ابو إبراهيم
2008-02-11, 13:55
------------------------------------------ بسم الله الرحمن الرحيم ------------------------------------------
الشيخ محمود المراكبي في حوار خاص بموقع الصوفية:
حاوره من القاهرة: محمد عبد العزيز
* كيف ترى الفرق بين صوفية الماضي وصوفية الحاضر؟ وأيهما اخطر؟
- بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..
فحين بدأ التصوف في القرن الثالث الهجري، لم يكن التصوف في ذلك الوقت أكثر من الزهد في الدنيا والإقبال على الله والتزود من الطاعات والإكثار من النوافل بغرض تهذيب النفس والتخفف من الشهوات.
ولكن سرعان ما دخلت فيه التيارات الفلسفية والفكرية فظهر أبو سعيد الخراز وظهرت فكرة الفناء والبقاء، ثم بدأت فكرة الفناء تأخذ أبعاداً جديدة، فبدلا من أن تعني فناء الصفات البشرية بصفات طيبة من صفات الكمال والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى دخلت المسألة في انصراف صفات البشر إلى حلول صفات الحق تبارك وتعالى فدخل فيها نوع من أنواع الحلول ولكن حلول في الصفات إلى أن وصل إلى الحلاج والبسطامي حيث بدأت المسألة تأخذ بُعد الفلسفة الاتحادية والحلولية المعروفة عند الإغريق والهندوغيرهما من الثقافات.
وزادت المسألة بعد ذلك بمجيء محي الدين بن عربي وظهور مسألة الإنسان الكامل التي أخرجت الفكر الصوفي من دائرة الإسلام، و إذا تتبعت كلام محي الدين بن عربي وكلام ابن سبعين وكلام ابن الفارض تجد أنك أمام رسالة أخرى لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم جاء بعد ذلك جماعة من الجهلة، بعيدين عن الفهم والعلم والتعلم فأخذوا مفردات كلمات محي الدين بن عربي ووضعوها في الأوراد الخاصة بهم ونقلوها للمريدين الموجودين حاليًا، وهم مجموعة من الجهلة الذين لايفهمون ما يرددون، فأصبحت المسألة مسألة صورية لا فكرموجود فيها ولا وراءها علم ولا وراءها شيء سوى تقليد واتباع أسلافهم على جهل، والمصالح والمكاسب هي اللي تحركهم الآن.
* هل يشكلون اليوم امتدادا أم مزيد انحراف ؟
- أنا كنت في طريق صوفي ومكثت في هذا الطريق 14 سنة إلى أن وصلت إلى شيخ طريقة، ولم أجد أحدًا يسعى ليُفهم مريديه عقيدة وحدة الوجود ولكن أحيانًا قد يعطيك مجرد إشارة لهذه العقيدة أثناء الحضرة، و في يوم من الأيام بعد ما أكرمني وهداني رب العالمين إلى طريق الكتاب والسنة، ذهبت لشيخ من مشايخ الطريقة، وكان مستشارا في مجلس الدولة، يعني رجل مثقف ثقافة عالية جدًا وحاصل على دكتوراه في القانون فسألته سؤالا محددا: "يا شيخنا: وحدة الوجود ماذا تقول فيها ؟" فقال لي إجابة ملخصها في كلمتين: " هي حق في ذاتها خطأ في الحديث عنها"
مما أكد أن غالب الأتباع والمريدين ومن يذهبون إلى الموالد لايفهمون شيئاً عن عقيدة الصوفية الخاصة بالحلول والاتحاد.
* أيهما أخطر صوفية الماضي أم صوفية الحاضر ؟
- لا شك أن الصوفية خطرعظيم جدًا، وكانت خطرا متضخما جدًا في وقت محيي الدين بن عربي، وقد مر بي كثيرا تحذير العلماء المعاصرين له من فكره، فقد كان العلماء حينما يكتب الواحد منهم أو يؤلف، تحده يعرج ليحذر من ابن عربي وأمثاله ومن أفكارهم.
لكن الوضع الآن أخطر ؟ لأن الفكر الشيعي تسرب بكل جزئياته في الفكر الصوفي لجهل الصوفية والقائمين عليها، فقد كان الصوفية منتبهين لقضية الإمامة وكانوا مثل السنة يرون صحة ترتيب الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أما صوفية اليوم فيعتقدون قطاع عريض منهم اعتقاد الشيعة في الصحابة، فما نحن فيه الآن فنحن نواجه قوما اسمهم الصوفية تشيع أغلبهم في الباطن.
