلام ما يكشف الشبهة ويزيل اللبس ويرشد إلى الحق ، ويوضح حقيقة مذهب أبي الحسن الذي استقر عليه وناضل دونه ، ورد على من خالفه ، وأبان حقيقة مذهب المعتزلة وشنع عليهم ، وأوضح لأهل الإسلام بطلان ما عليه المعتزلة وتهافت أصولهم وانهيار قواعدهم ، فجزاه الله عما صنع خيرًا وبارك في مساعيه ونفع المسلمين بجهوده ، إنه على كل شيءٍ قديرٌ ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
تقريظ فضيلة الشيخ الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري رحمه الله
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فإن مما لا يحفى على من وفق في العقيدة ، أن طريقة السلف الصالح فيها التمسك بنصوص الكتاب والسنة وعدم معارضتها بما سواها .
وقد كان أبو الحسن الأشعري الذي تنتسب إليه الأشعرية ممن اهتدى بفضل الله إلى هذا ، بعد ما تلقى دروس الاعتزال عن زوج أمه شيخ الاعتزال محمد بن عبد الوهاب أبي علي الجبائي ، فتاب وتمسك بالنصوص ، فأثبت لله ما أثبته دون تعطيلٍ ولا تأويلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ ، وصنف في بيان ذلك كتابه " الإبانة عن أصول الديانة " ، وإن كان أكثر المنتسبين إليه في الأعصر المتأخرة جهل ذلك أو تجاهله ، فصار يعارض عقيدة السلف الصالح بأشياء يزعم أنها عقيدة الأشعري وهو في الحقيقة براءٌ منها ، و يزعم البعض منهم أن كتاب الإبانة مدسوسٌ على الأشعري ، فصار ذلك كله خطرًا عظيمًا على العقيدة ، وجنايةً كبرى على ذلك الإمام الأشعري ، الذي وفق للرجوع إلى الحق وفضح المعتزلة وأتباعهم في مصنفاته .
وقد تنبه لهذا كله البحّاثة المدقق الشيخ حماد بن محمد الأنصاري المدرس بكلية الشريعة بالرياض ، فتتبع مصنفات أئمة العلم من مختلف الطبقات ، فاستخرج لنا منها هذه النبذة القيمة ، التي تحمل في طياتها تصريحات الأشعري نفسه بتوبته من كل ما يعتبر مصادمةً لنصوص الصفات وغيرها ، واعتقاده العقيدة التي يعتقدها السلف الصالح التي ضمنها " الإبانة " .
كما تحمل إلى الأشعرية نقول أجلة العلماء من المتكلمين والمحدثين والفقهاء والمؤرخين ، التي تصرح برجوع الإمام الأشعري إلى معتقد السلف الصالح ، وأن كتاب الإبانة تصنيف الأشعري ، فبهذا أدى مؤلف هذه النبذة وأحب العقيدة من ناحية وأحب الدفاع عن الأشعري وكتابه الإبانة من ناحية ، بحيث لم يدع للشك مجالاً في جميع ذلك ، فجزاه الله خير الجزاء ، ونفع بهذا المؤلف القيم ، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
وبعد :
لما كان أكثر الناس في الأقطار الإسلامية ينتسب عقيدةً إلى أبي الحسن الأشعري ، ومع ذلك لا يعرف شيئًا عن أبي الحسن الشعري ، ولا عن عقيدته التي استقر عليها أمره أخيرًا ، واستحق بها أن يكون من الأئمة المقتدى بهم ، أحببنا أن نفيد أولئك عن حقائق هذا الإمام المجهول عند كثيرٍ ممن ينتسب إليه وينتحل عقيدته حسب ما تتبعنا من المراجع المعتبرة .
وقبل كل شيءٍ أتحف القارئ بنبذةٍ قليلةٍ من ترجمة الأشعري ، فأقول وبالله أستعين :
التعريف بالإمام :
أما أبو الحسن الأشعري فهو عليّ بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري .
ولد سنة ستين ومائتين من الهجرة النبوية ، ترجمه أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي في كتابه " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري" و " الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " و" ابن خلكان في "وفيات الأعيان " والذهبي في " تاريخ الإسلام " وابن كثير في " البداية والنهاية " و"طبقات الشافعية " والتاج السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " وابن فرحون المالكي في " الديباج المذهب في أعيان أهل المذهب " و " مرتضي الزبيدي في اتحاد السادة المتقين بشرح أسرار إ حياء علوم الدين " وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب في أعيان من ذهب " وغيرهم .
