بوكابوس
2010-05-28, 00:55
ملخص الخطبة
1- وصية الأنبياء بالإيمان والثبات عليه 2- تفاوت إيمان الناس بالغيب 3- الإيمان منزلة لا يدركها بعض من يدعيها 4- العلاج لهذه الفاحشة 5- اختلاف أهل البدع في حقيقة الإيمان 6- خوف المؤمنين من الله وخوفهم من النفاق 7- ينبغي أن يظهر أثر الإيمان في سلوكنا 8- من الإيمان التحاكم إلى شرع الله ونبذ شرائع غيره
الخطبة الأولى
أيها المسلمون: والإيمان هو الحقيقة الكبرى في هذا الوجود من أجلها خلق الله الخلق وبعث الأنبياء وأنزلت الكتب: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنبياء:25].
والإيمان هو ميدان الصراع بين الحق والباطل، وأوذي وفتن من أجله المؤمنون ولم يسلم من التهديد والمطاردة في سبيله المرسلون: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif الم http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [العنكبوت:102-103].
وقال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [إبراهيم :13-14].
وقال تعالى http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأعراف:88].
والإيمان لاهميته تواصى به الانبياء عليهم السلام: كما قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:133].
ومازال محل تذكير الآباء للابناء حتى حضور الموت: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif.
أيها المسلون: الإيمان الحق هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والإيمان الحق هو التصديق الجازم بعالمي الغيب والشهادة، وإذا تساوى الناس في الإيمان بعالم الشهادة، وهو ما يشاهدونه حاضرا بأم أعينهم تفاوتوا في الإيمان بالغيب الذي غيبه الله عن أنظارهم وحواسهم في هذه الحياة، وأخبرهم عنه خبر صدق في كتبه المنزلة وبواسطة أصدق خلقه من أخبار الأمم الماضية وأهوال يوم القيامة وأشراط الساعة ونحوها.
هنا يتفاوت الناس حسب إيمانهم، فمنهم من يؤمن بها كأنه يراها رأي العين، ومنهم من يجحد وينكر، وما يجحد بآيات الله إلا الظالمون، ومنهم من يبقى شاكا مترددا فإن لم يرد الله به خير ويهديه للإيمان عاش معذبا في هذه الحياة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى...نسأل الله السلامة والعصمة.
عباد الله: والإيمان بالله منزلة علية تشرأب لها الأعناق، والإيمان بالله ملاذ عند الشدائد والكروب، ولذا فليس كل من ادعى الإيمان مؤمنا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحجرات:14].
بل لقد ادعاه فرعون حين أحس الهلاك ففضحه الله وجعله عبرة للمعتبرين http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifحتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ءالئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [يونس:90-92].
وإذا كان الأمر كذلك فما هي حقيقة الإيمان؟ وما نوع الأعمال التي تبلغ بصاحبها إلى هذه المنزلة الرفيعة.
يعرف علماء السنة والجماعة الإيمان بأنه: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ويزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
ويعنون بقول اللسان: النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما.
أما اعتقاد القلب فهو: النية والإخلاص والمحبة والانقياد والاقبال على الله والتوكل عليه ولزام ذلك وتوابعه.
أما عمل بالجوارح فهو: عمل الصالحات القولية والفعلية والواجبة والمسنونة مما يندرج تحت شعب الإيمان التي قال النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).
وهذا المفهوم الواضح الشامل للإيمان يرد على الطوائف الضالة التي يعتقد بعضها أن الإيمان مجرد لاصق وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كالمرجئة ومن سايرهم، ويرد كذلك على الذين يكفرون بالذنب الذي يرتكبه المسلم وهم الخوارج ومن شايعهم، أو يغالون في الدين وينسبون لله ما ليس منه كالرافضة والباطنية على اختلاف نحلهم.
إخوة الإسلام: الإيمان الحق اعتقاد للمبدأ الحق وثبات عليه دون تردد أو ارتياب http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسله ثم لم يرتابواhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn1).
وهو جهاد بالمال والنفس وتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحجرات:15].
الإيمان الحق خوف من الجليل يقود لفعل الجميل والتوكل على العزيز الرحيم http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:2].
http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المؤمنون:60].
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق ولكنهم يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn2))).
قال سفيان بن عيينة: كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم إلى بعض هؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه(5) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn3).