* رغم أن الصوفية تصطدم مع العلم والواقع، نجد أن بعض المثقفين ومن ينسب إلى العلم منهم من يعتنق التصوف ويدافع عنه، فما سبب ذلك؟
- الحقيقة هذه ملحوظة مهمة جدًا، لكن لو وسعنا النظرة سنجد أن هذه قضية مشتركة في كل الأفكار، فهناك علماء في الهند لهم وزن راسخ إذا مرت بقرة في الشارع أفسح لها الطريق لأنها يعبدها لأنها الصورة المثلى عنده للإله.
ومسألة العلم النظري لا علاقة لها بالمعتقد ولا نقدر أن تقول ما دام عالم ذرة لابد تكون عقيدة صحيحة، فهذه إجابة عامة شاملة.
ولكن نقول أن المشكلة في مصر جاءت بسبب ضعف التعليم الإسلامي فجيلنا لم يدرس الإسلام إلا في حصة الدين، ودخلنا الجامعة ولم نسمع كلمة واحدة على أي علم من العلوم الإسلامية وتخرجنا لانعرف شيئًا عن ديننا وانشغلنا في أعمالنا، فعندما يرغب الإنسان يرغب في الوصول إلى الله تعالى يصعب عليه التعلم بعد هذا العمر فيأتي إليه من يقول له الأمر سهل اجلس مع الشيخ فلان فهو رجل طيب اقعد معاه سيقول لك استغفر ربنا وصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول لا إله إلا الله ثلاثمائة مرة ولا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة هتدخل الجنة وتصبح طائر مع العارفين، فيمشي وراء الشيخ ولا يستطيع ان يزن كلام الشيخ هل هو صحيح ام خاطىء لأنه يفتقد العلم، فاللوم ليس على المثقفين اللوم على من تركهم يصبحوا مثقفين دون أن يعرفوا دينهم.
* هل هناك تيارات صوفية على الساحة سليمة المعتقد أو قريبة من سلامة المعتقد معتدلة المنهج من الممكن في رأيك التعاون معها والاتصال بها واستثمارها في محاربة شركيات التيارات الصوفية الأخرى ؟
- قد كان لي تجربة في ذلك، فعندما تركت الطريقة الخلوتية كان لي صديق من الطريقة التيجانية قال لي يا أخي أنت كنت تسير في طريق ووجدت الطريق غير صحيح فانظر في طريقتنا وشيخنا الحافظ التيجاني المحدث وليس عندنا خطأ.
قلت له إذن أعطني الأوراد أطلع عليها وأرى، وحين قرأتها قلت الحمد الله قد كنت في طريق هي أهون شرا مما هم فيه، فشيخهم يدعي لنفسه أنه يمد الخلائق بأنوار الله سبحانه وتعالى من الأزل إلى الأبد بما فيهم الأنبياء، وكان هذا دافع لأن أدرس أوراد الطرق وبالفعل درست أوراد عشرين طريقة، فوجدت فيها نفس ما عبته على الطريقة التي كنت أسير عليها وليس هناك فرق بينهم.
* لماذا سميت الحضرة بالحضرة؟
- أجاب عن ذلك الدباغ في كتابه الإبريز: أن آدم عليه السلام لما كان في الملأ الأعلى كان يسمع ذكر وتسبيح الملائكة، فلما أنزل إلى الأرض استوحش فبدأت الملائكة تستأذن الله أن تنزل على آدم لتقيم عنده الحضرة، وعندما يكبر واحد من أبناء وأحفاد آدم عليه السلام يحل محل واحد من الملائكة إلى أن كونت الحضرة من البشر بعد أن كانت من الملائكة، وفيها تحضرالذات الإلهية.
* ولماذا يذكرون الله بلفظ هو الغائب، وهم يعتقدون حضور الذات؟
وفيها يذكرون بهو ويرون أن هذا الذكر هو ذكر الخليليه لإن إبراهيم كان يذكر به كما يدعون ودليلهم قول الله تعالى" إن إبراهيم كان أواه حليم"
* هل يمكن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في اليقظة، أو ما يسميه الصوفية عالم المثال بين الحقيقة والخيال؟
هذه المسألة من أعظم المهالك لدى الطرق الصوفية، إذ كنت أجد من هو على باطل يقول لي أنا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمرني بكذا، وقد يكون صادقا فيما توهم لا فيما رأى،لأن الشيطان يوهمه بذلك، وقد توصلت بعد طول بحث إلى أن المعيار في صدق الرؤية أن يكون النبي على صفاته المعروفة عنه.