دخل هذا الإمام بغداد ، وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي أحد أئمة الحديث والفقه ، وعن أبي خليفة الجمحي وسهل بن سرح ومحمد بن يعقوب المقريء وعبد الرحمن بن خلف البصريين ، وروى عنهم كثيرًا في تفسيره المختزن ، وأخذ علم الكلام عن شيخه زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ، ولما تبحّر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية ، كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس ، ولا يجد فيها جوابًا شافيًا فتحيّر في ذلك ، فحكي عنه أنه قال : وقع في صدري في بعض الليالي شيءٌ مما كنت فيه من العقائد ، فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك بسنتي ، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار فأثبته ، ونبذت ما سواه ورائي ظهريًّا .
قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 463هـ في الجزء الحادي عشر من تاريخه المشهور صفحة 346 :
أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة ... إلى أن قال : وكانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم .
قال ابن فرحون في الديباج : أثنى على أبي الحسن الأشعري أبو محمد بن أبي زيد القيرواني وغيره من أئمة المسلمين . أ هـ .
وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات الجزء الثاني صفحة 303 :
ومما بيّض به أبو الحسن الأشعري وجوه أهل السنة النبوية وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية ، فأبان به وجه الحق الأبلج ، ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج ، مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدعٍ مراءٍ وهي أعني المناظرة كما قال ابن خلكان : سأل أبو الحسن الأشعري أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوةٍ كان أحدهم مؤمنًا برًّا تقيًّا ، والثاني كان كافرًا فاسقًا شقيًّا والثالث كان صغيرًا فماتوا فكيف حالهم ؟ فقال الجبائي : أما الزاهد ففي الدرجات وأما الكافر ففي الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري : إن أراد الصغير يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له ؟ فقال الجبائي : لا ، لأنه يقال له : أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري : فإن قال ذلك التقصير ليس مني فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة فقال الجبائي : يقول البارئ جل وعلا : كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقًّا للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري : فلو قال الأخ الأكبر : يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلمَ راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي! .
وقال ابن العماد : وفي هذه المناظرة دلالةٌ على أن الله تعالى خص من شاء برحمته واختص آخر بعذابه . أ هـ .
وقال تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " : أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل ، وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمه الله واحدةٌ لا شك في ذلك ولا ارتياب ، وبه صرّح الأشعري في تصانيفه وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضعٍ من كلامه . أ هـ .
وفضائل أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه العجالة ، ومن وقف على تواليفه بعد توبته من الاعتزال ، رأى أن الله تعالى قد أمده بمواد توفيقه وأقامه لنصرة الحق والذبّ عن طريقه .
وقد تنازع فيه أهل المذاهب ، فالمالكي يدعي أنه مالكي والشافعي يزعم أنه شافعي والحنفي كذلك .
قال ابن عساكر : لقيت الشيخ الفاضل رافعًا الحمال الفقيه ، فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن الأشعري كان مالكيًّا ، فنسب من تعلق اليوم بمذهب أهل السنة وتفقه في معرفة أصول الدين من سائر المذاهب إلى الأشعري ، لكثرة تواليفه وكثرة قراءة الناس لها.
قال ابن فورك : توفي أبو الحسن الأشعري سنة 324هـ . انتهى .
وبعد ذكر هذه النتفة من ترجمة هذا الإمام نذكر ما يلي :
إثبات رجوعه عن الاعتزال وإثبات نسبة الإبانة إليه ، ننقل ذلك من المراجع الموثوق بها فنقول وبالله التوفيق . انتهى .
رجوع أبي الحسن عن الاعتزال إلى عقيدة السلف
قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة 571 هـ في كتابه " التبيين " :
قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأردي القيرواني المعروف بابن عزره : إن أبا الحسن الأشعري كان معتزليًّا ، وإنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنةً ، وكان لهم إمامًا ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يومًا ، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة ، فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة وقال : معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ، ولم يترجح عندي حقٌّ على باطلٍ ولا باطلٌ على حقٍّ ، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه ، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده ، كما انخلعت من ثوبي هذا وانخلع من ثوبٍ كان عليه ، ورمى به ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريبًا إنشاء الله .
فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة ، أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إمامًا حتى نسب مذهبهم إليه ، فصار عند المعتزلة ككتابي أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة ، وكذالك أبو الحسن الأشعري أعدى الخلق إلى المعتزلة ، فهم يشنعون عليه وينسبون إليه الأباطيل ، وليس طول مقام أبي الحسن الأشعري على مذهب المعتزلة مما يفضى به إلى انحطاط المنزلة ، بل يقضي له في معرفة الأصول بعلو المرتبة ويدل عند ذوي البصائر له على سمو المنقبة ، لأن من رجع عن مذهبٍ كان بعواره أخبر وعلى ردّ شبه أهله وكشف تمويهاتهم أقدر وبتبين ما يلبسون به لمن يهتدي باستبصاره أبصر ، فاستراحة من يعيره بذلك كاستراحة مناظر هارون بن موسى الأعور ، وقصته أن هارون الأعور كان يهوديًّا فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو ، وناظره إنسانٌ يومًا في مسألةٍ فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له : أنت كنت يهوديًّا فأسلمت فقال له هارون : فبئس ما صنعت فغلبه هارون في هذا .
واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن الأشعري كان إمامًا من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث ، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة وردّ على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة ، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفًا مسلولاً ، ومن طعن فيه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة ، ولم يكن أبو الحسن الأشعري أول متكلمٍ بلسان أهل السنة ، و إنما جرى على سنن غيره و على نصرة مذهبٍ معروفٍ ، فزاده حجةً وبيانًا ، ولم يبتدع مقالةً اخترعها ولا مذهبًا انفرد به وليس له في المذهب أكثر من بسطه وشرحه كغيره من الأئمة .
وقال أبو بكر بن فورك : رجع أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة 300هـ .
وممن قال من العلماء برجوع الأشعري عن الاعتزال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان الشافعي المتوفى سنة 681هـ .
قال في " وفيات الأعيان " الجزء الثاني صفحة 446 : كان أبو الحسن الأشعري معتزليًّا ثم تاب ، ومنهم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774هـ .
قال في " البداية والنهاية " الجزء الحادي عشر صفحة 187 : إن الأشعري كان معتزليًّا فتاب منه بالبصرة فوق المنبر ، ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي الشهير بالذهبي المتوفى سنة 748هـ .
قال في كتابه " العلو للعلي الغفار " : كان أبو الحسن أولاً معتزليًّا أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلمًا للسنة ووافق أئمة الحديث ، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن ولزموها لأحسنوا ، ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله .
وممن قال برجوعه تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة 771هـ ، قال في طبقات الشافعية الكبرى الجزء الثاني صفحة 246 : أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إمامًا فلما أراده الله لنصرة دينه وشرح صدره لاتباع الحق غاب عن الناس في بيته ، وذكر كلام ابن عساكر المتقدم بحروفه ، ومنهم برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المدنيّ المالكي المتوفى سنة 799هـ ، قال في كتابه "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب " صفحة 139 : كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزليًّا ، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق ومذهب أهل السنة فكثر التعجب منه ، وسئل عن ذلك فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فأمره بالرجوع إلى الحق ونصره ، فكان ذلك الحق ، والحمد لله تعالى.
ومنهم السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى ، قال في كتابه " إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين " الجزء الثاني صفحة3 قال : أبو الحسن الأشعري أخذ علم الكلام عن شيخ أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ، ثم فارقه لمنامٍ رآه ورجع عن الاعتزال وأظهر ذلك إظهارًا ، فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنا فلان بن فلان ، كنت أقول بخلق القرآن ، وإن الله لا يُرى في الدار الآخرة بالأبصار ، وإن العباد يخلقون أفعالهم ، وها أنا تائبٌ من الاعتزال معتقدًا الرد على المعتزلة ، ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف على خلافهم ، ثم قال : قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوالٍ أولها : حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة ، والحال الثاني : إثبات الصفات العقلية السبعة ، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك ، والحال الثالث : إثبات ذلك كله من غير تكييفٍ و لا تشبيهٍ جريًا على منوال السلف ، و هي طريقته في الإبانة التي صنفها آخرًا .
وبهذه النقول عن هؤلاء الأعلام ثبت ثبوتًا لا شك فيه ولا مرية ، أن أبا الحسن الأشعري استقرّ أمره أخيرًا بعد أن كان معتزليًّا على عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم وسنة النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم .
بقلم : فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله
تقريظ من الشيخ الجليل عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد :
فقد اطلعت على هذه الرسالة القّيمة ، التي جمعها أخونا وصاحبنا الشيخ العلامة حماد بن محمد الأنصاري ، المدرس في كلية الشريعة في الرياض ، في بيان شيءٍ من ترجمة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، وبيان رجوعه عن مذهب المعتزلة ، واعتناقه مذهب أهل السنة في إثبات ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة من أسماء الله الحسنى وصفاته العلا ، على الوجه الذي يليق بالله سبحانه ، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ ، كما صرح بذلك علماء الحديث ودرج عليه سلف الأمة والصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسانٍ ، وهذا هو الذي صرح به أبو الحسن في كتبه المشهورة كالمقالات والموجز والإبانة .