خوف المؤمنون يا عباد الله ليس خوفا سلبيا يقعد بهم عن عمل الصالحات، لكنه تخوف من عدم القبول لكونهم قصروا في شروط القبول يدفعهم إلى تحسين العمل واتقانه وهو خوف من أن يسلب منهم هذا الإيمان ،وهو يدفعهم إلى مزيج العناية به واستشعار حلاوته قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((ما لي لا أرى حلاوة الإيمان تظهر عليكم، والذي نفسي بيده لو إن دب الغابة وجد طعم الإيمان لظهر عليه حلاوته، وما خاف عبد على إيمانه إلا منحه، وما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه(6) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn4))).
خوف المؤمنين صيانة للنفس عن النفاق الذي تبدو صورته الظاهرة حسنة للعيان، والله أعلم بما تكن الصدور وتنطوي عليه القلوب من الكفر والعصيان، ولذا أخرج البخاري في صحيحه تعليقا ووصله غيره عن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه(7) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn5).
وقال الحسن البصري رحمه الله: والله ما أصبح ولا أمسى على وجه الأرض مؤمن إلا ويخاف النفاق على نفسه، وما أمن النفاق إلا منافق(8) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn6).
أيها المسلمون: الإيمان الحق الذي نحتاجه جميعا هو عدل في القول ووفاء بالعهد ونطق بالحق وسكوت عن الباطل: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:125].
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)).
وهو خلق رفيع وحسن أدب مع الخالق والمخلوق: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn7))).
وهو لحسن خلقه وكرمه لا يتفطن للشر وقد جاء في الحديث الحسن: ((المؤمن غِر كريم، والفاجر خب لئيم(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn8))).
والمعنى كما قال صاحب النهاية: إن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة وقلة فطنته للشر وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلا ولكن كرم وحسن خلق(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn9).
والمؤمن الحق يتجاوز دائرة ذاته ويهتم ويألم لأحوال إخوانه قال عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس(1) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn10))).
وهو بين الناس طلق المحيا، كريم الندى، لطيف المعشر يألف ويؤلف ((ولا خير من لا يألف وخير الناس أنفعهم للناس(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn11)))
وهو مع ذلك كله آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif والمؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:71].
وبالجملة فأهل الإيمان هم المحافظون على جلائل الأعمال القولية والفعلية مثل قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif قد أفلح المؤمنون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif الذين هم في صلاتهم خاشعون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم عن اللغو معرضون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم للزكاة فاعلون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم لفروجهم حافظون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم على صلواتهم يحافظون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المؤمنون:1-9].
جعلني الله وإياكم من أهل الإيمان ونفعني بهدي القرآن . . الخ.
(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref1) انظر : معارج القبول ، الحكمي 1/20-30
(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref2) رواه أحمد و الترمذي .
(5) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref3) الإيمان لابن تيمية /60
(6) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref4) أخرحة البيهقي في شعب الإيمان .. ثلاث شعب ….1/191
(7) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref5) انظر : الفتح 1/109
(8) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref6) رواه البيهقي في الشعب ، ورواه البخاري طرفاً منه ، الفتح 1/111، الشعب 1/191 192
(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref7) أخرجه أحمد ،وغيره بسند صحيح ، وصحيح الجامع 5/89
(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref8) رواه أبو داود و الترمذى و الحاكم ، وصحيح الجامع 5/89
(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref9) النهاية في غريب الحديث والأثر ، ابن الأثير ، 3/354 ، 355
(1) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref10) حديث حسن رواه أحمد عن سهيل بن سعد ، صحيح الجامع 6/7
(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref11) صحيح الجامع 6/7
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين انعم على عباده المؤمنين إذ هداهم للإيمان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرح صدور المسلمين للإيمان فهم على نور من ربهم، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أكمل المؤمنين إيمانا وأحسنهم خلقا اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون: والإيمان ضمان للثبات في مواقف الامتحان وهو مركب للنجاة في طوفان الفتن والمحن، به يميز الله الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:179].
يفرق المؤمنين بين عذاب الله وفتنه الناس، يصبرون على البلوى ويشكرون على السراء ((عجبا لأمر المؤمن إن اصابته ضراء صبر وكان خير له)) وفي حديث آخر: ((المؤمن بخير على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله(2 (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn1)))).
والإيمان معلم هاد في بيداء الصحارى المهلكة إذا تاه الدليل أو خيم الظلام أو كان حبيس الغم أو ضاقت على المرء الضوائق فيؤنسه الإيمان بخالقه ويتسع له المكان مهما كان ضيقاً ومنعزلاً: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنبياء:87-88].
http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الكهف:16].