أما من ادعى أنه رأى النبي في اليقظة فقد كذب على الله ورسوله، إذ لا يمكن أن يحدث ذلك.
* يرى كثير من الباحثين أن العلاقة بين التصوف والتشيع وطيدة من الناحية الفكرية، فهل ترى أن هذه العلاقة ممتدة بين الصوفية والشيعة على المستوى السياسي والتنظيمي ؟
- نعم.. هو الصلة بين التصوف والتشيع تكلم فيها كثير من الباحثين وأثبتوها وأنا في كتبي تناولت الشيعة والصوفية ووجدت أن جذور الصوفية تنهل من مناهل الشيعة.
لأن المحور الأساسي الذي جمع بين التصوف والتشيع واحد وهو شخصية علي بن أبي طالب؛ الشيعة يؤمنون بأن علي المعين من الله سبحانه وتعالى بنص إلهي والأئمة نسلهم من بعده، هذا عند الشيعة.
أما الصوفية فهم يعتبرون أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إمام علم الباطن وهو الأقرب للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك تجد كثيرا من الصوفية مع الوقت حبهم لأبي بكر وعمر يضعف في قلبوهم وتجد حديثه عنهم يقل ويكثر جدًا عن سيدنا علي.
وبعد ذلك يرفع مقام الحسن والحسين بنفس القدر والأئمة من بعده وهم استبدلوا كلمة الأئمة بالأقطاب، وقد غيروا الاسم من ليعيشوا بين أهل السنة دون مشاكل فسموهم الأقطاب.
* قد قلتَ من قبل أن الصوفية هم طابور خامس للشيعة في ديار السنة أو هم مشروع لطابور خامس فهل يمكن أن نضع الصوفية كلهم في سلة واحدة؟
- بالطبع لا.. ولكن هناك بعض الطرق كالطريقة العزمية مثلاً كل كتاباتها وكل أورادها وكل كلامها واضح جدًا منها أنها أقرب الطرق إلى الشيعة وليس إلى السنة.
وهناك طرق انتبهت للقضية وحاولت أن تصلح، لكن ليس عندي إحصاء دقيقن لكن على أية حال ينبغي أن نحذر الصوفية من هذه القضية.
* هل ترى أن فكر ابن عربي وأمثاله ومن تأثر بالفكر اليوناني يلقى رواجًا بين الصوفية.
- نظرًا للجهل الموجود لا يوجد أحد يعرف ماذا قال ابن عربي إلا قلة قليلة جدًا من الصوفية فللقاء ما بين الشيخ الكبير في الطريقة وبين الخلفاء محتوى،يختلف بلا شك عن محتوى اللقاء بين الخلفاء والمريدين، فالخلفاء والمريدون لا أحد منهم يتكلم عن ابن عربي وفكر ابن عربي، ولا أحد يحسن أن يقرأ له أصلاً.
* هناك بعض الباحثين اليوم - من الشيعة - أثبتوا أن ابن عربي كان شيعيا ؟
- ابن عربي حين تقرأ كلامه تجده قال أن المهدي دخل السرداب وسيخرج آخر الزمان وقال في الفتوحات المكية ما تقول به الشيعة أن المهدي حين يظهر آخر الزمان لن يعمل إلا بقتل العرب وسفك دمائهم.
* نريدكم أن تحدثونا عن العناصر التي تقوم عليها فكرة التصوف، كمحورية الشيخ ومحورية القبر ومحورية الأوراد..، هذه كلها محاور تكاد تنتظم عليها الطرق الصوفية، نريد أن نفهم ما الصلة بين القبر والصوفية هل هناك تلازم بين هذه المحاور وبين التصوف ؟
- الفكر الصوفي يقوم على محور أساسي وهو محور الشيخ وكل الطرق - تقريبا- لا تزكي الشيخ ولا تعظم أمر الشيخ بكلام صريح من الشيخ، فالشيخ لا يقول لهم أنا قطب الوقت، ولكن تجد الشيخ يكلمك عن شيخه الذي مات ويتكلم عن شيخه ويعظم في شأن شيخه تعظيما ضخما جدًا، حتى يرسخ في ذهن المريد أنه لابد أن تعظم شيخك مثلما يعظم شيخه فتنتقل وترث آداب التعلم مع الشيخ بنفس الشكل.