ولقد أجاد أخونا الشيخ حماد في هذه الرسالة وأفاد ، وأبرز فيها من النقول المفيدة عن أئمة الإسلام والعلماء الأعلام ما يكشف الشبهة ويزيل اللبس ويرشد إلى الحق ، ويوضح حقيقة مذهب أبي الحسن الذي استقر عليه وناضل دونه ، ورد على من خالفه ، وأبان حقيقة مذهب المعتزلة وشنع عليهم ، وأوضح لأهل الإسلام بطلان ما عليه المعتزلة وتهافت أصولهم وانهيار قواعدهم ، فجزاه الله عما صنع خيرًا وبارك في مساعيه ونفع المسلمين بجهوده ، إنه على كل شيءٍ قديرٌ ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
تقريظ فضيلة الشيخ الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري رحمه الله
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فإن مما لا يحفى على من وفق في العقيدة ، أن طريقة السلف الصالح فيها التمسك بنصوص الكتاب والسنة وعدم معارضتها بما سواها .
وقد كان أبو الحسن الأشعري الذي تنتسب إليه الأشعرية ممن اهتدى بفضل الله إلى هذا ، بعد ما تلقى دروس الاعتزال عن زوج أمه شيخ الاعتزال محمد بن عبد الوهاب أبي علي الجبائي ، فتاب وتمسك بالنصوص ، فأثبت لله ما أثبته دون تعطيلٍ ولا تأويلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ ، وصنف في بيان ذلك كتابه " الإبانة عن أصول الديانة " ، وإن كان أكثر المنتسبين إليه في الأعصر المتأخرة جهل ذلك أو تجاهله ، فصار يعارض عقيدة السلف الصالح بأشياء يزعم أنها عقيدة الأشعري وهو في الحقيقة براءٌ منها ، و يزعم البعض منهم أن كتاب الإبانة مدسوسٌ على الأشعري ، فصار ذلك كله خطرًا عظيمًا على العقيدة ، وجنايةً كبرى على ذلك الإمام الأشعري ، الذي وفق للرجوع إلى الحق وفضح المعتزلة وأتباعهم في مصنفاته .
وقد تنبه لهذا كله البحّاثة المدقق الشيخ حماد بن محمد الأنصاري المدرس بكلية الشريعة بالرياض ، فتتبع مصنفات أئمة العلم من مختلف الطبقات ، فاستخرج لنا منها هذه النبذة القيمة ، التي تحمل في طياتها تصريحات الأشعري نفسه بتوبته من كل ما يعتبر مصادمةً لنصوص الصفات وغيرها ، واعتقاده العقيدة التي يعتقدها السلف الصالح التي ضمنها " الإبانة " .
كما تحمل إلى الأشعرية نقول أجلة العلماء من المتكلمين والمحدثين والفقهاء والمؤرخين ، التي تصرح برجوع الإمام الأشعري إلى معتقد السلف الصالح ، وأن كتاب الإبانة تصنيف الأشعري ، فبهذا أدى مؤلف هذه النبذة وأحب العقيدة من ناحية وأحب الدفاع عن الأشعري وكتابه الإبانة من ناحية ، بحيث لم يدع للشك مجالاً في جميع ذلك ، فجزاه الله خير الجزاء ، ونفع بهذا المؤلف القيم ، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
وبعد :
لما كان أكثر الناس في الأقطار الإسلامية ينتسب عقيدةً إلى أبي الحسن الأشعري ، ومع ذلك لا يعرف شيئًا عن أبي الحسن الشعري ، ولا عن عقيدته التي استقر عليها أمره أخيرًا ، واستحق بها أن يكون من الأئمة المقتدى بهم ، أحببنا أن نفيد أولئك عن حقائق هذا الإمام المجهول عند كثيرٍ ممن ينتسب إليه وينتحل عقيدته حسب ما تتبعنا من المراجع المعتبرة .
وقبل كل شيءٍ أتحف القارئ بنبذةٍ قليلةٍ من ترجمة الأشعري ، فأقول وبالله أستعين :
التعريف بالإمام :
أما أبو الحسن الأشعري فهو عليّ بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري .
ولد سنة ستين ومائتين من الهجرة النبوية ، ترجمه أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي في كتابه " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري" و " الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " و" ابن خلكان في "وفيات الأعيان " والذهبي في " تاريخ الإسلام " وابن كثير في " البداية والنهاية " و"طبقات الشافعية " والتاج السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " وابن فرحون المالكي في " الديباج المذهب في أعيان أهل المذهب " و " مرتضي الزبيدي في اتحاد السادة المتقين بشرح أسرار إ حياء علوم الدين " وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب في أعيان من ذهب " وغيرهم .
دخل هذا الإمام بغداد ، وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي أحد أئمة الحديث والفقه ، وعن أبي خليفة الجمحي وسهل بن سرح ومحمد بن يعقوب المقريء وعبد الرحمن بن خلف البصريين ، وروى عنهم كثيرًا في تفسيره المختزن ، وأخذ علم الكلام عن شيخه زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ، ولما تبحّر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية ، كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس ، ولا يجد فيها جوابًا شافيًا فتحيّر في ذلك ، فحكي عنه أنه قال : وقع في صدري في بعض الليالي شيءٌ مما كنت فيه من العقائد ، فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك بسنتي ، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار فأثبته ، ونبذت ما سواه ورائي ظهريًّا .
قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 463هـ في الجزء الحادي عشر من تاريخه المشهور صفحة 346 :
أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة ... إلى أن قال : وكانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم .
قال ابن فرحون في الديباج : أثنى على أبي الحسن الأشعري أبو محمد بن أبي زيد القيرواني وغيره من أئمة المسلمين . أ هـ .
وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات الجزء الثاني صفحة 303 :
ومما بيّض به أبو الحسن الأشعري وجوه أهل السنة النبوية وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية ، فأبان به وجه الحق الأبلج ، ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج ، مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدعٍ مراءٍ وهي أعني المناظرة كما قال ابن خلكان : سأل أبو الحسن الأشعري أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوةٍ كان أحدهم مؤمنًا برًّا تقيًّا ، والثاني كان كافرًا فاسقًا شقيًّا والثالث كان صغيرًا فماتوا فكيف حالهم ؟ فقال الجبائي : أما الزاهد ففي الدرجات وأما الكافر ففي الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري : إن أراد الصغير يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له ؟ فقال الجبائي : لا ، لأنه يقال له : أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري : فإن قال ذلك التقصير ليس مني فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة فقال الجبائي : يقول البارئ جل وعلا : كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقًّا للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري : فلو قال الأخ الأكبر : يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلمَ راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي! .
وقال ابن العماد : وفي هذه المناظرة دلالةٌ على أن الله تعالى خص من شاء برحمته واختص آخر بعذابه . أ هـ .
وقال تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " : أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل ، وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمه الله واحدةٌ لا شك في ذلك ولا ارتياب ، وبه صرّح الأشعري في تصانيفه وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضعٍ من كلامه . أ هـ .
وفضائل أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه العجالة ، ومن وقف على تواليفه بعد توبته من الاعتزال ، رأى أن الله تعالى قد أمده بمواد توفيقه وأقامه لنصرة الحق والذبّ عن طريقه .
وقد تنازع فيه أهل المذاهب ، فالمالكي يدعي أنه مالكي والشافعي يزعم أنه شافعي والحنفي كذلك .
قال ابن عساكر : لقيت الشيخ الفاضل رافعًا الحمال الفقيه ، فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن الأشعري كان مالكيًّا ، فنسب من تعلق اليوم بمذهب أهل السنة وتفقه في معرفة أصول الدين من سائر المذاهب إلى الأشعري ، لكثرة تواليفه وكثرة قراءة الناس لها.
قال ابن فورك : توفي أبو الحسن الأشعري سنة 324هـ . انتهى .
وبعد ذكر هذه النتفة من ترجمة هذا الإمام نذكر ما يلي :
إثبات رجوعه عن الاعتزال وإثبات نسبة الإبانة إليه ، ننقل ذلك من المراجع الموثوق بها فنقول وبالله التوفيق . انتهى .
رجوع أبي الحسن عن الاعتزال إلى عقيدة السلف
قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة 571 هـ في كتابه " التبيين " :
قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأردي القيرواني المعروف بابن عزره : إن أبا الحسن الأشعري كان معتزليًّا ، وإنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنةً ، وكان لهم إمامًا ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يومًا ، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة ، فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة وقال : معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ، ولم يترجح عندي حقٌّ على باطلٍ ولا باطلٌ على حقٍّ ، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه ، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده ، كما انخلعت من ثوبي هذا وانخلع من ثوبٍ كان عليه ، ورمى به ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريبًا إنشاء الله .
فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة ، أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إمامًا حتى نسب مذهبهم إليه ، فصار عند المعتزلة ككتابي أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة ، وكذالك أبو الحسن الأشعري أعدى الخلق إلى المعتزلة ، فهم يشنعون عليه وينسبون إليه الأباطيل ، وليس طول مقام أبي الحسن الأشعري على مذهب المعتزلة مما يفضى به إلى انحطاط المنزلة ، بل يقضي له في معرفة الأصول بعلو المرتبة ويدل عند ذوي البصائر له على سمو المنقبة ، لأن من رجع عن مذهبٍ كان بعواره أخبر وعلى ردّ شبه أهله وكشف تمويهاتهم أقدر وبتبين ما يلبسون به لمن يهتدي باستبصاره أبصر ، فاستراحة من يعيره بذلك كاستراحة مناظر هارون بن موسى الأعور ، وقصته أن هارون الأعور كان يهوديًّا فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو ، وناظره إنسانٌ يومًا في مسألةٍ فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له : أنت كنت يهوديًّا فأسلمت فقال له هارون : فبئس ما صنعت فغلبه هارون في هذا .
واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن الأشعري كان إمامًا من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث ، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة وردّ على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة ، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفًا مسلولاً ، ومن طعن فيه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة ، ولم يكن أبو الحسن الأشعري أول متكلمٍ بلسان أهل السنة ، و إنما جرى على سنن غيره و على نصرة مذهبٍ معروفٍ ، فزاده حجةً وبيانًا ، ولم يبتدع مقالةً اخترعها ولا مذهبًا انفرد به وليس له في المذهب أكثر من بسطه وشرحه كغيره من الأئمة .
وقال أبو بكر بن فورك : رجع أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة 300هـ .
وممن قال من العلماء برجوع الأشعري عن الاعتزال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان الشافعي المتوفى سنة 681هـ .
قال في " وفيات الأعيان " الجزء الثاني صفحة 446 : كان أبو الحسن الأشعري معتزليًّا ثم تاب ، ومنهم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774هـ .
قال في " البداية والنهاية " الجزء الحادي عشر صفحة 187 : إن الأشعري كان معتزليًّا فتاب منه بالبصرة فوق المنبر ، ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي الشهير بالذهبي المتوفى سنة 748هـ .
قال في كتابه " العلو للعلي الغفار " : كان أبو الحسن أولاً معتزليًّا أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلمًا للسنة ووافق أئمة الحديث ، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن ولزموها لأحسنوا ، ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله .
وممن قال برجوعه تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة 771هـ ، قال في طبقات الشافعية الكبرى الجزء الثاني صفحة 246 : أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إمامًا فلما أراده الله لنصرة دينه وشرح صدره لاتباع الحق غاب عن الناس في بيته ، وذكر كلام ابن عساكر المتقدم بحروفه ، ومنهم برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المدنيّ المالكي المتوفى سنة 799هـ ، قال في كتابه "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب " صفحة 139 : كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزليًّا ، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق ومذهب أهل السنة فكثر التعجب منه ، وسئل عن ذلك فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فأمره بالرجوع إلى الحق ونصره ، فكان ذلك الحق ، والحمد لله تعالى.
ومنهم السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى ، قال في كتابه " إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين " الجزء الثاني صفحة3 قال : أبو الحسن الأشعري أخذ علم الكلام عن شيخ أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ، ثم فارقه لمنامٍ رآه ورجع عن الاعتزال وأظهر ذلك إظهارًا ، فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنا فلان بن فلان ، كنت أقول بخلق القرآن ، وإن الله لا يُرى في الدار الآخرة بالأبصار ، وإن العباد يخلقون أفعالهم ، وها أنا تائبٌ من الاعتزال معتقدًا الرد على المعتزلة ، ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف على خلافهم ، ثم قال : قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوالٍ أولها : حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة ، والحال الثاني : إثبات الصفات العقلية السبعة ، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك ، والحال الثالث : إثبات ذلك كله من غير تكييفٍ و لا تشبيهٍ جريًا على منوال السلف ، و هي طريقته في الإبانة التي صنفها آخرًا .
وبهذه النقول عن هؤلاء الأعلام ثبت ثبوتًا لا شك فيه ولا مرية ، أن أبا الحسن الأشعري استقرّ أمره أخيرًا بعد أن كان معتزليًّا على عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم وسنة النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم .