المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بالله عليك ادخل


algeriano231
2010-06-04, 21:48
بسم الله الرحمن الرحيم


مفسدات القلب الخمسة
ويليها
أسباب شرح الصدر
من كلام ابن القيم الجوزية

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات القلب الخمسة فهي التي أشار إليها من كثرة المخالطة والتمني والتعلق بغير الله والشبع والمنام فهذه الخمسة من أكثر مفسدات القلب.
· المفسد الأول: كثرة المخالطة:
فأما ما تؤثره كثرة المخالطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني أدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما و ضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم ، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة ؟
هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة، وحركت من محنة وعطلت من منحة وأحلت من رزية وأوقعت في بلية وهل آفة الناس إلا الناس؟
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا وقضاء وطر بعضهم من بعض- تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة و يعض المخلط عليها يديه ندما، كما قال تعالى:"ويوم يعض الظلم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ** يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ** لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني " [الفرقان: 27- 29 ] وقال تعالى :"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" [ الزخرف: 67 ] وقال خليله إبراهيم لقومه في القرآن:" إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" [العنكبوت : 25] وهذا شأن كل مشتركين في غرض. يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزنا وانقلبت تلك المودة بغضا ولعنة وذما من بعضهم البعض.
والضابط النافع في أمر الخلطة : أن يخالط الناس في الخير-كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم والجهاد والنصيحة- ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.
فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له وتعظيم، وثناء عليه منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له ومقت وذم منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين. فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة وأحمد مالا.
وإن دعت الحاجة إلى خلطته في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.
· المفسد الثاني: ركوب بحر التمني:
وهو بحر لا ساحل له، وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم ، كما قيل: 'إن المنى رأس مفاليس العالم'. فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة والخيالات الباطلة تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية ،ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية بل اعتاضت عنها بالأماني الذهنية ، وكل بحسب حاله: متمن للقدوة والسلطان وللضرب في الأرض والطواف في البلدان ، أو الأموال والأثمان أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها ، فبينما هو على هذا الحال ، إذا استيقظ فإذا يده والحصير..
وصاحب الهمة العليا أمانيه حائمة حول العلم والإيمان ، والعمل الذي يقربه من الله ويدنيه من جواره ، فأماني هذا إيمان ونور وحكمة . وأماني هؤلاء خدع وغرور.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمني الخير وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله
· المفسد الثالث: التعلق بغير الله تبارك وتعالى:
وهذا من أعظم المفسدات على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل، بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل ولا إلى ما أمَله ممن تعلق به وصل
قال تعالى: { واتخذوا من دون الله ألهة ليكونوا لهم عزا°°كلا سيكفرون بعابدتهم ويكونون عليهم ضدا } [ مريم 81 . 82 ] وقال تعالى :{ واتخذوا من دون الله ألهة لعلهم ينصرون °° لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون } [ يس 74. 75 ]
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله ، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه، أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت.
و بالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان كما قال تعالى: { لا تجعل مع الله إلها أخر فتقعد ملوما مخذولا } [ الإسراء 22 ] مذموما: لا حامد لك. مخذولا: لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهورا محمودا كالذي قُهر بباطل، وقد يكون مذموما منصورا كالذي قَهر وتسلط بباطل، وقد يكون محمودا منصورا كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قِسمُهُ أردأ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور.
· المفسد الرابع: الطعام:
والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسد لعينه وذاته كالمحرمات، وهي نوعان:
محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطيور.
ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضى صاحبه، إما قهرا أو حياء وتذمما.
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال والشبع المفرط، فإنه يثقل من الطاعات ويشغل بمزاولة مؤنة البِطنة ومحاولتها، حتى يظفر بها. فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها وقوى عليه مواد الشهوة وطرق مجاري الشيطان ووسعها فإنه يجري من ابن أدم مجرى الدم.فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يُطَرِقُها ويوسعها.ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث الشريف { ما ملأ آدمي وعاءا شرا من بطنه. بحسب ابن أدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِه } [ الترمذي وأحمد والحاكم وصححه الألباني] .
المفسد الخامس: كثرة النوم:
فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير النافع للبدن. وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أنفع من أخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ولا سيما نوم العصر. ونوم أول النهار إلا لسهران.
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة .ومنه ينشأ النهار، ويَنسَحبُ حكم جميعه على حكم تلك الحِصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة إنحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه، فهو مكروها شرعا وطبعا، والله المستعان.
أسباب شرح الصدر
وقال الإمام ابن القيم أيضا: فأعظم أسباب شرح الصدر:
1. التوحيد: وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه.
قال الله تعالى:" أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" [الزمر: 22 ]
وقال تعالى:" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء" [ الأنعام 125].
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه.
ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو نور الإيمان فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب. فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج وصار في أضيق سجن وأصعبه.
وقد روى الترمذي في " جامعه " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ إذا دخل النور القلب، انفسخ وانشرح.قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله}
فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من ذلك النور، كذلك النور الحسي، والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه.
ومنها: العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدرا وأوسعهم قلوبا وأحسنهم أخلاقا وأطيبهم عيشا.
ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته فلا شيء أشرح للصدر من ذلك، حتى أنه ليقول أحيانا: إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب، وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب، لايعرفه إلا من له حس به، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قذى عينه ومخالطتهم حمى روحه.
ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا ، ولا أنكد عيشا، ولا أتعب قلبا. فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح وغذاؤها ودواؤها، بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب، وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه.
ومحبة هي عذاب الروح،وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه سبحانه.
ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن. فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان: فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا أنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه ويعفى أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه. فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه.
ومنها: الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب. والجبان: أضيق الناس صدرا، وأحصرهم قلبا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها، فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل بخيل وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره، جاهل بالله وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه،متعلق القلب بغيره. وأن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضا وجنة، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا، فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر، نعيما وعذابا وسجنا وانطلاقا، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض، ولا يضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراح وحبسه، فهي الميزان.والله المستعان.
ومنها:بل من أعظمها : إخراج دغل القلب وهو من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه وتحول بينه وبين حصول البرء ، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره، لم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحظ من انشراح صدره بطائل وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه وهو للمادة الغالبة عليه منها.
ومنها ترك فضول النظر والكلام والاستمتاع والمخالطة والأكل والنوم، فإن هذه الفضول تستحيل ألاما وغموما وهموما في القلب تحصره وتحبسه ، وتضيقه ويتعذب بها ، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله، ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم، وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله وما أشد حصر قلبه! ولا إله إلا الله، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم، وكانت همته دائرة عليها حائمة حولها ! فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: " إن الأبرار لفي نعيم" [ الانفطار 13 ] ولذلك نصيب من قوله تعالى:" وإن الفجار لفي جحيم" [الانفطار 14 ]، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى.
والمقصود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرة العين وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة ، وقرة العين مع ما خص به صلى الله عليه وسلم من الشرح الحسي.
وأكمل الخلق متابعة له، أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال، فهو صلى الله عليه وسلم في ذروة الكمال من شرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من إتباعه . والله المستعان.
وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم وعصمته إياهم، ودفعته عنهم، وإعزازه لهم ، ونصره لهم بحسب نصيبهم من المتابعة، فمستقل ومستكثر، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

تمت هذه المحاولة الصغيرة بعون الله سبحانه وتعالى فله الحمد والمنة

batina
2010-06-04, 22:03
بارك الله فيك المعلومات المفيدة اللهم اعصمنا عن مميتات القوب
مشكوور

محبة الحبيب
2010-06-04, 22:10
بسم الله الرحمن الرحيم


مفسدات القلب الخمسة
ويليها
أسباب شرح الصدر
من كلام ابن القيم الجوزية

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات القلب الخمسة فهي التي أشار إليها من كثرة المخالطة والتمني والتعلق بغير الله والشبع والمنام فهذه الخمسة من أكثر مفسدات القلب.
· المفسد الأول: كثرة المخالطة:
فأما ما تؤثره كثرة المخالطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني أدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما و ضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم ، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة ؟
هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة، وحركت من محنة وعطلت من منحة وأحلت من رزية وأوقعت في بلية وهل آفة الناس إلا الناس؟
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا وقضاء وطر بعضهم من بعض- تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة و يعض المخلط عليها يديه ندما، كما قال تعالى:"ويوم يعض الظلم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ** يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ** لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني " [الفرقان: 27- 29 ] وقال تعالى :"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" [ الزخرف: 67 ] وقال خليله إبراهيم لقومه في القرآن:" إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" [العنكبوت : 25] وهذا شأن كل مشتركين في غرض. يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزنا وانقلبت تلك المودة بغضا ولعنة وذما من بعضهم البعض.
والضابط النافع في أمر الخلطة : أن يخالط الناس في الخير-كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم والجهاد والنصيحة- ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.
فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له وتعظيم، وثناء عليه منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له ومقت وذم منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين. فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة وأحمد مالا.
وإن دعت الحاجة إلى خلطته في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.
· المفسد الثاني: ركوب بحر التمني:
وهو بحر لا ساحل له، وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم ، كما قيل: 'إن المنى رأس مفاليس العالم'. فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة والخيالات الباطلة تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية ،ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية بل اعتاضت عنها بالأماني الذهنية ، وكل بحسب حاله: متمن للقدوة والسلطان وللضرب في الأرض والطواف في البلدان ، أو الأموال والأثمان أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها ، فبينما هو على هذا الحال ، إذا استيقظ فإذا يده والحصير..
وصاحب الهمة العليا أمانيه حائمة حول العلم والإيمان ، والعمل الذي يقربه من الله ويدنيه من جواره ، فأماني هذا إيمان ونور وحكمة . وأماني هؤلاء خدع وغرور.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمني الخير وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله
· المفسد الثالث: التعلق بغير الله تبارك وتعالى:
وهذا من أعظم المفسدات على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل، بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل ولا إلى ما أمَله ممن تعلق به وصل
قال تعالى: { واتخذوا من دون الله ألهة ليكونوا لهم عزا°°كلا سيكفرون بعابدتهم ويكونون عليهم ضدا } [ مريم 81 . 82 ] وقال تعالى :{ واتخذوا من دون الله ألهة لعلهم ينصرون °° لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون } [ يس 74. 75 ]
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله ، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه، أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت.
و بالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان كما قال تعالى: { لا تجعل مع الله إلها أخر فتقعد ملوما مخذولا } [ الإسراء 22 ] مذموما: لا حامد لك. مخذولا: لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهورا محمودا كالذي قُهر بباطل، وقد يكون مذموما منصورا كالذي قَهر وتسلط بباطل، وقد يكون محمودا منصورا كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قِسمُهُ أردأ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور.
· المفسد الرابع: الطعام:
والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسد لعينه وذاته كالمحرمات، وهي نوعان:
محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطيور.
ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضى صاحبه، إما قهرا أو حياء وتذمما.
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال والشبع المفرط، فإنه يثقل من الطاعات ويشغل بمزاولة مؤنة البِطنة ومحاولتها، حتى يظفر بها. فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها وقوى عليه مواد الشهوة وطرق مجاري الشيطان ووسعها فإنه يجري من ابن أدم مجرى الدم.فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يُطَرِقُها ويوسعها.ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث الشريف { ما ملأ آدمي وعاءا شرا من بطنه. بحسب ابن أدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِه } [ الترمذي وأحمد والحاكم وصححه الألباني] .
المفسد الخامس: كثرة النوم:
فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير النافع للبدن. وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أنفع من أخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ولا سيما نوم العصر. ونوم أول النهار إلا لسهران.
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة .ومنه ينشأ النهار، ويَنسَحبُ حكم جميعه على حكم تلك الحِصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة إنحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه، فهو مكروها شرعا وطبعا، والله المستعان.
أسباب شرح الصدر
وقال الإمام ابن القيم أيضا: فأعظم أسباب شرح الصدر:
1. التوحيد: وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه.
قال الله تعالى:" أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" [الزمر: 22 ]
وقال تعالى:" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء" [ الأنعام 125].
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه.
ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو نور الإيمان فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب. فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج وصار في أضيق سجن وأصعبه.
وقد روى الترمذي في " جامعه " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ إذا دخل النور القلب، انفسخ وانشرح.قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله}
فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من ذلك النور، كذلك النور الحسي، والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه.
ومنها: العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدرا وأوسعهم قلوبا وأحسنهم أخلاقا وأطيبهم عيشا.
ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته فلا شيء أشرح للصدر من ذلك، حتى أنه ليقول أحيانا: إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب، وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب، لايعرفه إلا من له حس به، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قذى عينه ومخالطتهم حمى روحه.
ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا ، ولا أنكد عيشا، ولا أتعب قلبا. فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح وغذاؤها ودواؤها، بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب، وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه.
ومحبة هي عذاب الروح،وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه سبحانه.
ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن. فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان: فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا أنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه ويعفى أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه. فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه.
ومنها: الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب. والجبان: أضيق الناس صدرا، وأحصرهم قلبا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها، فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل بخيل وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره، جاهل بالله وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه،متعلق القلب بغيره. وأن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضا وجنة، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا، فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر، نعيما وعذابا وسجنا وانطلاقا، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض، ولا يضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراح وحبسه، فهي الميزان.والله المستعان.
ومنها:بل من أعظمها : إخراج دغل القلب وهو من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه وتحول بينه وبين حصول البرء ، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره، لم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحظ من انشراح صدره بطائل وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه وهو للمادة الغالبة عليه منها.
ومنها ترك فضول النظر والكلام والاستمتاع والمخالطة والأكل والنوم، فإن هذه الفضول تستحيل ألاما وغموما وهموما في القلب تحصره وتحبسه ، وتضيقه ويتعذب بها ، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله، ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم، وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله وما أشد حصر قلبه! ولا إله إلا الله، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم، وكانت همته دائرة عليها حائمة حولها ! فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: " إن الأبرار لفي نعيم" [ الانفطار 13 ] ولذلك نصيب من قوله تعالى:" وإن الفجار لفي جحيم" [الانفطار 14 ]، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى.
والمقصود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرة العين وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة ، وقرة العين مع ما خص به صلى الله عليه وسلم من الشرح الحسي.
وأكمل الخلق متابعة له، أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال، فهو صلى الله عليه وسلم في ذروة الكمال من شرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من إتباعه . والله المستعان.
وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم وعصمته إياهم، ودفعته عنهم، وإعزازه لهم ، ونصره لهم بحسب نصيبهم من المتابعة، فمستقل ومستكثر، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

تمت هذه المحاولة الصغيرة بعون الله سبحانه وتعالى فله الحمد والمنة

جزاك الله خيرا

كلام ابن القيم الجوزية فيه الخير الكثير

algeriano231
2010-09-15, 19:17
شكرا للاخت باتنية و لمحبة الحبيب
انرتما صفحتي

مشري85
2010-09-15, 19:44
http://www.iraqup.com/uploads/20090613/q3P5B-yeE1_664075767.gif


شكرااااا