كذلك يقال لك في وسط الكلام أن الشيخ هو الباب الموصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولابد أن يكون بينك وبين الشيخ رابطة ويقال لك إنك إن ذكرت الله سبحانه وتعالى وستقعد في مكان في بيتك تطيب المكان وكذا وتطفئ النور وتقعد تذكر الله بمفردك وتستحضر شيخك كأنك تجلس أمام شيخك ولما تستحضر شيخك تنتقل لمرحلة أعلى حتى تستحضر الله جل جلاله.
- قضية محورية القبر.
* القبر عند الصوفية لا يسكنه ميت، لأن من وصل إلى مقام القطبانية عندهم فهو يتصرف في الكون و يحضر ديوان التصريف.. التي تعرف بالحكومة الباطنية للكون، و الله تعالى لا ينظر في الكون كله إلا إلى قطب الوقت الذي يعرف بالقطب الفرد الغوث الجامع، وهي كما ترى هرطقات ماأنزل الله بها من سلطان.
وهذا القطب يتلقى عن الله سبحانه ويتعامل مع الله، وله قطب (وزير يمين) يتصرف في الملكوت(الملأ الأعلى)، وآخر على اليسار يتصرف في المُلك، وتحت القطب أربعة أوتاد، وتحت الأوتاد أبدال وتحت الأبدال نقباء.
* بينما قامت فكرة التصوف على الزهد نجد حياة مشايخهم حياة ترف، فكيف يُبرر ذلك للمريدين؟
الزهد كان في الماضي، ولا يوجد الآن أحد يدعو مريديه للزهد في الدنيا.
بل هناك من يدعو لذلك كالجفري مثلا يتحدث عن التربية في المزابل، من أجل أن يصل الإنسان لابد أن يعذب نفسه ويزهد فيجلس مثلا في حجرة مظلمة لفترة طويلة.
هؤلاء هم من يقومون برياضات روحية مثل البوذية، وكل طريقة تنتخب مجموعة منها لعمل ذلك، وغرضهم في ذلك تعلم السحر، ففي طريقتي السابقة شيخ دخل الخلوة لمدة 30 يوما وجلس بمفرده، هذا الرجل كانوا يرسلونه فيما بعد لاستخراج الجن وإبطال السحر، ويعتبر ذلك مدخلا لاكتساب مريدين جدد للطريقة عن طريق التأثير على الناس، ويجعل الناس يقولون إذا كان تلميذ الشيخ يخرج الجن وله هذه القدرة فما بال شيخ الطريقة؟!
فهذه الرياضة الروحية غير مطلوبة من المريدين، ولي في هذا الأمر حادثة سابقة، فقد جاءني أحد كبار شيوخ الطريقة ويدعى الشيخ لطفي وكان كبيرا في السن يصل عمره إلى 80 عامًا، وقال لي أنه مكلف من الشيخ الكبير ليعلمني كيف أتعامل مع الجن وأحرقه، ولكني رفضت قائلا له أنا لست خالصًا من أعدائي من الإنس وليس بي حاجة لأعداء من الجن.
* لك في الطريقة الخلوتية تجربة ثرية فما الذي استفدته من هذه الفترة والتي استمرت لمدة 14 عامًا؟ وما الأسباب التي دعتك لترك الطريقة والسير على نهج أهل السنة والجماعة؟
كل ميسر لما خلق له، فهذه التجربة في البداية نقلتني من مسلم عادي لمسلم يهتم بالقرآن والأوراد والذكر.
وبعد فترة قصيرة تم اختياري لتولي شيخ الطريقة بالقاهرة، ولقد استفدت من التصوف القراءة في كتب الرقائق التي كتبها علماء من الصوفية قدماء ليس عندهم انحراف فكري، وبدأت الاهتمام بالصلوات والذكر والقرآن والطهارة الدائمة، ولم أكن أعلم أن في هذه الطريقة انحرافا، فما أمرني به شيخ الطريقة في البداية لم يتعدى هذا الأمر.
أما عن هدايتي للحق فكانت في البداية بسبب تصرفات بعض المشايخ، فعندما كنت أقرأ في كتب الصوفية الأوائل أجدها قوية في السلوك إلى الله أما الأفراد فأجدهم في هذا العصر أبعد ما يكون عن هذه الكتب.
كذلك وجدت هناك صراعا بين مشايخ الطرق على المريدين، فالتطبيق الفعلي للتصوف كان مختلفا.