الإيمان الحق سبب للأمان إذا انتشر الرعب وساد القلق وتخطف الناس ولم يأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:82].
والمؤمنون هم الذين تزيدهم الشدائد ثباتا ورؤيتهم لتكالب الأعداء عليهم إيمانا وتسليما http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:22].
أما غير المؤمنين فتطير قلوبهم لكل نازلة http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:19].
والمؤمنون رحماء بينهم هينون لينون كافون عن الأذى باذلون للمروءة والندى، وليس من الإيمان إيذاء المؤمنين قولا وفعلا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:58].
المؤمنون يتحاكمون إلى شرع الله ويرضون بالإسلام حكما ولا يجدون في انفسهم حرجا بل يرضون ويسلمون تسليما http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النور:51].
أما غير المؤمنين فيأنفون من حكم الله ويتحاكمون إلى الطاغوت http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله وأولئك هم الظالمون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النور:48-50].
المؤمنون حقا يتحرون الحلال في مطعمهم ومشربهم وملبسهم، وهم حريصون على الحلال جمعا وإنفاقا لا يشربون الخمر ولا ياكلون السحت ولا يتعاملون بالربا أو ضروب المعاملات المحرمة الأخرى في البيع والشراء، نفقتهم عدل ووسط بين التقتير والإسراف، أمرهم ربهم بالحلال فامتثلوا، ونهاهم عن الحرام فانتهوا، قال لهم في الأولى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif يا أيها الذين امنوا كلوا من طبيات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:172]. وقال لهم في الأخرى http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفحلون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif وقال كذلك: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif يا أيها الذين ءامنوا لا تاكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المائدة:90].
أما غير المؤمنين فلا يتورعون عن الحرام ولا يحتاطون في الحلال، أمرهم فرط ، وربما ملكوا القناطير المقنطرة، وقد يخيل لمن لا يعرفهم أنهم من شدة اللهاث جوعى، وربما انقلبت موازينهم فجأة فأصبح الغني فقيرا، والدائن مدينا، فلا الإيمان أسعفهم بالنزاهة والشكر على المال جمعا، وليس غير الإيمان يسليهم على فقده صبرا http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif من يهن الله فما له من مكرم http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحج:18].
عباد الله: هذه دعوة لنا جميعا لنعلم حقيقة الإيمان ونتخلق بأخلاق الإسلام، وليست حصرا لحقائق الإيمان ولا احصاء لصفات المؤمنين، لكنها الاشارة بالبعض إلى الكل، أما النتيجة التي يجب أن نخلص إليها فهي أن الإيمان ليس بضاعة مزجاة تباع وتشترى بأبخس الأثمان أو مجرد دعوى وألقاب تجوز على كل لسان، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان نهج متكامل، فهو عبادة الله خاشعة ومعاملة لخلقه كريمة، وأخلاق رفيعة، هو كسب نظيف وإنفاق مشروع.
الإيمان الحق اعتقاد سليم وعمل صحيح، جهاد وتضحية، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولاء وبراء، مظهر ومخبر، بذل للندى، وكف عن الاذى، وخروج عن الأنانية المقيتة ونصرة للنفس المسلمة المظلومة.
وبهذا يتبين خطأ نظرتين للإيمان إحداهما جافية، والأخرى غالية.
أما الجافية فترى أن مجرد الإيمان بالله كاف حتى وإن ضيعت الصلاة وقُصر في أداء الزكاة واختلطت المعاملات الحلال بالحرام، بل يكثر هذا الصنف الجافي من القول: لا داعي للتركيز على المظاهر، فالمخابر هي الأساس، وهؤلاء يهدمون الإسلام لبنة لبنة، حتى إذا لم يبق إلا شبح البناء تهاوى وبكى على الأطلال.
أما الصنف الغالي فهم يعظمون الصغير ويكفرون على الذنب الكبير، وربما فتحوا معارك في خطأ علاجه بالحسنى أجدى وأولى، وربما جعلوا احتقار الناس دينا والتنقص من أمرهم دينا وشرعا والله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النجم:32].
إن دين الله هو وسط بين الغالي والجافي، والحكم عند التنازع: كتاب الله وسنة رسوله صلى عليه وسلم ونظرة واسعة لهما وفهم عميق.
اللهم سددنا في أقوالنا وأفعالنا، وهب لنا ايمانا تصلح به سرائرنا وعلانيتنا. . .الخ.
(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref1) صحيح الجامع
1- وصية الأنبياء بالإيمان والثبات عليه 2- تفاوت إيمان الناس بالغيب 3- الإيمان منزلة لا يدركها بعض من يدعيها 4- العلاج لهذه الفاحشة 5- اختلاف أهل البدع في حقيقة الإيمان 6- خوف المؤمنين من الله وخوفهم من النفاق 7- ينبغي أن يظهر أثر الإيمان في سلوكنا 8- من الإيمان التحاكم إلى شرع الله ونبذ شرائع غيره
الخطبة الأولى
أيها المسلمون: والإيمان هو الحقيقة الكبرى في هذا الوجود من أجلها خلق الله الخلق وبعث الأنبياء وأنزلت الكتب: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنبياء:25].
والإيمان هو ميدان الصراع بين الحق والباطل، وأوذي وفتن من أجله المؤمنون ولم يسلم من التهديد والمطاردة في سبيله المرسلون: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif الم http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [العنكبوت:102-103].
وقال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [إبراهيم :13-14].
وقال تعالى http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأعراف:88].
والإيمان لاهميته تواصى به الانبياء عليهم السلام: كما قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:133].
ومازال محل تذكير الآباء للابناء حتى حضور الموت: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif.
أيها المسلون: الإيمان الحق هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والإيمان الحق هو التصديق الجازم بعالمي الغيب والشهادة، وإذا تساوى الناس في الإيمان بعالم الشهادة، وهو ما يشاهدونه حاضرا بأم أعينهم تفاوتوا في الإيمان بالغيب الذي غيبه الله عن أنظارهم وحواسهم في هذه الحياة، وأخبرهم عنه خبر صدق في كتبه المنزلة وبواسطة أصدق خلقه من أخبار الأمم الماضية وأهوال يوم القيامة وأشراط الساعة ونحوها.
هنا يتفاوت الناس حسب إيمانهم، فمنهم من يؤمن بها كأنه يراها رأي العين، ومنهم من يجحد وينكر، وما يجحد بآيات الله إلا الظالمون، ومنهم من يبقى شاكا مترددا فإن لم يرد الله به خير ويهديه للإيمان عاش معذبا في هذه الحياة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى...نسأل الله السلامة والعصمة.
عباد الله: والإيمان بالله منزلة علية تشرأب لها الأعناق، والإيمان بالله ملاذ عند الشدائد والكروب، ولذا فليس كل من ادعى الإيمان مؤمنا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحجرات:14].
بل لقد ادعاه فرعون حين أحس الهلاك ففضحه الله وجعله عبرة للمعتبرين http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifحتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ءالئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [يونس:90-92].
وإذا كان الأمر كذلك فما هي حقيقة الإيمان؟ وما نوع الأعمال التي تبلغ بصاحبها إلى هذه المنزلة الرفيعة.
يعرف علماء السنة والجماعة الإيمان بأنه: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ويزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
ويعنون بقول اللسان: النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما.
أما اعتقاد القلب فهو: النية والإخلاص والمحبة والانقياد والاقبال على الله والتوكل عليه ولزام ذلك وتوابعه.
أما عمل بالجوارح فهو: عمل الصالحات القولية والفعلية والواجبة والمسنونة مما يندرج تحت شعب الإيمان التي قال النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).
وهذا المفهوم الواضح الشامل للإيمان يرد على الطوائف الضالة التي يعتقد بعضها أن الإيمان مجرد لاصق وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كالمرجئة ومن سايرهم، ويرد كذلك على الذين يكفرون بالذنب الذي يرتكبه المسلم وهم الخوارج ومن شايعهم، أو يغالون في الدين وينسبون لله ما ليس منه كالرافضة والباطنية على اختلاف نحلهم.
إخوة الإسلام: الإيمان الحق اعتقاد للمبدأ الحق وثبات عليه دون تردد أو ارتياب http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسله ثم لم يرتابواhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn1).
وهو جهاد بالمال والنفس وتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحجرات:15].
الإيمان الحق خوف من الجليل يقود لفعل الجميل والتوكل على العزيز الرحيم http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:2].
http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المؤمنون:60].
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق ولكنهم يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn2))).
قال سفيان بن عيينة: كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم إلى بعض هؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه(5) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn3).
خوف المؤمنون يا عباد الله ليس خوفا سلبيا يقعد بهم عن عمل الصالحات، لكنه تخوف من عدم القبول لكونهم قصروا في شروط القبول يدفعهم إلى تحسين العمل واتقانه وهو خوف من أن يسلب منهم هذا الإيمان ،وهو يدفعهم إلى مزيج العناية به واستشعار حلاوته قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((ما لي لا أرى حلاوة الإيمان تظهر عليكم، والذي نفسي بيده لو إن دب الغابة وجد طعم الإيمان لظهر عليه حلاوته، وما خاف عبد على إيمانه إلا منحه، وما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه(6) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn4))).
خوف المؤمنين صيانة للنفس عن النفاق الذي تبدو صورته الظاهرة حسنة للعيان، والله أعلم بما تكن الصدور وتنطوي عليه القلوب من الكفر والعصيان، ولذا أخرج البخاري في صحيحه تعليقا ووصله غيره عن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه(7) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn5).
وقال الحسن البصري رحمه الله: والله ما أصبح ولا أمسى على وجه الأرض مؤمن إلا ويخاف النفاق على نفسه، وما أمن النفاق إلا منافق(8) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn6).
أيها المسلمون: الإيمان الحق الذي نحتاجه جميعا هو عدل في القول ووفاء بالعهد ونطق بالحق وسكوت عن الباطل: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:125].
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)).
وهو خلق رفيع وحسن أدب مع الخالق والمخلوق: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn7))).
وهو لحسن خلقه وكرمه لا يتفطن للشر وقد جاء في الحديث الحسن: ((المؤمن غِر كريم، والفاجر خب لئيم(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn8))).
والمعنى كما قال صاحب النهاية: إن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة وقلة فطنته للشر وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلا ولكن كرم وحسن خلق(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn9).
والمؤمن الحق يتجاوز دائرة ذاته ويهتم ويألم لأحوال إخوانه قال عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس(1) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn10))).
وهو بين الناس طلق المحيا، كريم الندى، لطيف المعشر يألف ويؤلف ((ولا خير من لا يألف وخير الناس أنفعهم للناس(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn11)))
وهو مع ذلك كله آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif والمؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:71].
وبالجملة فأهل الإيمان هم المحافظون على جلائل الأعمال القولية والفعلية مثل قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif قد أفلح المؤمنون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif الذين هم في صلاتهم خاشعون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم عن اللغو معرضون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم للزكاة فاعلون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم لفروجهم حافظون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif والذين هم على صلواتهم يحافظون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المؤمنون:1-9].
جعلني الله وإياكم من أهل الإيمان ونفعني بهدي القرآن . . الخ.
(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref1) انظر : معارج القبول ، الحكمي 1/20-30
(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref2) رواه أحمد و الترمذي .
(5) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref3) الإيمان لابن تيمية /60
(6) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref4) أخرحة البيهقي في شعب الإيمان .. ثلاث شعب ….1/191
(7) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref5) انظر : الفتح 1/109
(8) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref6) رواه البيهقي في الشعب ، ورواه البخاري طرفاً منه ، الفتح 1/111، الشعب 1/191 192
(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref7) أخرجه أحمد ،وغيره بسند صحيح ، وصحيح الجامع 5/89
(3) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref8) رواه أبو داود و الترمذى و الحاكم ، وصحيح الجامع 5/89
(4) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref9) النهاية في غريب الحديث والأثر ، ابن الأثير ، 3/354 ، 355
(1) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref10) حديث حسن رواه أحمد عن سهيل بن سعد ، صحيح الجامع 6/7
(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref11) صحيح الجامع 6/7
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين انعم على عباده المؤمنين إذ هداهم للإيمان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرح صدور المسلمين للإيمان فهم على نور من ربهم، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أكمل المؤمنين إيمانا وأحسنهم خلقا اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون: والإيمان ضمان للثبات في مواقف الامتحان وهو مركب للنجاة في طوفان الفتن والمحن، به يميز الله الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:179].
يفرق المؤمنين بين عذاب الله وفتنه الناس، يصبرون على البلوى ويشكرون على السراء ((عجبا لأمر المؤمن إن اصابته ضراء صبر وكان خير له)) وفي حديث آخر: ((المؤمن بخير على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله(2 (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftn1)))).
والإيمان معلم هاد في بيداء الصحارى المهلكة إذا تاه الدليل أو خيم الظلام أو كان حبيس الغم أو ضاقت على المرء الضوائق فيؤنسه الإيمان بخالقه ويتسع له المكان مهما كان ضيقاً ومنعزلاً: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنبياء:87-88].
http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الكهف:16].
الإيمان الحق سبب للأمان إذا انتشر الرعب وساد القلق وتخطف الناس ولم يأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:82].
والمؤمنون هم الذين تزيدهم الشدائد ثباتا ورؤيتهم لتكالب الأعداء عليهم إيمانا وتسليما http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:22].
أما غير المؤمنين فتطير قلوبهم لكل نازلة http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:19].
والمؤمنون رحماء بينهم هينون لينون كافون عن الأذى باذلون للمروءة والندى، وليس من الإيمان إيذاء المؤمنين قولا وفعلا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:58].
المؤمنون يتحاكمون إلى شرع الله ويرضون بالإسلام حكما ولا يجدون في انفسهم حرجا بل يرضون ويسلمون تسليما http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النور:51].
أما غير المؤمنين فيأنفون من حكم الله ويتحاكمون إلى الطاغوت http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله وأولئك هم الظالمون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النور:48-50].
المؤمنون حقا يتحرون الحلال في مطعمهم ومشربهم وملبسهم، وهم حريصون على الحلال جمعا وإنفاقا لا يشربون الخمر ولا ياكلون السحت ولا يتعاملون بالربا أو ضروب المعاملات المحرمة الأخرى في البيع والشراء، نفقتهم عدل ووسط بين التقتير والإسراف، أمرهم ربهم بالحلال فامتثلوا، ونهاهم عن الحرام فانتهوا، قال لهم في الأولى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif يا أيها الذين امنوا كلوا من طبيات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:172]. وقال لهم في الأخرى http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفحلون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif وقال كذلك: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif يا أيها الذين ءامنوا لا تاكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المائدة:90].
أما غير المؤمنين فلا يتورعون عن الحرام ولا يحتاطون في الحلال، أمرهم فرط ، وربما ملكوا القناطير المقنطرة، وقد يخيل لمن لا يعرفهم أنهم من شدة اللهاث جوعى، وربما انقلبت موازينهم فجأة فأصبح الغني فقيرا، والدائن مدينا، فلا الإيمان أسعفهم بالنزاهة والشكر على المال جمعا، وليس غير الإيمان يسليهم على فقده صبرا http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif من يهن الله فما له من مكرم http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحج:18].
عباد الله: هذه دعوة لنا جميعا لنعلم حقيقة الإيمان ونتخلق بأخلاق الإسلام، وليست حصرا لحقائق الإيمان ولا احصاء لصفات المؤمنين، لكنها الاشارة بالبعض إلى الكل، أما النتيجة التي يجب أن نخلص إليها فهي أن الإيمان ليس بضاعة مزجاة تباع وتشترى بأبخس الأثمان أو مجرد دعوى وألقاب تجوز على كل لسان، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان نهج متكامل، فهو عبادة الله خاشعة ومعاملة لخلقه كريمة، وأخلاق رفيعة، هو كسب نظيف وإنفاق مشروع.
الإيمان الحق اعتقاد سليم وعمل صحيح، جهاد وتضحية، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولاء وبراء، مظهر ومخبر، بذل للندى، وكف عن الاذى، وخروج عن الأنانية المقيتة ونصرة للنفس المسلمة المظلومة.
وبهذا يتبين خطأ نظرتين للإيمان إحداهما جافية، والأخرى غالية.
أما الجافية فترى أن مجرد الإيمان بالله كاف حتى وإن ضيعت الصلاة وقُصر في أداء الزكاة واختلطت المعاملات الحلال بالحرام، بل يكثر هذا الصنف الجافي من القول: لا داعي للتركيز على المظاهر، فالمخابر هي الأساس، وهؤلاء يهدمون الإسلام لبنة لبنة، حتى إذا لم يبق إلا شبح البناء تهاوى وبكى على الأطلال.
أما الصنف الغالي فهم يعظمون الصغير ويكفرون على الذنب الكبير، وربما فتحوا معارك في خطأ علاجه بالحسنى أجدى وأولى، وربما جعلوا احتقار الناس دينا والتنقص من أمرهم دينا وشرعا والله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى http://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النجم:32].
إن دين الله هو وسط بين الغالي والجافي، والحكم عند التنازع: كتاب الله وسنة رسوله صلى عليه وسلم ونظرة واسعة لهما وفهم عميق.
اللهم سددنا في أقوالنا وأفعالنا، وهب لنا ايمانا تصلح به سرائرنا وعلانيتنا. . .الخ.
(2) (http://www.islamdoor.com/k/81.htm#_ftnref1) صحيح الجامع