------------------------------ يتبع------------------------------------
الشيخ محمود المراكبي في حوار خاص بموقع الصوفية:
حاوره من القاهرة: محمد عبد العزيز
* كيف ترى الفرق بين صوفية الماضي وصوفية الحاضر؟ وأيهما اخطر؟
- بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..
فحين بدأ التصوف في القرن الثالث الهجري، لم يكن التصوف في ذلك الوقت أكثر من الزهد في الدنيا والإقبال على الله والتزود من الطاعات والإكثار من النوافل بغرض تهذيب النفس والتخفف من الشهوات.
ولكن سرعان ما دخلت فيه التيارات الفلسفية والفكرية فظهر أبو سعيد الخراز وظهرت فكرة الفناء والبقاء، ثم بدأت فكرة الفناء تأخذ أبعاداً جديدة، فبدلا من أن تعني فناء الصفات البشرية بصفات طيبة من صفات الكمال والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى دخلت المسألة في انصراف صفات البشر إلى حلول صفات الحق تبارك وتعالى فدخل فيها نوع من أنواع الحلول ولكن حلول في الصفات إلى أن وصل إلى الحلاج والبسطامي حيث بدأت المسألة تأخذ بُعد الفلسفة الاتحادية والحلولية المعروفة عند الإغريق والهندوغيرهما من الثقافات.
وزادت المسألة بعد ذلك بمجيء محي الدين بن عربي وظهور مسألة الإنسان الكامل التي أخرجت الفكر الصوفي من دائرة الإسلام، و إذا تتبعت كلام محي الدين بن عربي وكلام ابن سبعين وكلام ابن الفارض تجد أنك أمام رسالة أخرى لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم جاء بعد ذلك جماعة من الجهلة، بعيدين عن الفهم والعلم والتعلم فأخذوا مفردات كلمات محي الدين بن عربي ووضعوها في الأوراد الخاصة بهم ونقلوها للمريدين الموجودين حاليًا، وهم مجموعة من الجهلة الذين لايفهمون ما يرددون، فأصبحت المسألة مسألة صورية لا فكرموجود فيها ولا وراءها علم ولا وراءها شيء سوى تقليد واتباع أسلافهم على جهل، والمصالح والمكاسب هي اللي تحركهم الآن.
* هل يشكلون اليوم امتدادا أم مزيد انحراف ؟
- أنا كنت في طريق صوفي ومكثت في هذا الطريق 14 سنة إلى أن وصلت إلى شيخ طريقة، ولم أجد أحدًا يسعى ليُفهم مريديه عقيدة وحدة الوجود ولكن أحيانًا قد يعطيك مجرد إشارة لهذه العقيدة أثناء الحضرة، و في يوم من الأيام بعد ما أكرمني وهداني رب العالمين إلى طريق الكتاب والسنة، ذهبت لشيخ من مشايخ الطريقة، وكان مستشارا في مجلس الدولة، يعني رجل مثقف ثقافة عالية جدًا وحاصل على دكتوراه في القانون فسألته سؤالا محددا: "يا شيخنا: وحدة الوجود ماذا تقول فيها ؟" فقال لي إجابة ملخصها في كلمتين: " هي حق في ذاتها خطأ في الحديث عنها"
مما أكد أن غالب الأتباع والمريدين ومن يذهبون إلى الموالد لايفهمون شيئاً عن عقيدة الصوفية الخاصة بالحلول والاتحاد.
* أيهما أخطر صوفية الماضي أم صوفية الحاضر ؟
- لا شك أن الصوفية خطرعظيم جدًا، وكانت خطرا متضخما جدًا في وقت محيي الدين بن عربي، وقد مر بي كثيرا تحذير العلماء المعاصرين له من فكره، فقد كان العلماء حينما يكتب الواحد منهم أو يؤلف، تحده يعرج ليحذر من ابن عربي وأمثاله ومن أفكارهم.
لكن الوضع الآن أخطر ؟ لأن الفكر الشيعي تسرب بكل جزئياته في الفكر الصوفي لجهل الصوفية والقائمين عليها، فقد كان الصوفية منتبهين لقضية الإمامة وكانوا مثل السنة يرون صحة ترتيب الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أما صوفية اليوم فيعتقدون قطاع عريض منهم اعتقاد الشيعة في الصحابة، فما نحن فيه الآن فنحن نواجه قوما اسمهم الصوفية تشيع أغلبهم في الباطن.
* رغم أن الصوفية تصطدم مع العلم والواقع، نجد أن بعض المثقفين ومن ينسب إلى العلم منهم من يعتنق التصوف ويدافع عنه، فما سبب ذلك؟
- الحقيقة هذه ملحوظة مهمة جدًا، لكن لو وسعنا النظرة سنجد أن هذه قضية مشتركة في كل الأفكار، فهناك علماء في الهند لهم وزن راسخ إذا مرت بقرة في الشارع أفسح لها الطريق لأنها يعبدها لأنها الصورة المثلى عنده للإله.
ومسألة العلم النظري لا علاقة لها بالمعتقد ولا نقدر أن تقول ما دام عالم ذرة لابد تكون عقيدة صحيحة، فهذه إجابة عامة شاملة.
ولكن نقول أن المشكلة في مصر جاءت بسبب ضعف التعليم الإسلامي فجيلنا لم يدرس الإسلام إلا في حصة الدين، ودخلنا الجامعة ولم نسمع كلمة واحدة على أي علم من العلوم الإسلامية وتخرجنا لانعرف شيئًا عن ديننا وانشغلنا في أعمالنا، فعندما يرغب الإنسان يرغب في الوصول إلى الله تعالى يصعب عليه التعلم بعد هذا العمر فيأتي إليه من يقول له الأمر سهل اجلس مع الشيخ فلان فهو رجل طيب اقعد معاه سيقول لك استغفر ربنا وصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول لا إله إلا الله ثلاثمائة مرة ولا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة هتدخل الجنة وتصبح طائر مع العارفين، فيمشي وراء الشيخ ولا يستطيع ان يزن كلام الشيخ هل هو صحيح ام خاطىء لأنه يفتقد العلم، فاللوم ليس على المثقفين اللوم على من تركهم يصبحوا مثقفين دون أن يعرفوا دينهم.
* هل هناك تيارات صوفية على الساحة سليمة المعتقد أو قريبة من سلامة المعتقد معتدلة المنهج من الممكن في رأيك التعاون معها والاتصال بها واستثمارها في محاربة شركيات التيارات الصوفية الأخرى ؟
- قد كان لي تجربة في ذلك، فعندما تركت الطريقة الخلوتية كان لي صديق من الطريقة التيجانية قال لي يا أخي أنت كنت تسير في طريق ووجدت الطريق غير صحيح فانظر في طريقتنا وشيخنا الحافظ التيجاني المحدث وليس عندنا خطأ.
قلت له إذن أعطني الأوراد أطلع عليها وأرى، وحين قرأتها قلت الحمد الله قد كنت في طريق هي أهون شرا مما هم فيه، فشيخهم يدعي لنفسه أنه يمد الخلائق بأنوار الله سبحانه وتعالى من الأزل إلى الأبد بما فيهم الأنبياء، وكان هذا دافع لأن أدرس أوراد الطرق وبالفعل درست أوراد عشرين طريقة، فوجدت فيها نفس ما عبته على الطريقة التي كنت أسير عليها وليس هناك فرق بينهم.
* لماذا سميت الحضرة بالحضرة؟
- أجاب عن ذلك الدباغ في كتابه الإبريز: أن آدم عليه السلام لما كان في الملأ الأعلى كان يسمع ذكر وتسبيح الملائكة، فلما أنزل إلى الأرض استوحش فبدأت الملائكة تستأذن الله أن تنزل على آدم لتقيم عنده الحضرة، وعندما يكبر واحد من أبناء وأحفاد آدم عليه السلام يحل محل واحد من الملائكة إلى أن كونت الحضرة من البشر بعد أن كانت من الملائكة، وفيها تحضرالذات الإلهية.
* ولماذا يذكرون الله بلفظ هو الغائب، وهم يعتقدون حضور الذات؟
وفيها يذكرون بهو ويرون أن هذا الذكر هو ذكر الخليليه لإن إبراهيم كان يذكر به كما يدعون ودليلهم قول الله تعالى" إن إبراهيم كان أواه حليم"
* هل يمكن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في اليقظة، أو ما يسميه الصوفية عالم المثال بين الحقيقة والخيال؟
هذه المسألة من أعظم المهالك لدى الطرق الصوفية، إذ كنت أجد من هو على باطل يقول لي أنا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمرني بكذا، وقد يكون صادقا فيما توهم لا فيما رأى،لأن الشيطان يوهمه بذلك، وقد توصلت بعد طول بحث إلى أن المعيار في صدق الرؤية أن يكون النبي على صفاته المعروفة عنه.
أما من ادعى أنه رأى النبي في اليقظة فقد كذب على الله ورسوله، إذ لا يمكن أن يحدث ذلك.
* يرى كثير من الباحثين أن العلاقة بين التصوف والتشيع وطيدة من الناحية الفكرية، فهل ترى أن هذه العلاقة ممتدة بين الصوفية والشيعة على المستوى السياسي والتنظيمي ؟
- نعم.. هو الصلة بين التصوف والتشيع تكلم فيها كثير من الباحثين وأثبتوها وأنا في كتبي تناولت الشيعة والصوفية ووجدت أن جذور الصوفية تنهل من مناهل الشيعة.
لأن المحور الأساسي الذي جمع بين التصوف والتشيع واحد وهو شخصية علي بن أبي طالب؛ الشيعة يؤمنون بأن علي المعين من الله سبحانه وتعالى بنص إلهي والأئمة نسلهم من بعده، هذا عند الشيعة.
أما الصوفية فهم يعتبرون أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إمام علم الباطن وهو الأقرب للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك تجد كثيرا من الصوفية مع الوقت حبهم لأبي بكر وعمر يضعف في قلبوهم وتجد حديثه عنهم يقل ويكثر جدًا عن سيدنا علي.
وبعد ذلك يرفع مقام الحسن والحسين بنفس القدر والأئمة من بعده وهم استبدلوا كلمة الأئمة بالأقطاب، وقد غيروا الاسم من ليعيشوا بين أهل السنة دون مشاكل فسموهم الأقطاب.
* قد قلتَ من قبل أن الصوفية هم طابور خامس للشيعة في ديار السنة أو هم مشروع لطابور خامس فهل يمكن أن نضع الصوفية كلهم في سلة واحدة؟
- بالطبع لا.. ولكن هناك بعض الطرق كالطريقة العزمية مثلاً كل كتاباتها وكل أورادها وكل كلامها واضح جدًا منها أنها أقرب الطرق إلى الشيعة وليس إلى السنة.
وهناك طرق انتبهت للقضية وحاولت أن تصلح، لكن ليس عندي إحصاء دقيقن لكن على أية حال ينبغي أن نحذر الصوفية من هذه القضية.
* هل ترى أن فكر ابن عربي وأمثاله ومن تأثر بالفكر اليوناني يلقى رواجًا بين الصوفية.
- نظرًا للجهل الموجود لا يوجد أحد يعرف ماذا قال ابن عربي إلا قلة قليلة جدًا من الصوفية فللقاء ما بين الشيخ الكبير في الطريقة وبين الخلفاء محتوى،يختلف بلا شك عن محتوى اللقاء بين الخلفاء والمريدين، فالخلفاء والمريدون لا أحد منهم يتكلم عن ابن عربي وفكر ابن عربي، ولا أحد يحسن أن يقرأ له أصلاً.
* هناك بعض الباحثين اليوم - من الشيعة - أثبتوا أن ابن عربي كان شيعيا ؟
- ابن عربي حين تقرأ كلامه تجده قال أن المهدي دخل السرداب وسيخرج آخر الزمان وقال في الفتوحات المكية ما تقول به الشيعة أن المهدي حين يظهر آخر الزمان لن يعمل إلا بقتل العرب وسفك دمائهم.
* نريدكم أن تحدثونا عن العناصر التي تقوم عليها فكرة التصوف، كمحورية الشيخ ومحورية القبر ومحورية الأوراد..، هذه كلها محاور تكاد تنتظم عليها الطرق الصوفية، نريد أن نفهم ما الصلة بين القبر والصوفية هل هناك تلازم بين هذه المحاور وبين التصوف ؟
- الفكر الصوفي يقوم على محور أساسي وهو محور الشيخ وكل الطرق - تقريبا- لا تزكي الشيخ ولا تعظم أمر الشيخ بكلام صريح من الشيخ، فالشيخ لا يقول لهم أنا قطب الوقت، ولكن تجد الشيخ يكلمك عن شيخه الذي مات ويتكلم عن شيخه ويعظم في شأن شيخه تعظيما ضخما جدًا، حتى يرسخ في ذهن المريد أنه لابد أن تعظم شيخك مثلما يعظم شيخه فتنتقل وترث آداب التعلم مع الشيخ بنفس الشكل.
كذلك يقال لك في وسط الكلام أن الشيخ هو الباب الموصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولابد أن يكون بينك وبين الشيخ رابطة ويقال لك إنك إن ذكرت الله سبحانه وتعالى وستقعد في مكان في بيتك تطيب المكان وكذا وتطفئ النور وتقعد تذكر الله بمفردك وتستحضر شيخك كأنك تجلس أمام شيخك ولما تستحضر شيخك تنتقل لمرحلة أعلى حتى تستحضر الله جل جلاله.
- قضية محورية القبر.
* القبر عند الصوفية لا يسكنه ميت، لأن من وصل إلى مقام القطبانية عندهم فهو يتصرف في الكون و يحضر ديوان التصريف.. التي تعرف بالحكومة الباطنية للكون، و الله تعالى لا ينظر في الكون كله إلا إلى قطب الوقت الذي يعرف بالقطب الفرد الغوث الجامع، وهي كما ترى هرطقات ماأنزل الله بها من سلطان.
وهذا القطب يتلقى عن الله سبحانه ويتعامل مع الله، وله قطب (وزير يمين) يتصرف في الملكوت(الملأ الأعلى)، وآخر على اليسار يتصرف في المُلك، وتحت القطب أربعة أوتاد، وتحت الأوتاد أبدال وتحت الأبدال نقباء.
* بينما قامت فكرة التصوف على الزهد نجد حياة مشايخهم حياة ترف، فكيف يُبرر ذلك للمريدين؟
الزهد كان في الماضي، ولا يوجد الآن أحد يدعو مريديه للزهد في الدنيا.
بل هناك من يدعو لذلك كالجفري مثلا يتحدث عن التربية في المزابل، من أجل أن يصل الإنسان لابد أن يعذب نفسه ويزهد فيجلس مثلا في حجرة مظلمة لفترة طويلة.
هؤلاء هم من يقومون برياضات روحية مثل البوذية، وكل طريقة تنتخب مجموعة منها لعمل ذلك، وغرضهم في ذلك تعلم السحر، ففي طريقتي السابقة شيخ دخل الخلوة لمدة 30 يوما وجلس بمفرده، هذا الرجل كانوا يرسلونه فيما بعد لاستخراج الجن وإبطال السحر، ويعتبر ذلك مدخلا لاكتساب مريدين جدد للطريقة عن طريق التأثير على الناس، ويجعل الناس يقولون إذا كان تلميذ الشيخ يخرج الجن وله هذه القدرة فما بال شيخ الطريقة؟!
فهذه الرياضة الروحية غير مطلوبة من المريدين، ولي في هذا الأمر حادثة سابقة، فقد جاءني أحد كبار شيوخ الطريقة ويدعى الشيخ لطفي وكان كبيرا في السن يصل عمره إلى 80 عامًا، وقال لي أنه مكلف من الشيخ الكبير ليعلمني كيف أتعامل مع الجن وأحرقه، ولكني رفضت قائلا له أنا لست خالصًا من أعدائي من الإنس وليس بي حاجة لأعداء من الجن.
* لك في الطريقة الخلوتية تجربة ثرية فما الذي استفدته من هذه الفترة والتي استمرت لمدة 14 عامًا؟ وما الأسباب التي دعتك لترك الطريقة والسير على نهج أهل السنة والجماعة؟
كل ميسر لما خلق له، فهذه التجربة في البداية نقلتني من مسلم عادي لمسلم يهتم بالقرآن والأوراد والذكر.
وبعد فترة قصيرة تم اختياري لتولي شيخ الطريقة بالقاهرة، ولقد استفدت من التصوف القراءة في كتب الرقائق التي كتبها علماء من الصوفية قدماء ليس عندهم انحراف فكري، وبدأت الاهتمام بالصلوات والذكر والقرآن والطهارة الدائمة، ولم أكن أعلم أن في هذه الطريقة انحرافا، فما أمرني به شيخ الطريقة في البداية لم يتعدى هذا الأمر.
أما عن هدايتي للحق فكانت في البداية بسبب تصرفات بعض المشايخ، فعندما كنت أقرأ في كتب الصوفية الأوائل أجدها قوية في السلوك إلى الله أما الأفراد فأجدهم في هذا العصر أبعد ما يكون عن هذه الكتب.
كذلك وجدت هناك صراعا بين مشايخ الطرق على المريدين، فالتطبيق الفعلي للتصوف كان مختلفا.
------------------------------ يتبع------------------------------------